الأحد، 4 مايو 2014

الوضع الحقوقي للمرأة في م الأسرة و الإتفاقات الدولية - وضحة بكور - دبلوم د. ع. م.






مــــقــدمــة
يعتبر موضوع المرأة من المواضيع التي تحظى باهتمام كبير ومتزايد من طرف علماء الاجتماع والسياسة وفقهاء القانون وكذلك المجتمع المدني، ويرجع هذا الاهتمام للدور الذي تلعبه المرأة في الأسرة والمجتمع حيث لا يمكن فصل قضية المرأة عن قضية الأسرة وكل حماية للمرأة هي حماية لخلية الأسرة أيضا، وبذلك فقد حظيت بعناية بالغة ابتداءا من العشرية الأخيرة من القرن العشرين.
فالبحث في هذا الموضوع يجد أساسه في اهتمام المجتمع الدولي بحقوق الإنسان وذلك لاقتناعه بأن الإنسان أساس تقدم كل مجتمع فلا يمكن لأي دولة أن تحيا وتنمو وتحقق ازدهارها ما لم تكن حقوق الإنسان مصانة داخل حدودها، ومن غير أن يتمتع مواطنها بالحرية اللازمة  ليعبروا عن أفكارهم وتوجهاتهم.
وكانت نتيجة ذلك أن تم إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وقد كان للمرأة نصيب كبير من الاتفاقيات والإعلانات الدولية الخاصة بحماية حقوقها علاوة على ما تضمنه لها المواثيق والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان بصفة عامة من حقوق وحماية.
وفي المغرب فقد سجل في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بمكانة المرأة ووضعها في المجتمع سواء من طرف فعاليات المجتمع المدني أو من طرف الأجهزة الرسمية، حيث عرفت مسألة حقوق المرأة اهتماما نوعيا إثر توقيع المغرب على المعاهدات الخاصة بهذا المجال وبالأخص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي صادق عليها المغرب بتاريخ 21 يونيو 1993(1)، والتي تعتبر بمثابة إعلان عالمي لحقوق المرأة، ويشكل مبدأ المساواة الكاملة في الحقوق بين الرجال والنساء جوهر هذه الاتفاقية باعتباره المؤسس للحقوق الإنسانية للمرأة.
الشيء الذي جعل المغرب ملزما أدبيا بإقرار بنودها ودمج مبادئها في التشريعات الوطنية وتخليصه من السلبيات المقيدة لحريات وحقوق المرأة.


 
(1)     تم اعتمادها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979 تاريخ بدء النفاد 3 شتنبر 1981 نشرت في الجريدة الرسمية بمقتضى الظهير الشريف رقم 361-93-1 الصادر في 26 دجنبر 2000 عدد 4866 بتاريخ 18 يناير 2001، ص:226.
وذلك اعتبارا لتعهده في تصدير دستور 1996(1) بالتزام بالمواثيق الدولية والتزامه باتخاذ جميع التدابير المناسبة لإزالة الحيف عن المرأة لذلك قام المغرب بعدة إجراءات وتدابير لترجمة التوصيات الأممية الدولية.
وجاء إصلاح مدونة الأسرة في هذا الإطار تحقيقا لهذه الغاية وتعزيزا لمكانة الأسرة كمؤسسة من مؤسسات المجتمع آخذين بعين الاعتبار خصوصية العلاقة الأسرية وقيمتها داخل النسيج الاجتماعي المغربي دون تغييب الانفتاح على المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وكذلك استجابة لمطالب مجموعة من الحقوقيين والجمعويين منظمات وأفراد.
ولقد تدرج المشرع المغربي في هذا الإصلاح من مدونة الأحوال الشخصية لسنة1957(2)مرورا بتعديلات 10 شتنبر 1993(3)هذه التعديلات رغم ايجابيتها إلا أنها لم تكن في مستوى تطلعات الأسرة المغربية كما أنها لم تسد الفراغ التشريعي الذي تعاني منه مدونة الأحوال الشخصية  فهي لا تواكب الوضعية الجديدة للمجتمع والأسرة المغربيين.
لذلك توالت الدعوات المطالبة بالعمل على تحقيق التكافؤ في العلاقة بين الزوجين من خلال تبني فلسفة المساواة كإطار منظم لتلك العلاقة سواء عند بداية عقد الزواج أو أثناء الحياة الزوجية أو عند انتهائها.
واستندت مطالب هذه الدعوات على مقتضيات الدستور المغربي الذي يقر المساواة بين جميع المواطنين وعلى مقتضيات الاتفاقيات الدولية كما ارتكزت هذه الدعوات على التحولات العميقة التي مست مختلف المجالات والميادين المرتبطة بوضعية المرأة المغربية.
كل هذه العوامل فرضت على المشرع المغربي إعادة النظر في مختلف الأحكام المضمنة في مدونة الأحوال الشخصية التي تجعل الزوج غالبا في مكان السلطة والسيادة والمرأة في مرتبة


 
(1)     جاء في تصدير دستور 1996 بأن المملكة المغربية: " إدراكا منها بضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية العضو العامل النشيط في هذه المنظمات تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا" الظهير الشريف رقم 1.96.157 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1996 بتنفيذ نص الدستور نشر بالجريدة الرسمية عدد 4420 بتاريخ 10 أكتوبر 1996.
(2)     الظهير الشريف رقم 343-57-1. الصادر بتاريخ 6 دجنبر1957 لتنفيذ مدونة الأحوال الشخصية المنشورة بالجريدة الرسمية عدد 2345.
(3)     الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 347-93-1. الصادر بتاريخ 10 شتنبر 1993 بتتميم وتغيير بعض فصول مدونة الأحوال الشخصية المنشور في الجريدة الرسمية عدد 4222بتاريخ 29 شتنبر 1993.
أدنى منه، مرتبة القاصر التابع الذي يحتاج إلى من يرعاه ويتحمل مسؤوليته وهذا ما اقتضى إعادة بناء نظام الأسرة المغربية على أساس المساواة بين الزوج والزوجة سواء في الحقوق والواجبات بدءا من أولى خطوات إبرام عقد الزواج إلى إنهائه.
فالمساواة المؤدية إلى العدل والإنصاف هي جوهر الفلسفة التي تبناها المشرع المغربي في بنود مدونة الأسرة إلا أن هذا المبدأ ليس غريبا على فلسفة التشريع المغربي الاسلامي، فالفقه الإسلامي مصدر رسمي من مصادر القانون المغربي والله سبحانه وتعالى لا يلبث يذكر بضرورة احترام هذا المبدأ بقوله تعالى:(( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم ))(1)  بل إن المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات تعتبر مبدأ شاملا في الإسلام إذ لا فضل ولا مفاضلة بين الذكر والأنثى إلا بالعمل الصالح لقوله تعالى: (( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياةطيبة)) (2).
فهل استطاع المشرع المغربي أن يزاوج بين المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية من اجل تكريس حماية فعلية للمرأة؟
قبل الانتقال إلى دراسة هذا الموضوع لابد من التوقف عند أهمية الموضوع والإشكالات التي يعالجها وكذا الصعوبات التي واجهتها  في سبيل انجاز هذا البحث وأخيرا المنهج المتبع وهيكلة البحث.
1.    أهمية الموضوع:
إن البحث في موضوع: » الوضع الحقوقي للمرأة في مدونة الأسرة والاتفاقيات الدولية «
 يكتسي أهمية مزدوجة في نظرنا من الوجهة العلمية أي على مستوى البحث والتحليل ومن الوجهة العملية أي على مستوى الواقع المعيش.
وتنبع الأهمية العلمية لهذا الموضوع في كونه يهتم بمعالجة الوضعية القانونية للمرأة المغربية التي تحتاج إلى حماية خاصة بعد التعديلات الأخيرة التي عرفتها وضعية المرأة في منظومتنا القانونية واخص بالذكر مدونة الأسرة وما واكبها من نقاشات حول حدود التوافق


 
(1)     سورة البقرة، الآية: 226
(2)     سورة النحل، الآية: 97
والانسجام بين ما هو مقرر في  أحكام الفقه الإسلامي وما هو منصوص عليه في الاتفاقيات الدولية.
أما الأهمية العملية فتكمن في رصد التحولات المتعددة الجوانب التي مست بنية المجتمع المغربي ومن خلاله الأسرة المغربية والتي أدت إلى خلق بنيات اجتماعية واقتصادية انعكست على بنية الأسرة ووظائف الزوجين داخلها ومن هنا برزت تصورات جديدة للعلاقات الأسرية عموما وللعلاقة بين الزوج والزوجة على أساس المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات. والمشرع المغربي لم يبق بعيدا عن هذه التحولات فقد حاول مواكبتها عن طريق إخراج مدونة الأسرة إلى حيز الوجود هذه الأخيرة أنصفت المرأة وضمنت لها حقوقها سواء عند بداية العلاقة الزوجية أو أثناء انتهائها.
2.    صعوبات البحث:
واجهت هذا البحث عدة صعوبات يمكن إجمال أهمها في صعوبتين:
الصعوبة الأولى: تتعلق بغنى وتنوع الموضوع مما يجعل كل محاولة لتحديده تظل أمرا صعبا لذلك اقتصرت على بعض حقوق المرأة سواء عند إبرام عقد الزواج وعند انتهائه.
الصعوبة الثانية: تتعلق بكون موضوع حقوق المرأة يعتبر من المواضيع ذات  اهمية في المجتمعات الإسلامية بصفة عامة ويشكل ملجأ للخصوصيات الوطنية تتحكم فيه عدة اعتبارات دينية في مقابل معايير النموذج الدولي التي أصبحت تفرض ذاتها في الوقت الحالي بحكم تبنيها من قبل منظمات دولية  تعد الدولة المغربية عضوا فيها الأمر الذي يجعل الباحث في حيرة خاصة أمام تعدد الآراء الفقهية حول قضية معينة.
3.    إشكالية البحث:
يعالج هذا البحث إشكالا مركزيا يتمحور حول حدود التوافق والانسجام بين ما هو مقرر في التشريع الداخلي الخاص بالأحوال الشخصية وبين مقتضيات الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بموضوع المساواة بين الجنسين والى أي حد استطاع المشرع المغربي التوفيق بينها وبين ما هو مكرس في الشريعة الإسلامية؟
عن هذه الإشكالية الرئيسية تتفرع عدة إشكاليات فرعية من قبيل هل راعى المشرع الوطني والدولي طبيعة تكوين المرأة والأدوار التي تقوم بها في المجتمع؟
هل فعلا تتضمن مدونة الأسرة حقوقا للمرأة كما هي متعارف عليها دوليا؟
إن معالجة هذه الإشكالية وغيرها يستوجب اعتماد منهجية محددة من شأنها المساعدة على مقاربة هذا الموضوع بشكل شمولي والإحاطة بمختلف جوانبه.
4.    المناهج المعتمدة في البحث وخطة الدراسة:
للإجابة على الإشكاليات السابقة الذكر، يقتضي الأمر قراءة وتحليل النصوص القانونية ذات الصلة بالموضوع ومقارنتها بالمواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب كما تتطلب مقارنة هذه النصوص بالتشريع المقارن، وأحكام الشريعة الإسلامية مع الاستعانة ببعض الاجتهادات القضائية.
وعليه فإن انجاز هذا البحث يستلزم بالضرورة توظيف المنهج التحليلي النقدي والمنهج المقارن(1).
 وعلى ضوء ما سبق سنقسم البحث إلى فصلين:

الفصل الأول: حقوق المرأة في عقد الزواج في مدونة الأسرة والاتفاقيات الدولية.

الفصل الثاني: حقوق المرأة أثناء انحلال عقد الزواج في مدونة الأسرة والاتفاقيات الدولية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم