الخميس، 1 أغسطس 2013

فلسفة النوع الاجتماعي وموقف الشريعة منها - عرض


إنجاز: هشام السفاف

مقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسـنا وسـيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريك له، وأشــهد أن محمداً عبده ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - وبعد :
إن قضية تحرير المرأة هي التي قامت الحركة النسوية في أوربا بالدعوة إليها بداية القرن الماضي، وتوسعت القضية وتعددت محاورها، ابتداء من قضية مساواة المرأة مع الرجل في الأجر، حتى أصبحت القضية في النهاية هي طلب المساواة التامة مع الرجل في كل شيء، مما يحيلنا إلى مفهوم الجندر
ودخلت هذه القضية في بداية أمرها إلى العالم الإسلامي - إلى مصر -  مع دعاة تحرير المرأة الأوائل، ثم عمت جميع بلاد الإسلام وما زالت القضية في تقدم نحو السقوط منذ ذلك اليوم – حتى وصلت اليوم إلى الدعوة إلى الجندر (النوع الاجتماعي).
إن مفاهيم الجندر (و المساواة) كانت ولا تزال من أكثر المفاهيم المثيرة للجدل، والتي حظيت باهتمام واسع في الوطن العربي الإسلامي، خاصة منذ العقد السابع من القرن الماضي عندما وجهت الحركات النسائية الأنظار إلى عدم المساواة في فرص الحياة بين الذكور والإناث، وعلى سيطرة الذكر على العلاقات القائمة بين الجنسين.
واتجهت الدراسات الاجتماعية وبالذات النسوية منها إلى تحليل ونقد وضع المرأة في المجتمع والمطالبة بضرورة إحداث تغير اجتماعي من خلال إجراء تحسينات في الوضعين القانوني والاجتماعي للمرأة، فضلا عن أهداف المساواة والتمكين التي مثلت أهم أولوياتها في التسعينات من القرن الماضي. وخلال هذه الفترة تطورت المفاهيم الدالة على الاختلافات في الأدوار والمكانة بين الذكور والإناث ومصطلح الأدوار نفسه على أساس مفهوم الجندر.
وتعزز هذا الاهتمام منذ العام 1992م عندما استخدم البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مفهوم الجندر كمنهج وهدف للسياسات الدولية والوطنية في تعزيز التنمية البشرية. كما تناول إعلان بيجين ومنهاج العمل، اللذان اعتمدا في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي عقد في بيجين عام 1995م قضايا محدده تتصل بعدم المساواة والتمييز ضد المرأة، وأكد أيضا على ضرورة التزام الحكومات - بالتعاون مع المنظمات المدنية والإقليمية والدولية - بصياغة الاستراتيجيات والسياسات والبرامج وتحديد الأولويات الإنمائية، وإدماج قضايا الجندر في التنمية الشاملة، والسياسات العمومية والتشريعية، مع التزام بلدان العالم والبلدان العربية ومنها المغرب على إصدار تقارير التنمية البشرية الوطنية السنوية، كدليل على تبنيها لهذه الاستارتيجية وعملها على تكريس هذا المفهوم.

فما هي الفلسفة التي ينبني عليها مفهوم الجندر؟ وما موقف الشريعة الإسلام منه؟
وهذا ما سنحاول بحثه في هذا العرض، من خلال المبحثين التاليين:

المبحث الأول: فلسفة الجندر.
المطلب الأول: مفهوم الجندر
المطلب الثاني: نشأة مفهوم الجندر
المطلب الثالث أهمية إدراج مفهوم النوع الاجتماعي (حسب المنظرين له).
المبحث الثاني: موقف الشريعة من الجندر.
المطلب الأول: المساواة بين الجنسين في الإسلام.
المطلب الثاني: الفوارق بين الجنسين في الإسلام.
خاتمة؟

 

 

 

 







    المبحث الأول: فلسفة الجندر.
  المطلب الأول: مفهوم الجندر:
تعني كلمة الجندر في دلالتها اللغوية: الجنس من حيث الذكورة أو الأنوثة، فهو كمصطلح لغوي يقصد به تصنيف الأسماء والضمائر والصفات.
ومن الناحية الاصطلاحية؛ فإن الجندر يشير إلى الخصائص في السلوك و الأدوار والقدرات و الهوية التي يحددها المجتمع للفرد على أساس أنها تناسب الذكر أو الأنثى كمخلوقات اجتماعية يحدد لها المجتمع السلوك و التصرف و الدور المناسب، حسب توقعات المحيط الذي يعيشون فيه. و عليه يمكن ان تتغير نظرة المجتمع من زمان ومكان إلى آخر، فيحدث تغير في ما هو مطلوب ومرغوب من سلوك و تصرف ودور لكل من الابن و الرجل والبنت و المرأة[1].
بالتالي فهو يعني مفاهيم الذكورة والأنوثة التي تنتجها ثقافة مجتمع ما وتنمط أفراده على أساسها ضمن عملية التنشئة الاجتماعية، ثم تتوقع منهم سلوكاً وأدواراً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بناء عليها.
لذلك عرفه البعض بأنه: الوجه الاجتماعي والثقافـي للانتماء الجنسـي[2].
أو هو الهوية الجنسـية للفرد  كذكر أو أنثـى، كما تحددها الثـقافة والمجتمع[3].
فالجدر إذاَ يدرس مفاهيم الذكورة والأنوثة بإخضاعها لمتغيري الزمان والمكان. فليس هناك ما يعرف بأنه أنثوي محض بإطلاق أو ما يعرف بأنه ذكوري محض على ذات الإطلاق.
فلا توجد على هذا الأساس أعمال تصلح للرجال، وأخرى تصلح للنساء، وحقوق تصلح للرجال، وأخرى تصلح للنساء....
هذا يعني أنّ فلسفة الجندر تتنكّر لتأثيرالفروق البيولوجيّة الفطريّة في تحديد أدوار الرجال والنساء، وتُنكر أن تكون فكرة الرجل عن نفسه تستند إلى واقع بيولوجي وهرموني. وهي تنكر أي تأثير للفروق البيولوجيّة في سلوك كلٍّ من الذكر والأنثى. وتتمادى هذه الفلسفة إلى حد الزعم بأنّ الذكورة والأنوثة هي ما يشعر به الذكر والأنثى، وما يريده كلّ منهما لنفسه، ولو كان ذلك مناقضاً لواقعه البيولوجي. وهذا يجعل من حق الذكر أن يتصرف كأنثى، بما فيه الزواج من ذكر آخر. ومن حق الأنثى أن تتصرف كذلك، حتى في إنشاء أسرة قوامها أمرأة واحدة تنجب ممن تشاء. من هنا نجد أنّ السياسات الجندريّة تسعى إلى الخروج على الصيغة النمطيّة للأسرة، وتريد أن تفرض ذلك على كل المجتمعات البشرية بالترغيب أوالترهيب. لذلك وجدنا أنّ بعض المؤتمرات النسويّة قد طالبت بتعدد صور وأنماط الأسرة؛ فيمكن أن تتشكّل الأسرة في نظرهم من رجلين أو من امرأتين، ويمكن أن تتألف من رجل وأولاد بالتبنّي، أو من امرأة وأولاد جاءوا ثمرة للزنى أو بالتبنّي. كما طالبت هذه المؤتمرات باعتبار الشذوذ الجنسي علاقة طبيعيّة، وطلبت إدانة كل دولة تحظر العلاقات الجنسيّة الشاذة.
       خلاصة الأمر أنّ الفلسفة الجندريّة تسعى إلى تماثل كامل بين الذكر والأنثى، وترفض الاعتراف بوجود الفروقات، وترفض التقسيمات، حتى تلك التي يمكن أن تستند إلى أصل الخلق والفطرة. فهذه الفلسفة لا تقبل بالمساواة التي تراعي الفروقات بين الجنسين، بل تدعو إلى التماثل بينهما في كل شيء[4].

 

النوع الاجتماعي وعلاقته بالجندر.

بعد الفشل الذي أصاب مفهوم الجندر في العالم الإسلامي حاول المهتمون بقضايا المرأة والجندر تغيير هذه الصورة إلى صورة مقبولة إلى حد ما داخل المجتمعات الإسـلامية، لدى نجد أنه كان من أهم قرارات مؤتمر  القاهرة عام 1994م  إعادة طرح موضوع الجندر من جديد  ولكن باسم آخر مقبول إلى حد ما  هو : "النوع الاجتماعي".
غير أنه يوجد هناك فريق من الجندريين[5] حاول إزالة السمعة السيئة عن الجندر ، وقسموا مفهوم النوع إلى قسمين:
1-              النوع البيولوجي: وهو يعني المعنى اللغوي والموضوعي للذكورة والأنوثة، وهذا النوع هو الذي يمكن تمييز الرجل عن المرأة باختلاف الخواص البيولوجية لكل منهما.
2-              النوع الاجتماعي: وهو الأدوار والوظائف الاجتماعية التي لا علاقة لها بالنوع البيولوجي، وهذا هو الذي يجب عدم التمييز بين الرجال والنساء فيه  فهـم متحدون تماماً،  فبإمكان الرجل يقوم بجميع أدوار المرأة  الاجتماعية  والمرأة تقوم بجميع أدوار الرجل الاجتماعي دون استثناء.
من خلال ما سبق: يتضح أن الجندر والنوع الاجتماعي وجهان لعملة واحدة، غير أن النوع الاجتماعي – بخلاف الجندر الذي أتى بثوب غربي صرف - جاء بثوب عربي مهجن، كي يسهل على العقل العربي تقبله وتبينه.
 
المطلب الثاني: نشأة مفهوم الجندر:
لقد نشأ مفهوم الجندر (Gender) في عالم اللغة، ثم انتقل إلى ميدان العلوم الاجتماعية؛ ليصبح بعد ذلك إيديولوجية نسوية  لدى تيار نافذ في الحركة النسائية الغربية، واتجاها بارزا في الدراسات الأكاديمية المهتمة بالمرأة ومقاربة منهجية البرامج والسياسات التنموية التي تقترحها مؤسسات الأمم المتحدة في مجال النهوض بالمرأة[6].
وبدأ الجدل حول هذ المفهوم منذ أواخر السبعينات للقرن الماضـي، ومن منطلق الدعوة للانحياز المباشر والضمني لتعزيز موقف المرأة وحقوقها الماسة في المجتمع المعاصر.
وقد انطلقت هذه الدعوة من  عمق الحداثة الأوربية والأمريكية، وكانت واضحة من خلال أنشـطة  الهيئات والمنظمات الدولية وخاصة في أوساط مجتمعات الدول النامية.

وقد عقدت لهذه الدعوة عدة مؤتمرات وفعاليات عالمية ودولية من أهمها:-

(1)                                           مؤتمر القاهرة عام  1994 م.
(2)                                           مؤتمر بكين عام 1995 م.
(3)                                           مؤتمر بكين +5 عام 2000م.
(4)                                           مؤتمر عمان عام 2001 م.
وكانت تلك المؤتمرات  واضحة جداً من خلال الدعوة إلى إزالة الفوارق بصفة عامة بين الذكور والإناث، واتـهام المجتمعات الشـرقية (الدول الإسـلامية) بالتخلف الثـقافي الجنسي، والحديث عن اضطهاد المرأة في تلك المجتمعات[7].

 



















المطلب الثالث: أهداف الجندر وآثاره على المجتمع.

يهدف النوع الاجتماعي إلى إيجاد أرضية للمساواة بين الجنسين في جميع مراحل التخطيط واتخاذ القرارات حول مختلف المشاريع والبرامج والسياسات العمومية. وعليه فان النوع الاجتماعي يتخطى الجهود الرامية لمساعده النساء لتحقيق المساواة في الفرص إلى التركيز على النساء والرجال معا، إي إن النوع الاجتماعي يمثل هدف السياسات ومنهجا لتحقيق المساواة بين الجنسين.
وذلك من خلال القول بالتفرقة بين: (النوع البيلوجي)  و(النوع الاجتماعي)، وأنهما مختلفان تماماً ولا علاقة لأحدهما بالآخر، حيث يقرر الجندريون: أن النوع البيلوجي ثابت، والنوع الاجتماعي متغير، ومكتسب،  وحصروا مفهوم النوع البيلوجي: في الذكورة والأنوثة وما يتعلق بهما من خصائص الحمل والولادة والتناكح والتناسل فقط. والنوع الاجتماعي: فيما عدا ذلك من صفات وأدوار ووظائف متعلقة بالرجل والمرأة، وبناء على هذا  المفهوم يطالب الجندريون بإعادة النظر فيما يلي:-
أ – مفهوم الرجال والنساء.
ب- مفهوم الأمهات والآباء.
ج- مفهوم الأبناء والبنات.
ويدعون إلى إعادة تحديد هذه المفاهيم بناء على نظرية (النوع الاجتماعي) المتغير والمكتسب، وأن هذه المفاهيم لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة فيمكن للذكر أن يتقمص دور المرأة ووظائفها، وللأنثى أن تتقمص دور الرجل ووظائفه، إلى غير ذلك.
ونتيجة لتغيير هذه المفاهيم  تبعاً لتبادل الأدوار فسيكون من ثمارها ما يلي:-
1-                      إعادة تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة، فلا توجد أدوار أو حوقوق أو واجبات خاصة بالرجل، وأخرى خاصة بالمرأة.
2-         تعدد صور وأنماط الأسرة؛ فيمكن أن تتشكّل الأسرة في نظرهم من رجلين أو امرأتين (الشذوذ – المثلية الجنسية)، ويمكن أن تتألف من رجل وأولاد بالتبنّي، أو من امرأة وأولاد جاءوا ثمرة للزنا أو بالتبنّي.
3-                      إلغاء مبدأ قوامة الرجال على النساء.
4-                      إلغاء الأحكام الخاصة بالنساء، من مثل الحشمة والحياء وأنماط اللباس المحددة شرعا أو عرفا، والخلوة ونحوها.
5-         المساواة في الحق في إيقاع الطلاق لكلا الجنسين من غير شروط ولا امتايز لطرف على الآخر، والإرث .... وكل ذلك في أفق المساواة التماثلية بين الجنسين.
6-                      الدعوة إلى تحرير المرأة من قفص الأمومة، وحرية الإجهاض[8].
7-                      الدعوة إلى فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها.
8-         الإعتراف بالشذوذ الجنسي وفتح الباب لإدراج حقوق الشواذ من زواج المثليين وتكوين أسر غير نمطية والحصول على أبناء بالتبني ضمن حقوق الإنسان.
9-         العمل على إضعاف الأسرة الشرعية التي هي لبنة بناء المجتمع السليم المترابط ومحضن التربية الصالحة ومركز القوة الروحية ومفخرة الشعوب المسلمة في عصر الانحطاط المادي.
10-       إذكاء روح العداء بين الجنسين وكأنهما متناقضان متنافران، ويكفي لتأييد هذا الاتجاه مراجعة أوراق المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين الذي نظمه مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء - اليمن، فقد كان مما جاء فيه الاعتراض على كثرة وجود اسم الإشارة للمذكر في اللغة العربية أكثر من المؤنث وكذلك ضمائر المخاطبة للمذكر أكثر منها للمؤنث، ومما يدعو إلى الضحك اعتراض إحدى الباحثات في هذا المؤتمر الدولي على تصويب أبي الأسود الدؤلي لابنته عندما قالت : ما أجملُ السماء، وأرادت التعجب ، فنبهها أن النصب هو الصواب، علّقت الباحثة قائلة معترضة على التصويب: ألم يكن أحدٌ قبلها قد أخطأ!![9]
11-       رفع المسؤولية عن الشواذ جنسياً وإظهارهم بثوب الضحية التي جنى عليها المجتمع، ولا أحد ينكر أن هناك عوامل مختلفة (المجتمع، تجارب الطفولة، الشيطان، ... الخ) تؤثر وربما تدعو إلى الشذوذ لكن كما يقول د. ستيفن أر.كوفي: "بين المؤثر والاستجابة توجد مساحة رحبة مِن حرية الاختيار" ، وهذه هي المسؤولية التي يحاسب العبد بموجبها، وينتفي الحساب بانتفائها كما في حالة المجنون والصبي ونحوه[10].

المبحث الثاني: موقـف الشريعة الإســلامية من الجندر:
إن موقف الشرع الحنيف من الجندر، مبني على أساس معرفة مدى تماشيه مع مرتكزات مفهوم الجندر التي أساسها المساواة الطلقة بين الجنسين، فهل الشريعة تتبنى مبدأ المساواة المطلقة بين الجنسين؟ أم أنها تساوي بينهما في بعض الأمور وتفرق بينهما في البعض الأخر؟ هذا ما سنلقي الضوء عليه من خلال المطلبين التاليين.

المطلب الأول: المساواة بين الجنسين في الإسلام[11]
ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في أمور كثيرة منها :
أولا: القيمة الإنسانية
يسوي الإسلام بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية الانطولوجية ( الوجودية ) ، حيث خلق الله الأثنين من طينه واحدة ومن معين واحد ، فلا فرق بينهما في الأصل والفطرة ، ولا في القيمة والأهمية. والمرأة هي نفس خلقت لتنسجم مع نفس، وروح خلقت لتتكامل مع روح وشطر مساو لشطر. قال تعالى : { والله خلقكم من تراب ، ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً } فاطر، آية:11.
والإسلام يقرر أن قيمة أحد الجنسين لا ترجع كون أحدهما ذكراً والآخر أنثى بل ترجع إلى العمل الصالح والتقوى. لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ًوقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير } الحجرات، آية:13.
ثانيا: في الثواب والعقاب.
كل إنسان في ميزان الله مسؤول عن عمله
قال تعالى : { كل إمرئٍ بما كسب رهين } الطور، آية:21
قال تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى }  فاطر :18
قال تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } النجم :39
فالعمل الصالح سواء عمله الذكر أم الأنثى له الثواب والأجر عند رب العالمين -عز وجل-.
وقال: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً} النساء :124
ثالثا: في العقوبات لا مفاضلة
قال تعالى: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله } المائدة :38
قال تعالى: { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلده } النور :2 هذه المساواة بين الجنسين في المسؤولية الخاصة،
أمّا العامة فهم أيضا ًمتساووين فيها؛ كلٌ حسب ميدانه ليكونا مجتماً مستقيماً دعائمه إيمانية. قال تعالى: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} التوبة :71.
رابعا: في الحقوق المدنية: فقد ساوى الإسلام بين الجنسين في الحقوق المدنية على كافة مستوياتها، من تملك وتعاقد وبيع وشراء ورهينه وهبه وحق في توكيل الغير أو ضمانه فللمرأة شخصيتها الكاملة مثل الرجل في الإسلام لها حق التصرف في حالها قبل الزواج وبعده كيفما شاءت في إطار الشريعة الإسلامية.
خامسا: في حرية التعبير.
الإسلام أعطى المرأة حقها كاملاً من حيث الحوار والمجادلة وإبداء الرأي، ومن ذلك:
قوله تعالى: { قد سمع الله قول التي تجادلاك في زوجها وتشتكي إلى الله } المجادلة، آية:1
وأيضاً قصة السيدة أم سلمه زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – لما استشارها النبي – صلى الله عليه وسلم – في أثناء صلح الحديبية أبدت رأيها وكان هو الرأي الذي أخذ به الرسول – صلى الله عليه وسلم-.
سادسا: في حق التعلم والتعليم
قال تعالى: { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } الزمر، آية: 9
فالعلم لا يستوي مع الجهل ، والإنسان لا يمارس الصواب ويحيد عن الخطأ؛ إلاّ إذا اكتسب علماً أهله لذلك.
وقد قالت السيدة عائشة: " نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين "[12]
عن أبي سعيد الخدري قالت النساء للنبيّ –صلى الله عليه وسلم-: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك فوعدهنّ يوماً، لقيهنّ فيه فوعظهنّ وأمرهنّ. "[13]
سابعا: في حق حل ميثاق الزوجية.
الإسلام كما أعطى للرجل حق الانفصال عن زوجته أعطى للمرأة هذا الحق، ولكن يفرق بينهما في كيفية وأسلوب هذا الانفصال " فهو يسوي بينهما في الحق، ويفرق بينهما في كيفية استخدام هذا الحق، حيث يعطي الرجل حق الطلاق ويعطي المرأة حق الخلع" .

المطلب الثاني: الفوارق بين الجنسين في الإسلام.
من الأمور التي لم تساوي فيها الشريعة بين الجنسية نذكر مايلي:
أولا: بعض التكاليف التعبدية:
إن الله الذي خلق الرجل والأنثى يعلم كل ما يصلح ويلائم طبيعتهما في كل ميادين الحياة
وبالتالي الإسلام يبني على أساس " الاختلافات الطبيعية القائمة بينهما تفرقة في بعض التكاليف التعبدية تهدف في المقام الأول والأخير مراعاة المرأة وصيانتها والتخفيف عنها ، رحمة بها وتقديراً لظروفها.
فمثلاً الإسلام يسقط عن المرأة الصلاة والصيام أثناء الحيض والنفاس دفعا ًللمشقة ولأمور أخرى الله أعلم بها.
ثانيا: بعض الأحكام الشرعية:
من ذلك أن لا صلاة ولا صيام عليها في فترة الحيض، وعورتها تخالف عورة الرجل، ولا تسافر إلاّ مع زوجها أو محرم، وتقدم على الرجال في الحضانة والنفقة، ولا جهاد عليها.
ثالثا: واجب النفقة، الصداق:
قال تعالى: { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } البقرة، آية: 233
الإسلام أعفى المرأة من جميع أعباء الحياة المعيشية والرجل هو المكلف بذلك ، فما تحتاج إليه المرأة من طعام وشراب وكساء ومسكن،... إن كانت متزوجة فنفقتها واجبة على زوجها؛ وإن كانت غنية. وإن كانت ليست متزوجة أو معتدة ، فنفقتها واجبة على أوليائها.[14] قال تعالى: { لينفق ذو سعة من سعته ، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا ًإلاّ ما آتاها } الطلاق، آية:7. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لهند: ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )[15]
رابعا: حق الميراث: قال تعالى: { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } النساء، آية:11.
بالنسبة لمسألة الميراث، فللذكر مثل حظ الأنثيين، ليست فيها أي محاباة لأحد الجنسين على الآخر وما هي إلاّ ملاحظة الحاجة، لا إقلالاً من قيمة المرأة. وإنما لمراعاة التوازن بين أعباء الرجل والمرأة، والتي جعلت الذكر يأخذ ضعف الأنثى فالمساواة العادلة تقتضي التوريث حسب مقدار الحاجة.
خامسا: أداء الشهادة
قال تعالى: { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء  أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } البقرة 282 ، وهذا الأمر لا يعدو أن يكون من قبيل الحيطة والاستيثاق والضمان، وليس فيه مطلقاً ما يخدش كرامة المرأة أو يقلل من إنسانيتها وقدرها.
سادسا: في حق التعدد: إن تعدد الزوجات كان سائداً قبل الإسلام والإسلام لم يبتكره ولكنه قيده، فالإسلام أباح للرجل أن يجمع بين أربع نساء، مع اشتراط العدل بينهن، قال تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، ذلك أدنى ألاّ تعولوا } النساء: 5.
سابعا: في مسؤولية القوامة والولاية:
قال تعالى: { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} النساء، آية:34. فمن أولى بالقوامة : المرأة أم الرجل ؟ العاطفة أم الفكر.
درجة القوامة ما هي إلاّ درجة مسؤولية وتكليف وليست درجة تشريف.
القوامة لم تظلم المرأة، وإنما الفهم الخاطئ هي الذي ظلمها وأساء إليها، والقوامة تحمل في طياتها تكاليف متعددة، وتشير إلى معانٍ عميقة، وتحمِّل الرجل مهام عظيمة، ومسؤوليات كبيرة، وتلزمه بواجبات كثيرة داخل البيت وخارجه.

من خلال ماسبق يتضح لنا أن دعاة الجندر إذ يدعونإلى تسوية المرأة مطلقاً بالرجل فهذا يعد إلغاء للأحكام الثابتة شرعاً والتي انفرد بها أحد الجنيسن عن الآخر، لا لحيف وظلم ولكن مراعاة لقدرات وخصائص البيولوجية والنفسية والفكرية لكل واحد منهما، كل ذلك في توازن وتكامل، يحفظ لكل واحد كرامته وحريته، تحت ظل الشريعة الإسلامية.


خاتمة : أهم النتائج.
1- تعتمد فلسفة الجندر (النوع الاجتماعي) على أن المجتمع وثقافته هو الذي يصنع الفروق بين الرجل والمرأة، وأنه هو الذي قسم الأدوار بينهما، وبدوره جعل الأنثى تنظر لنفسها أنها أنثى والذكر أنه ذكر، بل تقول: إن الذكورة والأنوثة هي ما يشعر به الذكر والأنثى وما يريده كل منهما لنفسه ولو كان ذلك مخالفاً للواقع البيولوجي، أي: أن هذه الفلسفة تسعى في جميع أفكارها إلى التماثل الكامل بين الذكر والأنثى.
2- مر الجندر بمراحل تطور مختلفة حتى نشأ على صورته الحالية، ظهرت مع نهاية القرن التاسع عشر بمفهوم المساواة المنصفة، التي تمثلت بالمطالبة بتحسين واقع المرأة الاجتماعي والاقتصادي، والأخذ بعين الاعتبار وظائف المرأة البيولوجية من حمل وولادة ورضاعة وتربية الأولاد.. ثم تطور المفهوم إلى المساواة الكاملة أو المطلقة الذي بدأ منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، وانتهى هذا القرن بالمطالبة بالتماثل بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والخصائص والوظائف، وهو ما يسمى بالجندر، حيث تكفلت بمطالب المرحلتين الأخيرتين المواثيق الدولية التي أصبح لها منظمات خاصة، وأقيمت لها مؤتمرات عالمية تدعو إلى أفكارها.
3- يتجلى الموقف الإسلامي تجاه أفكار دعاة الجندر وذلك من خلال الآتي:
‌أ.  دحض دعوى التماثل بين الرجل والمرأة من خلال قوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى) [آل عمران:36]
فلا مساواة مطلقة في الشريعة الاسلامية بل ساوت بين الجنسين تارة، وفرقت بينهما تارة أخرى، وذلك مراعاة لقدرات وخصائص البيولوجية والنفسية والفكرية لكل واحد منهما، كل ذلك في توازن وتكامل، يحفظ لكل واحد كرامته وحريته، تحت ظل الشريعة الإسلامية.
‌ب.  تحريم دعوتهم إلى حرية تحكم الانسان في جسده وشهواته من خلال:
 - الإجهاض، وقد حرمه الإسلام؛ لأنه يعتبر قتلاً للنفس التي حرم الله بغير حق منذ نفخ الروح في الجنين.
 - الشذوذ الجنسي بجميع صوره: إتيان الذكور، السحاق، الزنا.
 - استبدال الأسرة التقليدية بالأسرة الجديدة المكونة من زواج رجل برجل، أو امرأة بامرأة، وهو ما يسمى بزواج المثلين، أو أن تتكون أسرة من التقاء رجل بامرأة خارج نطاق الزواج الشرعي، مع إلغائهم لسلطة الأب أو الزوج على الأسرة.
وموقف الشرع من ذلك أنه يحرم هذه الأفكار ويحاربها، ويضع للأسرة اعتبارها التي تتكون تحت إطار الزواج الشرعي، كما أن الشرع حكيم في جعل قوامة الأب أو الزوج على الأسرة؛ وذلك لأن هذه المسئولية قائمة على الرعاية الكاملة تجاه أفراد الأسرة.
‌د.   النهي عن تبرج المرأة، وقد حذر الشارع منه؛ لما يترتب عليه من أضرار خطيرة تتمثل في جلب الخزي والعار والدعوة إلى الفتنة والدمار.


[1] مسرد مفاهيم ومصطلحات النوع الاجتماعي، ص4، صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، المكتب الإقليمي للدول العربية، ط4، 2001م.
انظر: أبو دحو، جميلة، المنظور النسوي الفلسطيني تجاه قضايا الجندر، مشروع مشترك ما بين مركز بيسان للبحوث والإنماء والمؤسسة الكندية للتضامن والتنمية، Oxfam-Quebec/OCSD.
انظر: معهد الشؤون الثقافية (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، مقال بعنوان نحو مساواة النوع الاجتماعي،مجلة رؤية، ص2، العدد 17، ربيع 2002م.
[2]  مدخل إلى تصحيح  وضع المرأة في منهج التعليم   العام , مقارنة جندرية – عزة بيضون مجلة أبواب العدد 19 ص 128.
[3]  الصور النمطية والجندر في كتب القراء والتربية الاجتماعية  والوطنية في مرحلة التعليم الأساسي في اليمن  ص6 , عبده مطلس –  نشر مركز البحوث التطبيقية والدراسات النسوية – جامعة صنعاء  1999 م.
[4]  النوع الاجتماعي(الجندر)، بسام جرار، بحث منشور على موقع نون للدراسات والأبحاث: http://www.islamnoon.com/Motafrkat/gender.htm
[5]  النوع الاجتماعــي في اليمن، يتقدمهم د/ حمود العودي  أستاذ علم الاجتماع جامعة صنعاء، ص: 7 , 8.
[6] الحركة النسائية بالمغرب المعاصر – اتجاهات وقضايا - ، جميلة المصلي، ص 198.
[7] النوع الاجتماعي (الجندر)، سيما عدنان أبو رموز، رسالة ماجستير:  إشراف د/ مصطفى أبو صوي، القدس- فلسطين، 1426هـ -2005 م، منشورة على موقع صيد الفوائد.
التنمية والنوع الاجتماعي، الوحدة الثالثة، ص10، صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، المكتب الإقليمي للدول العربية، ط4، 2001م.
[8] الحركة النسائية بالمغرب المعاصر، ص: 199
[9] الجندرة: مطية الشذوذ الجنسي، نزار محمد عثمان، بحث على موقع صيد الفوائد  http://www.saaid.net/Doat/nizar/22.htm
[10]  المرجع السابق.
[11] راجع في هذا الصدد : النوع الاجتماعي (الجندر)، سيما عدنان أبو رموز، مرجع سابق.
[12] رواه البخاري في صحيحه، برقم 130، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي.
[13] رواه البخاري برقم 101
[14] المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية، عبد الكريم زيدان،  جـ7/152-223، بيروت، مؤسسة الرسالة، طـ3، 1420هـ - 2000م.
[15] رواه البخاري برقم، 2211

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم