الجمعة، 12 ديسمبر 2014

بدون حرج : ثبوت النسب


كيف دبر المشرع ما يتصل بإنساب الأطفال لأباءهم كما جاءت به بنود مدونة الأسرة ؟
هل من تفسير لتنامي التقاضي من أجل الفصل في إلحاق مواليد وأطفال بنسب آباء مفترضين ؟
ما هي حدود وإكراهات اللجوء واعتماد نتائج الخبرة الطبية في إثبات النسب أو نفيه ؟
ثم كيف السبيل لتحقق ركني معادلة حفظ الأنساب مع ضمان حق الطفل في الانتساب ؟


الاثنين، 10 نوفمبر 2014

تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة: بين التدخل الأصلي و التدخل الانضمامي - مسطرة الشقاق نموذجا



تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة: بين التدخل الأصلي و التدخل الانضمامي.  مسطرة الشقاق نموذجا بقلم ذ محمد نعـنـاني
إن المجال الرئيسي لعمل النيابة العامة يتحدد أساسا في المجال الزجري، و ذلك بتحريكها للدعوى العمومية كلما كان الحق العام مهددا، إلا أن  ذلك لا يعني اقتصارها على هذا المجال دون غيره، في وقت أصبح إدخالها في المجال المدني ضرورة ملحة، حتى يحاط بنوع من الحماية الكفيلة بضمان حقوق الأفراد.
 
          و أمر كهذا هو ما جعل التشريعات المدنية، خاصة منها المتعلقة  بالإجراءات، تتناول هذه المؤسسة و تنظم عملها في المجال المدني، كما هو الشأن بالنسبة لقانون المسطرة المدنية المغربي الذي تناول دور النيابة العامة أمام المحاكم المدنية في باب خاص ، موطئا بذلك للتشريعات المتعلقة بالموضوع للتأكيد على هذا الدور الحمائي بمقتضى نصوص خاصة، الغاية منها تفعيل هذه الحماية و تحديد مواضع تدخل النيابة العامة من أجل تحقيقها. و في هذا الإطار تدخل مشرع مدونة الأسرة  لينص صراحة على هذا الدور فاعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق بنود المدونة، كما عزز هذا التدخل بنصوص أخرى مفرقة بين مواد المدونة لتشمل حتى السهر على سلامة إجراءات التبليغ.
 
          و بما أن دور جهاز النيابة العامة حيوي و ضروري في سير الدعوى أمام القضاء الأسري، فإنه من الضروري التوقف عند طبيعة تدخلها في هذا النوع من القضايا، الذي سنحاول النظر فيه من خلال نموذج مسطرة الشقاق، على اعتبار كثرة المواضع التي تتدخل فيها النيابة العامة و التي يصعب الإحاطة بها جميعها في مقالة واحد.
لأجل ذلك فإننا سنتوقف ابتداء عند طبيعة تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة، هل هو أصلي أم انضمامي؟ و ذلك لما بين الحالتين من فروق. زد على ذلك ضرورة تتبع دور هذه المؤسسة في الحرص على سلامة إجراءات التبليغ، و ذلك لتوقف إجراءات الصلح على سلامة هذه الأخيرة.
 
المطلب الأول: طبيعة تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة.
 
          إن تدخل النيابة العامة في القضايا المدنية يتوزع بين أن يكون تدخلا أصليا رئيسيا أو تدخلا انضماميا، وذلك حسب ما ينص عليه الفصل 6 من ق.م.م[1]. و بين التدخل الأصلي و التدخل الانضمامي فوارق جوهرية تؤثر على سير و نتائج الخصومة القضائية[2]. مما يُحَتِّم علينا البحث في طبيعة تدخلها لاسيما  و أن المسألة يتجاذبها نصان أساسيان: الأول و هو المادة 3 من مدونة الأسرة، و الثاني هو الفصل 9 من ق.م.م.
 
          فالمادة 3 من مدونة الأسرة تنص على أنه : " تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة "، فطبقا  لهذه المادة فتدخل النيابة العامة في مسطرة الشقاق تدخل أصلي باعتبار أنها من القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام  المدونة سواء بصفة أصلية أو تبعية.
 
          أما الفصل 9 من ق.م.م فينص على أنه " يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتيـة:
1 - ...   
2 -  القضايا المتعلقة بالأسرة"
 
          و ينص قبله الفصل 8 على أن: " تتدخل النيابة العامة كطرف منضم في جميع القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها"، و معلوم أن مسطرة الشقاق كغيرها من الدعاوى داخلة ضمن عبارة قضايا الأسرة التي يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة، و بالتالي اعتبارها طرفا منضما حسب الفصل 8 ق.م.م.
 
          و السؤال الذي يطرح الآن: كيف السبيل إلى التوفيق بين هذه المقتضيات في وقت تبدو فيه و كأنها طرف رئيسي و طرف منضم في آن واحد، و هو أمر غير مستساغ لوجود فوارق بين التدخلين.
 
          لقد حاول البعض الجمع و التوفيق و ذهب إلى أن المشرع أعطى للنيابة العامة دور الطرف الرئيسي و الأصلي في القضايا الرامية إلى تطبيق بنود و أحكام مدونة الأسرة، و دور الطرف المنضم في باقي قضايا الأسرة و القضايا الرامية إلى حماية و رعاية الأسرة ما لم تكن مدعية أو مدعى عليها بنصوص خاصة[3].
 
          إلا أننا لا نوافق على هذا التوفيق، و ذلك أنه قسم القضايا المعروضة أمام أقسام قضاء الأسرة إلى قسمين: قضايا رامية إلى تطبيق بنود و أحكام المدونة، و قضايا رامية إلى حماية و رعاية الأسرة، و الحال أن الأولى تشمل الثانية. أفليست حماية و رعاية الأسرة مضمونة و مضمنة في بنود و أحكام مدونة الأسرة، بحيث تكون القضايا الرامية إلى تطبيق بنود و أحكام مدونة الأسرة حتما رامية إلى حماية و رعاية الأسرة؛ ثم إن هدف و مسعى المشرع من وضع أحكام مدونة الأسرة هو حماية و رعاية الأسرة بحيث أن أي قضية لا يمكن أن يكون هدفها حماية و رعاية الأسرة إلا إذا تم تطبيق أحكام و بنود مدونة الأسرة.
 
          و أمام هذه المعطيات فإننا نرى أنه لا يمكننا الحديث إلا عن نوع واحد من القضايا يجمعه عنوان واحد عريض هو "قضايا الأسرة" التي من بينها قضايا الشقاق حتى لا نحاول أن نبحث لها في إطار التفريق السابق عن مكان سواء بين القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام المدونة، فنقول إن تدخل النيابة العامة فيها رئيسي، أو بين القضايا الرامية إلى حماية و رعاية الأسرة فنقول إن تدخل النيابة العامة في إطارها انضمامي.
 
          فالأمر لا يتعلق لا بهذه و لا بتلك، مما يتحتم معه البحث بجدية في طبيعة تدخل النيابة العامة في مسطرة الشقاق من دون اتكاء على معطيات جاهزة، و لا مقتضيات دون أخرى.
 
          و بخصوص هذه المسألة يذهب البعض إلى أن النيابة العامة تعتبر طرفا منضما في قضايا الطلاق و التطليق، و لا يمكن أن تكون طرفا رئيسيا في هذه القضايا، و إلا أصبحت النيابة العامة تتوفر على الصفة في أن تتقدم بطلب الإذن بالإشهاد على الطلاق، و بطلبات التطليق، ومنها طلب التطليق للشقاق، و هذا يتنافى مع الطابع الشخصي لعقد الزواج، و مع الفلسفة التي يتبناها قانون الأسرة المغربي، و التي تهدف إلى استقرار رابطة الزواج و دوامها. و يضيف بأن مما  يؤكد الطابع الانضمامي لدور النيابة العامة في قضايا الطلاق و التطليق، ما ذهبت إليه المادة 88 من مدونة الأسرة، التي تنص على أنه: "بعد توصل المحكمة بالنسخة المشار إليها في المادة السابقة، تصدر قرارا معللا يتضمن:
1 -...
2 - ملخص ادعاء الطرفين وطلباتهما، وما قدماه من حجج و دفوع، والإجراءات المنجزة في الملف، ومستنتجات النيابة العامة"[4].
 
          غير أن هذه الحجج التي تم الاحتجاج بها لا تقوم دليلا على أن النيابة العامة تتدخل في مسطرة الشقاق، بل وحتى الطلاق، بصفتها طرفا منضما، حيث تم استبعاد كونها طرفا رئيسيا بحجة أنها بذلك ستتوفر على الصفة في أن تتقدم بطلب الإذن بالإشهاد بالطلاق و التطليق.
 
          أما الطلاق فنقول لا يمكنها ذلك ولو كانت طرفا أصليا لوجود نص قانوني حسم الأمر و حصر حق طلب الإذن بالإشهاد على الطلاق على الزوج و الزوجة فقط، و هو المادة 78 التي تنص على أن " الطلاق حل ميثاق الزوجية، يمارسه الزوج والزوجة، كل بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا لأحكام هذه المدونة".
 
          أما المطالبة بالتطليق، فنقول ما المانع في أن تطالب النيابة العامة بذلك، خاصة إذا كان تطليقا للشقاق، لا سيما و أن المشرع ما منح الزوجة في بعض الحالات اللجوء إلى مسطرة الشقاق إلا لتعذر حصولها على التطليق بسلوك دعاوى أخرى كدعوى التطليق للضرر و عدم تمكنها من إثبات هذا الأخير، فأراد بذلك أن يسعى إلى الإصلاح بأي وسيلة إما بالتوفيق بين الزوجين أو برفع الضرر بالتطليق. فالزوجة التي يضر بها زوجها في جسدها و دينها و لا تستطيع إثبات الضرر فلا حرج على النيابة العامة من أن تطالب بتطليقها منه للشقاق خاصة إذا كان الضرر بالغا و لا تستطيع إثباته.
 
          و بخصوص إشارة المحكمة إلى مستنتجات النيابة العامة عندما تشهد على إيقاع الطلاق بموجب قرار وفقا للمادة 88، فليس فيه ما يفيد أن تدخلها انضمامي. بل العكس حيث يتعرض القرار الذي لم يشر إلى هذه المستنتجات للبطلان لأن دور النيابة العامة هنا دور رئيسي، بل إن النيابة العامة تتدخل في طلبات الطلاق و تحضر جلسة الصلح التي تقيمها المحكمة لإصلاح ذات البين و هي من تخطر الزوجة للحضور إذا توصلت شخصيا و لم تحضر الجلسة الأولى و تبحث عن موطنها إذا تعذر توصلها بالاستدعاء للحضور وفقا لما نصت عليه المادة 81 من المدونة[5].
 
          و بالإضافة إلى ما ذكر فإن هناك العديد من الأدلة على أن تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة و في مسطرة الشقاق على وجه الخصوص هو تدخل أصلي و أقواها:
 
          المادة 3 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه: " تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة"، فكانت سدا لأي جدال فقهي حول حقوق و التزامات النيابة العامة داخل قضايا الأسرة من الناحية الإجرائية و يرفع عن طبيعتها أي لبس و غموض[6]. فالنص هو أعلى درجات البيان بحيث لا يحتمل أي تأويل من هذا الوجه الذي سيق من أجله.
 
          و من الأدلة على أنها طرف أصلي أن لها الحق، بناء على مقتضى المادة 3 من مدونة الأسرة، في الطعن في الأحكام القضائية عموما و في الجزء المتعلق بالمستحقات في الأحكام القاضية بالتطليق للشقاق و هو الأمر الذي لا يمكنها مباشرته عند تدخلها بصفة انضمامية طبقا لمقتضى الفصل 8 من ق.م.م الذي ينص على أنه: " تتدخل النيابة العامة كطرف منضم في جميع القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها، و كذا في الحالات التي تطلب النيابـة العامة التدخل فيها بعد إطلاعها على الملف، أو عندما تحال عليها القضية تلقائيا من طرف القاضي، و لا يحق لها في هذه الأحوال استعمال أي طريق للطعن".
 
          كما أن طبيعة مسطرة الشقاق التصالحية يقتضي إدخالها بصفة رئيسية للسهر على تطبيق إجراءات الصلح التي تشكل جوهر المسطرة في كليتها.
 
          و يؤكد تدخلها الأصلي في مسطرة الشقاق، دورها في إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية حسب ما تنص عليه الماد 53 حيث أنه: " إذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر، تدخلت النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حالا، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته"[7]، بحيث تقوم أولا بإرجاع المطرود و ضمان سلامته، ثم لها بعد ذلك أن تثير مسطرة الشقاق لوجود أمارات هذا الأخير و هو النزاع الذي وصل إلى حد الطرد من بيت الزوجية، فتثير مسطرة الشقاق ابتداء و تطلب من المحكمة  حل هذا النزاع بسلوك إجراءات المسطرة التصالحية، و لا يمكنها أن تقوم بهذا كله إلا إذا كانت طرفا رئيسيا في هذه المسطرة.
 
          و نعزز هذه الأدلة بما قرره المفسرون من أن أول المخاطبين بقوله تعالى: )وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا(هم الحكام، حيث قال أبو بكر بن العربي "إذا علم الإمام من حال الزوجين الشقاق لزمه أن يبعث إليهما حكمين ولا ينتظر ارتفاعهما ؛ لأن ما يضيع من حقوق الله أثناء ما ينتظر رفعهما إليه لا جبر له"[8]، و بما أن القضاء لا يمكنه إثارة أي دعوى أو أي مسطرة إلا بناء على طلب فإنه لا يبقى مجال لتنزيل مقتضى هذه الآية إلا على النيابة العامة باعتبارها راعية الحق العام ــ على اعتبار أن الحاكم هو راعي الرعية و الساهر على أمورها ــ و بالتالي إعطائها حق إثارة مسطرة الشقاق كلما خشيت حصوله.
 
          و نحن إذ نؤكد على الدور الرئيسي للنيابة العامة في مسطرة الشقاق و في سائر قضايا الأسرة، نعي تمام الوعي غياب تفعيله على أرض الواقع و لو في أقسام كبرى من أقسام قضاء الأسرة، كأقسام قضاء الأسرة بالرباط  و ضواحيها حيث يلاحظ غياب تفعيل دور النيابة العامة، و أن دورها ينحصر في ملء المطبوعات المعدة من أجل الإدلاء بالمستنتجات المتعلقة بالقضايا المحالة عليها[9].         
 
          و السبب في هذا الوضع هو ما يعيبه البعض على المشرع حينما أبقى على ترتيب الفصل 9 من ق.م.م، و أقحم فيه القضايا المتعلقة بالأسرة، و كأنه قد نسي أن القضايا المذكورة في الفصل 9 من ق.م.م إنما تكون فيها النيابة العامة طرفا منضما لا طرفا رئيسيا أو أصليا، و لا يحق لها أن تمارس حق الطعن في الأحكام بموجب صفة الانضمام و كأننا بالمشرع يسلب باليد اليسرى ما سبق أن أعطاه للنيابة العامة باليد اليمنى، فما كان يجب أن يقحم قضايا الأسرة في الفصل 9 من ق.م.م و كان عليه أن يكتفي بما ورد في المادة 3 من مدونة الأسرة باعتبارها المقتضى الخاص الواجب التطبيق تماما كما نص في قضايا أخرى تعتبر فيها النيابة العامة طرفا أصليا دون الإشارة إلى ذلك في الفصل 9 من ق.م.م كقضايا الحالة المدنية و إحالة بعض أحكام قضايا الجماعات و المقاطعات و النزاعات الحاصلة بسبب صحة إجراءات الإكراه البدني و قضايا المحامين بصفتهم المهنية أو القرارات التي تصدرها مجالس الهيأة[10].
          و لعل المشرع المغربي تنبه إلى هذا الارتباك الحاصل في المقتضيات القانونية الواردة في ق م م، فقرر تداركه في مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد حيث جاء بمقتضى جديد في المادة 9 منه التي اقترح فيها ما يلي: " تكون النيابة العامة طرفا أصليا في الحالات الآتية:
1-...
2- القضايا المتعلقة بالأسرة".
 
المطلب الثاني: تدخل النيابة العامة في إجراءات التبليغ
 
          إن من أهم حقوق الدفاع، الحق الذي يهدف إلى إخبار الخصم بما سيتخذ في الخصومة من إجراءات، و ما يطرح فيها من طلبات و دفوع و أوجه دفاع حتى يتمكن من الرد عليها أو يتخذ في شأنها الموقف المناسب لمصلحته، و لن يتأتى له ذلك إلا عن طريق التبليغ إليه، و معلوم أن المرء لا يحوز مركز الخصم في الدعوى بمجرد تسجيلها ضده بل لابد من الإنهاء إلى علمه بوجودها و يتطلب ذلك تبليغ المقال إليه، و يعد توجيه الاستدعاء و عملية التبليغ شرطا أساسيا لإصدار الحكم على الخصم و إلا كان الحكم باطلا[11].
 
          و يقصد بالتبليغ الشكل الذي يتم بواسطته إعلام الشخص بالإجراء المتخذ ضده أو لفائدته، فهو بذلك وسيلة قانونية تهدف إلى الإشعار بالموضوع الذي تعلق به التبليغ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال محاجة شخص بقرار ما أو بإجراء ما إلا بعد إشعاره و منحه الفرصة في إبداء ما لديه من رد أو دفاع[12].
 
          و يخضع التبليغ في قضايا الأسرة من حيث المبدأ للقواعد المقررة في ق.م.م في الفصول 37، 38، 39 إلا إذا خص المشرع بعضها بنصوص خاصة كما هو الشأن في المادة 81 من مدونة الأسرة الخاصة بالطلاق حيث اشترط العلم اليقيني للزوجين و ذلك بالتوصل الشخصي.
 
          و خلافا لما خص به المشرع التبليغ في الطلاق، فإنه لم ينص على أي مقتضيات خاصة بشأن التبليغ في مسطرة الشقاق، مما يعني خضوعها للنصوص العامة الواردة في ق.م.م فيكون التوصل صحيحا إذا سلم الاستدعاء لأحد الأشخاص الذين لهم الصفة لذلك طبقا للفقرة الأولى من الفصل 38 و هم الشخص نفسه، أو أقاربه أو خدمه أو لكل شخص آخر يسكن معه.
 
          غير أن ما تجب الإشارة إليه بصدد صحة التبليغ ــ في مسطرة الشقاق ــ أنه يجب ألا يعتد به إذا تم لأصهار المدعى عليه من أقارب الزوج المدعي، لأنه في هذه الحالة يعد رفع الدعوى في حد ذاته قرينة قوية على النزاع بين العائلتين، مما يتعين معه عدم الاعتداد بهذا التبليغ حفاظا على حقوق الدفاع و صونا لكيان الأسرة[13].
 
          و إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للأصهار، فإنه من باب أولى ألا يكون صحيحا إذا سلم للزوج الذي هو في نزاع مع الزوج الآخر[14].
 
          و التبليغ يتم طبقا للفصل 37 من ق.م.م بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية[15]. و ليس هناك ما يلزم محامي الزوج المدعي في مسطرة الشقاق من الالتزام بالسهر على تبليغ الاستدعاء للزوج المدعى عليه[16].
 
           و حرصا من المشرع على ضرورة القيام بإجراءات الصلح التي تعتبر إجراءات وجوبية في مسطرة الشقاق، و التي لا يمكن أن تتم إلا بحضور الطرفين و خاصة الزوجة، فإنه أعطى للنيابة العامة دورا مهما في إجراءات التبليغ.
 
          و يتجلى دور النيابة العامة عند استدعاء الزوجة لجلسة الصلح بصفة صحيحة ثم تتغيب و لا تقدم أي ملاحظات مكتوبة عن التغيب و أسبابه، ففي هذه الحالة تخطرها المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الملف، و كل هذا إذا كان عنوانها معلوما، أما إذا تبين أن عنوانها مجهول فإن المحكمة تستعين بالنيابة العامة للبحث عنها و الوصول إلى الحقيقة.
 
          أما عن كيفية إخطار النيابة العامة للزوجة المتغيبة فيتم بمختلف الوسائل الكفيلة بوصول الإشعار إليها بما في ذلك الاستعانة بالضابطة القضائية أو بأحد أعوان النيابة العامة، و إذا ثبت تحايل الزوج بأن أعطى عنوانا وهميا أو غير صحيح لا علاقة للزوجة به، أو أعطى اسما هو غير اسم الزوجة الحقيقي، حق للنيابة العامة أن تتابع الزوج المتحايل طبقا للفصل 361 من القانون الجنائي الذي ينص على أن " من توصل بغير حق، إلى تسلم إحدى الوثائق المشار إليها في الفصل السابق، أو حاول ذلك، إما عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة، وإما عن طريق انتحال إسم كاذب أو صفة كاذبة، وإما بتقديم معلومات أو شهادات أو إقرارات غيرصحيحة، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائة وعشرين إلى ثلاثمائة درهم". و تتم متابعة الزوج المتحايل بناء على طلب الزوجة المتضررة و سحب هذا الطلب يضع حدا للمتابعة قياسا على جنحة الخيانة الزوجية و السرقة بين الأقارب و ذلك حفاظا على تماسك الأسرة[17].
 
          و بذلك يتبين أن المشرع أدخل النيابة العامة و أناط بها هذا الدور ضمانا لمواصلة السير العادي للدعوى، و حفاظا على حق الأطراف و خاصة الزوجة في التوصل بالتبليغ و بالتالي العلم بالإجراءات المتخذة ضدها أو لفائدتها. و ذلك انسجاما مع ما قرره المشرع في مدونة الأسرة، و ما ذهبنا إليه من اعتبار تدخل النيابة العامة في هذا النوع من القضايا تدخلا أصليا، يتعين التعامل معه بمزيد من الجدية و العناية اللازمتين.
 
الهوامش
 

[1]- ينص الفصل 6 من ق.م.م على أنه: " يمكن للنيابة العامة أن تكون طرفا رئيسيا أو أن تتدخل كطرف منضم و تمثل الأغيار في الحالة التي ينص عليها القانون "
[2]- تتجلى هذه الفوارق في كون أن:
  1. تدخل النيابة العامة كطرف أصلي ينطوي على دور إيجابي لها في القضايا المدنية، فهي تعتبر واحدا من الخصوم، لها أن تبسط حججها و للخصوم التعقيب على آرائها و لها نفس الحق، و عندما تتدخل النيابة العامة كطرف منضم فإنها تكتفي بإبداء رأيها لفائدة القانون دون أن يجسد رأيها انتصارا لرأي طرف من الأطراف و يجب أن يكون ذلك في حدود النزاع المعروض على المحكمة.
  2. يحق للنيابة العامة استعمال كافة طرق الطعن ما عدا التعرض عندما تكون طرفا رئيسيا في القضايا المدنية، و لا يحق لها ذلك عندما تكون طرفا منضما(الفصل 8 ق.م.م)، و تمارس النيابة العامة كطرف رئيسي حقها في الطعن في حدود القواعد العامة المرتبطة بذلك، كما أنه يجب تبليغ الأحكام لها و لا يغني حضورها عن ذلك.
  3. حضور النيابة العامة إلزامي في الجلسات المدنية عندما تكون طرفا رئيسيا، و هو اختياري عندما يكون تدخلها انضمامي(الفصل 10 ق.م.م).
  4. لا يجوز تجريح قضاة النيابة العامة عندما تكون طرفا رئيسيا لأنها تعتبر خصما حقيقيا في مواجهة الأطراف، و إذا كانت طرفا منضما فإنه يجوز للخصوم تجريحها لأي سبب من الأسباب المنصوص عليها في الفصل 295 من ق.م.م و ذلك طبقا للفصل 299 من القانون المذكور.
- سفيان أدريوش. دور النيابة العامة في مدونة الأسرة. مقالة بمجلة القضاء و القانون. العدد 150. ص: 139.
[3]- سفيان أدريوش. دور النيابة العامة في مدونة الأسرة. م.س. ص: 141.
[4]- حفيظة توتة. التطليق بسبب الشقاق في مدونة الأسرة. مقالة منشورة بمجلة المحامي. عدد: 49. ص: 141.
[5]- حسن بيوض. صلاحيات النيابة العامة في تفعيل مدونة الأسرة. مقالة بمجلة القصر. العدد 11 ماي 2005. ص: 125.
[6]- - سفيان أدريوش. دور النيابة العامة في مدونة الأسرة. م.س. ص: 144.
[7]- و المقصود بالإرجاع في هذا الفصل لا يكون بمقال أو دعوى تقدم للنيابة العامة، بل بأي وسيلة يصل العلم فيها للنيابة العامة بوجود هذه الحالة، و على النيابة العامة التحري قبل اتخاذ أمر الإرجاع للتأكد من صفة المطرود هل هو فعلا زوج أم لا، و هل له قرابة يقبلون إيواءه إذا كان في إرجاعه حالا خطرا عليه إلى غير ذلك من التدابير التي يمكن اتخاذها في هذا الباب.
- الحسين العلمي. مسطرة الشقاق في مدونة الأسرة. مقالة بمجلة المعيار.  العدد 32. 2004. ص: 177.
[8]- أبو بكر بن العربي. أحكام القرآن. تحقيق عماد زكي البارودي. المكتبة التوفيقية. ج:1، ص: 532.
[9]- Ensemble d'auteurs. Le code de la  famille ( perceptions et pratique judiciaire ). ImprimElite. 2007. p: 212.   
[10]- حسن بيوض. صلاحيات النيابة العامة في تفعيل مدونة الأسرة. مقالة بمجلة القصر. العدد 11 ماي 2005. ص: 131.
[11]- الحسن بويقين. إجراءات التبليغ فقها و قضاء. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. ط 1. 2002. ص: 2.
[12]- حسن البكري. إشكالات قانونية في التبليغ من خلال العمل القضائي. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. ط 1. 2003. ص: 1.
[13]- محمد الكشبور، يونس الزهري، حسن فتوخ. التطليق بسبب الشقاق في مدونة الأسرة. مطبعة النجاح الجديدة. ط:1. 1427هـ - 2006، ص: 101.
[14]- جاء في حيثيات قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء: "و حيث إن تصريح الزوجة بكونها في نزاع مع زوجها المبلغ له، لا تبقى لها معه الصفة لتسلم الطي."
- قرار رقم 2358.  بتاريخ 9 نونبر 1989. ملف مدني عدد 398/89. بمجلة المحاكم المغربية. العددان 64، 65. 1992. ص: 136  و مابعدها. أورده عبد اللطيف خالفي. الاجتهاد القضائي في قانون المسطرة المدنية. المطبعة الوراقة الوطنية. ط 1. 2004. ج:1، ص: 136.
[15]- و يظهر أن هذه الإمكانيات تتكيف مع جميع الأوضاع و الظروف إلا أنها تسفر عن نتائج خطيرة فيما يخص تحديد المسؤولية في حالة عدم القيام بهذه الخدمة، تضاعف من أسباب عدم كفاءة مختلف الموظفين المكلفين بالتوزيع من أعوان كتابة الضبط و أعوان البريد و رجال الشرطة.
- أدولف رييولط. قانون المسطرة المدنية في شروح. تعريب و تحيين إدريس ملين. منشورات جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية. دار نشر المعرفة. 1996. ص: 43.
[16]- يقرر المجلس الأعلى: "أنه لا يوجد قانون ما يلزم الدفاع بتسلم الاستدعاءات و تبليغها... مما يكون معه القرار بما ذهب إليه خارقا لحقوق الدفاع و عرضة للنقض." ( قرار عدد 287. بتاريخ 15/03/2006. ملف تجاري عدد 626/3/1/2002. بمجلة القصر. العدد 16 يناير 2007. ص: 153 و ما بعدها).
[17]- الحسين العلمي. مسطرة الشقاق في ظل مدونة الأسرة. مقالة بمجلة المعيار.  العدد 32. 2004. ص: 32.
و يرى البعض أن المحكمة المختصة بالبث في جنحة التزوير هي نفس المحكمة التي تنظر في طلب الإذن بالطلاق (أو التطليق بسبب الشقاق) لأسباب ثلاثة:
  1. لأن النيابة العامة هي التي وصلت بفضل تحرياتها إلى الحقيقة.
  2. لأن النيابة العامة أصبحت بمقتضى المادة 3 من المدونة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق نصوص المدونة.
  3. و لأن التعديل المدخل بمقتضى قانون رقم 73- 03 على الفصل الثاني من الظهير المعتبر بمثابة قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة أجاز للغرفة المكلفة بقضاء الأسرة، أن تبحث و تحكم في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها بينما منع باقي الغرف من النظر في قضايا الأسرة.
- الحاتمي عبد اللطيف. المستجدات المسطرية في مدونة الأسرة. أشغال اليوم الدراسي الذي نظمته الجمعية الوطنية الحضن: "من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة أي جديد". مطبعة النجاح الجديدة. ط 1. 2005. ص: 84، 85.
عن موقع marocdroit

الجمعة، 17 أكتوبر 2014

بدون حرج : قضاء الأحداث


كيف يشتغل قضاء الأحداث في المغرب، وما هي خصوصيات محاكمة فئة القاصرين عما  اقترفوه من جنح وجرائم؟ في أية ظروف يقضي الحدث العقوبة الحبسية، وهل يتحقق رهان التهذيب والإصلاح ؟ ما هي حدود وإكراهات طي صفحة ماضي الجنوح ، لصالح مستقبل أفضل يقطع مع كل احتمالات العود؟ ثم ما مداخل تطوير نص القانون وكل ما يتصل بمحاكمة القاصرين مع تأمين عودة موفقة إلى حضن المجتمع؟
يشارك في النقاش كل من :

  • عبد الواحد جمالي الإدريسي رئيس غرفة بمحكمة النقض بالرباط
  • حاتم بكار محامي بهيأة القنيطرة وناشط حقوقي
  • يوسف الشهبي محامي بهيأة الدار البيضاء ورئيس جمعية ماما آسية
  • عبد اللطيف كيداي أستاذ باحث في السوسيولوجيا متخصص في الجنوح والانحراف

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

بدون حرج تكافل : الاطفال المتخلى عنهم



ما هي سيناريوهات التخلي عن الرضع، في أية ظروف يعثر عليهم وكيف يتم إيداعهم في مؤسسات للإيواء والنموذج من دار الأطفال للاحسناء؟ 
وفق أية منهجية تشتغل جمعية الإحسان التي سخرت منذ أزيد من عقدين تبرعات المحسنين للإنفاق على مئات الأطفال المتخلى عنهم؟ 
ما خصوصيات وإكراهات التكفل بأطفال متخلى عنهم في وضعية إعاقة ذهنية أو مركبة؟ 
ثم كيف السبيل لدعم العمل الجمعوي الجاد والفعال في احتضان هذه الفئة من الأطفال وتمتيعهم بحقوق الإنفاق والرعاية والتربية الحسنة .

الأطفال المتخلى عنهم موضوع العدد الجديد من "بدون حرج تكافل"، بمشاركة كل من حبيبة العلوي نائبة رئيسة جمعية الإحسان شريك "ميدي 1 تي في"  في هذا العدد، سميرة الكعواشي مديرة دار الأطفال للاحسناء لإيواء الأطفال المتخلى عنهم دون سن السادسة، حسن كراوي المدير البيداغوجي لمركز بوافي الخاص بالأطفال المتخلى عنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة،  عبد الرحيم العطري أستاذ باحث في السوسيولوجيا.


السبت، 6 سبتمبر 2014

بدون حرج : الاعتداءات الجنسية (على الأطفال) أو البيدوفيليا


هل بلغت الاعتداءات الجنسية على الأطفال مبلغ الظاهرة في المغرب مع خروج عدد من الوقائع بشكل مدو إلى العلن - آخرها شريط فيديو يوثق لضبط الجاني قبل أسابيع متلبسا باغتصاب طفل دون العاشرة؟ كيف نفسر بونا شاسعا بين الأحكام الصادرة في حق مغتصبي الأطفال والمتراوحة بين عامين وثلاثين عاما، وقد تبرأ ساحة المتهم لعدم كفاية الأدلة؟ ماذا عن دعوات أطلقها نشطاء حقوقيون من أجل سن قانون لإخصاء مغتصبي الأطفال؟ ثم هل البيدوفيليا انحراف جنسي قابل للعلاج، وما السبيل لتجاوز الآثار السيكولوجية والاجتماعية  للحدث على الطفل وأسرته؟
البيدوفيليا موضوع العدد الجديد من "بدون حرج"، بمشاركة كل من محمد الخضراوي منسق لجنة الشباب بالودادية الحسنية للقضاة، أحمد بخات أخصائي علم النفس المرضي الإكلينيكي، جميلة الموالدي محامية بهيأة طنجة  وناشطة حقوقية، عبد الرحيم العطري أستاذ باحث في السوسيولوجيا.


الجمعة، 22 أغسطس 2014

بدون حرج : المرأة في وضعية إعاقة


كيف تعيش المرأة في وضعية إعاقة بيننا، وهل يستقيم الحديث عن الوصم والميز المزدوج؟ ما درجة تمتع النساء المعاقات بالحقوق الأولية، وحدود اندماجهن في المجتمع؟ بأي منطق قاربت ودبرت السياسات العمومية المتعاقبة هذا الملف، وكيف نفهم الرفض الذي قوبل به آخر مشروع قانون متعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة ؟ ثم ما مداخل تعويض الفكر الإحساني بمقاربة حقوقية مواطناتية لفائدة المعاقين نساء رجالا وأطفالا؟
المرأة في وضعية إعاقة موضوع العدد الجديد من برنامج "بدون حرج" بمشاركة كل من :
  • كريمة الحداد منسقة لجنة الترافع بجمعية الحمامة البيضاء لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب
  • عدنان جزولي أستاذ جامعي وباحث في مجال الإعاقة
  • فاطمة أيت لعوينات رئيسة الجمعية المغربية للمرأة المعاقة
  • عبد الرحيم العطري أستاذ باحث في السوسيولوجيا

الأربعاء، 6 أغسطس 2014

دسترة النوع الاجتماعي


الدكتورة التيجي بشرى
مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية



دسترة النوع الاجتماعي


تمهيد

منذ إعلان المغرب عن الإصلاحات الدستورية بمناسبة خطاب الملك في 9 من مارس 2011 انخرطت كل الفعاليات السياسية والمجتمع المدني في الإسهام بآرائها ومقترحاتها من اجل بلورة دستور ديمقراطي تقدمي يعكس الحراك الذي تعرفه المنطقة العربية ، والذي ألقى بظلاله على الساحة المغربية.
ولعل موضوع النوع الاجتماعي ما يزال لم يحظ بالاهتمام اللازم من قبل الهيئات السياسية وأغلب منظمات المجتمع المدني، التي ركزت في الغالب على الاهتمام بالصلاحيات المخولة للملك وطبيعة النظام السياسي المنشود
لكن في المقابل فان بعض الحركات النسائية قدمت مقترحاتها حول هذا الموضوع إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، مطالبة بدسترة النوع الاجتماعي، بل ذهب بعضها إلى ضرورة التنصيص على النوع الاجتماعي في ديباجة الدستور وبدسترة التدابير الإيجابية، ودسترة المناصفة والمساواة بين الجنسين في جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية ، وكذا في كافة مراكز القرار،مع التأكيد على تقليص الفوارق الطبقية، والاهتمام بكل الفئات الاجتماعية، و استحضار حقوق النساء في كل السياسات الجهوية.
وقد جاءت هذه المطالب كنتيجة لنضالات الحركة النسائية، التي طالبت بدسترة المكاسب التي حققتها المرأة المغربية، حتى لا يقع الالتفاف عليها،على اعتبار انه لا يمكن حماية الحقوق الأساسية للنساء وترسيخها وتوسيعها، إلا من خلال تأصيلها الدستوري، وإدراجها ضمن المبادئ الدستورية الأساسية.
ورغبة في المساهمة في هذا النقاش المجتمعي لا بد من تسليط الضوء على أهم المطالب المندرجة في إطار دسترة النوع الاجتماعي، والتي تتعدد بتعدد مطالب الحركة النسائية، وسأركز في هذا المقال على بعض منها

1- دسترة المساواة
لقد نصت كل الدساتير المغربية المتتالية، على مبدأ المساواة بين الجنسين، اذ جاء في الفصل الثامن من الدستور الحالي" أن الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية"
وكذلك نص الفصل الثاني عشر انه " يمكن جميع المواطنين أن يتقلدوا الوظائف والمناصب العمومية وهم سواء فيما يرجع للشروط المطلوبة لنيلها"

وهو ما يعني أن النص الدستوري لا تخلو بنوده وفقراته من إقرار المساواة بين المغاربة رجالا ونساء أمام القانون في الحقوق والواجبات.
إلا أن مع طرح موضوع التعديل الدستوري المرتقب أعيد النقاش حول قضية المساواة بين الجنسين كخيار يعزز البعد الديمقراطي والحداثي، على اعتبار أن أي إصلاح دستوري لا يمكن أن يتم من دون مشاركة حقيقية للنساء، ومن دون استحضار مطالبهن، التي تبقى مطالب مجتمعية، وتعبر عن تطلع المجتمع لحياة ديمقراطية حقيقية.
وفي هذا الإطار عملت الحركات النسائية على بلورة مطالبها الداعية للمساواة من خلال مقترحاتها المرفوعة إلى اللجنة الدستورية المكلفة بإعادة صياغة الدستور،مطالبة بدسترة المساواة ،معتبرة أن دسترة المساواة وحقوق النساء وحماية آليات النهوض بها هو من الأولويات التي ينبغي أن تشملها الإصلاحات الدستورية المرتقبة للحد من الميز والإقصاء، مؤكدة على ضرورة مراجعة اللغة الذكورية للدستور،واستعمال صيغ وعبارات تتوجه إلى المواطنات والمواطنين والنساء والرجال على حد سواء.
إن المطالبة بدسترة المساواة بين الجنسين في المرحلة الراهنة يعكس مدى الرغبة في القطع مع مرحلة ظلت فيها المساواة بين الجنسين مجرد كلمات في الدستور لا تعكس الواقع الحقيقي الذي تعيشه النساء، ولعل الصيغة التي ورد يها الفصل 8 لم تكن واضحة بشكل يؤكد إلزامية اعتمادها في كل المجالات المدنية والسياسية وأيضا في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ ظل هذا الفصل ينص على المساواة السياسية فقط وهو الفصل الذي شكل دائما عرقلة أمام مجموعة من المطالب النسائية في العديد من المجالات المختلفة.
لذا فان المطالبة بحماية مختلف حقوق النساء وضمان مساواتهن مع الرجال من خلال التنصيص على ذلك في أسمى قانون في البلاد، يعد مكسبا للمرأة المغربية وللقوى الديمقراطية، كما انه سيمكن من القيام بالإجراءات والسياسات الضامنة لملاءمة باقي النصوص مع المقتضى الدستوري، وكذا لتكريس المساواة فعليا، ووضع الهياكل والمؤسسات اللازمة لذلك، بالإضافة إلى تحفيز باقي الفاعلين للانخراط الجدي في هذه الدينامية.

ومن جهة أخرى فان دسترة المساواة هي فرصة لتثبيت المكاسب التي حققها المغرب في السنوات الأخيرة على صعيد الارتقاء بحقوق النساء، كما أنها مؤشر على تقييم الديمقراطية، وفرصة لتحقيق العدل والإنصاف، وإعطاء المرأة ضمانات فعلية لضمان حقوقها دون تمييز بسبب الجنس أو الانتماء السياسي أو المظهر أو اللباس.
وتشمل دسترة المساواة بين الجنسين كل المجالات بما في ذلك المجال السياسي، كما أنها تشمل أيضا الاعتراف بالتمييز الايجابي لصالح النساء الذي اعتبرته الحركة النسائية آلية من آليات تثبيت المساواة لا سيما في مجال التمثيلية السياسية ، ولم تر فيه على الإطلاق خرقا لمبدأ المساواة بل اعتبرته تدبيرا ايجابيا ضامنا للإنصاف.

2- دسترة التدابير الإيجابية
لقد انطلقت دعوة الحركات النسائية للمطالبة باعتماد تدابير ايجابية لفائدة المرأة في المؤسسات المنتخبة بالنظر إلى ضعف تمثيليتها في البرلمان، وكذا في المجالس الجماعية إلى جانب ضعف تواجدها في الحكومة.
واعتبرت أن حل إشكالية ضعف تواجد المرأة في هذه المؤسسات لن يتأتى إلا من خلال الإقرار الدستوري بالتمييز الايجابي لصالحها، الذي يهدف إلى خلق توازن بين الرجل والمرأة في التمثيل السياسي وتبوأ مراكز صنع القرار، والذي يضفي الشرعية على نظام الكوتا الذي تبناه المغرب في الانتخابات الأخيرة، رغم ما أثاره من نقاشات حول مدى دستوريته.
إن مطالبة الحركات النسائية بدسترة التدابير الايجابية لصالح المرأة هو تجاوز لنقاشات لا يمكن غض الطرف عنها من قبيل ألا يتعارض هذا المطلب مع مطلب المساواة في حذ ذاته؟
ألا يعتبر ذلك خرقا للمبادئ الدستورية الضامنة للمساواة بين الأفراد والمنصوص عليها في الدستور؟ الا يتعارض هذا المطلب مع منطق الحركات النسائية التي اعتبرت أن الاجراءات التمييزية لصالح النساء هي فقط إجراءات مؤقتة في انتظار قبول المجتمع بوجود المرأة في الهيئات المنتخبة؟ وهل يمكن المطالبة بإدراج مقتضيات مؤقتة من هذا القبيل في الدستور؟
ان هذه التساؤلات تفرض نفسها، لكن هذا لا يعني ان مطلب اعتماد إجراءات مرحلية تستهدف تهيئ المجتمع للقبول بتواجد النساء في مواقع القرار، وتشجيعهن على دخول العمل السياسي، قد يكون مطلبا مشروعا في ظل الواقع الذي تعيشه المرأة المغربية، والذي ما يزال يعكس استمرار تحكم العقلية الذكورية في المشهد السياسي، والذي كان دافعا للمطالبة بتخصيص ثلث مقاعد المؤسسات المنتخبة للنساء، ليتحول هذا المطلب إلى حد المطالبة بتخصيص نصف المقاعد للنساء.
واعتبرت التحولات الأخيرة وخطاب الملك في 9 مارس 2011 محفزا للحركات النسائية من اجل المطالبة ليس فقط باعتماد هذه الإجراءات، ولكن أيضا بدسترتها، أي التنصيص عليها ضمن بنود الدستور، .
ذلك أن الخطاب – من وجهة نظر الحركات النسائية- قد أعطى الضوء الأخضر لشرعنة التمييز الإيجابي، ولحماية المكتسبات التي جاءت في إطار توافقي بين الأحزاب، وتضمن توجيها يدعو إلى "تعزيز مشاركة المرأة في تدبير الشأن الجهوي خاصة، وفي الحقوق السياسية عامة ، وذلك بالتنصيص القانوني على تيسير ولوج المرأة للمهام الانتخابية، وهو ما سيؤدي إلى شرعنة آليات التمييز الإيجابي، التي اعتمدها المغرب من أجل وصول نسب مهمة إلى المؤسسات المنتخبة.
وبذلك يكون الخطاب الملكي- من وجهة نظر الحركات النسائية- قد وضع حدا أمام كل ادعاءات الأحزاب السياسية التي كانت تعتبر أن كل تنصيص قانوني على "الكوطا" و"اللائحة الإضافية"، سيكون مآله الرفض من قبل المجلس الدستوري، على اعتبار أن ذلك سيعد خرقا للدستور.
فالإقرار الدستوري باعتماد التدابير الايجابية لفائدة النساء سيضفي الشرعية على هذه الإجراءات، وستصبح متناغمة مع القانون الاسمى للبلاد، بل سيفرض على الأحزاب السياسية ترشيح نسبة من النساء ، ذلك أن الأحزاب يلزمها إرادة سياسية من (الفوق)تفرض عليها ترشيح النساء عوض الاستفادة منهن ككتلة ناخبة فقط، ولعل دسترة اعتماد إجراءات تمييزية لصالح النساء قد يكون حافزا للأحزاب من اجل اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الإطار.




3- دسترة سمو القوانين

إذا كانت الحركات النسائية قد اتفقت حول أهمية دسترة المساواة، واتخاذ تدابير ايجابية لفائدة النساء، فإنها قد اختلفت في شان مطلبها المتعلق بدسترة سمو القوانين الدولية، وبرز تياران اثنان في هذا الشأن الأول يدعو إلى ضرورة الاعتراف بسمو هذه القوانين على القوانين الوطنية، في حين يرى التيار الثاني أن القوانين الدولية ينبغي ان تتلاءم مع القوانين الوطنية، ولا تتعارض مع الشرع الإسلامي.

وانسجاما مع مواقف التيار الأول قدمت بعض الجمعيات في اجتماعها مع لجنة تعديل الدستور عددا من المقترحات، رأت أن من شأنها تغيير الوضع النسائي بالمغرب،وطالبت بدسترة سمو القوانين لحقوق الإنسان وللحقوق الإنسانية للنساء، واعتبارها مصدرا للتشريع، موضحة أن تلك القوانين تتضمن الحقوق الفردية والجماعية للنساء والرجال بلا تمييز.

وشددت على ضرورة ملاءمة التشريع الوطني مع الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والحقوق الإنسانية للنساء، معتبرة أن ذلك سيمكن من القضاء على التمييز بين النساء والرجال وعلى العنف ضد النساء، وعلى إقصائهن من المشاركة في الحياة العامة.

في حين طالبت الجمعيات النسائية التابعة للحركات الإسلامية باحترام المرجعية الإسلامية، وهي بذلك لا ترفض الأخذ بالتوصيات الدولية الصادرة عن المنظمات الحقوقية المهتمة بالقضايا النسائية، ولكن ترهن ذلك بعدم مخالفة أحكام الدين الإسلامي وبما لا يمس بالدستور على أن يبقى حق التحفظ مكفولا للدولة،
كما تدعوا هاته الجمعيات أن تصبح المعاهدات والاتفاقيات الدولية جزءا من القانون الوطني مباشرة بعد نشرها في الجريدة الرسمية بعد موافقة البرلمان عليها.
وفي هذا الإطار اعتبرت فاطمة النجار أن دسترة سمو المعاهدات الدولية على القوانين الوطنية ''هو نوع من فتح باب جهنم''، مشددة على أن تلك المعاهدات ماهي إلا حصيلة اختلال موازين القوى العالمية لصالح قوى الاستبداد العالمي الذي يتعامل في ظل ازدواجية القوانين،نفس الٍرأي تبنته النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية جميلة مصلي حينما اعتبرت ''أنه من غير المقبول أن تصبح المعاهدات الدولية أسمى من الأديان'' ، وهي إشارة إلى ضرورة احترام المرجعية الإسلامية عوض تقديس المقررات الدولية، وجعلها في مرتبة أعلى
ان اختلاف الحركات النسائية بشان مطلب سمو القوانين الدولية لا ينفي اتفاقها على إقرار كل التوصيات والقوانين التي تخدم المرأة المغربية، وتضمن حقوقها ومساواتها مع الرجل بما في ذلك تأسيس مجالس للمساواة ودسترة هذه المجالس.

4- دسترة مجالس المساواة
طالبت الجمعيات النسائية بتأسيس مجالس للمساواة بين الجنسين على الصعيد الوطني والجهوي، ووزارة للمساواة وحقوق النساء والمناصفة في ولوج مراكز القرار وتجريم العنف ضد النساء، بالإضافة إلى تأسيس المجلس الأعلى لحقوق النساء على غرار المجالس العليا التي تهتم بالقضايا المختلفة،معتبرة أن ذلك هو السبيل لإيجاد هيئة رسمية تخاطب الحركة النسائية، وتحقق مطالبها الرامية إلى تحسين وضعية النساء.
وجعلت الحركة النسائية من مهام هذا المجلس الأعلى وضع إستراتيجيات العمل في ما يخص النهوض بحقوق النساء وتوحيد وجهات نظر الدولة والحكومة في هذه القضية، إضافة إلى كونه جهاز يعنى بمراقبة تفعيل المساواة بين النساء والرجال، في التشريعات والسياسات والبرامج العمومية
والخاصة، وطنيا وجهويا.


ختم
إن المطالب النسائية حول المساواة متعددة ومختلفة، ويعتبر تحقيقها أساسيا من اجل تطوير الديمقراطية الناشئة في المغرب، ذلك أن هذه الأخيرة لا تستقيم من دون الاعتراف بالحقوق الإنسانية للنساء،فهن يمثلن أكثر من 50 في المائة من الشعب المغربي وعدد منهن عنصر فاعل في الحركة النضالية المجتمعية. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يوجدن «في قلب الدينامية الفاعلة من أجل إصلاح دستوري شامل وعميق يصب في ملكية برلمانية، تتأسس على احترام المبادئ الكونية لحقوق الإنسان في شموليتها، ومن ضمنها مبدأ المساواة بين النساء والرجال في الحقوق كافة.

 


للإطلاع على هوامش المقال أو طبعه يرجى التحميل على الرابط أدناه


  عن موقع marocdroit

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

انتقادات حول الجندر - الجزء 4




الجزء الرابع: انتقادات حول الجندر
الدكتورة التيجي بشرى
مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية

إنتقاد المفهوم


إن التعاريف التي سبق لنا إدراجها لتقريب مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي إلى أذهان القراء تفضي إلى اعتبار أن هذا المفهوم ينطلق من كون أن البعد الثقافي والاجتماعي هو المحدد الأساسي في تكوين الخصائص السلوكية للجنسين، وكذا في تحديد الأدوار الاجتماعية المفروضة عليهم، وتبعا لذلك فإن الأدوار المسندة إلى المرأة تم إسنادها إليها ليس باعتبارها أنثى بالمعنى البيولوجي وإنما باعتبارها " امرأة "بما تحمله الكلمة من حمولات اجتماعية وثقافية تخفي وراءها مجموعة من الصفات والمميزات التي خصها المجتمع بها، من قبيل أنها ناقصة عقل ودين وأنها المكلفة بتربية الأطفال والعناية بالزوج وتنظيم المنزل وما إلى ذلك
واعتبارا لذلك ، وما دامت هذه المعطيات الاجتماعية والثقافية قابلة للتغير وفق آليات التدرج وتحول الأنماط الاجتماعية والسلوكية ، فإن وضعية المرأة ولا شك أنها هي الأخرى ستتغير في اتجاه مشاركة منصفة لها في تدبير الشأن العام،مقابل تغير في ادوار الرجل لتشمل تحقيق الرعاية الأسرية للأطفال وللزوجة وللبيت دونما اعتبار ذلك انتقاصا لرجولته أو تنازلا عن أدواره القيادية والطلائعية داخل المجتمع.
إن هذه الخلاصات المستنتجة من جراء إعمال مقاربة النوع الاجتماعي، قد تكون محل تأييد من قبل العديد من الباحثين والباحثات وكذا المنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية، ولكنها كذلك ما تزال مثار نقد من قبل آخرين، لا سيما اولئك الذين ينطلقون في انتقاداتهم لهذه المقاربة من الغموض الذي اعترى هذا المفهوم منذ نشأته إلى الآن والذي يرجع أساسا إلى كونه مصطلح دخيل على اللغة العربية ، وأنه ترجمة تقريبية لمصطلح "gender "، وهي ترجمة غير دقيقة، احتملت توجهات متعددة، وكل استوعبها من خلال ما استطاع أن يكونه من أفكار حول هذا المفهوم.
ويرجع رفض هذا المفهوم من قبل البعض إلى عدم وضوحه، وكذا لغياب تعريف دقيق لمصطلح" gender"، وترجمته ب " الجنس" في بداية الأمر أو "الجندر" أو "النوع الاجتماعي" ، والاكتفاء بذكر أهداف هذه المقاربة في الوثائق الأممية، دونما تحديد لمدلولها، وهو ما خلق نوعا من ردود الأفعال الرافضة، والتي اعتبرت أن غياب تدقيق للمفهوم يعكس نية مبيتة لدى المنتظم الدولي في تصريفه داخل المجتمعات الإسلامية بما يخدم مصالح الدول المتقدمة وتوجهاتها الفكرية وأنماطها السلوكية.
وهكذا فقد اعتبر بعض منتقدي هذه المقاربة أن التعريف الوارد في الوثيقة الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمصطلح "النوع الاجتماعي" والذي اعتبر أن هذا المفهوم يشير إلى الخصائص الاجتماعية والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية للفرد في جماعة محددة، وأن هذه الخصائص أو المميزات هي سلوكات و تصرفات يتم تعلمها، وهي قابلة للتغير عبر الزمن و تختلف باختلاف الثقافات"
لقد اعتبر هؤلاء أن هذا التعريف هو في غاية الخطورة؛ لأنه يفيد أن الأنوثة والذكورة بالمعنى العضوي منفصلة عن البنية النفسية والأدوار الاجتماعية للأفراد، وأن هذه الأدوار هي مفاهيم اجتماعية مكتسبة وليس لها علاقة بالطبيعة العضوية والفسيولوجية لكلا الجنسين، مما يعني أن التربية الاجتماعية هي التي تحدد الأدوار الاجتماعية، وبالتالي فالمجتمع والتربية هما العاملان الحاسمان في تكوين النفسية الأنثوية أو الذكورية بغض النظر عن الطبيعة العضوية، وهو ما يجعل من الهوية الجندرية غير مكتسبة بالولادة، بل انها - حسب الوثيقة الاممية- خاضعة لتأثيرات العوامل النفسية والاجتماعية، وهو ما يجعل من الهوية الجندرية قابلة للتغير حسب الوسط الذي ينمو فيه الطفل 1
ويضيف هؤلاء أن ذلك يعني أن الفرد من الذكور إذا تأثر في نشأته بأحد الشواذ جنسياً؛ فإنه قد يميل إلى جنس الذكور لتكوين أسرة بعيداً عن الإناث، ليس على أساس عضوي فسيولوجي، وإنما على أساس التطور الاجتماعي لدوره الجنسي والاجتماعي،وكذلك الأمر بالنسبة للفرد من الإناث؟

متخوفين من إمكانية تكون هوية جندرية لاحقة أو ثانوية – جنس ثالث مثلا - تتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأساسية، حيث يتم اكتساب أنماط من السلوك الجنسي في وقت لاحق من الحياة، ما دامت أنماط السلوك الجنسي بين الجنس الواحد أيضاً تتطور لاحقاً 2
إلا أنه في نظري إن التخوفات المثارة وان كانت تحاول أن تستعمل المنطق وتعتمد البرهان فإنها تبقى مجرد هواجس تنبثق من تفكير يقاوم التغيير ويرفض إعادة توزيع الأدوار بين الجنسين انطلاقا من مبررات تدعي أن ذلك من شانه أن يفضي إلى مسخ " الجنس" أي ان يظهر جنسا ثالثا يقترب من الأنثى والذكر ، لكن تغيب فيه ملامح الانثى كما تغيب فيه ملامح الذكر.
لتبقى هذه المقاربة حسب اعتقادي هي وسيلة لتصحيح أوضاع خاطئة استمرت لمدة قرون، لاسيما تلك المتعلقة بإعادة توزيع الأدوار وفقا للتغييرات التي شهدها المجتمع، وهنا لا بد من التأكيد أن أي مطالبة بالتغيير في هذه الأدوار، لا يمكنها أن تنصب على " الأدوار البيولوجية" من قبيل الحمل والرضاعة التي تبقى من اختصاص المرأة ولا يمكن للرجل القيام بها، في مقابل ادوار أخرى يقوم بها الرجل ، ولا يمكن لأحد آن يعوضه فيها.
وهو ما يعني أن مقاربة النوع تركز على إعادة النظر في الأدوار الاجتماعية التي هي من صنع الإنسان وليست من صنع الطبيعة، فهذه ينبغي أن يشملها التغيير حسب الحالات وتطور المجتمعات ، وهنا أعطي مثالا قد يبدو بسيطا ولكنه يصلح اعتماده كمؤشر يعكس حاجة المجتمع إلى التغيير.
فمثلا إن خروج المرأة إلى العمل هو في الواقع تغيير في أوضاعها داخل المجتمع وهو مؤشر ايجابي يتماشى مع أهداف مقاربة النوع الاجتماعي، كما أنه قد حقق مردودية عالية بالنسبة للمجتمع وللأسرة وكذا للزوج الذي أصبح معفى من الإنفاق على زوجته، بل أصبحت هذه الأخيرة تساعده في القيام بهذه النفقات وتتقاسم معه مصاريف تمدرس الأبناء والتطبيب والعلاج وكل مصاريف التدبير اليومي ، وهذا التغيير يتماشى مع أهداف مقاربة النوع ويعكس تغييرا في ادوار الجنسين ، ولم يعترض عليه احد ولم يخرج المتخوفين على ' مسخ الجنس' بكتاباتهم ليقولوا لنا أن من شان خروج المرأة إلى العمل ومساهمتها في الإنفاق على بيت الزوجية أن ينتقص من دور الزوج أو أن "ينتقص من انوتثها" بل إن الكل قد تحاشى الغوص في هذا الموضوع، مستفيدين من عملها أو مستغلين هذا العمل في كثير من الأحيان
إلا أنه عند المطالبة بتغيير ادوار الزوج كذلك ومطالبته بالمساعدة في أشغال البيت مراعاة للتغييرات التي عرفها المجتمع بعد خروج المرأة إلى العمل، انتفض هؤلاء ليقولوا أن هذه المطالبات قد تفضي بنا في يوم من الأيام إلى مطالبة الرجل بالحمل والرضاعة، واعتقد أن هذه الادعاءات لم تكن نابعة من تخوفات حقيقية على " مسخ الجنس" كما يدعي هؤلاء، ولكنها كانت بهدف قطع الطريق على أي تغيير في اتجاه إشراك الرجل في مهام التدبير المنزلي والاستفادة من طاقاته في هذا المجال مقابل استفادته من المدخول الذي أصبحت توفره له المرأة العاملة
إن هذا المثال يعكس إلى حد كبير أن الرافضين للتغيير لا يرفضون ذلك رأفة بالمجتمع أو خوفا من تغيير في فيزيولوجية الجنس وإنما من اجل ترسيخ وضع قائم يخدم مصالح المجتمع الأبوي الذكوري مما يجعلنا نشكك في هذه التخوفات وفي خلفياتها، مؤكدين مرة أخرى أن العمل المنزلي ليس مفروضا على المرأة بمقتضى
النصوص الدينية، بل انه عرف تم ترسيخه في المجتمع الأبوي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1
- انظر مثلا مقال رأفت صلاح الدين "المرأة في مختلف المناطق و المدارس" منشور في موقع "لها اون لاين" بتاريخ 25-12-2009 )

2
- المرجع السابق

  عن موقع marocdroit

الاثنين، 4 أغسطس 2014

تحديد مفهوم النوع الاجتماعي من خلال الأدوار الاجتماعية للجنسين - الجزء 2



تحديد مفهوم النوع الاجتماعي من خلال الأدوار الاجتماعية  للجنسين
الدكتورة التيجي بشرى
مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية

لقد قادنا التمييز بين ما هو طبيعي وثقافي في الموضوع السابق إلى القول إن الاختلافات الجنسية بين المرأة والرجل هي اختلافات ثابتة ولا اعتراض عليها ، أما الفوارق المبنية على النوع الاجتماعي فهي اختلافات ثقافية وحضارية ينبني عليها تمثل وتقبل علاقات اجتماعية معينة ين الرجال والنساء ، وهي قابلة للتغيير والتطور حسب نمو المجتمع وتطوره.
وعملا بهذا التمييز اتفقنا أن الجنس يتعلق بالشروط البيولوجية والفيزبولوجية، التي تؤدي إلى تحديد الجنس من حيث الأنوثة والذكورة، في حين تؤدي جملة من العوامل التاريخية، الثقافية، الاجتماعية والسيكولوجية إلى تحديد النوع الاجتماعي، الذي تتحدد من خلاله الأدوار الذكورية والأنثوية التي تتلون بالمدركات الاجتماعية والثقافية 1
وهو ما يعني أن هذا المفهوم يحيل أساسا على التقسيم الغير العادل للأدوار الاجتماعية بين الرجال والنساء، والذي يكرس نمطا من التراتبية السوسيوثقافية بين الجنسين، فالأدوار التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة هي أدوار تشكلها الظروف الاجتماعية، وليس الاختلاف البيولوجي، وهو ما يعني أيضا أن هذه الأدوار ترتبط ارتباطا وثيقا بدلالات النوع الاجتماعي، فمثلا إذا كانت تربية الأطفال وأعباء العمل المنزلي مرتبطة تقليديا بالمرأة فإن ذلك ليس له علاقة بتكوينها البيولوجي كامرأة، إذ أن هذه الأدوار يمكن أن يقوم بها الرجل أيضا، مما يعني أن أدوار النوع الاجتماعي تختلف عن أدوار الجنس البيولوجي، فالأولى من الممكن أن تكون متبادلة بين الجنسين، في حين أن الثانية تتسم بالثبات والاستقرار.
ولعل التنشئة الاجتماعية هي المحدد في توزيع هذه الأدوار، إذ تكرس نمطا معينا من التقاليد والقوالب الجاهزة السائدة في المجتمع، وتقر التمايز في الأدوار والمهام الاجتماعية وتكرس التفوق الذكوري، الذي يتم ترسيخه من خلال النمط التربوي السائد داخل الأسرة، التي تلعب دورا أساسيا في تكريس الخطاب الاجتماعي التقليدي الذي يقر التمييز بين الذكور والإناث، فبداخلها تنشأ ثقافة التمييز بين الجنسين، إذ يعامل المولود الذكر داخل الأسرة معاملة تفضيلية، يعطى بموجبها وضعا خاصا ومكانة متميزة، وينشأ وقد تملك مواصفات الذكورة والفحولة،عكس الفتاة التي تنشأ وقد تشربت مفهوم الطاعة والانصياع، كما يتأثر الطفل بنموذج الأب النشيط الذي يعمل خارج البيت، بينما تتأثر البنت بالأم التي تنهمك في أعمال المنزل وتهتم بالطبخ وبالأطفال، وهو ما يشكل انطباعات تبقى راسخة في أذهان الجنسين تؤثر على سلوكهما وعلى اختياراتهما المستقبلية، تم ترسيخها من خلال التمييز بينهما في المواقف وتصرفات الوالدين اتجاههما، وفي طريقة تقييم أدائهما فبينما يوصف الذكور بصفات إيجابية مثل الشجاعة والثقة بالنفس، توصف الإناث بأنهن عاطفيات، وإذا ما تم توجيه الثناء والمديح للإناث، فغالبا ما يتم ذلك بوصفهن بصفات الذكور على اعتبار أنها صفات ايجابية، بل إن بعض الآباء يرون أن هناك بعض سمات للسلوك الاجتماعي تليق بالبنين وسمات أخرى تليق بالبنات2
إن التعامل مع الجنسين داخل الأسرة وفقا للتصور الأبوي السائد يساهم في تشكيل عقلياتهما في اتجاهين مختلفين، يجعل أحدهما يقبل التمييز والدونية، في حين يشعر الآخر بالاستعلاء والتفوق 3
وليس من السهل تغيير هذا التمييز في التربية وفي التنشئة، لاسيما إذا علمنا أن الأسرة المغربية شأنها كباقي الأسر الأخرى لا تملك أدوات لمقاومة القيم المؤسسة للتمييز بين الجنسين، بل تعمل على ترسيخها من خلال إعادة إنتاجها وتلقينها.
ويزداد الأمر سوءا إذا ما علمنا أن ثقافة التمييز لا تنحصر في البناء الأسري، بل إن المجتمع يعيد إنتاجها من خلال الأدوات التي يعتمدها في التواصل، وهو ما يعني ضمنا أن الأسرة إلى جانب الدولة ( من خلال وسائل الإعلام والكتب والمناهج الدراسية) تساهمان جنبا إلى جنب في تكريس قيم التراتبية المجتمعية التي تجعل من الرجل صاحب السلطة والقيادة، وتجعل من المرأة تابعا له،والعلاقة التي تنشأ بينهما تكون محلا للمقاربات النوعية والعلاقات الجندرية.
وهو ما يؤكد أن مفهوم النوع أو الجنـدر لا يمكن أن يتم بعيدا عن الحديث عن طريقة تقسيم الأدوار داخل المجتمع ، وكذا الحديث عن الاختلال في ميزان القوة والنفوذ بين الجنسين، بهدف إعادة توزيع القوة بينهما من خلال مراجعة توزيع هذه الأدوار وكذا الفرص.
وهو ما يجعل هذه المقاربة غير لصيقة بالنساء لوحدهن، بل انها صالحة للتعميم ومعالجة كل القضايا التي ترتبط بالمجتمع لانها تهتم بالعلاقات والأدوار بين النساء والرجال، التي تتحدد بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، كما تتأثر بتغير هذه العوامل، لذا فتغيير هذه العلاقات الاجتماعية والأدوار يفرض أن تتوفر النساء كما الرجال على القدرات التي تمكنهن من إحداث التغييرات الضرورية والاستفادة من آثارها الايجابية 4على أن يتم الانطلاق من التنشئة الاجتماعية التي تقوم بتلقين الأدوار الاجتماعية المختلفة للجنسين معا 5

--------------------------------------------------------------------
1
- العربي وافي "مقاربة النوع والتنمية" المرجع السابق ص12-113
2
- "مراعاة المنظور الجنساني :نظرة عامة " منشورات الأمم المتحدة ابريل 2002
3
- مداخلة عبد الله ايت الخياري "وضع المرأة ودور الجمعيات غير الحكومية في تحسينه"أشغال الورشة التكوينية الثالثة في مجال التربية الغير السكانية لفائدة ممثلي المنظمات غير الحكومية –جامعة محمد الخامس السويسي كلية علوم التربية ووحدة التربية السكانية مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 1997:ص 26
4
- انطر " الإستراتيجية الوطنية من اجل الإنصاف والمساواة بين الجنسين بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية ث المنجزة من طرف كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين ص 27.
5
- العربي وافي وآخرون" الإنصاف في الفضاء المدرسي"وزارة التربية الوطنية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الرباط 2000 ص 22 .


  عن موقع marocdroit

الأحد، 3 أغسطس 2014

المنطلقات الأساسية لتعريف النوع الإجتماعي - الجزء1



المنطلقات الأساسية لتعريف النوع الإجتماعي الدكتورة التيجي بشرى   
مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية

أصبح مصطلح " النوع الاجتماعي" من المفاهيم التي تستوقف الباحثين والمهتميين بقضايا التنمية ، على اعتبار ان هذا المفهوم شكل محور للتحديث
المجتمعي

ومن هذا المنبر سنحاول تسليط الضوء على هذا المفهوم حتى يسهل استيعابه والتمييز بينه وبين بعض المفاهيم التي قد تتشابه معه

لقد انتشر مفهوم الـجندر بشكلٍ واسع منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي. إذ تطور مفهوم الـجندر لغويا ليصبح نظريةً وأيديولوجيا لحركة نسوية واضحة المعالم في معظم المجتمعات المتحضرة تدعى
(Feminism Gender ).

دخل مفهوم الجندر 1 إلى المجتمعات العربية والإسلامية مع وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان في سنة 1994، إذ ذكر في واحد وخمسين موضعاً من هذه الوثيقة، منها ما جاء في الفقرة التاسعة عشرة من المادة الرابعة من نص الإعلان الذي يدعو إلى تحطيم كل التفرقة الجندرية، إلا أن هذا المفهوم لم يثر نقاشا لأنه ارتبط أساسا بالخصائص الذكورية والانثوية ، ولم تعط له حمولات إيديولوجية أو فلسفية آنذاك.

وبعد ذلك ظهر هذا المفهوم في وثيقة مؤتمر بكين المنعقد في سنة 1995، حيث تكرر مصطلح الجندر مائتي وثلاثة وثلاثون مرة. وأثيرت إشكاليات مرتبطة بتعريفه وترجمته إذ رفضت الدول الغربية تعريف الجندر بالذكر والأنثى، وأصرت على وضع تعريف له يشمل الحياة غير النمطية التي تميز سلوك الجنسين داخل المجتمع، في حين رفضت الدول الأخرى ربط المفهوم بالسلوكات الاجتماعية.

وظلت النقاشات المرتبطة بالمفهوم قائمة إلى حين انعقاد مؤتمر روما في سنة 1998م ، الذي جاءت إحدى توصياته تنص على ما يلي: "أن كل تفرقة أو عقاب على أساس الجندر يشمل جريمة ضد الإنسانية". وكان إدخال كلمة الجندر في تعريف الجرائم بالإنجليزية أمراً غريباً في حد ذاته، إذ أن النصين العربي والفرنسي استعملا كلمة (الجنس) ولم يستعملا كلمة الـجندر ، حيث عرف الـجندر بأنه: (يعني الذكر والأنثى في نطاق المجتمع). وكما هو واضح من التعريف فإن عبارة (نطاق المجتمع) تعني أن دور النوع مكتسب من المجتمع، ويمكن أن يتغير ويتطور في نطاق المجتمع نفسه.

ومنذ ذلك الحين ظهرت اجتهادات متعددة استهدفت إزالة الغموض عن المصطلح فعرفته منظمة الصحة العالمية على أنه: "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية".

- أما الموسوعة البريطانية فعرفت (الهوية الجندرية ) 2 بشعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى، وفي الأعم الأغلب فإن الهوية الجندرية والخصائص العضوية تكون على اتفاق (أو تكون واحدة)، ولكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافق بين الصفات العضوية وهويته الجندرية أي شعوره بالذكورة أو بالأنوثة

- أما الباحثة الفرنسيةAntoinette Fouque
فاعتبرت أن مفهوم الجندر (النوع الاجتماعي) يعني مميزات الرجل والمرأة هي مميزات تتصل بعلاقتهما الاجتماعية تحت تأثير عوامل اقتصادية وثقافية وأيديولوجية تحدد أدوارهما ، وأضافت: أنه يجب إقحام المساواة بين الرجل والمرأة في كل السياسات العامة الحكومية منها وغير الحكومية.

إن المحاولات المتعددة في تعريف مفهوم الجندر تقودنا إلى الوقوف عنده في محاولة لتبسيطه لعموم المتعاملين معه.

أولا : مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي

لقد ظل مفهوم النوع الاجتماعي غير واضح بشكل جيد، وما زاد في غموضه هو صعوبة ترجمته إلى لغة غير التي أفرزته ( أي اللغة الإنجليزية)، إذ أن كلمة الـجندر هي كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني تم تعريبها وفق مرادفات قد لا تعكس حقيقتها في كثير من الأحيان ، إذ في البداية تمت ترجمة هذا المصطلحة بكلمة ' جنس' وهي ترجمة لغوية ، لأن الجندر في الإطار اللغوي القاموسي يحيل على مفهوم (الجنس) الذي يعني كل ما يرتبط بالذكورة والأنوثة ، كما قد يستخدم هذا المصطلح دائما - لغويا - لتصنيف الأسماء والضمائر والصفات، أو يستخدم كفعل مبني على خصائص متعلقة بالجنس في بعض اللغات وفي قوالب لغوية بحتة" .

وهنا لا بد من التمييز بين مفهوم النوع أو الجندر والجنس كمفاهيم قد تبدو متشابهة، فمفهوم النوع الاجتماعي هو مفهوم يشير إلى الخاصية الثقافية والاجتماعية التي تحدد دور الجنسين،

بمعنى آخر أنه يشير إلى التفرقة بين الذكر والأنثى على أساس الدور الاجتماعي لكل منهما تأثراً بالقيم السائدة، فيما يقتصر مفهوم الجنس أو "النوع البيولوجي على الاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة الغير القابلة للتغيير لأنها فوارق ثابتة وأبدية،

وهو ما يعني أن مصطلح الجندر مفهوم دينامي قابل للتغيير من مجتمع إلى أخر، وذلك بتغير ثقافاته وتعبيراته الاجتماعية ، بل ان هذا المفهوم قد يتغير داخل نفس المجتمع، فالعرق، والطبقة الاجتماعية، والظروف الاقتصادية، والعمر، كلها عوامل تؤثر على ما قد يعتبر مناسباً للنساء من أعمال ، وما يعتبر مناسبا للرجال ، أي أن هذه العوامل قد تحدد أدوار الجنسين وكذا العلاقة بينهما ، فكلما انتقلنا من مجتمع إلى آخر إلا وتغيرت الأدوار الممنوحة للجنسين، بل كلما انتقلنا من طبقة اجتماعية إلى أخرى قد تتغير الأدوار الممنوحة لهما، وهو ما يعني أن مفهوم الجندر يرتبط ارتباطا أساسيا بالمنظومة الثقافية للمجتمع ولعاداته وتقاليده وأفكاره وقيمه، وهو ما يعني كذلك أن جميع ما يفعله الرجـال والنسـاء وكل ما هو متوقع منـهم - فيمـا عـدا وظائفهم الجسدية المتمايـزة جنسيـاً- يمكن أن يتغير بمرور الزمن وتبعاً للعوامل الاجتماعية والثقافية المتنوعة.

وذلك على عكس مفهوم الجنس الذي لا يتغير بتغير هذه العوامل والظروف لان الأدوار التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة اعتمادا على الفوارق الجسدية الموجودة بينهما ( كالحمل والرضاعة) تبقى ثابتة في كل المجتمعات كيفما كان مستوى تقدمها وكيفما كانت الثقافة التي تؤطرها ، بما في ذلك الدين والعادات وغيرها من المتغيرات الاجتماعية ، فالجنس يمثل الفوارق البيولوجية الطبيعية ما بين الذكر والأنثى وهي فوارق تولد مع الإنسان، ولا يمكن تغييرها ، فهي وجدت من أجل أداء وظائف معينة وثابتة.

وهو معطى طبيعي، يعبر عن وضع بيولوجي، فإما أن يكون الإنسان ذكرا أو أنثى، وهي خصائص لا يتميز بها الجنس البشري وإنما تشترك معه فيها كل الكائنات الأخرى 3 أما النوع أو الجندر فهو من خصائص البشر وحدهم وهو يحدد مختلف الأدوار والحقوق والمسؤوليات الراجعة للنساء والرجال والعلاقات القائمة بينهم، وكذا الطريقة التي تحدد بها خصائصهم وسلوكياتهم وهوياتهم من خلال مسار التعايش الاجتماعي بينهم4
ان هذا التمييز بين مفهوم الجنس والنوع الاجتماعي قد فرض التعامل مع هذا المفهوم من منطلقات سوسيولوجية تراعي مختلف الابعاد والعوامل المؤثرة في ثقافة الشعوب ، وهذا ما قد نلمسه من خلال التعريف ا الذي وضعته الأمم المتحدة لهذا المفهوم ا حيث اعتبرت أن النوع الاجتماعي أو الجندر يمثل الأدوار الاجتماعية التي يصنفها المجتمع بناءا على الدور البيولوجي لكل من الجنسين، ويتوقع منهما أن يتصرفا بناءا عليها ، وتنبني أساسا على منظومة من القيم والعادات الاجتماعية التي تصبح مع مرور الوقت أمرا واقعا، أي أن هذه الأدوار هي من صنع الإنسان وعليه فإنها غير ثابتة وقابلة للتغيير 5
إن التعريف السابق هو نفس التعريف الذي تبنته المنظمات الدولية والحركات النسائية في القرن الواحد والعشرين، مما يؤكد أن هذا المفهوم ليس حديثا، وإنما طبيعة استعماله وتبنيه من طرف المجتمع الدولي هو الذي أثار نقاشات حوله، جعلت الاعتقاد سائدا أنه وليد السنوات الأخيرة .

ولقد كان الغرض الأول من إثارة هذا المفهوم هو تحرير العقول والأفهام من الأحكام المسبقة والتنميطات العالقة حول الجنسين، وتجاوز الاختلافات الفيزيولوجية التي حددتها الطبيعة، ثم السمو بالعلاقات بين الرجال والنساء إلى مستوى حضاري من التعقل ينزع عن الجنسين تلك الحدود التي سكّت في
قوالب جامدة وسلوكات محددة لمن هو ذكر ولمن هي أنثى6

يتبع....

الموضوع المقبل ودائما في اطار وضع المنطلقات الاساسية لتعريف النوع الاجتماعي ، سيتم التاكيد على اهمية الحديث عن طريقة توزبع الادوار الاجتماعية وارتباطها بالنوع الاجتماعي

:ثانيا:إرتباط النوع الاجتماعي بالادوار الاجتماعية


--------------

الهوامش

1
الجندر (Gender)
2
الهوية الجندرية (Gender Identity)
3
سالم البيض" الجنوسة والنوع في العالم العربي " مرجع سابق ص 49.
4
Nadira Barkallil : Genre et activités économiques au Maroc « la persistance de la précarité féminine »livre blanc Les Editions de secrétariat d’état chargé de la famille ,de l’enfance et des personnes handicapées.2006.
5
الكاشف في الجندر والتنمية : حقيبة مرجعية " منشورات صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة - مكتب غرب اسيا 1999- ص 17
6
العربي وافي " مقاربة النوع والتنمية " المرجع السابق" ص 12.




 عن موقع marocdroit

السبت، 2 أغسطس 2014

إشكالية ولوج المرأة الموظفة مراكز القرار الإداري



                     إشكالية ولوج المرأة الموظفة مراكز القرار الإداري 
ذة،التيجي بشرى*

إن البحث في إشكالية ولوج المرأة الموظفة مراكز القرار الإداري قد يقود إلى خلاصات واستنتاجات تؤكد انه على الرغم من التقدم الملحوظ الذي سُجّل في العقود الأخيرة فيما يخص مساواة الجنسين في ولوج هذه المراكز بدءا من السبعينات من القرن الماضي، فان ذلك لم يكن سببا كافيا لإلغاء بعض الصور النمطية السلبية.
ذلك أن المواقف والأحكام المسبقة اتجاه المرأة المتواجدة في إحدى المناصب العليا غالبا ما تنتج سلوكا تمييزيا ضدها يؤدي إلى بناء تصور تنظيمي يكرس هذا التمييز 1 يتجلى من خلال الآراء الرافضة لتواجدها في هذه المناصب، تتأثر بالمناخ العام السائد في المجتمع، وهي أراء قد تصدر من الرجل الموظف ( الفقرة الأولى)كما قد تصدر من المرأة الموظفة ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: نوعية علاقة الموظفة بالموظف .
إن تكريس الصور النمطية 2 السلبية حول المرأة الموظفة وربط صورتها داخل الإدارة بمعايير الانشغالات الهامشية تجعل معظم الموظفين من الرجال محكومين بالاعتقاد الذي يرى أن وضع المرأة الطبيعي هو البيت وليس الإدارة، وإن وجدت فيها فلا ينبغي أن تكون في منصب أعلى، لذا فإذا كان الرجل يشعر بالألم عند فقدانه لمنصب بسبب منافسة رجل له، فإن شعوره هذا قد يتضاعف إذا فقد ذات المنصب بسبب امرأة، وهو ما يجعله في حالة ترقب لفشلها أو إعاقة لعملها3 ، ولا يتردد في انتقاد طريقة تعاملها، وغالبا ما يتهمها بتحكيم العواطف في اتخاذ القرارات، والاهتمام بالشكليات، متأثرا في تقييمه لكفاءتها بمجموعة من الانطباعات والتمثلات الاجتماعية التي تفترض فيها عدم الكفاءة وتروج لبعض الأفكار من قبيل أنها عاطفية، وغير قادرة على حل المشاكل الكبرى وغيرها من الصفات السلبية فقط لأنها امرأة.
ان هذا الاعتقاد جعل معظم الموظفين من الرجال العاملين في الادارة المغربية يرفضون تواجد المرأة كمسؤولة عنهم، إذ عبر 58% منهم عن تفضيلهم وجود الرجل في منصب القرار، ولم يؤيد إلا 21 %منهم تواجد المرأة كرئيسة له، أما الباقون ونسبتهم 21% فقد اعتبروا ألا فرق بين الرجل والمرأة4.
وقد أرجع الرافضون لتولي المرأة الموظفة مركزا من مراكز القرار إلى اعتقادهم أن التواصل مع الرجل يكون أفضل.
ورفض البعض الآخر وجودها في هذه المراكز لأنها حسب رأيه تبالغ في الاهتمام في التدقيق في الأخطاء اللغوية، ولا تقوى على حل المشاكل الكبرى.
ان النتائج السالفة الذكر تؤكد أن اختيارات أغلب الموظفين لمسؤوليهم ما تزال ترتبط بالنوع، فانتماء المسؤول إلى جنس الإناث أو الذكور يكون حاسما في طبيعة علاقاته المهنية عند معظم المستجوبين5 الذين يصدرون احكامه عليه انطلاقا من التصورات والتمثلات الاجتماعية السائدة والتي غالبا ما تربط القدرة وحسن التدبير بالذكورة، وتجعل العجز قرينا بالنساء.
ان التصنيف الجنساني لصفات القيادة جعل من مهام الاشراف والتسيير اختصاصا من اختصاصات الرجل في حين اوكل باقي مهام التنفيذ للنساء..
لذا فان أغلب الموظفين من الرجال ما يزالون يعتقدون أن لهم الأسبقية في تولي هذه مراكز القرار، وإن وجدت النساء فيها، فإنهم لا يتعاملون معهن على أساس أنهم مسؤولات، بل لا يترددون في ممارسة أدوار التوجيه والنصح عليهن الذي لا يخلو من الرغبة في ممارسة السلطة الأبوية، وهذا ما أكدته بعض النساء المسئولات ، اللواتي اعتبرن أن المرؤوسين من الرجال لا يرون في العلاقات المهنية سوى مجالا يضمن لهم نوعا من الهيمنة على المرأة، وأنهم يستخدمون خطاب الرعاية وإسداء النصح الأبوي اتجاه المرأة الرئيسة للتعويض عن الإحساس بالإحباط لكونهم مرؤوسين من قبل امرأة 6
وحسب التقرير المنجز بعنوان 'دراسة ميدانية حول تحديات ولوج النساء الإعلاميات مواقع المسؤولية' من طرف مركز حرية الإعلام بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا7، فإن العلاقة المهنية بين الجنسين مطبوعة بحاجز العقلية الذكورية التي تتعمد في كثير من الأحيان الإساءة إلى المرأة - دون أن يذكر التقرير نوع الإساءة - على اعتبار أنها كائن قاصر وغير قادر على تحمل المسؤولية وما يستتبع هذا الإحساس بأبوية الرجل.
وهذا ما عبرت عنه مديرة الأخبار بالقناة الثانية سميرة سيطايل عندما قالت لمنجزي التقرير 'لقد لمست تعبيرا عن موقف تبنّ أبوي لهذه المرأة التي عينت على رأس مديرية الأخبار، ولا اعتقد أن نفس المعاملة والتوجيه كان سيلقاها رجل تم تعيينه في ذات المنصب .. كل تلك السلوكيات كان مردها إلى كوني امرأة '.
ولا تتوقف المشاكل التي يطرحها الرجل الموظف أمام المرأة الموظفة في العراقيل التي قد يضعها أمامها والانتقادات التي يواجهها بها، بل تعاني المرأة من مشكل آخر هو مشكل التحرش الجنسي 8.
وفي جواب عن سؤال هل سبق لك أن تعرضت للتحرش الجنسي داخل محيط العمل أجابت 59% من النساء المستجوبات أنهن عانين من التحرش الجنسي، الذي من الممكن أن يكون لفظيا أو بدنيا، ويعكس رغبة الرجل في امتلاك كل ما يحيط به، متجاوزا في أغلب الأحيان ما تفرضه العلاقات المهنية من احترام وهو ما يؤثر على نفسية بعض الموظفات9.
وإذا كان عموم الموظفين ما يزالون متشبثين بالتصور التقليدي لأدوار المرأة ويرفضون تواجدها في مراكز القرار، فهذا لا يعني عدم وجود فئة أخرى من الرجال تدافع عن هذا التواجد وتدعمه، ويظهر ذلك من خلال نتائج الاستمارة المنجزة في هذا البحث، والتي أفضت إلى وجود نسبة تصل إلى 21%من الرجال تفضل وجود المرأة في منصب المسؤولية، إضافة إلى وجود نسبة مماثلة منهم لا تعتقد بوجود فرق بين الجنسين في تولي مراكز القرار 10.
وعلى الرغم من أن هذه النسبة تبدو ضعيفة إلا أنها تعكس التطور الحاصل في المجتمع المغربي، وفي نظرة الرجل إلى المرأة كمشاركة معه في تدبير الشأن العام.
فهؤلاء المؤيدون لتواجد المرأة في مراكز القرار لا شك أنهم رسموا لها صورة ايجابية، تتجاوز الأشكال النمطية السائدة، وتعبر عن الاعتراف بما حققته بعض النساء من نجاح على الصعيد المهني فرض تغييرا في المواقف والتصورات التقليدية، وجعلها لا تقبل فقط بوجود المرأة في المراكز العليا، بل إنها تفضلها على الرجل في بعض الأحيان، كما هو الشأن بالنسبة لحالات الفئات المشمولة بالاستمارات المنجزة في هذا البحث.
وفي ذات السياق يمكن اعتبار أن أولئك الذين لم يجدوا فرقا بين الجنسين في تدبيرهما للشأن العام، يمثلون تيارا يؤمن بالمساواة بين الجنسين، ولا يجعل من الفوارق البيولوجية بينهما سببا في اختيار أحدهما لمنصب دون الأخر.
ويقرون بالقيمة المضافة لتواجد النساء في هذه المراكز، ويعترفون إن الإحساس الأنثوي كفيل بتلبية الجانب الإنساني داخل الإدارة، دون أن يغيب عنصر الكفاءة والمردودية، وهذا الطرح قد يكون موضوع اتفاق فئات كثيرة النساء المؤيدات لتواجد المرأة في مراكز القرار، كما قد يكون مثار جدل بالنسبة للرافضات منهن لهذا التواجد ( الفقرة الثانية).
الفقرة الثـانية: علاقة الموظفة المتواجدة في مراكز القرار بنظيراتها
ان المشاكل والعراقيل التي تضعها النساء أمام النساء لا تقل عن تلك التي يخلقها الرجال، ولعل هذا ما يدفع المرأة الموظفة التي تتواجد في مركز من مراكز القرار إلى بذل مجهودات مضاعفة في قيادة الموارد البشرية النسائية، وقد يرجع ذلك لكون انتظارات المرأة المرؤوسة تدفعها إلى إبداء نوع من الرغبة التلقائية في التقرب من رئيستها، مستخدمة في ذلك أسلوب الحميمية والإدلاء بالأسرار الشخصية، وتدخل هذه السلوكيات عادة في خانة التضامن النسائي في مواجهة وضعية مشتركة تعيشها النساء، وتدفع بهن نحو تلاحم أكبر، وينجم عن ذلك أن المرأة الرئيسة التي تسعى إلى إضفاء طابع مهني على علاقاتها بمرؤوساتها تجد نفسها مضطرة لعدم الاستجابة لرغباتهن، وهو الأمر الذي يولد نوعا من الإحباط لديهن، وفي أحسن الحالات ينتهي الطرفان إلى التزام موقعهما والحفاظ على علاقة مهنية وظيفية تلغي البعد الشخصي، تفضي إلى قيام المرأة المرؤوسة إلى إذكاء العداوات في محيط المرأة الرئيسة، وذلك حسب شهادة بعض المسؤولات 11.
وفي هذا الإطار فقد أبانت نتائج الاستمارات المنجزة (12) أن حضور النساء في مراكز القرار أمر لا يستساغ بسهولة من طرف نظيراتهن من النساء الزميلات والمرؤوسات، إذ أن %59 من النساء الموظفات يرفضن تواجد امرأة في منصب القرار، في حين تعتقد 30% انه لا فرق بين الجنسين في إدارتها للموارد البشرية، ولم يتجاوز عدد النساء اللواتي يفضلن امرأة مسؤولة عنهن %11 .
وقد أرجعت النساء أسباب هذا الرفض إلى عوامل أخلاقية تتعلق بالغيرة والحسد وسوء التواصل الذي يكون غالبا السمة المميزة للعلاقة بين النساء فيما بينهن، وهذا ما أكدته العديد من النساء أثناء المقابلات.
وتبقى الأسباب المؤدية إلى هذا الوضع مرتبطة بإرهاصات ثقافية ودينية، فالمرأة منذ صغرها تتردد على مسامعها كلمات محبطة مثل: "أنها خلقت من ضلع أعوج"و "ناقصة عقل ودين" إضافة إلى الكثير من الممارسات الكفيلة بزرع العقد النفسية ومختلف التمتلات السلبية عن المرأة 13، أفضت إلى سلوكيات أكدت الخلاصات التي أقرت أن المرأة لا تحب المرأة، وتجد صعوبة في إدارتها سواء كانت رئيسة أو زميلة أو مرؤوسة.
إن عداء المرأة للمرأة ليس ناتجا عن خلل في ذاتها بقدر ما هو انعكاس لواقع اجتماعي يؤسس لعلاقات مهنية مبنية على أساس النوع، وتوزع الأدوار تبعا لذلك وفقا لهذه التصورات المستمد من واقع اجتماعي متأثر بقيم ومعتقدات الثقافة الأبيسية التي تظهر ملامحها سواء في علاقة المرأة الموظفة بمحيطها الأسري أو بعلاقتها مع زملائها في العمل، والتي ترتبط بتوزيع معين للأدوار فيما بينهم حددها المجتمع وكرستها الوسائل التربوية التي نتلقاها سواء في البيت أو المدرسة أو عبر الثقافة الشفوية أو الإعلام بجميع تصنيفاته.
إلا أن هذا العداء أو الرفض النسائي – النسائي ليس مطلقا، بل إن هناك فئة أخرى من النساء تفضل وجود المرأة كرئيسة عليها، ولا تعتبر أن تم فرق بين النساء والرجال في التسيير الإداري، وفي هذا الإطار عبرت 30% من الموظفات عن عدم وجود فرق بين الجنسين، في حين فضلت 11% وجود امرأة في منصب القرار، وهو ما يجعل الاعتقاد حول توثر العلاقة بين المرأة ولمرأة ليس حقيقة مطلقة، بل إنها تعكس واقعا اجتماعيا لا يعدم من مظاهر التغيير المنسجم مع التوجهات الدولية الداعية لإنصاف النساء وتحسين صورتهن في المجتمعات ومنحهن فرصا لإدارة الشأن العام، إسهاما منهن في تكريس قيم الديمقراطية والحداثة.
إلا أن هذه المظاهر تحتاج أن تصبح قيما ثابتة وسلوكا راسخا في المجتمع، وهو ما يستلزم القيام بمجهودات في هذا الاتجاه.
-------------
الهوامش
*باحثة جامعية، مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية
-1- Houria ALAMI M’CHICHI « participation a la reprise de décision »édité « Femmes et Hommes au Maroc :Analyse de la situation et de l’évolution des écarts dans une perspective genre –direction de la statistique2003 p249-250
-2- هي مجموعة من التمثلات والصور الجاهزة والأحكام المسبقة التي يتم إنتاجها وترويجها في محيط ثقافي تمييزي بين الجنسين، وتتنوع هذه الصور حيث نجدها في الثقافة العالمية، وأيضا في الإنتاجات الثقافية الشعبية، وتنتشر في الشارع كما يمتد نفوذها إلى الصحافة المكتوبة ووسائل الإعلام المرئية والسمعية، كما تجد لها أصداء في المناهج الدراسية وفي بعض الخطابات الدينية... وتتغدى هذه الصور من واقع التمييز الذي تعاني منه النساء، لكنها تساهم أيضا في تبرير ذلك الواقع وإعادة إنتاجه، باعتبارها تشكل جزءا من متخيل الأفراد الذي يضفي المعنى على مواقفهم وسلوكاتهم: للتفاصيل انظر "الإستراتيجية الوطنية من اجل الإنصاف والمساواة بين الجنسين بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية " مرجع سابق ص 29
-3- هالة محمد حبيب "طبيعة المشكلات التي تعوق المديرة المصرية " مداخلة منشورة في كتاب تدعيم دور المرأة في التنمية المتواصلة 'إشراف عنايات إبراهيم حافظ بحوث المؤتمر الثاني لكلية التجارة، جامعة الأزهر 23-24شتنبر 1998مطابع الأزهر الكورنيش النيل الطبعة الاولى1999 ص 228.
-4- حسب نتائج الاستمارة المنجزة من طرف بشرى التيجي " اشكالية ولوج المراة الموظفة مراكز القرار الاداري" اطروحة لنيل الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط -اكدال -2010-2011 ص 226 -254.
-5- المرجع السابق.
-6- " التمثلات حول النساء في مراكز القرار والفاعلات السياسيات في المغرب" بحث سوسيولوجي أعده مركز تكوين القيادات النسائية /منشورات الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب 2002 بتعاون مع مؤسسة فريدريك ايبرت ص 15.
-7- التقرير يتكون من 37 صفحة – منشور في مجلة ' الصحيفة المغربية' العدد 38- لشهر يونيو 2006 انظر ص 40-41.
-8- لم يعرض قانون الوظيفة العمومية لتجريم التحرش الجنسي، على الرغم من انه ظاهرة مستفحلة في كل القطاعات الحكومية، وغالبا ما تكون ضحيته الموظفات المتواجدات في السلالم الدنيا، والحديثات العهد بولود الإدارة العمومية، يجد التحرش الجنسي إحدى دوافعه في صورة المرأة في الإعلام،حيث تساهم مختلف التمثلات الذهنية والجسدية المتداولة في تكوين صورة تمطية عنها تحصرها في الغالب في الجسد.
-9- حسب نتائج الاستمارة رقم 1 المنجزة في هذا البحث المدرجة ضمن قائمة الملاحق.
-10- حسب نتائج الاستمارة رقم 2 المنجزة في هذا البحث المدرجة ضمن قائمة الملاحق.
-11- انظر الشهادات ضمن "لتمثلات حول النساء في مراكز القرار والفاعلات السياسيات بالمغرب"بحث سوسيولوجي أعده مركز تكوين القيادات النسائية منشورات الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب 2002 بتعاون مع مؤسسة فريدريك ايبرت ص 15 .
-12- بشرى التيجي مرجع سابق
-13- حول'التمثلات حول النساء في مراكز القرار والفاعلات السياسيات بالمغرب"بحث سوسيولوجي أعده مركز تكوين القيادات النسائية /منشورات الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب 2002 بتعاون مع مؤسسة فريدريك ايبرت ص 15 . 


 عن موقع marocdroit

الاثنين، 28 يوليو 2014

تنازع القوانين في الخطبة - دراسة مقارنة


إعداد الطلبة :
رشيد برادة
سعيد بوظاهر
خالد عدنان
تحت إشراف الدكتور أحمد إد الفقيه.
كلية الشريعة والقانون أيت ملول –أكادير
ماستر أحكام الأسرة في الفقه والقانون – الفوج الثالث-


 
مقدمة
 
نظرا لما لعقد الزواج من أهمية ومن آثار لا تنطبق على العاقدين فحسب، بل على أسرتيهما وعلى المجتمع ككل، فقد حبب الفقه الإسلامي ورغب بأن تكون له مقدمة تسبق التعاقد النهائي تتمثل في الخطبة، وأحاطها بعناية بالغة، وحدد طبيعة العلاقة بين الخاطب والمخطوبة خلال هذه الفترة. وأعطى لكل منهما الحق في العدول عن هذه الخطبة في أي وقت شاء دون أن يحدد لذلك شرطا أو قيدا، غير أن هذا العدول وإن كان حقا لكل من الطرفين، إلا أنه قد يلحق الطرف الآخر ضرر من ذلك، مما يجعل الطرف العادل مسؤولا عن تعويض الضرر اللاحق بالطرف الآخر إلا أنه و لما لعقد الزواج من خصوصيات فإنه لا يمكن التسليم بأن الخطبة ملزمة، على أساس يمكن معه إكراه الخاطبين على إبرام الزواج مستقبلا، و أقصى ما يمكن أن ينتج عن عقد الخطبة من إلزام أنه التزام أدبي بتنفيذ الوعد بالزواج، إذا ما تمت الخطبة صحيحة.و تختلف أحكام قوانين الدول في موضوع الخطبة ويعود ذلك إلى اختلاف الفكرة الاجتماعية التي يقوم عليها مفهوم الخطبة,فمن هذه الأفكار ما يقوم على أساس جعل الخطبة عقدا ملزما لا يمكن العدول عنه ليرتب بذلك مسوولية عقدية عند عدم الوفاء به ,ومنهم م أخضعها لقانون جنسية الخاطب قيسا على قواعد التنازع في الزواج فجعل منها عقدا ملزما مثل عقد الزواج,ومنهم من اعتبرها وعدا بالزواج ليس له قوة الإلزام والالتزام.هذا الاختلاف في الرؤى والأفكار نتج عنه التنازع بين قوانين الدول,ودفع الدول إلى بذل المزيد من العناية لتنظيم الاختصاص القانوني عن طريق وضع قواعد إسناد معينة يحدد بموجبها القانون الذي يحكم الخطبة شكلا وموضوعا وآثارا...وعلى كل حال فإن إسناد العلاقات ذات البعد الدولي لقانون دولة ما لا يتم بصورة مباشرة إنما بعد إجراء عملية فنية أولية سابقة, عليها يتوقف اختيار قاعدة إسناد دون غيرها يصطلح عليها بالتكييف او التصنيف.
لكل هذه الإعتبارات رأينا تقسيم بحثنا المتواضع إلى مبحثين:

المبحث الأول:الطبيعة القانونية للخطبة.
المبحث الثاني:القانون واجب التطبيق على الخطبة.
 
 
 
 
المبحث الاول : تعريف الخطبة وطبيعتها القانونية

 
المطلب الاول : تعريف الخطبة


الخطبة لغة مصدر خطب يقال خطب المرأة يخطبها خطباً وخطب، واختطب القوم فلاناً إذا دعوه إلى تزويج صاحبتهم.
[1]
وفي الاصطلاح تعددت عبارات العلماء في تعريفها، إلا أنها متقاربة، ومن بين هذه التعاريف أن الخطبة التماس الخاطب النكاح من جهة المخطوبة[2].
ومن بين التعريفات المعاصرة لها :
تقدم الرجل إلى امرأة معينة تحل له شرعا أو إلى أهلها.
[3]
أو هي إظهار الرغبة في الزواج بامرأة معينة، وإعلام المرأة وليها بذلك. وقد يتم هذا الإعلام مباشرة من الخاطب، أو بواسطة أهله.[4]
و عرفتها المدونة في المادة  5 على انها: "تواعد رجل و امرأة على الزواج".[5]
من هذه التعريفات يتضح لنا ان الخطبة وعد بالزواج غير ملزم لا تترتب عليها أي اثار من اثار العقد.يقول الامام السيوطي :"والظاهر ان الخطبة ليست بعقد شرعي،وان تخيل كونها عقدا،فليس بلازم بل جائز من الجانبين قطعا."[6]
وعلى هذا المنوال جرت كل قوانين الأحوال الشخصية ومنها مدونة الاسرة كما سبق ذكره في المادة الخامسة.
 
المطلب الثاني : التكييف  القانوني للخطبة

لاشك أن للتكييف القانوني دور أساسي في مسألة الخطبة. حيث أن تكييفها يختلف من قاضي لآخر، وبالتالي يؤثر على قواعد التنازع اّلتي تحكمها، وينتج عنه في الأخير اختلاف في القانون الواجب التطبيق خاصة في حالتي العدول عن الخطبة أو فسخها.وعلى هذا الاساس يوجد ثلاث اتجاهات مختلفة حول التكييف القانوني للخطبة:

الاتجاه الاول : اعتبر الخطبة وعدا بالزواج وليست بعقد وبالتالي لا يترتب عن العدول عنها أي تعويض.
الاتجاه الثاني :  اعتبرها بمثابة عقد ملزم والعدول عنها يوجب التعويض.
الاتجاه الثالث : اعتبر الخطبة عقد والعدول عنها لا  يوجب التعويض إلا اذا تعسف احد طرفيها  في العدول.
وسنتعرض بالتفصيل لهذه الاتجاهات في الفقرات التالية :

الفقرة الاولى : الخطبة وعد بالزواج وليست بعقد.

يرى أنصار هذا الاتجاه أن الخطبة من مقدمات الزواج وهي لا تضفي عليها أثرا ملزما، إذ اعتبروها وعدا بالزواج وليست بعقد، أي ليست لها قوة الإلزام والالتزام.و الوعد بالعقد ليست له قوة العقد إطلاقا في إلزام طرفيه بآثار العقد.
وهذا الاتجاه هو الذي تبنته الشريعة الاسلامية ومعظم قوانين الأحوال الشخصية العربية.فالخطبة لا تقيد أحدا من المتواعدين بالزواج إذ لكل منهما أن يعدل عن هذا العقد متى شاء.والقول بغير هذا يتعارض مع المقصد الأساسي من تشريع الخطبة التي هي مجرد مرحلة وسطى للتفكير في الزواج.كما أن القول بغير ذلك يعدم مبدأ الحرية في الزواج.وعليه فالعدول عن الخطبة أمر مباح لا يترتب عنه أي تعويض لأنها ليست بعقد بل هي وعد بالزواج غير ملزم.
وفي هذا يقول الدكتور الأستاذ أبو زهرة رحمه الله: " الخطبة ليست إلاّ وعدا بالعقد، والوعد لا يرقى إلى مرتبة العقد، ولا له قوة العقد وإلزامه، حتّى على رأي الفقهاء القائلين أنّ الوعد ملزم لإنشاء العقد، وذلك لتتوافر حرية الاختيار كاملة، وأنّ ذلك من مصلحة المجتمع، ومن مصلحة المتعاقدين، لأنّ الزّواج عقد حياة، والتروّي فيه أمر ضروريّ، ولو ألزم الخاطب بخطبته لكان في ذلك حمل له على العقد، قبل أن تتوفّر كلّ أسباب الدّرس والتّمحيص
[7]. فهذا تعليل وتبرير فقهي وشرعيّ لعدم لزوم الخطبة وأنّها تظلّ مجرد أداة تعارف، وتآلف وتقارب بين الخاطبين، وأنّها وعد غير ملزم لأيّ طرف، ولا ترقى إلى درجة الإلزام، حماية للنّاس من عدم التروّي والتفكير والتبصّر، والبحث عن المصلحة وأنّ الحياة الزوجيّة لا بدّ أن تبنى على التأنّي والتفكير وحسن التقدير، وهذا لا يكون ناشئا عن الخطبة فقط، وإنّما يتحقّق بعد الخطبة، وهي مرحلة العقد[8].
وإذا القينا نظرة على الاحوال الشخصية  العربية و الغربية فسنجدها تسير على هذا المنوال.فقد اعتبر القضاء الفرنسي الحديث الخطبة وعدا غير ملزم، بمعنى أّنه لا يتولد عنها التزامات قانونية في ذمة الخاطبين.
و في القضاء المصريّ قررت محكمة النّقض المصرية في أحد الأحكام أن الخطبة " ليست إلاّ تمهيدا لعقد الزّواج، ووعدا به، وأنّ هذا الوعد لا يقيّد أحدا، من المتواعدين، فلكلّ منهما أن يعدل عنه في أيّ وقت شاء خصوصا أنّه يجب أن يتوافر في هذا العقد كامل الحريّة للمتعاقدين "
[9].
ويجب التنبيه هنا أن الذين تبنوا هذا الاتجاه استثنوا من هذه المسألة الحالة التي يصاحب فيها العدول عن الخطبة فعل ضار بالطرف الآخر.حيث يترتب عن ذلك مسؤولية تقصيرية.فالقضاء المصري مثلا اعتبر الخطبة وعدا بالزواج غير أنه أشار الى أن : "العدول عن الخطبة قد يرتب المسؤولية، بشرط أن يقترن العدول بخطأ ".
كما تبنىت الجزائر هذا الموقف إذ أن الخطبة طبقا للنظام القانوني الجزائري مجرد وعد،فهي لا ترقى إلى درجة العقد ولا يترتب عنها أي أثر من آثار عقد الزواج . لكن الأفعال الضارة المصاحبة للعدول يمكن مساءلة الشخص عنها على أساس المسؤولية التقصيرية.
[10]
وعليه نستنتج مما سبق أن الخطبة في حد ذاتها ليست التزاما والعدول عنها لا يرتب أي أثر، لكن الأفعال الضارة المصاحبة للعدول يسأل الشخص عنها على أساس المسؤولية التقصيرية.وفي هذا يقول الدكتور توفيق حسن فرج - في معرض انتقاده لنظرية التعسف في العدول عن الخطبة -– أن الكلام على مسألة العدول هو كلام عن الأضرار المصاحبة لها ، فإن تم العدول في ظروف لم يحصل فيها إضرار بالطرف الاخر فلا مسؤولية إطلاقا حتى ولو لم يكن للعدول ما يبرره.وإذا كان العدول قد تم في ظروف حصل فيها اضرار بالطرف الآخر فإن ذلك يؤدي إلى مساءلة من يعدل عن الخطبة حتى ولو كان لعدوله مبرر،متى توفر في سلوكه عنصر الخطأ و اكتملت عناصر المسؤولية التقصيرية[11] بصفة عامة.
 
  الفقرة الثانية : الخطبة عقد ملزم والعدول عنها يوجب التعويض.

اعتبر هذا الاتجاه الخطبة بمثابة عقد ملزم، ولا يمكن للأطراف العدول عنها،إلا بالإرادة المشتركة أو الإقالة الاختيارية.وإذا عدل أحد الأطراف عنها يسأل على أساس المسؤولية العقدية. ومن بين الأنظمة القانونية اّلتي ذهبت هذا المذهب التشريع الألماني والإنجليزي و التركي و  السويسري، إذ اعتبرت العدول عنها نوعا من أنواع عدم التنفيذ مما يترتب عليه أثار المسؤولية العقدية ، أي بعبارة أخرى تسري عليها قواعد الإسناد الخاصة بالعقد.
[12]
فهذه التشريعات أضفت على الخطبة الطابع المدني، أي أعطت للخطبة وضعا قانونيا نظم بموجبه شروطها الموضوعية والشكلية و الآثار المترتبة عنها في حالة العدول.
وقد اعتمدت بعض القوانين العربية هذا الاتجاه كالقانون الكويتي لرقم 5 سنة 1961 الذي تناول الخطبة في المادة 35 منه التي جاء فيها :
" تعتبر الخطبة من مسائل الأحوال الشخصية، ويسري عليها من حيث شروط صحتها قانون الجنسية بالنسبة إلى كل خاطب, ومن حيث آثارها قانون جنسية الخاطب وقت الخطبة، ومن حيث فسخها قانون جنسية الخاطب وقت الفسخ."
[13]
فهذا الجانب من الفقه يرى إخضاع الخطبة لقانون جنسية الخاطب قياسا على قواعد التنازع اّلتي تحكم الزواج، بحيث يخضع العدول عنها لقانون جنسية كل من الخاطب وقت فسخها.
وتجدر الإشارة إلى أن أول ظهور لهذه النظرية العقدية للخطبة  كان في فرنسا إبان صدور القانون المدني الفرنسي سنة 1804.حيث أدى سكوت المشرع عن تنظيم أحكام الخطبة إلى تطبيق القواعد العامة للقانون عليها.وعليه قرر بعض المنظرون لهذه النظرية على أنه لما كان الالتزام بعمل يتحول عند عدم تنفيذه إلى تعويض،فإن الوعد بالزواج ليس إلا التزام بعمل وعدم الوفاء به يترتب عنه تعويض.وبالتالي يخضع لما تقضي به القاعدة العامة في هذا الصدد و الواردة في المادة 1142 من القانون المدني الفرنسي التي تنص على أن : "كل التزام بعمل أو امتناع عن عمل يتحول الى تعويض إذا لم يقم المدين بتنفيذه".وقد جاءت عبارة هذا النص عامة مما يجعلها تسري على الوعد بالزواج وغيره من الوعود.وإذا ما  أريد عدم إخضاعه له لابد من نص صريح يستبعد هذا الوعد ويستثنيه من القاعدة العامة.وبما أن هذا الاستثناء غير موجود فإن القضاء الفرنسي لا يمكنه أن يستثني الوعد بالزواج من الخضوع لأحكام المادة 1142 من القانون المدني الفرنسي.
وزيادة على ذلك فإن الفقه الفرنسي طبق القاعدة الواردة في المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي والتي تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين بالنسبة للوعد بالزواج.وقرر هذا الفقه على أنه لا يمكن استبعاد هذا الوعد إلا بنص خاص صريح.ومادام أن هذا النص غير موجود فإن الوعد بالزواج يعتبر اتفاقا صحيحا ملزما لطرفيه.
[14]
وقد وجدت هذه النظرية تطبيقا لها في الاجتهاد القضائي الفرنسي الذي صدرت عنه عدة أحكام تؤكد الطابع العقدي للخطبة. فقد جاء في حكم لمحكمة تولوز:
"الخطبة عقد ملزم يرتب التزامات تبادلية بين المتعاقدين بإتمام الوعد بالزواج، وهذا الوعد يخول كلا منهما دعوى لإجبار الآخر على الوفاء به، لكن طبيعة هذا الارتباط تقضي بأن تتحول إلى التزام بالتعويض، يلتزم به من يرفض التنفيذ طبقا للمبادئ العامة التي أخذ بها القانون الفرنسي".
[15]
وتأسيسا على هذه المعطيات نستنتج أن الفقه الفرنسي طبق على الخطبة قاعدة "العقد شريعة المتعاقدين"،كما طبق عليها قاعدة "تحول الالتزام بعمل الى تعويض عند عدم تنفيذه".
وكذلك فعلت بعض النظم القانونية المقارنة كالقانون النمساوي و الألماني  والسويسري و الإنجليزي،التي اعتبرت الخطبة عقدا حقيقيا تترتب عليه آثاره إذا أبرم صحيحا.
ولكن هذا الرأي ليس هو السائد في النظم القانونية المعاصرة.كما أن القضاء الفرنسي نفسه قد هجر هذا الرأي و لم يعد يأخذ به في الوقت الحاضر.
إضافة الى هذا،هناك من لم  يساير هذا الاتجاه ككل، الذي يجعل قواعد التنازع اّلتي تحكم الزواج نفسها قواعد التنازع اّلتي تسري على الخطبة، لأّنه يجعل من الخطبة عقد ملزم مثل عقد الزواج.لذلك وجهت له عدة انتقادات.ومن هذه الانتقادات ما ذكره "توفيق حسن فرج" الذي قال بأن القواعد العامة التي تطبق في العقود المالية تختلف بشكل كبير عن تلك التي تتعلق بالزواج.ومثال هذا أن الوعد بالزواج لا يصدر من مدين إلى دائن كما هو الأمر بالنسبة للعقود العادية.فالزواج هو رباط بيم نفسين أو روحين.والوعد بالزواج لا يمكن أن يولد رابطة قانونية لأنه غير ملزم من الناحية المدنية ولن يكون هذا الوعد ملزما إلا من حيث الضمير فقط.وكل ما هنالك أن هذا الأمر يكون حكمه ديانة بين العبد و ربه إذ على من أخل بوعده دون سبب شرعي أن يتوب إلى الله
[16].وأما ان يكون هناك تعويض فهذا غير وارد في الوعد بالزواج.لأنه لا يمكن إجبار الخاطب المخل بالوعد على تنفيذ هذا الوعد،خاصة أن هذه المرحلة هي مرحلة تعارف و تآلف بين الخطيبين يمكن لكل واحد منهما التراجع عنها إذا ظهر له أو لها ما يوجب ذلك.ولاشك أن اعتبار الخطبة عقدا يدل على عدم فهم المقصود الأساسي من الزواج الذي هو رباط بين النفوس لا علاقة من علاقات العمل.[17]
 
وعلى هذا المنوال  فعدم تنظيم القانون المدني الفرنسي لأحكام  الخطبة لا يعني تطبيق القواعد العامة في العقود كما رأى بعض المنظرين و الشراح ،  وإنما هذا السكوت يعني عدم الاعتراف بذاتية الخطبة من الناحية القانونية لأنها لا تولد أي التزام.
 
الفقرة الثالثة : الخطبة عقد والعدول عنها لا  يوجب التعويض إلا اذا تعسف احد طرفيها  في العدول .
 
ما يميز هذا الاتجاه عن سابقيه هو إمكانية إنهاء الخطبة بإرادة أحد الخطيبين  المنفردة متى كانت هناك أسباب مشروعة لذلك.أما إذا تم إنهائها بلا أسباب مشروعة فإن المخل بالخطبة يكون متعسفا في استعمال حق العدول.ونتيجة لذلك يجب عليه التعويض.
[18]
ومن بين الأسباب الغير المشروعة التي توجب التعويض : ألا يكون للعادل مبرر معقول لإنهاء الخطبة بل يفعل ذلك لمجرد التهور و الطيش أو أن يكون له دور في إنجاز التصرف الضار بالطرف الآخر كما إذا استعجلت الخطيبة حفلة الزفاف و عندما هيأ لها الخاطب أعلنت عن إنهاء الخطبة أو كأن يطلب الخاطب من خطيبته الانقطاع عن الدراسة أو التخلي عن وظيفتها فتفعل ذلك ثم يتراجع عن الخطبة.فكل هذه الأسباب وغيرها توجب التعويض.
وقد تبنى هذا الطرح الفقيه الفرنسي "جوسران" الذي يرى أن الخطبة لا تعدو كونها عقدا حقيقيا من العقود التبادلية التي يلتزم فيها الخطيبان بالقيام بعمل، وهو إبرام عقد الزواج في المستقبل، غير أنه يقر بإمكانية إنهاء هذا العقد من جانب واحد بالإرادة المنفردة، وهو حق نسبي ومسبب، فلا يمكن أن يمارس إلا لأسباب مشروعة، فإذا استعمل هذا الحق استعمالا تعسفيا كان هناك مجال لمساءلة الخاطب الذي أساء استعمال حقه.
فجوسران لا يرى في الوعد بالزواج أنه مجرد من كل قيمة قانونية، فإذا كان القانون المدني الفرنسي لم ينص على اعتبار الخطبة عقدا ملزما لطرفيه، فليس هذا معناه عدم الاحتجاج به، إذ أن كل عقد لم يمنعه القانون فهو جائز.
والخطبة عقد حقيقي يلتزم فيه الطرفان بالقيام بعمل، ويتميز هذا العقد بإمكان إنهائه من جانب واحد، ولكن هذا الحق من جانب واحد ليس مطلقا وإنما يمكن أن يرد عليه التعسف، وبالتالي فهو مقيد بالحكمة الغائية التي شرعت من أجلها، ويكون العدول تعسفيا متى لم يكن مستندا إلى أسباب مشروعة، كما أن الخطبة تعتبر عقدا من العقود غير المحددة المدة التي تحتمل الإنهاء من جانب واحد حيث يوجد مجال لتطبيق نظرية التعسف في استعمال الحق بالنسبة للخطبة.
[19]
إن ما يلاحظ في هذا الشأن هو السعي إلى تطبيق قواعد المسؤولية العقدية على الطرف الذي عدل عن الخطبة بإرادته المنفردة، لكن ليس استنادا على أن مجرد العدول عن الخطبة يشكل خطئا عقديا في حد ذاته، بل باعتبار فعل العدول قد يشكل في بعض الحالات إساءة لاستعمال الحق، ولأنها إساءة واقعة في دائرة العقد تطبق عليها قواعد المسؤولية العقدية. والثابت في الفقه و القضاء أن إساءة استعمال حق العدول عن الخطبة تترتب عنه المسؤولية التقصيرية،حتى لو كان الحق الذي أسئ استعماله ناشئا عن عقد.وهذا ما أكد عليه الدكتور "سليمان مرقس" مضيفا  بأنه مادام الامر مصيره الى قواعد المسؤولية التقصيرية ، فلا فائدة من محاولة إثبات أن الخطبة عقد يكون لكل من عاقديه حق العدول عنه.[20]
ورغم أن هذا الاتجاه يبدو كحل وسط بين الاتجاه الأول و الثاني فإنه لم يسلم هو الآخر من نقد. والنقد الذي وجه إليه يتعلق بنظرية التعسف في استعمال الحق في شأن العدول عن الخطبة.فقد أكد "توفيق حسن فرج" أن الفقه لا يوافق في جانب كبير منه في إعمال هذه النظرية،خاصة أن القاعدة الفقهية تقول " الجواز ينافي الضمان ".
وهذه القاعدة يستشف منها أن لكلا الطرفين الحرية في  العدول عن الخطبة.وبالتالي فهذا العدول هو ممارسة لحرية الشخص في عدم إتمام الزواج الشئ الذي يعني أن الخاطب يمارس حريته في عدم التعاقد.وهذا من الحريات العامة التي يستوي الأفراد في شأنها من المركز.
وعليه فالقول بأن العدول عن الخطبة بدون مبرر يرتب مسؤولية تقصيرية باعتباره تعسفا قول مردود و غير مقبول، لأن ذلك يعني أن للوعد بالزواج صفة الزامية،
[21] والأمر عكس ذلك.
 
الفقرة الرابعة : موقف مدونة الاسرة المغربية

لاشك أن مدونة الاسرة المغربية قد ذهبت مذهب الاتجاه الأول.ويتضح ذلك جليا من خلال المواد من 5 الى 9 .فالمادة الخامسة عرفت الخطبة بأنها "تواعد رجل و امرأة على الزواج".فالمدونة استخدمت لفظ "التواعد".وهناك فرق بين الوعد و التواعد إذ أن تواعد فعل رباعي على وزن تفاعل.مما يوحي بإيجاب و قبول كلا الطرفين بالخطبة.وبالتالي فالخطبة في مدونة الاسرة هي مجرد وعد بالزواج غير ملزم و ليست بعقد.مما يعني أن لكلا الطرفين الحرية الكاملة في العدول عنها بسبب أو بلا سبب شرعي  دون أن يترتب عن ذلك أي تعويض.
وقد أكدت المدونة على هذا المبدأ في المادة السابعة التي جاء فيها : "مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض".
لكن هذا المبدأ العام استثنت منه المدونة مسألة خاصة تتعلق بالعدول الذي يرافقه ضرر للطرف الآخر.لذلك استطردت المدونة قائلة :"غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضررا للأخر ، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض."
[22]
وبالتالي تكون مدونة الاسرة المغربية قد سايرت ما انتهت إليه محكمة النقض المصرية.وهو رأي منطقي يتفق مع مضمون الحديث النبوي "لا ضرر و لا ضرار"[23]. ومن الأضرار التي يمكن أن تصاحب العدول عن الزواج اتهام الخاطب للمخطوبة أو اتهامها له بما يمس الشعور و الكرامة كالطعن في العرض و في أخلاق العائلة وغير ذلك من الأقوال.ومنها أيضا أن يخطب الرجل امرأة موظفة ثم تتخلى عن وظيفتها بطلب منه أو يدفعها إلى القيام بنفقات باهظة قصد التهيؤ للزواج ثم يتخلى عنها وغير ذلك من الافعال.[24]
  1. ثمرة الخلاف
 
تتمثل ثمرة الخلاف المشار اليه في الاتجاهات السابقة في القانون الواجب التطبيق عند النزاع المتضمن لعنصر أجنبي.ويمكن تبسيط ذلك في اتجاهين رئيسيين : اتجاه يعتبر الخطبة مجرد وعد بالزواج لا يترتب عن العدول عنها أي تعويض واتجاه يرى ان الخطبة عقد ملزم يترتب عن العدول عنها تعويض.وعليه فالقوانين صاحبة الاتجاه الاول لم تضع أي قواعد اسناد للخطبة تعين القانون الواجب التطبيق عند نشوء نزاع بشأنها عندما يتضمن هذا النزاع عنصرا اجنبيا.ومن هذه القوانين القانون السوري و الاردني و العراقي و المصري حيث سكتت هذه القوانين في هذا الشأن.ولهذا يمكن اعمال القواعد الخاصة بالزواج من حيث الاهلية و الرضا وموانع الزواج،ومن حيث الاثار و الفسخ.أما الاتجاه الثاني فقد أعطى للخطبة وضعا قانونيا نظم بموجبه شروطها الموضوعية و الشكلية و الاثار التي تترتب عليها عند العدول عنها.وهذا ما  يلاحظ في القانون التركي و السويسري و الالماني  و الكويتي وبعض دول امريكا اللاتينية.
[25]
ولاشك ان الوقت قد حان  لوضع قواعد اسناد خاصة بموضوع الخطبة وأن لا نترك هذا الامر للقواعد العامة للزواج.فطالما اتفقنا ان الخطبة مجرد وعد بالزواج غير ملزم،فإنها لا تخلو من الكثير من المشاكل المادية و المعنوية التي تحتاج الى حلول قانونية،خاصة أن معظم القوانين أعطت الحق لكل من الخاطب او المخطوبة في العدول عن الخطبة دونما حاجة الى سبب او تبرير.[26]
وعلى هذا الاساس وضع الفقهاء عدة حلول و مقترحات متعلقة بالقانون الواجب التطبيق، مميزين في ذلك بين تنازع القوانين الذي يترتب عن الشروط الموضوعية للخطبة و التي تتولد عن الشروط الشكلية لها.وهو ما سنتعرض له في المبحث الثاني ان شاء الله.
ومن ثمرة الخلاف في هذه المسألة كذلك أن الاختلاف في تحديد الطبيعة القانونية للخطبة له أهمية كبيرة في التكييف القانوني لها.ولذلك طرح الفقهاء السؤال التالي : هل الخطبة تندرج في اطار مسائل الاحوال الشخصية أو في إطار مسائل الاحوال العينية؟
للإجابة على هذا السؤال اشار بعض  الفقهاء
[27] بأن الخطبة باعتبارها تواعدا على الزواج فإنها من مسائل الاحوال الشخصية.غير انه متى سلمنا بذلك فإنه يجب ان يسلم ايضا بأن ما يتخلف عن الخطبة من مراكز مالية او غير مالية تعتبر من الاحوال الشخصية لدخوله في مدلول كلمة الخطبة.ويؤيد هذا القول اعتبار تجانس القواعد التي تطبق عليها.فليس من المستساغ ان نخضع التعاقد لقواعد الاحكام الدينية في حين يخضع ما ينشأ عن هذا التعاقد للقانون المدني.
وإلى جانب هذا الرأي هناك رأي يرى أن الخطبة ليست من الأحوال الشخصية، لأنها لا ترتب أي التزامات شخصية بين الطرفين، وبالتالي فإنها تخضع لقاعدة الإسناد العامة في العقود، أي أنها تخضع لقانون الدولة التي تحدث فيه. أما عن القانون المغربي فإنه لم يتعرض للقانون الذي يحكم الخطبة، لذا يتعين الرجوع للقواعد العامة، وبما أنه تناول الخطبة في مدونة الأسرة فإنه اعتبرها من الأحوال الشخصية، وبالتالي فهو يخضعها لقانون جنسية الخطيبين طبقا للفصل الثالث من ظهير الوضعية المدنية للأجانب الذي جاء فيه :" تخضع حالة الفرنسيين والأجانب الشخصية وأهليتهم لقانونهم الوطني" .
[28]
فإذا كان الخطيبان من جنسية واحدة فلا إشكال، أما إن كانا من جنسيتين مختلفتين فهنا تظهر صعوبة التطبيق، علما أنه إذا كان أحد الخطيبين مغربيا فإنه يتعين تطبيق مدونة الأسرة المغربية.وذلك بناء على على المادة الثانية من المدونة التي تقول : "تسري احكام هذه المدونة على....العلاقات التي يكون فيها احد الطرفين مغربيا."
 
 
المبحث الثاني: القانون الواجب التطبيق على الخطبة.


ان القانون الواجب التطبيق أو القانون المسند له الاختصاص هو العنصر الثالث من عناصر تكوين قاعدة الإسناد الذي يعبر عن حاصل جمع فكرة الإسناد مع ضابط الإسناد ويأخذ القانون طبيعته من الضابط أي ضابط الإسناد ,فإن كان الضابط يستمد وجوده من أطراف العلاقة –جنسية أو موطن الزوجين او الزوج او الأب – فالضابط شخصي ويأخذ القانون نفس الوصف فيكون شخصيا.أي القانون واجب التطبيق هو القانون الشخصي أو قانون الجنسية او الموطن.
والمشرع المغربي لم يضع قاعدة إسناد خاصة تحدد القانون واجب التطبيق عند حصول نزاع يتعلق بأحكام الخطبة ,ولكن بالرغم من ذلك فإن الخطبة مجرد مقدمة للزواج يجوز العدول عنها.ولمعرفة القانون واجب التطبيق على الخطبة لابد أن نفرق بين مختلف مسائل الخطبة من شروط موضوعية وأخرى شكلية والآثار المترتبة عن الخطبة وفسخها والعدول عنها.
 
المطلب الأول : الشروط الموضوعية للخطبة.
 
لمعرفة القانون الواجب التطبيق على الشروط الموضوعية للخطبة لابد أولا من الإشارة إلى المقصود من الشروط الموضوعية وبيان معناها, فهي إذا تلك الشروط الأساسية لقيام رابطة الزواج ,وإذا تخلف شرط من هذه الشروط يترتب عن هذه العلاقة البطلان ,ويقصد بها أيضا تلك الشروط التي يتوقف وجود الزواج على وجودها وينعدم لانعدامها
[29].ومن هذه الشروط معرفة من تحل بينهما الخطبة ,ومن تحرم خطبتها بسبب النسب والمصاهرة أو الرضاع,وعدم جواز خطبة الرجل لزوجة الغير أو المعتدة أو المخطوبة لشخص آخر,وكذلك التراضي والإيجاب والقبول والحصول على إذن الولي.
ولقد اختلف الفقهاء حول القانون واجب التطبيق على الخطبة في حالة وجود نزاع يشوبه عنصر أجنبي إلى ثلاثة آراء :
-الرأي الأول  : يرى ضرورة تطبيق قانون مكان انعقاد الخطبة .
-الرأي الثاني : يرى ضرورة تطبيق قانون جنسية الخاطب.
-الرأي الثالث : يرى ضرورة تطبيق قانون كلا الخاطبين.
مثال ذلك: تونسي خطب مغربية أثناء إقامتها في اليمن ,ثم سافرا إلى الجزائر ,وبعد فترة حدث نزاع بينهما,وتم عرض النزاع على القضاء الجزائري .
فوفقا للرأي الأول :فإن على القاضي الجزائري أن يطبق القانون اليمني, وعلى الرأي الثاني:عليه أن يطبق القانون التونسي ,وعلى الرأي الثالث:عليه ان يطبق القانون التونسي والمغربي.
والذي عليه الفقهاء القانونيين هو أن الشروط الموضوعية للخطبة تخضع لقانون جنسية كل من الخاطب والمخطوبة وقت الخطبة
[30] قياسا على الزواج .
أما المشرع المغربي فقد سكت عن هذا الموضوع ,والذي عليه العمل هو إعمال القواعد الخاصة بالزواج من حيث الأهلية والرضا وموانع الزواج بالنسبة للإنعقاد والفسخ والقاعدة الخاصة بالفعل الضار من حيث الآثار .
 
المطلب الثاني : الشروط الشكلية للخطبة.
 
المقصود بالشروط الشكلية تلك الطرق اللازمة لإظهار الزواج والإفصاح عنه إلى العالم الخارجي، كإشهاره وتحرير عقده وإثباته.
[31] لتحديد ما يدخل ضمن هذه الشروط الشكلية  نعود لقانون القاضي المعروض أمامه النزاع فهي تخضع لقانون الدولة التي تتم فيها ,إلا أن هذا لا يمنع من خضوع شكل الخطبة لقانون الموطن المشترك للخاطب و المخطوبة أو قانونهما الوطني المشترك[32] .
ويمكن تصنيف ضوابط الاسناد المتعلقة بشكل الخطبة الى ثلاثة اصناف :
الاول :قانون الدولة التي تتم فيها الخطبة أي بلد الابرام.
الثاني :الموطن المشترك للخطيبين.
الثالث:الجنسية المشتركة للخطيبين.
وكما يلاحظ فهذه الضوابط خاصة بالشروط الشكلية للزواج إلا أنه و أمام غياب قاعدة اسناد صريحة خاصة بالشروط الشكلية للخطبة فإنه يمكن قياس ما سبق على الشروط الشكلية للزواج فتطبق بذلك قواعد الاسناد الواردة بالنسبة للزواج على الخطبة وذلك كما سيتم التطرق له في العرض الخاص بقواعد الاسناد المتعلقة بالشروط الشكلية و الموضوعية للزواج.
وعموما نود ان نشير الى ان  اتفاقية لاهاي المتعلقة بإبرام الزواج والاعتراف به  واّلتي دخلت التنفيذ ابتداء من   01  ماي  1991 أكدت في  مادتها الثانية أن الشروط الشكلية تخضع لمكان إبرامها.
أما قاعدة التنازع اّلتي تحكم الشروط الشكلية في القانون الفرنسي، فهي قانون محل الإبرام وذلك حسب المادة 170 فقرة أولى من القانون المدني الفرنسي، واّلتي يستفاد منها أن الزواج المبرم في الخارج بين فرنسيين أو بين فرنسيين وأجانب يكون صحيحا طبقا لبلد الإبرام.
وفيما يخص القانون الجزائري، فقد أسند هذه الشروط في المادة 19 من القانون المدني المعدلة، إما لقانون المكان الذي تمت فيه، أو للقانون الوطني للزوجين، أو لقانون موطنهما المشترك، أو للقانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية
[33].
وختاما نقول أن تنازع القوانين المتولد عن الشروط الشكلية للخطبة يخضع لقانون البلد الذي تمت فيه الخطبة ولما كان القانون المغربي لا يفرض أي شكل معين للخطبة وإنما بإجراءات شكلية ومراسيم مختلفة في المجتمع ,لذا تعد الخطبة صحيحة إذا حصلت وفقا لأوضاع البلد الذي تمت فيه أو إذا روعيت فيها المعايير التي يقررها قانون كل من الخاطبين.
 
المطلب الثالث : آثار الخطبة في التشريع المغربي وبعض التشريعات العربية 

 
  رغم أن الطبيعة القانونية للخطبة في الفقه والقانون لا تعدو كونها وعدا غير ملزم بالزواج،فإن للخطبة  المعتبرة في الشرع والقانون آثارها المعتد بها وهي ترتبط بالأحوال والأوضاع وحتى المراكز القانونية للطرفين ،ويتعلق الأمر أساسا بالآثار القانونية المعتبرة في ضبط العدول عن الخطبة والأحكام المرتبطة بإمكانية التعويض عن الضرر الناتج عن العدول عن الخطبة وكذا المطالبة باسترداد الهدايا المقدمة خلال فترة الخطبة من الطرفين أو من أحدهما لفائدة الطرف الآخر. أما بخصوص آثار الخطبة أي تحديد مدى الإلزام بتمام الزواج واعتبار الخطبة مانعا من الزواج من غير الخاطب ،وجواز الخطبة على الخطبة ،وجواز النظر والمخالطة بين الطرفين فهي تخضع لقانون دولة الخاطب ( أي لقانون جنسية الخاطب ) وذلك ضمانا لوحدة القانون الواجب التطبيق على الخطبة كنظام قانوني، والعبرة بقانون دولة الخاطب وقت الخطبة ولا عبرة بأي تغيير يلحق جنسية الخاطب بعد ذلك .
[34]
والملاحظ أن آثار الخطبة في التشريعات التي تعتبرها عقدا كغيره من العقود تنحصر عادة في كونها ترتب وعدا بالزواج وتلزم بذلك كل من طرفيها بعدم الارتباط بزواج آخر كما يترتب على العدول عن الخطبة التزام بالتعويض ويلتزم من تلقى هدايا من الطرف الآخر بردها عند العدول .
أما في الجانب الفقهي الاسلامي فإن الخطبة لا تعتبر سوى وعدا بالزواج. وهي بذلك لا ترتب إلا آثارا محدودة ،منها أن المهر الذي دفع قبل العقد ترد قيمته وكذلك الهدايا المتبادلة  بين الطرفين ،ومنها كذلك التعويض عن الضرر الذي يلحق أحد الطرفين  جراء فسخ الخطوبة من قبل الطرف الآخر.
وقد صارت معظم التشريعات العربية بدورها في مسار الفقه الاسلامي. ففي القانون المصري تعتبر الخطبة وعدا بالزواج ولا يترتب عنها اي التزام بالزواج أو الالتزام بالتعويض عند العدول عنها إلا في حالة الضرر المصاحب لهذا العدول. وقد انتقد الدكتور هشام علي صادق القوانين التي تعتبر الخطبة عقدا يوجب الالتزام بالزواج والالتزام بالتعويض عند العدول لكلا الطرفين .وأضاف الدكتور أن ذلك ينفي مبدأ الحرية في الزواج.وفي هذا الإطار يقول " وإذا تحرينا الامر لوجدنا أن معظم أثار الخطبة على هذا النحو ( أي باعتبارها عقد يوجب التعويض) تصطدم باعتبارات النظام العام في مصر لما فيها من تجاهل للاعتبار الاساسي  الذي يقوم عليه عقد الزواج في القانون المصري بوصفه أساس الأسرة ،وهو ما يستتبع ترك الحرية كاملة لأطرافه في التبصر قبل القدوم على إبرامه .وعلى ذلك فإذا كان قانون جنسية الخاطب وقت الخطبة يرتب عليها التزاما بإبرام عقد الزواج أو يقرر مبدأ التعويض لمجرد العدول عن الخطبة تعين استبعاد هذا القانون لما تتضمنه احكامه لمعنى الاكراه على الزواج وهو ما يتعارض مع النظام العام في مصر.
[35]
ولعل ذلك ما دفع البعض الى القول بضرورة تطبيق الفانون المصري على آثار الخطبة واستبعاد أحكام القانون الأجنبي باسم النظام العام.
أما فيما يخص المشرع المغربي فقد نحى بدوره منحى الفقه الاسلامي في تحديده لطبيعة الخطبة حيث اعتبرها وعد بالزواج ولا يترتب عنها اي آثار إلا في حالة العدول عنها بفعل سبب ضررا للطرف الآخر.
غير أنه حدد بعض الآثار الاخرى التي تترتب عن الخطبة وهي التي أشار اليها في المادة 156من مدونة الأسرة الجديدة ،حيث نصت هذه المادة على انه "اذا تمت الخطوبة وحصل الايجاب والقبول وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وظهر حمل بالمخطوبة ،نسب للخاطب للشبهة ..." وذلك بشروط ذكرتها المادة لتحقيق ذلك.وقد  تضاربت الآراء في هذه المادة بين من يعد هذه يعتبرها زواجا شرعيا اذا ما تحققت الشروط المضمنة في نفس المادة وبين من لا يرى ذلك.
أما فيما يخص تحديد القانون المحدد لآثار الخطبة عند التنازع في التشريع المغربي ، فيرجع في ذلك الى الفصل الثالث من ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب الذي جاء فيه " تخضع حالة الفرنسيين والأجانب الشخصية لقانونهم الوطني "
[36]
و بالنسبة لحالة النزاع المكون من طرف أجنبي وطرف آخر مغربي أو مغربيين احدهما مسلم فالقانون الواجب التطبيق في هذه الحالة هو القانون المغربي حيث جاء في المادة الثانية من مدونة الأسرة " تسري أحكام هذه المدونة على ،جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى، العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا ، العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم".
 
المطلب الرابع : فسخ الخطوبة والعدول عنها في التشريع المغربي وبعض التشريعات العربية
 
فيما يتعلق بفسخ الخطوبة والعدول عنها وعلى خلاف ما يرى البعض من تطبيق قانون دولة الخاطب وقت الفسخ أو العدول عنها أو تطبيق قانون جنسية كل من الخاطب او المخطوبة ،فإن الدكتور أحمد عبد الكريم سلامة يرجع القول بتطبيق قانون دولة الفاسخ او العادل عن الخطبة أيا كان هل الخاطب أم المخطوبة لتعلق الأمر بمبدأ حرية الزواج وهذا فضلا عن أن الفاسخ او من يعدل عن الخطبة هو الذي يتحمل غالبا نتائج الفسخ أو العدول من حيث تقرير استرداد او عدم استرداد ما قدم من هدايا أو شبكة .
[37]
وفي هذا الصدد يقول الدكتور هشام علي صادق أن التزام الخاطب أو الخطيبة برد الهدايا لا يعدو في حقيقته أن يكون تطبيقا لفكرة الإثراء بلا سبب ،وبالتالي فهو يخضع للقانون المحلي أي لقانون محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام.[38]
    ومن جهة أخرى لابد لنا من التساؤل حول القانون الذي يحكم الفسخ أو العدول وخصوصا على المسؤولية التي تترتب عنها وذلك عند حدوث ضرر بأحد الخطيبين من جراء الفسخ أو العدول.
وللاجابة عن ذلك يقول الدكتور أحمد سلامة أن الخطبة في مفهوم الشريعة الاسلامية مجرد وعد بالزواج ليس له اي قيمة إلزامية ،بحيث يحق لأي أحد من الطرفين العدول عنه ،دون مسؤولية طالما انتفى التعسف ووجدت أسباب سائغة تبرره. غير انه قد يلازم العدول أفعال مستقلة عنه ينشئ عنها ضررا لأحد الطرفين ،فيكون التعويض عن هذا الضرر لا عن مجرد العدول ،فقد يكون لمن عدل دخا في الأضرار التي أصابت الأخر بسبب عدوله .
[39]
وينفي البعض أهمية التساؤل السابق ويقرر أن فسخ الخطبة مهما كان مشوبا بالتعسف أو الرعونة يعتبر دائما عملا مشروعا في الشريعة الاسلامية فلا مسؤولية عملا بالمادة 21 من القانون المدني المصري.
وبغض النظر عن الرأي السابق يذهب اتجاه في القضاء المقارن الى تطبيق قانون دولة المدعى عليه المطالب بالتعويض ،وغالبا ما يكون هو الفاسخ أو العادل عن الخطبة وتلك هي القاعدة العامة في شأن الفانون الذي يحكم الفسخ أو العدول عن الخطبة .
غير أن الراجح هو سريان القانون المحلي ،أي قانون الدولة التي حدث في اقليمها الفعل الموجب للمسؤولية ،وذلك عملا بالقاعدة العامة في شأن القانون الواجب التطبيق على المسؤولية التقصيرية. وفي هذا الصدد يقول الدكتور أحمد سلامة " لاشك أن أعمال القانون المحلي يثير صعوبات عديدة ،ذلك أن العدول أو الفسخ لا يتم مرة واحدة وبصورة صريحة قاطعة ،انما من مجموعة تصرفات متتابعة. كما انه يصعب أحيانا تحديد محل وقوع العمل الخاطئ ،فقد يحدث العدول عن طرق خطاب أو بالتليفون. ففي قضية تتلخص في ان شخصا خطب فتاة من مدينة "مايرن" الأسترالية وبعد فترة رجع عن الخطبة وأرسل الى خطيبته الموجودة بمدينة لندن تلغرافا بذلك من مدينة "دارون" بولاية فكتوريا الأسترالية ،وقد قضت المحكمة في الدعوى المرفوعة بالتعويض عن الضرر الذي أصاب المخطوبة بأن العدول عن الخطبة قد تم في المكان الذي علمت فيه المدعية بالعدول ،أي في لندن ومن تم يكون القانون الانجليزي هو الواجب التطبيق.
[40]
وكان عكس ذلك حكم استئناف "نيو ساوت ويلز" حيث اعتبر محل ارسال الخطاب أو التلغراف المتضمن الفسخ والعدول هو المكان المعتبر.[41]
على انه في خصوص فسخ الخطبة والعدول عنها بخطاب او تلغراف تكون العبرة الوصول وعلم المخطوبة بالعدول .
وعموما فقد اختلف مكان العمل الخاطئ عن مكان ترتب الضرر فالأولوية لهذا الأخير ويسري قانونه على المسؤولية لأن الاضرار التي تلحق المخطوبة هي أضرار نفسية ادبية وتتركز في مكان  توطن أو إقامة المخطوبة.
[42]
أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد اعتبر أن لكل واحد من الطرفين الحق في العدول عن الخطبة، حيث جاء في المادة السادسة: (… ولكل من الطرفين حق العدول عنها.) فإذا قدم الخاطب الصداق كله أو بعضه فللخاطب استرداد ما دفع ، حيث جاء في المادة التاسعة : إذا قدم الخاطب الصداق أو جزءا منه، وحدث عدول عن الخطبة أو مات أحد الطرفين أثنائها فللخاطب أو لورثته استرداد ما سلم بعينه إن كان قائما، وإلا فمثله أو قيمته يوم تسلمه. إذا لم ترغب المخطوبة في أداء المبلغ الذي حول إلى جهاز، تحمل المتسبب في العدول ما قد ينتج عن ذلك من خسارة بين قيمة الجهاز والمبلغ المؤدى فيه).
أما عن الهدايا المقدمة في فترة الخطوبة فقد فصلت مدونة الأسرة في ذلك واعتبرت أنه إذا كان العدول من طرف الخاطب فلا حق له في طلب رد الهدايا التي كان قدمها، أما إذا كان العدول من طرفها فله الحق في استرداد الهدايا التي قدمها إما بعينها أو بقيمتها، حيث نصت المادة الثامنة على أن: ( لكل من الخاطب والمخطوبة أن يسترد ما قدمه من هدايا، ما لم يكن العدول عن الخطبة من قبله. ترد الهدايا بعينها، أو بقيمتها حسب الأحوال).
أما الأضرار التي يتسبب فيها أحد الخطيبين للآخر، كأن يحمل الخاطب المخطوبة على ترك عملها أو الانقطاع عن تعليمها أو إعداد جهازها، أو أن تطلب المخطوبة من الخاطب ترك مسكنه وإعداد مسكن آخر، فللطرف المتضرر الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر، كما تنص على ذلك المادة السابعة: ( مجرد العدول عن الخطبة لا يترتب عنه تعويض. غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضرارا للآخر، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض).
 
  وعلى كل حال، فالقانون المغربي مادام قد سكت عن تنازع القوانين المتعلق بالخطبة لأنه اعتبرها مجرد وعد  بالزواج ،فإنه قد طبق على آثار الخطبة والعدول عنها في حالة التنازع القاعدة العامة للزواج المتعلقة بالفعل الضار من حيث الآثار.    

المطلب الخامس :استبعاد القانون الواجب التطبيق
 
إذا تم تحديد القانون الأجنبي الذي يطبق على النزاع، فإنه يتم أحيانا استبعاد تطبيقه وذلك في حالتين :
الحالة الأولى: إذا وجدت قاعدة قانونية تنص على خلاف ذلك، بأن يطبق القانون الوطني على النازلة محل النزاع، كأن يكون أحد الطرفين مغربيا أو من بين الجنسيات التي يحملها الجنسية المغربية وقت الخطبة فإنه يتعين تطبيق القانون المغربي واستبعاد القانون الأجنبي عن التطبيق، عملا بالمادة الثانية من مدونة الأسرة التي جاء فيها تسري أحكام هذه المدونة على :
 1- جميع المغاربة ولو كانوا حاملين لجنسية أخرى؛
 2- اللاجئين بمن فيهم عديمو الجنسية، طبقا لاتفاقية جنيف المؤرخة ب 28 يوليوز لسنة 1951 المتعلقة بوضعية اللاجئين ؛
 3- العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مغربيا؛
  4- العلاقات التي تكون بين مغربيين أحدهما مسلم 
أما اليهود المغاربة فتسري عليهم قواعد الأحوال الشخصية العبرية المغربية )
ويلاحظ أن هذه المادة تنص على خضوع اللاجئين وعديمي الجنسية لمقتضياتها دون أن تبين نوع العلاقات التي تطبق عليها المدونة، هل هي العلاقات التي تكون في ما بينهم فقط، أم تشمل كذلك العلاقات التي يكون فيها طرف أجنبي؟ وبما أن اللاجئين وعديمي الجنسية يقعون تحت حماية الدولة، فمن تمام هذه الحماية، حمايتهم قانونيا كذلك بإخضاعهم للمدونة المغربية بنفس الكيفية التي يخضع لها المغاربة.
الحالة الثانية: يستبعد القانون الأجنبي عن التطبيق إذا تعارض مع النظام العام المغربي، من ذلك مثلا إذا كان القانون الأجنبي يلزم الخاطب بإتمام الزواج، أو يلزم الطرف الذي عدل بالتعويض بمجرد العدول، فهذا يتعارض مع مبدأ حرية الزواج وعدم الإكراه عليه. كما يتم استبعد القانون الأجنبي إذا كان يجبر العادل على أداء التعويض للطرف الآخر على أساس المسؤولية العقدية، لأن الخطبة ليست عقدا، ولكنها مجرد وعد بإبرام عقد الزواج، لأن مجرد الوعد لا ينشأ إلزاما كما ينص على ذلك الفصل الرابع عشر من قانون الالتزامات والعقود.

فهرس


مقدمة
الطالب الباحث :رشيد برادة
المبحث الأول:الطبيعة القانونية للخطبة.
المبحث الاول : تعريف الخطبة وطبيعتها القانونية
المطلب الاول : تعريف الخطبة
المطلب الثاني : التكييف  القانوني للخطبة
الفقرة الاولى : الخطبة وعد بالزواج وليست بعقد.
 الفقرة الثانية : الخطبة عقد ملزم والعدول عنها يوجب التعويض.
الفقرة الثالثة : الخطبة عقد والعدول عنها لا  يوجب التعويض إلا اذا تعسف احد طرفيها  في العدول .
  1. ثمرة الخلاف
الطالب الباحث : خالد عدنان
المبحث الثاني: القانون الواجب التطبيق على الخطبة.
المطلب الأول : الشروط الموضوعية للخطبة.
المطلب الثاني : الشروط الشكلية للخطبة.
الطالب الباحث:سعيد بو ظاهر
المطلب الثالث : آثار الخطبة في التشريع المغربي وبعض التشريعات العربية  
المطلب الرابع : فسخ الخطوبة والعدول عنها في التشريع المغربي وبعض التشريعات العربية
المطلب الخامس :استبعاد القانون الواجب التطبيق
 
 
 
 لائحة المراجع
  1. تنازع القوانين في مجال الزواج وانحلاله بين القانون الجزائري والقوانين المقارنة –دربة أمينة –
  2. قراءة جديد لقوعد تنازع القوانين المتعلقة بالزواج في القانون المدني الأردني,دراسة تحليلية مقارنة – صاحب الفتلاوي-
  3. القانون الدولي الخاص –احمد بن هلال العبري
  4. هشام علي صادق " تنازع القوانين دراسة مقارنة الطبعة الثالثة السنة 1974
  5. أحكام الأسرة في الإسلام، د مصطفى شلبى شلبى محمد
  6. الفقه الإسلامي وأدلته ، وهبة الزحيلي.
  7. مدونة الاسرة المغربية المادة الخامسة.
  8. الحاوي للفتاوى،
  9. ابن منظور، لسان العرب
  10. مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني.
  11. الاحوال الشخصية،ابو زهرة.
  12. مقال : الخطبة المقترنة بالفاتحة وحكمها شرعا وقانونا للدكتور محمد باوني .
  13. "تنازع القوانين في مجال الزواج و انحلاله"لدربة امين.
  14. "الطبيعة القانونية للخطبة و اساس التعويض في حالة العدول عنها" لتوفيق حسن فرج.
  15. مجلة الحقوق للبحوث القانونية و الاقتصادية،1962 -1961، العدد 3 و  4  ،مطبعة  جامعة الاسكندرية.
  16. الوسيط في شرح مدونة الأحوال الشخصية، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، الطبعة الخامسة 2003 .    
  17. تعليقات على الاحكام في المسؤولية المدنية : العدول عن الخطبة و ما يترتب عليه من من مسؤولية،سليمان مرقس،مجلة القانون و الاقتصاد، السنة 1943،الاعداد 3 و 4 و 5
  18. مجلة جامعة النجاح للأبحاث و العلوم الانسانية،المجلد 19 ( 4) ،2005،ص : 5.
  19. الواضح في شرح قانون الاحوال الشخصية الاردني،عمر الاشقر.
  20. محمد ابن معجوز :"احكام الاسرة في الشريعة الاسلامية".طبعة 1998.
  21. أحمد سلامة،مسائل الاحوال الشخصية لغير المسلمين.وانظر كذلك : الوجيز في القانون الدولي الخاص،ابراهيم أحمد ابراهيم،الجزء الثاني-تنازع القوانين.
  22. احمد عبد العزيز سلامة : "علم قاعدة التنازع و الاختيار بين الشرائع اصولا و منهجا".الطبع الاولى مكتبة الجلاء الجديدة – المنصورة-.
 
 
الهوامش

[1] ابن منظور، لسان العرب
[2] مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ج 3 ص 135.
[3] أحكام الأسرة في الإسلام، د مصطفى شلبى شلبى محمد ، ص50 .
[4] الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي.
[5] مدونة الاسرة المغربية المادة الخامسة.
[6] الحاوي للفتاوى،الجزء الاول ،ص : 178.
[7] الاحوال الشخصية،ابو زهرة,
[8] مقال : الخطبة المقترنة بالفاتحة وحكمها شرعا وقانونا للدكتور محمد باوني  .
[9] نفس المرجع السابق .
[10] المادتين 9 و 20 من القانون المدني الجزائري.
[11] عناصر المسؤولية التقصيرية : الخطأ و الضرر و العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر.
[12] تنازع القوانين في مجال الزواج و انحلاله.دربة امين.
[13] المادة 35 من قانون الاحوال الشخصية الكويتي.
[14] الطبيعة القانونية للخطبة و اساس التعويض في حالة العدول عنها، توفيق حسن فرج.مجلة الحقوق للبحوث القانونية و الاقتصادية،1962 -1961، العدد 3 و  4  ،مطبعة  جامعة الاسكندرية، الصفحة 13 و 14 بتصرف.
[15] Toulouse.16 Février 1813
     ـ أورده أستاذنا محمد الكشبور:الوسيط في شرح مدونة الأحوال الشخصية، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، الطبعة الخامسة2003، ص:128
[16] الطبيعة القانونية للخطبة و اساس التعويض في حالة العدول عنها، توفيق حسن فرج.مجلة الحقوق للبحوث القانونية و الاقتصادية،1962 -1961، العدد 3 و  4،مطبعة  جامعة الاسكندرية ،ص : 22 و 23 و 24 بتصرف.
[17] نفس المرجع.
[18] نفس المرجع،ص : 41 بتصرف.
[19] توفيق حسن فرج: الطبيعة القانونية للخطبة وأساس التعويض في حالة العدول عنها، م،س، ص:44
[20] تعليقات على الاحكام في المسؤولية المدنية : العدول عن الخطبة و ما يترتب عليه من من مسؤولية،سليمان مرقس،مجلة القانون و الاقتصاد، السنة 1943،الاعداد 3 و 4 و 5،ص :352.
[21] نفس المرجع السابق،ص : 48 و 51 و 52 بتصرف.
[22] المادة السابعة من مدونة الاسرة المغربية.
[23] اخرجه ابن ماجة و الدارقطني.
[24] شرح مدونة الاسرة لمحمد الكشبور،ص : 146.
- وبالنسبة للمادة 156 فيقول الدكتور اد الفقيه أنها لا تتعلق بالخطبة بقدر ما تتعلق بزواج رعية مستكمل لشروطه الشرعية وذلك بسبب حصول الايجاب و القبول اللذان يكتمل بهما ركن الرضا في العقود,إضافة إلى الاشتهار و موافقة الولي.فكل هذا يحول الطرفان من الوعد بالعقد إلى العقد.والذي ينقص هنا هو التوثيق لكن التوثيق ليس بركن ولا شرط في عقد الزواج.والذي حال دون توثيق العقد هي الظروف القاهرة.وبالتالي ففي حالة حصول الحمل في هذه الفترة يلحق النسب بالخاطب إذا اجتمعت الشروط المذكورة في المادة 156.وأما الخطبة فتكون بمجرد التعريض و لسان الحال وإعلان العزم ولا يشترط فيها الايجاب و القبول و ما اشترطته هذه المادة.كما أن الخطبة لا يقع فيها الدخول وهنا و قع الدخول.ويضيف الأستاد بأنه من الأحسن أن نعتبرها زواجا فننقد بذلك نسب الأطفال الذين يولدون في هذه الفترة من الضياع و نفي النسب...
[25] مجلة جامعة النجاح للأبحاث و العلوم الانسانية،المجلد 19 ( 4) ،2005،ص : 5.
[26] الواضح في شرح قانون الاحوال الشخصية الاردني،عمر الاشقر
[27] أحمد سلامة،مسائل الاحوال الشخصية لغير المسلمين.وانظر كذلك : الوجيز في القانون الدولي الخاص،ابراهيم أحمد ابراهيم،الجزء الثاني-تنازع القوانين- ص: 139.
[28] يقول الدكتور اد الفقيه معلقا : هنا نتحدث عن تطبيق من تطبيقات الحالة.فحالة الخاطب هي أنه خاطب.وهذا الخاطب يمكن أن يكون أعزب أو متزوج أو أرمل أو مطلق.ونفس الشئ بالنسبة للخاطبة,فحالتها هي أنها مخطوبة.وهذه المخطوبة يمكن أن تكون فتاة أو أرملة أو مطلقة.
[29] تنازع القوانين في مجال الزواج وانحلاله بين القانون الجزائري والقوانين المقارنة –دربة أمينة –ص:239
[30] يجب الاعتماد على الوقت لأن المعايير التي يستمد منها ضابط الإسناد وجوده (كالأطراف مثلا في مسائل الأحوال الشخصية) قد تتغير بتغير الزمان فلا يكفي أن يكون ضابط الإسناد هو الجنسية أو الموطن.
[31] فراءة جديد لقواعد تنازع القوانين المتعلقة بالزواج في القانون المدني الأردني,دراسة تحليلية مقارنة –صاحب الفتلاوي-ص 1283
[32] القانون الدولي الخاص –احمد بن هلال العبري ص 15
[33] تنازع القوانين في مجال الزواج وانحلاله بين القانون الجزائري والقوانين المقارنة –دربة أمينة –ص:240,241
[34] احمد عبد الكريم سلامة "علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع (اصولا ومنهجا) الطبعة الاولى مكتبة الجلاء ،الجديدة المنصورة 765
[35] هشام علي صادق " تنازع القوانين دراسة مقارنة الطبعة الثانية السنة 1974 ص 499 .
[36] ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب.
[37] أحمد عبد الكريم سلامة المرجع السابق ص 765 و 766.
[38] هشام علي صادق المرجع السابق ص 480.
[39] أحمد عبد الكريم سلامة المرجع السابق ص 766.
[40] Wecktrom v,hyson (1966)vict , rep,p277 - أنظر الحكم الصادر في قضية.
[41] Sorfan v ,chani (1970) SR (NSW) P146.
[42] المرجع السابق ص 767 الهامش رقم 22.