المبحث الثاني : مسطـــرة الصلــــــح في دعـــاوي الشقـــاق و أثرها
في إنهاء النزعـات الزوجيـــة
إن تفعيل إجراءات الوساطة بين الزوجين قصد محاولة الصلح بينهما طبقا
للمادة 82 من مدونة الأسرة، يقتضي اعتماد المسطرة القانونية الخاصة
بتسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق، و التي يختلف أثرها على وحدة الأسرة
حسب النتيجة التي يخلص إليها من خلال ذلك.
وعليه سنقسـم هذا المبحث إلى مطلبيـن كمـا يلـي :
المطلب الأول : مسطرة الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق .
المطلب الثاني : أثر إجراءات الصلح في إنهاء النزاعات الزوجية .
المطلـب الأول : مسطـرة الصلـح بين الزوجين في دعاوي الشقــاق
في إطار السلطة المخولة لها لأجل تسوية النزاعات الزوجية من خلال
توجيهها لمسطرة الشقاق، تتمتع المحكمة بصلاحيات مهمة لتفعيل إجراءات الصلح بين
الزوجين، بحيث إن المشرع لم يقيد عملها بوجوب اعتماد إجراء معين أو احترام
ترتيب محدد للقيام بذلك، بل يمكنها اللجوء إلى أي إجراء من تلك الإجراءات التي
ترى فيه إمكانية تحقيق تسوية ودية للنزاع المعروض عليها، تجنيبا للأسرة من
المخاطر الناجمة عن تفككها.
لذلك ومن خلال استقرائنا للمواد المنظمة لمسطرة الشقاق في مدونة الأسرة
يمكن التمييز بين نوعين من الوساطة لإجراء الصلح بين الزوجين، الأولى قضائيـة
و الثانية غير قضائية ( [1]) .
الفقـــــرة الأولـى : الوساطــــة القضائيـــــة
نظرا لأهمية الوساطة القضائية في إنهاء النزاعات الزوجية، فإنها تحظى
باهتمام الأنظمة القانونية المعاصرة ( [2])، حيث تتمثل طبقا للقانون المغربي في تلك المساعي التي تبذلها المحكمة
المختصة لأجل إيجاد تسوية ودية للنزاع المعروض عليها في دعاوي الشقاق، تتم
بحضور الزوجين - بعد استدعائهما وفق ضوابط التبليغ المشار إليها سابقا – شخصيا
أو بواسطة دفاعهما في الجلسة الأولى التي تعقدها المحكمة، حيث جاء في الفصل
180 من قانون المسطرة المدنية أنه: » يجب على الأطراف أن يحضروا شخصيا في هذه
الجلسة الأولى أو بواسطة ممثلهم القانوني و تجرى دائما محاولة الصلح « ،
والنص على إمكانية الاكتفاء بحضور محامي طرفي النزاع
في الجلسة الأولى، نابع من كون المحكمة غالبا ما تكتفي خلالها بالاستماع
الأولي، والمطالبة بتمكينها من البيانات
الغير تامة و التي وقع إغفالها و الإدلاء بالوثائق اللازمة ... ، مما يعني أن
الحضور الشخصي للزوجين يبقى أمرا ضروريا في الجلسة الموالية لها، و إذا تعذر
ذلك تؤجل القضية إلى جلسة أخرى حتى يتأتى لهما ذلك، أو اللجوء إلى إصدار حكم
غيابي في حق الزوج الذي تخلف عن الحضور رغم توصله شخصيا بالاستدعاء، لأن في
الحضور الشخصي تمكين للمحكمة من الشروع في تفعيل إجراءات الصلح القضائي
المنصوص عليه في مدونة الأسرة، و التي تعتبر ضرورية لتسوية النزاع القائم
بينهما، حيث لا يمكن اللجوء إليها في غيبتهما و لو عن طريق الوكالة.
فلئن كان المشرع في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، قد نظم
الوكالة في الطلاق طبقا لفصلها 44 مجيزا بذلك للوكيل القيام بكل الإجراءات
القانونية الضرورية في هذا الإطار نيابة عن موكله بما فيها محاولة الصلح ( [3]) ، فإنه سكت عن ذلك في المدونة الجديدة مكتفيا بتنظيمها في الزواج ( [4]) ، و هذا السكون يفسر بحرصه على ضرورة الحضور الشخصي للزوجين لإجراء
محاولـة صلـح حقيقيـة ، من شأنها أن تؤدي إلى الحفاظ على كيان الأسرة المهدد
بالتفكك.
وبخصوص التطبيق القضائي لمبدأ الحضور الشخصي للزوجين في جلسة الصلح،
نورد حكما قضائيا صادرا عن قسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية الحسيمة جاء فيه:
» حيث أن التطليق للشقاق يقتضي حضور الطرفين شخصيا أمام المحكمة للوقوف على
أسباب الشقاق و محاولة تقريب وجهة النظر المختلفة.
وحيث أنه أمام تعذر حضور المدعى عليها أمام المحكمة، يتعذر معه معرفة
الشقاق وأسبابه، و كذلك سلوك المسطرة المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 من
مدونة الأسرة.
وحيث أنه إبقاء على العلل المذكورة أعلاه يكون طلب المدعي غير ذي أساس
ينبغي التصريح بعدم قبوله « .
وبناء عليه فبعد حضور الزوجان ودفاعهما المنتدبان من طرفهما لجلسة
الصلح تشرع المحكمة في تفعيل إجراءاته، حيث تجرى المناقشات بغرفة المشورة
التابعة لها ( [5]) ، يتم خلالها الاستماع إليهما حول موضوع النزاع وأسبابه، مع تعميق
البحث وطرح الأسئلة الهادفة عليهما للإحاطة بكل جوانبه و بالتالي الوصول إلى
حقيقته التي تمكنها في حالة فشل محاولة الصلح تحديد مسؤولية المتسبب في الشقاق
و استمراره والباعث عليه، لما يترتب عن ذلك من آثار عند الحكم بالتطليق ( [6]) .
إن المحكمة وهي تقوم بالوساطة بين الزوجين لإجراء الصلح بينهما، تضطلع
بدور إنساني و اجتماعي جديد يضاف إلى دورها القضائي التقليدي، لذلك إذا تبين
لها من خلال المناقشات التي تجر بها أن المصلحة تقتضي تأخير القضية لجلسة لاحقة
تلقائيا أو بناء على طلب الزوجين أو أحدهما، فلها أن تفعل ذلك مع إشعار
الطرفين بتاريخها ، كذلك يمكنها استدعاء كل من ترى فائدة في الاستماع إليه إذا
اقتضت إجراءات الصلح ذلك، مع مراعاة أجل الستة أشهر المحدد قانونا للبث في
دعاوي الشقاق.
وإذا بدا لها أن سبب الامتناع عن الكشف عن أسباب الشقاق أمام هيئة
الحكم الجماعية المكونة من ثلاثة قضاة وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط، يرجع
إلى تعلقها بأسرار الحياة الزوجية، فإنه يجوز لها أن تعين أحد أعضائها ليتولى
الاستماع إلى الزوجين و الشهود بمكتبه، حيث بعد قيامه بمهمته وإعداده لتقرير
في الموضوع، يعيد القضية إلى القضاء الجماعي بعد إشعار الطرفين بذلك، ليواصل
إجراءات الصلح بين الزوجين على ضوئه ( [7]) ، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة
لا تقل عن ثلاثين يوما، حسب ما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 82
من مدونة الأسرة ( [8]) .
وبذلك انطلاقا من الأهمية النظرية التي تكتسيها الوساطة القضائية
لتسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق، من خلال إجراء محاولات الصلح بين
الزوجين، فإن التساؤل المطروح : إلى أي حد يتم تفعيلها عمليا من طرف قضاء
الأسرة ؟
إن التجربة القضائية أثبت منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق إلى الآن،
عدم وجود توجه قضائي موحد بخصوص الكيفية التي يجب أن تجرى بها الوساطة
القضائية بين الزوجين في دعاوي الشقاق، كما يستنتج ذلك بوضوح من خلال الأحكام
القضائية الصادرة في الموضوع، حيث يمكن التمييز في هذا الصدد بين توجهين:
الأول يعتمد الوساطة القضائية وفق الشكل المطلوب قانونا، و مثاله الحكـم
القضائي الصادر عن ابتدائية صفرو – قسم قضاء الأسرة – مما جاء فيه: » ... و
حيث أن المحكمة أدرجت القضية بغرفة المشورة بتاريخ 1/11 2004 حضرها الزوج و
دفاعه وتخلفت الزوجة وحضر دفاعها، و قررت المحكمة التأخير لجلسة 22/11/2004
اعلم بها الحاضرين.
وحيث أدرجت القضية للمرة الثانية بغرفة المشورة حضرتها الزوجة و تخلف
الزوج رغم إعلامه بالحضور و صرحت الحاضرة أن المدعى عليه زوجها لمدة سنة و لا
أولاد لهما و أن سبب الطلاق يرجع إلى زوجها الذي يسيء معاملتها و يمنعها من
زيارة أهلها و أنها توصلت بصداقها و أنها غير حامل.
وحيث أن المحكمة استمعت بغرفة المشورة للزوج بجلسة 29/11/2004 حضرها
دفـاع الطرفيـن و نفى الزوج أن يكون يسيء معاملة زوجته و يضربهـا، و أضاف أنه
قضى شهر مع زوجته وأنه لما علم عن طريق مكالمة هاتفية أن زوجته توجد بالمغرب،
و لما حاول زيارتها طلب منه عمها أن يفارقها.
وحيث أن المحكمة حاولت إجراء الصلح بواسطة الحكمين، عن الزوجـة أمهـا
وعن الزوج أخوه، انتهت بالفشل و أدليا بتقرير حول ذلك.
وحيث أن المادة 94 من مدونة الأسرة تنص على أنه إذا طلب الزوجان أو
أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق وجب عليها أن تقوم بكل
المحاولات لاصلاح ذات البين، كما أن المادة 95 من نفس المدونة تنص على أن يقوم
الحكمان أومن في حكمها باستقصاء أسباب الخلاف، و حيث أن محاولة الصلح باءت
بالفشل ... ( [9]) .
أما التوجه القضائي الثاني و يبدو أنه الغالب، فيعتمد في تسبيب الأحكام
الصادرة في الموضوع بالأساس على النتيجة التي تسفـر عنها الوساطة الغيـر
القضائيـة، و إن كانت هنـاك إشارة للوساطة القضائية فإنهـا تكون جـد مختصرة،
حيث جاء في الحكم القضائي الصادر عن قسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية
تاونـات: » ... و حيث تلتمس المدعية الحكم بالتطليق للشقاق من المدعي.
وحيث انه طبقا للمادة 94 و 82 من مدونة الأسرة يلجأ إلى مسطرة الشقاق
في الحالة التي يطلب الزوجان أو أحدهما من الحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه
الشقـاق، و تقوم المحكمة بإجراء محاولة إصلاح ذات البين، و ذلك بانتداب حكمين
أو من تراه مؤهلا لذلك.
وحيث أن تطبيقا للمقتضيات المذكورة انتدبت المحكمة حكمين لمحاولة
الإصلاح والتوفيق و استئصال أسباب الشقاق المتعددة بسبب تشبث الزوجة بموقفهـا.
وحيث يتضح من طرف النازلة وجود خلاف مستحكم و مستمر بين الزوجين ما دام
لم يتم التوصل إلى أي إصلاح بينهما رغم انتداب حكمين لذلك، الأمر الذي ينافي
ما ينبغي من الزواج من ألفة و معاشرة بالمعروف ... ( [10]) .
ومما ورد كذلك وفق هذا التوجه في الحكم القضائي الصادر عن قسم قضاء
الأسرة التابع لابتدائية قلعة السراغنـة : » ... وحيث أن جميـع محاولات الصلـح
والسداد بين الطرفين باءت كلها بالفشل رغم تعيين حكمين من أهلهما و بذلهما
جميع المساعي نظرا لاحتدام النزاع بين الطرفين و إصرار الزوجة على طلبها ... «
(
[11] ) .
عموما فهذا الرصد للتوجه القضائي العام المعمول به في مجال تسوية
النزاعات الزوجية عن طريق الوساطة القضائية، ليس الهدف منه التأكيد على أن
المحكمة ملزمة قانونا بالتركيز أساسا على وساطتها القضائيـة لإجـراء الصلح بين
الزوجيـن، ولكن بالمقابل التنبيه إلى عدم جعلها مرحلة شكلية يبتعد فيها القضاء
عن دوره الإيجابي التدخلي، المنوط به طبقا لمدونة الأسرة في مجال تفعيل مسطرة
الشقاق، والذي يؤطره مبدئيا هاجس الحفاظ على كيان الأسرة من التفكـك
والانهيار، من خلال القيام بكل الإجراءات القانونية الضرورية لإصلاح ذات البين
بين الزوجين، بما فيها تلك المتعلقة بالوساطة غير القضائية ( [12]) .
الفقـرة الثانيــة : الوساطـــة غيــــر القضائيــــة
فلئن كانت الوساطة القضائية تتم مباشرة من طرف المحكمة فإن الوساطة غير
القضائية تتم تحت إشرافها، حيث تتمثل في تلك الإجراءات التي تلجأ إليها في
حالة عدم استطاعتها الإصلاح بين الزوجين، بغية الإبقاء على الأمل في إمكانية
تسوية النزاع القائم بينهما وديا ( [13]) .
وتتحدد تلك الإجراءات طبقا للمادة 82 من مدونة الأسرة، في انتداب
المحكمة حكمين من أهل الزوجين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا للقيام بذلك ( [14]) .
أولا : انتـــداب الحكميــــن
التحكيم نظام ذو بعد اجتماعي وإنساني أقره الشرع الإسلامي وتقره
القوانين الوضعية الحديثة، لأجل حل النزاعات التي تنشأ بين الأفراد وأحيانا
حتى بين الدول، حيث يضطلع بدور هام في تخفيف العبء عن القضاء واختصار معاناة
الأطراف.
ومن القضايا التي حث فيها الشرع الإسلامي على اللجوء إلى التحكيم مجرد
الخوف من حدوث الشقاق بين الزوجين، لقوله تعالى: ) و إن خفتم شقاق بينهما
فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ( ، كما أن معظم القوانين العربية
تبعا لذلك نصت على مسألة بعث الحكمين في دعاوي الشقاق و الضرر لعل في ذلك رجاء
الإصلاح بين الزوجين المتخاصمين ( [15]) .
فما هي شروط الحكمين ؟ و ما هي الصلاحيات المخولة لهما لاصلاح ذات
البين بين الزوجين؟
1- شـــــروط الحكميــــن:
لضمان قيام الحكمين بالمهمة المنوطة بهما من طرف المحكمة على أحسن وجه
والمتمثلـة في معرفة أسباب النزاع القائم بين الزوجيـن و
محاولة الإصلاح بينهمـا، يتعين أن يتوفر فيهما طبقا للشرع و القانون شرطين
أساسين إضافة إلى الشروط العامة الأخرى ( [16]) ، و هما شرط القرابة و شرط العدد ، حيث يقول تعالى : ) فابعثوا
حكما من أهله و حكما من أهلها ( ، فالنص عليهما في هذه الآية
الكريمة مما لا شك فيه له مغزى ومعنى عميقين، إذ لا يتصور ذكرهما دون أن يكون
لهما مقصد شرعي، وهذا ما يتعين معه القول بالحرص مبدئيا على وجوب بعث
الحكمين من أهل الزوجين لأن كونهما قريبيـن منهما أدرى من غيرهما بأحوالهمـا
وأقدر بذلك على الإصلاح بينهما، كما يجعل الزوجين بعيدين عن كل حرج في التصريح
أمامهما بأمور تتعلق بأسرار علاقتهما الزوجيـة، التي قد لا يرغبان في إذاعتها
أمام القضاء أو أمام أي شخص آخر أجنبي عنهما، حيث بقول ابن العربي: » المسألة
التاسعة : الأصل في الحكمين أن يكونا من الأهل، و الحكمة في ذلك أن الأهل أعرف
بأحوال الزوجين وأقرب إلى أن يرجع الزوجان إليهما ، فأحكم الله سبحانه الأمر
بأهله « ( [17]) ، كما ذكر السيد قطب: » إن عنصر القرابة يجعل الحرج مرفوعا و النفـس
أكثر اطمئنانـا، والأسرار أكثر صونـا وحفاظا من الذيـوع والانتشار ... « ( [18]) .
وفي حالة عدم تحقق هذا الشرط بأن لم يكن للزوجين معا أو أحدهما قريب
يمكن أن يتولى مهمة التحكيم بينهما ، أو وجد و لكن لا تتوفر فيه الشروط
الضروريـة، يجوز للمحكمة أن تعين شخصين أجنبيين ( أو شخص أجنبي حسب الأحوال )
مؤهلين للقيام بذلك بمقتضى المجاورة أو المخالطة أو الاطلاع ، يقول ابن
العربي: » قال علماؤنا : فإن لم يكن لهما أهل أو كانا و لم يكن فيهما من يصلح
لذلك لعدم العدالة أو غير ذلك من المعاني، فإن الحاكم يختار حكمين عدلين من
المسلمين « ( [19]) و جاء في بداية المجتهد و نهاية المقتصد لابن رشد: » اتفق على جواز
بحث الحكمين في التشاجر و أجمعوا علىأن الحكمين لا يكونان إلا أن يوجد في
أهلهما من لا يصلح لذلك فيرسل غيرهما « ( [20]) .
وإذا كان المشرع المغربي في مدونة الأسرة لم ينص صراحة على شرط القرابة
في إجراء التحكيم في دعاوي الشقاق، فإن بعض القوانين العربية بخلاف ذلك ، مثل
القانون اللبناني للأحوال الشخصية الذي ينص في مادته 130 على أنه: » إذا ظهر
نزاع بين الزوجين وراجع أحدهما الحاكـم، فالحاكم يعيـن من عائلة الطرفين
حكمـا، و إذا لم يوجد شخص لتعيينه حكما من عائلة الطرفين أو أحدهما أو
وجد لكن غير حائز أوصاف الحكم يعين من يناسبهم من الخارج ... « ، و كذا القانون
المصري رقم 25 لسنة 1929 المعدل بموجب القانون 100 لسنة 1985 بنصه في المادة 7
على أنه: » يشترط في الحكمين أن يكونا عدلين من أهل الزوجين إن أمكن
وإلا فمن غيرهم ، مما لهم خبرة بحالهما و قدرة على الإصلاح بينهما « .
ولئن كان يجوز التحكيم من شخص واحد في بعض القضايا المدنية التي لا
يتعلق بها حق من حقوق الله، فإنه بالنظـر لخصوصية النـزاع في دعاوي الشقـاق،
يتعيـن احترام شرط العـدد، كما يستفاد ذلك من قوله تعالى : ) فابعثوا حكما
من أهله و حكما من أهلها ( ، وكذا من النصوص القانونية المتعلقة بالتحكيم
بين الزوجين الواردة في معظم القوانين العربية ،منها المادتين 82 و 95 من
مدونة الأسرة، لذلك لا يجوز التحكيم في دعاوي الشقاق إلا من طرف شخصين أحدهما
يمثـل الـزوج والثاني يمثل الزوجة، ولا يشترط فيهما الذكورة بل يمكن للمرأة أن
تتولى تلك المهمة، حيث جاء في الحكم القضائـي الصادر عن ابتدائية صفـرو ما
يلي: » ... و قررت المحكمة انتداب حكمين لتقصي أسباب الشقاق و أن يكون ذلك
بتقرير مكتوب، و كلفت المحكمة أم الزوجة بإعداد تقرير مع أخ الزوج أعلم لها
الحاضرين ... « ( [21] ) .
2 - صـلاحيــات الحكميــن
يتمتع الحكمين في مجال التحكيم بين الزوجين في دعاوي الشقاق، بصلاحيات
مهمة لأجل محاولة التوفيق والإصلاح بينهما، فقد ورد في المادة 95 من مدونة
الأسرة أنه: " يقوم الحكمان أو من في حكمهما باستقصاء أسباب الخلاف بين
الزوجين و بذل جهدهما لإنهاء النزاع "، حيث لا يتقيدان أثناء
قيامهما بمهمتهما تلك بأوضاع المرافعات وقواعد القانون، وإنما يتقيدان فقط
بالقواعد الخاصة الواردة في باب التحكيم بين الزوجين ،من بذل الجهد لتقصي
الحقائق والتعرف على أسباب النزاع القائم بينهما ودوافعه وخلفياته، ووضع تقرير
بخصوص ذلك يتم رفعه إلى المحكمة في الأجل المحدد من طرفها ( [22]).
وعليه يجوز للحكمين اختيار الطريقة المثلى التي من شأنها أن تمكنهم من
القيام بمهمتهم ، بما في ذلك الانتقال إلى منزل الزوجين للاجتماع بهما معا أو
ينفرد كل حكم بالطرف الذي هو من أهله و الاطلاع على أحوالهما، وكذا الاستماع
إلى أقوالهما لتكوين فكرة أولية عن أسباب النزاع و المتسبب فيه ،مع إمكانية
التردد عليهما بين الفينة والأخرى قصد إتاحة الفرصة لهما عساهما أن يتصالحا
ويعيدا علاقتهما الزوجية إلى حالتها الطبيعية، ثم عقـب ذلك يجتمع الحكمان
ويتـداولان ويتبادلان المعلومات بينهما، حول النتائج المستنتجة من خلال
الحديث الذي أجرياه معا أو أجراه كل واحد منهما مع أحد الزوجين الذي يعنيه.
ولتسهيل مهمتهما و تحقيق غايتها للحكمين أن يذكرا الزوجين بما يجب
التذكير به من حقوقهما وواجباتهما المتبادلة، ووجوب حسن المعاشرة، والعواقب
الوخيمـة التي قد تنتـج عن تفكـك الأسـرة بالنسبـة لهما و لأطفالهمـا إن
وجـدوا، وإشعارهما بأن هذا الخلاف يعتبر من الأمور العادية التي لا يخلو كل
بيت منها، إلى غير ذك من الأمور التي يجب أن يعتمد فيها الحكمان على أسلوب
الترغيب والترهيب، لتحقيق الغاية التي من أجلها تم انتدابهما في دعاوي الشقاق.
لكن التساؤل المطروح هل تلك الصلاحيات المخولة نظريا للحكمين يتم
تفعيلها عمليا ؟
إن ما يجري به العمل بخصوص محاولات الصلح بين الزوجين عن طريق التحكيم،
يبرز مما لإيداع مجالا للشك عدم إدراك مضامينها و أهدافها، بحيث انه في ظل
ارتفاع نسبة التطليق للشقـاق منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيـق إلى الآن،
نتيجـة الإصرار مبدئيـا على طلبه و التشبث به ( خاصة من جانـب المـرأة )،
ورفض كل المساعي الرامية إلى إجراء الصلح بين الزوجين التي
تقوم بها المحكمة، يجعل مهمة الحكمين تنتهي قبل أن تبدأ، ذلك أن اللجوء إليهما
من طرف المحكمة يكون له عمليا طابعا شكلـيا لأجـل فقـط الاستئناس و احتـرام
الإجـراءات المسطـريـة لدعـاوي الشـقاق، أما نتيجـة النـزاع فغالبا يتم الحسم
فيها مسبقا في الجلسـة الأولى التي تعقدها.
عمومـا في حالـة فشل الحكمين إصلاح ذات البيـن بيـن الزوجيـن أو
اختـلفـا في مضـمون التقريـر أو في تحديد المسـؤولية ، أو لم يقدمـاه خـلال
الأجل المحدد لهما، فإنهما يرفعان الأمر إلى المحكمة لاتخاذ ما تراه مناسـبا
لتسوية الـنـزاع المعـروض عليها ( [23]) ، من خلال إجراء بحث إضافي حوله بالوسيلة التي تراها ملائمة ( المادة
96 مدونة الأسرة )، و نفـس هذا المقتضى تنص عليه بعض القوانيـن العربيـة كالمجلة
التونسية للأحوال الشخصية التي تنص في فصلها 25 على أنه:
» إذا اشتكى أحد الزوجيـن من الإضرار به، و لا بينة له و أشكل
على الحاكم تعيين الضرر بصاحبه يعين حكمين، و على الحكمين أن ينظرا، فإن قدرا
على الإصلاح أصلحا، و يرفعان الأمر إلى الحاكم في كل الأحوال « .
وكذلك من الوسائل التي يمكن للمحكمة اللجوء إليها لإجراء الصلح بين
الزوجين أو للقيام بالبحث الإضافي طبقا للمادتين 82 و 96 من مدونة الأسرة، ما
يصطلح عليه بمجلس العائلة.
ثانيــا : مجلـــــس العائلـــــة
إن إحداث مجلس العائلة يعكس هاجس تدعيم أواصر القرابة التي تجمع بين
أفراد العائلة، لما يتيحه لهم من إمكانية التعاون على خيرها و صلاحها،
باعتباره إطارا عائليا غايته إيجاد حلولا للخلافات التي تنشأ داخل مؤسسة
الأسرة، لحماية أفرادها من الانعكاسات السلبية التي تترتب عن انحلالها.
ومجلس العائلة منظم بمقتضى المرسوم الوزاري رقم 88-04-2 الصادر بتاريخ
25 ربيع الآخر 1425 ( 14 يونيو 2004 ) بشأن تكوينيـه وتحديـد مهامـه، حيث تبرز
أهميته من خلال تشكيلته المكونة طبقا لمادته الأولى من القاضي بصفته رئيسا،
والأب أو الأم أو الوصي أو المقدم، و أربعة أعضاء يعينهم
رئيس مجلس العائلة بين الأقارب أو الأصهار بالتساوي بين جهة الأب وجهة الأم
أو جهة واحدة، وحتى يمكن للمجلس أن يضطلع بالمهام المنوطة به على الوجه
المطلوب، فإن الرئيس يراعـي في اختيار أعضائه الذين يشتـرط فيهم أن يكونـوا
كاملـي الأهليـة، درجـة القرابـة ومكان إقامتهم وسطتهم ومؤهلاتهم وعلاقتهـم
بالأسرة، ومدى استعدادهـم للعناية بشؤونهـا و حرصهم على مصلحتها ( المادة 2 )،
كما يمكنه تغييرهم أو تغيير أحدهم إذا ثبت له ما يبـرر ذلك ( المادة 3 ).
أما مهامه رغم أهميتها المنبثقة من تكوينه فإنها تبقى استشارية، و
تتمثل في قيامه بالتحكيم لاصلاح ذات البين بين الزوجين المتخاصمين و إبداء
رأيه في كل ما له علاقة بشؤون الأسـرة ( المادة 7 )، ويجتمع لهذا الغرض
بمبادرة من طرف رئيسهأو بطلب من الأم أو القاصر أو المحجور أو أحد أعضائه
الآخرين كلما دعت الضرورة لذلك، كوجود نزاع بين الزوجين أو إهمال الأسرة ...
الخ، حيث يستدعي الرئيس أعضاء المجلس قبل التاريـخ المحـدد للاجتماع مع بيان
موضوعـه، ويوم وقوعه ومكان انعقاده، بمعنى أن استدعاء أعضاء مجلس العائلة يتم
طبقا لقواعد التبليغ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية ومدونة الأسـرة،
وإذا تعذر عليهم الحضور يمكنهم أن ينتدبواغيرهم من الأقارب أو الأصهار بإذن من
القاضي بعد تأكده من توفرهم على الشروط الضرورية المشار إليها سلفا.
وكما هو الشأن بالنسبة للتحكيم تدون نتائج أعماله في محضر يحرره كاتب
الضبط الذي يحضر الاجتماع و يدون في سجل خاص، يوقعه الرئيس و الأعضاء
ويشار فيه إلى الامتناع عن التوقيع أو تعذر ذلك.
وإذا كان يبدو نظريا أن الاستعانة بمجلس العائلة من طرف المحكمة يبدو
مفيدا لتسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق بالنظر لتكوينه و مهامه، فإن
اللجوء إليه عمليا تعترضه مجموعة من الصعوبات تحد من أهميته و فعاليته، تتحدد
أساسا في صعوبة اختيار أعضائه و تجميعهم في اجتماع واحد، حيث إذا كان يتعذر
على المحكمة في أحيان كثيرة الجمع بين الزوجين المعنيين مباشرة بالنزاع القائم
بينهما في جلسة واحدة، فبالأحرى بالنسبة لمجلس يتشكل من تسعة أعضاء، و لعل هذا
ما يبرر اكتفائها بانتداب الحكمين الذي لا يخلو هو الآخر من صعوبات و مشاكل
تجرد مهمة التحكيم المسندة إليهما من محتواهـا و غايتها.
لذلك و لضمان التفعيل الإيجابي لمحاولات الصلح بين الزوجين في دعاوي
الشقاق، يمكن على غرار بعض الأنظمة القانونية المعاصرة تعزيز آليات الوساطة
الغير القضائية بإحداث أجهزة مستقلة تتكلف بالتحكيم بين الزوجين و معالجة كافة
المشاكل التي تواجهها الأسرة، مع الحرص على أن تكون قادرة على تأدية مهمتها
بكل وعي و مسؤولية ومتمكنة من الوسائل التي تؤهلها للقيام بذلك، حيث
يمكن للمحكمة أن تحيل عليها النزاعات الزوجية المعروضة أمامها للنظر فيها و
محاولة إنهائها، كما أن تلك الأجهزة تسمح للزوجين باللجوء إليها لتسوية النزاع
القائم بينهما دون الالتجاء إلى القضاء، الذي يقتصر دوره في هذا الإطار على
مراقبة مدى احترامها للضوابط القانونية المنظمة لعملها، و كذا الإشراف على
تنفيذ الحكم الصادر عنها من خلال تذييله بالصيغة التنفيذية، وهذا من شأنه أن يساهم
في نشر ثقافة العدالة التصالحية للنزاعات الزوجية لدى الأسر المغربية ( [24]) .
المطلـب الثانـي : أثـر إجـراءات الصلـح على إنهـاء النزاعــات
الزوجيـــة
إن النتيجة التي تنتهي إليها المحكمة بعد قيامها بمحاولات الصلح بين
الزوجين طبقا للمادتين 94 و 82 من مدونة الأسرة لا تخلو من أمرين، إما أن
تتكلل بالنجاح مما يعني استمرارية العلاقة الزوجية ( الفقرة الأولى ) أو أنها
تبوء بالفشل حيث تضطر المحكمة عندئذ للحكم بالتطليق ( الفقرة الثانية ).
الفقـرة الأولـى : نجـاح محـاولات الصلـح بين
الزوجيـــن
تتجلى أهمية الطرق البديلة لتسوية المنازعات بصورة واضحة في النزاعات
الزوجية، حيث يعتبر الصلح فيها أمرا محبذا و إجراء ضروريا يتعين على المحكمة
طبقا للقانون القيام بمحاولاته قبل لجوئها إلى الحكم بالتطليق بينهما، فهو
بهذا المعنى يشكل مبدئيا وسيلة و هدفا في نفس الآن لحل هدا النوع من النزاعات.
إن الصلح بين الزوجين كما أكدنا ذلك سلفا يحبذه ديننا الحنيف، وخصص له
الفقه الإسلامي جانبا كبيرا من اهتمامه، وحث عليه المشرع المغربي في قضايا
الطلاق والتطليق طبقا لمدونة الأسرة، لما في تحقيقه من آثار إيجابية تجنب
الأسرة كافة المخاطر التي ترتب عن تفككها، كما أن حسمه للنزاع القائم بينهما
أدعى إلى تحقيق العدل والإنصاف الذي قد لا يحققه الحكم القضائي الصادر بالطلاق
أو التطليق فقد يكون أحدهما ألحن بحجته من خصمه و أقدر على التحايل في الخصومة
و هو في الحقيقة غير محق فيما يدعيه، حيث روى أبي هريرة رضي الله عنه عن
الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: » إنما أنا بشر مثلكم و أنكم تختصمون إلي
فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له بنحو ما أسمع منه فمن قضيت له
بشيء من حق أخيه فلا يأخـذ منه شيئـا فإنما أقطـع له قطعـة من نـار « ( [25]) ، و الله تعالى يحث الزوجين على حل خلافاتهما وديا بطريقة تحافظ على
وحدة الأسرة وتحفظ لهما كرامتهما، حيث
قال :( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا و الصلح خير (
وقال أيضا : ) إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) ، ذلك أن المنهج
الإسلامي بخصوص معالجة النشوز و الشقاق بين الزوجين يقوم على أساسا
مبدأ الصلح بينهما، ولأنه كما يقال في المأثور الصلح السيء خير من الخصومة
الجيدة ".
من هذا المنطلق فالهاجس الأساسي الذي يؤطر عمل المحكمة وهي بصدد تسوية
النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق، محاولة تحقيق الصلح بين الزوجين من خلال
قيامها بكل المساعي الرامية إلى ذلك، حيث إذا توفقت فيها في جلسة التسوية
الودية التي تعقدها بغرفة المشورة فإنها تصدر أمرا تضمنه في محضر تنتهي به
إجراءات الدعـوى على اعتبار أن الغايـة من الصلح إنهاء النزاع و قطـع الخصومة،
كما تنص على ذلك المادة 82 من مدونة الأسرة المحال عليها في المادة 94 منها
حيث جاء فيها: » إذا تم الإصلاح بين الزوجين حرر به محضر وتم الإشهاد به من
طرف المحكمة « ، ونفس هذا المقتضى كان منصوص عليه بكيفية أكثر دقة في الفصل
212 من ق.م.م في فقرته الملغاة بقتضي قانون 72-03 الصادر موازاة للمدونة
الجديدة للأسرة، و ذلك كما يلي: » يستدعي القاضي بعد تقييد المقال
الزوجين قصد محاولة التصالح بينهما، إذا تم التوفيق بينهما أثبت القاضي
ذلك بأمر تنتهي به إجراءات الدعوى « .
أما في حالة انتداب الحكمين و هذا هو المعمول به في الغالب بعد فشل
الوساطة القضائية و تمكنهما من إصلاح ذات البين بين الزوجين، فإنهما طبقا
للمواد 95 من مدونة الأسرة يحرران مضمون الصلح في تقرير من ثلاث نسـخ يوقعهـا
الحكمان
والزوجـان، ويرفعانها إلى المحكمة التي تسلم لكل واحد من الزوجين نسخـة منه
وتحفظ الثالثة بالملف حيث يتم الإشهاد على ذلك
من طرفها.
وإشهاد المحكمة على محضر الصلح طبقا للمادتين 82 و 95 من مدونة الأسرة،
الغاية منه إضفاء الحجية عليه حيث تحل في ذلك محل الموثق، مما يخضع الصلح
المصادق عليه من طرفها لكافة القواعد الموضوعية لعقد الصلح، و هذا المحضر لا
يعد حكما و إنما ورقة رسمية أي بمثابة سند تنفيذي لتصديـق المحكمـة عليه، حيث
تطبق عليه قواعد تفسير العقود وليس قواعد تفسير الأحكام ( [26]) ، لذلك لا يجوز نقض الصلح بعد إجرائه و إشهاد المحكمة عليه، لأن
العودة إلى الخصومة بعد ذلك يفقده أهميته في مجال تسوية النزاعات الزوجية
ويؤثر سلبا على مصداقية عمل المحكمة بهذا الخصوص، فلا يحق للزوجين الإقدام على
ذلك إلا إذا قام أحدهما بتصرف يناقض ما وقع الصلح من أجله، حيث يمكنه والحالة
هذه اللجوء إلى القضاء من جديد لطلب الحكم له بالتطليق.
ورغم أهمية نجاح محاولات الصلح بين الزوجيـن للاعتبارات المشار إليها
سلفا، فإن واقع عمل قضاء الأسرة بخصوص تطبيق مسطرة الشقاق، يؤكد أن
النتيجة التي يخلص إليها بخصوص دعاوي الشقاق تكون عادة هي فشل تلك المحاولات
وما يترتب عن ذلك من آثار.
الفقـرة الثانيـة : فشـل محــــاولات الصلح بيــن
الزوجيــــن
إذا تعذر على المحكمة أثناء تفعيلها لمسطرة الشقاق إجراء تسوية ودية
للنزاع المعروض عليها بإصلاح ذات البين بين الزوجين، فإنها تلجأ إلى تصفيته
قضائيا عن طريق الحكم بالتطليق و بالمستحقات طبقا للمادة 97 من مدونة الأسرة،
التي تنص على أنه : » في حالة تعذر الإصلاح و استمرار الشقاق تثبت المحكمة ذلك
في محضر وتحكم بالتطليق وبالمستحقات ... « ، حيث تضع بذلك حدا لسريان إجراءات
دعوى الشقاق عكس ما كان معمول به في ظل النظام القانوني السابق، إذ رغم فشل
محاولات الصلح بين الزوجين فإن دعوى التطليق كانت تأخذ طريقها العادي، و كل واحد
من الطرفين يقدم وسائل دفاعه أمام القضاء الذي له أن يحكم بالتطليق أو بعدمه
بناء على ما توصل إليه واقتنع به، كما يتضح طبقا لمقتضيات
الفصل 212 من ق.م.م في صياغته القديمة - قبل تعديله في بمقتضى قانون 03-72 -
وذلك بنصه على ما يلي: » إذا فشلت المحاولة أو بعد استدعاء الطرفين وتخلف
الزوجين أو أحدهما عن الحضور أصدر القاضي أمرا بعدم التصالح ويأذن للمدعي
بمواصلة الدعوى « ، فمحاولة الصلح كانت تعتبر فقط إجـراء أوليـا تفتتح به دعوى
التطليـق، في حين أنها في دعوى الشقاق تطغى على كل مراحلها الإجرائية إلى حين
حسمها بإشهاد المحكمة على محضر الصلح أو حكمها بالتطليق و بالمستحقات.
وإذا كان فشل محاولات الصلح بين الزوجين يمثل النتيجة التي يخلص إليها
قضاء الأسرة في معظم دعاوي الشقاق التي تعرض عليه، كما تؤكد ذلك الأحكام
القضائية الصادرة في الموضوع، فإن ذلك يرجع من حيث القانون والواقع إلي مجموعة
من الأسباب المتداخلة فيما بينها، و التي تؤدي في مجملها إلى تجريد مسطرة
الشقاق من طابعها الوقائي المومأ إليه سابقا، مكرسة بذلك تلك الهوة الموجودة
بين القانون والواقع في الكثير من المجالات، وتتمثل أساسا في سوء فهم مضامينها
الحقيقية من جهـة وضعف أو بالأحـرى تعطـل عمل آليـات الصلـح و الوساطة من جهة
أخرى، بحيث إن الدافع الأساسي الذي يكمن وراء لجوء الزوجة إلى طلب تطبيق مسطرة
الشقاق– مادام ذلك يقترن عمليا بحقها – اعتبارها وسيلة سهلة و مرنة لا
تحتاج إلى إثبـات ما تدعيه للحصول على التطليق في أقـل وقـت و بأبسط
الإجراءات، إذ يكفي أن تتمسك به أمام القضاء رافضة لكل المساعي الرامية إلى
إجراء الصلح بينها و بين زوجها، فالاعتقاد السائد بخصوص مسطرة الشقاق أنها
تمثل توسيعا لحالات حق طلب التطليق المخول للزوجة مقابل الطلاق الذي هو من حق
الزوج، ولعل هذا ما يفسر العدد الهائل من طلبات التطليق للشقاق المقدمة من طرف
الزوجات منذ دخول المدونة حيز التطبيق، مقارنة مع طلبات التطليق المؤسسة على
أحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 98 منها.
لذلك فالتشبث بطلب التطليق الذي يعتبر موضوعا و هدفا في نفس الآن في
دعاوي الشقاق، يجعل المحكمة تصطدم عمليا بصعوبة القيام بمحاولات الصلح بين
الزوجين، لأجل تسوية النزاع القائم بينهما وديـا بدل حسمه عن طريق الحكم
بالتطليق، حيث إن الواقع العملي يؤكد أن الزوجة بالخصوص لا تلجأ إلى القضاء
إلا بعد أن تستنفذ كل محاولات لم الشمل و التفاهم مع زوجها، و بالتالي فإن
إقدامها على ذلك لا يكون إلا بعد اتخاذها قرار الانفصال عنه، مما يجعل القضاء
يقتنع مسبقا بعدم جدوى أي محاولـة يمكن القيـام بها لحملها على الرجـوع عن
قرارهـا، حفاظا على كيان الأسرة من التفكك و الانهيار.
هذا، ناهيك عن صعوبة التوفيق بين تطبيق المحكمة للقانون و في نفس الوقت
القيـام بعملية الصلح التي تحتاج إلى تقنية عالية و خبـرة واسعة و طـول النفس،
من خلال الإحاطة بكل جوانب النزاع القانونية و غير القانونية، فالقاضي في هذا
الإطار بالإضافة إلى تكوينه القانوني يجب أن تكون له دراية واسعة بكل الفـروع
العلمية التي لها علاقـة بالأسرة، كعلـم الاجتماع الأسري و علـم النفس
وأنتربلوجيا
الأسرة ...، بل حتى في حالة لجوئها إلى تفعيل آليات الوساطة غير القضائية عن
طريق التحكيم، فمهمة الحكمين تبوء بالفشل لعدم توفر فيهما الشروط الضرورية
التي تؤهلهما للقيام بذلك، إضافة إلى عدم فهمهما جيدا المقصود من مهمتهما و
كيفية أدائها، حيث يكتفيان أمام القضاء بترديد كل واحد منهما لادعاء الطرف
الذي هو من أهله والدفاع عنه، وبدل القيام بمهمة الاصلاح بين الزوجين يؤججان
النزاع القائم بينهما والدفع به نحو حسمه عن طريق الحكم بالتطليق.
كل ذلك يجعل من إجراءات التسوية الودية في دعاوي الشقاق، مجرد إجراءات
شكلية ( روتينية )، الغاية من تفعيلها احترام القضاء للقانون الذي يحكم النزاع
المعروض عليه، خاصة و أن الصلـح في القضايا المرتبطة بتطبيـق مدونـة الأسرة،
يعتبر من متعلقات النظام العام لا يجوز خرقه تحت طائلة بطلان الحكم الصادر في
موضوعها، الأمر الذي يبرر ضرورة مراجعـة نظـام تكويـن القضاة العاملين في
أقسام قضاء الأسرة، وتعزيـز آليات الوساطـة والمصالحـة والتحكيم في هذه
القضايا، وذلك لمواكبة الإصلاحات المهمة التي جاءت بها المدونة الجديدة لفائدة
الأسرة المغربية سيما في مجال تنظيم العلاقات بين أفرادها.
عموما كيفما كانت طبيعة الأسباب المفضية إلى فشل محاولات الصلح بين
الزوجين، فإن ما يجري به العمل القضائي أن المحكمة إذا ثبت لها وجود الشقـاق
واستمراريته بينهما - و رفعا للحرج و الضيق -
تحكم بالتطليق طبقا للقانون، لأنه لا يمكن للقضاء أن يرغم الزوجين على
الاستمرار في الحياة الزوجية رغم الشقاق الحاصل بينهما، لما في ذلك من أضرار
كثيرة لا يقتصر أثرها عليهما بل تمتد لتشمل أطفالهما والمجتمع
برمته، لأن عدم الوئام و التنافر و الرغبة الملحة في الافتراق كثيرا ما ترجع
إلى أسباب شخصية و معايير ذاتية تنبعث من تقدير شخصي للزوج أو الزوجة، وهذا ما
تأخذ به بعض القوانين الوضعية المقارنة مثل القانون السوري لسنة 1953 المعدل
بقانون 34/1975 الذي يجعل من الشقـاق بين الزوجين أهم الأسباب المبررة لانحلال
العلاقة الزوجية عن طريق القضاء، حيث تنص المادة 128 منه على أن: » لكل من
الزوجين إذا ادعى إضرار الآخر بما لا يستطاع معه دوام العشرة، يجوز له أن يطلب
من القاضي التفريق و لا يشترط الإساءة للسير في الدعوى، بل بمجرد الادعاء كاف
لتحـريك المتابعة « ، كذلك فالاتجاه الذي أضحت تنهجه معظم القوانين الغربية
بخصوص أسباب التطليق يتسم بالمرونة، باختزالها في سبب وحيد وعام هو الشقاق
المستمر بيـن الزوجين ( [27]) .
وإذا كان التطليق في دعاوي الشـقاق يتسم طبقا للمادة 70 من مدونة
الأسرة بطابعه الاستثنائـي، إذ لا يجـوز للمحكمة اللجوء إليه إلا بعـد تعـذر
الإصـلاح و استمرار الشقاق بين الزوجين ، فإن تطبيقه في حدود الأخذ بقاعدة أخف
الضررين يقتضي منها مراعاة الآثار المترتبة عنه في مواجهة حقوق جميع أفراد
الأسرة.
[1] - اختلف الفقه حول معيار
التمييز بين الصلح القضائي و الصلح الغير القضائي و انقسم إلى رأيين : الأول
يرى أن معيار التمييز بينهما هو حصول الصلح في مجلس القضاء أو في عدم حصوله ،
فيكون الصلح قضائيا إذا تم في مجلس القضاء و غير قضائي إذا جرى خارجه ، بينما
يذهب الثاني إلى القول أن ذلك المعيار يتحدد في قيام الدعوى من عدمه ،
فإذا كانت هناك دعوى أمام القضاء و حصل بشأنها صلح كان صلحا قضائيا ، و إذا لم
تكن هناك دعوى أمام القضاء و حصل صلح بين الطرفين حسم النـزاع بينما كان في
هذه الحالة صلحا غير قضائي، عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون
المدني ، الجزء الخامس ، ص : 564 ، و كذا يس محمد يحي، مرجع سابق ، ص : 428 .
[2] - مثلا في القانون الفرنسي
منظمة بمقتضى قانون 8 فبراير 1995 و المرسوم التطبيقي الصادر بتاريخ 22 يوليوز
1996 ، و كذا قانون 4 مارس 2002:
Annie badu . Médiation familiale regarde croises et perspectives . ères . 1997 . p 125
[3] - عبد الله روحمات :
الوكالة في صلح الزوجين بين النص القانوني و الواقع العملي ، مقال منشور بمجلة
الإشعار عدد 27 غشت 2003 ، ص : 109 و ما بعدها .
[4] - تنص المادة 17 من مدونة
الأسرة على أنه : "يتم عقد الزواج بحضور أطرافه ، غير أنه يمكن للتوكيل
على إبرامه بإذن من قاضي الأسرة المكلف بالزواج وفق الشروط الآتية :
1-
وجود ظروف خاصة لا
يتأتى معها للموكل أن يقوم بإبرام عقد الزواج بنفسه .
2-
تحرير وكالة عقد
الزواج في ورقة رسمية أو عرفية مصادق عليها توقيع الموكل فيها .
3-
أن يكون الوكيل راشدا
متمتعا بكامل أهليته المدنية ، و في حالة توكيله من الولي يجب أن تتوفر فيه
شروط الولاية .
4-
أن يعين الوكيل اسم
الزوج الآخر و مواصفاته ، و المعلومات المتعلقة بهويته ، و كل المعلومات التي
يرى فائدة في ذكرها .
5-
أن تتضمن الوكالة قدر
الصداق و عند الاقتضاء المعجل منه و المؤجل ، و للموكل أن يحدد الشروط التي
يريد إدراجها في العقد و الشروط التي يقبلها من الطرف الآخر.
6 ـ أن يؤشر القاضي المذكور
على الوكالة بعد التأكد من توفرها على الشروط المطلوبة ".
[5] - غرفـة المشورة تعتبر من
ضمن الغرف المشكلـة للمحاكم العاديـة في إطار التنظيم القضائي للمملكـة، أحدثت
نتيجة التقسيم الإداري الداخلي لتلك المحاكم أو سندت لها مهام ذات طبيعة خاصة
تطلبت إحداثها تتعلق ببعض القضايا التي تتطلب السرية و السرعة . و رغم أهميتها
فإن المشرع المغربي لم يفرد لها نصا قانونيا خاصا بها، و إنما اكتفى بالتعرض
إلى الدور المنوط بها في عدة قوانين كالمسطرتين المدنية و الجنائية ، و قانون
المحامات و مدونة التجارة و مدونة الأسرة ...، للمزيد من التفاصيل حول غرفة
المشورة انظر :محمد بلهشمي التسولي " الطبيعة القانونية لغرفة المشورة
" ، الطبعة الأولى 1422 ه/2002 م المطبعة و الوراقة الوطنية ، مراكش .
[6] - الحسن العلمي : مسطرة
الشقاق في ظل مدونة الأسرة ، مجلة المعيار ، عدد 32 ، ص: 167 .
[7] - الحسن العلمي : مرجع
سابق ، ص : 167.
[8] - يعكس ذلك وعي
المشرع بالآثار السلبية لانحلال العلاقة الزوجية تجاه للأطفال من خلال إعطاء
الزوجين فرص أكثر لمحاولة تسوية نزاعاتهما وديا ، لكن الواقع العملي يؤكد
صعوبة القيام بذلك خاصة بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج الذين يتعذر عليهم
حضور أكثر من مرة لجلسة الصلح التي تعقدها المحكمة ، نظرا لانشغالاتهم خارج
أرض الوطن .
[9] - حكم رقم 53 ، ملف رقم
867/2004 ، بتاريخ 26/01/2005 ( غير منشور ) .
[10] - حكم رقم 67 ، ملف رقم
579/2004 ، بتاريخ 26/01/2004 ( غير منشور ).
[11] - ملف رقم 5536 2004/
بتاريخ 21 /12/2004 منشور بمجلة قضاء الأسرة العدد الأول يوليوز 2005
ص:98-106.
[12] - إضافة إلى ما سبق بخصوص
الوساطة القضائية في دعاوي الشقاق ، تجب الإشارة إلى آلية أساسية من آلياتها و
المرتبطة كذلك بالوساطة الغير القضائية عن طريق التحكيم ، هي ما يصطلـح عليها
بالبحث الإضافي، حيث تنص المادة 96 من مدونة الأسرة أنه :" إذا اختلف
الحكمان في مضمون التقرير أو في تحديد المسؤولية، أو لم يقدماه خلال الأجل
المحدد لهما ، أمكن للمحكمة أن تجرى بحثا إضافيا بالوسيلة التي
ترها ملائمة " ، والملاحظ أن إجراء البحث الإضافي يشبه إلى حد كبير
التحقيق التكميلي في القضايا الجنائية طبقا للمادة 282 من قانون المسطرة
الجنائية ، حيث رغم أهميته فإن المشرع في مدونة الأسرة لم يحدد مضمونه و وسائل
تفعيلـه ، بل اكتفى بإعطاء المحكمة صلاحيـات واسعة في هذا المجـال، و لعل هذا
ما يبرر عدم اللجوء إليه في دعاوي الشقاق .
[13] - يعرف المجلس الاستشاري
للوساطة الأسرية بفرنسا الوساطة الأسرية بأنها :" عملية مندمجة لبناء أو
لاعادة البناء روابط عائلية متمحورة حول استقلالية و مسؤولية الأشخاص المعنيين
بأوضاع انفصال العلاقة أو بانفصال الزوجين ، يقوم خلالها شخص محايد أو مستقل
مؤهل دون أن يملك سلطة القرار – هو الوسيط الأسري – بإتاحة الفرصة للطرفين عبر
جلسات حوار سرية للتواصل وتدبير نزاعاتهم في مجال الأسرة بما هو مجال متنوع و
في تطور مستمر.
و قد نشأت الوساطة الأسرية
بصيغتها الحديثة بالولايات المتحدة الأمريكية حيث يصطلح عليها بنظام التقييم
المحايد ، و منها انتقلت إلى فرنسا في نهاية الثمانينات من القرن الماضي
بوصفها مقاربة جديدة و مكملة للقانون في مجال تسوية المنازعات الأسرة المرتبطة
بالطلاق أو انفصال الأزواج .
عموما ما انتهت اله
التشريعات الوضعية العربية منها و الغربية في مجال الوساطة الأسرية سبق إليها
الفقه الإسلامي ، بحيث إنها متجذرة في ثقافتنا العربية الإسلامية و مجتمعنا
المغربي ، حول هذا الموضوع انظر : رابطة التربية على حقوق الإنسان "
أوراق في الوساطة الأسرة " ، الحلقة الدراسية الجهوية المنظمة لفائدة
قضاة الأسرة حول موضوع : " مدونة الأسرة و دور الوساطة في تفعيل مسطرة
الصلح " ، تطوان 5 –6-7-8 دجنبر 2005 ، منشورات وزارة العدل و المعهد
العالي للقضاء بتعاون مع رابطة التربية على حقوق الإنسان .
[14] - لم يحدد المشرع المقصود
بعبارة " من تراه مؤهلا لذلك " هل يعني ذلك إمكانية استعانة المحكمة
بالخبراء الاجتماعيين و النفسيين ؟ ، فذلك يعتبر أمرا محمودا لكونه يتماشى مع
أحكام الشريعة الإسلامية ، حيث يقول تعالى :" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم
لا تعلمون " ، و أهل الذكر في مسائل الخلافات الأسرية هم خبراء علم
الاجتماع و علم النفس ، ذلك أن وجود خبير اجتماعي أو نفسي من المسائل المهمة
التي تنص عليها المادة 2 من القانون المصري رقم 10 لسنة 2004 المحدث
لمحكمة الأسرة ، حيث يقوم بدراسة نقاط الخلاف و الاتفاق داخل الأسرة ، و
محاولة التقريب بينهما و رأب الصدع ، كما يكون له دور مهم في اختيار الحكمين
من أهل الزوجين ، و هذا من شأنه أن يساعد المحكمة في النهاية للتوفيق و الإصلاح
بدلا من الشقاق الذي يؤدي إلى الانفصال و ما يترب عنه من آثار و خيمة
على أفراد الأسرة و المجتمع .
[15] - بعض القوانين
العربية تمنع القاضي من التفريق بين الزوجين و لو عجز عن الإصلاح بينهما قبل
بعث الحكمين ، حيث تنص المادة 40 من القانون العراقي للأحوال الشخصية في فقرته
الثانية أنه : " على القاضي قبل إصدار الحكم بالتفريق أن يعين حكما من
أهل الزوجة و حكما من أهل الزوج للنظر في إصلاح البين بينهما" و كذا
المادة 96 من القانون الأردني في فقرتها الثانية تنص على أنه :"إذا ادعت
الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها يجوز لها
أن تطلب من القاضي التفريق ، وحينئذ على القاضي بعد التثبت من
النزاع و الشقاق و عجزه عن الإصلاح بينهما بعث حكمين"
[16] - وقع بشأن هذه الشروط
خلاف فقهي ، حيث ذهـب بعض الفقهاء إلى الاشتـراط فيهما الفقـه و العلم بأحكام
النشوز و الأحكام الشرعية و الاجتهاد ، إلى غير ذلك من الشروط التي تعتبر من
منظور الواقع المجتمعي الحالي تعجيزية نظرا لانتشار الأمية و الجهل ، مما قد
يؤدي في حالة التمسك بها من طرف القضاء إلى تعطيل مهمة التحكيم بين الزوجين ،
لذلك ينبغي توخي المرونة بشأن ذلك انطلاقا من السلطة التقديرية المخولة
للمحكمة لاختياري من تراه مؤهلا للتحكيم بين الزوجين ، إذ يكفي أن تتوفر فيهما
الحد الأدنى المقبول من تلك الشروط ، مادام أن الغاية من بعثهما محاولة إصلاح
ذات البين بينهما.
[17] - أحكام القرآن ، الجزء
الأول ، ص : 426.
[18] - السيد قطب : في ظلال
القرآن ، الجزء الخامس ، مطبعة دار إحياء التراث العربي 1961 ، ص : 67
[19] - مرجع سابق : ص : 426 .
[20] - الجزء الثاني : ص : 74 .
[21] - حكم رقم 53 ، ملف رقم
867/2004 ، صادر بتاريخ 26/01/2005 ( غير منشور).
[22] - أحمد أبو الوفا :التحكيم
بالقضاء و الصلح ، منشأة المعارف ، الطبعـة الأولى ، 1964 ص : 19 .
[23] - اختلف الفقهاء حول نطاق
صلاحيات الحكمين بين اقتصارها على الإصلاح بين الزوجين أو تمديدها إلى التفريق
بينهما ، حيث ذهب فريق منهم إلى القول أن مهمة الحكمين الإصلاح و التوفيق و
ليس لهما التفريق إلا إذا كان وكيلين عن الزوجين بذلك ، و من أصحابـه
هذا الرأي الحسن البصري و عطاء و قتادة و إليه ذهب أبو حنيفة و الشافعي في
القول الثاني ، و ابن حنبل و الظاهرية ، و أدلتهم في ذلك قوله تعالى
" إن يريد إصلاحا يوفق الله بينهما" و لم يقل إن يريدا فرقة فإبفاد
الحكمين هو لوعظ الظالم من الزوجين و إعلام الحاكم بذلك ليأخذ على يده ، و قال
آخرون أن مهمة الحكمين إيجاد حل للشقاق الواقع بين الزوجين ، فإن تم الصلح
بينهما و التوفيق فذاك و إلا فرقا بينهما لأنه لا يجوز ترك الزوجين ، يعيشان
حالة شقاق بل يتعين علاجه و لو عن طريـق التفريـق بينهما عند الاقتضاء ، و قد
قال بهذا الرأي سعيـد بن المسيب و إليه ذهب الإمام مالك و و الأوزاعي و
الشافعي في أحـد قوليه و ابن حنبل في أحد الروايتين ، و دليلهم في ذلك أن الله
تعالى حين قال : " فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها " دل على
أنهما حكمان و لو كان وكيلين لقال ابعثوا و كيلا عن الزوجة و وكيلا عن الزوج ،
و لهذا لا يعتبر رضا الزوجين لأن الحاكم يحكم بما يراه من المصلحة ، فإن وفق
الحكمان إلى الإصلاح كان خيرا و إلا فلهما التفريق بين الزوجين، فقد أخرج
التباري في تفسيره عن ابن عباس في الحكمين أنه قال : " فإن اجتمعا أمرهما
على أن يفرقا أو يجتمعا فأمرهما جائز " ( الجزء 8 ص : 324 )، و مبنى
الخلاف بين الرأيين أن الرأي الأول يعتمد على أن الحكم وكيلا و ليس للوكيل
تجاوز ما وكل به فإن وكل الزوجان أو القاضي الحكمين بالتفريق فرقا و إلا
فمهمتهما الإصلاح فقط ، و الرأي الثاني يقول أن الحكمين حاكمان أرسلهما القاضي
لحل النزاع القائم بين الزوجين ، و الحاكم يفعل ما يرى به المصلحة في حل
النزاع إصلاحا أو تفريقا.
و بذلك يلاحظ أن مدونة
الأسرة خالفت رأي المالكية بهذا الخصوص متبنية الرأي الأول القائل باقتصار
مهمة الحكمين على الإصلاح دون تجاوز ذلك إلى التفريق بين الزوجين ، الذي يبقى
طبقا للمادة 97 من اختصاص المحكمة.
[24] - مثلا نموذج كبيك ( Qebec
) حيث دخل القانون المتعلق بالوساطة الأسرية حيز التنفيذ في فاتح شتنبر
1997، و هو قانون يتيح للأزواج – خاصة ذوي الأطفال – الاستفادة من خدمات وسيط
محترف أثناء التفاوض و تسوية طلب الطلاق أو حضانة الأبناء أو النفقة أو
مراجعة حكم سابـق، فهذا القانون يتيح للزوجين الذين يرغبان في تسوية النزاع
القائم بينهما بالاتفـاق و التفاوض على حل مرض بحضور وسيـط، كما يتيح لهما
إمكانية اللجوء إلى الوساطة قبل اتباع المسطرة القضائية أو أثناءها.
[25] - أخرجه مسلم في صحيحه ،
كتاب الأقضية ، الجزء الرابع ، ص : 302-303 .
[26] - بعض القوانين المقارنة
كالقانـون البلجيكي ، تجعل المصالحة و الوساطة في النزاعات الأسرية ضروريا، و
عند حصول الاتفاق عليه يتم تحرير محضر و يصدر حكم بذلك ، أنظر :
Marie these Meulders - klein : les modes alternatifs de Règlement des conflits en matière familiale , Analyse comparative
Revue internationale de droit comparé , N 2 / 1997. p . 383 . ets .
[27] - DC FOKKEMA . " Mariage famille en question " ,
édition , CNRSF P .1980 .P146 .
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك
وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).
صدق الله مولانا الكريم