الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

إثبات النسب في مدونة الأسرة - بحث - الجزء الأول

سعيد الزعيم 

ماستر العلوم والمهن الجنائية كلية الحقوق سلا



الفهرس

مقدمة.................................................................................................................................... 1
الفصل الأول : الوسائل الشرعية التقليدية لإثبات النسب........................................................................ 4
المبحث الأول: الفراش................................................................................................................ 6
المطلب الأول : ثبوت النسب بالفراش  في الزواج الصحيح...............................................................      7
المطلب الثاني : ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح...................................................................       19
المطلب الثالث : ثبوت النسب في الوطء بشبهة..........................................................................     ... 23
المطلب الرابع: حجية الفراش...............................................................................................      .. 36
المبحث الثاني: الإقرار ............................................................................................................ . 41
المطلب الأول: مفهوم الإقرار، أركانه وأنوعه.............................................................................    .  41
المطلب الثاني : شروط الإقرار إثباته وآثاره.......................................................................     ....... . 44
المطلب الثالث : الإقرار بالنسب والحالة المدنية..........................................................................     .. 50
المبحث الثالث: البينة................................................................................................................. 56
المطلب الأول : شهادة عدلين......................................................................................    . ........... 56
المطلب الثاني : إثبات النسب ببينة السماع.......................................................................... ............ 59
الفصل الثاني : الخبرة كوسيلة علمية لإثبات النسب............................................................................ 63
المبحث الأول : الخبرة في الفقه الإسلامي....................................................................................... 65
المطلب الأول : القيافة ودورها في إثبات النسب..............................................................     ............. 65
المطلب الثاني: مشروعية ثبوت النسب بالقيافة...........................................................    ......... ......... 66 
المبحث الثاني : دور الخبرة الطبية في إثبات النسب........................................................................... 69
المطلب الأول : تحليل فصائل الدم....................................................................................... ...    .. 69
المطلب الثاني : تحليل البصمة الوراثية................................................................................. ....    . 70
المبحث الثالث : مختلف المواقف بشأن الخبرة الطبية.................................................................      ... 74
المطلب الأول : الموقف من الخبرة في القانون المقارن............................................................. ...    ... 74
المطلب الثاني : موقف القانون المغربي بشأن الخبرة..................................................................     ... 82
خاتمة
الملحق................................................................................................................................ 103
لائحة المراجع....................................................................................................................... 105
الفهرس............................................................................................................................... 110
............................................................................................................................................
 


    مقدمة



تعد الأسرة ظاهرة اجتماعية فطرية لا انفكاك لأي حي عنها والإنسان في الاعتبار الأول في أمس الحاجة إليها من حيث كونه حيا عاقلا يرغب في الاستقرار والسكينة والتساكن قال تعالى «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»[1].

وعلى اعتبار أن الإنسان اجتماعي بطبعه كونه لا يقوى على العيش منفردا في استقرار وطمأنينة، لأنه ميال لمساكنة الآخر من نوعه عن طريق الزواج. لذا يرى الإنسان إذ لم يكون أسرة وولي عنه زمانه، فإنه يصاب بالحسرة والندم، خصوصا عندما تغزوه الوحدة لا أصل ولا فرع ولا أمل في العودة إلى بسمة الشباب ذهب الكل وبقي الكل[2]، ومادام الأولاد هم ثمرة الحياة الزوجية وغايتها وهم بهجة الدنيا وزينتها فمن أجل ذلك عني الإسلام بشأنهم فشرع لهم من الحقوق ما يحفظهم من الانحلال والفساد، وضمن حقهم في الانتساب إلى آباء معينين، يشكلون امتدادا لهم، لذلك أولت الشريعة الإسلامية النسب مزيدا من العناية وأحاطته ببالغ الرعاية ولا أدل على ذلك من جعله في طليعة الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية على وجوب حفظها ورعايتها، ومن أجل ذلك عني الإسلامي أيما عناية بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة ضمانا لحماية الأنساب وجعلها مبنية على أصول شرعية وحرم كل اتصال جنسي خارج إطار الشرعية ولم يبح إلا تلك القائمة على زواج شرعي بشروطه المعتبرة ومن مظاهر عناية الإسلام بالنسب أيضا أنه بالغ في التهديد للآباء والأمهات حين يقدمون على إنكار نسب أولادهم[3]، قال الرسول r «أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الخلائق»[4]، كما حرم الإسلام على المرأة أن تنسب إلى زوجها من تعلم أنه ليس من صلبه، فقال r : «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم، فليست من الله في شيء ولن يدخلها جنته»[5]، كما حرم على الأبناء الانتساب إلى غير آبائهم قال عليه الصلاة والسلام «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام»[6]، وما ينبغي الإشارة إليه أن المشرع المغربي اهتم بدوره بموضوع النسب وأولاه العناية الخاصة سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو في مدونة الأسرة، حيث خصص له في هذه الأخيرة القسم الأول من الكتاب الثالث المتعلق بالولادة ونتائجها تحت عنوان " البنوة والنسب" وما يلاحظ أن الفقهاء المسلمين لم يعطوا تعريفا موحدا لمفهوم النسب، بل تحدثوا عن مسائله وعالجوا قضاياه، و قدعرفته مدونة الأسرة في المادة 150 «بأنه لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف"[7]، لكن لا بأس من التطرق لمعانيه، فالنسب لغة، يعني القرابة وسميت القرابة نسبا لما بينهما من صلة واتصال، فيقال نسبت فلانا إلى أبيه أنسبه نسبا إذا رفعت في نسبه إلى جده الأكبر[8] أما معناه شرعا فهو علاقة الدم أو رباط السلالة أو النوع الذي يربط الإنسان بأصوله وفروعه وحواشيه، قال تعالى «وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا»[9].
ونظرا لأهمية النسب لارتباطه الوطيد بقضايا المجتمع على اعتبار أن قضايا النسب أصبحت تشكل أغلب الدعاوى المعروضة على القضاء الأسري وما يثيره ذلك من إشكالات عملية لتباين الأحكام القضائية بخصوص القضايا المتشابهة، ونظرا لاهتمامنا بمادة الأسرة، كلها عوامل دفعت بنا إلى اختيار موضوع البحث علنا نتمكن من سبر أغواره واستجلاء خفاياه من خلال التطرق بالدراسة والتحليل والمناقشة لوسائل إثبات النسب وكيفية تعامل القضاء معها وتبيان النقائص التي تعتري الأحكام الصادرة في الموضوع مع إبراز وجهات نظر الفقه المختلفة بخصوص أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة، شبهة الخطبة (المادة 156) والخبرة القضائية كوسيلة إثبات ونفي النسب (المادة 153-158) والعمل قدر المتيسر في إغناء هذا البحث بالاجتهاد القضائي المنشور منه وغير المنشور وتبعا لذلك، يتضح أن الإشكالية التي يتمحور حولها هذا البحث تتمثل في تعامل القضاء مع كل من الوسائل الشرعية التقليدية لإثبات النسب (فصل أول) والخبرة كوسيلة علمية حديثة لإثباته (فصل ثان)، فكيف إذن تعامل الاجتهاد القضائي مع كل هذه الوسائل؟ وما المعايير التي اعتمد عليها لإعمال هذه أو تلك؟
انطلاقا مما سبق، سنجيب عن هذا الإشكال من خلال تقسيم هذا البحث إلى الفصلين التاليين :
الفصل الأول : الوسائل الشرعية التقليدية لإثبات النسب
الفصل الثاني : الخبرة كوسيلة علمية لإثبات النسب
 

 
 
 
الفصل الأول
 
الوسائل الشرعية التقليدية
 لإثبات النسب

 


لقد نصت المادة 158 من مدونة الأسرة على أنه «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو ببينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة « 
 وجاء في المادة 152 من نفس المدونة أسباب لحوق النسب : الفراش الإقرار والشبهة»، ومن خلال هاتين المادتين، فالنسب يثبت بالفراش والإقرار و الشبهة والشهادة بنوعيها والخبرة «  .
ويتبين من مقارنة نص المادة 158 أعلاه مع مقتضيات الفصل 89 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، أن مدونة الأسرة قد جاءت بجديد يتمثل في الخبرة ، ويكون المشرع بذلك قد وسع من نطاق ثبوت النسب حفظا للأنساب ولحقوق الأطفال ومسايرة للتطور العلمي الحاصل في هذا الباب، كما أن تحديد وسائل الإثبات بدقة فيه تيسير مادام الشرع متشوف لثبوت النسب وكون القاعدة الفقهية تقضي " بأنه لا تعجيز في النسب"
وللإحاطة بالموضوع، سنتطرق لهذه الوسائل اتباعا من خلال المباحث الآتية :
المبحث الأول: الفراش
المبحث الثاني: الإقرار
المبحث الثالث: البينة

المبحث الأول : الفراش

يعتبر الفراش السبب الحقيقي لإثبات النسب[10] وباقي الوسائل الأخرى أسبابا ظاهرية ولاحقة بهذا السبب الأصلي لهذا يتعين تحديد المقصود بالفراش وشروطه.
مفهوم الفراش :
الفراش في الأصل ما يبسط للجلوس أو النوم عليه[11] ويطلق على المرأة التي يستمتع بها الزوج[12]، يقول تعالى «وفرش مرفوعة إنها أنشأناهن إنشاء فجعلناهن عربا أترابا لأصحاب اليمين»[13]. أما اصطلاحا فيقصد به كون المرأة معينة للولادة لشخص واحد وبذلك فالمراد بالفراش الزوجية الصحيحة القائمة بين الرجل والمرأة عند ابتداء حملها بالولد على أساس عقد زواج صحيح قائم مقام الاتصال بينهما[14]طبقا للحديث الشريف «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وهذا الحديث يعتبر قاعدة عامة لثبوت النسب.
والسبب في ثبوت النسب بالفراش دون توقف على إقرار أو بينة هو كون الزواج الصحيح يجعل الزوجة مختصة بزوجها وحده دون غيره[15] وكل من تنسل من هذه العلاقة يلحق نسبه لمن ولد له واحتمال أنه من غيره احتمال مرفوض لأن الأصل حمل أحوال الناس على الصلاح حتى يثبت العكس بالطرق المحددة شرعا مادام إبرام عقد الزواج مظنة على الاتصال بين الزوجين دونما حاجة لإثبات وقوع الخلوة بينهما رعاية لحرمة فراش الزوجية واحتياطا للنسب[16].
وفي هذا الاتجاه سار المشرع المغربي في المادة 151 من مدونة الأسرة التي جاء فيها »يثبت النسب بالظن ولا ينتفي إلا بحكم قضائي « .
وإذا كان ثبوت النسب بالفراش أمرا قطعيا، فإن ذلك يتطلب توفر مجموعة من الشروط لخصتها المادة 154 من مدونة الأسرة في أنه : «يثبت نسب الولد بفراش الزوجية :
  • إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال سواء كان العقد صحيحا أم فاسدا.
  • إذا ولد خلال سنة من تاريخ الفراق[17]
وجاء في مقتضيات المادة 155 من نفس المدونة «إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل وولدت المرأة ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها تبث نسب الولد من المتصل وهذا المقتضى سبق التنصيص عليه في الفصل 87 م.أ.ش الملغاة الذي جاء فيه : «الخالية من الزوج إذا وطئت بشبهة وجاءت بولد ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها يثبت نسبة من الواطئ».
انطلاقا من هذه المعطيات، فالنسب يثبت بالفراش سواء في الزواج الصحيح
(مطلب أول( أو غير الصحيح- الباطل والفاسد- (مطلب ثان( وكذا في الوطء بشبهة(.مطلب ثالث (

المطلب الأول : ثبوت النسب بالفراش في الزواج الصحيح

الفقرة الأولى : مفهوم الزواج الصحيح

جاء في المادة 50 من مدونة الأسرة : «إذا توفرت في عقد الزواج سائر أركانه[18] وشروط صحته وانتفت الموانع، فيعتبر صحيحا وينتج جميع آثاره...» .
وقد بينت المادة العاشرة على أن الزواج ينعقد بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة أو عرفا، في حين حددت المادة 13 من نفس المدونة الشروط الواجب توفرها في عقد الزواج حتى ينتج آثاره[19].
ولعل أهم هذه الآثار ثبوت نسب الأولاد الذين يولدون على فراش الزوجية لصاحب هذا الفراش[20].
الفقرة الثانية : شروط الفراش في الزواج الصحيح
لا يثبت النسب بمجرد قيام الزوجية على عقد صحيح مستجمع لكافة أركانه وشروطه، بل لابد من توفر شروط أخرى، إذا ما انتفى واحد منها أدى إلى عدم لحوق الولد بالفراش حال قيام الزوجية.
وقد نصت مدونة الأسرة في المادة 154 منها على هذه الشروط، والتي سنناقشها بتفصيل من خلال النقاط التالية :

أولا : وجود عقد زواج صحيح

بتوفر عقد الزواج الصحيح المستجمع لأركانه وشروط صحته، فإنه يرتب آثاره الشرعية وأهمها ثبوت نسب الأولاد الذين يولدون على فراش الزوجية لصاحب هذا الفراش[21] وتعد هذه القاعدة حجر الزاوية والأساس في إثبات النسب وهي قرينة قاطعة لا تحمتل إعمال ما جاء به أهل البصر[22]، وهذا ما أكده المجلس الأعلى، حيث جاء في قراره «الفراش في الزوجية إنما يثبت بالعقد...»[23] ولعل العمل القضائي دأب على اعتبار وجود عقد زواج صحيح كاف للقول بثبوت نسب الأبناء الذين ازدادوا خلال قيام العلاقة الزوجية، حيث جاء في قرار محكمة الاستئناف بالرباط «... وحيث إن الثابت من وثائق الملف أن البنت عتيقة ازدادت أثناء قيام العلاقة الزوجية بين المستأنف والمستأنف عليها وعلى فراش الزوجية، وحيث أن المستأنف الذي ينفي نسب البنت المذكورة إليه لم يسلك المسطرة المنصوص عليها قانونا بمجرد ظهور الحمل على زوجته.. مما يبقى معه طلبه غير مرتكز على أساس»، وجاء في قرار آخر «وحيث إن الثابت من وثائق الملف أن المستأنف عليها وضعت مولودها بتاريخ 21/08/2006 والزوجية قائمة وأن المستأنف الذي ينفي نسب الابن المذكور إليه لم يسلك المسطرة القانونية لذلك، كما أنه لم يدل بدلائل قوية على إدعائه كون زوجته خانته مع غيره حتى يتأتى اللجوء إلى إجراء خبرة جينية والحكم المستأنف لما قضى برفض طلبه والحكم عليه بتسجيل الابن بالحالة المدنية، قد بني على أساس من القانون ويتعين تأييده»[24].

 ثانيا : مدة الحمل المعتبرة شرعا

لا يكفي لكي يلحق النسب بالزوج لدى جمهور الفقهاء وطبقا لأحكام مدونة الأسرة أن يكون عقد الزواج صحيحا أو فاسدا، بل لابد من تحقق مدة الحمل المفروضة شرعا، وهذا ما كانت تنص عليه مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في الفصل 84 الذي جاء فيه «أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنة». وقد احتفظت المادة 154 من مدونة الأسرة بنفس المدة.
ولمدة الحمل من الناحية القانونية حد أدنى وآخر أقصى، ولم يختلف علماء الشريعة في أقل مدة الحمل، فإذا أتت المرأة بمولود في أقل من مدة الحمل الدنيا أو أكثر من القصوى فالولد لا يلحق نسبه بالزوج إن أنكره[25].
أ- أدنى مدة الحمل : اتفق علماء الإسلام على أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر نظرا لقوة الدليل النقلي الثابت بالنظر العقلي السليم لقوله سبحانه وتعالى : «وحمله وفصاله ثلاثون شهرا» [26] وقوله تعالى : «حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين»[27] وقوله جل وعلا: «والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة»[28] فبمقارنة هذه الآيات تكون مدة الحمل ستة أشهر من خلال طرح مدة الرضاع من مجموع المدتين (الحمل والفصال) وهذه المدة اعتبرها الفقهاء المدة  الدنيا للحمل في الحد الأدنى لاستقراره في رحم المرأة، وبهذا أشار ابن عاصم في قوله : «وست الأشهر في الأقل».
وبهذا القول قال ابن عباس عندما أراد عثمان بن عفان (ض) إيقاع الحد على زوج ولدت بعد مضي ستة أشهر من يوم الزواج إذ قال ابن عباس (ض) إنها أي الزوجة لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم قال تعالى : « وحمله وفصاله ثلاثون شهرا» وقال «وفصاله في عامين» فلم يبق للحمل إلا ستة فمنع عثمان الحد عنها وأثبت نسب الولد من زوجها واشتهر هذا بين الصحابة ولم ينكره أي واحد منهم. [29]
ولعل هذا ما كرسه المجلس الأعلى من خلال قرارات متواترة عنه، إذ جاء في أحدها «الولد للفراش إن مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل وأمكن الاتصال بين الزوجين"[30]  وفي قرار آخر «إذا ثبت للمحكمة أن المرأة أتت بالحمل لأكثر من ستة أشهر من تاريخ العقد ولأقل من سنة من تاريخ الطلاق فألحقته بأبيه فإن حكمها بذلك يكون مطابقا للقانون»[31].
وتجدر الإشارة أن فترة الستة أشهر تحتسب من تاريخ العقد المضمن بوثيقة الزواج التي يحررها العدلان وفي حالة تخلف الإشهاد، يحدد تاريخ العقد،  الحكم الذي يصدر بثبوت الزوجية[32] وإذا كان العقد يحدد تاريخه، الحكم القاضي بثبوت الزوجية، فإنه  لاخلاف فيما إذا كان الزوجان متفقان على تاريخ انعقاد زواجهما، أما إذا كان هذا التاريخ محل خلاف بينهما، كما لو قال الزوج لزوجته تزوجتك منذ خمسة أشهر وقالت الزوجة بخلافه تريد بذلك إثبات النسب، فالقول قولها لأن الظاهر يشهد لها بمعنى أن الزوجية قائمة، والولد للفراش فيكون الزوج مدعي خلاف الظاهر وعليه يقع عبء الإثبات، فإن أتى الزوج ببينة حكم له إلا إذا أتت الزوجة هي الأخرى ببينة تعارضها فيحكم حينئذ لصالحها لأن الحجة المثبتة مقدمة على النافية[33].
والملاحظ أن المشرع حينما حدد أقل مدة الحمل في ستة أشهر لم يبين ما إذا كانت ستة أشهر قمرية أو شمسية، وذلك سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو مدونة الأسرة، وإن كان المجلس الأعلى قد اعتد في أحد قراراته بالأشهر الشمسية. موضحا (أن التقويم المعتبر لدى الفقهاء لاحتساب أقل مدة الحمل هو التقويم الشمسي)[34] وإن تحديد أدنى مدة الحمل بالتقويم الشمسي فيه إضرار بحق الطفل في النسب إلى أبيه، على اعتبار أن الأشهر الشمسية أغلبها واحد وثلاثون يوما بخلاف الأشهر القمرية لذلك فمن الأحوط اعتماد التقويم الهجري. ولعل المشرع اللبناني قد أحسن صنعا لم حدد أقل مدة الحمل في مائة وثمانين يوما، إذ جاء في المادة 137 من القانون الصادر سنة 1948 «أقل مدة الحمل مائة وثمانون يوما وأكثرها ثلاثمائة يوم» في حين نجد القانون اليمني قد حددها بمقتضى المادة 37 في: «أقل مدة الحمل مائة وثمانون يوما وأكثرها سنة شمسية»[35].
ب- أقصى مدة الحمل : بخلاف أقل مدة الحمل فقد وقع الاختلاف بين الفقهاء حول  أقصى مدة الحمل ومرد هذا الاختلاف انعدام الدليل الشرعي والنص الصريح سواء في القرآن أو السنة النبوية، فذهب الحنفية إلى أن أكثر مدة الحمل سنتان استنادا إلى ما روي عن عائشة (ض) أنها قالت «لا تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدرها يتحول ظل عمود المغزل»[36]، تريد أن الجنين لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين ولو لفترة يسيرة عبرت عنها بتحول ظل المغزل.
وقال الائمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إن أكثر مدة الحمل هي أربع سنين واستدلوا على ذلك بما رواه الدارقطني عن مالك بن أنس أنه كان يقول «هذه  جارتنا امرأة محمد ابن عجلان، امرأة صدق وزوجها رجل صدق فحملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة كل بطن أربع سنين»[37].
وقال محمد ابن عبد الحكم أحد فقهاء المالكية أن أقصاها سنة قمرية
ويقول ابن رشد في بداية المجتهد بعد حكاية هذه الأقوال، وقول ابن عبد الحكم والظاهرية هو الأقرب إلى المعتاد.
والمشرع المغربي سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو في مدونة الأسرة أخذ برأي محمد ابن عبد الحكم وهكذا نص في الفصل 84 من م.أ.ش الملغاة « أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنة»، ونصت المادة 154 من مدونة الأسرة «يثبت نسب الولد بفراش الزوجية إذا ولد خلال السنة من تاريخ الفراق» والاجتهاد القضائي بدوره سار على هذا المنوال، حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى[38] «لكن حيث ‏0:56:47 انه طبقا  للمادة 154 من مدونة الأسرة، يثبت نسب الولد بالفراش إذا ولد خلال سنة من تاريخ الطلاق أو ستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال والمحكمة عندما تبث لها من وثائق الملف ومن إقرار الطالب أن البنت(هـ) ازدادت بتاريخ 17/11/1987 وداخل سنة من تاريخ الطلاق الصادر منه بتاريخ 04/05/1997 وقبل مرور ستة أشهر من تاريخ زواج المطلوبة في النقض بالثاني المؤرخ في 02/09/1987 وألحقت نسبها بالطالب تكون قد طبقت الفصل المذكور التطبيق الصحيح ولا تأثير لفساد النكاح الثاني على فراش الطالب».
وجاء في قرار صادر عن محكمة الاسئناف بالرباط : «وحيث إن الثابت فقها وقضاء أن النسب يثبت بالفراش والإقرار والشبهةو في نازلة الحال فإن العلاقة الزوجية التي كانت تربط بين والدة المستأنفة والهالك (ع.ن) قد انتهت بالطلاق منذ 29/1/1985 وهو طلاق بائن حسبما هو واضح من رسم الطلاق المملك المدلى به في الملف وأن المستأنفة ازدادت بتاريخ 04-03 -1986 أي بعد مرور أقصى مدة الحمل والتي هي سنة ولم يثبت من محتويات الملف ما يفيد مراجعة الهالك لوالدة المستأنفة بعقد صحيح بعد زواجها من رجل آخر الشيء الذي ينتفي معه شرط الفراش...»[39].
وجاء في قرار محكمة الاستئناف بالقنيطرة «حيث تبث من وثيقة الطلاق الرجعي المؤرخ في 17-12-1969 أن الهالك (م.م) كان متزوجا بالمسماة (س) إلى وقت هذا الطلاق.
وحيث ثبت من وثيقة الرجعة المؤرخة في 27-10-1970 أن الهالك (م.م) راجع زوجته (س.ر) بصداق جديد بالتاريخ المذكور بعدما لم تتزوج من طلاقها الأول.
وحيث إن الولد للفراش وللعاهر الحجر.
وحيث إنه بالنظر إلى الطلاق الرجعي المؤرخ في 17/12/1969 يثبت بأن هذا الطلاق لم يعد بائنا إلا بمتم شهر مارس 1970.
وحيث أنه بمقارنة تاريخ ازدياد الابن (م-ع) الذي هو 15/1/1971 فإن تاريخ ازدياده يكون قد وقع داخل الأمد الشرعي وهو سنة من تاريخ الطلاق الأول»[40].
ومما تجدر الإشارة إليه، فإنه لابد لمدعي النسب من تحديد تاريخ ازدياد المراد إثبات نسبه بدقة حتى يتسنى مراقبة أمد الحمل المعتبر شرعا، وما يترتب عن ذلك من لحوق النسب من عدمه، وفي هذا الإطار ذهب المجلس الأعلى في أحد قراراته : «لابد في دعوى إثبات النسب من إثبات تاريخ ولادة المطلوب إلحاق نسبه ليعرف ما إذا كان الولد ازداد في الأجل الأقصى أو الأدنى للحمل أو خارجه»[41]
ولإثبات هل الوضع تم خلال الفترة المقررة قانونا أم خارجها، فيتم الاعتماد على عقد الزواج أو رسم الطلاق أو شهادة الولادة لإثبات الوضع وتاريخه.
وفي حال اختلاف الزوجين بخصوص تاريخ ازدياد المولود، وحرصا على إثبات نسبه من جهة وللتطبيق السليم للمقتضيات الشرعية ذات الصلة من جهة أخرى. فإن المحكمة ملزمة باعتماد جميع الوسائل المقررة شرعا لتحديد تاريخ الازدياد لمعرفة هل الابن من صلب الزوج أم لا، وهذا ما نص عليه المجلس الأعلى في قراره الذي جاء فيه «حيث صح ما عابه الطاعن على القرار المطعون فيه ذلك أنه وإن كان الفراش الشرعي قرينة قاطعة على إثبات النسب فإن ذلك مشروط بأن تكون الولادة ثابتة التاريخ وداخل الأمد المعتبر شرعا بشكل لا مراء فيه ولا جدال وبما أن موضوع الخصومة يدور حول إدعاء المطلوبة أنها طلقت من الطاعن بتاريخ 20/12/1989 ووضعت الابن سعيد المطلوب نفقته بتاريخ 1/1/1990 وقدمت شهادة ولادته محررة بتاريخ 20/07/2000 من قائد العنادرة بإفادة من الشيخ، وتصريح شرف منها، ونفى الطالب نسب الابن المذكور إليه لكونه لم يعلم بوجوده إلا بتاريخ 15/10/2002 أي بعد توصله بدعوى المطالبة بنفقته ولكونه أيضا عقيما، وأدلى بوثائق طبية لتأكيد ذلك والتمس إجراء خبرة طبية عليه وعلى الابن المذكور لتحديد سنة وتاريخ ازدياده وهل هو من صلبه أم لا، وأنه وأمام اختلاف الزوجين بشأن تاريخ ازدياد الابن المذكور فإنه كان على المحكمة أن تبحث بوسائل الإثبات المعتمدة شرعا ومنها الخبرة التي لا يوجد نص قانوني صريح يمنع المحكمة من الاستعانة بها، والمحكمة لما اكتفت بالقول ردا على ملتمس إجراء الخبرة بأن ما تمسك به الطالب يخالف أصول الفقه والحديث الشريف بدون اعتماد نص قاطع في الموضوع فإنها لم تضع لما قضت به أساسا وعرضت قرارها للنقض»[42].

ثالثا : إمكانية الاتصال بين الزوجين

إذا كانت قاعدة الولد للفراش قاعدة عامة لثبوت النسب فهي مقيدة بالإمكان العادي والشرعي معا[43] وعبارة إمكانية الاتصال نصت عليها مدونة الأسرة في المادة 154، وهذه العبارة يفسرها فقهاء المالكية بالخصوص بإمكانية الاتصال المادي وذلك ردا على رأي أبي حنيفة الذي يقول بثبوت نسب الولد الذي ازداد بعد ستة أشهر من العقد[44] ولو لم تتحقق إمكانية الاتصال بين الزوجين.

أ- إمكانية الاتصال المادي :

بمقتضى المادة 154 من مدونة الأسرة، فإن ثبوت النسب يقتضي انصرام أقل مدة الحمل على عقد الزواج مع إمكانية التلاقي بين الزوجين، فبدون توفر الشرطين معا لا يثبت النسب بالفراش[45]، والملاحظ أن المدونة تحدثت عن إمكانية الاتصال لا عن تحققه فعلا مادام أن الاتصال الجنسي بين الزوجين من الأمور التي لا يمكن للناس الاطلاع عليها[46] وأن من شأن اشتراط ثبوت الدخول المحقق (الوطء) فيه مضيعة كثيرة من الأنساب والشرع متشوف إلى لحوق نسب الحمل بالزوج في حدود الإمكان فإذا وجد مانع عادي يمنع من اختلاء الزوجين عن الغير منذ تاريخ الزوجية إلى ظهور الحمل فإن النسب لا يلحق بالزوج[47] ولا يكفي هنا مجرد العقد الشرعي، حتى لا يفتح باب النسب على مصراعيه ويترك لأهواء الأشخاص، وإن كانت الخلوة مفترضة بمجرد كتابة العقد فإن ذلك مرهون بإمكانية الاتصال وتقدير إمكانية الاتصال المادي من عدمها موكول لتقدير المحكمة في كل قضية حسب ظروفها وملابساتها والأساس الذي تراعيه دوما هو أنه متى كان الاتصال ممكنا وإن على وجه الاحتمال الضعيف، تعين الحكم بثبوت النسب[48]
وقد جاء في قرار المجلس الأعلى [49]«يتحقق إمكان الاتصال بعد ما ثبت أن الزوج المقيم بالخارج كان يتردد على المغرب حيث تقيم الزوجة خلال قيام العلاقة الزوجية»
كما جاء في حكم المحكمة الابتدائية بمراكش «وحيث إنه في نازلة الحال فإن الطرفين لم تكن بينهما إمكانية الاتصال ممكنة إذ أن الزوجة كانت خارج بيت الزوجية وأن إدعائها بأنها كانت تزوره يدحضه واقع حال الدعوى وتصريحاتها أعلاه لدى الضابطة القضائية وأن تواجدها خارج بيت الزوجية يؤكده الحكمان الصادران عن هذه المحكمة في موضوع النفقة الأول تحت عدد 1614 بتاريخ 14/6/99 والثاني تحت عدد : 3485 بتاريخ 14-11-2002، والذي أقرت فيهما بتواجدها خارج بيت الزوجية.
وحيث إنه وتبعا لذلك يكون نسب البنت... المزدادة بتاريخ 20/05/2003 غير لاحق بالمدعي ويتعين نفيه عنه»[50].
وتجدر الإشارة أن الخلوة وإن كانت ليست شرطا من شروط قيام العلاقة الزوجية وما ينتج عنها من آثار فإنها تعتبر مفترضة بمجرد كتابة العقد، كما سبقت الإشارة إلى ذلك[51].
فالخلوة الصحيحة وإقامة الزوجة مع زوجها أو سفرها معه تقوم مقام البناء بحيث يمكن معها الاتصال بينهما ومتى ثبتت الخلوة باعتبارها هي الأصل – ترتب على ذلك وقوع البناء وهو ما أقره المجلس الأعلى : «مرافقة الزوجة لزوجها في السفر والتنقل معها شاهدا عرفيا يؤيد التلقية المدلى بها لإثبات الخلوة والقول قولها في إدعاء المسيس بعد يمينها»[52].
وإذا كانت الخلوة مفترضة، فالزوج الذي ينفي الاتصال، هو المكلف بإثبات ذلك ولعل العمل القضائي من خلال مجموعة من القرارات اعتبر إمكانية الاتصال قائمة مادام أن الولادة تمت داخل الأمد المعتبر شرعا وهكذا جاء في قرار المجلس الأعلى «إن المحكمة لما عللت قضاءها بأن الوضع المتفق على حصوله في غشت 1990 قد جاء بعد عقد الزواج المؤرخ في 21/12/1989 أي بعد مرور أكثر من ستة أشهر أي داخل الأمد الذي يترتب عن الوضع خلاله ثبوت نسب المولود إلى الزوج طبقا للفصول 76-84-85 -89 من المدونة وبذلك  يكون الاتصال قد حصل ولا حاجة لإثباته»[53].

ب- إمكانية الاتصال المعنوي (القدرة على الإنجاب)

اشترط الفقه المالكي للحوق النسب بالزوج أن يكون هذا الأخير ممن يتأتى الحمل منه بأن يكون بالغا أو مراهقا على الأقل[54] وألا يكون مجبوبا أو مخصيا لأن هذان العيبين مما يمنع الإنجاب عادة[55].
والملاحظ أن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ومعها الاجتهاد القضائي كانت تستبعد الخبرة الطبية لإثبات المانع بعلة أن التحاليل الطبية ليست من الوسائل المقررة شرعا لنفي النسب[56]، لكن هذا الأمر أصبح مستبعدا في ظل مدونة الأسرة التي جعلت من الخبرة وسيلة لإثبات ونفي النسب، حسبما تنص على ذلك المادة 153 من المدونة.
وقد يقوم المانع الشرعي الذي يحول دون انتساب الولد للزوج وذلك فيما إذا كانت المدة الفاصلة بين وضع الحمل وبين عقد الزواج أقل من ستة أشهر لأن المانع مكتسب من دليل شرعي. ما لم يقر الزوج بالمولود- فيلحق حينها بنسبه. كما جاء في قرار المجلس الأعلى[57]
المطلب الثاني : ثبوت النسب في الزواج غير الصحيح
جاء في المادة 56 من مدونة الأسرة «الزواج غير الصحيح يكون إما باطلا وإما فاسدا». لذلك سنتكلم عن كل نوع في فقرة مستقلة مع ترتيب آثارهما على ثبوت النسب.
الفقرة الأولى :  الزواج   الباطل
تطرقت لهذا النوع المادة 57 من مدونة الأسرة والتي نصت «يكون الزواج باطلا
  1. إذا اختلت فيه أحد الأركان المنصوص عليها في المادة 10 أعلاه
  2. إذا وجد بين الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد 35 إلى 39 أعلاه.
  3. إذا انعدم التطابق بين الإيجاب والقبول».
فالزواج الباطل من خلال المادة 57 هوما كانت تعبر عنه مدونة الأحوال الشخصية الملغاة في الفصل 37 فقرة 2 بالزواج المجمع على فساده.
وبخصوص ثبوت النسب في الزواج الباطل فقد نظمته المادة 58 من مدونة الأسرة التي جاء فيها: «تصرح المحكمة ببطلان الزواج تطبيقا لأحكام المادة 57 أعلاه بمجرد إطلاعها عليه أو بطلب ممن يعنيه الأمر».
يترتب على هذا الزواج بعد البناء الصداق والاستبراء، كما يترتب عليه عند حسن النية لحوق النسب وحرمة المصاهرة».
وهكذا وحسب نص المادة 58 فتترتب على الزواج الباطل آثار أهمها:
  • أنه إذا تم البناء بالمرأة فتستحق الصداق لقول ابن عاصم
وللتي كان بها استمتاع *** صداقها ليس له امتناع
  • إذا اطلع عليه قبل الدخول يفسخ بغير طلاق يقول المتحف بهدا الخصوص :
وفسخ ما الفساد فيه مجمع*** عليه من غير طلاق يقع
  • يترتب عنه الاستبراء بعد الدخول إذا نتج عن الزواج الباطل حمل. فيتم التمييز بين حالتين حالة حسن نية الزوج وحالة سوء نيته.
* ففي حالة حسن النية يلحق به نسب الحمل أو الولد ولكن متى يعتد بحسن النية ؟ يرى الأستاذ إبراهيم بحماني[58] : أن المعتبر بحسن القصد هو وقت صدور الإيجاب والقبول ويعتبر الإيجاب والقبول متوفرا في الحالات الآتية.
  1. عندما يثبت أنه وقع حفل زواج أو خطبة بالشهود
  2. وجود وثائق تفيد اتصال الزوجين بنية الزواج وتكون صادرة عنهما فعلا.
  3. إذا قام أحد الزوجين أو هما معا لدى المصالح الإدارية بإنجاز وثائق يقران فيها أو أحدهما بالزواج، كتسجيل الأبناء بمكتب الحالة المدنية مثلا.
* وإذا كان سيء القصد فلا يلحق به الولد
والعمل القضائي كرس هذه القاعدة، حيث جاء في قرار المجلس الأعلى[59] : «بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 37 من م ح ش فإن كل زواج مجمع على فساده يفسخ بدون طلاق قبل الدخول وبعده ويترتب عليه تعيين الاستبراء وثبوت النسب إن كان حسن القصد» وجاء في قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[60] «وحيث إنه لما كان الثابت من وثائق الملف أن عقد الزواج قد أبرم بين الطرفين بتاريخ 26/03/2003 ووضعت الزوجة الولد بتاريخ 19/07/2003 ونازع المستأنف عليه في انتسابه إليه ودعي لخبرة قضائية أسفرت عن أن هذا المولود من مائه، فإنه استنادا لهذا الواقع يكون الزواج قد تم الإشهاد عليه في وقت كان فيه رحم الزوجة مشغولا بحمل من زوجها المستأنف عليه فانتفى شرط حلية الزوجة للنكاح وخلوها من موانعه وقت الإشهاد والذي هو لازم لصحة هذا العقد ولازم لمشروعية العلاقة بين الزوجين طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 13 من مدونة الأسرة والفقرة الأخيرة من المادة 39 ويكون بهذا من العقود المجمع على فسادها في الفقه الإسلامي والتي صنفتها مدونة الأسرة في خانة عقود الزواج الباطلة ويلحق فيها الولد طبقا للمادتين 57 و 58 منها».

الفقرة الثانية: الزواج الفاسد

ينقسم الزواج الفاسد طبقا للمادتين 60 و 61 من مدونة الأسرة إلى زواج فاسد لصداقه وفاسد لعقده ويستشف هذا التقسيم من خلال الإطلاع على المادة 59 من المدونة التي نصت على أنه «يكون الزواج فاسدا إذا اختل فيه شرط من شروط صحته طبقا للمادتين 60 و 61 بعده، وفيه ما يفسخ قبل البناء ويصحح بعده وفيه ما يفسخ قبل البناء وبعده. لذلك سنتكلم عن الزواج الفاسد لصداقه (أولا) ثم الزواج الفاسد لعقده (ثانيا).

أولا : الزواج الفاسد لصداقه

الزواج الفاسد لصداقه هو الذي حدد فيه الصداق إلا أنه فقد شرطا من شروط صحته[61] وهي أن يكون طاهرا – منتفعا – مقدورا على تسليمه- وأن يكون معلوما[62] ونصت على هذا النوع من الزواج، مدونة الأسرة في المادة 60 بقولها «يفسخ الزواج الفاسد قبل البناء ولا صداق فيه إذا لم تتوفر في الصداق شروطه الشرعية ويصحح بعد البناء بصداق المثل وتراعي المحكمة في تحديده الوسط الاجتماعي للزوجين»  وعليه فإذا اطلع على الزواج الفاسد لصداقه قبل الدخول يفسخ ولا صداق فيه للزوجة أما إذا تم الدخول فيصحح بصداق المثل وفي هذا يقول ابن عاصم في التحفة.
     وما فساده من الصداق ***   فهو بمهر المثل باق
وهذا الزواج لا يطرح مشكلا على مستوى النسب، لأن الفسخ فيه يتم بمجرد الإطلاع وقبل الاستمتاع بالزوجة أما بعد البناء فيعتبر زواجا صحيحا وينتج آثاره بعد تصحيحه.
ثانيا : الزواج الفاسد لعقده
جاء في المادة 61 من مدونة الأسرة «يفسخ الزواج الفاسد لعقده قبل البناء وبعده وذلك في الحالات الآتية:
  • إذا كان الزواج في المرض المخوف لأحد الزوجين إلا أن يشفى المريض بعد الزواج.
  • إذا قصد الزوج بالزواج تحليل المبثوتة لمن طلقها ثلاثا
  • إذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه
  • يعتد بالطلاق أو التطليق الواقع في الحالات المذكورة أعلاه، قبل صدور الحكم بالفسخ»
فالقاعدة أن الزواج الفاسد لعقده يفسخ قبل البناء وبعده ويعتده فيه  بالطلاق والتطليق إن حدث قبل الحكم بالفسخ
وقد نص ابن عاصم في التحفة على الزواج الفاسد لعقده بقوله
فما فساده يخص عقده *** ففسخه قبل البناء وبعده
أما فيما يتعلق بآثار الزواج الفاسد لعقده وهو الذي يهمنا- أن المشرع المغربي رتب على الزواج الفاسد لعقده آثار الزواج الصحيح متى تم البناء بالزوجة، ويلحق الولد بالزوج دون اعتبار لنيته خلافا للزواج الباطل، وهكذا نصت المادة 64 من مدونة الأسرة "الزواج الذي يفسخ تطبيقا للمادتين 60 و 61 لا ينتج أي أثر قبل البناء وتترتب عنه بعد البناء آثار العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم بفسخه».

المطلب الثالث : ثبوت النسب في الوطء بشبهة

الفقرة الأولى: الشبهة في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة

أولا : مفهوم الشبهة

يقصد بالشبهة، الاتصال غير الشرعي بين رجل وامرأة مع اعتقاد الرجل حلية الاتصال نتيجة غلط في الواقع أو في الحكم الشرعي.[63]
ويتحقق الاتصال بشبهة في صورة غير مشروعة للاتصال الجنسي، وهذا الاتصال لا يكون زنا ولا ينبني على عقد نكاح صحيح أو فاسد.

ثانيا : أنواع الشبهة

والشبهة تتنوع إلى ثلاثة أنواع حسبما جاء في قرار المجلس الأعلى : «الشبهة التي يثبت بها النسب إما شبهة الملك وإما شبهة العقد وإما شبهة الفعل»[64]
وشبهة الملك، أي شبهة في حل المرأة، حيث يشتبه الحكم الشرعي على الرجل في الحل أو الملك وهي تقوم إذا وجد دليل شرعي يفيد حل الفعل الذي أتاه مع وجود دليل آخر يرجحه ويحرم الفعل نفسه ومثالها أن يواقع الرجل جارية ابنه معتقدا بأنها حلال عليه لقول الرسول r «أنت ومالك لأبيك»، أو أن يخالط الرجل مطلقته بائنا في عدتها ظنا منه أن ذلك جائز مستدلا بما يروى عن سيدنا عمر بن الخطاب «الكناية رواجع» فإن هذين الحديثين أوجبا شبهة، والحد فيهما يدرأ بها لقولهr  : « أدرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم»[65].
وشبهة العقد هي التي وجدت بسبب وجود العقد صورة لا حقيقة كأن يعقد الرجل على امرأة ثم يتبين فساد العقد لسبب من الأسباب الموجبة للفساد.
أما شبهة الفعل أو الاشتباه، وتتحقق في نفس من اشتبه عليه الحل والحرمة بأن ظن الرجل ما ليس بدليل، دليلا مبيحا لفعله دون أن يكون كذلك في الواقع حيث يكون الاشتباه بحل الوطء ناشئا عن خطأ غير مقصود كما لو زفت امرأة إلى رجل على أساس أنها زوجته فوطئها وتبين له أنها ليست كذلك.
فمتى ثبتت الشبهة في الحالات الثلاث وازداد ولد من هذه الشبهة فإنه يثبت نسبه للمتصل إن ادعاه وإلا لم يثبت له نسب لأن الفراش في هذه الصورة لا يثبت النسب وإنما يثبته الإقرار.

ثالثا : موقف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة من الشبهة

ومدونة الأحوال الشخصية الملغاة نصت في الفصل 87 «الخالية من الزوج إذا وطئت بشبهة وجاءت بولد ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها يثبت نسبه إلى الواطئ».
فمن خلال هذا الفصل، إذا دخل الرجل بامرأة معتقدا أنها فراش صحيح له ثم ظهر له أنه اشتبه الأمر عليه وليست حلالا له، فيكون ذلك وقاعا منه بشبهة، فإن أتت الموطوءة  بشبهة بولد ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها، ينسب الولد للواطئ فمناط ثبوت النسب في هذه الحالة الاعتقاد بحلية الفراش كما سبق تبيانه أما علاقة الفساد فلا يترتب عنها ثبوت النسب حتى ولو جاءت المرأة بالولد خلال أمد الحمل المعتبرة شرعا وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره الذي جاء فيه[66] :«لا يثبت النسب بعلاقة الفساد وإن اعترف بها».

الفقرة الثانية : الشبهة في مدونة الأسرة

تطرقت مدونة الأسرة إلى الشبهة في مادتين اثنتين المادة 155 و 156.


أولا : الشبهة في إطار المادة 155

نصت المادة المذكورة على أنه «إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل وولدت المرأة ما بين مدة الحمل وأكثرها ثبت نسب الولد من المتصل.
يثبت النسب الناتج عن الشبهة بجميع الوسائل المقررة شرعا»[67]
من خلال استقراء نص هذه المادة فإنها حافظت على مقتضيات الفصل 87 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة[68] ولعل الجديد الذي جاءت به يتمثل في التنصيص على وسائل إثبات النسب الناتج عن الشبهة[69].
كما نصت المادة 152 من مدونة الأسرة أن الشبهة تعتبر سببا من أسباب لحوق النسب والاتصال بشبهة عبارة عن واقعة مادية يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات المقررة شرعا وتقديرها يخضع للسلطة التقديرية لمحاكم الموضوع.
وتجدر الإشارة أنه متى أثبتت المرأة واقعة الاتصال كان للمتصل أن يثبت انتفاءها أو عدم تحقق شروطها[70] ومن ذلك أن تأتي الزوجة بولد لأقل من ستة أشهر بعد وقوع الاتصال بها عن طريق الشبهة، فإذا كانت المرأة المتصل بها بشبهة ذات زوج – على اعتبار أن لفظ المرأة الوارد بالمادة المذكورة أعلاه جاء عاما- وكانت على اتصال بزوجها، فالنسب يلحق بالزوج لمظنة الفراش وإن كان للزوج أن ينفيه عن طريق الخبرة القضائية أو اللعان، متى اتضح له يقينا أن الحمل ليس منه مع التقيد ضرورة حتى يستجاب لطلبه بمقتضيات المادة 153 من مدونة الأسرة وإن كانت محاكم الموضوع في مثل هذه القضايا تعتد بالفراش الصحيح باعتباره الأساس في ثبوت النسب[71].
والملاحظ أن المادة 155 من مدونة الأسرة لم تشترط سوء أو حسن النية في المتصل بشبهة للقول بلحوق النسب به، إلا أنه من الثابت القول أنه لا يمكن لحوق النسب من المتصل بشبهة إلا إذا كان هذا الأخير حسن النية لأنه لا يعقل أن يجامع رجل امرأة بشبهة وهو يعلم أنها لا تحل له إذ نكون حينها أمام زنى محض وابن الزنا كما هو معلوم فقها وقانونا لا يلحق نسبه لأنه مقطوع النسب شرعا.
ولثبوت الاتصال بشبهة، فإنه يتعين إثبات الخلوة التي تعد قرينة على حصول الوطء وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره الذي جاء فيه: «لا يستفيد الولد من شبهة النسب مادام لم يثبت الوطء أو الخلوة ببنية قائمة شرعا أو بالإقرار»[72].
والملاحظ من خلال مقارنة نص المادة 155 من مدونة الأسرة بمقتضيات الفصل 87 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، نجد أن مدونة الأسرة قد جاءت بنص عام وتكون بذلك قد سدت الثغرة القانونية التي كان يطرحها الفصل 87 أعلاه الذي اقتصر على الخالية من الزوج فقط.

ثانيا : الشبهة بمفهوم المادة 156 من مدونة الأسرة (شبهة الخطبة)

عملت مدونة الأسرة على التوسع في مجال الأخذ بالشبهة[73] من خلال التنصيص على شبهة الخطبة في المادة 156 التي سمحت بشكل صريح بثبوت النسب الناتج عن الخطبة للشبهة،  لذلك سنتطرق بالدراسة لهذه النقطة من خلال الحديث عن الشروط الواجب توفرها في الخطبة(أولا) ثم موقف الفقه (ثانيا) وموقف العمل القضائي خلال مدونة الأحوال الشخصية الملغاة (ثالثا) وموقف القضاء خلال مدونة الأسرة (رابعا) لنخلص في الأخير إلى أهم الإشكالات التي يطرحها الموضوع (خامسا).

أولا شروط الخطبة

جاء في المادة 156 من مدونة الأسرة إذا تمت الخطوبة وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة ادا توفرت الشروط التالية
-إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء
-إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة
-إذا اقر الخطيبان أن الحمل منهما
تتم معاينة هده الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن... "
من خلال هذه المادة لكي يلحق النسب بالخاطب فلا بد من توافر الشروط المشار إليها أعلاه فادا انعدم واحد منها لم يلحق نسب الولد بالخاطب والملاحظ أن المشرع اشترط تمام الخطوبة دون توضيح لذلك ما إذا كان المقصود إتمام إجراءات العقد أم مجرد إتمام إجراءات الخطبة. كما لم يوضح مفهوم الظرف القاهر رغم التنصيص عليه في المادة 16، كما اشترط أن يكون الحمل قد ظهر بالمخطوبة في فترة الخطبة،فان ظهر قبلها اعتبر ابن زنا ولو اقر به الخاطب  وعموما فإنه بتنصيص المدونة على هذا المستجد تكون قد وضعت حدا لكل الشد والجذب الذي عرفه موضوع نسب الحمل الظاهر بالمخطوبة، وجاءت بحل للإشكالات التي كانت مطروحة وسدت الفراغ التشريعي الذي عرفته مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، لكن رغمها لم تترك الأمر لسلطة الأشخاص، وإنما قيدت النسب  بتوافر الشروط أعلاه ومراقبة هده الشروط تتم بمقرر قضائي غير قابل للطعن حتى يتسنى القول لثبوت النسب وتسمع الدعوى من طرف القضاء والحقيقة أن المادة 156 لا تختلف في شيء عن أحكام عقد الزواج الصحيح[74]، ذلك أن لثبوت النسب للخاطب، يجب توافر عنصرين هما الإيجاب والقبول مع العلم أنهما ركنان في عقد الزواج، وكذا اشتهار الخطبة وموافقة ولي الزوجة[75] وهما شرطي صحة، إذ لا ينقص الخطبة والحالة هاته إلا تسمية الصداق والتوثيق لدى عدلين، لذلك كانت صياغة المادة المذكورة فيها نوع من التداخل في بعض محتوياتها مع بعض مواد المدونة

ثانيا : موقف الفقه من شبهة الخطبة

وشبهة الخطبة تلحق بشبهة الحل التي نص عليها الفقهاء لكون الخاطب يعتقد بحلية معاشرة مخطوبته مادام أن التوثيق هو مجرد إجراء لإتمام العقد وشبهة الخطبة محل خلاف بين الفقهاء، حيث يرى الأستاذ عبد الكريم شهبون[76] أن الشبهة هي توافر الشروط الواردة بالمادة المذكورة، في حين يرى الأستاذ يونس الزوهري[77] أن الشبهة المنصوص عليها في المادة 156 ذات معنى جديد غير ذاك الذي نظمه الفقه الإسلامي، في حين لا يرى الأستاذ محمد جوهر[78] أي وجود للشبهة بالمعنى الفقهي لكون الخطيب يعرف تمام المعرفة المخطوبة والعلاقة الجنسية التي أدت إلى الحمل ثم السعي لها من الطرفين عن وعي واقتناع، أما الأستاذ محمد التاويل[79] فله رأي آخر، إذا اعتبر «أن الاحتجاج بالخطوبة واعتبارها بمثابة وطء بشبهة يدرأ فيه الحد ويلحق فيه النسب هو احتجاج باطل وقياس فاسد وفهم خاطئ لوطء الشبهة وتوسع في مفهومه دون سند أو دليل لأن الوطء بشبهة محصور عند القائلين به في حالات معينة وأن من شروط الوطء بشبهة أن يعتقد الواطئ وجود السبب المبيح للوطء وهو ما لا يتوفر في حالة وطء الخطيبة وما يقال من سلامة القصد وحسن النية لا يبيحان الإقدام على حرام ولا يعذر بهما الخاطب كما أن الخطبة ليست زواجا بالإجماع وأن الإجماع منعقد على حرمة الاستمتاع بالخطيبة قبل العقد عليها».
أما الأستاذ محمد المهدي[80] فيرى أن الخاطب والمخطوبة في نص مدونة الأسرة يجمعها عقد شرعي بحكم الإيجاب والقبول اللذين صدرا منهما وظهور الحمل قبل الإشهاد يعني أنه حصل الدخول قبله ونكون أمام زواج مختل شرعا والحكم فيه كما يرى المالكية الفسخ ولا حد على الزوجين إن اشتهر زواجهما وحصلت الاستفاضة ولو علما بوجوب الإشهاد، أما إن لم يكن فاشيا فيجب عليهما الحد ولو كانا يجهلان وجوب الإشهاد.

ثانيا : موقف العمل القضائي من الموضوع

أ- موقف العمل القضائي في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة

لقد استقر العمل القضائي على عدم الاعتراف بالنسب الناتج عن الخطبة، وإن كانت بعض الاجتهادات القضائية اتخذت موقفا مغايرا، حيث جاء قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء[81] «إن العلاقة الجنسية بين الخاطب والمخطوبة لا تكون جريمة الفساد المنصوص عليها في الفصل 490 من ق.ج»، كما أن محكمة الاستئناف بفاس تبنت فتوى الفقيه محمد الجواد الصقلي حيث عللت قرارها بما يلي[82] : «إن الخلوة في العصر الحاضر تتم حق في حالة الخطوبة فأحرى بعد العقد الشرعي»، وفي قرار آخر لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء[83] «إذا تبين للمحكمة الجنحية أن العلاقة القائمة بين رجل وامرأة قد تمت بينهما على نية الزواج وعلى أساسه وبواسطة ولي المرأة وحضر كافة أقاربها وأصدقاء الرجل وعلى مرأى ومسمع من العموم، فإن تهمة الفساد المنسوبة إليهما تنتفي انتفاء كليا وبقوة القانون، لأن القانون يعاقب على العلاقة الجنسية غير المشروعة التي تقع بغية الفساد في السر والخفاء».
والملاحظ أن هذا التوجه القضائي فقد الصفة غير المشروعة على العلاقة التي تقوم بين الخاطب والمخطوبة وهو تمهيد للاعتراف بالآثار المترتبة عن هذه العلاقة، وهو توجه حاول مسايرة الفتوى القائلة بلحوق النسب أثناء فترة الخطبة[84].
وبالمقابل نجد موقفا مغايرا لبعض المحاكم التي لم تعترف بالنسب الناتج عن الخطبة، حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط[85] «حيث بمقارنة عقد الزواج مع تاريخ الولادة يتبين أن المستأنف عليها أتت بالمولود في أربعة أشهر ويومين من تاريخ عقد الزواج أي خارج مدة الحمل الشرعية، حيث إن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
وحيث أن الخطبة وعد بالزواج وليست بزواج ويدخل في حكمها قراءة الفاتحة وما جرت به المادة والعرف من تبادل الهدايا.
حيث إن العلاقات خارج إطار الزواج لا يترتب عنها شيء وهي محض زنا...» غير أن المجلس الأعلى اتخذ موقفا حاسما في الموضوع، حيث قرر رفض كل الأحكام التي حاولت إلحاق النسب بالأطفال المولودين في فترة الخطبة وإن استندت إلى بعض الأصول الفقهية[86] وفي هذا الإطار سبق له أن نقض الحكم الاستئنافي الذي تبنى النظرية الفقهية الحديثة حيث جاء في قراره[87]  : «لما كانت المحكمة قد تأكدت من أن المرأة قد وضعت مولودها بعد الزواج بأربعة أشهر فقط وألحقت مع ذلك نسب هذا المولود بالزوج بناء على ما تبث لديها من أنه كان يعاشرها معاشرة الأزواج قبل أن يعقد عليها الخطيب ولحوق النسب بالخطيب إذا أمكن الاتصال تكون المحكمة بصنيعها هذا قد خالفت أصول الفقه المعمول به والحديثة الشريف الولد للفراش»
 
ب- موقف العمل القضائي في ظل مدونة الأسرة

من خلال الإطلاع على نماذج من الأحكام القضائية، نلاحظ وجود نوع من التضارب، سيما في تعامل القضاء مع الشروط الواجب توفرها في الدعاوى المقدمة في إطار المادة 156 أعلاه.
وهكذا جاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بسلا[88] «وحيث إنه من أسباب النسب إقرار الأب طبقا للمادة 152 من المدونة.
وحيث إن الفراش بشروطه صحة قاطعة على ثبوت النسب طبقا للمادة 153 من المدونة، وحيث إن الاتصال تم بين الطرفين بعد الخطوبة واشتهارها بين أسرتي الزوجين وبعد حصول الإنجاب والقبول وأن عدم توثيق عقد الزوج كان لظروف قاهرة خارجة عن إرادة الطرفين.
وحيث أن الاتصال المذكور أعلاه تم بين الطرفين بشبهة ونتج عنه ميلاد الطفل المهدي يثبت نسب الولد للمتصل طبقا للمواد 155 و 156 من المدونة فيكون الطلب مرتكز على أساس قانوني سليم ويتعين الاستجابة له في إطار المادة 156 من مدونة الأسرة* فالمحكمة لم تناقش الشروط الواجب توافرها وإنما اكتفت بإقرار الخطيبين بأن الحمل منهما وتعاملت بشيء من المرونة، والظاهر من خلال إطلاعنا على مجموعة من الأحكام الصادرة في الموضوع عن نفس المحكمة[89]، تبين أن التوجه العام الدي رسمته المحكمة هو التساهل، بل الأكثر من هذا لم تصرح ببطلان عقد الزواج في حالات عديدة أبرم فيها العقد والزوجة حامل مخالفة بذلك مقتضيات المادة 39 و 57 من المدونة.
لكن بالمقابل، فإنه لا يعتد بالشبهة في إطار المادة 156، إذا ما ثبتت للمحكمة أن الحمل ناتج عن علاقة غير شرعية، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا[90] «وحيث إنه ومن جهة أخرى ومسايرة مع إدعاء المدعية فإن الحمل نتج والعلاقة التي كانت تربطها بالمدعى عليه علاقة غير شرعية وأن المدعى عليه أبرم عقد الزواج بها وهي حامل وقبل فترة الخطبة فتكون بذلك مقتضيات المادة 156 من المدونة غير متوافرة في النازلة ذلك أن المشرع وإن أجاز ثبوت النسب في فترة الخطبة استنادا للشبهة فإنه قيدها بعدة شروط وهي المنصوص عليها بالفصل المذكور أعلاه ومنها الإيجاب والقبول وتسمية الصداق وأن يكون المانع من توثيق الزواج ظرف قاهر وبالتالي فإن ظهور الحمل أثناء الخطبة وليس قبلها هو المعتد به شرعا لإثبات النسب باعتبار أن فراش الخليلين فراش زنى في نظر الشرع الحكيم يبوء صاحبه بالإثم ولا ثبت به النسب أبدا...» وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بالرباط في قرار لها جاء فيه : «لكن حيث إنه لا يمكن التحدث عن الشبهة إلا إذا كانت هناك خطبة من طرف الخاطب وحصل الإيجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون إبرام عقد الزواج طبقا لمقتضيات الفصل 156 من مدونة الأسرة»[91].
في حين نجد اتجاها ثانيا متشددا شيئا ما[92] في وجوب توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من المدونة، حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش «وحيث أنه فيما يخص مسألة ثبوت ابن المدعية للمدعى عليه لقيام علاقة الخطبة، فإن المشرع حدد في المادة 156 من مدونة الأسرة، الإطار القانوني لرفع هذه الدعوى والشروط التشريعية الواجب توافرها لقيامها وهذه الشروط هي حصول الإيجاب والقبول بين الطرفين ووجود ظروف قاهرة واستثنائية حالت دون قيام الإجراءات المسطرية المتعلقة بتوثيق عقد الزواج وأنه في هذه النازلة فإن المدعية وهي الملزمة قانونا بإثبات دعواها لم تدل بما يفيد قيام حالة الاستثناء المانعة من توثيق عقد الزواج الشيء الذي يجعل الشروط التشريعية المستلزمة لثبوت النسب وفق النموذج القانوني المحدد في المادة 156 من مدونة الأسرة غير متوافرة في النازلة ويلزم لذلك رفضه»[93].
وبموازاة مع ذلك فقد طرحت المادة 156 إشكالات عملية عديدة نتطرق لها بإيجاز فيما يلي:
الإشكاليات المطروحة :
تعارض مقتضيات المادة 156 ومقتضيات المادة 13 من المدونة
نعتقد أنه لا يوجد أي مبرر قانوني لاشتراط موافقة ولي الزوجة عند الاقتضاء على الخطبة لأن موافقة الولي شرط لصحة عقد الزواج وليست شرطا في الخطبة حسبما جاء في المادة 13 من مدونة الأسرة، فالخطبة هي تواعد على الزواج وليست بزواج وهذا ما أقره المجلس الأعلى في قرار له «حيث صح ما نعته الوسيلة ذلك أنه طبقا للمادة الخامسة من مدونة الأسرة تعتبر الخطبة وعد بالزواج يحق لكل من الطرفين العدول عنها ولا تنتهي بالزواج إلا حين الإشهاد على ذلك والمطلوبة في النقض صرحت في مقالها أنها حملت من الطالب في مرحلة الخطبة وأقامت دعواها على هذا الأساس فإن المحكمة لم تكن على صواب لما كيفت هذه العلاقة واعتبرتها زواجا صحيحا ورتبت عليه آثاره، لأن الزواج لا ينعقد إلا بإيجاب وقبول بألفاظ تفيد دلك لغة أو عرفا وهو ما لا يؤديه التعبير عن الخطبة، التي تبقى مجرد وعد بالزواج. وكل اتصال بالمخطوبة خلال هذه الفترة لا يعد زواجا وإن كان يثبت به النسب إن تحققت الشروط المنصوص عليها بالفصل 156 من نفس القانون»[94].

ثبوت النسب للخاطب في إطار المادة 156 م.أ. ومسطرة التعدد
بتقييد مسطرة التعدد بشروط حدت من تعدد الزوجات، فإن طالب التعدد في حالة رفض طلبه فإنه يلجأ إلى التعدد الفعلي عن طريق إجراء خطبة وتبادل الإيجاب والقبول مع المخطوبة وإنجاب الأبناء ثم يلجأ بعدها إلى إثبات نسبهم في إطار المادة 156 من مدونة الأسرة، ويعتبر عدم توثيق عقد الزواج هو تعذر حصول الخاطب على إذن بالتعدد لزواجه من أخرى، حيث يتم اعتماده ظرفا قاهرا[95]
تداخل مقتضيات المادة 156 من م.أ مع مقتضيات المادة 16 منها
نجد من خلال استقراء نص المادتين أنهما يتداخلان بخصوص الظرف القاهر[96]، فإنه إذا تمت الخطبة وحصل الإيجاب والقبول ونتج عن ذلك حمل أو ازدياد ابن فنكون أمام زواج غير موثق، مادام الغاية من الزواج هي تكثير سواد الأمة وإنجاب الأطفال وإن كان المشرع لا يشترط وجود خطبة في سماع دعوى الزوجية لأن الخطبة ليست لازمة في كل زواج توفرت فيه شكلية الكتابة، بينما ينص على ضرورة إتمام الخطبة بين الطرفين.
ومادام المشرع لم يحدد أجلا للخطبة تنتهي خلاله وإن حددها بإبرام عقد الزواج فإن ذلك لا يمنع من قيام الزوجية، على اعتبار أن الكتابة شرط إثبات وليست شرط صحة لقول المتحف:
  الصيغــــة والزوجـان    *** والولي جملـة الأركـان
  وفي الدخول الحتم في الإشهاد  ***  وهو مكمل في الانعقاد
ولا ندري لما يلجأ غالبية المتقاضين إلى إبرام عقد الزواج رغم وجود إحدى موانعه  والمحكمة ستصرح ببطلان عقد الزواج بمجرد الإطلاع عليه، ونرى أنه من الأفيد سلوك مسطرة المادة 16 من م.أ بعد الوضع أو خلال الحمل، وحفاظا على الاستقرار الاجتماعي وحتى ينمو الطفل بين أحضان والديه، لا أن يثبت نسبه والعلاقة بين والديه منتفية قانونا.[97]
موقف القضاء من الشكاية المقدمة من المخطوبة القاصرة في مواجهة الخاطب طبقا لمقتضيات الفصول 485 -488 471 من القانون الجنائي.
يطرح هذا الإشكال بحدة على القضاء الزجري، من خلال تقديم المخطوبة القاصرة لشكاية ضد الخاطب من أجل هتك عرضها بالعنف نتج عنه افتضاض والتغرير بها في الحالة التي يتعذر عليه العقد عليها لعدم حصولها على الإذن بزواج القاصر لصغر سنها وتكون مراسيم الخطبة قد تمت وتعددت الخلوات بين الطرفين، نتج عنها حمل، فالقاصرة حفاظا على حقوقها تلجأ إلى القضاء، لكن الملاحظ أن قضاء التحقيق يأمر بمتابعة الخاطب طبقا لفصول المتابعة، وهذا في نظرنا فيه أثار على استقرار المجتمع، في حين فإن قضاء الموضوع له وجهة نظر أخرى في دلك، وهكذا نجد محكمة الاستئناف بالرباط- -غرفة الجنايات – قد قررت ما يلي [98] : «وحيث إن قاعدة التجريم الجنائية تصبح والعدم سواء متى أتى قانون جديد وأباح سلوكا كان جانحا في ظل قانون سابق.
وحيث إن المشرع المغربي في مدونة الأسرة خاصة في الباب المتعلق بالخطبة نص صراحة على أنه متى تمت الخطبة والإيجاب  والقبول فإن الحمل ينسب للخاطب متى تحققت العلنية فبالأحرى متى كان هذا الأخير يقر بأن المشتكية خطيبته والولد الذي في أحشائها من صبله.
وحيث إن النص الخاص أي مدونة الأسرة أجاز اللقاء الجنسي بين الخاطب ومخطوبته  متى تحقق الرضا فلم تعد الخطبة وعدا بالزواج بل هي زواج ينتج آثار الولادة بما فيها حقوق النسب[99].
وحيث أن هذا الواقع كان متحققا لحظة مثول الطرفين أمام الضابطة القضائية وقضاء التحقيق وقضاء الحكم وبالتالي فإن وقائع النازلة لا تشبه الحالات التي يعبر فيها المغتصب أو الهاتك للعرض عن رغبته في الزواج بمن اغتصبها أو هتك عرضها، حيث تصح المتابعة...»
المادة 156 من مدونة الأسرة وقانون الحالة المدنية :
 السؤال الدى يطرح  نفسه هنا، هل يمكن التصريح بازدياد الابن الناتج عن الخطبة أمام ضابط الحالة المدنية دون اللجوء إلى القضاء كما يرى بعض الفقه[100]، فالجواب عن دلك نجده في مقتضيات المادة 156 نفسها «تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن» لأنه لا يمكن ترك الباب مشرعا أمام كل من هب ودب في التصريح بازدياد الأبناء المزدادين نتيجة علاقة الخطبة، لأن فيه سلب لاختصاص القضاء من جهة وتعارض مع مقتضيات قانون الحالة المدنية من جهة أخرى والذي جاء في المادة 17 من المرسوم رقم 665-99-2 لتطبيق القانون رقم 99-37 المتعلق بالحالة المدنية أنه «يعزز التصريح بالولادة بشهادة يسلمها الطبيب المولد أو المولدة الشرعية أو السلطة المحلية وبنسخة من عقد الزواج فيما يخص المغاربة المسلمين تثبت العلاقة الشرعية التي نتجت عنها الولادة» مما يعني أن نسب الحمل الناتج عن الخطبة لا يمكن تسجيله من طرف المصالح الإدارية إلا بعد استصدرا حكم قضائي بذلك.

المطلب الرابع: حجية الفراش

جاء في المادة 153 من مدونة الأسرة في الفقرة الثانية: «يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب لا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد بشرطين.
  • إدلاء الزوج المعني بدلائل قوية على إدعائه
  • صدور أمر قضائي بهذه الخبرة».
وعليه  فالقوة الثبوثية للفراش هي القاعدة (فقرة أولى) وترد عليها استثناءات (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى:  القاعدة

 يعتبر الفراش حجة قاطعة على ثبوت النسب الناتج عن الفراش المستوفي لشروطه المنصوص عليها في المادة 154 من مدونة الأسرة وهي توفر أقل مدة الحمل من تاريخ العقد وإمكانية الاتصال والولادة خلال سنة من تاريخ الفراق.
وهكذا، فالقضاء يعتد بنسب الأبناء المزدادين خلال قيام العلاقة الزوجية ولا يتلفت إلى إدعاءات الزوج بأن الحمل أو الإبن ليس منه بدعوى أنه ناتج عن علاقة خيانة زوجية، أو أن الزوج عقيم، جاء في قرار المجلس الأعلى «إذا ثبت النسب بالفراش فلا يستجاب لإجراء طبي لنفيه»[101]
كما جاء في قرار آخر بتاريخ 28/6/2006 في الملف الشرعي عدد 188/2/1/2005 «الولد للفراش إن مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل وأمكن الاتصال بين الزوجين وبثبوت الخيانة الزوجية لا يترتب عنه ثبوت نفي النسب مادام الزوج لم يسلك الطرق المحددة قانونا لنفي النسب»[102] وهذا التوجه تسايره محكمة الاستئناف بالرباط حيث رفضت دعوى المستأنف الذي ينفي نسب البنت بعلة أنها ولدت نتيجة علاقة غير شرعية في إطار الخيانة الزوجية، وألحقت نسبها به مادام المستأنف لم يسلك المسطرة المنصوص عليها قانونا بمجرد ظهور الحمل ولم يدل بدلائل قوية على إدعائه[103].

الفقرة الثانية : الاستثناءات
  • اللعـــان
اللعان نظام قانوني وشرعي خصه الله بالمسلمين، ومخرج لكل زوج لم يستطع إثبات زنا زوجته.
واللعان لغة هو البعد، يقال لعنه الله أي أبعده عنه وأخرجه من رحمته ولاعن الزوج زوجته إذا قذفها بالفجور واصطلاحا كما عرفه ابن عرفة «حلف الزوج على زنا زوجته أو نفي حملها اللازم له وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم خاص»[104] جاء في تحفة ابن عاصم:
   وإنمـا للـزوج أن يلتعنـا * * *  بنفـي حمل أو برؤية الزنـا[105]
والمادة 154 المشار إليها أعلاه لم تبين مفهوم اللعان أو تحدد مسطرته وأحكامه لذلك يتوجب على القاضي الرجوع إلى أحكام الفقه المالكي تطبيقا للمادة 400 من مدونة الأسرة التي جاء فيها «كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف».
لذلك على الزوج بمجرد علمه بأن الحمل الظاهر بزوجته ليس منه أو بأن الولد الذي وضعته ليس من صلبه أن يبادر إلى تقديم دعوى بناء على مقال مستقل للقضاء الأسري[106] وتكون حجته هي اللعان وفق ما بينه الله تعالى في سورة النور – الآيتان 6 و7 منها وصورتها أن يحلف الزوج أربع مرات إنه صادق في اتهامه لزوجته، سواء في رؤية الزنا أو نفي الحمل عنه والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وإذا أصرت الزوجة على تكذيبه فتحلف بدورها أربع مرات بأنه كاذب في ادعائه وفي الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين وقد أوجز ابن عاصم هذه المسطرة في التحفة حيث قال :
ويبدأ الزوج بالا لتعان
إثباتا أو نفيا على ما وجبا
وتحلف الزوجة بعده أربعا
تخميسهـا بغضـب إن صــدقـا
لدفع حد أربع من الأيمان
مخمسا بلعنة إن كذبا
لتدرأ الحد بنفي ما ادعا
ثـم إذا تـم اللعــان افتـرقــا
وعلى القاضي قبل تطبيق مسطرة اللعان أن يتحقق من توفر الشروط الآتية :
  1. أن يكون الحمل لاحقا بالملاعن، سواء كان الزواج صحيحا أو فاسدا أو في الاتصال بشبهة وسواء أكانت الزوجة في العصمة أو في العدة من طلاق رجعي.
  2. ألا يتصل الزوج بزوجته بعد استقراره على ملاعنتها وأن يقوم باستبرائها
بحيضة واحدة جاء في التحفة :
مع إدعائه للاستبراء * * * وحيضة بينة الإجزاء
فإذا اتصل بها ووطئها بعد اتهامها بطلت دعوى اللعان، جاء في قرار المجلس الأعلى بهدا الخصوص: «وحيث إن الفقه المالكي يشترط لتمكين الزوج من ملاعنة زوجته ادعاؤه رؤية الزنا ونفي الحمل أن يتقدم ذلك استبراء الزوجة بالوسائل الشرعية وأنه ما لم يتم هذا الاستبراء فإنه لا يجوز الحكم بنفي نسب الولد»[107]
3- ألا يكون الولد غير لاحق شرعا بالزوج : فالزوجة التي تأتي بولد لأقل من ستة أشهر من تاريخ العقد أو لأكثر من سنة من تاريخ الفراق حسبما هو منصوص عليه في المادة 154 من المدونة، فإنه غير لاحق شرعا بالزوج ولا حاجة في نفيه عنه.
جاء في قرار المجلس الأعلى «الوضع لأقل من ستة أشهر ينفي النسب بغير لعان»[108].
4- ألا يقر الملاعن بالولد : سواء دلالة أو ضمنا كقبول التهنئة بالمولود أو الإسراع إلى تسجيله بالحالة المدنية.أو إقامة حفل العقيقة.
5- الإسراع في رفع دعوى اللعان بمجرد العلم : فبمجرد تأكد الزوج من واقعة زنا زوجته أو حدوث الولادة أن يرفع أمره إلى القضاء، فدعوى اللعان لا تستوجب التأخير وإن فعل لا تسمع دعواه جاء في قرار المجلس الأعلى: «أن الأب إنما يحق له نفي نسب الحمل في أول علمه به، أما إذا سكت بعد علمه به فلا يحق له ذلك»[109]

ثانيا: الخبرة

لا يلجأ إلى الخبرة إلا بوجود دلائل قوية تعضد ادعاءات الزوج، وقد أجازتها مدونة الأسرة ولم يكن معترفا بها في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، ولعل المشرع لما اعتمدها، فإنه ساير بذلك التطور العلمي الحاصل في ميدان الطب والقضاء المغربي اعتمد الخبرة كوسيلة لإثبات ونفي النسب، جاء في قرار المجلس الأعلى «بمقتضى المادة 153 فإن الخبرة تعتبر من وسائل إثبات النسب»[110].

المبحث الثاني : الإقرار
 
يعد الإقرار من وسائل إثبات النسب، فإذا كان الفراش منشئا له، فإن الإقرار كاشف له وقد تعرض له المشرع في المادة 152 من مدونة الأسرة التي جاء فيها، أسباب لحوق النسب : 1- الفراش 2- الإقرار، 3- الشبهة وكذلك في المادة 158 من نفس المدونة التي حددت وسائل إثبات النسب، وللإحاطة بالموضوع سنتطرق لمفهوم الإقرار وأركانه وأنواعه (مطلب أول) ثم لشروطه وإثباته وآثاره في (مطلب ثان) على أن نخصص المطلب الثالث للإقرار بالنسب والحالة المدنية.

المطلب الأول: مفهوم الإقرار، أركانه وأنوعه

الفقرة الأولى : مفهوم الإقرار          
          
الإقرار لغة هو الإذعان للحق والاعتراف به[111] قال تعالى : «قال أقررتم وأخذتم على ذلك إصري، قالوا أقررنا»[112]، أما في الاصطلاح هو الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر[113]، ويسمى الشهادة على النفس وعرفه ابن عرفة بأنه «خبر يوجب حكم صدقه على قائله فقط بلفظه أو لفظ نائبه»، وحقيقة الإقرار الإخبار عن أمر يتعلق به حق الغير وحكمه اللزوم وهو أبلغ من الشهادة[114].
والإقرار عند الفقهاء يطلق عليه لفظ الاستلحاق وعرفه ابن معجوز بأن يدعي الرجل أنه أبا لغيره بأن يقول هذا ابني أو فلان ابني حيا كان هذا المستلحق أو ميتا، ذكرا كان أو أنثى كان كبيرا أو صغيرا وسواء كان المستلحق صحيحا أو مريضا مرض الموت عند الاستلحاق»[115]
وقد نظمت مدونة الأسرة الإقرار في المواد من 160 إلى 162، حيث نجدها في المادة 160 قد استعملت لفظي الإقرار والاستلحاق بمعنى واحد[116].
والإقرار قانونا هو اعتراف شخص بحق عليه لآخر سواء قصد ترتيب هذا الحق أو لم يقصد ذلك.

الفقرة الثانية : أركان الإقرار

أركان الإقرار أربعة وهي: المقر- المقر له- المقر به والصيغة
أولا المقر: وهو الشخص الذي يعترف بنسب الابن إليه وهنا هو الأب ويشترط فيه شروط منها:
  1. أن يكون مكلفا، أي عاقلا وبالغا لأنه لا يتصور إقرار الصبي والمجنون.
 - لقول خليل: "ويؤخذ مكلف بلا حجر بإقراره».
  1. أن يكون ذكرا وبمقتضى هذا الشرط فيجب أن يصدر الإقرار عن الزوج حسب فقهاء المالكية والشافعية لكون الاستلحاق من خصائص الذكورة ويثبت نسب الولد المقر له بإقرار الزوج وحده.
  2. أن يكون قادرا على الوطء: لأنه يستحيل الإنجاب من غير البالغ
  3. أن يكون طائعا غير مكره : فإن أكره المقر على الاعتراف بالولد واستلحقه لم يعتد بإقراره.
ثانيا: المقر له: وهو الولد المجهول النسب الذي لا يعرف له أب ينتسب إليه.
ثالثا: المقر به وهي البنوة، أي صلة القرابة بين المقر والمقر له، بين الفرع والأصل مدعي الانتساب إليه ويتعلق الأمر بالإقرار المباشر بالنسب أما في الإقرار غير المباشر، فالمقر به يشمل على تفرع عن أصل النسب كالأخوة والعمومة[117].
رابعا : الصيغة وهي اللفظ أو ما يقوم مقامه من كل ما يدل على الاعتراف بالنسب من المقر للمقر له وأجمع الفقهاء على أن الإقرار يصح سواء بلفظ الكناية أو الكتابة أو بالإشارة من العاجز عن الكلام، وقد يستفاد من السكوت عندما تحيط به ظروف وملابسات تخلع عليه دلالة القبول. [118]

الفقرة الثالثة : أنواع الإقرار

 ينقسم الإقرار إلى قسمين : إقرار مباشر وغير مباشر
أولا الإقرار المباشر : وهو إدعاء المقر أنه أب لغيره متى توفرت الشروط المنصوص عليها في المادة 160 من المدونة ومثاله أن يقول المقر هذا ابني أو أبي أو هذه ابنتي ويتعلق الأمر هنا بالإقرار بأصل النسب، وهذا النوع من الإقرار هو الذي يثبت به النسب ولا يمكن الرجوع فيه، من طرف من صدر عنه وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قراره «الإقرار بالبنوة يلزم المقر ولا يقبل منه طلب نفي النسب بدعوى أنه اكتشف فيما بعد أنه عقيم، لأن الولد للفراش ولا ينتفي إلا بالشروط المحددة شرعا»[119]، مادام فيه إقرار بالنسب على نفس المقر ويقتصر على علاقة النسب بين المقر والمقر له.
ثانيا : الإقرار غير المباشر  ويقصد به إقرار غير الأب بما فيه تحميل النسب عليه ويسمى بالإقرار بفرع النسب[120] كأن يقر شخص لآخر بأنه أخوه أو ابن ابنه أو بنت ابنه وهذا النوع من الإقرار فيه تحميل النسب على غير المقر، و لا يؤخذ به في إثبات النسب بصريح المادة 161 من مدونة الأسرة التي جاء فيها «لا يثبت النسب بإقرار غير الأب»[121]، والمقر له يشارك المقر في نصيبه في الإرث على اعتبار أن الإقرار حجة قاصرة لا تتعدى المقر إلى غيره، أي لا يلزم الورثة الآخرين به ما لم يوجد تصديق منهم على هدا الاقرار
الفرق بين الإقرار والتبني والتنزيل
والإقرار يختلف عن التبني والتنزيل في الأحكام والآثار، فإذا كان الإقرار كوسيلة من وسائل إثبات النسب متى توفرت شروطه وتترتب عليه آثار أهمها النسب والتوارث وحرمة المصاهرة إلخ، فإن التبني محرم شرعا بقوله تعالى : «وما جعل أدعياءكم  أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل»[122] وقانونا بمقتضى المادة 149 من المدونة «يعتبر التبني باطلا ولا ينتج عنه أي آثر من آثار البنوة الشرعية» أما التنزيل فينصرف إلى المال لا النسب (.التنزيل او الوصية)

المطلب الثاني : شروط الإقرار إثباته وآثاره

الفقرة الأولى : شروط الإقرار

يشترط لصحة الإقرار حتى يفضي إلى لحوق النسب بالمقر جملة  من الشروط نصت عليها مدونة الأسرة في المادة 160 فيما يلي :
  1. أن يكون الولد المقر عاقلا.
  2. أن لا يكون الولد المقر به معلوم النسب.
  3. أن لا يكذب المستلحق – بكسر الحاء- عقل أو عادة
  4. أن يوافق المستلحق –بفتح الحاء- إذا كان راشدا حين الاستلحاق.
وإذا استلحق قبل أن يبلغ الرشد، فله الحق أن يرفع دعوى نفي النسب عند بلوغه سن الرشد.
إذا عين المستلحق الأم أمكنها الاعتراض بنفي الولد عنها أو الإدلاء بما يثبت عدم صحة الاستلحاق.
لكل من له مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الاستلحاق المذكورة مادام المستلحق حيا.
وانطلاقا من نص هذه المادة، فشروط الإقرار الواجب توفرها لكي يكون صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية هي كالتالي:
أولا : أن يكون الأب عاقلا : فالمشرع اشترط العقل والذكورة، فإذا صدر الإقرار حال جنون المقر أو فقدانه لعقله لأي سبب من الأسباب لم يصح إقراره[123]، والمادة 160 أعلاه تحدثت عن الأب بمعنى الزوج فإذا صدر عن الزوجة إقرار بكون الولد الفلاني هو ابنها من زوجها فلان، فإن هذا الإقرار لا يعتد به ويعتبر لاغيا ما لم يصدقها الزوج في ذلك، فإن صدقها واعترف ببنوته صح حينئذ إقرارها وعلى المستوى العملي، فإن الإقرار يصدر عن الزوج وتؤكده الزوجة[124]، ويترتب عليه لحوق النسب.
ثانيا أن لا يكون الولد المقر به معلوم النسب  لأن الولد المعلوم نسبه لا يحتاج إلى إقرار ولا يمكن أن يجتمع للشخص نسبان في آن واحد لأن النسب لا يقبل الشركة فيه.
والمقصود بهذا الشرط أن يكون الولد المقر به مجهول النسب وهذا الشرط ينصرف إلى معنى كون الولد لا يكون له نسب معروف وثابت لشخص آخر غير المقر، ولذلك فلا  يستلحق الولد المعلوم النسب وعلة ذلك أن النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره لأن القول بخلاف ذلك من شأنه قطع النسب الحقيقي للولد وهذا غير جائز شرعا[125]، لقوله تعالى : «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله» كما أنه لا يمكن الإقرار بابن الزنا لأنه مقطوع النسب شرعا ويدخل في هذا الإطار الابن المزداد قبل تاريخ إبرام العقد بين الزوجين، حيث دأب القضاء وعلى رأسه المجلس الأعلى برفض الإقرار الصادر عن الأب باستلحاق الابن المزداد قبل قيام العلاقة الزوجية جاء في قرار له بهذا الخصوص«إن الولد المزداد قبل إبرام عقد الزواج لا يمكن لحوق نسبه إلى الزوج ولو أقر ببنوته وكان من مائه لأنه ابن الزنى لا يصح الإقرار به»[126] وجاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بالعرائش[127] «وحيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 152 من مدونة الأسرة فإن أسباب لحوق النسب تنحصر في 1- الفراش، 2- الإقرار، 3- الشبهة.
وحيث إنه بالرجوع إلى رسم الزواج المدلى به والرابط بين المدعي وأم الولد المطلوب إلحاق نسبه يتبين أن الزواج تم بتاريخ 02/05/2003 وأن ولادة الطفل بدر وقعت بتاريخ 20/02/2003 أي ثلاثة أشهر قبل إبرام عقد الزواج وهو ما يعني أن السبب الأول للحوق النسب وهو الفراش غير قائم وحيث إنه بخصوص السبب الثاني الذي هو الإقرار فإنه بالرجوع إلى الوثيقة المستدل بها وهي المعنونة "برسم الإقرار بنسب" المحرر من طرف عدلين يتبين أنها تشير إلى إقرار المدعي على أن الابن بدر ولد على فراشه من زوجته السيدة سعاد حاتم في حين أنه وكما سبق توضيحه في الحيثية السابقة فإن الفراش (الزواج) لم يثبت أن انعقد بين المدعي وأم الطفل إلا بعد ولادة هذا الأخير بحوالي ثلاثة أشهر وهو ما يجعل هذه الوثيقة تناقض الوثيقة الأولى والتي هي رسم الزواج وبالتالي يتعين عدم الأخذ بها».
3- أن لا يكذب المستلحق عقل أو عادة : والمقصود بذلك عدم وجود قرائن قوية تجعل الإقرار غير صحيح ويعبر عنه البعض بكون الولد محتمل الثبوت من نسب المقر[128] ولكي يكون إقرار المقر مقبولا يجب أن لا يكون مخالفا لمقتضيات العقل والعادة ومما يكذبه العقل كون الأب المستحلق أصغر سنا من الولد المستلحق بحيث لا يمكن معه أن يكون من صلب المقر بحيث يولد مثله لمثله، ومما تكذبه العادة أن يقر رجل بنسب ولد من مكان لم يسبق له أن أقام به أوزاره أو أن يثبت أن المقر لم يسبق له أن تزوج على الإطلاق وهو ما عبر عنه الشيخ خليل في المختصر : «إنما يستلحق الأب مجهول النسب إن لم يكذبه العقل لصغره أو العادة ...» [129] ويسري نفس الحكم إذا كان المقر خصيا أو مجبوبا لا يستطيع الإنجاب.
4- أن يوافق المستلحق –بفتح الحاء- إذا كان راشدا حين الاستلحاق : إذا كان الأمر يتعلق باستلحاق راشد فلابد من موافقته[130] وتصديقه على هذا الإقرار مادام يتمتع بالأهلية وكان عاقلا بالغا سن الرشد (18 سنة كاملة) لكونه أدرى بمصلحته، إما إذا كان المقر به صغيرا أو مجنونا فلا يشترط تصديقه، لذلك منحت المادة 160 من المدونة للمستلحق الحق في رفع دعوى نفي النسب بعد بلوغه سن الرشد .
5- حق الأم في الاعتراض بنفي النسب في حالة تعيينها من جانب المستلحق  وهذه القاعدة استحدثها المشرع المغربي من خلال الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 160 من مدونة الأسرة والتي أعطت الحق للأم التي تم تعيينها من طرف المستلحق أن تعترض بنفي الولد عنها أو الإدلاء بما يفيد عدم صحة الاستلحاق[131] مادامت قد أصبحت ذات صفة ومصلحة في استعمال هذا الحق وهذه القاعدة تندرج عموما في تكريس حق المساواة بين الطرفين التي جاءت بها المدونة الحالية.
وبالرجوع إلى الفقرة الأخيرة من المادة 160 فإنها فتحت المجال لكل ذي مصلحة أن يطعن في صحة توفر شروط الإقرار لكن ذلك مقرون بأن يكون المقر لا يزال حيا مادام نفي النسب المجرد حق للأب وحده بواسطة حكم قضائي، فإن مات المقر فإن هذا الحق لا ينتقل إلى الورثة، إذ تصبح دعواهم مالية أو تؤول إلى المال وإن قدمت مجردة عن أي طلب آخر مترتب عنه فلا يمكن سماعها[132].

الفقرة الثانية : إقرار الأم بالنسب

جاء في المادة 147 من مدونة الأسرة إن البنوة بالنسبة للأم تثبت عن طريق واقعة الولادة أو بالإقرار طبقا لنفس الشروط المنصوص عليها في المادة 160 من المدونة التي تحدثنا عنها سابقا، وعليه فإذا صدر الإقرار من امرأة بأن فلانا ابنها فإن كانت خالية من الزوج وأقرت بالأمومة لولد يولد لمثلها وكان مجهول النسب وصدقها في هذا الإقرار فإن نسبه يثبت منها، ولا حاجة لشرط نفي النسب كونه ابن زنى لأن ابن الزنا مقطوع النسب بالنسبة للأب، أما الأم فهو ولدها ويثبت نسبه منها[133]. وهذا ما نصت عليه المادة 146 من المدونة : «تستوي البنوة للأم في الآثار التي تترتب عليها سواء كانت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية».

الفقرة الثالثة : إثبات الإقرار

جاء في المادة 162 من مدونة الأسرة ما يلي : «يثبت الإقرار بإشهاد رسمي أو بخط يد المقر الذي لا يشك فيه» وهذا النص يوافق مقتضيات الفصل 95 من أ.ش الملغاة وبذلك فالإقرار يثبت بوسيلتين اثنتين :
أولا : الإشهاد الرسمي :  ويقتضي إشهاد عدلين منتصبين للإشهاد وتوثيقه يثبت الإشهاد على إلحاق الولد بنسب المستلحق وتتم المخاطبة عليه من طرف قاضي التوثيق ليكتسب صفة الرسمية، إذ حينها لا يمكن الطعن فيه إلا بالزور وهذه الوسيلة هي الغالبة في الواقع العملي أمام قضاء الأسرة.
ثانيا : خط يد المقر : نجد المشرع في المادة 162 أعلاه، قد نص على ضرورة كتابة الإقرار بخط يد المقر دفعا لكل تحريف في مضمون الوثيقة أو تزويرها وذلك صيانة للحق في النسب سواء بالنسبة للأصل المستلحَق أو الفرع المستلحِق، وهذه الوسيلة نادرة عمليا إذ غالبا ما يلجأ إلى العدول أو الإقرار القضائي أمام المحكمة التي تتأكد من شروطه بجلسة البحث. أو حين اختلائها للمداولة بناء على ما ضمن بمحضر الجلسة.

الفقرة الرابعة : آثار الإقرار

بالرجوع إلى مقتضيات المادة 157 من مدونة الأسرة فإنه متى ثبت النسب بالاستلحاق ترتبت عليه جميع نتائج القرابة فيمنع الزواج بالمصاهرة وتستحق به النفقة والإرث أي جميع الآثار التي يرتبها الفراش، وإن كانا يختلفان من حيث وسيلة الإثبات[134].
والملاحظ أنه على المحكمة التقيد بالشروط التي حددها المشرع لكل وسيلة من وسائل إثبات النسب، فإذا كان موضوع الدعوى هو إثبات النسب بالإقرار فإنه ليس من حقها أن تنذر المدعي بالإدلاء بما يفيد وجود علاقة الزواج كشرط لقبول الدعوى وإن درج القضاء في المغرب على استنتاج الإقرار من قرائن عدة، فإن بعض المحاكم لها رأي مخالف وهكذا جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط : «لكن حيث إن الإقرار الذي يثبت به النسب هو الذي يكون في ظل عقد الزواج الشرعي والصحيح أما في نازلة الحال فإن الثابت من وثائق الملف أن المستأنفة ازدادت بعد إبرام عقد زواج والديها بشهرين أي لمدة أقل من مدة الحمل وقد صدر حكم ابتدائي قضى بفسخ عقد الزواج أيد استئنافيا ...» [135]، في حين نجد المجلس الأعلى قد قرر قاعدة لها أصلها الفقهي، حيث جاء في قرار له يماثل النازلة التي بثت فيها محكمة الاستئناف بالرباط بمقتضى قرارها أعلاه، «الإقرار بالبنوة في رسم الطلاق يلزم المقر ويلحق به نسب الولد»[136].

المطلب الثالث : الإقرار بالنسب والحالة المدنية

للحالة المدنية دور هام في ضبط هوية الأشخاص من خلال جمع كافة المعلومات المتعلقة بهم ابتداء من تاريخ ولادتهم وأسمائهم وأسماء آبائهم، ومكان ازديادهم، ويظهر دورها كذلك في كل تخطيط للبلاد وتحديد هوية الأفراد والمساهمة في المحافظة على أصالة الأمة والتاريخ، وتعني الحالة المدنية الصفة التي تحدد نصيب الشخص من الحقوق والواجبات العائلية كما تحدد وضعيته بالنسبة للقانون الخاص لفترة ما بين الولادة والوفاة وبالرجوع إلى نص المادة الأولى من القانون رقم 99-37[137]، نجدها قد عرفت الحالة المدنية بأنها نظام يقوم على تسجيل وترسيم الوقائع المدنية الأساسية للأفراد من ولادة ووفاة وزواج وطلاق وضبط جميع البيانات المتعلقة بها من حيث نوعها وتاريخ ومكان حدوثها في سجلات الحالة المدنية».
وللإحاطة بهذا الموضوع سنتكلم عن دور الحالة المدنية في إثبات النسب (فقرة أولى) لننتقل بعدها إلى موقف مدونة الأسرة ومعها الاجتهاد القضائي من الحالة المدنية (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : دور الحالة المدنية في إثبات النسب

أحدث نظام الحالة المدنية بالمغرب بمقتضى ظهير صدر بتاريخ 04-09-1915 وتوالت عليه التعديلات إلى أن صدر الظهير الشريف رقم 239-02-1 بتاريخ 25 رجب 1423 الموافق ل 03/10/2002).
وبالرجوع إلى الجانب المتعلق بالنسب، نجد قانون الحالة المدنية قد نظم التصريح بالولادة في شقين : التصريح المباشر وآخر عن طريق حكم قضائي.
1- التصريح المباشر : تنص المادة 16 من قانون الحالة المدنية على أنه يقوم بالتصريح بالولادة لدى ضابط الحالة المدنية لمحل وقوعها أقرباء المولود حسب الترتيب:
- الأب أو الأم
- وصي الأب
- الأخ
- ابن الأخ
2- التقييد بناء على حكم تصريحي :  تطرقت له المادة 30 من نفس القانون، حيث جاء فيها «إذا لم يقع التصريح بالولادة أو الوفاة داخل أجل يحدد بنص تنظيمي فلا يمكن تسجيل الرسم الخاص بالواقعة إلا بناء على حكم تصريحي بالولادة أو الوفاة تصدره المحكمة الابتدائية المختصة ويقدم الطلب بذلك من طرف أي شخص له مصلحة مشروعة أو من طرف النيابة العامة. [138]
أ- شهادة الميلاد
انطلاقا من النصين السابقين فالتقييد بسجلات الحالة المدنية يتم إما بناء على تصريح مباشر أو بناء على أمر قضائي بالتقييد، ومهما كان الأساس الذي اعتمد في التسجيل بكناش الحالة المدنية، فإنه يحق لكل مسجل بها استخراج شهادة الميلاد والتي تعد وثيقة رسمية لها حجيتها القاطعة طبقا للفصل 418 ق.ل.ع كونها صادرة عن موظف عمومي مختص وتتضمن بيانات هامة كاسم المولود واسم الأب والأم وتاريخ الولادة (الازدياد) ومكانها بهدف التمييز بين المواليد وهذه البيانات يتم تدوينها بناء على تصريح من الأشخاص المحددين في القانون، وما يهمنا هو تصريح الأب الذي يعتبر إقرارا منه خاصة وأنه غالبا ما يكون كتابيا[139]، وضابط الحالة المدنية عندما يتلقى هذا التصريح فهو غير ملزم بمراعاة قواعد النسب المنصوص عليها في مدونة الأسرة. لذلك فإذا حدث نزاع بخصوص ثبوت نسب الابن المصرح به من عدمه، فهل سيعتد بالتصريح ويتم التعامل معه كأنه إقرار، وفي حالة تعارضه مع قواعد النسب المنصوص عليها في المدونة، فمن هو الأولى بالتطبيق؟ يرى الأستاذ أحمد الخمليشي، أن سجل الحالة المدنية يشكل المصدر المعتمد رسميا في الوقائع التي يتضمنها بشأن الوضعية القانونية والمدنية لصاحب العقد وبالنسبة لجميع شؤون حياته العامة منها والخاصة، هذه الوضعية لسجلات الحالة المدنية كان ينبغي أن تراعى كذلك في النسب على الأقل كمبدأ أي تعتمد كوسيلة قانونية لإثباته وعلى من يدعي العكس إثبات ادعائه سواء عن طريق دعوى الزور أو الإدلاء بوسائل مقنعة تؤكد تدليس أو غش أو خطأ في التصريح المدلى به[140].
أما إذا تعارض التصريح المفضى به مع قواعد النسب، فإنه يتم إعمال هذه الأخيرة والقضاء المغربي وعلى رأسه المجلس الأعلى استبعد الأخذ بشهادة الولادة في إثبات النسب حيث اعتبر في قرار له «أن شهادة الولادة التي أخذت بها المحكمة غامضة وعبارة عن تصريح تلقاه ضابط الحالة المدنية من شخص غير معروف وحتى لو كان هذا الشخص معروفا فإنها مجرد إخبار يحتمل الصدق والكذب طالما لم تصدر عن المولدة أو الطبيب المشرف باليوم والساعة لتفيد اليقين»[141].
ب- حجية الأمر القضائي القاضي بتقييد مولود
إن الأحكام القضائية القاضية بتقييد مولود بسجلات الحالة المدنية من المفروض أن لا تصدر إلا بعد التمحص والنظر والتأكد من ثبوت نسب المولود إلى صاحب الكناش وذلك بالتحقق من هذا النسب من خلال تطبيق قواعد ثبوته المنصوص عليها حصرا بمدونة الأسرة[142] من خلال التأكد من صحة الزوجية وأن الولد ازداد خلال الأمد الشرعي، لذلك يعتبر الحكم الصادر بتقييد مولود عنوانا على حقيقة صحة النسب، لا سيما إذا كان مقدم الدعوى هو المنسوب إليه الولد ومع ذلك لم تورد مدونة الأسرة وقبلها مدونة الأحوال الشخصية الملغاة مثل هذه الحجة لإثبات النسب والتي تعد إقرارا من الأب بثبوت نسب الابن إليه.
لكن مادام التسجيل بالحالة المدنية يقضي بتسجيل الازدياد بناء على حكم لانصرام التصريح داخل الأجل (المادة 30 من القانون 99-37)، هذا الحكم الذي يبنى على أوراق ووثائق إدارية يسهل الحصول عليها، وكم هي كثيرة الحالات التي يتم فيها تسجيل أبناء متكفل بهم بسجلات الحالة المدنية على أنهم أبناء الصلب، مما يطرح مشاكل جمة أمام القضاء بعد وفاة الكافل، لذلك كان المشرع حريصا لما استبعد سجلات الحالة المدنية من مجال إثبات النسب لكونه يتعلق بالنظام العام واقتصر على الأسباب والوسائل الشرعية فقط احتياطا للنسب ومنعا لاختلاط الأنساب.

ج- موقف اقانون المغربي، الفقه والعمل القضائي إزاء الحالة المدنية
  • موقف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ومدونة الأسرة
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 89 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة نجده قد حدد طرق إثبات النسب واعتبرها على سبيل الحصر عندما نص «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بنية السماع بأنه ابنه ولد على فراشه من زوجته».
ونصت المادة 158 من مدونة الأسرة على أنه «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو ببينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما فيها ذلك الخبرة ».
من خلال النصين أعلاه لم يجعل المشرع، التسجيل في الحالة المدنية من بين وسائل إثبات النسب، ومرد ذلك اختلاف منبع كل واحدة ولتباين الأسس.
  • موقف قانون الحالة المدنية (قانون 99-37)
رغم أن قانون الحالة المدنية قد أعطى لرسوم الحالة المدنية نفس القوة الإثباتية التي للوثائق الرسمية إلا أنه أخذ بالاعتبار الشروط الشرعية في إثبات النسب حينما نص في المادة الثانية من القانون أعلاه «تكتسي رسوم الحالة المدنية نفس القوة الإثباتية التي للوثائق الرسمية مع اعتبار الشروط الشرعية في إثبات النسب والأحوال الشخصية».
  • موقف الفقه :
نجد جانبا من الفقه يدعو إلى ضرورة التنسيق بين قانون الحالة المدنية والأحوال الشخصية وذلك من خلال إدخال مقتضيات في قانون الحالة المدنية تسمح لضباطها بتسجيل الأولاد المستلحقين أو المزدادين من شبهة كونه يتعذر تسجيلهم في الحالة المدنية لكون التصريح بهم لدى ضابط الحالة المدنية يستلزم إثبات العلاقة الشرعية من خلال عقد الزواج[143]، لذلك يحب إعطاء سجلات الحالة المدنية قوتها الثبوتية من خلال إقامة نظام دقيق ومحكم لها مع الحرص على التطبيق السليم مادام أن النسب يثبت بالظن أما نفيه فلا يتم إلا بيقين .
  • موقف القضاء
اتخذ القضاء المغربي موقفا من شهادة الميلاد واستبعدها من ميدان النسب وإن اعتد بوثيقة الحالة المدنية المبنية على أمر قضائي حائز لحجية الأمر المقضي به فقد جاء في قرار المجلس الأعلى «لكن حيث إن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه استندت في إثبات أن تاريخ الابن عماد المنازع في نسبه هو 21/06/93 بناء على الأمر القضائي الحائز  لحجية الأمر المقضي به والقاضي بتقييد الابن المذكور في كناش الحالة المدنية للطاعن وتم تنفيذ هذا الأمر واستبعدت ما تضمنته شهادة الوضع المدلى بها من طرف الطاعن لكون الوضع وقع داخل الأجل القانوني وقضت بعدم قبول طلب الطاعن الرامي إلى نفي نسب الولد المذكور أعلاه فإنها قد أسست قضاءها على أساس قانوني وعللته بما فيه الكفاية وما بالوسيلتين على غير أساس»[144] ومرد اعتماد المحكمة للأمر القضائي كونه تضمن تاريخ ازدياد الابن داخل الأمد الشرعي من جهة ومن جهة ثانية أن الأب لم يطعن في الأمر المذكور رغم توصله بالاستدعاء واكتفى بالإدلاء بشهادة الوضع تتضمن تاريخا أقل من مدة الحمل وهي شهادة لا تصمد أمام حكم حائز لقوة الشيء المقضي به، ولكن رغم ذلك لا يمكن القول بأن القضاء يعتمد وثيقة الحالة المدنية كوسيلة لإثبات النسب، بل يتخذها قرينة بسيطة تعضد بإحدى الوسائل المنصوص عليها قانونا[145] وبهذا الخصوص جاء في قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء «حيث إن محكمة أول درجة عندما قضت بثبوت نسب البنت وصال لوالدها المستأنف اعتمدت عقد ازدياد البنت عدد 00284 المحرر والموقع حسب الترجمة من الوالدين معا وكذلك الموظف الذي يمثل ضابط الحالة المدنية الموكلة إليه تلك المهنة بمدينة طورينو الإيطالية يقر فيها المستأنف بنسب البنت وصال إليه.
وحيث إن النسب يثبت بالإقرار الغير منتفية شروطه، المادة 158/160 وما يليهما، والمستأنف لم يدل بدليل أقوى يدحض به ما جاء في إقراره وبالتالي فالحكم الابتدائي مرتكز على أساس قانوني سليم ويتعين تأييده»[146]

المبحث الثالث : البينة

تعد البنية بنوعيها (شهادة عدلين وبينة السماع) من بين وسائل إثبات النسب، حيث نصت عليها مدونة ال
أحوال الشخصية الملغاة في الفصل 89[147] : ومدونة الأسرة الحالية في المادة 158 التي جاء فيها : «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا...» لذلك سنتطرق لشهادة عدلين (مطلب أول) على أن تخصص المطلب الثاني لبينة السماع.

المطلب الأول : شهادة عدلين

الفقرة الأولى :  مفهوم الشهادة العدلية وشروطها

أولا : مفهوم الشهادة العدلية.
الشهادة، مشتقة من المشاهدة وهي المعاينة، لأن الشاهد يخبر عما شاهده وعاينه ومعناها الإخبار عما علم بلفظ أشهد أو شهدت وهي مأخوذة من الإعلام[148] من قوله تعالى «شهد الله أنه لا إله إلا هو»[149] وتسمى أيضا بينة لأنها تبين ما التبس وتكشف الحق فيما اختلف فيه وعرفها ابن عرفة «الشهادة قول بحيث يوجب على الحاكم سماعه والحكم بمقتضاه وإن عدل قائله مع تعدده وحلف طالبه»
والأصل في شرعية الشهادة ما يؤكده الكتاب والسنة، فأصلها في الكتاب قوله تعالى «واشهدوا ذوي عدل منكم»[150] أما السنة، ما روي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن أن النبي r قال «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر»
والمادة 158 من مدونة الأسرة تكلمت عن شهادة عدلين والمقصود بذلك من ينسب إلى سلك العدول[151]. وليس الشاهد العدل بالمفهوم الفقهي الذي يحتاج إلى تزكية والشهادة العدلية هي التي يحررها عدلان وفق الضوابط المحددة في قانون خطة العدالة[152] ونظرا لأهمية الوثيقة العدلية فقد أحاطها الفقه والقانون بمجموعة من الشروط.
ثانيا : شروط الشهادة
يشترط في الشاهد عموما عدة شروط فصل فيها  الفقهاء وأجملها أبو بكر بن عاصم الأندلسي في الأبيات الآتية :
وشاهد صفته المرعية
والعدل من يجتنب الكبائرا
ومـا أبيـح وهــو فـي العيـان
تيقظ عدالة حرية
ويتقي في الغالب الصغائرا
يقــدح فـي مــروءة الإنسـان
هذه الشروط تطرق لها محمد بن يوسف الكافي[153] بتفصيل
والمشرع المغربي اعتمد نفس الشروط [154] اللازم توفرها في الشهادة، ويجب أن يدعى الشاهد عادة إلى مجلس القضاء بالطرق القانونية ليؤكد ما رآه أو ما سمعه من الوقائع المتعلقة بالدعوى بعد أداء اليمين وإن كانت شهادة العدلين حسبما جرى به العمل كتابية لا شفوية تماشيا مع القانون المنظم لخطة العدالة
وما تجدر الإشارة إليه أن الشهادة التي يثبت بها النسب هي شهادة رجلين في غير الزنا لقول المتحف :
  ففــي الزنـا من الذكـور أربعـة   * * *  وما عـدا الـزنـا ففـي اثنيـن سعــه
ومادام نص المادة 158 تكلم عن شهادة العدلين فلا مجال للحديث عن شهادة رجل وامرأتين.
وتساءل ذ. أحمد الخمليشي على أن صياغة المادة 158 م أ، تؤكد أن شهادة العدلين يثبت بها النسب بقوة القانون وهو ما يتفق مع الاتجاه الفقهي الذي لا يخول القاضي السلطة التقديرية إزاء القيمة الإثباتية لشهادة العدل، وأن شهادة العدلين هي شهادة قطع وليست شهادة نقل، ويتعذر عليها القطع بنسب الولد إلى الأب دون العلم بالعلاقة التي كانت تربطه بأم الولد عند نشوئه. [155]

الفقرة الثانية : أنواع الشهادة وحجيتها

أولا : أنواع الشهادة
تتفرع الشهادة العدلية إلى نوعين
أ- الشهادة الأصلية : وهي التي يكون مضمنها وموضوعها من إملاء المشهود عليه ويقتصر فيها دور العدلين على تسجيل ما يسمعانه والشهادة عليه، كما هو الحال في الاعتراف بنسب الولد حيث يملي الأب على العدلين اعترافه بأبوته للولد المذكور ويشهد العدلان عليه بذلك ويدخل في هذا النوع شهادة ثبوت النسب ببينة السماع التي يتلقاها العدلان من اللفيف أما إذا أملاها العدلان من علمهم دون أن يشهد بها لديهما اللفيف، فنكون بصدد الشهادة العلمية[156].
ب- الشهادة الاسترعائية : وهي التي يكون موضوعها ومضمنها من إملاء العدل نفسه ويسندها إلى علمه ويطلق عليها الشهادة العلمية وتبتدئ بإحدى العبارات التالية" يشهد من يضع اسمه عقب تاريخه"
وصفوة القول أن النسب من المسائل التي لا تثبت بشاهد واحد أي بعدل أو ما يقوم مقامه (التلقية) لأن موضوعها ليس مالا أو ما يؤول إليه وإنما تلزم فيه شهادة عدلين أو ما يقوم مقامهما، لأن شهادة العدلين كافية لثبوت النسب دونما حاجة إلى تكملتها باليمين.
ثانيا : حجية الشهادة العدلية
تعتبر الشهادة وفق الفقه الإسلامي والمالكي منه على الخصوص حجة كافية في إثبات النسب وهي مرجحة على الإقرار كون الشهادة حجة متعدية إلى الغير والإقرار حجة قاصرة على المقر في حالة التعارض.
والملاحظ أنه رغم أهمية الشهادة فالمشرع المغربي لم ينظمها كما هو الحال بالنسبة للفراش أو الإقرار وإنما ترك الأمر للفقه المالكي الذي تحيل عليه المادة 400 من مدونة الأسرة

الفقرة الثالثة : موقف القضاء من الشهادة العدلية

     نجد القضاء المغربي وعلى رأسه المجلس الأعلى قد تبنى شهادة العدلين كوسيلة لإثبات النسب وهكذا جاء في قراره[157] «الوسائل التي يثبت بها نسب الولد ثلاث الفراش والإقرار والبنية».
وفي قرار آخر[158] «يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع بأنه ابنه ولد على فراشه».

المطلب الثاني : إثبات النسب ببينة السماع

الفقرة الأولى : تعريف الشهادة وشروطها

أولا : تعريف 
شهادة السماع دليل آخر من الأدلة العامة في إثبات النسب ومدونة الأسرة شأنها شأن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تعط تعريفا للبينة عموما وشهادة السماع على وجه الخصوص.
ويعرفها ابن عرفة «ما يصرح الشاهد فيه بإسناد شهادته لسماع من غير معين» ويقصد بها من الناحية الفقهية «إخبار الشاهد أمام القضاء أنه قد سمع سماعا فاشيا أو واقعة ما قد تحققت»[159].
وشهادة السماع أجيزت للضرورة على خلاف الأصل إذ الأصل أن الإنسان لا يشهد إلا بما تدركه حواسه، وتشترك شهادة السماع مع شهادة العدلين في أحكام كثيرة في مجال النسب وفي هذا الإطار يقول ابن عاصم الأندلسي في التحفة.
   وأعملت شهادة السماع   * * * في الحمل والنكاح والرضاع ...
ثانيا : شروط الشهادة
اشترط الفقه المالكي مجموعة من الشروط، حتى ترتب شهادة السماع آثارها القانونية، هذه الشروط لخصها ابن عاصم في التحفة بقوله
وشرطها استفاضة بحيث لا   ***  يحصر من عنه السماع نقلا
مع السلامة من ارتيــاب        ***   يفضي إلى تغليط وإكـذاب
وهي كالتالي :
1) الاستفاضة : ويقصد بها أن يكون من نقلت عنه الشهادة غير معين ولا محصور العدد وشهادة الاستفاضة تكون بكثرة الخبر وانتشاره حتى يحصل العلم ويرتفع الشك.
2- السلامة من الريبة :  أو الارتياب المؤدي إلى تغليط أو كذب متعمد ومثاله بأن يشهد إثنان شهادة سماع وفي البلدة مائة من أصنافهما لا يعلمون شيئا من ذلك[160].  
3- أداء اليمين :  نظرا لضعف شهادة السماع فإن الفقه المالكي قد أوجب تكملتها بيمين التزكية وفي هذا الصدد جاء على لسان الفقيه ابن محرز «لا يقضي لأحد بشهادة السماع إلا بعد يمينه»[161]
4- عدم تعيين المنقول عنه :  مادامت الاستفاضة شرط من شروط صحة شهادة السماع إلا في ضرر الزوجين فيجب عدم تعيين المنقول عنه، فإذا عين المنقول عنه كانت شهادة نقل ومنها أن يقول الشهود سمعنا أو لازلنا نسمع سماعا فاشيا من العدول وغيرهم بأن فلان ابن فلان يدنيه منه في مجلسه ويعامله معاملة الأبناء.

الفقرة الثانية : حجية شهادة السماع.

أجمع أهل العلم على صحة شهادة السماع في النسب كالولادة، واختلف فقهاء المالكية حول شهادة السماع إلى خمس أقوال : فمنهم من قال أنها لا تقبل في أي شيء ومنهم من قال أنها تقبل في كل شيء وقال البعض أنها تقبل في كل شيء إلا أربعة أشياء وهي النسب  والقضاء والموت والنكاح بينما ذهب البعض الأخر أنها لا تقبل إلا في هذه الأمور الأربعة ورأي خامس ذهب إلى أنها لا تقبل إلا في أمور محددة وهي التي عددها ابن عاصم في التحفة[162].

الفقرة الثالثة : موقف القضاء من شهادة السماع

يخضع تقدير القوة الإثباتية لشهادة السماع للسلطة التقديرية للمحكمة والتي لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى.
والمجلس الأعلى كما سبقت الإشارة إلى ذلك أكد المقتضيات القانونية التي جاءت بها مدونة الأحوال الشخصية الملغاة وكذا مدونة الأسرة من خلال قراريه عدد 23 بتاريخ 31/10/1967 وعدد 12 بتاريخ 29/10/86[163]
أما محاكم الموضوع فبدورها سارت على نهجه حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا «وحيث إنه من وسائل إثبات النسب شهادة عدلين وبينة السماع وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا.
وحيث أن المحكمة تبعا لذلك ترى جدية الطلب وترى الاستجابة إليه»[164]
وقد أشار ذ. أحمد الخمليشي إلى أن شهادة السماع هي اللفيف التي يشهد فيها اثنا عشر شاهدا بأنهم يسمعون سماعا فاشيا بين الناس بالواقعة موضوع الشهادة أي أنهم لا يشهدون بعملهم المباشر بالواقعة كما أنهم لا يروونها أو ينقلونها عن أشخاص معنيين وإنما يعتمدون فيما يشهدون به على السماع الفاشي والمنتشر بين الناس[165].
وشهادة اللفيف هذه يستند شهودها على المخالطة والإطلاع على الأحوال والمجاورة[166] جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بسلا[167] «وحيث عززت المدعية طلبها بموجب نسب مضمن تحت عدد 157 وتاريخ 29/1/2007 يشهد شهوده بأنهم يسمعون سماعا فاشيا بأن المدعية ...  هي ابنة ... ولدت له على فراش الزوجية سنة 1956 من زوجته .... وأنها تنسب إليه وهو ينسبها لنفسه والناس كذلك ينسبونها إليه....»
وما تجدر الإشارة إليه أن الشهادة وإن أعملت بثبوت النسب، إلا أنه يجب مراعاة الترتيب الذي جاءت به صياغة المادة 158 في مدونة الأسرة، فتقدم شهادة العدلين على شهادة الليف حسبما أكده المجلس الأعلى[168].
  عن Marocdroit.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم