الأحد، 1 ديسمبر 2013

الولاية في الزواج بين الحرية الشخصية و الوظيفة الاجتماعية

 

جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس

شعبة قانون الأسرة و الطفولة

 

من اعداد الطالبين الباحثين         :
عائشة القرشي و نور الدين الشاوني
و تحت اشراف الدكتور نلصر المتيوي


 
 
 
مقدمة

مما لا ريب فيه أن صلاح الأسرة يعتبر هو أساس صلاح المجتمع وعليه تنبني سعادة الأمة وتقوم عليه دعائم العمران.
فالأسرة إذن هي نواة المجتمع ومن هنا كانت أهمية العناية بوضع الأسس التي تقوم عليها بهدف تحقيق المقاصد السامية من الرحمة والعطف والسكن النفسي الذي هو آية من آيات الله الدالة على كمال قدرته ، وكذا حماية حقوق المرأة والطفل والرجل، وذلك من خلال إيجاد إطار قانوني متماسك يضمن توازن الأسرة ويوفق بين الحرص على التشبث بالأصالة ومتطلبات التحديث والانفتاح على العصر .
لذلك كان التفكير في إعادة النظر في مدونة الأحوال الشخصية نظرا لاحتوائها على مجموعة من النقط التي شغلت الفقهاء واحتدم النقاش حولها، مثل الطاعة والتعدد... والولاية هذه الأخيرة أسالت مدادا كثيرا، حيث ما لبثت الحركات النسائية أن اعتبرتها أوضح تعبير عن العنف القانوني الممارس ضد المرأة ، كما اعتبرت أيضا لدى الكثير من المهتمين عقبة تحول دون ممارسة اختيار الفتاة لرفيق عمرها من جهة، والسبب المباشر في تفاحش ظاهرة الطلاق وفك العصمة الزوجية عن طريق الخلع وفي بعض الأحيان عن طريق الابتزاز .
وعلى العموم فالولاية لغة تعني النصرة والولي يراد به النصير، أما اصطلاحا فالولاية هي سلطة تجعل الولي إذا تبتت له تلك السلطة قادرا على القيام بتصرفات قانونية وتنفيذها نيابة عن المولى عنها ، وقد ورد ذكر الولاية في القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: "وإنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا" وقوله تعالى: "والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر".
إذا ثبت ما سبق فمن يتمتع بحرية ممارسة الولاية إن كانت فعلا هناك حرية في ممارستها؟ وما هي العلاقة بين الحرية الشخصية في ممارسة الولاية والوظيفة الإجتماعية؟
هذا ما سنحاول أن نتطرق إليه من خلال المبحثين التاليين.

المبحث الأول: حرية ممارسة الولاية بين الفقه الإسلامي ومدونة الأسرة
المبحث الثاني : الوظيفة الاجتماعية للولاية ومدى تأثرها بالحرية الشخصية
المبحث الأول
حرية ممارسة الولاية بين الفقه الإسلامي ومدونة الأسرة

مقاربة مفهوم الحرية في الولاية لابد لنا من دراستها في الفقه الإسلامي بمذاهبه الفقهية الأربعة باعتباره المنبع الذي تأخذ منه كل القوانين في الدول الإسلامية، تم دراستها في مدونة الأسرة، لهذا سنقسم هذا المحور إلى مطلبين. سنخصص الأول للفقه الإسلامي والثاني لمدونة الأسرة.7

المطلب الأول: حرية ممارسة الولاية في الفقه الإسلامي

تعتبر الولاية مفهوم أصيل في الفقه الإسلامي بدليل أن كل المذاهب الفقهية تناولتها بالتحليل بالرغم من أنها أثارت خلاف شديد بين الفقهاء، حيث نجد أن هناك من اعتبرها شرط من شروط العقد وهناك من لم يعتبرها كذلك بل اعتبرها شرط لنفاذ العقد، وهذا الخلاف الفقهي ليس بسبب وجود الولاية أو عدم وجودها، وإنما هو خلاف ناتج فقط حول من يتمتع بحرية ممارستها.
فهل هي سلطة بيد الرجل يمارسها على المرأة أم هي سلطة بيد المرأة تمارسها بنفسها أو تفوضها لغيرها؟
فمن خلال استقراء المذاهب الأربعة نجد أنها هناك شبه اتفاق بين ثلاثة منها وهما: المالكية والحنبلية، والشافعية، حول جعل الولاية بيد الرجل، وانفرد مذهب واحد برأي مخالف نوعا ما عما ذهبت إليه المذاهب الفقهية السابقة، حيث اتجه نحو منح الحرية في ممارسة الولاية للمرأة معتمدين في ذلك على عدة أدلة لا تقل أهمية عن الأدلة التي اعتمدها الفريق الأول.
يرى جمهور الفقهاء وهم الأئمة الثلاث: مالك والشافعي وأحمد أن رضا الولي وإذنه شرط لصحة العقد بل إنه يلزم لصحته وليس للمرأة أن تباشر عقد الزواج بنفسها، فإن فعلت ذلك فالعقد فاسد ، وقالوا أن المرأة المكلفة إذا كانت بكرا فالولاية عليها ولاية استبداد يكون الأمر فيها للولي وحده، وغن كانت ثيب كانت الولاية ولاية شركة ، واستدل الجمهور بالكتاب والسنة لتدعيم وتقوية رأيهم معتمدين على قوله تعالى: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن... ويعتبر الإمام الشافعي هذه الآية الكريمة أصرح دليل على اعتبار الولي شرط لصحة الزواج، وإلا لما كان لعضله معنى . كما اعتمدوا على العديد من الأحاديث نذكر ما رواه الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من ولا ولي له".
وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" .
فمن خلال الحديث الأول يتبين أن زواج المرأة موقوف على إذن وليها وأنه إذا وقع الزواج بغير إذنه كمان باطلا، أما الحديث الثاني فيدل على عدم صحة النكاح إذا تم بعبارة المرأة دون عبارة الولي وهذا يدل على أن إذن الولي ومباشرة للعقد شرط في صحته .
أما الأحناف فلهم رأي خاص بخصوص الولاية حيث يذهب أبو حنيفة وأبو يوسف في ظاهر الرواية بجواز انفراد المرأة بزواجها فلها أن تنشئ العقد بعبارتها من غير إشراك وليها، وإن كان من المستحب عندهم أن يتولى العقد الولي، وأن يكون عنه راضيا كما أن لها أن تتولى زواج غيرها لكنها إذا تولت عقد زواجها وكان لها ولي عاصب اشترط لنفاذ زواجها ولزومه أن يكون الزوج كفئا لها وألا يقل عن مهر المثل، فإن زوجت نفسها من كفئ وبمهر المثل صح الزواج عندهم وكان لازما سواء رضي الولي بذلك أو لم يرضى.
أما إذا زوجت نفسها من غير كفئ ولم يكن وليها رضي بذلك قبل الزواج فله حق الإعتراض فإن سكت حتى ولدت فإن حقه يسقط محافظة على الولد من الضياع ولأن حق الولد أقوى من حق الولي، أما إذا لم يكن للمرأة البالغة العاقلة ولي عاصب وزوجت نفسها كان زواجها صحيحا لازما حتى ولو كان الزواج قد تم برجل غير كفئ له .
ويستدل أبو حنيفة ومن وافقه على صحة موقفه بقوله تعالى: "فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف" فظاهر هذه الآية أن للمرأة أن تعقد الزواج، وأن للأولياء حق الفسخ ، وإن لم يكن بالمعروف وبما رواه ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الأيم لأحق بنفسها منن وليها، والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها" فوجه الإستدلال في الجملة الأولى من الحديث تفيد أن الأمر في الزواج بالنسبة للبالغة العاقلة هو حق لنفسها ولي لوليها واثر ذلك، إنما يكون في أنها تملك أن تتزوج برأيها وحدها فإذا كان للولي معها شيء من الحق، فهو استحباب أخذ رأيه وأمن يكون الزواج برضاه، أما الجملة الثانية من الحديث فهو متعلق بالبكر التي يجب أخذ رأيها ولم تجعل للولي حقا معها .
ويرجع ابن رشد في تعليل الخلاف في اشتراط الولي في عقد النكاح إلى انه لم تأتي آية ولا سنة ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح لأن الآيات المعتمدة مختلف في تغييرها، أما الأحاديث التي جرت العادة على الإحتجاج بها فكلها محتملة ، وكل فريق يرد حجج الآخر بطريقة مقنعة تسبب الحيرة للباحث البسيط في الموضوع، وعلى كل ودون الدخول فيمناقشة أدلة كل فريق من الفريقين تبين لنا أن الولاية عندهم ولاية إجبار حتى على الرشيدة ما دامت بكرا وولاية شركة على الثيب بمعنى أن الرشيدة لا تعقد على نفسها وإن كان رضاها على الزواج أمر ضروري لحصته.
ولهذا يمكن القول أن الولاية يتمتع بها الرجل ويمارسها بكل حرية وليس للمرأة، دخل فيها، فرضاها المطلوب يمكن أن يغيب إذا رغب الولي في ذلك، أما الأحناف وإن كانوا قد أعطوا الولاية للمرأة الرشيدة تمارسها بكل حرية إلا أنهم أبقوا على اشتراط الولي كمراقب بحيث يحق له فسخ الزواج إذا لم تتوفر بعض الشروط (صداق المثل...الكفاءة...).
وهذا ما يعتبره البعض قمة ممارسة الولاية، ومن هنا نجد أن الولاية عند الأخناف متروك أمر ممارستها للمرأة، بمعنى أن للمرأة الحرية الشخصية في ممارسة الولاية لكنها حرية محروسة وخاضعة لضوابط.
وفي الخير وبعد أن تطرقنا للولاية في الفقه الإسلامي لابد من التطرق إليها من جانب مدونة الأسرة، وهذا ما سنتناوله في المطلب الثاني، محاولين إبراز للإتجاه الذي نهجه المشرع المغربي فيما يخص الولاية في الزواج.

المطلب الثاني:حرية ممارسة الولاية في مدونة الأسرة

اعتبرت مدونة الأسرة الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين.
إلا أنها وضعت لهذا الزواج ضوابط يقوم عليها، فيجب أن تتوفر فيه الشروط التالية المنصوص عليها في المادة 13 من م أ، أهلية الزوجين، عدم الإتفاق على إسقاط الصداق، ولي الزواج عند الإقتضاء، سماع العدلين الإيجاب والقبول، تم انقضاء الموانع الشرعية، فمن خلال هذه المادة نجد أن هناك إشارة، وإن كانت ضبابية على أن الولي ليس شرطا ضروريا في كل الزيجات الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تضارب الآراء حول هذه المسألة، إلا أن مدونة الأسرة في المادة الرابعة والعشرون والتي جاءت صريحة في إسقاط شرط الولي بالنسبة للرشيدة "الولاية حق للمرأة تمارسها الرشيدة حسب إختيارها ومصلحتها"، وكتبرير لهذه المسألة اعتمد المشرع المغربي على بعض التفاسير للآية الكريمة "فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف" ، متكئا على المذهب الحنفي، الذي كما سبق القول، قال بعض فقهائه بأنه إذا صح تصرف المرأة في الأموال فمن الأولى أن يصح تزويجها لنفسها ستدالين بعدة دلائل قد سبق ذكرها ونأخذ هنا كمثال فقط حديث حول بنت خدام التي قالت: "إن أبي زوجني ابن أخيه يرفع به خسيسته" فجعل صلى الله عليه وسلم الأمر إليها، فقالت إني قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من المر شيء" .
من خلال ما تقدم نجد أن مدونة الأسرة سارت في اتجاه إعطاء الحرية للفتاة لعقد زواجها دون وصاية أي أحد عليها وجردت الولي من أي سلطة يمكنه استخدامها لإحباط زواج موكلته، ولتخرج المرأة من تسلط الولي في بعض الأحيان الذي كان يخرج عن الضوابط ليتحكم في مصير الإنسانية التي جعلتها الأقدار بين يديه ليحدد لها زوجها الذي اختاره أو ليرفض الإنسان الذي اختارته، وذلك لغاية في نفسه ويمارس وصايته اللامشروعة.
وبهذا أصبحت الولاية في مدونة الأسرة أسمى تعبير عن الحرية للشخصية، وذلك لأن الرشيدة تمارس الولاية حسب اختيارها.
ولم تصل المدونة المغربية إلى هذا المستوى إلا بعد سلسلة من سلسلة من التعديلات ثم اتخذت مدونة الأسرة الولاية مرة واحدة بل نهج المشرع المغربي نهج التدرج في إلغائها، فمدونة سنة 1957 اعتبرت الولاية شرط صحة في عقد الزواج حيث لا يصح العقد إلا بتوفر الولاية سواء كانت بكرا أو ثيبا، قاصرة أم رشيدة، هذا مع العلم أن المشروع الذي قدمته وزارة العدل للجنة التي خررت الصيغة النهائية لمدونة 1957 كان يتجه اتجاه مخالف تماما عما أتت به المدونة حيث كان ينص على أنه يمكن للمرأة إبرام عقد زواجها أمام العدلين مع موافقة وليها إذ كانت دون سن الرشد القانوني بالإضافة إلى صحة عقد الزواج الذي تبرمه الفتاة دون موافقة وليها .
أما مدونة سنة 1993 الملغاة فقد تخلت على إجبارية الولاية وجعلتها اختيارية وهي حق للرجل دون المرأة، حتى ولو كانت وصية فإنها توكل رجلا يتولى تزويج من هي تحت وصياتها واستثنى من الولاية في الزواج الرشيدة التي لا أب لها حيث يمكنها أن تستأثر بتزويج نفسها أو تولى من تشاء من الأولياء.
وبذلك تجاوزت مدونة الأسرة النقاش الذي كان سائدا بين الفقهاء حول اعتبار استثناء الفتاة الرشيدة، التي لا أب لها من الولاية يعتبر عيبا في مدونة الأخوال الشخصية لأنه يشوش عن عموم وتجريد القاعدة القانونية .
وبهذا نجد فكرة منح حرية ممارسة الولاية للرشيدة بدأت إرهاصاتها الأولى قبل سنة 1957 ولم تخرج إلى حيز الوجود إلا بعد مرور حوالي 46 سنة (حوال نصف قرن)وبذلك تكون الولاية من أهم النقاط التي حسم النقاش فيها ، وذلك بإلغائها بهدف ملائمة الأسرة مع الإتفاقيات الدولية التي يلتزم بها المغرب في دباجة دستوره، ويمكن أن نذكر هنا المادة 16 من اتفاقيات القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية على أساس مساواة الرجل والمرأة".
وقد سارت العديد من الدول العربية على نهج مدونة الأسرة المغربية فيما يخص منح الفتاة الرشيدة سلطة الولاية على نفسها نذكر هنا سبيل المثال لا الحصر مصر، وتونس، والجزائر، التي أتت بمقتضى مشابه للمادة الرابعة والعشرون من مدونة الأسرة المغربية، وذلك في مشروع تعديل قانون الأسرة، إلا أن الضجة التي أثارها هذا المقتضى أدت بالبرلمان الجزائري إلى المصادقة على المشروع مستثنين قضية الولي، وذلك لكي يبقى على القديم لإرضاء المعارضين من جهة وتمرير النصيب الأوفر من التعديلات التي تضمنها قانون الأسرة الجزائري من جهة أخرى ، وربما الجزائر الجزائر لم تتخلى نهائيا عن هذا المقتضى وإنما اجلب الحسم فيه لفرصة أخرى، وذلك لإقحامه ضمن فصول قانون الأسرة الجزائري. وبهذا نجد أنه ليس المغرب وحده الذي يرغب في جعل زمام أمور المرأة في يدها وإعطائها الحرية الغير مقيدة في اختيار شريكها في الحياة، بل الأكثر من ذلك إبرام حتى عقد زواجها بنفسها، المادة 25 من م أ ولم يترك للولي إلا حيز ضيق جدا يمارس من خلاله الولاية وذلك في حالة القاصر الذي يكون دون سن الرشد القانوني سواء كان ذكرا أو أنثى وإن كانت الولاية هنا شكلية لأن القاضي هو الذي يأذن بزواج القاصر بمقرر قضائي وليس الولي الذي يتمحور دوره في رفع طلب الإذن بزواج القاصر إلى القاضي. وما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن منع الحرية للفتاة فيما يخص الولاية ليس مستجد في مدونة الأسرة لأنه حتى في ظل مدونة الأحوال الشخصية كان دور الولي شكليا وذلك لأنها نصت على أن الولي لا ينوب عن المرأة في الإعراب عن رضاها بالزواج إلا بعد أن تبلغ وتصرح أمام العدلين بأنها تفوض له في ذلك، كما أنه لابد من الإعراب عن رضاها صراحة وتوقيعها على الملخص رسم الزواج الذي يكتبه أحد العدلين في دفتره ، وكل ما فعلت مدونة الأسرة هي أنها كانت أكثر واقعية وصراحة مع نفسها حيث أزالت الولاية الشكلية الإجبارية وجعلتها شكلية اختيارية بيد الرشيدة. وبذلك فمدونة 1993 لم تكن معيبة ولكن تطبيقها القضائي والفهم المعيب والغير السليم لفصولها ولمقتضياتها هو الذي أظهر الكثير من التغيرات فيها مثل ما حدث في الولاية حيث لم تكن في الواقع ولاية شكلية إلا نادرا، وإنما كانت ولاية إجبار على الفتاة الرشيدة بكل النتائج التي يمكن أن ترتبها عليها كإنسانة من حقها اختيار حياتها وشرعيها في هذه الحياة. ومن نتائج إعطاء حرية الولاية للرشيدة أن ارتفع عدد الزوجات بدون ولي كما صرح بذلك السيد محجوب بن طالب ، ويؤكد ذلك ما جاء في تصريح وزير العدل حيث قال إن نسبة مهمة من الفتيات المتزوجات استنشدنا من المقتضيات الجديدة لمدونة الأسرة بدليل الإرتفاع المسجل في زواج الرشيدة التي عقدت زواجها بنفسها ووصل عدد الرسوم المسجلة سنة 2005 إلى 49 ألف و175 رسما في حين سجل سنة 2004 حوالي 34 ألف و475 رسما ويعود هذا الإرتفاع حسب الوزير غلا أن الأسرة المغربية بدأت تستوعب المضامين الجديدة للمدونة بالرغم من تمسكها بالأعراف والتقاليد .






المبحث الثاني
الوظيفة الإجتماعية للولاية ومدى تأثرها بالحرية الشخصية

لمعالجة هذه النقطة، لابد لنا أن نتطرق في بداية الأمر إلى إبراز الوظيفة الإجتماعية للولاية كنقطة أولى قبل التطرق إلى مدى تأثير الحرية الشخصية على الوظيفة الإجتماعية في المنطقة الثانية، ولهذا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين، الأول: يتعلق بالوظيفة الإجتماعية، بينما الثاني: سنحاول أن نبرز فيه مدى تأثر هذه الأخيرة بالحرية الشخصية.

المطلب الأول: الوظيفة الإجتماعية للولاية

مما لا شك فيه أن الولاية في الزواج كمفهوم إسلامي أصيل لم تأتي عبثا أو من فراغ بهدف التحكم في الفتاة المقبلة على بداية حياتها الزوجية، وإنما جاءت لأهداف اجتماعية غاية في النبل والأهمية نستشفها من خلال رصد وظيفة الولاية في الزواج.
فالمفروض في الولاية أنعا ليست تحجيرا على أهلية الفتاة وإنما هي وسيلة شرعية لتحقيق مصلحتها هي بالذات ومصلحة أسرتها الصغيرة والكبيرة ككل، وذلك لأن الزواج لا يراد لذاته بل بمقاصده والمتجلية في الألفة والرحمة بين الزوجين، ومن آياته تعالى: "أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" والإستقرار مهما لإنجاب الأولاد وتربيتهم.
وإن كان مثل هذا الهدف حذف من تعريف الزواج في مدونة الأسرة، حيث لا يتحقق الهدف المقصود ، لهذا وجدت الولاية لتفادي انزلاق الفتاة إذا أرادت التزوج بمن هو ليس كفئا لها وغير قادر على إعطائها صداق مثيلاتها وغير متوفر على مكانة محترمة، وسمعة طيبة، ذلك أن المرأة لو تركت لتختار زوجها بنفسها وتتفاوض معه فيما يتعلق بزواجها فقد تنساق وراء هوى عابر أو مظهر خادع، نظرا لما جلبت عليه من رقة في العاطفة ورهافة في الحس فتقبل بزوج ما كانت ستقبل به لو أنها تعرفت على وضعيته وأرشدت إلى حقيقته، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: "حبك الشيء يعمي ويصم" وكل هذا من شأنه أن يمس بسمعة أسرتها ويخدش كرامتها ويعود عليها وعلى أسرتها ككل بالنعوت التي قد تحط من قدرها .
ولهذا يقول أغلب الأئمة وكثير من فقهاء المذهب الحنفي نفسه أن سبب الولاية ليس الشفقة والعطف على المولى عليها بل هو تفادي للإضرار بسمعة الأسرة واعتبارها ووضعها الثقافي والإجتماعي فيما إذا تزوجت الفتاة من غير كفئ لها ، فروابط الزواج لا تنحصر بين الزوجة والزوج بل تمتد أواصره إلى الأبناء الناتجين عن هذه العلاقة الزوجية وإلى أسر الزوجين معا حيث تصبح هناك علاقة مصاهرة تربط الأسرتين معا، لذا يجب أن يكون الزواج مبني على التوافق والوئام ولا ينبغي أن تتورط أي من الأسرتين في هذه القرابة الناتجة عن تلك الزيجة خاصة عائلة الفتاة لأن انزلاقها وخطأها يمس مباشرة شرف أهلها وخير دليل على ذلك الواقع الإجتماعي الحالي، فالمجتمع ينظر إلى عثرات الفتاة الجنسية مغايرة لنظرته إلى عثرات الفتى صحيح أنه من الناحية الدينية والقانونية بل والمنطقية أيضا لا مبرر لهذا التميز ولكنه كواقع لا يستطيع أحد أن ينكره، ولا يجادل في المسؤولية الأدبية والأخلاقية التي يحملها المجتمع للأسرة نتيجة الهفوات الجنسية للفتاة .
وبهذا يكون زواج الفتاة مرتبط أيما ارتباط بسمعة عائلتها وهذا ما يفسر مبالغة العائلات بالمفاخرة بخاطب ابنتهموالتفاخر بما حمل إليها من الهدايا وما أعطاها من مهر لدرجة المبالغة الزائدة اللامبررة في الكلام عن الخطيب وأصله وموقعه في المجتمع.
بالإضافة على ما تقدم فالولاية وجدت كنتيجة لحالة مصاحبة لأغلب الفتيات وهي الحياد والتمنع عن إعلان رغبتهن في الزواج التي - تفسر في الغالب بالرغبة في الجنس- وهذا ما يؤكد عفتها واستقامتها حيث تبتعد عن الحديث في الزواج وشروطه، وإبرام العقد ما الرجل وحبه لوجه ، لفسخ المجال للولي الذي ينوب عنها في هذه الأمور.
ومن خلال ما تقدم نجد أن للولاية في الزواج وظيفة مزدوجة شق منها يمس الفتاة المقبلة على الزواج فتحميها من التورط في زواج ليس لها فيه إلا المتاعب وربما يجلب لها الشقاء والتعاسة، وشق آخر يتعلق بالعائلة التي بممارستها للولاية تحمي شرفها وسمعتها بفرض رقابتها على زواج بنتها.
وإن كنا نتفق مع هذا الرأي إلا أننا نرفض بشدة ما قد يتبادر إلى الذهن أن الفتاة تسرع في اختيار زوجها لأن النقص العقلي ميزة مرتبطة بها ولأنها ميالة إلى الرجل بطبعها ، ولكن يمكن أن يعزى ذلك الأمر إلى قلة التجربة والخبرة والتبصر في طباع الناس خاصة (المنافقين) منهم، فهي يمكن أن تنخدع من طرف الرجل كما يمكن أن تنخدع من طرف بنات جنسها وليس للرجل هو الذي يعميها.
تنضاف إلى هذه الوظيفة وظيفة أخرى وهي لا تنفصل على الوظيفة الأولى والمتجلية في المحافظة على وحدة العائلة وإلتآمها، فالولاية في الزواج تعتبر تعبيرا عن هذا الإلتحام العائلي.
فعندما تسلم الفتاة أمرها لوليها ليقوم بإبرام زواجها فهي تضع فيه الثقة التامة انطلاقا من اقتناعها الوجداني بأن لا احد يريد لها الخير ويسعى لها فيه أكثر من وليها.
بعد أن تطرقنا في المطلب الأول من هذا المحور إلى الوظيفة الإجتماعية فما مدى تأثير الحرية الشخصية على هذه الوظيفة؟ هذا ما سنحاول إبرازه في المطلب الموالي.

المطلب الثاني: تأثير الحرية الشخصية على الوظيفة الإجتماعية للولاية

كما سبقت الإشارة على ذلك فمجونة الأسرة منحت حرية ممارسة الولاية للفتاة الرشيدة التي يمكنها أن تعقد زواجها بنفسها أو تفوض وليها للقيام بذلك، فحرية ممارسة الولاية المعطاة للرشيدة أصبحت أمر واقع ينبغي التكيف معه لكن ما يثير الإنتباه هو أن سن الرشد القانوني الذي يمنح هذه السلطة للفتاة.
فحسب المادة 19 من مدونة الأسرة، تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية بثمانية عشر سنة شمسية، فهل الفتاة في هذا السن (سن المراهقة) هي أهل للإختيار دون توجيه أو إرشاد؟ هل اختبارها سيكون صائبا؟ وهل عائلتها ستقبل اختيارها بسهولة؟ بمعنى هل الحرية الممنوحة للفتاة في سن الثامنة عشر تخدم مصالحها فعلا من الناحية الواقعية وتحقق الهدف الإجتماعي المتوخى من الزواج؟
فمن المعلوم أن الفتاة في هذه المرحلة تكون مفتقرة للتجربة وتكون غير واعية بأساليب الحياة والإحتيال والإغراء وتكون عاطفتها متقدة لذلك يمكن أن يوقع بها فتظن أنها اختارت الزوج الملائم وفارس الحلام معتزة برأيها وقرارها الإنفرادي بينما قد تصطدم فيما بعد بالحقيقة المرة ، وهذه هي بداية المتاعب بالنسبة للفتاة التي يحملها المجتمع والأسرة نتيجة اختيارها، وبالتالي بخل في المساعدة فمن المؤكد أنه في حالة حدوث خصام أو عدم التفاهم في المستقبل بين الزوجين كيفما كان نوع الخلاف ينعكس سلبا على الفتاة إذ تجد نفسها في مأزق مع عائلتها الرافضة لتلك الزيجة، وذلك لأن أغلب الفتيات اللواتي عقدن على انفسهن تكون العائلة غير راضية على ذلك الزواج – وهذا ما توصلنا إليه من خلال طرحنا لبعض الأسئلة تهم هذا الجانب على بعض الفتيات التي عقدن على أنفسهن – وإلا لما عقدت الفتاة زواجها لوحدها دون مساندة الأسرة والتي أقل ما يمكن أن تعاقب به الفتاة حسب ارتسامات بعض الآباء هي مخاصمتها ومقاطعتها الأمر الذي يدفع بالفتاة إلى الرضا بالواقع المعاش أو الإنسلاخ عنه، وهنا يكون الوضع أخطر فيصبح الشارع هو الملاذ الأخير الذي يمكن أن تقصده الفتاة بدل من وليها الذي يفترض فيه أن يكون أول من يدافع عنها إذا ما كانت قد تشاورت معه في اتخاذ القرار التي فضلت اتخاذه لوحدها دون التبصر في العواقب الشيء الذي ينعكس بشكل جلي على الأسرة ككل، هذا دون أن ننسى نظرة أسرة الزوج إلى هذه الفتاة التي دخلت حياتهم، وهي تحمل معها كم هائل من الحقوق لأسرتها التي سهرت على تربيتها الشيء الذي يرفع أسرة الزوج إلى الخوف على أحفادها من تلك العروس لأنها في اعتقادهم غير قادرة على تربية الأطفال تربية حسنة وذلك لسبب بسيط هو أنها غير مطيعة ومتمردة عن المبادئ والقيم والعادات والتقاليد وبالتالي عدم احترام الأبوين بصفة خاصة والأسرة بأكملها بصفة عامة .
هذه النظرة الإحتقارية للمرأة من أسرتها أولا ومن أسرة زوجها ثانيا لا يمكن أن تمر في اعتقادنا دون نتائج على نتاج هذه العلاقة وهم الأطفال الذين يعيشون في وسط عائلي غير عادي فمن جهة يعانون من عدم اكتمال الأسرة، حيث لا يعرفون سوى أسرة الأب، وذلك لأن أسرة الأم ترفض إبنتها التي خرجت عن العادات والتقاليد المتشبعة بها الأسرة، ومن تم يرفض بالتبعية أبنائها لأنهم نتاج علاقة مرفوضة تذكرهم بواقع مؤلم يتمثل في اختيار الفتاة لحريتها الشخصية في ممارسة الولاية والتضحية بالأسرة هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فهؤلاء الأطفال يترعرعون في جو غير صحي بسبب عدم احترام وتقدير أمهم من طرف أسرة الوالد الشيء الذي قد يؤدي بهم إلى المعاناة النفسية البالغة الخطورة يمكن أن تصل إلى الإجرام في المستقبل خصوصا إذا علمنا أن العديد من الدراسات أثبتت أن الجو المشحون الذي يعيشون فيه الأطفال يدفعهم على الجريمة نتيجة وكرد فعل منهم عن الأوضاع التي يعيشونها.
ومن تم يتبين لنا أن الحرية الشخصية في ممارسة الولاية والمعطاة للفتاة في إبرام عقد زواجها ليست امتياز لها بل ربما تكون بسبب لبداية متاعبها ومعاناتها، فبدل أن تحقق لها الإستقرار والعيش الكريم، تكون نتائجها في الإتجاه المعاكس عما يجب أن تسير فيه الأمور فيصبح الندم والحزن سيد الموقف.
ولهذا السبب يعتبر البعض أن بعض نصوص المدونة جاءت جد متسرعة منقادة إلى المطالب النسائية ومنافية للواقع المغربي، مثل ما حدث في الولاية فالقاعدة أن العائلات ترحب بزواج بناتها وتباركه والإستثناء هو أن ترفض وتعارض هذا الزواج، ولهذا كمان ينبغي البقاء على الولاية، أو على الأقل الأخذ بما جاء في المذهب الحنفي وليس الأخذ بجزء منه وترك الجزء الأهم فيه وهو رقابة الولي .
ولهذا يمكن القول أن الوظيفة الإجتماعية للولاية تتعارض وبشكل مطلق مع الحرية الشخصية لممارسة الولاية والممنوحة للفتاة الرشيدة، بحيث لم تجني من وراء هذه الحرية سوى التفكك الأسري والذل والمهانة للأسرة والفتاة بحيث يبدأ احتقارها من طرف الشخص الذي اختارته رغما عن الأسرة والذي قد يستغل وضعها ليمارس عليها ما شاء من أشكال العنف، خصوصا وأنه على علم مسبق بأن أسرة وأقارب الزوجة لن يتدخلوا في الأمر، وبالتالي لن يراعي لهذه الزوجة على الأقل حتى ما قامت به من شخصية لحاسبه.
وفي الأخير يمكن القول بأن الولاية اصبحت أمر واقع ينبغي التكيف معه وإيجاد الحلول الكفيلة لإستقرار الأسرة ينبغي تفعيل دور القضاء، وذلك حتى تتمكن نصوص المجونة من تحقيق أهداف المشرع، ولهذا لابد من تدخل القضاء تدخل ترشيدي في حالة عدم التوافق بين أفراد الأسرة لترشيد الإختيار وبقاء الأسرة في توافق وتلازم، وهذا ما يحصل فعلا في المجتمعات الغربية وما تنص عليه بعض القوانين المقارنة .













لائحة المصادر والمراجع

الكتـب:


1. القرآن الكريم برواية ورش
2. أحمد الحضري، الوصاية، الولاية، الطلاق في الفقه الإسلامي للأحوال الشخصية، طبعة 1992، دار الجيل بيروت
3. أحمد الخمليشي، التعليق على قانون الأحوال الشخصية، طبعة 1984، الجزء الأول
4. أحمد الخمليشي، وجهة نظر، الطبعة الأولى، 1988
5. ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، الجزء الثاني، دار الفكر، طبعة 1998
6. بدران أبو العنين بدران، الفقه المقارن للأحوال الشخصية بين المذاهب الأربعة السنية والمذهب الجعفري والقانون، دار نهضة العربية، بيروت
7. عبد الكريم شهبون، شرح مدونة الأحوال الشخصية، الجزء الأول، الطبعة الثانية
8. محمد ابن معجوز، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونةالأحوال الشخصية، الطبعة الثانية، 1994، الجزء الأول
9. محمدالأزهر، شرح مدونة الأسرة، الطبعة الأولى، 2004
10. محمد رأفت عثمان، فقه النساء في الخطبة والزواج، طبعة 1984، دار الفاضلة، القاهرة
11. محمد ناصر المتيوي المشكوري، محاضرات في القانون الدولي الخاص، طبعة 2006، مكتبة المعارف الجامعية
12. محمود عبد الحميد، هدى الإسلام في الزواج والفرقة،الطبعة الثالثة 1998
13. لحسن الخضري، الوجيز في أحكام الزواج في مدونة الأحوال الشخصية، طبعة 1995




المجلات والجرائد:

1. مجلة الحياة الطيبة، العدد 15، سنة 2005
2. مجلة قضاء الأسرة، العدد الأول، سنة 2005
3. جريدة العلم، عدد 1986
4. جريدة الأسبوعية، العدد 66، 2006
5. أعمال اليوم الدراسي، الجمعية المغربية لحقوق النساء، الدار البيضاء، 24 يونيو 1995

اللقاءات والاستجوابات:

1. بحث ميداني مع الآباء
2. بحث ميداني مع الشباب
3. لقاء مع الأستاذ الجيلالي المريني، أستاذ الفقه المقارن والمقاصد الشرعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم