الخميس، 29 أغسطس 2013

سلطة قاضي الأحداث بين أولوية التدبير و استثناء العقوبة


ياسين الكعيوش

باحث في ماستر العدالة الجنائية السنة الثانية فاس



سلطة  قاضي الأحداث بين أولوية التدبير و استثناء العقوبة

مقدمة :

                لا شك أن ظاهرة جنوح الأحداث من أعوص الظواهر التي عرفها  المجتمع قديما وحديثا ، دفعت ثلة من  الدول الى إيجاد حلول للتخفيف من حدة هذه الظاهرة، وعيا منها أن إجرام الأحداث  يرجع في الغالب  الى بيئة منحرفة وظروف عارضة ، و لا يرجع إلى نزعات إجرامية متأصلة في نفوسهم .
       من أهم مرتكزات  السياسة الجنائية الحديثة إصلاح وإعادة إدماج الأحداث   بإبعادهم ما أمكن عن العقوبة بمفهومها التقليدي ، وعدم مؤاخذتهم  بالعقوبات الزجرية  والرادعة ،والأخذ بما يؤدي الى تهذيبهم و إصلاحهم . وإذا كان المشرع المغربي  يقتصر على بيان الأسس التي يستعين بها قاضي الأحداث في توقيع العقوبة ، فان لهذا الأخير صلاحيات واسعة في الاختيار الكمي و النوعي للجزاء المناسب الذي يراعي المصلحة الفضلى للحدث.[1] 
         و يقتضي التطرق الى هذا الموضوع الوقوف على أهم المفاهيم المؤطرة  له :
         فالعقوبة بالمفهوم التقليدي تهدف الى إنزال الألم بالفرد من قبل السلطات المختصة، جزاءا لما ارتكبه من جرائم. ولذلك فهي وفق هذا المفهوم رد فعل اجتماعي على عمل مخالف للقانون،  أي الجزاء الذي يوقعه المجتمع على المجرم مؤاخذة له عما اقترفه من جرم [2].
   وبناءا عليه فان العقوبة  والجريمة لهما ارتباط وثيق ، فلا عقوبة بدون جريمة سابقة  و لا جريمة بدون عقوبة لاحقة، و الخروج على هذا المبدأ يؤدي حتما الى الجور والظلم و التعسف .
          و الحدث في اللغة هو صغير السن، ويقال للفتى حديث السن فان حذفت الباء قلت حدث بفتحتين و جمعه أحداث . أما في الاصطلاح  مشتق من فعل حدث حدوثا وحداثة يعني رجل حديث السن كناية عن فترة عمرية قبل الشباب[3].

  أما في الشريعة الإسلامية هو الصغير او الطفل او الغلام ذلك آن القران الكريم يحدد مراحل عمر الإنسان ومن بينها مرحلة الطفولة قال عز وجل "" هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ""[4].

          أما الحدث بمفهومه القانوني فقد وضحته المواثيق الدولية و التشريعات الداخلية، بحيث جاء في اتفاقية حقوق الطفل ان الحدث هو كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة  من عمره ما لم يبلغ ذلك بموجب القانون المطبق عليه[5].
ان العقوبة كرد فعل اجتماعي ضد الجريمة  ليست حديثة النشأة بل قديمة قدم الانسانية
نظمها الشرع الإسلامي أحسن تنظيم بعيدا عن الظلم  ،وخصوصا الأحداث الذين لا ينالون أية عقوبة نظرا لصغر سنهم فقال ابن تيمية  "" ان العقوبات شرعت رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن رحمة الخالق و ارادة الإحسان إليهم و الرحمة بهم كما يقصد الوالد تأديب ولده و كما يقصد الطبيب معالجة المريض "" 
اما بخصوص المجتمع الغربي كانت العقوبة البدنية الأكثر تطبيقا في النظم الجنائية، حيث  اتسمت بالقسوة و الوحشية  نظرا لنظام التحكم الذي كان سائدا قبل مجيء المدارس الفكرية التي ربطت بين العقوبة وحرية الاختيار لدى الجاني مع ادخال تدابير لإصلاحه[6].
          و تكتسي دراسة العقوبة عند الأحداث أهمية بالغة  تتمثل في حرص معظم التشريعات على ايجاد السبل الكفيلة بتعزيز دور القضاء في  اختيار العقوبة المناسبة للحدث لإدماجه و اصلاحه من جهة و الحد من ظاهرة جنوح الاحداث من جهة اخرى
 لهذا يمكننا ان نتساءل عن موقع المصلحة الفضلى للحدث في العقوبة المحكوم بها و دورها في تأهيله  وإصلاحه ؟
هذا ما سنحاول الاجابة عليه من خلال التصميم التالي :
 
   المبحث الاول : اعتماد قاضي الأحداث  للتدبير كأصل   
 
    المبحث الثاني:  العقوبة كاستثناء
 
 
 
 
 
 
  
       المبحث الاول : اعتماد قاضي الأحداث  للتدبير كأصل

     ان غاية الحكم القضائي الذي يصدره  قاضي الأحداث يكون هدفه هو اعادة تأهيل الحدث الجانح عن طريق اختياره للتدبير المناسب وفقا لمعايير معينة ( المطلب الاول ) وذلك  لمدة محددة ( المطلب الثاني ).

 المطلب الاول  : معايير اختيار قاضي الأحداث للتدبير

             لقد قام المشرع المغربي بتنوع تدابير الحماية و التهذيب ، التي من شأنها ان تساعد قاضي الأحداث في تفريد التدبير ، وان يكثف من الحلول القضائية فتدابير الحماية و التهذيب قد اعطيت فيها كامل السلطة للقاضي لاختيار أي منها،  تبعا لفهمه الخاص لخطورة الجريمة ، ولشخصية الحدث الجانح ولطبيعة التدابير ، اذ انه من الناحية القانونية لا يوجد ما يمكن ان يعيب حكم او قرارات المحكمة إذا قضت بتطبيق احد التدابير حتى في اشد الجرائم ،بغض النظر عن خطورتها أو طبيعتها سواء كانت مخالفة او جنحة او جناية ، المهم هو ملائمة التدبير التربوي لشخصية الحدث.وفي هدا الإطار يفترض في قاضي الأحداث أن يكون مؤمنا بمجموعة من المبادئ الأساسية في تعامله مع الحدث الجانح ، بحيث ان هناك أحداث خطيرون قد يحتاجون الى تدابير سالبة للحرية ، وان الجريمة ليست مؤشرا يمكن الاعتماد عليه في تحديد التدبير المناسب، فقاضي الاحداث عليه ان يغلب العيار الموضوعي عن طريق فحص شخصية الحدث.[7]وعليه فان البحث في الشخصية لا يعني الإحاطة بالظروف الخارجية للجريمة والسوابق التي ارتكبها الحدث، وإنما يعني اعمق من دلك وهو الإحاطة بتكوينه البيولوجي وحالته النفسية وتاريخه الشخصي ووضعه الاجتماعي وهو ما يقتضي بحثا علميا بالشخصية.
فمن خلال البحث الاجتماعي يجمع القاضي المعلومات عن حالة الحدث العائلية كما يسعى لمعرفة شخصية الحدث وسلوكه في الاسرة والمدرسة وخارجهما.وتجدر الملاحظة ان الهيئات او المؤسسات المنصوص عليها في المادة 474 من ق.م.ج.م.بالإضافة الى البحث الاجتماعي يمكن لقاضي الاحداث ان يأمر بإجراء فحص طبي عقلي ونفسي على الحدث، ويمكنه اللجوء الى هذه الأبحاث جميعها كما يمكن له الاكتفاء ببعضها حسب ما تقتضيه مصلحة الحدث الفضلى.[8]مما يساعد الجهة المكلفة بالتحقيق على تفهم مشكلة الحدث.حيث ان اقترافه للجريمة قد يكون سببه التوتر الناتج عن اختلال في الحياة الاجتماعية لهدا الاخير.وفي هده الحالة لن يحتاج سوى الى عناية صحية ومعالجة نفسية.
وتشكل التقارير التي تعدها الباحثات الاجتماعيات ضمانة قوية لمصلحة الحدث خلال المحاكمة ، فهي التي تنير الطريق لقضاء الأحداث للتعرف على الحالة الاجتماعية والمادية والصحية والنفسية لهم، والجدير بالذكر ان تقرير الباحثات الاجتماعيات رأي استشاري بالنسبة للقاضي يستأنس به، دون ان يكون لهما حق الاشتراك في الحكم او المداولة بشأنه.[9]ان اهم ما يقوم به قاضي الاحداث عند النطق بالحكم هو تفريد التدابير،  فدور قاضي الاحداث يحتل مكانة بين الوظيفة القضائية والدور التربوي.فهو دور اجتماعي وإنساني من جهة ، وقضائي وقانوني من جهة أخرى، فعند اختيار قاضي الأحداث للتدبير يكون عليه إقصاء فكرة تسبيق أو تفضيل بعض التدابير على الأخرى,اذ  ينبغي إلغاء كل ترتيب تفاضلي للتدابير،  فالاختيار يتم حسب ملائمة الوسيلة لشخصية الحدث وليس حسب شدتها، ولقد ترك المشرع لقاضي الاحداث حرية معتبرة لاختيار الوسيلة الملائمة فلا يتقيد القاضي في اختياره لهده الوسيلة بنوع الجريمة ولا خطورة الافعال المقترفة من الأحداث ، فهناك العديد من العوامل من شانها ان تعين القاضي على تحديد التدبير الملائم :كسن الحدث ،جنسه، وطباعه، مزاجه،  درجة نضجه، حالته العائلية والأشخاص الذين يخالطهم وخطورة الجريمة،وان كان الحدث عائدا او مجرما بالصدفة، وإمكانية اصلاحه...
وبناء على ما سبق قد تقتضي مصلحة الحدث الفضلى في اغلب الأحيان بقاءه في وسطه الطبيعي واتخاذ التدابير التي تحرص على ذلك كالتوبيخ والتسليم والحرية المحروسة ، فاذا كان فساد المناخ الأسري يؤثر على القاضي في اختياره للتدبير المناسب لحالة الحدث الجانح، فانه يتعين عليه قبل التفكير في ايداع الحدث في مؤسسة للتربية ان يبدل قصارى جهده لإيجاد وسط عائلي بديل للحدث.كما ان لجوء قاضي الاحداث لوضع الحدث بمؤسسة للتربية لا يكون في الغالب إلا في صورة العود،وبصورة عامة في جميع الحالات التي يتبين فيها ان فصل الحدث عن عائلته ضروري لمعالجته،والحالة التي تتطلب تدخل مختصين اجتماعيين ونفسيين بصورة مستمرة,كمما يساند الفحص الطبي القاضي بوضع الحدث بمؤسسة معدة للعلاج او التربية الصحية. [10]
ومهما يكن فان طبيعة الجريمة وحدها لا يمكن ان يبرز اعتماد تدبير دون اخر، بل ان شخصية الحدث تحتل مركز الصدارة في تشكيل قناعة قاضي الاحداث في التوصل الى تحديد الوسائل المناسبة لإصلاح الحدث وحمايته.

 المطلب الثاني: تقدير مدة التدبير للحدث

         يؤكد  بعض الفقهاء ألا يتولى القاضي تحديد مدة التدبير عند النطق به ، وأن يترك ذلك للسلطة المختصة بتنفيذ هذا التدبير  لتأذن بانقضائه حين يثبت لها أن الغرض منه قد تحقق.أما العلة في ذلك فهي تعود الى أن التدبير لا يقاس بجسامة الجريمة او درجة مسؤولية الحدث وإنما يقاس بقدر خطورة المعني بالأمر وبمدى حاجته الى التهذيب و العلاج، وهذا ما لا يستطيع القاضي ان يحدده مسبقا.
وقد تبنت هذا التحليل العديد من القوانين المقارنة مثل القانون الفرنسي،المصري ،السوري. لكن اغلب هده القوانين حرصت في المقابل على الزام القاضي ببعض الضوابط القانونية عند الإذن بالتدبير، ويتعلق الامر بوضع حدود دنيا وقصوى لا يجوز النزول عنها لكي يحقق التدبير هدفه التقويمي والعلاجي، كما لا يجب تجاوزها حتى لا يستمر تطبيقه أكثر مما هو ضروري. وبالرجوع الى القانون المغربي فإننا نجده قد اتبع نهجا يقضي بضرورة تعيين مدة التدبير عند النطق به ، الفقرة الاخيرة من المادة 482 ق.م.ج.م. و بمجرد بلوغ الحدث  السن الذي حدده المشرع يعفى  من الالتزام بأي تدبير تربوي ويطلق سبيله من المركز الإصلاحي آو التربوي المودع فيه بصفة آلية.
      و من جهة أخرى ،فان إطلاق  يد القاضي في تحديد أجال التدابير التي يقضي بها دون إلزامه بأي حدود دنيا قد أدى في الواقع الى صدور بعض الأحكام القاضية مثلا بإيداع الحدث الجانح بمراكز التربية لمدة شهرين او ثلاثة اشهر ،وهي أجال زمنية قصيرة لا تعد كافية لإنجاح أية عملية تربوية او تقويمية كما لا يستطيع الحدث معها ان يستوعب البرامج العلاجية والطرق البيداغوجية التي يضعها المشرفون عليه بالمؤسسات التربوية او الإصلاحية.[11]
لهذا ودون التخلي تماما عن مبدأ تحديد التدبير عند النطق به ،كان بإمكان المشرع ان يلزم القاضي بحد زمني أدنى كما الزمه بحد أقصى ، وهكذا يتحقق التكافل بين الجهود القضائية والجهود التشريعية في البحث عن انسب الحلول وانسب الآجال لإنجاح التدبير المقرر لفائدة الحدث الجانح ، اما على ضوء الوضع الحالي فان تدخل قاضي الأحداث لاحقا أثناء مرحلة تنفيذ التدبير المأدون به من أجل مراجعته وتعديله عند الضرورة هو وسيلة الوحيدة لتحقيق الملائمة مع الوضعية المتطورة للحدث ولتأمين أوفر أسباب النجاح لعملية انتشال الحدث من مجالات الانحراف والجنوح.لذلك نجد المشرع المغربي قد خول في المادة 501  من ق.م.ج.لقاضي الاحداث او المستشار المكلف بالأحداث في حالة عرض النزاع على المحكمة الاستئناف في اية مرحلة من المراحل امكانية اعادة النظر في التدابير التي تم اتخاذها طبقا لمقتضيات المادة 481 من ق.م.ج.بحسب ما يتوفر عليه من معطيات خاصة بالحدث وبعائلته ومحيطه وما تقتضيه مصلحته.
ومن هذا المنطلق نورد حكما  صادر عن غرفة الجنح الابتدائية بتازة عدد 53/08  بتاريخ 28/03/ 2008  قضت المحكمة بإيداع الحدث بمركز عبد العزيز بن ادريس بفاس لمدة ستة اشهر وتحميل وليه الصائر القانوني ، والذي ارتكب جنحة السرقة.حيث ارتأت المحكمة تمتيع الظنيين بظروف التخفيف، لظروفه الاجتماعية ولعدم سوابقه القضائية  ومراعاة لمصلحته الفضلى كحدث بإيداعه بمؤسسة رعاية الطفولة.
     
المبحث الثاني: العقوبة كاستثناء

       إذا كانت التدابير التي أشرنا اليها في النقطة الأولى هي الأصل فإن للقاضي أيضا سلطة تقديرية في اختيار العقوبة التي من شأنها اصلاح الحدث ( المطلب الثاني)، وفق المادة 482 من ق م ج. بشرط أن يعلل مقرره في هذه النقطة ،و يكون على القاضي في اطار سلطته التقديرية إقصاء الوسائل الزجرية أو على الأقل اللجوء إليها بصفة استثنائية وفقا لمعايير معينة، وفي حالة لجوءه للعقوبة نجد أن ذلك بدوره يخضع لمعايير متعددة ( المطلب الاول ).

     المطلب الأول : سبب لجوء  قاضي الأحداث للعقوبة

      جعل المشرع المغربي التدابير التربوية والتقويمية هي الأصل في معاملة الأحداث الجانحين ،لكن هذه التدابير قد تعجز بمفردها عن تحقيق الأغراض التي تهدف اليها ، اذا كان سلوك الحدث على درجة كبيرة من الخطورة ، لهذا كان لا بد من إقرار امكانية العقوبة مع جعل اللجوء اليها اسثناء وبشرط أن تسمح شخصية الحدث وسنه بذلك .
    وعلى المستوى العملي نجد أن القاضي لا يلجأ إلى تطبيق العقوبة إلا إذا اتضح أنه لا يمكن اتخاذ أي تدبير، وتشكلت لديه قناعة بأنه لا يمكن إصلاح الحدث إلا بهذه الطريقة، وخاصة بالنسبة لبعض الأحداث الذين لديهم حالات العود، ووقع التدرج معهم في أسلوب المعالجة وفشلت عملية انتشالهم من عالم الاجرام، فيقتنع القاضي بأن السلوك المنحرف قد ترسخ فيهم وأن التدابير العلاجية الأخرى لم تعد ناجعة ، وفي حكم  صادر عن المحكمة الابتدائية بفاس بعدد 671/26/2010 أحداث ، أدانت المحكمة الحدث المتهم بالحبس النافذ لمدة شهرين اثنين وتحميل وليه القانوني الصائر والإجبار في الأدنى ، وذلك من أجل جنحة السرقة والضرب والجرح طبقا للفصلين 505 و 401 من القانون الجنائي ، حيث اعترف الحدث بالفعل وبأنه اعترض سبيل المشتكي رفقة زميله وسلب منه مبلغ مالي ، وصرح أيضا أنه سبق له أن اعترض سبيل قاصر ولما حاول تجريده من هاتفه النقال قاومه، لذلك عرضه للضرب والجرح بالسلاح الأبيض، فمن خلال هذا الحكم يتضح أن للحدث سوابق في ارتكاب جرائم السرقة لذا ارتأت المحكمة نظرا لظروفه وشخصيته ، ونظرا لطبيعة أفعاله الحكم عليه بعقوبة حبسية نافذة .
   وبالإضافة إلى حالات العود نجد أيضا الأحداث الذين يقترفون الأفعال الإجرامية قبل بلوغهم سن الرشد الجنائي بقليل ، ويتبين أن أوليائهم غير قادرين على تربيتهم  ، وأن عملية الاصلاح داخل المراكز لا تكون مجدية نتيجة لاقتراب التاريخ الذي يبلغ فيه الحدث سن 18 سنة [12].
  ويعتمد القاضي في تقديره لمدى ملاءمة العقوبة لشخصية الحدث الجانح على البحث الاجتماعي والبحث الطبي،اللذان يكونان ملف شخصية الحدث . وبالتالي فإن معيار شخصيته بالنسبة للقاضي هو الأساس في تقدير العقوبة الملائمة ، وهذا ما ذهب اليه الفقه الفرنسي حيث اعتبر أن ملاءمة توقيع العقوبة على الحدث دون التدبير ، يجب ألا يقتصر على العناصر المكونة للجريمة وإنما على المتهم نفسه. إلا أن هذا لا يستبعد بصفة مطلقة لنظرية الخطورة الإجرامية بل تبقى حاضرة ولو بصفة استثنائية   ، وتتضح للقاضي من خلال مجموعة من العناصر والتي من بينها طبيعة الفعل والوسائل المستعملة فيه  ، وغايته ووقت وقوعه وأيضا جسامة الضرر أو الخطر الناتج عن الفعل ومدى القصد الجنائي سواء كان عمديا أو غير عمدي .[13] وهذا ما يتضح لنا من خلال قرار صادر عن محكمة الاستئناف بفاس , ملف جنحي عدد 42/11 أحداث, حيث توبع الحدث بجناية السرقة الموصوفة بظرفي الكسر والتعدد طبقا للفصل 509 من ق. ج , وبعد الاستماع للحدث وبالإضافة إلى حالة التلبس التي ضبط عليها من طرف الضابطة القضائية وبحوزته المسروق ، ونظرا لخطورة الأفعال المرتكبة قررت المحكمة عدم استبدال العقوبة الحبسية  بأي تدبير  ، وبعد المداولة بشأن تمتيع الحدث بظروف التخفيف اعتبارا لظروفه الشخصية والاجتماعية  ، حكمت عليه بسنة واحدة حبسا نافذا وتحميله الصائر دون اجبار. فمن خلال هذا القرار يتبين أن الخطورة الإجرامية  تقاس بجسامة الجريمة والكيفية التي يلجأ اليها الجاني لتنفيذ فعله، وتحديد درجة جسامة الجريمة يرتبط ارتباطا وثيقا بفكرة الخطورة الإجرامية لأنها تعتبر معيارا أساسيا يرتكز عليه القاضي لتقدير العقوبة حسب ما يتضح له[14].
ويمكن القول إن اللجوء الى العقوبة لا يتم إلا بعد التحقق من قدرة الحدث على الاستفادة من العقاب ، أي اكتسابه ما يسمى بالأهلية العقابية وذلك مراعاة لمصلحة الحدث الفضلى والتي لا يجب أيضا أن تتعارض مع المصلحة العامة للمجتمع ، والمتمثلة في الوقاية من الجريمة وردع مرتكبيها .

المطلب الثاني : معايير قاضي الأحداث في تحديد للعقوبة

       بعد اقتناع قاضي الأحداث أن الحدث يستحق العقوبة، يبقى عليه اختيار العقوبة الملائمة وذلك حسب الجريمة وتبعا لشخصية الحدث وحالته النفسية والصحية و الاجتماعية، ولهذا أعطى المشرع المغربي لقاضي الأحداث سلطة واسعة لتحديد العقوبة بين حديها الأقصى والأدنى وتطبيق قاعدة تفريد العقاب مع مراعاة المواد 482 و 493 ق. ج. م. وعليه أن يختار ما يراه مناسبا للوقائع المعروضة عليه ومصلحا ومؤهلا للحدث، لإعادة إدماجه من جديد في المجتمع وفي الحياة العادية ، وذلك بخلاف قاضي الرشداء الذي قد تضيق سلطته التقديرية في حالة النص على العقوبة الوحيدة (الاعدام) أو العقوبة ذات الحد الواحد (السجن المؤبد أو لمدة 30 سنة )  . فقاضي الأحداث له سلطة واسعة وغير مقيد بمثل هذه العقوبات شرط أن يعلل اختياره للعقوبة المناسبة وإلا تعرض إجراءه للنقض  ، حيث يمكنه الخروج عن حدي العقوبة إما بالصعود أو النزول أي أن يتجاوز الحد الأقصى للعقوبة دون أن تتجاوز  في جميع الأحوال 15 سنة أو النزول بكثير عن الحد الأدنى للعقوبة .[15]
فالنزول عن الحد الأدنى للعقوبة يجب أن يكون لظروف أخرى غير منصوص عليها في القانون ، وهي ظروف يكتشفها قاضي الأحداث بعد دراسته لملف النازلة، وهي شخصية الحدث وظروفه واضطلاعه على  وقائع الجريمة ، وهذه الظروف المخففة تعتبر ظروف قضائية وليست قانونية  ، باعتبارها تستند إلى شخصية الحدث أكثر من استنادها الى الأفعال الاجرامية المرتكبة ، وليس للقاضي أي قيد في النزول على الحد الأدنى للعقوبة الا أنه يبين الأسباب التي دفعته لذلك وجعلته يخفض العقوبة ، كما أن التخفيف أيضا باستبدال العقوبة المقررة بعقوبة أخف كأن يعوض القاضي عقوبة الحبس بعقوبة الغرامة أو يحكم بعقوبة موقوفة التنفيذ الفصل 146 ق. ج. م, وهذا ما يتضح لنا من خلال القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بمكناس بتاريخ 25 مارس 2009 في قرار رقم 06 وقضية رقم 127/08, حيث نجد أن المحكمة متعت الحدث بظروف التخفيف نظرا لظروفه الاجتماعية كما ارتأت جعل العقوبة المحكوم بها موقوفة التنفيذ نظرا لعدم سوابقه وتطبيقا للمواد 490 وإلى 493 من ق م ج ,والفصل 510 من ق ج م , وذلك بعد متابعته بجناية السرقة الموصوفة بظرف العنف المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصل 510 من القانون الجنائي .[16]
وبالإضافة الى ظروف التخفيف القضائية نجد أيضا أن المشرع المغربي أجاز الجمع بين عذر صغر السن وذلك بمقتضى الفصل  161 ق ج, وذلك باعطائه الصلاحية للقاضي عند تحديد العقوبة أن يراعي توافر الأعذار القانونية المتعلقة بالجريمة وأن يراعي في مرحلة أخيرة الظروف القضائية المخفضة.[17]
    وخلاصة القول لما سبق يمكن القول ان الحدث يستفيذ من الأعذار المخففة كمبدأ عام (كحالة الاستفزاز الفصل 410 ق ج ..., ومن عذر صغر السن  (المادة 482 و 493 ق م ج ) ثم من ظروف التخفيف إذا  ارتأى قاضي الأحداث تمتيعه بها .  ويجب عليه تعليل الحكم أو القرار الصادر في حق الحدث وذلك بهدف حماية مصلحته الفضلى من جهة وعدم تعسف المحكمة في إصدار حكم لا يلائم شخصيته من جهة ثانية [18].
  ويبقى في الأخير الاشارة إلى أن استبدال قاضي الأحداث العقوبة السالبة للحرية بعقوبة بديلة كوقف التنفيذ ، أحسن وسيلة لتجنيب الحدث مثل هذه العقوبات وخاصة القصيرة ويعتبر حلا بديلا لدخوله السجن وسلب حريته،  وما قد يتعرض له داخل هذه المراكز، والتي قد تكون السبب في احترافه  للجريمة  .
 
خـــــاتــــــــمـــــــــــة: 

   مراعاة بالأساس للوضعية المتميزة للحدث كرأسمال إنساني ثمين و قابل مبدئيا لإمكانية إعادة التكييف و التقويم ، ومن ثمة فإنه ينبغي التعامل معه بأقصى ما يمكن من العناية و من المرونة.وهذا ما لحضناه من خلال قراءة متأنية للمستجدات التي أوردها المشرع المغربي في موضوع عدالة الأحداث الجانحين، حيث يلاحـظ أنها تستند إلى تصور فلسفي يأخذ من القيـم الكـبرى لحقـوق الإنسان و ينظر للحدث الـجــانح من زاوية جديدة تماما من حيث الحقوق التي يتعين عــليه التمتع بهـا و الضمـانات الموضوعية و المسطرية المطلوبة في قضـاء الأحــداث ، و كذا التدابير المرافـقـة و المصاحبة على مستويات العلاج و التهذيب فضلا عن تأسيسها لموضوع التخطيط لمعالجة الظاهرة، ولا يبقى إلا التطبيق الفعلي لهذه النصوص على أرض الواقع .
 
لائحة المصادر و المراجع
 
المصادر :
  • القران الكريم
  • قانون المسطرة الجنائية
  • مجموعة القانون الجنائي المغربي
  • اتفاقية حقوق الطفل 1989
مراجع عامة
كتب :
  • علي محمد جعفر, العقوبة و التدابير و اساليب تنفيذها, سنة 1988
  • أحمد الخمليشي ,شرح القانون الجنائي العام , ط 3, سنة 1989
  • احمد ابن علي القيومي  "" المصباح المنير "", القاهرة , سنة 2000
  • محمود طلعت عيسى, الرعاية الاجتماعية للاحداث المنحرفين ,بدون سنة
  • حسن محمد ربيع : "الجوانب الاجرائية لانحراف الاحداث وحالات تعرضهم للخطر "دراسة مقارنة ,دار النهضة العربية القاهرة,طبعة اولى 1991
  • لطيفة المهداني , "حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء ", دار النشر طوب بريس , الرباط , الطبعة الأولى , سنة   2007                                                                   
 
المجلات :
 
  • المجلة المغربية للطفل والأسرة.مقال منشور باسم,فيصل الابراهيمي,تحت عنوان"السلطة التقديرية لقاضي الاحداث ",عدد 1,سنة2010
الرسائل:
 
  • فيصل الإبراهيمي:السلطة التقديرية لقاضي الأحداث بين التدابير والعقوبة "بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة "وحدة التكوين "قضاء الاحداث "سنة 2007-2008 فاس
  • عبد الاله  الرحماني , "توقيع العقوبة السالبة للحرية على الحدث الجانح " رسالة لنيل د, د, ع المتخصصة في القانون الخاص , كلية الحقوق فاس, سنة 2008
 
 
الهوامش

[1]    علي محمد جعفر, العقوبة و التدابير و اساليب تنفيذها, سنة 1988 ,ص 5
[2]   أحمد الخمليشي ,شرح القانون الجنائي العام , ط 3, سنة 1989, ص 95
[3]   احمد ابن علي القيومي  "" المصباح المنير "", القاهرة , سنة 2000 , ص 78
[4]   )سورة غافر الاية 67
[5]  ) المادة الاولى من اتفاقية حقوق الطفل 1989
[6]  )محمود طلعت عيسى, الرعاية الاجتماعية للاحداث المنحرفين ,بدون سنة  ,ص6 -7
[7] كان اول من نبه بفحص الشخصية كل من لومبروزو وفيري.لكن هدا التنبيه لم يكن ينظر الى المجرم بوصفه كائنا اجتماعيا وإنما كان يعامله بوصفه كائنا بيولوجيا نسبيا لا يملك حرية الاختيار,اما حركة الدفاع الاجتماعي فتعتبر فحص الشخصية حجر الزاوية لان الجاني هو عضو في المجتمع يحتاج الى تأهيله اجتماعيا.انظر المجلة العربية للدفاع الاجتماعي عدد 21,ص 56
[8]فيصل الإبراهيمي:السلطة التقديرية لقاضي الأحداث بين التدابير والعقوبة "بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة "وحدة التكوين "قضاء الاحداث "سنة 2007-2008 فاس ,ص33-34
1حسن محمد ربيع : "الجوانب الاجرائية لانحراف الاحداث وحالات تعرضهم للخطر "دراسة مقارنة ,دار النهضة العربية القاهرة,طبعة اولى 1991,ص 655
2فيصل الإبراهيمي,مرجع سابق,ص:35-36
1المجلة المغربية للطفل والأسرة.مقال منشور باسم,فيصل الابراهيمي,تحت عنوان"السلطة التقديرية لقاضي الاحداث ",عدد 1,سنة2010,ص,154-155
[12]   فيصل ابراهيم , مرجع سابق , ص 46
[13]  فيصل البراهيمي  مرجع سابق , ص 159.
[14]  لطيفة المهداني , "حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء ", دار النشر طوب بريس , الرباط , الطبعة الأولى , سنة   2007 , ص                                                                  128   
[15]  فيصل الابراهيمي , مرجع سابق , ص 52
.
[17]  فيصل الابراهيمي , مرجع سابق , ص 54
[18]   عبد الاله  الرحماني , "توقيع العقوبة السالبة للحرية على الحدث الجانح " رسالة لنيل د, د, ع المتخصصة في القانون الخاص , كلية الحقوق فاس, سنة 2008, ص 26

عن موقع marocdroit

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم