السبت، 30 نوفمبر 2013

الإجراءات المسطرية في مدونة الأسرة الطلاق والتطليق نموذجا - ندوة


مداخلة الأستاذ بدر منشيف







    إن المتتبع للشأن القانوني والتشريعي ببلادنا يلاحظ انه لم يحظ أي قانون أخر بمثل ما حظي به القانون الأسري المغربي من الدراسات القبلية والبعدية .وكل أدلى فيه بدلوه وساهم في بلورته وتوضيحه وتقريبه إلى الادهان نظريا وعمليا ومع ذلك فان المشهد العام يبقى غير مكتمل الصورة مالم يحضى قضاء الأسرة _ الذي هو الجانب الأهم في المعادلة والرقم الصعب _ بمثل ما حضي به قانونها من عناية ورعاية واهتمام كامل بالجانب العملي ومن خلال مواكبة مختلف النوازل والوقائع التي تصدى لها القضاء بصفة عامة .
هذا من جهة ، من جهة أخرى فإذا كانت مدونة الأسرة قد عالجت مجموعة من الإشكاليات التي كانت في ظل مدونة الأحوال الشخصية على المستوى  الموضوعي ، فان الجانب المسطري الإجرائي عرف كذلك ثورة على اعتبار انه مهما بلغت القواعد الموضوعية من الدقة والإحاطة فان إهمال الجانب المسطري يجعل هذه القواعد فارغة من محتواها ويكفي أن نعرج على مواد المدونة لكي نلاحظ مدى حضور الجانب المسطري  ومدى أهميته وخاصة إذا تعلق الأمر بالقواعد المسطرية المنظمة لانحلال ميثاق الزوجية سواءا بالطلاق أو التطليق .
وتطبيقا للقاعدة الإطار المنصوص عليها في المادة 70من مدونة الأسرة تم إخضاع مساطر انحلال عقد الزواج لرقابة القضاء لما يمكن أن يتضمنه هذا التدخل من التقليل من حدة المواقف الفردية وإفراغها من شحناتها العدائية والعدوانية والعمل من اجل إعطاء الأسبقية للصلح وهذا ما حدا بالمشرع إلى سن قواعد المسطرية خاصة في صلب موضوع قانون الأسرة وذلك من اجل مساطر تقاضي تخرج عن قواعد التقاضي الكلاسيكي .
لقد كان سابقا خضوع مساطر التقاضي الأسري للمساطر العادية في ظل مدونة الأحوال الشخصية أن يفرغها من المبادئ الشرعية التي كانت تحملها في طياتها والتي توصي باليسر والسرعة وذلك نظرا لتعدد مراحل التقاضي التي كانت تمر منها مساطر التطليق سابقا من مرحلة ابتدائية واستئنافية ونقض علاوة على كون الأحكام المدنية تصبح نافدة في كل القضايا المدنية بعد الاستئناف إلا في مجال الأحوال الشخصية والكل ناهيك عن العراقيل التي كانت تثيرها مشاكل التبليغ كما أن مسطرة الصلح في إطار الفصلين 56من مدونة الأحوال الشخصية والفصل 112 من ق . م .م . كانت تحتم إعادة إجراءات الصلح أمام محكمة الاستئناف إلى غير ذلك من التعقيدات المسطرية الشئ الذي جعل في بعض الأحيان من ملفات الأسرة الشرعية مجلدات تغطي رفوفا واسعة في المحاكم . وألان ما هي التغيرات المسطرية الناجعة التي أتت بها المدونة في مجال انحلال العلاقة الزوجية تفاديا للمشاكل السالفة الذكر؟ وهل من إشكالات في تطبيقها والآثار المترتبة عنها ؟

المطلب الأول : مميزات وخصوصيات القواعد المسطرية للطلاق والتطليق بين حرفيتها وإشكالات التطبيق  .

من اجل فض النزاعات التي تثار بين الأزواج تم تنظيم قضاء متخصص وإفراد قسم خاص يمارس وحده الاختصاص النوعي ، كما تقررت شفوية المساطر والمستجدات المسطرية الموضوعية سن مسطرة تطليق قررت في إطار قواعد النظام العام تمارس المحكمة وهي تبث في طلب الإذن بالتعدد ( م 45.م.س) كما أن المشرع في هذه المدونة أتى بقواعد خاصة بالاختصاص المكاني وقرر التوصل الشخصي في بعض الحالات وإجبارية الصلح والتحكيم الأسري وتحصين الأحكام الصادرة بإنهاء العلاقة الزوجية لمنع مراجعتها عن طريق الطعون . وفيما يلي سأقف عند كل هذه المستجدات والإشكالات المثارة بصدد تطبيقها عبر الفروع التالية:
الفرع الأول : المستجدات في قواعد الاختصاص النوعي والمكاني :
في سياق تخصيص المشرع لدعاوى الطلاق والتطليق بقواعد مسطرية خاصة نجده قد ميز هذا النوع من الدعاوى من حيث تحديده للجهة التي تخص بالنظر فيها نوعيا ومكانيا .
فمن حيث الاختصاص النوعي تم إحداث جهة مختصة للبث في النزاعات الأسرية ويتعلق الأمر بقسم قضاء الأسرة الصادر بشأنه القانون رقم 73.03 الذي غير وتمم ظهير التنظيم القضائي وخاصة الفصل الثاني منه الذي جاء في فقرتيه الخامسة والسادسة ما يلي :
” تنظر أقسام قضاء الأسرة في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة . يمكن لكل غرفة أن تبحث وتكن في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء الأسرة ” .
من خلال هذا الموقف التشريعي أصبح إلزاما علينا أن نتساءل هل إحداث قسم خاص بقضاء الأسرة معناه وضع مفهوم جديد للاختصاص النوعي بين المحكمة والقسم أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد توزيع داخلي للعمل داخل المحكمة الواحدة ؟
إن الجواب عن هذه الإشكالية يقتضي منا استحضار التمييز الفقهي بين مفهومي الاختصاص النوعي والتوزيع الداخلي للعمل داخل المحكمة الواحدة فالاختصاص النوعي معناه تعيين نصيب كل طبقة من طبقات المحاكم التابعة لجهة قضائية واحدة من المنازعات التي منحها القانون حق الفصل فيها . مع العلم أن تحديد غرفة من غرف المحكمة وتكليفها بالنظر في نوع من القضايا لا يعد سلبا لاختصاص باقي الغرف بل هو مجرد توزيع للعمل داخل المحكمة الواحدة يكتسي طابعا تنظيميا ليس إلا . لقد خلق التعديل الذي جاء به المشرع نوعا من الخلط بين مفهوم التوزيع الداخلي للعمل داخل المحكمة الواحدة و قواعد الاختصاص النوعي فإذا عرض نزاع على إحدى غرف المحكمة الابتدائية وتبين لها انه يخرج عن اختصاصها ويندرج ضمن اختصاص قسم  قضاء الأسرة فان هذه الغرفة لن تصرح بعدم اختصاصها للبث في النزاع بمقتضى حكم مستقل بل تحيل ملف القضية بأمر ولائي على السيد رئيس المحكمة الابتدائية لإحالته على قسم قضاء الأسرة المختص قانونا . غير أن التساؤل الذي يبقى مطروحا هو : ماذا لو بثت احدى غرف المحكمة الابتدائية في نوع يدخل ضمن الاختصاص الحصري لقسم قضاء الأسرة ، هل حكمها يكون مشوبا بعيب عدم الاختصاص النوعي ؟ 
نبادر إلى القول إلى انه لا يمكن التمسك بالدفع بعدم الاختصاص النوعي في هذه الحالة وذلك للاعتبارات الآتية :
أولها : أن الفصل 16 من ق.م.م. الذي حدد كيفية إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي اوجب على من يثير هذا الدفع أن يبين المحكمة التي ترفع إليها القضية وإلا كان الطلب غير مقبول وبالتالي فهذا الدفع يهم المحكمة وليس قسم من أقسامها .
ثانيا : إن الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي لم يرتب جزاء البطلان في حالة بث إحدى غرف المحكمة في قضية هي من اختصاص قسم قضاء الأسرة .
إذن إذا كانت الخلاصة التي انتهينا إليها من تحليلنا السابق هي أن قسم قضاء الأسرة هو المختص بالنظر في دعاوى الطلاق والتطليق نوعيا فماذا عن الاختصاص المكاني :
القاعدة في المجال الإجرائي أن المدعي يسعى وراء المدعى عليه ويتبعه غير انه ونظرا لمركز الزوجة الضعيف في العلاقة الزوجية فقد افرد ق.م.م. لبيان الاختصاص المحلي لدعاوى التطليق فصلا مستقلا هو الفصل 212 الذي عدل بمقتضى  القانون رقم 03.73 المشار إليه أنفا وقد جاء فيه ما يلي : ” يقدم وفقا للإجراءات العادية مقال التطليق إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرة نفوذها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو التي ابرم بها عقد الزواج ” .
فمن خلال هذا الفصل يتضح أن المشرع قد خير الزوجة في حالة التطليق في رفع الطلب لإحدى المحاكم الثلاث المذكورة وهي في ذلك غير مقيدة بمراعاة الترتيب الوارد بالنص المذكور ،وهذا على خلاف الزوج الذي يتقدم بطلب الإذن من المحكمة للإشهاد على الطلاق ، حيث ألزمته المادة 79من المدونة بمراعاة الترتيب الذي حددته في بيانها للمحكمة المختصة مكانيا أي بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو محل إقامتها أو المحكمة التي ابرم فيها عقد الزواج .
وبالتالي نخلص إلى أن دعوى الطلاق والتطليق تحكمها قاعدة ثلاثية من حيث الاختصاص المكاني مما تجعلها تندرج ضمن الاستثناءات المسطرية .
الفرع الثاني : أطراف الدعوى في مسطرتي الطلاق والتطليق :  
لتبيان صفة المدعي أو من يتخذ المبادرة في تحريك مسلسل إجراءات إنهاء العلاقة الزوجية نصت المادة 78 على ما يلي ” الطلاق حل ميثاق الزوجية يمارسه الزوج و الزوجة كل بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء ، وطبقا لأحكام هذه المدونة ”
انطلاقا من هذا النص حق اتخاذ المبادرة في إنهاء العلاقة بالطلاق
-         أي الذي يتخذ صفة المدعي في طلب الإذن _ هو:
-         الزوج بإرادة منفردة في الطلاق الرجعي أو المكمل للثلاث
-         الزوجة بإرادة منفردة في طلاق التمليك ( المادة 89م.س.)
-         الزوج او الزوجة أو هما معا في الطلاق الاتفاقي ( المادة 114م.س)
-         الزوج فيطلاق الخلع ( المادة 115 م.س)
في الحالات أعلاه ينحصر دور القاضي بعد إجراء الصلح في الإشهاد بالقبول والاستجابة لطلب الطرف المدعي ثم يحدد المستحقات الشرعية للزوجة والأطفال إن وجدوا ويأمر بوضعها بصندوق المحكمة علما انه لا رجعة أثناء العدة كلما تحولت العصمة إلى الزوجة عن طريق التمليك أو تنازل الزوج عنها في الطلاق ألاتفاقي أو الخلع .
وتكون صفة المدعي في إطار مؤسسة التطليق حسب الأحوال الآتية :
-         الزوج أو الزوجة في طلب التطليق للعيب .
-         الزوج أو الزوجة أو هما معا في مسطرة التطليق للشقاق الأصلية ( م.98م.س) + (م.94 م.س) .
-         الزوج أو الزوجة في التطليق للشقاق ضمن مقتضيات المادة 525 .
ورغم أن المشرع خول لكل من الزوجين حق اللجوء إلى مسطرة الشقاق بمقتضى المادة 52و94 من مدونة الأسرة اعتبر البعض أن مسطرة الشقاق وضعت وجاءت للسماح للزوجة بممارسة الطلاق بشكل فيه تحايل على العصمة التي هي بيد الزوج وعلى الشرع كما ينتقدون على المدونة حرمان الرجل حق رفع دعوى الضرر والغيبة وفي حالة السجن أو الإخلال بأحد شروط العقد .
يزعم أصحاب هذا الرأي انه تم سحب البساط من تحت رجل الرجل بسحب امتيازاته الشرعية ويؤكدون أن مدونة الأسرة أعطت للزوجة حصة الأسد في حق المبادرة إلى إنهاء العلاقة الزوجية مما يجعل الانتقادات التي كانت موجهة إلى م.ح.ش. التي ساهمت في استفحال ظاهرة الطلاق تنتقل إلى مدونة الأسرة التي يقال عنها أنها سبب في استفحال ظاهرة التطليق لفائدة الزوجة .
ومما يثير غضب أصحاب هذا الرأي هو ما اعتبر بدعة مسطرية تلك المنصوص عليها في المادة 45 من المدونة من كون المحكمة تطبق تلقائيا مسطرة الشقاق عندما يثبت للزوج حق التعدد ولا توافق الزوجة ولا تطلب تطليقها حيث اعتبر هذا التوجه التشريعي خروجا عن الحياد القانوني الذي يجب على المحكمة أن تلازمه وهي لا تحكم إلا في حدود طلبات الإطراف طبقا للمادة 3من ق.م.م. والرأي فيما اعتقد أن المشرع كان على صواب في هذا التوجه على اعتبار أن الزوجة في هذه الحالة تتخذ موقفا سلبيا ولا تطلب من المحكمة بصفة صريحة الحكم بتطليقها من عصمة زوجها أو تتحد موقفا ايجابيا تعبر فيه عن عدم رغبتها في التطليق ففي هذه الصورة خول المشرع للمحكمة إعمال سلطتها التلقائية وتطبيق مسطرة الشقاق بدون طلب من طرفي العلاقة الزوجية .
الفرع الثالث : أهمية ومكانة التبليغ وإجراءاته :
نظرا لخصوصية مدونة الأسرة فان المشرع خروجا على عدة قواعد إجرائية منصوص عليها في ق.م.م. نظم قواعد التبليغ ضمن نص الموضوع ومرد ذلك حماية الزوجة التي غالبا ما تكون الطرف الضعيف في الحالات التي تكون فيه المدعى عليها .
بالنسبة لدعوى الإذن بالطلاق يشترط لصحة التبليغ توصل الطرفين بصفة شخصية وان التوصل القانوني المنصوص عليه في المادة 39.ق.م.م.لا يغني عن التوصل الشخصي ولا يقوم مقامه لأنه من الملاحظ ورغم حرفية النص فان بعض المحاكم  لا تاخد بالدفع المتعلق بعدم صحة التبليغ القانوني والذي لا يشكل توصلا بمفهوم المواد 43 و 81 م.س وبناء عليه لا يمكن اعتبار الزوج تراجع عن طلب الإذن بالطلاق بناء على عدم حضوره بعد توصله وفق المادة 39 من ق.م.م.
إذن أساس الدفع بعدم صحة التبليغ يهدف إلى حمل المحكمة على إصدار حكم يقضي بعدم قبول الدعوى شكلا وذلك لعدم صحة العناوين المدلى بها وابتعاد المحكمة عن إصدار أحكام نمطية بعلة ” اعتبار الزوج متراجعا عن طلبه لغيابه رغم توصله القانوني ” .
بالإضافة إلى ذلك يطرح الطلاق إشكالية أخرى بخصوص تبليغ الاستدعاء للزوجة المجهولة العنوان وهي إشكالية عالجتها الفقرة الأخيرة من م.81.م.س. التي نصت على انه إذا تبين أن عنوان الزوجة مجهول استعانت المحكمة بالنيابة العامة للوصول إلى الحقيقة وإذا تبين تحايل الزوج طبقت عليه العقوبة المنصوص عليها في المادة 361منالقانون الجنائي بطلب من الزوجة .
والحل التشريعي المنصوص عليه في هذا النص رغم الصياغة التشريعية غير الواضحة على حد تعبير احد الأساتذة يتعلق بتنصيب قيم في حق الزوجة وكان على المشرع أن يعتمد إحالة صريحة على مقتضيات الفقرات 7 و 8 و9 من الفصل 39 ق.م.م.التي تتضمن مسطرة القيم علما أن هذه المسطرة يمكن أن تطبق في التطليق للشقاق الذي يرجع في دعواه للقواعد العامة بشان إجراءات التبليغ لانعدام نصوص خاصة بذلك .
ومن الخصوصيات التي ينفرد بها التبليغ في مادة الطلاق عن التطليق للشقاق انه في مادة التطليق بسبب الشقاق فان الطرف المدعى عليه لا يستدعى الامرة واحدة فمتى بلغ بطريقة نظامية ولم يحضر يتم وضع حد للإجراءات المسطرية المتعلقة بالدعوى ويبث فيها .أما في مسطرة الطلاق فان المشرع وضع ضمانة أخرى للزوجة التي تتخلف رغم توصلها بصفة شخصية من دون أن تدلي بملاحظات كتابية حيث يلزم قبل البت في الطلب المقدم إلى المحكمة أن تحضرها بواسطة النيابة العامة بأنه في حالة عدم حضورها فانه سيبت في الملف في غيابها ( فق 3م81م.س.)
الفرع الرابع :إجراءات الصلح والتحكيم في مؤسستي الطلاق والتطليق .
لما كان هاجس المشرع وضابطه الأول هو الحفاظ على كيان الأسرة وجعل من الطلاق والتطليق استثناء فانه جعل أيضا من إجراءات الصلح في تلك المساطر إجراء جوهريا والذي جاء في مدونة الأسرة على شكل إجراء مسطري محدد الملامح والمقاصد بل وعززت تلك الإجراءات بمسطرة تحكيم اسري فإلى أي حد استطاع المشرع من خلال مؤسسة الصلح سواء القضائي أو غير القضائي الحفاظ على كيان الأسرة ؟
إن إجراء محاولة الصلح بين الزوجين هو أمر ضروري وحتمي في جميع قضايا التطليق وكذا الطلاق باستثناء التطليق للغيبة وهو ما اكدت عليه المادتين 94 و 113 م.س. وكذا المادة 81 ورغم أن المشرع لم ينص على الجزاء المترتب عن الإخلال بمسطرة الصلح إلا أن الصباغة التي جاءت بها المادتين 94 و 113 م. س .توحي بان هذه المسطرة من النظام العام وهو ما سبق أن أكده المجلس الأعلى في احد قراراته .وهو كذلك ما يستشف من الدليل العملي لمدونة الأسرة عند شرحي للمادة 82 م.س. حيث اعتبر أن ” محاولة الصلح إجراء جوهري ولا يمكن انجازه في غياب الزوجين .لذلك اوجب المشرع حضورهما الشخصي في جلسة المصالحة . ”
وإذا ثبتت الطبيعة القانونية لمحاولة الصلح فما هو الجزاء القانوني في حالة تخلف احد الزوجين عن الحضور لإجرائها ؟
يبدو في هذا الإطار انه يتعين التمييز بين حالتين: حالة تخلف الزوجة أو الزوج عندما يتقدم احدهما بطلب التطليق وحالة تخلف احدهما عندما يكون طرف مدعى عليه .
ففي الحالة الأولى نميز في إطار ها بين التخلف عن الحضور الأول جلسة وبين التخلف عن الحضور للجلسات التي تلي الجلسة الأولى : فالتخلف عن الحضور الأول جلسة يل على أن طالب التطليق قد تراجع عن طلبه ( م.81.م.س)كما انه لا مانع من الحكم بعدم قبول الدعوى ما دام أن إجراء محاولة الصلح من النظام العام .
أما في حالة تخلف الزوج أو الزوجة عن الحضور لجلسات الصلح الوالية للجلسة الأولى فهنا يتم الإعلان عن فشل محاولة الصلح لتعذرهما . على أن المحكمة قد تجد نفسها في حيرة من أمرها عندما يتخلف كلا من الطرفين المدعي والمدعى عليه عن الحضور رغم الإعلام ودون عذر مقبول فهل يعتبر ذلك دليل على فشل محاولة الصلح وبالتالي البت في الطلب على ضوء هذا المعطى أم يفسر على وجود صلح بينهما ؟
اعتقد انه على المحكمة في هذه الحالة أن تتريث كثيرا في الإعلان عن فشل محاولة الصلح والحكم بالتطليق فوجود احتمال ولو بسيط على إمكانية وقوع صلح بين الزوجين أمر لا ينبغي تجاهله ضمانا لاستقرار الأسرة وبالتالي فالمحكمة يمكنها هذا الموقف على انه تراجع عن طلب التطليق .
أما بالنسبة لحالة تخلف الزوج كطرف مدعى عليه عن الحضور لجلسة الصلح رغم استدعائه بصفة قانونية فهذا دليل على رفضه إجراء محاولة الصلح وبالتالي يقم الإشهاد على تعذر إجراء الصلح ويبت في الطلب .
وجدير بالذكر أن إجراءات الصلح تعرف خصوصية في الحالة التي يوجد فيها أطفال حيث يتعين على المحكمة أن تجري محاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن 30 يوما . ( م82.م.س) والتساؤل المطروح هو هل يلزم في هذه المرحلة من عمر النزاع أن يحضر الطرفان بصفة شخصية أم لهما أن يوكلا وكيلا لهذا الغرض؟
لم تتطرق مدونة الأسرة لمسالة الوكالة في الطلاق والتطليق خلافا لما قررته من جوازها في الزواج بشروط خاصة .فهل سكوتها يحمل على المنع أم على الإحالة على القواعد العامة المنظمة للوكالة وبالتالي إمكانية التكليف بناء عليها .
يمكن القول أن المشرع قد تعمد عدم الإشارة إلى الوكالة في التطليق إذ أن فلسفته اتجهت إلى التضييق من إعمالها في هذا المجال وذلك أن المشرع ألزم المحكمة بالقيام بمحاولات جادة من اجل الوصول إلى الصلح بين الزوجين هذا الأخير الذي يتطلب الحضور الشخصي للطرفين فالصلح يقوم أساسا على الاعتبار الشخصي ومن ثمة يصعب القيام به إذا حضر وكيل احد الطرفين الذي تكون له غالبا تعليمات يرفض الصلح وبالتالي إفراغ مسطرته من كل مدلول لها.
ومع ذلك تعتبر انه يجوز قبول الوكالة في نطاق ضيق وهو المرحلة اللاحقة على اختتام المحكمة لإجراءات الصلح بطرق بديلة للصلح من خلال الإشارة في م.82.م.س. إلى مؤسسة الحكمين ومجلس العائلة وكذا كل من تراه المحكمة مؤهلا للصلح .
فبخصوص انتداب الحكمين نجد أن هناك من يعتبر هذا الإجراء إلزاميا في دعوى التطليق للشقاق طالما أن لتقريرهما إنهائي بشان محاولة الصلح أثار قانونية حددتها المادتين 95 و 96 م.س. وهناك اتجاه ثاني ذهب إلى أن المحكمة لها سلطة تقديرية في هذا المجال فإذا رأت أن الزوجين لا أمل في صلحهما صرفت النظر عن الحكمين وتبت في جوهر الدعوى والعكس صحيح على اعتبار أن هذا الاتجاه من شانه تسريع وثيرة البت في الدعوى ويساعد على البت فيها داخل الأجل المحدد قانونا وهو ستة أشهر .
أن هذا الاتجاه لا يساير فلسفة وروح مدونة الأسرة التي اعتبرت أن خصوصية دعوى الشقاق لا تقدم في الأصل كطلب للتطليق وإنما تقدم في شكل طلب للمحكمة لحل النزاع الذي يخاف منه الشقاق ومن ثم فدور المحكمة بالأساس هو دور تصالحي توفيقي وقائي بين الزوجين لحل النزاع ( م.94 .م.س.)
أما مجلس العائلة فرغم صدور المرسوم المتعلق به بتاريخ 14 يونيو 2004 فانه لم يتم لحد الآن تفعيله بالشكل المطلوب ولعل السبب في ذلك يرجع إلى الصعوبات التي يطرحها هذا المجلس في تكوين أعضاءه فضلا عن كون الغاية منه قد تتحقق بشكل أفضل عند انتداب الحكمين أو انتداب من تراه المحكمة مؤهلا لإصلاح ذات البين .
وبعد سلوك كل هذه المساطر والإجراءات تكون المحكمة قد استجمعت عناصر ومعطيات البت في الدعوى فتصدر حكما في القضية وهو حكم يجب أن يتضمن مجموعة من العناصر كما تترتب عليه أثار قانونية هامة .

خاتمة :    

إن مقتضيات مدونة الأسرة التي التزمت بأحكام الشرع ومقاصده السمحة تقتضي أن تحقق الأهداف المرجوة منها عند تطبيقها وفق الروح التي ابتغاها المشرع ولا يتحقق ذلك إلا بعد تيسير فهم مضامينها ومعرفة كنهها وتطبيقها بما يقتضي التعايش الاجتماعي لذلك تم خلق قسم جديد للقضايا الأسرة وتميزت مساطر هذا النوع من القضايا بالخصوصية والنوعية كل ذلك لتبسيط وتسهيل المساطر واتخاذ الحلول للمشاكل التي تعترض هذه الفئة مما يمكن من تصريف فعال وسريع للعدالة وإيصال الحقوق لأصحابها في الوقت المناسب .




                                                                                                                                            تاوريرت بريس
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم