الثلاثاء، 6 أغسطس 2013

التطور العلمي لحقول دراسات المرأة في العالم العربي



التطور العلمي لحقول دراسات المرأة في العالم العربي


 د.عائشة التايب  (*)

المقدمة
من فرط ما قد نقرأ ونسمع ونشاهد من أعمال وكتابات وبحوث ودراسات وبرامج حول المرأة يتبادر الى أذهان البعض أن موضوع المرأة من المواضيع هيّنة التناول والخوض، إلا أنه وبالغوص في عمق هذا الموضوع وثناياه يكتشف الباحث أن الظاهرة النسائيّة تظل من أعسر الظواهر تناولا بالدراسة، نظرا لما تتميّز به من تعقيد ، فهي مبحث تتداخل فيه جملة من العوامل وتتقاطع ضمنه مجموعة من المستويات المتعلقة بجوانب التاريخ والاجتماع والسياسة والاقتصاد والدين، مما يجعلها تشكّل ظاهرة اجتماعية كليّة، على حد اعتبار مارسال موس [Marcel Mauss ] ، تتقاطع فيها جملة تلك المستويات الآنفة الذكر بشكل يعسر  معه مقاربتها من زاوية دون أخرى. وتبعا لذلك فإن مشكل الحياد العلمي يطرح نفسه بحدة في أغلب الدراسات المتناولة للمرأة الى حدّ تعسر ضمنه عملية فصل الذات عن الموضوع التي تمثّل قوام الموضوعية في أي بحث علمي.
         وبغضّ النظر عن الجدل الذي أثارته وتثيره إشكاليات فصل الذات عن الموضوع في دراسة الظاهرة الاجتماعية في علم الاجتماع[1] ([2]) ،وعن المواقف المتباعد ة من إشكاليّة الحياد واعتبارها ضرورة من قبل بعض علماء الاجتماع ونفي أهميتها من طرف آخرين، يمكن القول أن البحث في موضوع المرأة بحث قلّما ما يُوفّق خائضه في الفصل بين واقع ظاهرة يريد درسها وبين مواقفه الخاصة وآرائه الشخصية والإيديولوجية من تلك الظاهرة.
         وبالتأمل في عدد من البحوث والدراسات المنجزة والمقالات المكتوبة حول المرأة، يكتشف المرء بيسر التحيّز وعدم الحياد، الواعي أو ربما غير الواعي، الذي يكتنف عددا منها، والذي غالبا ما ينتهي بالباحث في موضوع من المواضيع المتصلة بالمرأة للحكم لها أو عليها، وتقديم رؤية تصنّف البحث وصاحبه مع المرأة أو ضدّها، وكيفما كان الأمر فكثيرا ما تكون المبالغة والتحمّس طاغية على الموقفين إلى حدّ تضيع فيه حدود الموضوعيّة والتناول النزيه.
         هكذا يظلّ موضوع المرأة، إن جاز استعمال اللفظ في صيغته المفردة، مبحثا مترامي الأطراف ممتدا لأكثر من حقل من حقول الواقع والمعرفة المبنية عليه، حتى أن المرء لا يكاد يقف على مبحث من مباحث العلوم الإنسانية والاجتماعية على وجه الخصوص إلآ ويجد للمرأة حضورا فيه. إن هذا الامتداد المرتبط بتنوّع القضايا والمسائل المتعلقة بالمرأة سواء كجنس بشري في ذاته أو في جملة علاقاته بالجنس الآخر وبالمجتمع عموما، جعل منها موضوع بحث إشكالي اختلفت زوايا النظر له باختلاف الناظرين والمحللين والدارسين، وتعددت حوله الأطروحات بتعدد المدارس الفكرية وتنوع التيارات الإيديولوجية للمتناولين للموضوع، وهو ما ساهم في إنتاج لوحة فكريّة فسيفسائيّة من المقاربات والرؤى والأفكار والمواقف حول المرأة ومجمل قضاياها.
         وسنحاول من خلال هذه الورقة الوقوف على البعض من تلك الأطروحات والأفكار التي اجتهدت في مقاربة الظاهرة النسائيّة، والوقوف عند بعض المحطّات المركزية لمسار التطور التاريخي والفكري لدراسة موضوع المرأة، محاولين قبل ذلك قراءة بعض المواقف المجتمعيّة من المرأة انطلاقا من الحفر في بعض مدونات المأثور المجتمعي الشعبي باعتبارها وجها آخر من وجوه النظر للمرأة.

المجتمع والمرأة: المواقف والصور النمطيّة 
يظل موضوع المرأة كما أسلفنا من المسائل الشائكة والمواضيع الفخ التي قلّما يتجرّد فيها قلم الباحث من جملة من الرؤى والمواقف الشخصيّة التي تطبع التناول للموضوع. وتعد مراعاة هذا الانشطار في المواقف الشخصيّة من المرأة بين مناصر و مناهض، سواء في مستوى عامة شرائح المجتمع أو في مستوى الباحثين والدارسين والكتاب حول المرأة، زاوية نظر أساسيّة جديرة بالاهتمام.
         وقد مثلت المواقف الشخصيّة من المرأة عبر مختلف حقب التــاريخ             ولا تزال محرّكا رئيسيّا يفعل فعله في الباحث والمثقف والسياسي بشكل عام رجلا كان أو امرأة فتجعل منه إما داعما لقضايا المرأة أو معارضا لها، ولا ريب في أن المواقف الشخصيّة إزاء قضايا المرأة وتبنّي النضال من أجلها أو معارضتها، ساهمت إلى حدّ كبير في تبلور مسار التطور التاريخي للحقول الدراسية في هذا الاتجاه وظهور المرأة كموضوع بحث أساسي في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

1- الصور النمطيّة المتضاربة للمرأة ودلالتها الاجتماعية
         إن محاولة الحفر في بعض ثنايا الذاكرة الجماعيّة تعدّ زاوية نظر مختلفة يمكن من خلالها مقاربة بعض الجوانب المتصلة بالمرأة، وهي مقاربة للموضوع تبدو على قدر كبير من الأهميّة، بما أنها غوص في ما تحمله هذه الذاكرة من تجسّدات وإفرازات تعبّر من خلالها بشكل مختلف عن مواقف ورؤى وتصورات من المرأة قد تبدو لا قيمة لها في حين أنها على قدر كبير من الفعالية بما أنها  شئنا أم أبينا تفعل فعلها فينا ونشُبُ على سماع البعض منها، إلى حد تتحوّل فيه بعض تلك الأمثال والقصص نبراسا يهتدي به الفاعل الاجتماعي في بعض المواقف العسيرة التي يُلتمس ويُستجدي فيه النصح .
         وتكمن الأهمية السوسيولوجيّة للأمثال والأقوال الشعبيّة وغيرها من المأثورات في أنها التعبير والإفراز التلقائي والعفوي الذي يعكس بكل وضوح ما ترشح به نفوس الأفراد وشخصيّة المجتمع الأساسيّة من مواقف تجاه المرأة، تجهر بها الذاكرة الجماعية مجتازة كل المعيقات والمكبّلات التي قد تحجب في سياقات أخرى مثل تلك التصورات والرؤى ومختلف أشكال التعبير فردية كانت أو جماعية.
         ولن ندّعي عبر هذا الحيّز الضيّق مقاربة مختلف تلك الجوانب و ما ترشح به الذّاكرة، ولكنّنا سنحاول التطرّق الى بعض تلك العناصر بشكل عام بهدف الوقوف على بعض الصّور النمطيّة التي افرزتها ذاكرة المجتمع حول المرأة، وارتباط تلك الصّور باختلاف أدوار المرأة ومواقعها المجتمعيّة، علّنا بذلك نصل إلى إبراز طبيعة العلاقة بين المرأة ككائن وكجنس بشريّ والوقوف على مختلف الأدوار الاجتماعيّة المتنوعة التي تلعبها في المجتمع. 

1- 1 :الذاكرة الجماعية وصورة المرأة المشرقة:
         إن الحفر في أعماق ما يترسّب في ذاكرتنا الجماعية من أمثال وأقوال ومأثورات حول المرأة يجعلنا نكتشف إن جانبا مهمّا منها يرسم للمرأة صورة ناصعة البياض، حيث ينسج المجتمع في بعض خطابه الشفوي حول المرأة أبعادا وتجليات ايجابيّة ترشح بها تلك الصورة المشرقة ذات الأركان البارزة والإطار المذهّب ذي البريق الأخّاذ، فتظهر المرأة ضمن البعض من إفرازات المجتمع القوليّة مثالا للحب والوداعة والسّكن والمودّة والرحمة، فهي الحبيبة الغالية ورفيق الدرب وسرّ النجاح وهي "نصف الدين" والأم الحنون والأخت الرحيمة والجدة الغالية والخالة الطيبة بل والملاك المخلّص الذي نستقوي به زمن الشدائد. ومما لا شك فيه ان هذه الصورة المجتمعيّة المشرقة للمرأة التي تجسّدها الكثير من أمثالنا العامية وأهازيجنا وحكاياتنا تتقاطع إلى حدّ كبير مع ملامح صورة ترسمها لها عديد الروايات والقصص والقصائد العربيّة المكتوبة.
         ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الصورة المشرقة للمرأة التي تنسجها بعض أركان مأثورنا الشعبي غالبا ما ترتبط  بالمرأة في مواقع وادوار اجتماعية معينة، فهي في أحيان عديدة، خاصة في مستوى الحِكم والأمثال الشعبية،  تُرسم  في ارتباط مباشر بمكانة وبموقع ما تحتله المرأة في المجتمع، إذ أن الذاكرة الجماعية عندما تتحدّث عن المرأة في أبعادها الايجابية غالبا ما تتجنّب التعميم متحدثة عن صنف معيّن من النّساء ، ولعل مثال المرأة في دور الأم أبرز نموذج مجسّد لذلك، حيث لا نكاد نجد مثلا شعبيّا واحدا من الأمثال الأكثر تداولا يشكِّك في نُبل المرأة الأم أو يشوّه صورة المرأة المتقمّصة لهذا الدور البيولوجي والاجتماعي.
 ويمكن الجزم بأن ذاكرة المجتمع لم تنسج صورة للمرأة أبدع وأجمل من صورتها في دور الأم، حتى أنها أضحت تحمل أكثر من رمز وأكثر من دلالة متجاوزة أبعاد وحدود الدور المعهود لينسحب على كل ما يُراد وصفه بالعطاء والسخاء مثل الوطن والموطن والأرض والدولة والأمّة. ولا يمثّل نموذج دور الأم المثل الوحيد في العلاقة بين صفاء صورة المرأة في المأثور الشعبي وبين الدور الذي تلعبه في هذا الاتجاه، بل يتجسّد كذلك في بعض الأمثلة التي تظهر فيها المرأة بحكم دورها الاجتماعي في أبهى الصور من ذلك صورة المرأة الطبيبة والمرأة الممرّضة والمرأة الحبيبة والمعشوقة، وتتكرّم الذاكرة على المرأة في مثل هذه الأدوار بأجمل وأبهى الأوصاف.

1-2 الذاكرة الجماعية والصورة المشوّشة
         بالتوازي مع كل ما تنسجه ذاكرة المجتمع عبر إفرازاتها القولية من معاني ايجابية تجاه المرأة والبعض من أدوارها الاجتماعية، نجد في مقابل تلك الصورة المشرقة صورة أخرى تنسج في اتجاه مخالف للاتجاه الأول مشحونة بكل معاني السلبيّة والعداء للمرأة.
         والأمثلة على ذلك عديدة سواء في الروايات والقصص والحكايات الشعبية أو في مستوى الأمثال والحكم، حيث يتم تصوير المرأة وإخراجها في شكل أفعى وعقرب وذئب وما إلى ذلك من صور التشبيه بالحيوانات السامة والمعروفة بدهائها وحيلها أو ببعض النباتات البريّة الموصوفة بالشدّة والغلظة.
         ومن الملفت للانتباه انه على عكس نزعة التخصيص المتجسدة في بعض أركان مدونات المأثور الشعبي، خاصة في المحمول الرمزي ذي الأبعاد الايجابية لصورة المرأة في بعض الأدوار الاجتماعية كدور الأم على سبيل المثال ، تتميز صورة المرأة المشوّشة في هذا المأثور بنزعة تعميم غالبا ما تنطق عن المرأة وكأنها كلّ لا يتجزأ، إذ تميل بعض الأمثال إلى الحديث عنها في المطلق دون ربطها في الغالب بدور اجتماعي معين كدور الأم أو الأخت مثلا وقد يبقى الاستثناء الأساسي في نزعة التعميم التي يتخذها المأثور في تشكيله للصورة السلبية للمرأة متميّزا ببعض التخصيص وذلك عند تجسيد الخيانة وعدم الوفاء وربطه بالمرأة الحبيبة أو الخليلة الخائنة. 
         ومما تجدر الإشارة إليه أن المقارنة بين وجهتي مدونات المأثور الشعبي نحو المرأة أي الوجهة ذات الشحنات الايجابية والوجهة ذات الأبعاد السلبيّة قد لا تستقيم ، فيما نعلم ، بحكم اتساع وامتداد ما رشحت وترشح به الذاكرة الجماعية من قصص وروايات وأغان وأمثال. وبالرغم من أن الحُكم أو تقدير نسبة كل وجهة بالنسبة للأخرى قد يعدّ اعتباطيّا فإنه بالإمكان القول انطلاقا مما يتواتر سماعه وترديده في بعض الأوساط وضمن بعض الشرائح الاجتماعية، أن نزعة المأثور نحو تجسيد الأبعاد السلبيّة للمرأة تبدو النزعة الأكثر بروزا ووضوحا، كما يبدو واضحا أن هذه النزعة تتكرّس من يوم لآخر بحكم عوامل عديدة قد تعود أساسا لنمط الحياة المعاصرة الذي فرض فرصا أكثر لتواجد المرأة في فضاءات عديدة كان ولوجها محجّرا عليها في السابق  فضلا عن اعتلائها مراتب ومناصب ومواقع  ربما كان من المفترض في رأي البعض أن لا تتواجد فيها، وهو ما نمّى من نزعة المعاداة والحقد لدى البعض على المرأة والتهكّم منها أحيانا بشكل أو بآخر كما يتجلى ذلك في أغلب ما يستجد من نُكت ونوادر وقصص وأغان شعبية .      
         إن هذه المحاولة العابرة لاستنطاق بعض ما ترشح به ذاكرة المجتمع من مدلولات رمزية عبر الصور التي تنتجها حول المرأة انطلاقا من بعض أشكال المأثور الشعبي وإفرازاته القوليّة الأكثر تداولا في المجتمع، أفضت إلى إبراز صورتين نمطيتين تجسّد كل واحدة منها موقفا مجتمعيّا من المرأة أحدهما سلبي تمثّله تلك الأمثال والحكم والقصص المحقّرة للمرأة ولشأنها في المجتمع، والمبرزة لخطاياها ولسوء نواياها، في حين يُعلي الاتجاه الثاني من قيمة المرأة ومن شأنها وأهمّيتها. وقد تم التأكيد على تلك النزعة التعميميّة التي تتبناها الذاكرة الجماعية وبعض إفرازاتها الشعبية عند محاولات إبرازها للأبعاد السلبية في المرأة، فتأتي الصور- خاصة في مستوى الأمثال - مجسّدة بشكل مطلق يتناول المرأة والنساء بشكل معمّم ،  في حين تنزع نفس هذه الذاكرة إلى التخصيص عند الحديث عن الأبعاد الايجابيّة للمرأة، حيث تصرّ في السياق الايجابي إلى التخلّص من شوائب التعميم والحديث المطلق فتُربط المرأة ضمن تلك الصورة المشرقة بأدوار اجتماعيّة معينة تلعبها في المجتمع كما هو الحال في مثال دور الأم .
         ان المقابلة بين هذين الوجهتين والموقفين المتناقضين من المرأة في خضم ذاكرة المجتمع، وربطهما بنزعتي التخصيص والتعميم قد يحيلنا إلى أمر قد يبدو غريبا ونأمل أن لا يكون حكما على هذه الذاكرة التي تراءت لنا، وكأن لسان حالها،عبر مقابلة الايجابي بالتخصيص والسلبي بالتعميم ، يطمح للقول بان السلبي في المرأة هو القاعدة والأساس و الايجابي فيها هو الاستثناء!!.
         وهو ما يحيلنا من الحديث عن الذاكرة وتقابل موقفيها من المرأة إلى التأكيد على ذلك التمركز المزدوج لمختلف المواقف من المرأة في ذوات مختلف أفراد المجتمع ذكورا كانوا أو إناثا، فيصبح بذلك الفصل بين موقفين مجتمعيين من المرأة أحدهما مناصر لها وآخر معاد ، فصلا منهجيا لا يمكن أن يتجسّد على أرض الواقع إلاّ بشكل نسبي، ورغم التناقض التام الذي قد يبدو بين الموقفين فإن تموضعهما معا وتلازمهما في ذواتنا يظلّ هو الأساس. فمن منّا ، ذكرا كان أم أنثى، لم يثُر يوما ساخطا على امرأة ما في موضع ما، بدت له امرأة غير مناسبة في المكان الذي تبوأه، ومن منّا في لحظة غضب عنيفة لم يلعن امرأة عكّرت مزاجه في فضاء ما، خاصّا كان أو عامّا . وبنفس حجم ذلك الانفعال أو ربّما بوتيرة أقوى، من منّا لم يعشق يوما امرأة ممجدا خصالها  صديقة كانت أو زميلة أو حبيبة أو زوجة أو أمَّا . ومن منا لم يجد نفسه يوما بين هذا وذاك ساخطا ومحبّا، ثائرا ومستجيبا يلعن ويمجّد المرأة في مختلف صورها وتجسّداتها الاجتماعية.
         ان تلازم تلك المواقف المتنافرة وتموضعها في ذواتنا في نفس الحين، قد يبدو مثيرا للاستغراب وقد يتراءى ويفسّر على أنه تناقض أو ازدواجيّة تجاه المرأة، ولكنه على العكس من ذلك محصّلة ما يُنحت عبر ثقافة المجتمع وقيمه ليخلق نوعا من السلوك والمشاعر تجاه المرأة الإنسان التي هي عصارة مزيح من الخير والشرَ والحبَ والكره وخلاصة جملة من الانفعالات والسلوكات والمشاعر المتولدة عن جملة من القيم  المستبطنة التي قد تروق للبعض في حين يستهجنها البعض الآخر .  

التطور التاريخي للدراسات حول المرأة
1- تأخر التساؤل العلمي حول المرأة
لقد بقيت محاولات الكتابة في المواضيع المتصلة بالمرأة محاولات محتشمة ونادرة إلى وقت غير بعيد، وبالرغم من أن أولى تلك المحاولات ظهرت في تواريخ متقدمة نسبيّة إذ تعود بعض الكتابات المناصرة لقضايا المرأة والمنادية بالمساواة بين الجنسين في أوروبا إلى مطلع القرن الخامس عشر للميلاد ([3]) فإن عملية التفكير والبحث العلمي في قضايا المرأة وفي علاقتها بالرجل ظلت معطّلة بحكم عدم طرحهما كموضوع إشكالي إلى فترة متأخرة من تاريخ العلوم مما تسبب في شبه غياب لمبحث المرأة من دوائر الجدل العلمي والنقاش المجتمعي بشكل عام.
         وبالرغم من الاهتمام المبكِر للعلوم الإنسانية والاجتماعية وعلم الاجتماع تحديدا بقضايا اجتماعية حسّاسة متّصلة بشرائح اجتماعية معينة مثل الطبقات العمالية وشرائح المهمّشين والمقصيين في المجتمعات الحديثة والمعاصرة، فقد ظل الخوض في قضايا المرأة والظاهرة النسائية بشكل أعم موضوعا لم تجرأ العلوم الإنسانية على خوضه إلاّ مؤخرا. وتبعا لذلك فقد اتسمت الظاهرة النسائية بنوع من التهميش العلمي والبحثي في جل فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية أمام تكثّف الاهتمام بظواهر وإشكاليات مجتمعية أخرى.
ويُعدّ بروز أولى التحركات النسويّة مع بدايات الحداثة الأوروبيّة المحرك التاريخي الأساسي والمثير الأبرز الذي حوّل الأنظار تجاه قضايا النساء، وسوف يكون لتلك التحرّكات التي تطورت تدريجيّا وتوسّع مداها على نطاق عالمي الفضل في شدّ انتباه السّاسة والمفكّرين والباحثين وإعلاء صوت المرأة كصوت اعتبر إلى حد تلك المرحلة صوتا ملجّما ومكتوما.

2- ظهور الحركات النسويّة الغربيّة وتصاعد أصوات النساء
بدأت بعض الأصوات النسائية الأوروبيّة المنادية بالمساواة مع الرجل في البروز والتعالي منذ أوائل عصر الثورة الصناعية، وقد مثلّت تلك الأصوات بدايات مساعي لفت الأنظار صوب ما كانت تتعرض له المرأة في المجتمعات الغربيّة آنذاك من ضيم وجور، إلا أن مختلف تلك النداءات والمساعي لم تتحول إلى حركة اجتماعية احتجاجيّة ولم تتخذ شكل التعبير المنظّم الاّ مع القرن التاسع عشر، حيث برزت أولى الحركات النسويّة المهيكلة حول مبادئ تحرير المرأة والمطالبة بمنحها جميع حقوقها المدنيّة والاجتماعيّة، وسوف تشهد هذه الحركات مستوى أعلى من التنظيم خلال القرن العشرين، والذي سوف يمثّل مهد احتجاجات نسوية ذات أشكال من التعبير أكثر حدّة ومطالبة أشد ضراوة وراديكاليّة.    
         ويمكن القول أنّ حصر ولادة المطالبات النسائيّة المنظمة يعود إلى الفرنسيّة هبرتين اكلارك [ Hubertine Auclert ] التي قامت سنة 1881 بإحياء مصطلح النسويّة ([4] )[ Féminisme ] ومنحته معاني المطالبة بحقوق النساء والاستماتة من اجل الدفاع عن ذلك، كما كانت من أوائل الذين تمكّنوا من تعبئة النساء وإخراج أولى الأفواج النسائيّة  الغاضبة والمحتجة على أوضاعها  إلى شوارع باريس للمطالبة بحقها ، تماما كالرجال، في الانتخاب وولوج صفوف الجيش والحرس الوطني. وهو ما خوّل للحركات النسويّة الفرنسيّة تدريجيّا من الظهور والنموّ من خلال تزايد عدد المناضلات في صفوفها، بفضل ما عرفته من مساندة ودعم من قبل بعض الرّجال وخاصة من لدن بعض الفلاسفة والمفكرين الذين أيّدوا تلك الحركات بالرغم من كثرة المعارضين لها، والذين اعتبروا في تعالي أصوات النساء وفي مطالبهن الاحتجاجية نوعا من الثورة على طبيعة الحياة ومسارها الاعتيادي.
         ومع مطلع القرن العشرين انبثق عن تطور تلك الحركة النسويّة ظهور توجهين أساسين اختلفت مقارباتهما النضالية لفائدة المرأة وتباعدت بينهما أشكال الاحتجاج والتعبير وفحوى المطالبات. وقد انسحبت سمة المطالبة النسويّة البورجوازيّة ذات المنحى الإصلاحي على التوجه الأوّل، في حين اعتبر التوجه الثاني ذا نزعة اشتراكيّة وذا صبغة أكثر أصوليّة وثوريّة.

2-1 الحركة النسويّة والتوجهات الإصلاحية
اعتبرت الحركة النسوية الناشئة في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر من أهم الحركات الاجتماعية التي أنتجتها الحداثة الأوروبيّة عبر مختلف ما حملته من تحولات جذرية وهيكليّة في صلب المجتمعات الأوروبية، بما أن تعالي أصوات تلك الحركة مثّل ردة فعل نسائية وتعبير معلن عن رغبتهن في الحضور الفاعل في صلب مجتمع الحداثة الجديد.
         وقد انطلقت الموجة الأولى من حركة النساء الاحتجاجية في فرنسا من التأكيد على مفارقة غياب حقوق النساء في بلد أشهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولقد توفـّقت الحركة في حسن توظيف هذه المفارقة في مطالبها، حيث سيطر على أغلب نشاطها التأكيد على قصور مسارات الحداثة الفرنسيّة التي تبنت مبادئ الثورة وارتكزت على أسس فلسفة الأنوار وشهدت إعلان المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في الوقت الذي تُحرم فيه المرأة الفرنسيّة من أبسط حقوقها السياسية والمدنيّة.
         ومما لا شك فيه أن الطابع السياسي كان المسيطر الأبرز على جلّ المطالبات النسويّة خلال هذه الحقبة، وقد عملت أغلب التظاهرات وأشكال التعبير الاحتجاجي خلال النصف الأول من القرن العشرين على التركيز على جملة من المطالب السياسية كالمناداة بحق النساء في الانتخاب وإبداء رأيهن في عمليات تسيير هياكل الدولة والمجتمع، فضلا عن المطالبة ببعض الحقوق المدنية والاقتصادية للمرأة والعمل على إخراجها من بوتقة القصور القانوني التي يضعها فيه القانون الفرنسي تحت تصرّف الزوج والأب. كما ذهبت بعض الأصوات النسائيّة للمطالبة بحق المرأة  في التعليم والطلاق والتصرّف في الممتلكات الشخصية الى جانب المناداة بتحسين أوضاع المرأة العاملة، والعمل على مزيد إدماجها في الفضاء العام وتعزيز مشاركتها في المجتمع.
         اعتبرت هذه الموجة الأولى من الاحتجاجات النسائيّة بمثابة موجة إصلاحية توفيقيّة بما أنها لم تشكّل ثورة عارمة في وجه أوضاع المرأة ومواقعها في المجتمع، ولم تقطع مع مكانتها ومختلف أدوارها المجتمعيّة، حيث ظلت جلّ المطالبات الاحتجاجيّة خلال هذه المرحلة من تطوّر الحركة النسائيّة  مطالبات لم تعلن إلغاء  أدوار المرأة الاجتماعية والأسريّة، كما أنها لم تعمل على إفراغ فحوى المطالبة بتحرير المرأة من محتواها المجتمعي والإنساني، بما أنها وطّنت كل ما تمّت المناداة به ضمن وضعيّة أمومة المرأة وموقعها العائلي كزوجة وربّة بيت.
          وتبقى الشواهد التاريخيّة الدّاعمة للتوجّه المجتمعي لهذه الحركة والمكرّس للأدوار الأسريّة للمرأة عديدة كعملها على تحويل يوم 8 مارس، المُعلن منذ 1911 كيوم عالمي للمرأة إلى يوم سميّ سنة 1951 بـ " اليوم العالمي للمقاومة من أجل السلم وسعادة الأطفال" ([5])، ويبرهن ذلك على الأهميّة المعطاة من قبل هذا الجيل من الحركة النسويّة لحياة المرأة الأسريّة ودورها كأمّ وكربّة بيت، وهو ما سوف يفتقد من قائمة مطالب الجيل الثاني لهذه الحركة والتي سوف تشكـّل توجّها مختلفا عن سابقتها منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين.
   
2-2 الحركة النسويّة والنزعة الأصولية   
مثّل النصف الثاني من القرن العشرين مرحلة تاريخيّة ذات خصوصيّة اقتصادية واجتماعيّة وسياسيّة،حيث غلبت على هذه المرحلة تحوّلات مجتمعيّة كبرى مسّت دولا عديدة في العالم ، وقد عُرفت هذه المرحلة بروز ونموّ أصوات حركات احتجاجية مختلفة كحركات التحرّر الوطني  ومناهضة الاستعمار الأوروبي وتنامي التيارات الاشتراكية وتصاعد أشكال النضال العمّالي والطلابي وارتفاع الأصوات النقابيّة. 
         وضمن هذا السّياق السوسيوتاريخي ترعرعت حركة النساء الاحتجاجيّة لتعرف تناميا عدديا غير مسبوق مع مطلع السبعينات وتلج بذلك حقبة جديدة من تاريخها سوف تتكاثف ضمنها ولادة الحركات النسائية في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وسائر دول العالم رافعة شعارا مستجدّا ميّز هذه المرحلة وهو شعار "تحرير المرأة".
         وقد كان لحركة الاحتجاجات الطلابيّة في فرنسا خلال سنة 1968  والتيارات الماركسية ومدارس التحليل النفسي وكتابات الأديبة الفرنسيّة سيمون دي بوفوار[ Simone de Bouvoir ] (1908-1986) الأثر البارز في اذكاء جذوة تلك الحركة الاحتجاجيّة وأبرز روافدها الى حدّ أضحت فيه بمثابة ثقافة مضادة ([6] ) تهيكلت حول أجواء التمرّد التي أنتجها النصف الثاني من القرن العشرين. وهو ما كان له بالغ الأثر على هذه المرحلة من النضال النسوي التي سوف تتخذ وجها مختلفا اصطبغت ضمنه التحرّكات النسائيّة بجرأة غير مسبوقة، وانبثقت عنها جملة من المطالب ذات صبغة جنسانيّة قطعت جذريّا مع مطالب المرحلة الأولى من الاحتجاجات النسويّة.
          ومن زاوية نظر مختلفة لقضايا المرأة، وخارج أطر الأمومة ومكانة المرأة الاجتماعية كأمّ وزوجة، نادى الجيل الثاني من الحركات النسويّة بحقّه في التحكم في الخصوبة، وحقّه في الإجهاض رافضا كلّ الاعتبارات التي من شأنها تكريس النظرة الدونيّة للمرأة. وقد تمّت المطالبة بالحريّة المرأة الجنسيّة، وحقّ تمتّعها اللامشروط بشهواتها، كما تمّ إشهار تحدي المرأة للجنس الآخر وإعلان الرفض والاحتجاج على بطريياركيّة الرجل وهيمنته الذكوريّة من خلال المناداة بحرية تعاطي المرأة مع جسدها.
         وسوف تكتسب مطالب وشعارات الجيل الثاني من الحركات النسويّة صبغة فكريّة ونوعا من المشروعيّة عبر نشر بعض الأعمال الفكريّة والأدبيّة في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكيّة، وسوف يمثّل البعض منها مراجع رئيسية ونبراسا فكريّا للحركات النسويّة الأصوليّة في النصف الثاني من القرن العشرين.
ويعتبر كتاب "الجنس الثاني" للأديبة الفرنسية سيمون دي بوفوار Simone de Bouvoir ،المنشور بفرنسا سنة 1949 وفي الولايات المتحدة الأمريكيّة سنة 1953 أحد أهم تلك المراجع التي شكّلت محرّكا تاريخيا وفكريا ساهم في تأسيس أصوليّة الحركة النسويّة خلال تلك المرحلة، كما ساهم كذلك في تدشين مراحل التفكير وإعادة النظر في طبائع العلاقة بين الجنسين.
         وقد اجتهدت سيمون دي بوفوار ضمن كتاب "الجنس الثاني" في تحليل الأوجه السوسيولوجية والنفسية والاقتصادية لإشكالية التمييز بين الجنسين كما عملت ضمنه الى بيان انعدام وجود قدر بيولوجي أو نفسي أو اقتصادي محتوم يرسم الصورة التي تتبناها المجتمعات البشريّة للأنثى، محاولة بذلك نفي وجود طبيعة أنثويّة ما قبليّة تسوّغ التفرقة بين الجنسين. وكان هدفها في مقابل ذلك  السعي لإبراز الدور الذي تلعبه الثقافات والحضارات في صنع وتشكيل ذلك المنتوج الوسيط بين الذكر والجنس الآخر الذي يسمى أنثى، وقد حوصلت دي بوفوار جملة أفكارها في عبارتها الشهيرة " لا نولد نساء ولكننا نصبح كذلك " والتي أضحت فيما بعد شعار الحركات النسويّة لتلك الحقبة التاريخيّة.
وعموما يمكن القول ان رؤية دي بوفوار حول إشكالية التمييز الجنسي، كان لها عميق الأثر في تأجيج الساحة الفكريّة والسياسيّة وإثارة جدل واسع النطاق اشتعل لهيبه في أوساط وبلدان عديدة من العالم، وتراوحت ردود الأفعال حوله بين القبول والمناصرة والرفض والتصدي. وفي الوقت الذي أحدثت أفكار "الجنس الثاني" نشوة عارمة لدى ناشطات الحركة النسوية العالمية، ولاسيما النخبة النسائيّة المثقفة في أوروبا وفي الجامعات الأمريكيّة، حيث بيع من الكتاب مليون نسخة في الولايات المتحدة الأمريكية و22000 نسخة في فرنسا منذ الأسبوع الأول ([7]) ، فقد مثّل الكتاب فضيحة في نظر الكثير من الفرنسيين خاصة من قبل بعض رجالات السياسة الذين عارضوا بشدّة نشر الكتاب وحاولوا جاهدين تعطيل عمليات بيعه  وتسويقه.
لقد شكّلت أفكار سيمون دي بوفوار رافدا مركزيّا للتوجه الراديكالي للحركات النسويّة التي ستنشط بشكل بارز خلال عقد السبعينات، حيث ستشهد هذه الحقبة كبرى التحركات النسائيّة الحاشدة المتّسمة بموجة عنيفة من التصعيد اعتبر من قبل الكثيرين ثورة عارمة ضد الأنوثة والأمومة، بما أنه بلغ حد إحراق المتظاهرات الأوروبيات لكل رموز الأنوثة من ملابس وغيرها ([8]) كإشهار لرفضهن لكل ما يكرّس أمومة المرأة وارتباطها بحياتها الأسريّة.
        
         وخلاصة القول، انّه وبغضّ النظر عمّا أثارته توجهات الحركات النسويّة ومختلف أشكالها النضاليّة لفائدة المرأة من مواقف وردود أفعال سواء على المستوى السياسي أو الديني أو الفكري، فان أصوات هذه الحركات يعود لها الفضل في شدّ أنظار الباحثين والساسة والمفكرين صوب قضايا المرأة ومختلف المواضيع المتصلة بها، وقد مكّن تعالي صوت احتجاجات النساء في أماكن مختلفة من العالم من سريان نوع من الاعتراف المؤسساتي بهنّ، واكتساب مسائل المرأة حيّزا من الشرعيّة الفكريّة ([9] ) التي مهّدت للتطارح العلمي لموضوع المرأة وما اتّصل به من مباحث متعلّقة بمكانتها ومواقعها أدوارها المجتمعيّة، وهو ما سوف يُفضي لا حقا للمأسسة العلميّة الفعليّة  وظهور الدراسات الأكاديميّة حول المرأة. 
         ومن المهمّ الإشارة إلى أنّه على اثر موجات التصعيد العنيف الذي أثارته الحركات النسويّة الأصوليّة  خلال سبعينات القرن العشرين، سوف تشهد الحركة تجديدا لأطروحاتها ومقارباتها على اثر ذلك لتبنّى قضايا أكثر نضجا  مثل: المرأة والفقر، التحرش الجنسي ،العنف ضد المرأة، وغير ذلك من قضايا النساء تحديدا في المجتمعات النامية. كما سوف تُشدّ أنظار جهات رسميّة عديدة منذ الثمانينات لمثل تلك القضايا، ليتمّ تبنّيها من قبل اغلب الهيئات والمؤسسات العالميّة وخاصة من لدن منظمة الأمم المتحدة التي ساهمت بقدر كبير في تعزيز توجّه عالمي يشجّع على مزيد تشريك المرأة والاهتمام بمختلف قضاياها والتركيز على أهمية موقعها في البرامج والمخططات التنمويّة.

3- البروز الأكاديمي لدراسات المرأة والنوع الاجتماعي
3-1 بدايات الظهور العلمي لدراسات المرأة
         انطلقت أولى محاولات التأسيس العلمي للدراسات حول المرأة منذ مطلع السبعينات من القرن العشرين أي تقريبا بالتوازي مع موجة التحركات والاحتجاجات النسويّة المطالبة بالاعتراف بحقوق المرأة وقضاياها، والتي كما سبقت الإشارة إليه، كانت أحدى أهمّ محرّكات الدفع باتجاه الاهتمام العلمي بالمرأة. ويمثّل ظهور "الدراسات النسويّة" أوّل خطوة في مسار اقتحام موضوع المرأة لساحات العلم، حيث اعتبرت هذه التسمية، التي سوف تتغير فيما بعد، انعكاسا مباشرا لأثر الحركات النسويّة التي عملت على اثارة موجة نقد لاذع اتهم فيها العلم في الغرب بالذكوريّة وأحاديّة التمركز الجنسي حول الرجال، كما اعتبر غياب موضوع المرأة عن ساحة العلوم الإنسانية من قبل البعض ترجمة واضحة لعلاقات الهيمنة والخضوع التي تميّز العلاقة بين الجنسين.
         وفي هذا الإطار يمكن اعتبار مسار التأسيس العلمي للدراسات حول المرأة انجازا ساهم فيه بقدر كبير تعالي أصوات النساء حيث مثّل ذلك المسار حسب البعض " نتائج نظريّة لغضب الفئات المحرومة" كما اعتبر بروز المرأة كموضوع للبحث وكحقل للمعرفة نتيجة أملاها تحوّلها إلى فاعل مؤثّر في حركة التاريخ ([10]) . وهو ما كان له الأثر الفعال في ارتفاع نسق ولوج النساء لمختلف تخصصات العلوم الإنسانية بالجامعات، ومطالبة البعض منهنّ بضرورة ابتكار حقول معرفيّة وأجهزة مفاهميّة علمية جديدة ومناهج بحث وأدوات تحليل مجرّدة من التحيّز للذكور على حساب النساء ([11]) .
 ومن المفيد الإشارة إلى أسبقيّة الولايات المتحدة الأمريكيّة وكندا في تركيز ذلك التوجه والتأخّر النسبي في مستوى الدول الأوروبيّة وفرنسا تحديدا وبقيّة الدول الأخرى. وقد شهدت الولايات المتحدة الأمريكيّة أولى محاولات التركيز العلمي للدراسات حول المرأة عبر مسار إنشاء  أقسام دراسات المرأة[ Women's Studies ] في الجامعات الأمريكية مع بداية عقد السبعينات، والتي حاولت فرض نفسها كأقسام علميّة أكاديميّة متخصصة من خلال بعث مراكز بحث خاصة ونشر دوريات جامعيّة متعلقة بشكل أساسي بقضايا ودراسات المرأة، والتي تمّ تطويرها فيما بعد لتصبح أقسام دراسات المرأة والنوع الاجتماعي[ Gender Studies ].
أمّا في فرنسا، وبالرغم من أهميّة وحجم التحركات النسويّة بها، فإن مسار التمأسس العلمي والأكاديمي للدراسات حول المرأة ظل متعثّرا وبطيئا،ولم يواكب أجيج أصوات نسائها المتظاهرات، إذ ظلت المبادرات العمليّة لإنشاء وإقحام دراسات المرأة والنوع الاجتماعي في الحقول العلميّة محدودة إلى عهد قريب، ولم تتبلور دراسات النوع الاجتماعي خاصة كحقل علمي قائم الذات الاّ مع نهاية التسعينات.
         ولا شك أن لذلك عوامل عديدة ربّما يبقى من أهمّها تأثير احتجاج النسويّة الأصوليّة التي أثارت تحركاتها العنيفة ومطالبها الجنسانيّة حفيظة بعض الأوساط الفاعلة في الساحة الفرنسيّة، فعملت على تعطيل مشاريع مختلفة ارتبطت بقضايا المرأة سواء في المستوى التشريعي والسياسي بشكل عام أو في المستوى الجامعي والأكاديمي. ويمكن اعتبار مجمل المعارضات التي عرفها مفهوم النوع الاجتماعي ومحاولات تركيزه في المجال العلمي والبحثي جزء من ذلك، حيث لاقت أغلب محاولات إقحام هذا المفهوم في الجامعات الفرنسيّة مقاومة وتصد شديدين بشكل شكّك الى حد كبير في  مصداقية المفهوم العلميّة ، معتبرة إياه مجرد رجع صدى لأصوات الحركة النسويّة ([12])  أكثر من اعتباره نضجا فكريا في التعامل مع قضايا المرأة، وقد تمّ ذلك خاصة ضمن بعض فروع العلوم الإنسانية كالتاريخ.
         وجدير بالذكر انه و بالرغم من الظهور المتأخر نسبيّا للدراسات حول المرأة والنوع الاجتماعي بفرنسا وأوروبا بشكل عام على خلاف الولايات المتحدة الأمريكيّة وكندا، فإن ذلك التوجه قد تدعّم بشكل تدريجي منذ التسعينات خاصة مع تعزّز مسار اقتحام الفتيات للجامعة ولمختلف أقسام العلوم الإنسانية تحديدا، وبلوغهن مراحلها العليا وتبوئهن مواقع مركزيّة في مستوى البحث والتدريس الجامعي، وهو ما سيكون له عميق الأثر في تكثّف الدراسات العلميّة حول المرأة لا سما ذات الصبغة التاريخيّة.
 ومن المعلوم أن أغلب تلك الدراسات سعت إلى الاهتمام أكثر بالتأريخ للحركة النسويّة ([13] ) وتناول أوضاع المرأة عبر التاريخ، أكثر من اهتمامها بقضايا المراة الراهنة، وهو ما تمّ التوجه إليه عند توسّع مدى الدراسات والبحوث المتعلّقة بالمرأة نحو مختلف حقول العلوم الإنسانية والاجتماعيّة لاسيما علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا، حيث تطورت ضمنهما جملة من التساؤلات المختلفة حول قضايا النساء ومسائل التمدرس والشغل والصحة وغيرها من المواضيع التي توازى تطارحها مع تطور وانبثاق حقول معرفية جديدة مثل علم اجتماع الأسرة وانثربلوجيا الأسرة، ودراسات علم اجتماع الشغل والمؤسسات.
         وقد نبّه أنصار مقاربات النوع الاجتماعي إلى ما شهده علم اجتماع الشغل في فرنسا من تغييب للمرأة في مختلف مدارسه ونظرياته وعبر أبرز أعماله ودراساته، إذ  بالرغم من الكثافة العدديّة للمرأة العاملة في المصانع المدروسة من قبل روّاد علم اجتماع الشغل في منتصف الخمسينات فإن الاشارة للمرأة العاملة ظلّت غائبة في أغلب تلك الدراسات. وقد احتجت بعض الباحثات على مسار إهمال الإشارة إلى المرأة في قطاع العمل ضمن أهمّ دراسات علم الاجتماع الشغل في الخمسينات والستينات كدراسات جورج فريدمان ودراسات ميشال كروزيي لمصانع التبغ في 1960، والتي كان حجم اليد العاملة النسائيّة بها على درجة كبيرة من الأهمية بالرغم من ان النسبة العامة لليد العاملة النسائية في تلك الفترة كانت تعتبر محدودة نسبيّا حيث لم تتجاوز في تلك الفترة 32 %  من مجمل اليد العاملة النشيطة بفرنسا ([14]) .

         وعموما يمكن القول ان حقول دراسات المرأة والنوع الاجتماعي على اختلاف تسمياتها تكاد تنتشر اليوم في أغلب جامعات العالم من آسيا الى استراليا ونيوزلاندا وفي بعض الجامعات العربيّة والإفريقية.  ويشار إلى أن بعض الدول الافريقية عرفت دعوات مبكّرة بعض الشيء، مقارنة ببعض الدول النامية الأخرى، لإرساء حقول دراسة جامعية حول المرأة،وكان ذلك منذ الثمانينات([15]) ولكن تلك المناداة كانت مدفوعة أساسا باهتمامات تنمويّة للمرأة الإفريقية،أكثر من ارتباطها بدوافع علميّة أو فكريّة، وقد تمّ ضمن بعض الدول المطالبة بإعلاء خصوصيّة الدراسات النسائيّة الإفريقية المنجزة من قبل باحثي وباحثات القارة الإفريقية وليس من قبل من هم من خارجها .

3-2 ظهور مفهوم النوع الاجتماعي
إن الاهتمام العلمي بمفهوم النوع الاجتماعي كمفهوم إجرائي وكأداة لتحليل الواقع الاجتماعي لم يتبلور بشكل بارز إلاّ مع العقدين الأخيرين من الألفيّة الثانية، وقد تأخّر الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية بين الجنسين على خلاف الدراسات المتعلقة بالمرأة .
         ويمكن القول بأن مقاربات النوع الاجتماعي تمكّنت من فرض نفسها مؤخرا كحقل علمي وبحثي قائم الذات إلى جانب حقل الدراسات حول المرأة. وبالرغم من صعوبة التمييز الموضوعي والمنهجي بين الاختصاصين وبالتحديد في علاقتهما بالمرأة، يذهب البعض إلى اعتبار مقاربات النوع الاجتماعي إفرازا منطقيا لتطور الدراسات حول المرأة، بما أن كلاهما يُعتبر وليد الحركات النسويّة الأمريكيّة التي سعت في مرحلة متقدمة من تطورها إلى إنتاج مفهوم النوع لإبراز البعد الاجتماعي المحض للتمييز بين الرجال والنساء .
          وعلى عكس هذا القول يذهب البعض الآخر الى اعتبار ظهور مفهوم النوع الاجتماعي قطعا مع مجمل توجهات الحركات النسويّة التي تختزل نظرتها أحاديّة الجانب الواقع الاجتماعي في جنس معين وهو النساء لتلغي بذلك أيّ حضور للجنس الآخر، وتنفي عبر ذلك  أهميّة فعل الروابط الاجتماعية الجامعة بين الرجال والنساء الذي هو جوهر اهتمام مقاربات النوع الاجتماعي.

         إن عمليّة البحث في جينيولوجيا مفهوم النوع الاجتماعي قد تحيلنا إلى جذعين مركزيين له ينغرسان بعمق في أبرز نتائج الانثربولوجيا والأنثروبولوجيا الثقافـويّة لاسيما مدرسة الثقافة والشخصيّة المنحدرة منها وبعض دراسات علماء النفس الأمريكان.  
و تتحوصل مجمل أفكار مدرسة الثقافة والشخصيّة في محاولة فهم مدى تأثير ثقافة ما على شخصية عناصرها وأفرادها، وتأكيدها على تنوع الثقافات وعلى خصوصية كل واحدة منها. وقد أولت هذه المدرسة أهمية مركزيّة لدور الطفولة والتنشئة الاجتماعية في صوغ شخصية ثقافية تضفي على جميع العناصر هوية محدّدة، كما تميّزت أبرز مقاربات هذه المدرسة باعتمادها على علم النفس كوسيلة للبحث عن الشخصية الثقافية التي تختص بها جماعة من الجماعات. وقد تمّ من خلال ذلك تطوير جملة من المفاهيم كالثقافة والسمات الثقافيّة من قبل عدد من روّاد الانثربولوجيا الثقافويّة الأمريكيّة كروث بنديكت[Ruth Benedict  ] (1887-1948) ومرغريت ميد[ Margaret Mead ](1901-1978).
واعتبرت الثقافة من طرف هؤلاء أوّل معطى مهيكل للوجود الإنساني،كما نظروا إليها باعتبارها نظاما من السلوك المكتسب والمنتقل في المحيط الاجتماعي عبر قنوات التربية والتقليد. وعلى هذا الأساس حاولت ماغريت ميد تطوير أطروحة أساسيّة سوف يكون لها عميق الأثر في تبلور مفهوم النوع الاجتماعي فيما بعد، وهي مسألة التمييز بين الطبيعي والثقافي التي أرادت ميد تبيان ارتباطها بشكل جوهري بالتمييز بين ما هو بيلوجي وفطري وبالتالي بين ما هو مشترك بين الناس وبين ما هو مكتسب في الوجود الاجتماعي ويمثّل محور اختلاف المجتمعات والثقافات .
         وقد ارتبطت الاهتمامات الانثربولوجية  لميد في هذا السياق بنضاليّتها في صفوف الحركة النسويّة الأمريكيّة ،وهو ما سوف يوجّه بقدر كبير مجمل دراساتها الحقليّة المنجزة في منتصف الثلاثينات في أماكن مختلفة من العالم، والتي آلت، من خلالها ،على نفسها  اختبار أطروحتها التي نفت ضمنها وجود ميول طبيعية في السلوك، ذاهبة الى ردّ السلوك، حتّى ذلك المرتبط بالعلاقة بين الجنسين، إلى أسباب ثقافية ([16]).
         وجدير بالملاحظة الاشارة الى  ما كان لمختلف دراسات ميد ونتائجها النظريّة وسائر دراسات الانثربلوجيا الثقافويّة الأمريكيّة المتواصلة مع ما سبقت إليه أفكار سيمون دي بوفوار، وغير ذلك من مختلف الأفكار المطورة  منذ نهاية الستينات  من قبل بعض علماء النفس المستخدمين للفظة "النوع" للتمييز بين البيولوجي والنفسي، من بالغ الأثر في ظهور أولى محاولات التطبيع العلمي والنظري لمفهوم النوع.
وقد تمّت أولى محاولات الضبط العلمي لمفهوم النوع عبر عالمة الاجتماع النسويّة  آن أواكلي [ Ann Oakley]  التي صرّحت بأن "الجنس" يمثّل مفردة تشير إلى الفوارق البيولوجيّة بين الذكر والأنثى ، في حين تحمل  لفظة "النوع" على العكس من ذلك، إحالة إلى الثقافة ، أنها تشمل على حد تعبيرها "التصنيف الاجتماعي للذكوري والأنثوي، وعلينا تبنّي الإقرار بثبات الجنس مثلما علينا اعتبار تغيّر النوع " ([17] ) . وهكذا فقد أصبحت قضايا النوع الاجتماعي أكثر ارتباطا بالمكانة والدور الاجتماعي للمرأة والرجل في الوقت الذي ظل الجنس مؤشّرا يحيل إلى الفروق البيولوجيّة بين الذكور والإناث، وحمل مفهوم النوع في دلالاته الإجرائيّة إشارة للخصائص والصفات المرتبطة بالجنس كما تترجم عنها وتفرزها ثقافة المجتمع وقنواته التنشيئيّة .
         لقد كان لهذه الخطوة الفكريّة المتجسّدة في التمييز بين الجنس والنوع الأثر البارز في الانحراف عن تناول ودراسة المرأة بشكل منفصل، ليتعزّز التوجه نحو البحث ودراسة العلاقات الرابطة بين الجنسين، وهو ما دعت له أغلب أفكار المتبنية لمفهوم النوع فيما بعد. وتمثّل أفكار المؤرخة الأمريكيّة جوان سكوت [Joan W.Scott] أبرز الأمثلة على ذلك ، حيث نادت بضرورة تجاوز الحديث عن التعارض بين الرجل والمرأة، والنظر إلى ذلك التعارض باعتباره يمثّل "إشكالا " في حدّ ذاته، يمكن ان يكون محور بحث ودراسة بشكل منفصل، لأنّ تعارض الذكوري والأنثوي يترجم عن وجود روابط  وعلاقات قوّة يهيمن فيها أحد الطرفين على الآخر([18]). و يبقى الإشكال الرئيسي حسب سكوت على غير ذي علاقة بالمرأة أو بالرجل في حدّ ذاتهما ولكن في طبيعة الروابط المؤلفة بينهما.
         وخلاصة القول أن محاولات التقنين العلمي للمفهوم النوع تواصلت على اثر هذا عبر زوايا نظر مختلفة من طرف  جملة من الباحثين والباحثات من ذوي الاختصاصات العلميّة المختلفة،و التي سوف تشكّل جملة أفكارهم وأطروحاتهم قاعدة تركّز عبرها هذا المفهوم، وتطورت من خلالها جملة أدواته التحليليّة والإجرائية، ليصبح مفهوما علميّا على قدر كبير من الأهميّة يتم عبرها اليوم الاشتغال والتعاطي مع الواقع الاجتماعي من قبل العديد من الدارسين والباحثين. وقد استطاعت مجمل المقاربات المنبثقة عن مفهوم النوع من رسم ملامح حقل معرفة ذاع صيته وفاقت شهرته حلبات الجامعة ومراكزها البحثيّة ليتمّ تبنيه واعتماده من قبل كبرى الهيئات والمنظمات العالميّة.

3- 3 مفهوم ومقاربات النوع الاجتماعي وردود الأفعال حولهما
كنا قد أشرنا فيما سبق الى بدايات التمأسس العلمي لمفهوم النوع، و ما برز من معارضات أعاقت بسط المفهوم في الساحة العلميّة الفرنسيّة بالتحديد، كما تمّت الإشارة إلى ما صاحب المفهوم من صخب شكّّك في علميته وأرجعه إلى نضالية الحركة النسويّة الأصوليّة.  وربّما يصبح ذلك الموقف الفرنسي المعارض لاقتحام مفهوم النوع باحات أقسام العلوم الانسانيّة بالجامعة الفرنسيّة مبرّرا إذا ما ربطناه بسياقه السوسيوتاريخي الذي تميزت ضمنه أجواء تلك الجامعة بنزعة تحفظ شديد ([19]) حرصت على تحصين العلم من شوائب ومتاهات الصراع السياسي. ولعلّ لذلك أثره في تعطيل توجه الدراسات حول المرأة بفرنسا نحو التمأسس العلمي إلى حدود مطلع التسعينات، باعتبارها دراسات ارتبطت بنوع من نضالية سياسيّة نسويّة.
         هذا ومن المهم التأكيد على أن مفهوم النوع الاجتماعي لم يتمكّن من فرض نفسه في ساحات العلوم الإنسانية الفرنسيّة حتى بعد ترجمة مقال جوان سكوت في سنة 1988 وما لقيه من ذائع صيت في أوساط عديدة، حيث ظلّ استخدام المفهوم غير مستساغ إلى وقت قريب كما بقي الاستعمال الفرنسي يتّسم باستعمال ألفاظ بديلة مثل "الفروق بين الجنسين " "العلاقة بين الذكور والإناث" و "الروابط الاجتماعية بين الجنسين"([20]). وباستثناء بعض الحالات فإن مفهوم النوع في فرنسا خاصة لم ينتشر بين المتحدثين عن تاريخ المرأة إلاّ في منتصف التسعينات وبداية الألفية الثالثة

         ومما تجدر الإشارة اليه في معرض الحديث عن المعارضات التي شهدها مفهوم النوع، التعرض لمواقف بعض الباحثات النسويات من هذا المفهوم، الذي بالرغم من أن عددا كبيرا من الدارسين يعتبر انبثاقه وتطوره محسوب لصالح الحركة النسويّة، فان بعض النسويات الأكثر تشدّدا وراديكاليّة يعتبرنه تراجعا عن الدفاع عن قضايا المرأة وخطوة إلى الوراء، ولا يمثّل تطور مفهوم النوع الاجتماعي بالنسبة لهن مكسبا يحسب لصالح النضال النسوي ، بل اعتبر من  طرف بعض علماء الاجتماع ذوي التوجه النسوي الأصولي مفهوما غامضا غير قابل للتفكيك، ويخفي وراءه نسقا متحركا من الهيمنة الخفيّة بما أنّه يدعو إلى تجاهل الهيمنة الذكوريّة عبر تغييب أدوار المرأة ضمن عمليات التوالد البيولوجي والاجتماعي التي تحفّ بخضوعها وتبعيتها ([21]) .

         وعلى العموم وبغض النظر عن جملة ما أثاره ويثيره المفهوم إلى اليوم من جدل في أوساط وحلبات عديدة، فمن الأكيد ان هذا المفهوم ومجمل المقاربات المنبثقة عنه قد تمكّنت من فرض نفسها في الساحة العلمية وغيرها من الساحات الأخرى، إلى درجة انّه أضحى من المفاهيم رائجة الصيت، يتهافت عدد كبير من الباحثين والدارسين على تناوله واستخدامه في مناطق عديدة من العالم مدفوعين بأغراض وغايات متنوّعة ومتعددة.
         هذا ولا يفوتنا في هذا السياق التعريج على الدور الأساسي الذي لعبته منظمة الأمم المتحدة ومجمل الهيئات التابعة لها في نشر المفهوم، وتعميم استخدامه على نطاق عالمي لاسيما فيما يتعلّق بالمجال التنموي خاصة في الدول الناميّة إذ عملت مختلف التقارير الأمميّة على اعتماد مفهوم النوع بشكل مباشر منذ سنة 2000 حيث تضمّن تقرير الأمم المتحدة حول السكان لنفس السنة إشارة واضحة له، أكّدت على انه في الوقت الذي تكون الفوارق الجنسيّة بين الذكور والإناث عامة وعالمية وثابتة فان التفريق على أساس النوع الاجتماعي من المسائل المفروضة بحكم الثقافة وتبعا  لعوامل اجتماعية واقتصادية تختلف وتتنوع بحسب اختلاف المجتمعات وتنوع الثقافات وتعاقب الأزمنة ،وهي بكل هذا مسائل مكتسبة اجتماعيا بحكم التنشئة الاجتماعية والتطبيع الاجتماعي والتربية والتعليم ([22] ) .

4- واقع دراسات المرأة والنوع الاجتماعي في البلاد العربيّة 
إن التمعّن في مسار تمأسس دراسات المرأة والنوع الاجتماعي في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة يكتشف تلازم ذلك مع صيرورة تاريخيّة طويلة اقترنت فيه جهود التأسيس بنضال حركاتها النسويّة بمختلف تيّاراتها وتوجهاتها وارتبطت كذلك بتعالي أصوات ونداءات الجامعيين والمفكرين المناصرين لتلك الحركات بضرورة إرساء حقل علمي خاص بدراسات المرأة وأهميّة تطويره لجهاز مفاهيمي ولأدوات نظريّة وتحليليّة خاصة به.
وقد فصّلنا القول سابقا في الدور الذي لعبته الحركات النسوية في الغرب بشقيها الفرنسي والأمريكي في تأسيس حقول معرفيّة خاصة بالمرأة، وربّما تمّ ذلك بنوع من الإسهاب في تناول مسيرة تلك الحركات وتطورها التاريخي وتدرّجها نحو الإرساء الفعلي لجملة من المكاسب التي نعمت بها المرأة الغربيّة، ولا بدّ من التأكيد في هذا المستوى ان ذلك كان ضرورة فرضت نفسها وواقعا نطق عن ذاته إذ أن وزن الحركات النسوية الغربيّة وحجم فعلها التاريخي وحدّة نضالها ذي الأوجه والأصعدة المتنوعة، مسائل لا يمكن القفز عليها في سياق الحديث عن مسار تمأسس الدراسات العلمية حول المرأة والنوع الاجتماعي. إلا ان الملفت للنظر ان كل ذلك تمّ مقابل غياب شبه كامل للحديث عن الحركة النسويّة العربيّة، فأي دور لعبته أو تلعبه هذه الحركة في مسيرة تأسيس حقول معرفيّة خاصة بالدراسات حول المرأة في العالم العربي ؟
         يبدو من المتأكد، قبل ذلك، الإشارة إلى أنّنا لن نفصّل القول في ما يتعلّق بتاريخ الحركة النسويّة العربيّة ومسيرتها وتطوّرها، فذلك من الأمور التي قد لا تسمح لنا بها حدود هذا البحث وإشكاليته المركزيّة التي تحاول تلمّس مسار التطور التاريخي لتمأسس الدراسات العلمية حول المرأة دون البحث في تاريخ الحركات النسويّة، ولكن ما يستحق الذكر في هذا المقام هو أن العالم العربي  لم يتمكّن –في نفس مرحلة التاريخية التي برزت فيها الحركة النسوية الغربيّة- من إنتاج حركات نسويّة ذات طابع عربيّ بقدر ما أنتج نسخا متناثرة من الحركة النسويّة الغربيّة، كانت في مجملها رجع صدى لتلك الحركات ،لم تتمكن من التأصّل في سياقها المجتمعي العربي بخصوصيته وتفرّده.
وربّما يفسّر ذلك الى حد كبير ما شاب مسيرة تلك الحركات من تعثَّر ومحدودية في الدور المجتمعي والمعرفي الذي كان من الممكن أن تلعبه بشكل رائد ورسمي مثل نظيرتها في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكيّة. ولعلّ لذلك بعض الأسباب الأخرى التي لا يمكن إغفالها مثل التصدي القوي الذي ابدته بعض قوى الرفض العربيّة وما كان لها من دور بارز في مناهضة تعالي أصوات النساء، والتي لم تكن بأي حال من الأحوال أشدّ ضراوة من القوى المناهضة للمرأة في الغرب، ولكن ذلك لا ينسي في السياق ذاته ما أنتجه العالم العربي من أصوات فكرية ذائعة الصيت ناصرت قضايا المرأة العربيّة ، ودعت إلى تحريرها وتعليمها وتعزيز مسار اندماجها في العالم الخارجي، وهو مناخ كان بإمكان الحركة النسويّة العربيّة- ضمن مراحل مبكرة - تطويره في اتجاه يخدم قضاياها وشواغلها.
ومن الملفت للنظر أننا عند التطرّق لإشكالية التأسيس العلمي للدراسات حول المرأة في العالم العربي لا نكاد نعثر على أثر يذكر للحركة النسويّة ودروها في ذلك. صحيح ان الاجتهادات والكتابات والدراسات حول واقع المرأة العربيّة قد تناثرت هنا وهناك في البلاد العربيّة منذ عقود إلا أن المطالبة الرسميّة من قبل صاحبات التوجه النسوي في البلاد العربيّة او الاجتهاد في ارساء حقول معرفيّة قائمة الذات ومتصلة بالمرأة  لم يحدث.
         ولكن في مقابل ذلك نشهد اليوم مسارا يحاول في سياق إقليمي وعالمي تعزيز التوجه نحو المأسسة العلميّة والفكريّة للدراسات حول المرأة وحول النوع الاجتماعي، ولئن كان هذا المسار يسير بوتيرة متعثرة وبنسق بطئ فانّه على الرغم من ذلك أصبح يتجذّر من يوم إلى آخر، علما أن الفاعل الرئيسي في ذلك يتمثل في السلطات الرسميّة وبعض الهيئات والمنظمات الإقليمية العربيّة المعنيّة بشأن المرأة.
         لقد بدأ العالم العربي يشهد منذ فترة بداية انتشار تخصّصات المرأة والنوع الاجتماعي كتخصّصات معرفيّة قائمة الذات تُدرس وتُدرّس في بعض الجامعات العربيّة، ولئن كانت هذه المبادرات لا تزال محدودة للغاية، فإنها على الرغم من ذلك تتعزّز من وقت للآخر بحكم الدعم الرسمي المحلّي والإقليمي والدولي الذي تلقاه ، إذ من المعلوم أن المعاهد العليا والمراكز البحثيّة المختصة والشهائد الجامعيّة في دراسات المرأة والنوع الاجتماعي قائمة الذات حاليّا في عدد من الدول العربيّة مثل  فلسطين والأردن والسودان ولبنان ومصر([23]) الى جانب تونس والمغرب الأقصى . وتختلف درجات الشهائد المسندة من قبل هذه المؤسسات العربيّة بين المراحل النهائيّة في مستوى التخرّج في بعض تخصصات العلوم الإنسانية وبين المراحل العليا في مستوى دراسات الماجستير والدكتوراه، كما تختلف تسميات هذه التخصصات وطبيعة التكوين المتلقّى ضمنها متراوحة في عمومها بين الاتصال المباشر بدراسات المرأة وبين مقاربات ونظريات ومناهج النوع الاجتماعي.
         ولا بدّ لنا في هذا المقام من التأكيد على أن وضع دراسات المرأة والنوع الاجتماعي في البلاد العربيّة ما يزال بحاجة ماسة إلى الدّعم والتطوير خاصة من قبل المختصين في العلوم الإنسانية والاجتماعيّة، الذين بالرغم من اهتمام بعضهم الشديد بقضايا وشواغل المرأة،فان ذلك لم يتوازى مع مسار بعث وتأسيس هياكل مؤسساتيّة بحثيّة وأكاديمية تتبنّى جهودهم وتطّور دراساتهم بشكل رسمي.

4-1 وضع الدراسات والبحوث المتعلّقة بالمرأة والنوع الاجتماعي في تونس
ان الاهتمام الرسمي في تونس بقضايا وشواغل المرأة على أكثر من صعيد وخاصة فيما يتعلّق بالجوانب التشريعيّة والقانونيّة، يُعتبر مسارا انطلق منذ السنوات الأولى لاستقلال البلاد، ليتعزّز بشكل بارز في العقود الأخيرة بفضل ما وقع سنّه من قوانين وتمّ رسمه من برامج ووضعه من مخطّطات ساعية في مجموعها لتعزيز مكانة المرأة في مختلف المواقع وجعلها محورا مفصليّا لمسيرة البلاد التنموية.
        امّا في ما يتعلّق بمسار الاهتمام المؤسساتي بالمرأة في تونس فيُعد مطلع التسعينات و ما شهده من إنشاء وزارة خاصة بالمرأة، وتأسيس مركز الدراسات والبحوث والإعلام والتوثيق حول المرأة كهيئة علمية تابعة للوزارة، الانطلاقة المؤسساتية الأولى التي جعلت من المرأة محورا لتوجه بحثي ودراسي. وقد أوكلت الوزارة المستحدثة للمركز مهام تطوير الدراسات والبحوث حول المرأة وجمع البيانات والمعطيات حولها،ونشر كل المعلومات المتعلقة بها، الى جانب إعداد تقارير دورية حول تطور وضعيتها. ويذكر أن "الكريديف"،على حداثة عهده،  أنجز كهيكل بحثي متخصص في شؤون المرأة عددا مهمّا من الدراسات النوعيّة والكميّة التي قامت بتشخيص واقع المرأة التونسيّة في مجالات عديدة كالريف والمدينة والشغل والثقافة و الابداع والصناعات التقليديّة وغيرها.
أما في ما يتعلّق بمقاربات النوع الاجتماعي فيعتبر "الكرديف" من أوائل المبادرين باستخدام هذه المقاربات في بحوثه ودراساته وقواعد بياناته. إلا أنه و بالرغم من هذا الاهتمام الرسمي بالبحوث والدراسات حول المرأة والنوع الاجتماعي ولاسيما في علاقتها بالتنمية فإن مسار التمأسس العلمي في مستوى برامج التدريس الجامعي والدراسات العليا بقي دون ذلك ، إذ لم تشهد الجامعة التونسيّة ولاسيما أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية بروز تخصصات معرفيّة مرتبطة بشكل مباشر بالدراسات حول المرأة إلاّ مؤخرا وذلك في سنة 2003 من خلال بعث  ماجستير متخصص في الدراسات النسويّة بالمعهد العالي للعوم الإنسانية بتونس ، علما أن حجم الدراسات والبحوث الجامعيّة سواء في مستوى رسائل التخرّج أو الماجستير أو الدكتوراه المتعلّقة بالمرأة خاصة في أقسام علم الاجتماع الثلاثة تبقى على قدر كبير من الأهميّة من حيث الكمّ.
         وكمحاولة لتقريب حجم هذا الاهتمام قمنا بجرد لمختلف رسائل الماجستير وما كان يسمّى بشهادة الكفاءة في البحث المعادلة لها ورسائل الدكتوراه المناقشة بقسم علم الاجتماع بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية والمتعلّقة بشكل مباشر بالمرأة، وقد تمّ حصر خمسين رسالة بدءا من سنة  1970 و الى سنة  2004 ، وهو ما يبرزه بكل وضوح الرسم البياني التالي:


رسم بياني رقم 1: تطور البحوث الجامعيّة حول المرأة بكلية الآداب والعلوم الانسانية بتونس - قسم علم الاجتماع-
 1970- 2004 **



 













                                                             المصدر: بحث شخصي- ماي 2006

وتجدر الإشارة إلى أن عددا من هذه الدراسات المنجزة حديثا والمتصلة بشكل أو بآخر بالمرأة سواء في مستوى كليّة الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة تونس أو رسائل الماجستير المتخصص بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية، أخذ في التوجه نحو استخدام مقاربات النوع الاجتماعي كأطر نظريّة يتمّ توظيفها في البحث، وهو مؤشّر هام برأينا يعزّز مسار التبنيّ الأكاديمي لمثل هذه المقاربات بالجامعة، ويزكّي ما تم تحقيقه من خطوات في هذا المجال .
         ولا بدّ من التذكير بأنّ تأخر مسار الإرساء الأكاديمي والجامعي لدراسات المرأة والنوع  الاجتماعي في تونس بشكل خاص وفي العالم العربي بشكل أعم، يعود برأينا بدرجة أولى إلى قلة مبادرة المختصين والمهتمين بشأن العلوم الإنسانية والاجتماعية والمنشغلين بقضايا المرأة في اتجاه تكثيف المحاولات وإثارة انتباه الأكاديميين ومختلف الجهات العلمية المتخصصة بأهمية تأسيس وتركيز حقول تعنى بدراسات المرأة والنوع الاجتماعي.    

الخاتمة
لأن المرأة موضوع حمّال أوجه، شائك ومعقد،  لم يكن من الهيّن، شأنه شأن كل المواضيع ذات الحساسيات المفرطة، تبلوره كحقل بحث ودراسة، وبالرغم من التطور الكمّي والنوعي لمختلف مباحث العلوم الإنسانية والاجتماعيّة منذ لحظات بروزها، بقي مبحث الدراسات حول المرأة بعيدا عن حلبات الفكر والمعرفة إلى وقت قريب جدا، كما ظلّ الخوض في متاهات موضوع المرأة والمطالبة بحقوقها لصيقا بأجواء السياسة والتمرّد التي نسجتها حوله أصوات الحركات النسويّة في كل من الولايات المتحدة الأمريكيّة وفرنسا منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، أكثر من ارتباطه بساحات العلم والبحث.
         ومنذ السبعينات خلقت أصداء مناضلات الحركة النسويّة الأمريكيّة أجواء ملائمة فُتحت فيها أقسام الجامعات الأمريكيّة أمام ما سمي بالدراسات النسويّة التي دشّنت مسار التمأسس العلمي للدراسات الأكاديميّة حول المرأة، وقد ساهم ذلك في بدايات تركّز تراكمات معرفيّة حولها، توسّع مداها باتجاه فرنسا ثم مختلف دول العالم لتؤول فيما بعد إلى بروز حقل دراسات النوع الاجتماعي باعتبارها تتأسس حول مفهوم ومقاربات جامعة تحيط بشواغل كل من الرجال والنساء معا.
ويمكن القول بأن هذا التطور والتحوّل الفكري من معالجة قضايا المرأة كإشكالية منفردة، كانت في حالات عديدة تقارب في إطار حقل "الدراسات حول المرأة" وكأنها طرف نقيض للرجل،  إلى تناولهما كعنصرين أساسين في إشكالية واحدة ضمن مقاربات النوع الاجتماعي، يعتبر تحوّلا عبقريّا نسجته المرأة بذكاء ملفت لتزكّيه وتتبناه المنظمات والهيئات الدوليّة، فتتأسّس له بذلك مشروعيّة فكريّة وسياسيّة لم يعد بالإمكان القدح فيها أو التراجع عنها رغم بعض المعارضات التي تطفو على السطح من هنا و هناك.
ان المرونة الفكرية لمفهوم النوع وتجاوزه لمنطق التضاد بين الرجل والمرأة ونضجه في التعاطي مع مسألة الذكر والأنثى، خوّلت له تطوير نفسه ومقارباته وجملة شواغله واهتماماته، ومكنته تدريجيا من اقتحام عدد من فروع العلوم الانسانيّة ليتدعّم من يوم لآخر مسار حضوره كحقل معرفي قائم الذات.
وقد يسّرت ولادة مفهوم النوع الاجتماعي اختصار مسيرة مأسسة الدراسات العلمية المتعلّقة بموضوع المرأة من خلال إعادة إنتاج الموضوع في صيغة جديدة اعتبرت المرأة في علاقتها التكامليّة بالرجل جزءا من ظواهر النوع الاجتماعي كما مثّل ذلك عمليّة "سحب بساط "ذكيّة من تحت أقدام الرافضين والمناهضين لحضور المرأة في باحات العلم والمعرفة.
         ومع تسليمنا في نهاية المطاف باعتبار مقاربات النوع الاجتماعي ضرب من ضروب المعرفة المرتبطة بسياق سوسيوتاريخي اصطلح على تسميته بالعولمة  ألا يمكن للمتتبع أن يستجلي خيوطا رابطة بين هذه وتلك؟ ألا يمكن أن يتحسّس ذلك في تلك النزعة التجزيئيّة الجامعة التي تتأكد في كلا منهما، والمتمثّلة أساسا في اهتمام بالأجزاء وبالأطراف يسير بالتوازي مع مقاربة شموليّة تحاول التأليف بين مختلف تلك الأجزاء وصهرها في محور واحد؟
ان مقاربات النوع الاجتماعي تمثّل تأكيدا على ضرورة الاهتمام بالمرأة وتعزيز اندماجها في المجتمع ولكنها في ذات الوقت تهتم بالرجل باعتبار ما يربطهما من علاقة جامعة، ألا يتقاطع ذلك مع أنفاس هذه العولمة التي هي بدورها تجزيئيّة جامعة فهي دعوة للإحاطة بمختلف دول العالم وبمختلف الشرائح الاجتماعية وبمختلف الثقافات والخصوصيات وهي في ذات الوقت نزعة لصهر كل ذلك في نمط واحد يشكّـل ويصاغ بأسلوب واحد؟ وهل لكلّ ذلك علاقة بازدواجية الطرح وثنائية التفكير التي أصبحت تميّز توجهات هذه العولمة فهي جهر بمساعي الاستقطاب واحتضان لمختلف الشرائح الاجتماعيّة ، ولكنها في ذات الوقت مسار لتكريس الإقصاء والتهميش وإعادة انتاج الفقراء والملفوضين؟ إنها جهود لتوحيد الرؤى والتصورات ولكنها في نفس الوقت تأكيد على قيمة الخصوصية والتفرّد؟؟





(*) استاذة علم الاجتماع بجامعة تونس المنار وخبيرة حاليا بمنظمة المرأة العربية بالقاهرة

( [2] ) أثارت كما هو معلوم إشكالية الموضوعية ومسألة فصل الذات الدارسة عن موضوع الدراسة في العلوم الإنسانية والاجتماعية وعلم الاجتماع تحديدا جدلا كبيرا في بدايات تأسيس هذا العلم، وقد انقسم مؤسّسو علم الاجتماع إلى توجهين أساسيين إزاء هذا المشكل : توجه أول ينسب عادة للمدرسة الفرنسيّة في علم الاجتماع ممثلة في اوقست كونت[August Compte ]  ومن بعده ديركايم [Durkheim Emile ]، وتوجه ثان سمىّ بالمدرسة الألمانية في علم الاجتماع  مثّله في البداية الفيلسوف وليام ديلتاي [Dilthey William]  ومن بعده عالم الاجتماع ماكس فيبر[Max Weber] . وقد نزع التوجه الأول في محاكاته للمناهج العلمية المستخدمة في العلوم الطبيعية إلى اعتبار الموضوعية ومبدأ فصل الذات عن الموضوع شرطا لا يمكن لعلم الاجتماع ان يحقق علميته دونه، في حين ذهب التوجه الثاني إلى رفض تبني مناهج علماء الطبيعة في دراسة الظاهرة الاجتماعية والإنسانية ومن ذلك مسألة فصل الذات عن الموضوع واستبعاد الأفكار المسبقة نظرا لاختلاف طبيعة الظواهر المدروسة في كلا من علوم الطبيعة وعلوم المجتمع.
([3] )     Riot Sarcey, Histoire du féminisme , La découvert, Paris 2000, p 30
([4] ) يذكر أن المصطلح ظهر لأول مرّة سنة 1872 على يد ألكسندر دوما الابن ولكنه لم يتخذ معانيه الحديثة الا بعد 9 سنوات، أنظر
Christine Guionnet, Eric Neveu, Féminins- Masculins, Sociologie de genre. Armond Colin ,Paris 2004, p 16.



( [5] )Christine G, Eric N, Féminins- Masculins, Sociologie de genre. Armand Colin, Paris 2004, P 17.

([6] ) Fournier Martine, Combats et débats, in Femmes : combats et débats, Revue Sciences Humaines,Hors Série,  n 4 –2005,P 7
(  ( [7]                                                                    Christine G, Eric N, Féminins- Masculins, p 18
( [8]) F Rochefort, Du féminisme des années soixante aux débat contemporains; in Maruani, Femme genre et société; L'état des savoirs; La découverte 2005, p 70                                  

( ([9] Bard. C, Un siècle d'antiféminisme, Fayard 1999, p 549                                                              
([10] )Christine G, Eric N, Féminins- Masculins, p19                                                                            
([11] ) نفس المرجع والصفحة
([12] ) Perrot .M, Dictionnaire critique de féminisme, Puf 200, p 103                                                       
([13]) Fournier Martine, Combats et débats p 8,
(([14] Maruani, M, Les nouvelles frontières de l'inégalité. Hommes et femmes sur le marché de travail. La découverte, 1998 ,p 45
(([15] أنظر، سلوى جمعة الشعراوي، دراسات المرأة كحقل دراسي في الجامعات العربيّة، ورقة مقدمة لمنظمة المرأة العربيّة، ضمن الدورة التدريبيّة حول إدماج  مفهوم  النوع الاجتماعي في مناهج البحث، القاهرة 8-11 ماي 2006.
([16] ) درست ميد كما هو معلوم الشخصية الثقافية لثلاث قبائل من غينيا الجديدة، وهي الأرابيش والموندوغومور والشمبولي، وعبر معاينتها الميدانية لأنماط السلوك المتبعة اكتشفت أنماطا مختلفة من الشخصيات، وقد انتهى بها الأمر إلى استنتاج مفاده أن شخصية المجموعة الأولى يغلب عليها طابع اللطف والهدوء، وأنها أقرب إلى الجانب الأنثوي من السلوك سواء عند الرجل أو المرأة، أمّا المجموعة الثانية فيطغى عليها طابع العدوانية والعنف على سلوكها، وقد بينت ميد عبر دراساتها اهمية التربية في دفع الأفراد إلى العدوانية والعنف منذ مراحل التنشئة الاجتماعية الأولى، كما حاولت إبراز كيفية تأثير ذلك في قضايا التمييز الجنسي بين الذكور والإناث وارتباطه بالثقافة وبعمليات التنشئة، حيث أبرزت من خلال بعض النماذج الميدانيّة المدروسة سيطرة الوداعة واللطف على الرجال، و خصال النشاط البدني الكبير والعمل خارج المنزل بالنسبة لنساء بعض القبائل المدروسة. انظر :
Mead, M. Sex and temperament in three primitive societies, 1935
([17] )Christine G, Eric N, Féminins- Masculins, p 23  
(,p 60( [18] Scott, JW, Gender and the politics of history .Columbia University Press, 1988
([19] )Teixido Sandrinine, Les gender   studies: Genèse et développement. Revue Sciences Humaines, p36 
([20] )نفس المرجع السابق والصفحة، وانظر أيضا
Margaret Maruani, (Dir). Femme, genre, société. La découverte Paris 2005, p 60

( [21] ) نفس المرجع السابق، ص 63
([22] ) الدويبي عبد السلام بشير، أبعاد ومضامين التمييز على أساس النوع الاجتماعي، مجلة العلوم الاجتماعيّة والإنسانية. س 11، عدد 11، سنة 2003، الهيئة القوميّة للبحث العلمي، طرابلس، ليبيا، ص 35.
([23] ) في فلسطين تقدم جامعة بير زيت برنامجا في مستوى الدراسات العليا اسمه النوع الاجتماعي : القانون ودراسات التنمية، كما تقدم جامعة النجاح في نابلس برنامجا في مستوى  الإجازة في علم الاجتماع يحمل عنوان المرأة والمجتمع، وتأمّن كذلك جامعة القدس  شهادة جامعيّة في مستوى الإجازة تحمل عنوان التنمية الاجتماعيّة والأسرة. أما في تونس فإن المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس  يمكنح شهادة  ماجستير متخصصة في الدراسات النسويّة  وذلك منذ  سنة 2003 كما يتمّ في  الأردن تقديم ماجستير متخصص في دراسات المرأة منذ 1998  . وتقدّم جامعة أحفاد في السودان برنامجا في مستوى الدراسات العليا بعنوان "النوع الاجتماعي والتنمية" أما في   مصر فإن بالجامعية الأمريكيّة تخصصا في دراسات النوع الاجتماعي في مستوى الإجازة في العلوم الإنسانية والاجتماعيّة و كذلك الحال  في الجامعة الأمريكية في لبنان ، و لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع  الى البحث الموسوم بـ  " دراسات المرأة في الجامعات العربيّة "  ورقة مقدمة طرف سلوى جمعة الشعراوي لمنظمة المرأة العربيّة ضمن الدورة التدريبيّة حول إدماج  مفهوم  النوع الاجتماعي في مناهج البحث، القاهرة 8-11 ماي 2006 .
* تمثل سنة 2004 السنة التي تقف عندها عملية الضبط الرسمي للرسائل والبحوث الجامعية المناقشة بالكليّة  خلال فترة انجاز بحثنا ( شهر ماي 2006 )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم