السبت، 21 مارس 2015

مدونة الأسرة والقضاء أية علاقة وأية إكراهات

للباحث: رشيد جمالي

متصرف بوزارة الداخلية
حاصل على ماستر في الاستشارة القانونية


مدونة الأسرة والقضاء أية علاقة وأية إكراهات

بسمالله الرحمن الرحيم
 
مقدمــــــــة:

لا مراء  أن مدونة الأسرة تعتبر مكسبا وطنيا حقيقيا كمحصلة لنقاش وطني ساهم فيه الجميع،من علماء شريعة وعلماء اجتماع وحقوقيين وحركات نسائية ومجتمع مدني، وذلك بعد سجال سياسي وفقهي حسمه جلالة الملك في خطابه التاريخي الذي ألقاه بتاريخ 10 أكتوبر 2003 أمام البرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة حين قال:"لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحل ما حرم الله أو أحرم ما أحله" منبها بذلك على الروح التوافقية التي ينبغي أن تصاغ بها نصوص المدونة بطريقة تنسجم مع مقتضيات الشريعة الإسلامية ،وتتلاءم مع الانفتاح على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان.
لقد قطع المشرع المغربي أشواطا طويلة في إعادة هيكلة مضمون وصياغة المدونة انطلاقا من مدونة 1957 مرورا بتعديلات 1993 ووصولا إلى مدونة الأسرة الجديدة، ونظرا للأهمية البالغة للأسرة باعتبارها الخلية الأساسية والأولى للمجتمع، فإن القضاء يجب أن يقوم بدوره الكامل في التطبيق السليم لمقتضيات هذه المدونة التي خولت له سلطة تقدير واسعة يتأتى له من خلالها مراعاة الظروف الخاصة بكل قضية وتحقيق العدل والإنصاف بين كافة أفراد الأسرة ، والحرص على تحقيق المصالحة بين أعضائها كلما أمكن ذلك،والقاضي من هذا المنطلق يعمل كحكم ومصلح، فبسعة معرفته وطول نفسه وصبره يمكنه إصلاح ذات البين وبتر كل أسباب الخلاف بين الزوجين، بل أصبح من واجبه تقصي مصلحة الطفل ومراعاتها متى كان للدعوى مساس بوضعيته وحقوقه في الحضانة والنسب والنفقة والنيابة الشرعية، والإسراع في البت في كل ما يحقق ذلك،كما توسع الدور المنوط بالنيابة العامة خاصة فيما يرجع لمساعدة كل طرف مست حقوقه المادية والمعنوية.
وقد أنشئ في كل محكمة ابتدائية قسم خاص يسمى "قضاء الأسرة"، ينظر في كل ما يتعلق بقضايا الأسرة من زواج وطلاق ونفقة وإرث ونيابة قانونية وحجر ونسب، وأصبحت قضايا الأسرة موزعة  بين هذا القسم (قسم قضاء الأسرة)، وقسم التوثيق وإن كان عمل هذا الأخير أصبح يتسم بالصبغة الإدارية أكثر منه بالصبغة القضائية، لأنه لا يفصل في النزاع.
ولعل ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع البسيط في عنوانه والمترامي الأطراف في مضمونه، هو توضيح مختلف الاختصاصات التي تضطلع بها أقسام قضاء الأسرة بجميع مكوناتها، وذلك اعتبارا لجهل الكثير لهذه الصلاحيات، خصوصا وأن عموم الناس لا يعرفون سوى قاضي التوثيق أو قاضي شؤون القاصرين، باعتبارهما إرث المدونة السابقة، جاهلين بذلك تماما المكونات الجديدة لهذا القضاء كالقاضي المكلف بالزواج والقضاء الجماعي وغيرهم.
 فماهي اختصاصات هذا القضاء إذن؟ وماهي مختلف تدخلاته في القضايا التي تهم الأسرة؟ وأين يتجلى دوره في حماية الأسرة وخدمة المجتمع ؟ وما هي المثبطات التي يمكن أن تعترض عزيمته ؟ وكيف السبيل إلى تجاوزها واستشراف آفاق أرحب لممارسة هذا القضاء لصلاحياته بشكل أكثر جدوى وفعالية؟
 
 
المبحث الأول : صلاحيات قضاء الحكم في قضايا الأسرة والصعوبات التي تعترضه


سنتناول في هذا المبحث صلاحيات قضاء الحكم (المطلب الأول)، ومختلف الصعوبات التي تواجه هذا القضاء في عمله داخل قضاء الأسرة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: اختصاصات قضاء الحكم في قضايا الأسرة

 أشار القانون 03/73 المعدل للتنظيم القضائي لاختصاصات قسم قضاء الأسرة، حيث قضى بأن أقسام قضاء الأسرة تنظر في قضايا الأحوال الشخصية والميراث و الحالة المدنية وشؤون القاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية و حماية الأسرة.
غير أن هذا القانون تعرض لاختصاصات هذا القسم بشكل عام، مما يتعين علينا تفصيل ذلك من خلال اختصاصات الهيئة الثلاثية أي اختصاصات القضاء الجماعي ( الفقرة الأولى )، ثم استجلاء اختصاصات القضاء الفردي (الفقرة الثانية ) بعد ذلك.

  الفقرة الأولى: اختصاصات القضاء الجماعي

يمكن القول بأن مدونة الأسرة أعطت اختصاصات واسعة للقضاء الجماعي، شملت مواد عديدة من المدونة لعل أهمها:
- فيما يخص الزواج : تختص المحكمة بسماع دعوى الزوجية (المادة 16 من مدونة الأسرة)، و إعطاء الإذن بالتعدد عند توفر شروطه ( المادة 41 )، وإعفاء أحد الأطراف من الشروط أو تعديلها إذا أصبح تنفيذها العيني مرهقا بسبب ظروف أو وقائع طارئة (المادة 48 )، والتصريح ببطلان الزواج إذا تحققت شروط ذلك (المادة 58 ) .
- فيما يخص الطلاق : تختص الهيئة الثلاثية بالإذن بالإشهاد على الطلاق لدى عدلين منتصبين (المادة 75)    و انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين (المادة 82) بالإضافة  إلى تحديد مبلغ يودعه الزوج بكتابة ضبط المحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما في حالة  فشل الإصلاح بين الزوجين  (المادة 83)، كما يختص القضاء الجماعي في الإذن بالإشهاد على الطلاق في حالة تمليك الزوج زوجته حق إيقاع الطلاق (المادة 89 ) .
- فيما يخص التطليق  تحكم الهيئة الثلاثية بالتطليق، بطلب أحد الزوجين بسبب الشقاق، في حالة تعذر إصلاح ذات البين بينهما واستمرار الشقاق (المادة 97 )، كما تلزم هذه الهيئة بالبت في دعاوى التطليق المؤسسة على أحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 98، باستثناء حالة الغيبة، داخل أجل ستة أشهر.
  • فيما يخص عدة الحامل: فمن اختصاص القضاء الجماعي تقرير استمرار العدة أو انتهائها بالاستعانة بذوي الاختصاص من الخبراء للتأكد من الحمل و فترة حدوثه ( المادة 134 ).
  • فيما يخص الحضانة: يدخل في اختصاص القضاء الجماعي تقدير تكاليف سكنى المحضون المستقلة  عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما ( المادة 168)، ثم إعادة النظر في الحضانة إذا  كان ذلك في مصلحة المحضون ( المادة 170 )، فضلا عن إقرار إسناد الحضانة لأحد الأقارب  الأكثر أهلية في حالة تعذر إسنادها للأم أو الأب أو لأم الأم ( المادة 171 )، كما لها الاستعانة بمساعدة اجتماعية في إنجاز تقرير عن سكن الحاضن وما يوفره للمحضون من الحاجيات الضرورية المادية والمعنوية (المادة 172).
  • فيما يخص النفقة: يختص القضاء الجماعي في تقدير النفقة، والبت  فيها داخل أجل شهر واحد (المادة 190) وتحديد وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة، وتكاليف  السكنى على أموال المحكوم عليه، أو اقتطاع النفقة من منبع الريع والأجر الذي  يتقاضاه الزوج (المادة 191) .
  • فيما يخص الحجر: يطلب القضاء الجماعي إقرار الحجر أو رفعه اعتمادا على خبرة طبية وعلى وسائل الإثبات الشرعية (المادة 191).
  • فيما يخص النيابة الشرعية : تقوم الهيئة بتعيين مقدم إلى جانب الوصي لمساعدته أو للإدارة المستقلة لبعض المصالح المالية للقاصر ( المادة 234)، واتخاذ الإجراءات الملائمة للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه المادية  والمعنوية (المادة 243)، وتحديد أجرة الوصي أو المقدم عن أعباء النيابة الشرعية (المادة 264)، ثم إعفاء الوصي أو المقدم في حالة إخلاله بمهامه إما تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو ممن يعنيه الأمر(المادة 265)
  • فيما يخص الميراث: تختص الهيئة الثلاثية عند الاقتضاء باتخاذ ما يجب من أداء نفقة  تجهيز المتوفى بالمعروف والإجراءات المستعجلة للمحافظة على التركة، وتحديد وضع الأختام وإيداع النقود والأوراق المالية والأشياء ذات القيمة ( المادة 373 )، كما تقوم بتعيين مصفي التركة بعد اتفاق الورثة على اختياره، أو إجبارهم على  اختياره (المادة 375 )، ثم أخيرا الاطلاع على إحصاء التركة و مراقبة تصفيتها (المادة 388).
تلك إذن هي أهم اختصاصات القضاء الجماعي في مادة الأسرة، ننتقل الآن إلى دراسة اختصاصات القضاء الفردي.   الفقرة الثانية: اختصاصات القضاء الفردي

يتوزع القضاء الفردي في أقسام الأسرة بين القاضي المكلف بالزواج (أولا)، وقاضي التوثيق (ثانيا)، ثم قاضي شؤون القاصرين (ثالثا).

  أولا: اختصاصات القاضي المكلف بالزواج

من أهم المستجدات التي قررتها مدونة الأسرة، إحداثها لمؤسسة قاضي الأسرة المكلف بالزواج،   وتكمن اختصاصاته إجمالا في كونه يعطي الإذن بإبرام عقد الزواج للشخص الذي تمنعه ظروفه الخاصة من إبرام عقد زواجه بنفسه وفق الشروط المحددة  في المادة 17 من مدونة الأسرة، وبتأشيره على الوكالة بعد تأكده من توفرها على  الشروط المطلوبة، على أنه يمنع عليه أن يتولى بنفسه تزويج من له الولاية عليه من نفسه أو من أصوله  أو من فروعه تطبيقا للمادة 18 من مدونة الأسرة، كما له أن يأذن بزواج القاصر دون الثامنة عشرة من العمر مع بيان المصلحة و الأسباب المبررة لذلك تطبيقا للمادة 20 من مدونة الأسرة  .
ويبت القاضي المكلف بالزواج في حالة عدم موافقة النائب الشرعي للقاصر على طلب الإذن بالزواج، وعند عدم حضوره إبرام العقد طبقا للمادة 21 من مدونة الأسرة.
كما له أن يأذن بالزواج بالنسبة للشخص المصاب بإعاقة ذهنية، ذكرا أو أنثى، بعد تقديم تقرير حول الإعاقة من طرف طبيب خبير أو أكثر طبقا للمادة 23 من مدونة الأسرة .
وعليه كذلك أن يؤشر قبل الإذن بالزواج على الوثائق المطلوبة من أجل إبرام العقد، وإعطائه الإذن للعدلين بتوثيق عقد الزواج كما أكدت على ذلك المادة 65 من مدونة الأسرة .

ثانيا :  اختصاصات قاضي التوثيق

نشير في البداية إلى أن المشرع قلص في المدونة الجديدة من الاختصاصات الممنوحة لقاضي التوثيق حيث أعطى بعضا من صلاحياته للقضاء الجماعي، والبعض الآخر للقاضي المكلف بالزواج، و بقيت لديه قليل من الصلاحيات نوجزها فيما يلي:
  • الخطاب على عقد الزواج ووضع طابعه عليه طبقا للمادة 67 من مدونة الأسرة.
  • الخطاب على رسم الطلاق بعد  أن تأذن المحكمة بتوثيقه لدى العدلين ثم يقوم بعد ذلك بتوجيه نسخة منه  إلى المحكمة التي أصدرت الإذن بالطلاق .
  • الخطاب على وثيقة الرجعة بعد أن يقوم باستدعاء الزوجة لإخبارها برغبة الزوج في إرجاعها (المادة 129)
ومن اختصاصاته أيضا، ولو لم تبين ذلك المدونة صراحة، إذنه بتوثيق شهادة شهود اتفق حضورهم النطق بوصية لفظية بعد أن تؤدى الشهادة أمامه يوم التمكن من أدائها و يخطر الورثة  بذلك (المادة 296).

ثالثا: اختصاصات قاضي شؤون القاصرين

 على العموم هي اختصاصات شبيهة إلى حد ما بالاختصاصات التي كانت لديه قبل صدور مدونة الأسرة، مع الزيادة في تدقيقها فهو الذي يأمر بفتح النيابات القانونية و كذا  مراقبتها، فقد  نص الفصل 184 من ق م م المعدل بقانون 03/72 على أنه يفتح بقسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية ملف لكل نيابة قانونية، ويقيد بسجل خاص يمسك لهذه الغاية ، وبالرجوع إلى مدونة الأسرة نجد أن المشرع أحاط القاضي المكلف بشؤون القاصرين بعدة اختصاصات يمكن تلخيصها فيما يلي:
  • إعطاء الإذن للصغير المميز بتسلم جزء من أمواله على سبيل الاختبار بناء على طلب الوصي أو المقدم أو الصغير المعني بالأمر، وله إلغاء هذا الإذن متى رأى سببا لذلك(المادة 226)
  • إصدار الأمر بإيداع النقود والقيم المنقولة بحساب القاصر لدى مؤسسة عمومية (المادة 235)
  • اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بحماية وصيانة أموال المحجور...
  •  
المطلب الثاني: الصعوبات التي تعترض قضاء الحكم بمحكمة الأسرة

إن الصياغة التشريعية الجديدة التي نظمت الأسرة رغم ما حملته من تصورات تتوخى تماسكها وإيجاد الحلول القضائية لما يواجهها من عواصف تهدد استقرارها وتعطل أداء رسالتها النبيلة باعتبارها الخلية الأساسية في تكوين المجتمع ، أظهرت على مستوى البنية القانونية مجموعة من التساؤلات المشروعة تباينت حولها رؤى الممارسين وظهرت على أرض الواقع سلوكات تجانب مقاصد المدونة من قبل المتقاضين، وقد أفرز احتكاك النص التشريعي لمدونة الأسرة مع النوازل التي طرحت، مجموعة من القراءات، سواء تعلق الأمر بالقضاة المعينين بقرار لوزير العدل كل في نطاق اختصاصه، أو محكمة الموضوع، للإشكالات المرتبطة بالتطبيق السليم للمدونة.

الفقرة الأولى: على مستوى قاضي الأسرة المكلف بالزواج

إن عقد الزواج يتسم بقدسية تميزه عن باقي العقود ويطبعه الدوام، مما حدا بالمشرع إلى إعادة النظر في طريقة توثيقه، وذلك بإحداث ملف متكامل يحفظ بكتابة الضبط يبين وضعية الزوجين عند توثيقه، تفاديا لكل تحايل أوتد ليس، غير أنه لم يمنح القاضي صلاحية الأمر بالأبحاث الضرورية للزوجين المغاربة، ولم يتم تحديد المدة القانونية التي يظل الإذن بالزواج بها ساري المفعول درءا للتحايل عليه، وهل يمكن الاعتماد عليه للمطالبة بثبوت الزوجية إن أراد أحد الطرفين التحلل من الزواج [[1]]url:#_ftn1 ،وهل يعد قرارا إداريا أم قضائيا،  وماهي الجهة التي يمكن رفع الطعن إليها، كما أنه لم يتم تحديد القاضي المختص مكانيا بمنح الإذن في ظل تباين العمل القضائي، وخاصة فيما يتعلق بمنح الإذن بزواج قاصر أو ذو إعاقة ذهنية .
كما تطرح المعالجة التشريعية للزواج المختلط بعض الإشكالات في ظل القصد غير المشروع والمتوخي تحصيل منافع تخالف الغاية الأسمى للزواج وربما تمس  الأخلاق والثوابت ، ذلك أن هذا الزواج لم يقنن بشكل واضح في نص تشريعي، وبقي حكرا على تشريعات استثنائية كالمناشير الوزارية وما يمكن أن يثار بشأن قيمتها القانونية وإلزاميتها، ومدى الصلاحيات التي يجب النهوض بها من طرف القاضي للبحث في كل ما يقنعه بجدية الراغبين في  الإذن بالزواج، لتظل مؤسسة الزواج في إطارها الشرعي والقانوني بعيدة عن كل أشكال الاستغلال

الفقرة الثانية : على مستوى قاضي التوثيق

 تثير المدة الزمنية التي يتعين على قاضي التوثيق المخاطبة على الرسوم العدلية سؤالا حول الأثر القانوني في أفق رفع الوصاية على عمل العدول دونما حاجة لمراقبة خطة العدالة، إسوة بالموثقين العصريين، ليتحمل العدل المسؤولية عن مهامه  توفيرا لجهد  القاضي وتسهيلا لأصحاب الرسوم على التوصل بها في أقصر الآجال، كما يجب تفعيل المهام الرقابية، بمنح القاضي إحالة التقرير المثبت للمخالفات التي ارتكب العدل إلى المحكمة الابتدائية وليس إلى محكمة الاستئناف وفق الرؤية التي تبناها المشرع مع النسا خ.

الفقرة الثالثة : على مستوى قاضي شؤون القاصرين

تواجه عمل قاضي شؤون القاصرين عدة صعوبات لعل أهمها قلة الإمكانيات القانونية التي تمكنه من مراقبة أوضاع الطفل المهمل الموجود بالخارج بحيث يظل ذلك رهين بقيام المصالح القنصلية بعملها، علما أن المشرع لم يمكنها بأية إمكانية قانونية تستند عليها في تتبع وضعية الطفل الذي يمكن أن يكون عرضة للاستغلال من طرف الشخص الذي تكفل به في غياب إلزام الكفيل بمراجعة المصالح القنصلية.
ونلاحظ كذلك أن المشرع لم ينظم مسطرة التكفل بأطفال ليسوا في حالة إهمال بالمفهوم الواسع في الفقه الإسلامي كاليتيم الذي له بعض وسائل العيش[[2]]url:#_ftn2 .
كما تطرح مسألة ملاءمة قانون الكفالة مع قانون الحالة المدنية، فيما يتعلق بإضافة أسماء الأبوين والإسم العائلي، الذي يظل مختلفا عن البيانات الأساسية المتكفلة، وما لذلك من آثار نفسية على الطفل في محيط الأسرة البديلة، فالأمر يتطلب ملاءمة تشريعية اقتداء باتفاقية حقوق الطفل، هذا علاوة على إشكالية أخرى تطرح من الناحية العملية وتتمثل في مطالبة الأم من طرف الإدارات العمومية وغيرها، عند وفاة الأب، بالإدلاء بما يفيد بأنها الولي الشرعي للأبناء، ولعمري في ذلك حيف كبير و جهل تام بمقتضيات المادة 231من مدونة الأسرة [[3]]url:#_ftn3

الفقرة الرابعة :  على مستوى محكمة الموضوع

إن صياغة أحكام مدونة الأسرة، طبعتها رغبة ملحة من طرف المشرع في تسريع الإجراءات وسرعة البت، ترجمها في العديد من المقتضيات والإجراءات، كما أعلنت عنها الإرادة الملكية السامية  في الرسالة التي وجهت إلى وزير العدل وهي تحث على سرعة البت  وداخل آجال معقولة كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقد تضمنت العديد من النصوص مددا زمنية يتعين على المحكمة التقيد بها، كالمواد 15و45و68و83 و82 و97 و192و140و190و141و113 من مدونة الأسرة والمادة 179 من ق م م،  والمادة 21 من قانون كفالة الأطفال المهملين، إلا أن السؤال الذي يثور هنا هو هل هذه الآجال تشجيعية أم أنها مقترنة بجزاء؟  ولماذا لم يعمل المشرع، بمناسبة التعديلات الأخيرة،على جعل قضايا الرجوع إلى بيت الزوجية من اختصاص القضاء الفردي مستجيبا للواقع العملي المطروح في المحاكم، ذلك أن قضايا النفقة التي ترفع من طرف الزوجة هي من اختصاص القضاء الفردي، في حين أن دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية تدخل في اختصاص القضاء الجماعي،  فإذا قام الزوج بتقديم طلب الرجوع أثناء دعوى النفقة، توجب إحالة الملف على القضاء الجماعي مما يطيل أمد النزاع بشكل يزيد في مأساة الزوجة والأبناء.
هذا فضلا عن أن تعثر التنفيذ حاضر بقوة، وربما من أسبابه، تعلق أحكام النفقة بأداء المحكوم عليه لليمين القانونية وخاصة عندما  يغادر المغرب [[4]]url:#_ftn4 ،كما قد يعمد الزوج، المحكوم عليه بتوفير سكن للمحضون، بكراء لبيت الزوجية، فيمتنع عن أداء الكراء ويتم بالتالي إفراغ الأم والأبناء، مما يؤثر على فعالية المقتضيات المتعلقة بسكن المحضون.
إن إرادة المشرع أيضا ظهرت من خلال حرمان المتقاضي المتضرر من الحكم القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية  من ممارسة حق الطعن  في الشق المنهي للعلاقة الزوجية، ومع ذلك نتساءل عن المعيار المعتمد للتمييز بين الجانب الشخصي والمالي، وأيهما أحق وأجدر بالحماية القضائية، وهل تلك الحالات واردة على سبيل الحصر ولا تشمل الحكم بالطلاق الاتفاقي والطلاق بالخلع علما أنه تصدر أيضا أحكام برفض طلب التطليق .
كما تطرح إشكالية أخرى تتعلق بكيفية تعامل محكمة الموضوع مع دعوى ثبوت الزوجية التي يلجأ إليها الزوجان، بعدما يرفض قاضي الأسرة المكلف بالزواج الإذن لهما، مستغلين بذلك الفراغ التشريعي للعبث بالأهداف السامية للمدونة من خلال الرفع من سن الزواج لمصلحتهما وللمجتمع، ونفس الأمر يثار بالنسبة للعسكريين والأجانب وذوي الإعاقة الذهنية ومن يرغب في التعدد، ألا يجب تحريك الأداة الزجرية لتطويق الظاهرة وإرجاع الأمور إلى نصابها؟ أليست هناك إمكانية لتجريم عدم توثيق الزواج ؟
وفي سياق الحفاظ على تماسك الأسرة، هل يمكن القول إن المشرع منع الطلاق بوكالة مع ما يترتب على ذلك بالنسبة للمقيمين خارج المغرب؟ أم أنه لازال منظما بالقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود،  مادام لم يمنعه صراحة، ويمكن التوكيل بعد استنفاذ مسطرة الصلح التي تستلزم الحضور الشخصي.
إن وجود محكمة الأسرة ضرورة اقتضتها حاجيات العصر نتيجة تراجع دور الأسرة وتفككها وتأثيرها على الأطفال، الأمر الذي دعا إلى وجوب تفهم أسباب الخلاف وتحليلها، وذلك مفتقد في النظام القضائي لعدم وجود استعداد لدى القاضي يمكنه من معالجة هذا المشكل الدقيق في غياب وسائل علمية كفيلة بذلك، ورغم الإشارات البسيطة التي حملتها المدونة، لا زال هناك غياب تقنين دقيق لكيفية الاستعانة بالخبراء (الطب النفسي) والأخصائيين الاجتماعيين، والذين يشكلون أمرا محمودا لقدرتهم على تفهم مشاكل الأسرة وعقد جلسات مع مكوناتها فيكونون الأقدر على إيجاد الحل الملائم ويقدمون المشورة العلمية بشكل واضح للمحكمة بشأن إمكانية استمرار العلاقة الزوجية أو وجوب توقفها، فمؤسسة مجلس العائلة التي أوكل لها المشرع الصلح، سرعان ما تنقسم إلى فريقين بفعل القرابة للزوجين  وانعدام الوعي [[5]]url:#_ftn5 ، كما أن طريقة إلزام المصر من الزوجين على الإخلال بالواجبات المذكورة في المادة51 من المدونة، والمتعلقة بالمساكنة الشرعية والمعاشرة بالمعروف وحسن المعاملة، لم تعالج بشكل واضح ومفصل ولم تبين الآثار المترتبة على ذلك.
ونشير في الأخير إلى أن التنزيل السليم لمدونة الأسرة يفرض كذلك على الإدارة مواكبتها، بحيث ترفض بعض الإدارات أحكام الطلاق، وتصر على المطالبة بتحريرها في رسوم عدلية، كما أن الأبناك والمحافظات العقارية عند طلب قرض يقل عن 200الف درهم لفائدة قاصر أو تسجيل بيع لفائدته، يجبران التوفر على إذن قضائي من قاضي شؤون القاصرين مخالفين بذلك مقتضيات المادة 241من مدونة الأسرة، التي لا تأمر بفتح ملف النيابة الشرعية إلا إذا تعدت أموال المحجور 200ألف درهم ، ونفس الأمر بخصوص المعالجة التشريعية في الفقرة الأخيرة للمادة 45 من المدونة والتي تخول للمحكمة تطبيق مسطرة التطليق للشقاق في حالة عدم توافق الزوجين بشأن التعدد.
كانت تلك بعض الإشكالات العملية التي تعترض قضاء الحكم في مادة الأسرة على مختلف مكوناته، والتي نحسبها  أكبر عائق لصيانة الأسرة من شائبة  التعسف والضياع، خاصة وأن المشرع طالما أغفلها في كل مناسبة أتيحت له لتعديل بعض مقتضيات قانون الأسرة.
 
المبحث الثاني:  دور النيابة العامة في خدمة الأسرة والمجتمع و المعيقات

إلى جانب وظيفة النيابة العامة في الميدان الزجري حيث تكاد تنفرد بإقامة الدعوى العمومية ومتابعتها والإدلاء بالحجج المؤيدة لها وممارسة طرق الطعن بشأنها ، فإن جل التشريعات قد أوجدت نظاما خاصا لتدخل النيابة العامة في الميدان المدني، حينما يتطلب الأمر حماية مراكز قانونية معينة جديرة بذلك ، وخاصة عندما تكون المنازعة ذات صبغة لها علاقة بالنظام العام أو بتحقيق المصلحة العامة[[6]]url:#_ftn6 .
 وبمجرد دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، ثار نقاش فقهي وقضائي حول تحديد صفة النيابة العامة في قضايا الأسرة: هل النيابة العامة طرف رئيسي دائما في قضايا مدونة الأسرة ؟ الجواب صريح من خلال مقتضيات المادة 3 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه: " تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام المدونة"، غير أنه رغم وضوح هذه المادة فإنه سرعان ما يتجلى غموض آخر بالرجوع إلى المادة 9 من قانون المسطرة المدنية كما تم تعديلها وتتميمها بمقتضى قانون 03-72 القاضي بتغيير المسطرة المدنية والتي تقضي بما يلي : "يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتية:
  • القضايا المتعلقة بالنظام العام....
  • القضايا المتعلقة بالأسرة".
فهذا الفصل يفيد بأن النيابة العامة تتدخل كطرف منضم في القضايا المتعلقة بالأسرة ما دام الأمر يتعلق بقضايا يأمر القانون بتبليغها إليها لتقديم مستنتجاتها الكتابية والشفوية، فكيف يمكن التوفيق إذن بين هذه الازدواجية في تدخل النيابة العامة في القضايا المتعلقة بالأسرة؟  
المطلب الأول: مجالات تدخل النيابة العامة في قضاء الأسرة

من خلال استقراء مواد مدونة الأسرة، نجد أن المشرع المغربي قد حدد حصرا الحالات التي تتقاضى فيها النيابة العامة كطرف رئيسي (حيث تمارس حق الادعاء وتستعمل كل طرق الطعن عدا التعرض، ويعتبر حضورها إلزاميا في الجلسة...)، في حين تتدخل كطرف منضم وتبدي رأيها لمصلحة القانون والعدالة في باقي قضايا مدونة الأسرة تطبيقا لمقتضيات الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية.
يتضح مما سبق بأن دور النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة يتمثل في كونها تسهر على حسن تطبيق القانون بشكل يتلاءم مع النص في جميع القضايا التي تكون فيها طرفا رئيسيا أو منضما.

الفقرة الأولى الحالات التي تكون فيها النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضايا الأسرة
  • حماية حقوق الأطفال:
أصبح للنيابة العامة أثناء مرحلة الزواج وكذا بعد إنهاء العلاقة الزوجية دورا هاما لحماية الحقوق المترتبة للأطفال منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد على مستوى الرعاية النفسية والمالية والحضانة وغيرها، فقد كلفت المدونة النيابة العامة بالسهر على مراقبة تنفيذ الحقوق المنصوص عليها في المادة 54 من المدونة، ودورها في هذا الصدد هو دور إيجابي وفعال ، إذ لها حق تقديم طلب بتسجيل طفل غير مصرح به بسجلات الحالة المدنية ، ولها أن تسهر على سلامة الطفل بما لها من حق تحريك المتابعة الجنائية ضد كل من ألحق ضررا به دون اشتراط شكاية من جهة معينة. كما امتد دورها إلى تقديم طلب إلى المحكمة لاختيار من تراه مؤهلا لحماية مصلحة المحضون ليقوم بالحضانة طبقا لمنطوق الفصل 165 من المدونة، بل أعطاها المشرع حتى حق تقديم طلب إسقاط الحضانة(الفصل 177) في حالة تعرض المحضون لأضرار من طرف الحاضن ، ولها أن تطلب منع السفر بالمحضون خارج أرض الوطن دون موافقة نائبه الشرعي حسب الفصل 179 من المدونة.
  • إثبات حياة المفقود وإثبات التاريخ الحقيقي للوفاة
إذا تبين أن المفقود المحكوم بوفاته ما زال حيا، فللنيابة العامة أن تتقدم بطلب إلى المحكمة لاستصدار قرار بإثبات كونه باقيا على قيد الحياة (الفصل 75) ، أما في حالة ثبوت التاريخ الحقيقي للوفاة غير الذي صدر الحكم به، فإنه يتعين على النيابة العامة حسب الفصل 76 أن تتقدم بطلب لإصدار الحكم بإثبات التاريخ الحقيقي للوفاة.
  • فيما يخص الأهلية والنيابة الشرعية
للنيابة العامة حسب المادة 221 من المدونة أن تطلب إصدار الحكم بالتحجير أو برفعه، كما لها أن تطلب من قاضي شؤون القاصرين إلغاء قرار الإذن بتسليم الصغير المميز جزءا من أمواله لإدارتها بقصد الاختبار، إذا ثبت سوء التدبير في الإدارة المأذون بها. وفي حالة إخلال الوصي بمهمته أو عجزه فإنه يمكن للنيابة العامة تقديم طلب العزل أو الإعفاء حسب المادة 270، وفي إطار تصفية التركة وحفاظا على المال العام، فإنه في الحالة التي يكون فيها بيد الهالك قبل موته شيء من ممتلكات الدولة ، فعلى قاضي المستعجلات بناء على طلب النيابة العامة أن يتخذ الإجراءات الكفيلة للحفاظ على تلك الممتلكات حسب منطوق الفصل 374 من قانون المسطرة المدنية. الفقرة الثانية :  دور النيابة العامة كطرف منضم

تتدخل النيابة العامة بهذه الصفة في جميع قضايا مدونة الأسرة التي أمر القانون بتبليغها إليها، وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 9 من قانون المسطرة المدنية، ولا تكون النيابة العامة هنا خصما لأحد وإنما تتدخل لتبدي رأيها لصالح القانون والعدالة ولمصلحة الأسرة والحفاظ على وحدتها وكيانها ، ونشير هنا إلى المادة 88 من قانون الأسرة التي تؤكد بأن قرار الطلاق يجب أن يتضمن ملخص ادعاء الطرفين وطلباتهما وما قدماه من حجج ودفوع والإجراءات المنجزة في الملف ومستنتجات النيابة العامة.
كذلك فالمادة 245 تنص على أن المحكمة تحيل ملف النيابة القانونية على النيابة العامة لإبداء رأيها داخل مدة لا تتجاوز 15 يوما، فتدخل النيابة العامة في جميع هذه الحالات هو انضمامي ما دام الأمر يتعلق بحالة يأمر القانون فيها بتبليغ الملف إلى النيابة العامة للإدلاء بمستنتجاتها.
وعلاوة على موقعها في قضايا الأسرة كطرف رئيسي أو منضم، تأخذ النيابة العامة أدوارا متميزة أخرى تتضح من خلال المستويات التالية:
  • الدور الحمائي للنيابة العامة وذلك من خلال عدة مهام منها :
  • السهر على تنفيذ حقوق الطفل ومراعاة المصلحة الفضلى له (المادة 54 )
  • إرجاع الزوج أو الزوجة المطرودة من بيت الزوجية (المادة 53)
  • التنفيذ الفوري للتدابير المؤقتة المتخذة من طرف المحكمة في انتظار صدور حكم في موضوع النزاع المعروض على القضاء (المادة 121)
  • تبليغ مقرر منع السفر بالمحضون إلى خارج أرض الوطن إلى الجهات العليا (المادة 179)
  • الحضور أثناء تنفيذ الأمر بإسناد كفالة الطفل المهمل(المادة 18 من قانون الأطفال المهملين)
  • الدور المساعد للقضاء خاصة في مجال التبليغ وتجهيز القضايا، وذلك من خلال:
  • الاستعانة بالنيابة العامة في الحصول على موطن أو محل إقامة الزوجة يمكن استدعاؤها فيه (المادة 43)
  • السهر على تبليغ وإخطار الزوجة التي توصلت شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر ولم تدل بملاحظات مكتوبة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الملف على حالته (المادة 81)
  • التأكد من صحة دعوى الزوجة من أجل التطليق لعدم الإنفاق وكون محل الزوج الغائب مجهولا (م103)
  • الإعانة في تبليغ دعوى الزوجة بالتطليق للغيبة إلى الزوج الغائب (المادة 105)
ج-الدور الولائي للنيابة العامة من خلال :
  • تلقي نسخة من عقد زواج المغاربة وفقا للقانون المحلي لبلد إقامتهم من قبل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط عند عدم وجود محل ولادة الزوجين أو لأحدهما بالمغرب (المادة 15)
  • تلقي ملخص وثيقة الطلاق أو الرجعة أو الحكم بالتطليق أو بفسخ عقد الزواج أو بطلانه من طرف وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط  إذا لم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب (المادة 141)
  • إخبارها بالإحصاء النهائي والكامل للأموال والحقوق والالتزامات الخاصة بالقاصر أو المحجور المنجز من قبل العدلان بأمر من قاضي شؤون القاصرين (المادة 252)
  • التبليغ عن وجود ورثة قاصرين للمتوفى أو عند وفاة الوصي أو المقدم من تاريخ العلم بالوفاة (المادة 266)[[7]]url:#_ftn7 .
يتجلى مما سبق أن دور النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة هو دور إيجابي وشامل أساسه السهر على التطبيق الحسن لمقتضيات المدونة، وتفعيل الطابع الحمائي لأحكامها لفائدة القانون والعدالة ومصلحة الأسرة والحفاظ على وحدة كيانها، وترسيخ وتفعيل الأساس الذي انبنت عليه، وهو رفع الحيف عن المرأة وحماية حقوق الأطفال وصيانة كرامة الرجل. 
 
 
 
 المطلب الثاني : الإكراهات التي تصادف عمل النيابة العامة في قضايا الأسرة

إن النيابة العمومية وكيلة المجتمع، تتمتع بصلاحيات مهمة في جغرافية مدونة الأسرة، والنصوص الخاصة المرتبطة بها، والتي يرمي من خلالها المشرع الأسري الحفاظ على الأسرة ومكاسبها، كأساس الاستقرار والتقدم، على أن الإكراهات المطروحة تفرض ضرورة تخويل النيابة العامة الآليات اللازمة للتصدي لكل ما من شأنه تقويض أركان الأسرة، والمساس بمقومات الهوية،  فظاهرة الزواج المختلط تتنامى بفضل عوامل متعددة، منها ما هو مرتبط بالدين والجنسية وقدم المعالجة التشريعية [[8]]url:#_ftn8 .
والضرورة تستدعي منح النيابة العامة مهاما تحول دون التلاعب والتحايل على القانون، والمساس بالأمن والنظام العام، ونقترح توكيل النيابة العامة رفع دعوى إبطال عقود الزواج الصورية المنافية والمنحرفة عن مقاصد الزواج الشرعية ، كما أن  دعوى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، تطرح إشكال تباين محاكم الموضوع بخصوص مفهوم النظام العام المغربي وتحديد ماهيته  والجهة القضائية التي تتولى البت فيها، هل هي محكمة الموضوع  أم محكمة الرئيس، باعتبارها تتعلق بالتنفيذ للأحكام الأجنبية بالمغرب، وهل تخضع لإجراءات التقاضي العادية وخاصة استدعاء الأطراف، أم يقتصر دور القضاء على  التأكد من الشروط التي تطلبها المشرع في المواد 431 و 432 من قانون المسطرة المدنية، وبالتالي ينبغي أن توجه ضد النيابة العامة  كمدعى عليها .
كما تعددت المطالب ومن عدة منابر بمنح النيابة العامة حق استئناف قرار قاضي الأسرة المكلف بالزواج المتعلق بمنح الإذن بالزواج للقاصر أو المصاب بإعاقة ذهنية وذلك لفائدة القانون ومصلحة المجتمع (المادة 20)، ونفس الشيء بالنسبة للحكم الصادر عن المحكمة والقاضي بالإذن بالتعدد بعد أن نصت المادة 44 على أن للمحكمة أن تأذن بالتعدد بمقرر معلل غير قابل لأي طعن، والآمال معقودة كذلك على بيان كيفية سهر النيابة العامة على تجسيد حقوق الأطفال المنصوص عليها في المادة54من المدونة.
 
خــــــــــاتمـة:

إن مدونة الأسرة تواقة إلى إنصاف المرأة وصيانة كرامة الرجل وحماية حقوق الطفل في ظل مقاصد الشريعة السمحة والتزامات المغرب الدولية، فاتسمت المراجعة التشريعية بتبني  قيم المساواة الحقيقية بين الزوجين، ومبادئ العدل والشفافية في الإجراءات المسطرية، وتوخي السرعة في البت، والاستعانة بأدوات علمية عصرية في تحري الحكم المنصف، وبمؤازرة فعالة للنيابة العامة ،إلا أن تعدد الإجراءات المسطرية المنظمة  واختلافها وقصورها في بعض الأحيان، وتباين العمل القضائي في المرحلة الأولى بشأن تطبيقها ، وقلة الإمكانيات المادية و البشرية، وتكاثر الدعاوى، تعد من السمات البارزة التي تطبع محاكم الأسرة،وإحدى أهم الإكراهات المطروحة للتغلب عليها ،ولن يتأتى ذلك إلا بتظافر جهود كل المتدخلين في ميدان الأسرة من مشرع وسلطة حكومية وقضائية ومجتمع مدني ، كل فيما يخصه.
 
المراجع
 
المؤلفات:
  1. موسوعة قانون المسطرة المدنية و التنظيم القضائي ذ- عبد العزيز توفيق الجزء الثاني طبعة 2011
  2. دليل عملي لمدونة الأسرة –وزارة العدل- سلسلة الشروح والدلائل العدد 1، 2004 الطبعة الثالثة، فبراير 2007.
المقــالات:
  1. محمد العيماني، دور النيابة العامة في القضايا المدنية، مجلة رسالة المحاماة عدد 20 2007 .
  2. محمد شهبون – بعض إشكاليات تطبيق مدونة الأسرة –مجلة الملف عدد15  سنة 2006
  3. محمد اكديد – كفالة الأطفال في التشريع المغربي –مجلة القضاء والقانون-عدد147 سنة 2008
  4. مارية اصواب – بعض إشكاليات التنفيذ للأحكام الصادرة عن قسم قضاء الأسرة –مجلة مستجدات مدونة الأسرة وتطبيقاتها العملية –مطبعة الأمنية – 2008
  5. رشيد مشقاقة – آفاق الأسرة في القانون المقارن – مجلة محكمة عدد 2  2006
  6. أحمد نهيد- رئيس المحكمة الإبتدائية بالجديدة- تدخل النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة
  7. إبراهيم زعيم- الزواج المختلط:ضوابطه وإشكالاته- مجلة القضاء والقانون –عدد147 2005
 
الهوامش

[[1]]url:#_ftnref1 انظر مقال محمد شهبون –بعض إشكاليات تطبيق مدونة الأسرة –مجلة الملف عدد15 ص168
[[2]]url:#_ftnref2 انظر مقال محمد اكديد –كفالة الاطفال في التشريع المغربي –مجلة القضاء والقانون-عدد147ص80
[[3]]url:#_ftnref3   انظر التفرير الختامي المشار له في مجلة مستجدات مدونة الاسرة وتطبيقاتها العملية –مرجع سابق –ص 127
[[4]]url:#_ftnref4 انظر مقال مارية اصواب –بعض إشكاليات التنفيذ للأحكام الصادرة عن قسم قضاء الأسرة –مجلة مستجدات مدونة الأسرة وتطبيقاتها العملية –مطبعة الأمنية –ص121
[[5]]url:#_ftnref5 انظر مقال لرشيد مشقاقة –أفاق الأسرة في القانون المقارن –مجلة محكمة عدد2ص 211
[[6]]url:#_ftnref6 أنظر مقال للأستاذ أحمد نهيد رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة تحت عنوان" تدخل النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة" ص:1
[[7]]url:#_ftnref7 انظر مقال للأستاذ محمد العيماني،دور النيابة العامة في القضايا المدنية ، مجلة رسالة المحاماة عدد 20 2007 ص 10
[[8]]url:#_ftnref8 انظر مقال إبراهيم زعيم-الزواج المختلط:ضوابطه وإشكالاته-مجلة القضاء والقانون –عدد147ص56
 عن موقع marocdroit

ملائمة اتفاقية سيداو مع التشريع المغربي - عرض

جامعة القرويين

كلية الشريعة
فاس


وحدة ماستر أحكام الأسرة
في الفقه والقانون


من إعداد الطلبة :

نهيد كرتيت
خديجة اليعقوبي
محمد القادي
رشيد أوحساين
هشام شقور
عبد الحق الصمدي


  
مقدمة :

لقد شكل موضوع المرأة أحد محاور النقاش العمومي والتدافع الوطني منذ الانخراط في بناء مغرب ما بعد الاستقلال، واكتسب هذا الموضوع راهنية كبيرة في الثلاثين سنة الأخيرة بفعل تفاعل عدد من العوامل الداخلية والخارجية، نتجت من جهة أولى عن تصاعد قوة الحركة النسائية والمتغذية من استمرار معضلات المرأة والأسرة باعتباره مرآة تعكس فشل سياسات التنمية والتحديث في المغرب المعاصر، وتعمقت من جهة ثانية على إثر تطور الاشتغال العالمي والأممي في مرحلة العولمة على قضايا المرأة وارتفاع الضغط الخارجي المستند على مجموع الاتفاقيات الدولية والمؤتمرات العالمية، وهو انشغال تنامى بشكل كبير منذ اعتماد اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) سنة 1979.
[1]
فقد جاءت اتفاقية "سيداو" (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) ضمن جهود الأمم المتحدة الطويلة لإنصاف المرأة وإعادة حقوقها وتمكينها في المجتمعات، حيث ابتدأت إرهاصات هذا المشروع لأول مرة عام 1945، في أول معاهدة دولية من نوعها، لمحت إلى قضية مساواة الرجل والمرأة في الحقوق، لتتوالى بعد ذلك القرارات الدولية تباعا في إشاعة هذا المفهوم ونشره وتعميمه في المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية... الخ، وصولا إلى الاتفاقية الخاصة "سيداو" التي نحن بصددها سنة 1979، والتي دخلت حيز التنفيذ سنة 1981.
وتعتبر اتفاقية سيداو من أكثر الاتفاقيات المجمع عليها في الأمم المتحدة بعد الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتعتبر في نفس الوقت، من أكثر الاتفاقيات في الأمم المتحدة التي تتحفظ الدول الموقعة عليها على بنودها.
فقد صادق المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بمقتضى ظهير رقم 2.93.4 وقام بإيداع أدوات التصديق يوم21/06/1993، مع إبداء تحفظاته على المادة الثانية والفقرة الثانية من المادة التاسعة والفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة والمادة السادة عشرة والمادة التاسعة والعشرون، وتم نشر الاتفاقية بالجريدة الرسمية بتاريخ 18/01/2001.
[2]
وقد حضي موضوع ملائمة الترسانة القانونية الوطنية مع المواثيق الدولية المتعلقة بالمرأة باهتمام العديد من المجتمعات العربية والإسلامية ومن بينها المغرب، خاصة مع ظهور متغيرات عصرية وعالمية جديدة، تأثرت بتداعيات العولمة والكونية الداعية إلى إلغاء كل الفوارق الاجتماعية والثقافية والحضارية بين الشعوب، وفي هذا الصدد فقد قامت العديد من الدول الإسلامية تحت مجموعة من الضغوطات بملائمة تشريعاتها الوطنية مع الاتفاقيات الدولية.
هذا ما سنحاول دراسته من خلال هذا العرض وذلك وفق التصميم التالي :

التصميم :
مقدمة

  •  المبحث الأول : الجوانب الشكلية والموضوعية لاتفاقية  سيداو
  • المطلب الأول : الجوانب الشكلية لاتفاقية سيداو
  • الفرع الأول : التوقيع والمصادقة على اتفاقية سيداو
  • الفرع الثاني : التحفظات على اتفاقية سيداو
  • المطلب الثاني : مضمون اتفاقية سيداو
  • الفرع الأول : الجزء الأول : التعريفات والتدابير
  • الفرع الثاني : الجزء الثاني : الحقوق السياسية
  • الفرع الثالث : الجزء الثالث : حق التعليم والعمل
  • الفرع الرابع : الجزء الرابع : حق الأهلية القانونية
  • الفرع الخامس : الجزء الخامس : الهيكل الإداري
  • الفرع السادس : الجزء السادس : النفاذ والتوقيع والتحفظ
  • المبحث الثاني : ملاءمة التشريع الوطني مع اتفاقية سيداو
  • المطلب الأول : سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني
  • الفرع الأول : بالنسبة للدستور
  • الفرع الثاني : بالنسبة للتشريع الوطني
  • المطلب الثاني : التدابير القانونية لملائمة التشريع الوطني مع مقتضيات اتفاقية سيداو  والتحديات المطروحة
  • الفرع الأول : مسار إعمال اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء
    • أولا : معالجة التحفظات
    • ثانيا : الإصلاحات التشريعية والسياسية
    • ثالثا : مأسسة مقاربة النوع
  • الفرع الثاني : التحديات والآفاق
خاتمة
 
 
 

  • المبحث الأول : الجوانب الشكلية والموضوعية لاتفاقية سيداو
 
قبل الشروع في دراسة الجوانب الشكلية والموضوعية لاتفاقية سيداو لابد من الإشارة إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969 التي تحدد الضوابط والإجراءات التي يجب اتبعاها في إبرام المعاهدات سواء في الجانب المتعلق بالمفاوضات والتوقيع والمصادقة أو في الجوانب المتعلقة بإبداء التحفظات، أو في الجزء المتعلق بعلاقة الاتفاقيات الدولية مع التشريع الوطني.

المطلب الأول : الجوانب الشكلية لاتفاقية سيداو
 
تتنوع مراحل إبرام اتفاقية سيداو، لكنها لا تخرج عن الإجراءات التالية، وهي إجراءات مشتركة بين جميع الاتفاقية أو المعاهدة الدولية ويمكن حصرها من خلال الفروع التالية:
  • الفرع الأول : التوقيع والمصادقة على اتفاقية سيداو
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو سيداو اختصاراً (بالإنجليزية:CEDAW) هي معاهدة دولية تم اعتمادها في 18 ديسمبر 1979 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة وتم عرضها للتوقيع والتصديق والانضمام بالقرار 34/180 في 18 ديسمبر 1979. وتوصف بأنها وثيقة حقوق دولية للنساء. ودخلت حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 1981.[3]

 
   
 

ملائمة اتفاقية سيداو مع التشريع المغربي
كانت السويد أول دولة توقع على الاتفاقية وذلك في 2 يوليو 1980 لتدخل حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 1981 وبتوقيع 20 دولة أخرى على الاتفاقية. وبحلول مايو 2009 صادقت أو انضمت إلى الاتفاقية 186 دولة كانت أحدثها قطر في 19 أبريل 2009. بعض حكومات الدول التي انضمت أو صادقت على الاتفاقية قدمت بعض التحفظات على بعض ماورد فيها. [4]
أما الدول العربية فقد وقعت عليها جميعا باستثناء ثلاث دول : "عمان وقطر والإمارات العربية المتحدة"، وكما سبقت الإشارة في مقدمة هذا العرض فقد تمت المصادقة على هذه الاتفاقية من طرف المغرب بمقتضى ظهير 2.93.4، تم إيداع أدوات التصديق عليها في 21 يونيو 1993، وتم نشر الاتفاقية بالجريدة الرسمية بتاريخ 18 يناير 2001.، وقد أبدى تحفظه على مجموعة من المواد.
ومن الدول الإسلامية التي انضمت إلى الاتفاقية : باكستان، بنغلادش، تركيا، ماليزيا، وإندونيسيا.
[5]
كما هناك أيضا دولا غير إسلامية لم تصادق على الاتفاقية، مثل، سويسرا، الولايات المتحدة الأمريكية، الكاميرون، أفريقيا الوسطى وليسوتو.
إضافة إلى ذلك فقد بلغ عدد الدول التي قدمت تحفظات مكتوبة عند توقيعها أو إنضمامها أو مصادقتها على الاتفاقية 55 دولة، ومن بين هذه الدول إسرائيل والهند و"بريطانيا التي بلغ حجم تحفظاتها ثلاثة صفحات".
[6]
  • الفرع الثاني : التحفظات على اتفاقية سيداو
سمحت اتفاقية سيداو للدول التي وقعتها بإدباء التحفظات على بعض بنودها بناء على المادة 28 منها، على أنه لا يجوز إبداء أي تحفظ يكون منافيا لموضوعها وغرضها. وبمعنى آخر، فإن أي تحفظ حول آلية هذه الاتفاقية يكون منافيا لموضوعها يعتبر باطلا ويحذف وتبقى الاتفاقية سارية في مواجهة الدولة الموقعة عليها. هذا وقد سببت هذه النقطة إشكالا عند بعض الدول التي رفضت توقيع الاتفاقية، إذ رأت في عبارة : "لا يجوز إبداء أي تحفظ يتعارض مع روح الاتفاقية وغرضها"، ما يخالف قاعدة أساسية من قواعد القانون الدولي. ولقد سببت كثرة التحفظات التي فاقت أية تحفظات أخرى وضعت على اتفاقيات حقوق الإنسان، قلقا لدى لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تخوفت من عدد التحفظات وشموليتها، كما حث إعلان فيينا وخطة عمل اللجنة المذكورة على متابعة مراجعة التحفظات على الاتفاقية، وحث الدول المنضمة على سحبها وخصوصا "ما يناقض منها غاية وهدف الاتفاقية، أو تلك التي تتنافى مع قانون الاتفاقيات الدولية". وكذلك "دعا الإعلان وبرنامج عمل بكين الدولي إلى "إجراء مراجعة منتظمة لهذه التحفظات بغية سحبها، إلا أنه لم يفعل ذلك إلا عدد قليل من الدول، وخاصة فيما يتعلق بالتحفظات المرتبطة بالقوانين والممارسات الثقافية". ويعود السبب في الدعوة لإزالة التحفظات، إلى عدم وجود نص داخل اتفاقية السيداو يحدد آلية داخلية لرفض التحفظات التي تناقض جوهر الاتفاقية وغرضها، وهنا جاء البروتوكول الاختياري ليؤكد على وجوب التخلص من هذه التحفظات، علما بأنه كان هناك اتجاه دولي عام لإلغاء تحفظات الدول بحلول العام 2000"[7]
أما عن المغرب فقد أقدمت الحكومة المغربية على توجيه رسالة سرية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في 18 أبريل 2011 تعلمه فيها أنها قد رفعت تحفظات المغرب التي قيد بها مصادقته على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حيث نشرت الكتابة العامة لهيئة الأمم المتحدة في الصفحة 43 من قائمتها الشهرية (أبريل 2011م) من النص الفرنسي خبر الرفع الجزئي للتحفظات المغربية على الاتفاقية المذكورة، مع التأكيد على أن المغرب أبقى على تحفظاته بخصوص المادة 2، والفقرة الرابعة من المادة 15، وكذا الفقرة الأولى من المادة 29، دون ذكر بقاء تحفظاته على الفقرة الثانية من المادة 9، وعلى كامل المادة 16.
ثم نشرت الجريدة الرسمية بالمغرب في عددها: 5974 الصادر بتاريخ: فاتح شتنبر 2011، ص 4346  خبر رفع تحفظ الحكومة على البندين 1 و2 من الفقرة ب من وثائق انضمام المملكة المغربية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979.
 
 
وفيما يلي تصريحات وتحفظات المغرب بشأن هذه الاتفاقية
[8] :[9]
  • التصريحات :
فيما يتعلق بالمادة الثانية :

"تعرب حكومة المملكة المغربية عن استعدادها لتطبيق مقتضيات هذه المادة بشرط :

  • ألا تخل بالمقتضيات الدستورية التي تنظم قواعد عرش المملكة المغربية.
  • ألا تكون منافية لأحكام الشريعة الإسلامية،علما بأن بعض الأحكام الواردة في مدونة الأحوال الشخصية المغربية التي تعطي للمرأة حقوقا تختلف عن الحقوق المخولة للرجل لا يمكن تجاوزها أو إلغاؤها، وذلك نظرا لكونها منبثقة أساسا من الشريعة الإسلامية التي تسعى، من جملة ما تسعى إليه، إلى تحقيق التوازن بين الزوجين حفاظا على تماسك كيان الأسرة"
فيما يتعلق بالفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة :
"تصرح حكومة المملكة المغربية بأنه لا يمكن لها الالتزام بمقتضيات هذه الفقرة، وبخصوص تلك المتعلقة بحق المرأة في اختيار محل إقامتها وسكناها إلا بقدر ما تكون هذه المقتضيات غير منافية للمادتين 34 و35 من مدونة الأحوال الشخصية المغربية".

  • التحفظات :
فيما بالفقرة الثانية من المادة التاسعة :

"تتحفظ حكومة المملكة المغربية على هذه الفقرة نظرا لكون قانون الجنسية المغربي لا يسمح بأن يحمل الولد جنسية أمه إلا في حالة ازدياده من أب مجهول، أيا كان مكان هذا الازدياد، أو من أب عديم الجنسية مع الازدياد بالمغرب، وذلك حتى يتضمن لكل طفل حق في الجنسية. كما أن الولد المزداد بالمغرب من أم مغربية وأب أجنبي يمكنه أن يكتسب جنسية أمه بشرط أن يصرح داخل السنتين السابقتين لبلوغه سن الرشد برغبته في اكتساب هذه الجنسية... على شرط أن تكون إقامته بالمغرب عند التصريح اعتيادية ومنتظمة".
وجذير بالذكر أن المغرب يستعد لرفع هذا التحفظ بعدما تمت ملاءمة قانون الجنسية المغربي مع مقتضيات الاتفاقية الدولية في هذا المجال.
[10]

فيما يتعلق بالمادة السادسة عشرة :

"تتحفظ حكومة المملكة المغربية على مقتضيات هذه المادة وخصوصا ما يتعلق منها بتساوي الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه. وذلك لكون مساواة من هذا القبيل تعتبر منافية للشريعة الإسلامية التي تضمن لكل من الزوجين حقوقا ومسؤوليات في إطار التوازن والتكامل وذلك حفاظا على الرباط المقدس للزواج. فأحكام الشريعة الإسلامية تلزم الزوج بأداء الصداق عند الزواج وإعالة أسرته، في حين ليست المرأة ملزمة بأداء النفقة. وعلى عكس ذلك تتمتع الزوجة بكامل الحرية في التصرف في مالها أثناء الزواج وعند فسخه دون رقابة الزوج، إذ لا ولاية للزوج على مال زوجته. ولهذه الأسباب فإن الشريعة الإسلامية لا تخول حق الطلاق للمرأة إلا بتدخل القاضي".

فيما يتعلق بالمادة التاسعة والعشرين :

"لا تعتبر حكومة المملكة المغربية نفسها ملزمة بالفقرة الأولى من هذه المادة، التي تنص على أن يعرض على التحكيم أي خلاف بشأن تأويل أو تطبيق الاتفاقية ينشأن بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف ولا يسوى عن طريق المفاوضات بناء على طلب أحد الأفراد في النزاع. إذ أن حكومة المملكة المغربية ترى أن أي خلاف من هذا القبيل لا يمكن أن يعرض على التحكيم إلا بموافقة جميع الأطراف في النزاع."
[11]

المطلب الثاني : مضمون اتفاقية سيداو
 
تتألف الاتفاقية من ثلاثين مادة تشكل مدوّنة دولية لحقوق المرأة، وهي تدعو إلى مساواة المرأة مع الرجل في حق التمتع بجميع الحريات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. كما تدعو إلى تنمية كاملة وتامة تؤدي إلى رفاه العالم، كما أنها تربط بين قضية السلام وبين مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في جميع الميادين.
"علاوة على ذلك تتناول الاتفاقية المعاملة غير المتكافئة للمرأة في القانون والأنماط الثقافية، وحق المرأة في المشاركة في الحياة العامة، والمساواة في فرص التعليم والعمل، والتمييز ضد المرأة في توفير الرعاية الصحية والمشاكل الخاصة بالمرأة في إطار الفقر الريفي.
وتشير اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة إلى الحقوق الإنجابية للمرأة، وتشير مادتها المتعلقة بالتعليم إلى إمكانية الحصول على معلومات ومشورة بشأن الأسرة، "كما تشير موادها المتعلقة بالرعاية الصحية والتنمية الريفية والمساواة في الزواج إلى خدمات تنظيم الأسرة. فالمواد الأخيرة تذكر أن المرأة يجب أن يكون لها نفس الحق في أن تقرر بحرية ومسؤولية عدد أطفالها، وفترات المباعدة بين إنجابهم، وأن يكون بإمكانها الحصول على ما يلزمها لممارسة هذا الحق من معلومات وتعليم ووسائل".
[12]
وتبين الاتفاقية في قسمها الأخير ماهية التدابير الواجب اتخاذها لضمان تمتع المرأة بالحقوق العائدة لها، وتضع آلية للإشراف على التزامات الدول الأطراف.
وتنقسم الاتفاقية إلى ستة أجزاء :


الفرع الأول : الجزء الأول : التعريفات والتدابير[13]
 
تشرح المادة الأولى من الاتفاقية معنى التمييز ضد المرأة، وتنص على التماثل التام بين الرجل والمرأة، بغض النظر عن حالتها الزوجية.
بينما تتعرض المادة الثانية لوصف الإجراءات القانونية المطلوب من الدول الأطراف أن تتعهد بالقيام بها للقضاء على التمييز ضد المرأة، وتشمل سبعة بنود منها إبطال كل الأحكام واللوائح والأعراف التي تميز بين الرجل والمرأة في قوانينها، واستبدالها بقوانين تؤكد القضاء على التمييز ضد المرأة.
المادة الثالثة تناولت التدابير التي يمكن أن تتخذها الدول الأطراف من أجل تطور المرأة وتقدمها على أساس المساواة مع الرجل، بما في ذلك التشريع.
أما المادة الرابعة فقد حظرت وضع أي أحكام أو معايير خاصة بالمرأة، وأوجبت أن تكون القوانين عامة للرجل والمرأة سواءً بسواء، كما سمحت بوضع قوانين مؤقتة خاصة بالمرأة للإسراع بمساواتها مع الرجل، وبعد تحقق هذه المساواة تصبح هذه القوانين الموقتة ملغاة.
أما المادة الخامسة فقد ألزمت الدول الأطراف بتجسيد مبدأ المساواة في دساتيرها الوطنية وقوانينها الأخرى، وتَبَنِّي التدابير التشريعية والجنائية، وإقرار الحماية القانونية ضد التمييز، وتغيير القوانين والأعراف التي تشكل تمييزاً ضد النساء، وحث الدول على العمل على تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة؛ بهدف تحقيق القضاء على العادات العرفية المتحيزة لجنس دون الآخر، والممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين، كما تحدثت عن المسؤولية المشتركة لكل من الرجال والنساء في تنشئة الأبناء.
أما المادة السادسة فقد اختصت بوضع تشريعات مناسبة لمكافحة جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلالها في الدعارة.


الفرع الثاني : الجزء الثاني: الحقوق السياسية
 
ويحوي ثلاث مواد، تنادي بالمساواة بين الرجل والمرأة في المجال السياسي ترشيحاً وانتخاباً، ووظيفة وسلطة، وصياغة للسياسات ومشاركة في العمل التطوعي، وتمثيلاً للحكومات على المستوى الدولي، واشتراكاً في أعمال المنظمات الدولية، وفي حق اكتساب الجنسية والاحتفاظ بها، وأن لا يُفرض على الزوجة تغيير جنسيتها إذا غير الزوج جنسيته وكذلك الأطفال.

الفرع الثالث : الجزء الثالث: حق التعليم والعمل
 
ويشتمل هذا الجزء على خمس مواد، تنادي بمساواة المرأة والرجل في مناهج التعليم وأنواعه، والتدريب والتلمذة الحرفية، وتشجع التعليم المختلط، وتدعو للعمل على إزالة المفاهيم النمطية لدور المرأة والرجل في الأسرة، وتساوي الفرص في مجال المشاركات الرياضية، وإدخال معلومات تنظيم الأسرة في المناهج الدراسية، كما تنادي بحق المرأة في اختيار المهنة التي تمتهنها، وضمان الحقوق المتساوية مع الرجل في فرص العمل والأجر والضمان الاجتماعي والوقاية الصحية، وتدعو إلى حظر فصل المرأة عن العمل بسبب الحمل أو إجازة الأمومة، وتحث على تشجيع إنشاء مرافق رعاية الأطفال وتنميتها، وتدعو إلى اتخاذ التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان الرعاية الصحية، والمجالات الاقتصادية (الحصول على القروض والرهون وغيره من أشكال الائتمان المالي والاجتماعي)، والاشتراك في الأنشطة الترويحية والألعاب الرياضية وجميع جوانب الحياة الثقافية،كما أوْلَت اهتماماً بالمرأة الريفية، وناشدت أن تُكفل لها حقوق مساوية للرجال في وضع خطط التنمية وتنفيذها، والاستفادة من برامج الضمان الاجتماعي، والتدريب، وإنشاء التعاونيات، والمشاركة في جميع الأنشطة المجتمعية، وتوفير خدمات الإسكان والكهرباء والماء والنقل، وتوفير الخدمات والمعلومات في مجال تنظيم الأسرة.
 

الفرع الرابع : الجزء الرابع : حق الأهلية القانونية
 
يشتمل هذا الجزء على مادتين، تركزان على منح المرأة أهلية قانونية مماثلة لأهلية الرجل في جميع مراحل الإجراءات القضائية، وتنادي بإبطال كافة الصكوك التي تحد من أهلية المرأة القانونية، وتنادي بمساواتها بالرجل في قوانين السفر واختيار محل السكن، كما تؤكد هذه المساواة في حق اختيار الزوج، وحق فسخ الزواج وحق الولاية والقوامة والوصاية على الأولاد، وحق اختيار اسم الأسرة والمهنة وحيازة الممتلكات والتصرف فيها، والحق في تحديد النسل وتحديد سن أدنى للزواج.

الفرع الخامس : الجزء الخامس: الهيكل الإداري
 
ويشتمل على ست مواد، تفصل في طريقة تكوين اللجنة الخاصة بمراقبة تنفيذ الاتفاقية، وتدعو الدول الأعضاء للتعهد برفع تقرير للأمين العام للأمم المتحدة عما تم اتخاذه من تدابير تشريعية وقضائية وإدارية وغيرها؛ من أجل إنفاذ أحكام هذه الاتفاقية في غضون سنة واحدة من التوقيع عليها، وتقرير آخر كل 4 سنوات يحوي وصفاً مفصلاً لهيكل البلد القانوني والسياسي ووضع المرأة في الدولة والمنظمات الطوعية، وما اتخذ من إجراءات لتطبيق كل مادة على حدة.كما توضح بعض اللوائح الداخلية لتنظيم أعمال اللجنة (CEDAW) واجتماعاتها، وكيفية رفعها لتقريرها السنوي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بواسطة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وجواز أن تدعو اللجنة وكالات الأمم المتحدة المتخصصة للمشاركة في الاجتماعات في ما يقع في نطاق أنشطتها، كما لها أن تطلب تقديم تقرير عن تنفيذ الاتفاقية في هذه المجالات.

الفرع السادس : الجزء السادس: النفاذ والتوقيع والتحفظ
 
يشتمل هذا الجزء على تقرير أن أحكام هذه الاتفاقية لا تمس أي أحكام تكون أكثر تيسيراً لتحقيق المساواة بين الجنسين وردت في تشريعات الدول الأطراف، أو في أحكام اتفاقية دولية نافذة، كما تلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة ـ على الصعيد الوطني ـ التي تستهدف التطبيق الكامل للحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية، بينما تُبقي باب التوقيع على الاتفاقية مفتوحاً لجميع الدول، وكذلك باب طلب إعادة النظر في الاتفاقية عن طريق إشعار كتابي للأمين العام للأمم المتحدة. كما تقرر عدم جواز إبداء أي تحفظ يكون منافياً لموضوع الاتفاقية، وجواز سحب التحفظات في أي وقت بتوجيه إشعار للأمين العام للأمم المتحدة.
أما في شأن آلية حل النزاع بين دولتين موقعتين ـ حول تفسير الاتفاقية أو تطبيقها ـ فتقرر التفاوض أولاً، ثم التحكيم الدولي عند طلب أحد الدولتين ثانياً، ثم المحكمة العدلية الدولية ثالثاً. واختتمت الاتفاقية بالنص على حجية نصوصها باللغات الست المعتمدة للأمم المتحدة.


المبحث الثاني : ملاءمة التشريع الوطني مع اتفاقية سيداو
 
شكل موضوع ملاءمة الترسانة القانونية المغربية مع المواثيق الدولية محط نقاش واسع، وهو نقاش عرفته العديد من المجتمعات، خاصة مع ظهور متغيرات عصرية وعالمية جديدة، تأثرت بتداعيات العولمة والكونية الداعية إلى إلغاء كل الفوارق الاجتماعية والثقافية والحضارية بين الشعوب، وقد أفرز هذا النقاش موقفان متباينان بشأن التعامل مع التحفظات الموجودة على الاتفاقيات الدولية، يرتكز الأول على أولوية المرجعية الكونية والاتفاقيات الدولية، ويرتكز الموقف الثاني على سمو القوانين الوطنية على كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ويستند أصحاب هذا الاتجاه في مجموعة من الدول الإسلامية على دساتير هذه الدول التي نصت على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة، وعلى معطى ثقافي يقوم على أساس أن هذه المجتمعات هي مجتمعات مسلمة ولا يمكن فرض أي قانون لا يحترم خصوصياتها الدينية.[14]

المطلب الأول : سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني
 
يعد موضوع العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي أو الوطني من الموضوعات التي شهدت نقاشات واسعة على الصعيد الفقهي ، ويرجع ذلك إلى بدايات ظهور القانون الدولي وظهور بوادر العلاقة بينه وبين قانون آخر أقدم منه من حيث الوجود وهو القانون الداخلي للدول . ويكمن واقع العلاقة التي ظهرت بين القانونيين في وجود قانون ينظم العلاقات في الدولة سواء العلاقات القائمة بين الأفراد أو تلك القائمة بين الأفراد والدولة ، أي انه قانون يحكم سلوك الأفراد والدولة والى جانب هذا القانون ظهر قانون جديد يقوم أيضا على أساس حكم سلوك الدولة، ألا وهو القانون الدولي، أي أن الدولة باتت خاضعة لقانونين بحكم سلوكها، قانونها الوطني والقانون الجديد (الدولي) وتخضع الدولة للقانونين وفقاً لآلية القانون المعروفة ألا وهي منح الحقوق وفرض الالتزامات، وإذا كان الاشتراك بين القانونين ملفتاً للنظر والاهتمام بما يتعلق بإخضاع الدولة لأحكامها، فان الأمر قد يكون أكثر إثارة للاهتمام فيما يتعلق بكون أن الاشتراك بين القانونين بات، وبتطور القانون الدولي، لا يقتصر على مخاطبة الدول بل انه اخذ يشترك مع القانون الداخلي في مخاطبة الأفراد من رعايا الدول ووفقاً لذات الآلية سابقة الذكر .

الفرع الأول : بالنسبة للدستور
 
تثير مسألة مركز الاتفاقيات الدولية في الأنظمة القانونية الوطنية جدلا فقهيا واسعا، خاصة عند غياب النصوص الدستورية المحددة لمركزها القانوني. وهذا الإشكال هو، في حقيقة الأمر، جزء من المشكل العام المتمثل في طبيعة العلاقة بين القانون الدولي والقانوني الوطني.
فبالرجوع إلى أحكام الدساتير السابقة، نستخلص أن المشرع المغربي قد تجنب التنصيص على أي مقتضى صريح، يمكن أن يكرس سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية، وهو ما جعل الدساتير المغربية السابقة تصنف ضمن الدساتير الصامتة أو المبهمة بخصوص العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والتشريع الداخلي. وفي هذا السابق، اكتفت كل الدساتير بتحديد السلطة التي لها حق التوقيع والمصادقة على الاتفاقيات، وقيد هذه المصادقة بموافقة السلطة التشريعية في حالة ما إذا كانت هذه الاتفاقيات ترتب تكاليف تلزم مالية الدولة. وتقرر تعديل الدستور من خلال إعمال مسطرة مراجعته في حالة تعارض مقتضياته مع أحكام اتفاقية معينة.
وبخلاف هذا النوع من الدساتير، هناك دساتير واضحة في هذا الاتجاه تقول بعلو القانون الدولي على الدستور الوطني.
ونجد هذا الاتجاه أكثر وضوحا في النظام القانوني الهولندي، وكل من لكسمبورغ وبلجيكا والدنمارك، وكذا الدستور الفرنسي.
وبالمقارنة مع هذه الدساتير التي كانت واضحة بخصوص العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والقانون الوطني، ظلت الدساتير المغربية الممتدة منذ دستور 1972 إلى دستور 1996 كلها دساتير التزمت السكوت حيال العلاقة بين الاتفاقية الدولية والقانون الوطني. إلى حدود سنة 2011 حيث تم تعديل الدستور.
تعود أول إشارة تؤكد انخراط المغرب في حسم السجال العمومي، الذي دام أكثر من 20 سنة حول العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والقانون الداخلي، إلى الخطاب الملكي السامي ل17 يونيو 2011 الذي جاء فيه: "وفي هذا الصدد، تمت دسترة سمو المواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، على التشريعات الوطنية".
جاء الدستور المغربي لسنة 2011 معبرا بوضوح عن مسألة إعطاء الاتفاقيات الدولية مكانة تسمو على التشريعات الوطنية، إذ نص في ديباجته على ما يلي: جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب وفي نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة».
يبدو أن المشرع المغربي قد حسم في إشكالية العلاقة بين الاتفاقيات الدولية والقانون المغربي عندما نص صراحة على مبدأ سمو الاتفاقية الدولية، إلا أنه ربط هذا السمو بمسألة نشر الاتفاقية والملاحظ أن المشرع المغربي قد نحا في هذا الاتجاه منحى المشرع الفرنسي.


الفرع الثاني : بالنسبة للتشريع الوطني
 
واكب تصديق الدول العربية على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة المؤتمرات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاصة إضافة إلى إعلان الألفية، مما أدى إلى مأسست العمل على تحقيق المساواة وتعزيز العمل على الالتزام بتحقيق تكافؤ الفرص بين الجنسين، ومن هذه المؤتمرات على سبيل المثال لا الحصر :
  • مؤتمر القاهرة للتنمية والسكان سنة 1995.
  • المؤتمر الدولي الرابع للمرأة بيجين سنة 1994.
  • إعلان الألفية 2000.
وتكمن أهمية هذه المؤتمرات في التزام الدول بتحقيق الأهداف الواردة في كل منها،والتزام الدول بتقديم التقارير حول التقدم المحرز في إنجاز تلك الأهداف، عن طريق تطوير وتبني السياسات المناسبة وتنفيذ البرامج المحققة للأهداف المنشودة.
ففي هذا المجال اتخذت الدول إجراءات تهدف إلى :

  1. إنشاء آليات وطنية معنية بقضايا المرأة، والتي -وإن اتخذت هياكل مؤسسية تختلف من دولة إلى أخرى- أسهمت في مأسست العمل على تحقيق تكافؤ الفرص وتحقيق المساواة على مستوى صنع السياسات وتنفيذ البرامج.
  2. مراجعة التشريعات الوطنية المميزة ضد المرأة وتعديلها بما يتوافق مع المواثيق الدولية، إضافة إلى تقديم مقترحات لقوانين من شأنها تحقيق تكافؤ الفرص ومراعية للنوع الاجتماعي، وفي هذا المجال تم تعديل قوانين العمل في معظم الدول العربية، وقوانين العقوبات والانتخاب والأحوال الشخصية مثل رفع سن الزواج وقوانين جوازات السفر والجنسية في بعض الدول، وتم تبني قوانين جديدة مثل مكافحة الاتجار بالبشر ومناهضة العنف الأسري وقانون تسليف النفقة، ولا تزال الآليات الوطنية المعنية بقضايا المرأة في الدول العربية تبذل الجهود الرامية إلى تحقيق المزيد من الإنجازات في هذا المجال.
  3. توفير المساعدة المجانية القانونية والتأهيل النفسي وتوفير المأوى للنساء ضحايا العنف.
  4. زيادة الاهتمام بتوفير الإحصاءات المصنفة على أساس الجنس، وهذا أدى إلى بناء قدرات الآليات المؤسسية المعنية بالإحصاءات الرسمية.
  5. الالتزام بإعداد التقارير الوطنية الدولية المتعلقة بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدول.
  6. رفع التحفظات عن بعض الفقرات التي تم التحفظ عليها عن طريق التصديق على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة مثل حق الترشيح والانتخاب،ومنح المرأة الجنسية لزوجها وأطفالها، التنقل.
  7. تخصيص الموازنات لتنفيذ البرامج الرامية إلى تحقيق تكافؤ الفرص والمساواة.
  8. أخذ التدابير الخاصة مثل الكوتا من أجل تعزيز مشاركة المرأة السياسية، إضافة إلى زيادة نسبة تعيين النساء في مواقع صنع القرار.[15]
 
 
وبالنسبة للمغرب شأنه شأن باقي الدول العربية التي سايرت هذا التقدم، فقد قام بخطوات جريئة في إطار ملاءمة الترسانة القانونية مع اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد النساء بحيث نجد أنه قام بمجموعة من الإصلاحات المؤسساتية والالتزامات السياسية في السنوات الأخيرة بما في ذلك :

  1. إعادة هيكلة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان انسجامعا مع معاهدة باريس المتعلقة بالمؤسسات الوطنية.
  2. عمل هيئة الإنصاف والمعالجة وإدماج مقاربة النوع.
  3. الالتزام بتحقيق الأهداف الألفية للتنمية.
  4. الالتزام بمتابعة رفع التحفظات والانخراط في البروتوكولات الاختيارية للاتفاقيات (العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل، اتفاقية السيداو...).
  5. إعطاء الانطلاقة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس وذلك منذ 18 ماي 2005، هذه المبادرة التي تهدف إلى وضع حد للتفاوتات الجهوية والتباينات بين الجنسين في مجال الحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعتمد على المقاربة التشاركية والتعبئة الاجتماعية على المستوى المحلي.
  6. التأكيد الصريح للإرادة السياسية وذلك من خلال تعيين عدد لا بأس به من النساء في القطاعات الوزارية والمناصب العليا.
  7. التأكيد من خلال التصريحات الحكومية على التزام المغرب بوضع خطة متعددة المستويات (بين القطاعات) ومندمجة من أجل إدماج مقاربة النوع.
  8. التزام الحكومة بمحاربة جميع أشكال التمييز والعنف ضد النساء وتحسين تمثيلية النساء في الهيئات المنتخبة باتجاه المناصفة.
 

  • المطلب الثاني : التدابير القانونية لملائمة التشريع الوطني مع مقتضيات اتفاقية سيداو
 
تتخذ الدول الأطراف في جميع الميادين، ولاسيما الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كل التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين، وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل.


الفرع الأول : مسار إعمال اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء
 
 
في إطار إعمال مقتضيات اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء قمت الحكومة بمعالجة التحفظات المرتبطة بهذه الاتفاقية وكذا الإصلاحات التشريعية والسياسية بما فيها الإصلاحات التشريعية والمشاركة في الحياة السياسية والعامة ومحاربة الأفكار والسلوكات النمطية، ومأسسة مقاربة النوع، بالإضافة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة العنف المبني على النوع، هذا ما سنحاول معالجته من خلال هذه النقط التالية :

 

أولا : معالجة التحفظات
 
سنحاول في هذه الفقرة سرد التحفظات والتصريحات أثناء مصادقة المغرب على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء سنة 1993 وذلك من خلال الجداول التالية :
 
 
 
 
 
المواد التي شكلت موضع رفع التحفظات أو استبدال التحفظ بتصريح تفسيري
[16]
 
 
المادة
 
 
الموقف سنة 1993
 
الموقف سنة 2008
المادة : 2 تصريح 1- الإبقاء على الجزء الأول من التصريح.
2- مراجعة الجزء الثاني من التصريح.
المادة : 15، الفقرة : 4 تصريح سحب التصريح
المادة : 9، الفقرة : 2 تحفظ رفع التحفظ
المادة : 16 تحفظ شامل حول المادة مراجعة التحفظ الشامل حول موضوع المادة
    الفقرة 1 : استبدال التحفظ بتصريح تفسيري
المقاطع (أ) و(ب)
المقاطع (ج) و(د) و(و)
المقاطع (ز) و(ح)
   
 
السطر (ه) رفع التحفظ
   
 
الفقرة : 2 رفع التحفظ
 
 
 
 
 
 
 
 
 
المواد التي شكلت موضع رفع التحفظات أو استبدال التحفظ بتصريح
[17]
 
 
رفع التحفظ
 
 
التصريحات
 
المادة : 15         الفقرة : 4   المادة : 2
  1. الاحتفاظ بالجزء الأول من الاتفاقية
  2. مراجعة الجزاء الثاني من التصريح
المادة : 9           الفقرة : 2    
 
المادة : 16       
   الفقرة : 1      المقطع (ه) 
 
 
 
المادة : 16           الفقرة : 2  
 
المادة : 16                     الفقرة : 1
استبدال التحفظ بتصريح توضيحي :
المقطاع (أ) و(ب)
المقاطع (ج) و(د) و (و)
المقاطع (ز) و(ح)
 
 
  • ثانيا : الإصلاحات التشريعية والسياسية
لاشك أن الدستور الجديد شكل بارقة أمل للمرأة المغربية التي ناضلت طويلا قبل أن تنتزع مكتسبات هامة على مستوى التشريعات والقوانين، وهذا ما نلمسه من خلال الإصلاحات التشريعية والسياسية التي قامت به المؤسسات المسؤولة في إطار  ملاءمة التشريع الوطني مع اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء، ففي هذا المجال يمكن الإشارة إلى مجموعة من الإجراءات والإصلاحات الهامة التي يمكن اعتبارها ثورة حقيقية هادئة لفائدة النساء والأطفال وكذا المساواة بين الجنسين، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
  •  إصدار مدونة جديدة للأسرة تقوم على مبدأ المساواة والمسؤولية المشتركة بين الزوجين، وكذا إلغاء إلزامية الولاية، والمساواة في السن ا لأدنى للزواج المحدد في 18 سنة بالنسبة للفتى والفتاة، كما تم جعل الطلاق بيد القضاء وتحت مراقبته، هذا وإن هذه المدونة قد أعطت حق النساء في اللجوء المباشر وعند الضرورة للتطليق بسبب الشقاق.
هذا وقد وصفت الاتفاقية الأممية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) أ،التجربة المغربية في مجال النهوض بحقوق المرأة، ب" التجربة الناجحة والمبتكرة "واعتبرت الاتفاقية، التي أشادت بالتقدم الذي حققته المملكة في هذا المجال أن "اعتماد مدونة الأسرة الجديدة يشكل جزءا من ترسانة إصلاحات قانونية تتوخى الملاءمة مع التزامات (سيداو)".
فالملاحظ أن مدونة الأسرة الجديدة تكتسي أهمية كبرى لأنها تؤكد التزام المغرب باحترام حقوق الإنسان، خاصة حقوق النساء، كما أنها تحترم مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة اللذان أصبحا يتقاسمان مع المسؤولية داخل الأسرة، إضافة إلى إقرار المساواة بين الجنسية ورفع عدد من التحفظات التمييزية ضد المرأة خاصة في مجال الزواج والطلاق وحقوق الأطفال، فضلا عن إحداث تغييرات هامة جدا في جميع مجالات الحياة.

  • إصلاح قانون الجنسية سنة 2007 بحيث أصبح يمكن للنساء الحق أن يمنحن جنسيتهن الأصلية لأطفالهن من أب أجنبي.
فإن هذا القانون أصبح يشكل لبنة جديدة في بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي المتشبث بأصالة هويته، بحيث سيمكن الأم من مزاولة حق أساسي في مجال الجنسية على قدم المساواة مع الأب، وجاء ليلبي مطالب عديدة عبرت عنها القوى الوطنية من أحزاب سياسية ومركزيات نقابية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.
وإن هذا الإصلاح الجديد يكرس المساواة بين الأم المغربية والأب المغربي، كما ينص على ذلك الفصل الخامس من الدستور الذي يعتبر جميع المغاربة سواسية أمام القانون، ويعزز الخطوات الرائدة التي تحققت بفضل مدونة الأسرة التي فتحت عهدا جديدا يتجاوب مع التطلعات إلى التغيير النابعة من عمق المجتمع.
كما أن هذا الإصلاح يتوخى كذلك تحقيق أفضل ملاءمة بين قانون الجنسية وقوانين أخرى متعلقة بالأسرة والحالة المدنية والتنظيم القضائي، ويتطابق مع اتفاقيات دولية، في مقدمتها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، والاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل وبالتالي الاعتراف بالمواطنة الكاملة للطفل وتوفير حماية أفضل لحقوقه. فأن هذا الإصلاح جاء ليحل مشكلات عديدة تتخبط فيها أسر كثيرة تعيش في المغرب والخارج، خصوصا منها المتعلقة بالتمدرس والحصول على الوثائق الإدارية.
ويذكر أن جنسية الأم المغربية أصبحت تنقل لأطفالها بصفة تلقائية، وبالتالي يعتبر طفلها مغربيا منذ مولده، سواء في المغرب أو خارجه. وتنص المادة السادسة الجديدة من المدونة على أنه “يعتبر مغربيا الطفل المولود من أب مغربي أو أم مغربية”. وللطفل المولود في إطار الزواج المختلط ويعتبر مغربيا بحكم ولادته من أم مغربية أن يختار لدى بلوغه ما بين 18 و20 سنة الاحتفاظ بجنسية أحد الأبوين فقط، إذا اقتضت ذلك مصلحته الفضلى. وإذا تصرفت الأم في هذا الحق الاختياري قبل بلوغ الطفل سن الرشد، فإنه يجوز له عند بلوغ سن الرشد وقبل سن 21 سنة، أن يطلب استرجاع جنسيته المغربية.
وتسري أحكام قانون الجنسية على المغاربة ذوي الديانة اليهودية، طبقا لمدونة الأسرة. وفي مجال إثبات النسب أو البنوة، تظل أحكام القانون العبري تسري عليهم، وفق ما تنص عليه مدونة الأسرة. وتتميز الصياغة الجديدة لأحكام قانون الجنسية باستبعادها لكل العبارات المهينة للكرامة أو غير الملائمة الواردة في الصيغة الأصلية للنص، من قبيل “اللقيط” التي كانت تطلق على الطفل المولود من أبوين مجهولين.
ويكتسي الإصلاح الجديد لقانون الجنسية بعدا سياسيا واسعا، حيث يشمل مفهوم الحقوق والحريات والواجبات المرتبطة بالمواطنة، وكما هو الشأن بالنسبة لإصلاح مدونة الأسرة، فقد أنجز القانون الجديد في سياق التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع المغربي.
ج- إلى جانب الإصلاحات التي طالت كل من مدونة الأسرة وقانون الجنسية فقد تم تعديل القانون الجنائي بحيث تم إلغاء بعد التدابير التمييزية ضد النساء، أما بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية، فد تم اتخاذ تدابير أفضل لحماية الحقوق النسائية، أما بالنسبة لمدونة الشغل، فقد تم اعتماد مبدأ المساواة بين النساء والرجال في مجال ولوج الشغل وتجريم التحرش الجنسي.
 
 
 

ثالثا : مأسسة مقاربة النوع
 
عرف السياق الدولي حملة واسعة للنهوض بوضعية المرأة، وشجعت الإرادة الملكية والسياسات الحكومية على نهج إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية  تخول المرأة  المغربية ولوج ميادين متنوعة كانت إلى حـين حكرا على الرجل.
ويسعى المغرب إلى إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في مخططات السياسات العمومية، ضمانا للمساواة بين الجنسين، وتكريسا لمأسسة هذه المقاربة وجعلها رافدا في إقرار وضعية عادلة ومنصفة، وضمانا لتمثيلية شاملة للمواطنين لتحقيق مغرب متطور وعصري، مغرب التلاحم الاجتماعي وتكافؤ الفرص.
[18]
ففي إطار مأسسة مقاربة النوع في السياسات العمومية فقد تم إدماج مقاربة النوع في الميزانية وكذا في الإستراتيجية الوطنية من أجل المساواة والإنصاف.
فبالنسبة لإدماج مقاربة النوع في الميزانية فقد تم إدماج مقاربة على مستوى صيرورة التخطيط والبرمجة والميزانية من منذ سنة 2002، بحيث تم تحسين تدبير الاعتمادات وتعميم المقاربة الجديدة المتمركزة على النتائج، كما تمت صياغة وتنفيذ وتقييم السياسيات العمومية لتأخذ بعين الاعتبار المصالح والحاجيات الخاصة للنساء والرجال والأولاد والبنات، هذا بالإضافة إلى إعداد دليل حول مشروع الميزانية لفائدة البرلمانيين والبرلمانيات من طرف وزارة المالية وبتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للمرأة.
[19]
أما بالنسبة للإستراتيجية الوطنية من أجل المساواة والأنصاف، فقد تم إعداد إستراتيجية وطنية من أجل الإنصاف والمساواة بين الجنسية بإدماج مقاربة النوع في السياسات وبرامج التنمية بتعاون ومشاركة مختلف القطاعات الوزارية والمنظمات غير الحكومية، والأحزاب السياسية، والبرلمان، والقطاع الخاص.[20]
 
الفرع الثاني : التحديات والآفاق
 
تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة للقضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقاً لذلك، تتعهد بالقيام بما يلي:
  1. تجسيد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال القانون والوسائل المناسبة الأخرى؛
  2. اتخاذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها، بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة؛
  3. إقرار الحماية القانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم الوطنية ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى، من أي عمل تمييزي؛
  4. الامتناع عن الاضطلاع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة ، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام؛
  5. اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة؛
  6. اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريع، لتعديل أو إلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة؛
  7. إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.

خاتمة
 
من الملاحظ أن المغرب يتابع المجهودات لتعزيز الحقوق الإنسانية والمساواة بين الجنسية، وذلك في اتجاه الوفاء بالتزاماته الدولية وأيضا لملائمة التشريع الوطني مع مقتضيات المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان المصادق عليها، وقام بوضع سياسات تستهدف محاربة التمييز ضد النساء، لكننا نستنج وبقوة، أنه رغم المساواة التي تكرسها النصوص القانونية فإن ثقافة التمييز ضد النساء لا زالت مستمرة.
 

الهوامش

[1] - الدكتورة جميلة المصلي، الحركة النسائية بالمغرب المعاصر، اتجاهات وقضايا، منشورات المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، الطبعة الأولى 2011، ص 7.
[2] - الدكتورة جميلة المصلي، الحركة النسائية بالمغرب المعاصر، مرجع سابق، ص 181.
[3] - الموقع الإلكتروني http://ar.wikipedia.org
[4] - الموقع الإلكتروني http://ar.wikipedia.org، مرجع سابق
[5] - المرأة في منظومة الأمم المتحدة، رؤية إسلامية،الطبعة الأولى 1426-2006، ص 204.
[6] - نفس المرجع، ص 204.
[7] - د. نهى القاطرجي، المرأة في منظومة الأمم المتحدة، مرجع سابق، ص 205، 206.
[8] - المملكة المغربية المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ص 167، 168.
[9] - الدكتورة جميلة المصلي، الحركة النسائية بالمغرب المعاصر، مرجع سابق، ص 181، 182، 183.
[10] - الرسالة الملكية الموجهة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان يوم 10 دجنبر 2008م بمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
[11] -المملكة المغربية، المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ص 167، 168.
[12] - سكان العالم 2001م، تذيير الاتفاقيات العالمية المتعلقة بحقوق الإنسان، صندوق الأمم المتحدة للسكان، بدون رقم الطبعة والبلد. "منقول عن كاتب المرأة في منظومة الأمم المتحدة، مرجع سابق ص 206، 207.
[13] - سيداو في المزيان، لنزار محمد عثمان


[14] - مقال للسيدة جميلة المصلي حول ملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية والحق في التحفظ- نشر بجريدة التجديد يوم 30 مارس 2011.
[15] - عايدة أبوراس، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا-الإسكوا، 19-20 نونبر 2012 – الدوحة، ص 16-17.
[16] - إعمال اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء، التقريرين المرحليين الثالث والرابع، عرض للسيدة نزهة الصقلي، 24 يناير 2008، ص 14.
[17] - إعمال اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء، مرجع سابق، ص 15.
[18] - جميعا من أجل مأسسة المساواة بين الجنسية في الوظيفة العمومية، لجنة دعم الإنصاف والمساواة بوزارة تحديث القطاعات العامة.
[19] - التقريرين المرحليين الثالث والرابع لوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، مرجع سابق، ص 30.
[20] - نفس المرجع، ص 31.

 عن موقع marocdroit

اساليب الوقاية من جرائم الاحداث في الفقه الاسلامي


ذ محمد عرفاوي

طالب باحث بماستر العدالة الجنائية للاحداث 

بجامعة سيدي محمد بن عبد الله - فاس



اساليب الوقاية من جرائم الاحداث في الفقه الاسلامي

مقدمــــــة :

           تسعى البشرية في عصور التاريخ المتعاقبة الى حياة أفضل تتيح للإنسان استثمار مواهبه وتوظيف طاقاته في جو نفسي نقي ومناخ اجتماعي سوي، حتى يستمتع بالطيبات ويسهم في بناء الحضارة الانسانية الفاضلة ،فيعم الرخاء ويتحقق الأمن والاستقرار. وتبدأ صياغة هذا الانسان في مراحل نموه الاولى مند ان يكون جنينا في بطن امه فرضيعا ثم فطيما ثم طفلا ثم مراهقا ثم شابا يافعا ثم رجلا تكتمل فيه خصائص الرجولة .وإذا كانت البداية، يكمن فيها ما ينبئ عن النهاية ،فان العناية بالمراحل الاولى رعاية وحفظا وصيانة، تكون اهم من المراحل الاخيرة .
 الاساليب في اللغة جمع اسلوب وهو الطريق والفن، يقال هو على أسلوب من أساليب القوم اي على طريقة من طرقهم .وأساليب هي الطريقة الرفيعة الراقية فعلا وقولا التي يباشر بها الداعي في تبليغ الدعوة مع ازالة ما يعيق قبولها
[1] .
الوقاية فيقصد بها منع قيام الشخصية المنحرفة، أو الحيلولة دون نموها ،وذلك عن طريق احباط العوامل التي تساهم في خلقها
[2]
الجريمة هي عمل او امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه.[3]
الاحداث في اللغة هم حديثو السن ورجل حدث –بفتحتين-اي شاب فان ذكرت السن قلت حديث السن، وغلمان حدثان اي أحداث .وحداثة السن كناية عن الشباب وأول العمر فيقال شاب حدث فتي السن ورجال أحداث السن وحدثانها وحدثاؤها ويقال هؤلاء قوم حدثان جمع حدث وهو فتي السن وكل فتى من الناس والدواب  والإبل حدث والأنثى حدثة[4].
    الفقه في لسان العرب لابن منظور هو العلم بالشيء والفهم له ,وغلب على علم الدين لشرفه وقال غيره الفقه في الاصل الفهم يقال : أوتي فلان فقه في الدين أي فهم فيه قال تعالى ""ليتفقهو في الدين""
[5] أي ليكونوا علماء به ودعى النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس فقال: اللهم علمه الدين وفقهه في التأويل اي فهمه تأويله ومعناه فاستجاب الله دعائه وكان من اعلم الناس في زمانه بكتاب الله [6].
وفي حاشية الرحوي على شرح المنار لابن مالك أن الفقه في اللغة الفهم وفي الاصطلاح العلم بالأحكام الشرعية الاستدلالية بالتفصيل .والأحكام الفقهية وان كانت كغيرها من سائر الاحكام الشرعية تأخذ من الوحي كتابا أو السنة ،إلا ان الفقه اذا لم تسعفه النصوص الموحى بها لجأ الى استلهام روح الشريعة ومقاصدها وفي هذا أكبر مجال للاجتهاد
[7]
الاسلام هو الدين الذي جاء به محمد ابن عبد الله النبي العربي المولود بمكة سنة 571 م المتوفى 632م وهو بالمعنى الشرعي التوحيد وإخلاص الضمير لله لأن القرآن يقرر ان الدين واحد على لسان جميع الأنبياء وهو الايمان بما يجب الايمان به وإنما تختلف الشرائع أي الاحكام العملية وأن الدين هو عرف القران هو الايمان بالأصول الدينية التي هي حقائق خالدة لا يدخلها النسخ ولا يختلف فيها الانبياء وأن الاسلام هو هذا الدين اذ لا دين غيره عند الله [8]
ولقد أصدرت هيئة الامم المتحدة في 20 نونبر 1959 اعلان حقوق الطفل والذي اعتمدت عليه مجموعة من الدول عند سنها للقوانين المتعلقة بشريحة الاطفال .وجاء هذا الاعلان مشتملا على عشرة مبادئ تقرر للطفل حقوق في أن يكون له اسم وجنسية وان يتمتع الاطفال بتكافؤ الفرص والمساواة وعدم التمييز وأن يكون له الحق في التعليم وأن يكون الزاميا على الاقل في المراحل الاولى وكذلك حقه في الحماية الخاصة والمناسبة والحماية من جميع صور الاهمال والقسوة والاستغلال وحظر فصله عن والدته وكذلك صور من الرعاية الواجبة المثمتلة في الغذاء والمأوى والعلاج.
لكننا وجدنا الشريعة الاسلامية سبقت ذلك كله ، منذ أربعة عشر قرنا وجاءت بأفضل منه وأكمل فهي تعد الطفل من زينة الحياة الدنيا قال تعالى"" المال والبنون زينة الحياة الدنيا
[9].وتعد الولد نعمة وقرة عين وتدعوا الى طلب النسل، وقد كان من دعاء الانبياء والمرسلين ان يهبهم ربهم الذرية الطيبة والولد الصالح.قال تعالى""هنالك دعى زكرياء ربه قال ربي هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء [10].وقال كذلك  "والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما"[11].وقال عز من قائل "ربي هب لي من الصالحين[12]"
وانطلاقا مما ذكر فان أهمية هذا الموضوع تتجلى على مستويين :
المستوى الاول :الأهمية النظرية وتتجلى في الاهتمام الكبير الذي أولاه الفقه الاسلامي لشريحة الاحداث من خلال كتاباته الغزيرة وعلى الأخص في الجانب الوقائي.
المستوى الثاني: الاهمية العملية تبرز في مدى تأثر الاسر بهذه الاساليب، و تفعيلها لوقاية الاحداث من الجنوح .
وتتمحور اشكالية هذا الموضوع حول أبرز اساليب الوقاية الناجعة ، التي اعتمدها الفقهاء قديما وحديثا.

هذا ما سنحاول مقاربته في ثنايا هذا العرض من خلال مبحثين كالتالي:

المبحث الاول :أساليب الوقاية غير المباشرة من جرائم الاحداث
المبحث الثاني: أساليب الوقاية المباشرة للحدث من الجنوح
 
 
 
المبحث الأول: أساليب الوقاية غير المباشرة من جرائم الاحداث

     بلغ من عناية الشرع بالوقاية من جرائم الأحداث أن بدأ بهذه الوقاية قبل أن يولد الحدث ، فنص على العديد من الأساليب ، بدءا  باخيار الازواج بعضهم لبعض لكي يكونوا قدوة حسنة للأحداث(المطلب الاول ) لتهذيب أخلاقهم واستقامة سلوكهم وإبعادهم عن طرق الفساد ،الذي لا يتحقق الا بالتفريق في المضاجع و ملاحظة  سلوكهم ( المطلب الثاني ).

 المطلب الأول: الإختيار في الزواج و القدوة الحسنة

     امتاز الشرع الإسلامي في  معالجته لمشكلة جرائم الأحداث عن سائـــر الأنظمة والقوانين، فشرع ما يكفل استقامة الأحداث وسلامة سلوكهم من الفساد الانحراف .من خلال والحرص على اختيار الزوج والزوجة (الفقرة الاولى)، كمراة للأطفال في المستقبل (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى:الاختيار في الزواج

       دعا الشرع الاسلامي كلا من الزوج والزوجة إلى الاختيار في الزواج ,فلا ينكح  الرجل إلا من عرفت بدينها وخلقها,ولا تنكح المرأة  إلا من كان مشتهرا بالدين والصلاح.

  1. :اختيار الزوجة
    نبه الشارع على صفات تستحب في المرأة قبل نكاحها,حتى يحصل المقصود منه بالمودة والسكن وإنجاب الولد الصالح.وأول هذه الصفات التي نبه إليها,وأولاها بالاهتمام :
  • الدين والصلاح  فدعا إلى أن تختار المرأة على أساس دينها وصلاحها لأنه الأصل ,و به ينبغي أن يقع الاعتناء,لأنها سوف تصبح بالنكاح أما ,فلا بد من أن تكون مؤهلة لتربية أولادها تربية تشريعية قويمة, تزرع في نفوسهم أركان الإسلام ومبادئه وتحبب فيهم أوامره وتبغضهم نواهيه, وتعودهم محاسن الأخلاق وتجنبهم سيئها.[13]:
قال النووي في منهاجه,ويستحب في النكاح دينة.
واستدل الفقهاء على استحباب الدين والصلاح بالمرأة المطلوبة للنكاح بالآتي:
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "" تنكح المرأة لأربع:لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها,فاظفر بذات الدين تربت يداك "".
[14]
  • الخلق الحسن لأن من مقاصد النكاح السكن إلى الزوجة,والاطمئنان بها والإعتماد عليها في حضانة الولد وتربيته ونشأته , ولا ريب في أن سيئة الخلق سيكون ضررها أكثر من نفعها,ولن يحصل المقصود من نكاحها, فرغب الشرع في ذات الخلق الحسن وأكد عليه.
ولا بأس بأن يضاف إلى الدين والخلق في المرأة ما تميل إليه النفوس من المعاني والصفات الحسنة. [15]
  1. اختيار الزوج
وكما دعا الشرع الرجل إلى اختيار المرأة,فإنه دعا المرأة إلى اختيار الرجل,وأن يكون هذا الإختيار قائما على ما رغب فيها من دين وصلاح وخلق,لأن من أسباب تفاوت الناس في طبائعهم وأخلاقهم إختلاف ما تتكون منه النطفة التي يكون منها الولد, فإن لهذه النطفة تأثيرا بحسب طيب ما تكون منه أو فساده,ولذا رغب الشرع في الدين والصلاح والخلق.
واستدل الفقهاء على استحباب الدين والخلق في الرجل بقوله عليه الصلاة والسلام: ""إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه,إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد "".
[16]
حيث بدا ظاهر اهتمام الإسلام بالأسرة وبنائها بناء متماسكا من خلال دعوته كلا من الزوجين إلى حسن اختيار الآخر,ولا يخفى ما لهذا الإختيار من بالغ الآثر في الوقاية من الإنحراف والجريمة في جنب الأحداث لأن الأسرة التي يكون قوامها زوجين صالحين,لابد أنها ستكون منبتا حسنا,ينشأ فيه الطفل بعيدا عن رياح الفساد والإنحراف,فقد نما بين أبوين مستقيمين يمتثلان أوامر الشرع ويقفان عند حدوده,فتطبع بسلوكمها وأخلاقهما,وتحصن بما تلقاه منهما من تربية تشريعية من الوقوع في الإنحراف أو سلوك طريق الجريمة والفساد,بخلاف ما لو كان أبواه أو أحدهما غير مستقيم على أحكام الدين أو ملتزم بها فإنه سينقل فساده إلى أولاده ,فيألفون المخالفة ويتوجهون إلى الإنحراف.[17]
وبهذا يكون الإختيار في الزواج من أساليب الوقاية من إنحراف الأحداث في الفقه الإسلامي.

الفقرة الثانية :أسلوب القدوة الحسنة

      القدوة الحسنة من أهم الأساليب في التربية ومن أنجح الوسائل المؤثرة في إعداد الناشئة خلقيا ونفسيا وصحيا وعقليا وعاطفيا, لما لها أهمية كبرى في تربية الفرد وتنشئته على أساس سليم في كافة مراحل نموه، لأن الناس لديهم حاجة نفسية إلى أن يشبهوا الأشخاص الذين يحبونهم ويقدرونهم، وأن هذه الحاجة تنشأ باديء الأمر من خلال الأطفال لوالديهم وتقمصهم لهم ، ولأهمية القدوة في بناء الفرد وإعداده فقد أكدَ القراَن ،أهمية القدوة في تقرير مصير الإنسان تأكيدا قويا وهو يدعو المسلمين إلى أن يدرسوا سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام فيتخذونها قدوة لهم.
   ومن هنا كانت القدوة عاملا كبيرا في صلاح الأجيال أو فسادهم ، فالولد الذي يرى والده يترك الصلاة يصعب عليه اعتيادها، والذي يرى والده يكذب ويصعب عليه تعلم الصدق والذي يرى والده يغش يصعب عليه تعلم الأمانة ،فالأب الذي يصبح كذاباً ويخدع غيره بكذبه وخداعه فإن أبناءه وتلامذته ومعاشريه يقلدونه، ويتعلمون منه الكذب ووسائل الخداع، ويحاكونه في ذالك ويبادلونه كذبا بكذب، وخداعا بخداع ؛أي أن ما يكتسبه الفرد من عادات مرغوب فيها، أو غير مرغوب فيها يتوقف على نوع القدوة التي تعرض له أثناء اندماجه وتفعله مع أسرته و مجتمعه.
والمتأمل في تعاليم الإسلام يجد التوجيهات الحكيمة للآباء و الأمهات حيال استخدام أسلوب القدوة في تربية الأولاد، من هذه التوجيهات على سبيل المثال بدء الولدين في إصلاح أنفسهم أولا ، وأن يطهروا أنفسهم-لأن فاقد الشيء لا يعطيه-وأن يكونوا على درجة جيدة من الاستقامة، لأنه بصلاحهم يصلح الأولاد، قال تعالى:}يا أيها الذين اَمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا
[18]. فصلاح رب الأسرة ينتقل إلى الأولاد عن طريق الاقتداء به، وتقليد معظم أعماله الصالحة من خلال تعايشهم مع والدهم، وبذالك تكون وقاية أنفسهم وأهليهم من النار.[19]

         المطلب الثاني  : التفريق في المضاجع و التربية بالملاحظة.

   لقد حرص الإسلام منذ بزوغ فجره على العناية والرحمة بالإنسان الكبير عامة والصغير على وجه الخصوص،من خلال عدة تدابير تصونه وتحميه كاتفريق في المضاجع ( الفقرة الاولى ) مع ملاحظة سلوكات الحدث اثناء قيامه ببعض الواجبات ( الفقرة الثانية )

          الفقرة الاولى : التفريق في المضاجع .

   حرم الشرع الإسلامي الاختلاط بين الرجل والمرأة لما له من آثار سلبية تعود عليــهــــــــما بالضرر و المفسدة, فقد ذكر ابن القيم أن تمكين النساء من اختلاطهم بالرجال أصل كل بليـة وشر, وهو أعظم أسباب نزول العقوبات العامة, كما أنه أسباب فساد الأمور العامـــــــــــــة والخاصة ,ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكان أشـــــــد شيء منعا لذلك.
[20]
وإذا كان الإختلاط ما تقدم من المفاسد والمساوئ,فإن الأولى بالوقاية منه الأحـــــــــــداث والمراهقين,نظرا لضعف ادراكهم للعواقب,وتفاديا للمخاطر والمساوئ. لهذا امر الــشرع الاولياء بمنع اختلاط الجنسين من الأحداث لغير الضرورة ،كالدراسة مثلا.كما أمرهم بإتخاد كافة التدابير التي من شأنها تجنيب الأحداث الهياج والإثارة,وذلك من خلال ما يغرسونه في  نفوسهم وقلوبهم من مراقبة الله سبحانه وتعالى التي تحملهم على الخير والفضائل وتبعدهم عن المفاسد والمخالفات.
وقال المواق في كتاب "مواهب الجليل":"والتفريق بين الاولاد في المضاجع أن يجعل لكل واحد منهم فراشا على حدته".وقيل "أن يجعل بين الأولاد ثوب حائل, ولو كانوا على فراش واحد" وقيل في الفواكه الدواني : والتفرقة بين اللأولاد في المضاجع تحصل بنوم كل واحد بثوبه,وإن نام الجميع تحت فراش واحد. ويبدوا أن الصواب هو الرأي الأول حيث يجب التفرقة بينهم في الفراش,سواء كانوا ذكورا أم إناثا,أو ذكورا وإناثا,وإستدل الفقهاء على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "مروا أولادكم بالصلاة وهما أبناء سبع واضربوهم...وفرقوا بينهم في المضاجع". فمن الحديث الشريف يتبين ما للتفريق بين الأحداث في المضاجع من حماية لهم وحفظ دينهم وسلامة أخلاقهم من المفاسد والمحرمات
[21].
         وقد اختلف الفقهاء في تحديد السن التي يبدأ فيها التفريق بين الأحداث، فالإمام مالك يرى أن يفرق بينهم إذا بلغوا سبع سنين, وهناك رأي ثاني يفرق بينهم إذا بلغو عشر سنين، وهو رأي إبن رشد حيث يقول"والصواب أن لا يفرق بينهم في المضاجع إلا عند العشر",ويمكن أن نعتبر الرأي الاول هو الاقرب للصواب باعتبار أن الطفل حسب علماء التربية لا يميز قبل بلوغه المسائل الجنسية ولا يدركها,لكن بعد هذه السن يبدأ الشعور الجنسي عنده بالنمو.
          ومما لا شك فيه أن الاسلام من خلال هذا الادب الرفيع ,يهدف إلى إبعاد الاحداث عن مخاطر المراهقة وأطوارها,لأن الحدث في هذه المرحلة يغلب عليه هواه ،وتسيطر عليه الغرائز, وتتحكم فيه الشهوة,مما يؤدي به إلى الوقوع في الزنا وخاصة في غياب التربية ,فيفسد خلقه ويألف الموبيقات ويصبح عرضة للفساد والانحراف.

الفقرة الثانية : أسلوب التربية بالملاحظة

          المقصود بالتربية بالملاحظة هو مراقبة أحوال الناشئين ، وأفعالهم وتصرفاتهم في شتى جوانب حياتهم، وهي من الأساليب الفعالة؛ فعن طريق الملاحظة يستطيع الاباء كتشاف ما يحل بالمتربي مبكرا ، وبالتالي يأتي التوجيه والتربية مبكرين قبل أن ينحرف الناشئ عن مساره الصحيح ، وهذا الأسلوب من الأساليب التي كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يطبقها مع أصحابه ، ومن أمثلة ذلك حديث المسيء صلاته ، الذي أخطأ عدة مرات في الصلاة ، وهو يصلي أمام الرسول ، وبعدها اشتاق إلى التعلم ، فأرشده عليه السلام فاستفاد الصحابي من خطئه.
 والملاحظة المطلوبة من المربين هي الملاحظة الشاملة لكافة جوانب الإصلاح في الفرد، والتربية بالملاحظة لأتعد من باب التسلط والسيطرة على الأولاد إلا إذا حادت عن هدفها التربوي، أو كان استخدامها بشكل متطرف ومبالغ من قبل المربين، ووصلت إلى تقييد حريتهم.
[22]
 
 
 
المبحث الثاني : اساليب الوقاية المباشرة للحدث من الجنوح في الفقه الاسلامي

         ركزت الشريعة الاسلامية على وقاية الحدث من الانحراف و الجنوح بعد الولادة كما حرصت على وقايتهم قبلها، لكن تركيزها كان بعد الولادة اكبر نظرا لعدة اعتبارات منها تسارع نموهم و اقتراب نضجهم  .
      لقد نصت على مجموعة من الاساليب التي تلازم الحدث من وقت انفصاله بالولادة الى حين تكليفه  و يكون لها تأثير كبير في تنشئته نشأة صحيحة قويمة و ابعاده عن الانحراف ومن هذه الاساليب تأذيب الحدث و حمايته من الانحراف (المطلب الاول)  كما لا ننسى الدور المهم الذي كانت تضطلع به  المؤسسات الإسلامية (المطلب الثاني).

المطلب الاول : تأذيب الحدث و حمايته من الانحراف

قد لا تنفع وسائل الوقاية السالفة الذكر في تقويم سلوك الحدث لمنعه من الخروج عن الضوابط الاجتماعية و الشرعية ، لذا لابد من اعتماد اسلوب العنف الغير المؤدي أو ما يسمى بالترهيب والترغيب ( الفقرة الاولى ) . وذلك من اجل حمايته من الانحراف المبكر  ( الفقرة الثانية )

الفقرة الاولى :   توغيب الحدث و ترهيبه 

 
       هذا الأسلوب  يلجأ إليه الاباء في الحلات التي لا تفلح الأساليب السابقة في إصلاح الفرد عن طواعيته. وقد أكد الكثير من علماء التربية أن العقاب ينبغي أن يكون أخر  أسلوب يلجأ إليه الاباء، فقد قال احد المختصين في هذا الجانب: ( يجب  ألا يلجأ المربي أو الأباء إلى العقاب البدني إلا في الحالات التي يتعذر فيها حمل الولد على إتباع الفضيلة، والإقلاع عن الرذيلة بطرق النصح والإرشاد ، والتي يظهر فيها إصرار الولد وعناده)، و لابد أن يبدأ بالنصح والتوجيه والإرشاد الجميل ، فإذا لم ينفع ذالك ، يأتي التهديد والإنذار ، وإذا لم يفيد التهديد والتشنيع أيضا عندئذ ينتقل إلى الضرب.
والعقوبة تنقسم إلي قسمين؛ عقوبة بدنية ن وعقوبة غير بدنية( معنوية)، والعقوبة البدنية ، هي كل عقوبة تحدث آلاما حسية ؛ مثل الضرب، أو عمل شاق، لو الحرمان من الطعام، أو الحبس فترة من الزمن أما العقوبة غير البدنية.( المعنوية)؛ فهي كل ما احدث آلاما نفسية مثل التوبيخ والزجر.
[23]
شروط استخدام الأسلوب
  1. استخدام العقوبة المناسبة عندما يستلزم الأمر إيقاع العقاب
  2. يراعي سن المتربي
  3. ينظر إلى العقوبة شدة أو ليناً في ضوء المخالفة التي ارتكبها الفرد
  4. لا ستخدموا العقوبات القاسية لقصد التشفي
  5. ينبغ للاباء أن لا  يعاقبوا الاطفال على كل صغيرة وكبيرة تبدر منهم
شروط علماء المسلمين في استخدام هذا الأسلوب
قد أحاط العديد من علماء المسلمين مثل القابسي والإمام الغزالي وابن خلدون وابن سينا هذه العقوبة بسياج من الشروط ليكلا تصبح وسيلة تشف وانتقام بدلا من أن تكون وسيلة إصلاح وتعديل سلوك ، ومن بين تلك الشروط؛ أن لا يوقع الضرب ألا على ذنب ، وان يكون ضربا غير مبرح ، ولا يترك عاهة أو يجرح عضواً أو يكسره ، وان لا يكون على الوجه، آو الرأس ، أو آماكن حساسة ، وان تكون آلة الضرب مألوفة؛ أي إن تكون رطبة ،معتدلة الحجم.
[24]
لذا على الآباء آن يتعاملوا مع أبنائهم بكل رحمة ،وألا يعتدوا على أطفالهم بالضرب والقسوة فالأب المعتدي على طفل،اشد جرما من الأجنبي المعتدي لان هذا الاعتداء جاء من المسؤول عن امن وسلامة الطفل ،والنبي صلى الله عليه وسلم قال : (الا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).[25]
ومعلوم ان الراعي كما عليه حفظ من استرعى وحمايته والتماس مصالحه، فكذلك عليه تأديبه وتعليمه لان ذلك من صميم الرعاية.
وفي الحديث الشريف (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه  يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) أي أن الطفل يكتسب من البيئة التي يعيش فيها عاداتها وأعراقها وحسناتها وأخطائها ،لذلك تقع مسؤولية تربية الأولاد وتأديبهم بآداب الإسلام منذ ميلادهم على والديهم .
ومن الحقوق التي كفلها الإسلام للطفل مراعاة وحماية لجسده الضعيف هي حقه في عدم استخدامه أو تشغيله قبل بلوغه السن المناسبة ، وذلك مقرر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحدد هذه السن في خمسة عشرة عاما .فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال (عرضني رسول الله ص يوم احد في القتال وأنا بن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضني يوم الخندق وانا بن خمس عشرة سنة فأجازني)
[26]
فالرسول صلى الله عليه وسلم منع بن عمر رضي الله عنهما من الاشتراك في الحرب قبل بلوغه خمس عشرة سنة كاملة لما في الاعمال الحربية من الخطر على  الأطفال الذين يعجزون عن تحمل مخاطر القتال.
وخلاصة القول هي أن ديننا الحنيف قد شمل الطفل بالرعاية والحماية الشاملة له وهو في كنف الأسرة سواء قبل ولادته أو بعدها ، لكن يبقى التساؤل عن الحماية التي خولها الفقه الإسلامي في حالة غياب الأسرة ؟.هدا ما سوف نتطرق له من خلال المطلب الثاني .
ركز الإسلام على أهمية ضمان حقوق الطفل في التربية والتعليم ،وهو حق لا يقل خطورة ولا اهمية عن غيره من الحقوق وكيف لا وبه ومن خلاله يتم تكوين فكر الطفل، وتعديل سلوكه وتنمية مهاراته وإعداده بالجملة للحياة بكل ما تعنيه من أبعاد جسيمة ونفسية واجتماعية وأخلاقية وإيمانية وقد حمل الإسلام والأسرة والمربين مسؤولية كبيرة في تربية الأولاد وتعليمهم.ولقد كانت الآية الأولى المنزلة على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم  هي الآمر بالقراءة والعلم فقال تعالى( اقر باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق  اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم).
[27]
وفي هذا تأكيد رباني عميق على أهمية القراءة والتعليم واعترافا بمنزلة تنوير العقل بالعلم والمعرفة.والسعي لاكتشاف المجهول وإدراك حقيقة الكون، وقال تعالى( وقل ربي زدني علما)[28]
ولا يقف العلم في الاسلام عند حدود تعليم أحكام الشرع بل يشمل العلوم كلها  على آن يبدأ بتعليم كتاب الله وسنة.ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
لذلك فان على الوالدين مسؤولية تعليم أولادهم القراءة والكتابة بإرسال أبنائهم إلى مؤسسات التعليم حتى يتخرجوا منها ومن ثم يقوموا بدورهم في تعليم غيرهم وتنمية مجتمعهم.
يقول ابن القيم من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل ترك أللآباء لهم وإهمالهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه.
فإذا كان الإسلام قد اقر حق التعليم لكل فرد فانه يأخذ بكل ما يستلزمه ذلك من فتح المدارس وتزويدها بكل ما يلزمها وإعداد المعلمين وتأهيلهم للقيام بمهنة التدريس فالدولة مسؤولة عن هذا الحق للطفل بجانب مسؤولية الوالدين، فالرسول صل الله عليه وسلم قائد الأمة والدولة الاسلامية يطلب من اسرى قريش في غزوة بدر ممن يعرفون القراءة والكتابة، ان يفدي كل واحد منهم نفسهم بتعليم عشرة أطفال من ابناء المسلمين القراءة والكتابة وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على مسؤولية المجتمع في توفير التعليم للطفل.
[29]

الفقرة الثانية : حماية الحدث من الانحراف:

لاشك ان السنوات الاولى من عمر الطفل هي اهم مراحل حياته الحرجة، ذلك أن الطفل مخلوق عاجز عن معرفة ما يضره وما ينفعه، كما انه عاجز عن التمييز بين الأشياء الصالحة وغير الصالحة، لذلك جعل الإسلام حق الطفل على والديه والقائمين على امره في تربيته وتنشئته على الحق والهدى وتوجيهه الوجهة الصحيحة السليمة ،في العقائد والعبادات والسلوك والأخلاق.
وحول اهمية تربية الاطفال في الاسلام جاء في محكم تنزيل العزيز قوله تعالى: ( يا أيها الذين امنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة)
[30]
ووقاية النفس والأهل من النار تكون بتعليمهم وتربيتهم ،وتنشئتهم على الأخلاق الفاضلة وإرشادهم إلى ما فيه نفعهم في الدنيا وصلاحهم في الاخرة.
وقد دعى الاسلام كذلك لحماية الطفل من الانحراف في قوله صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء اثما ان يضيع من يعول )
[31]
لذلك جاء التحذير من قرناء السوء لسوء ما يحملون من أفكار وأعمال يرفضها الإسلام قال تعالى: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا  لقد اضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خدولا )[32]
لذلك وجب على الاباء مراقبة أبنائهم ومراقبة سلوكاتهم وأن يحرصوا على توجيههم وتحذيرهم من رفقاء السوء وأن يصاحب الأب ابنه وان تصاحب الام ابنتها لكي يكونوا على الاطلاع بسلوكيات أبنائهم ومدى تطور شخصيتهم .

المطلب الثاني :  المؤسسات الإسلامية.

لقد عني الإسلام برعاية الاحداث عبر مؤسساته الإسلامية أشد العناية مهما كانت وضعيته وظروفه، وأمر بالإحسان إليه، ويتجلى ذلك من خلال دور كل من مؤسستي الزكاة (المطلب الثاني) والوقف (المطلب الاول ) في رعاية الحدث والاعتناء به.

الفقرة الاولى : دور مؤسسة الوقف في الوقاية من الانحراف

يعد الوقف أصدق تعبير للصدقة التطوعية الدائمة، ووجها من أوجه الرعاية الاجتماعية، فنظام الوقف مصدر مهم لحيوية المجتمع وفاعليته، حيث أسهم بشكل كبير في التنمية الاجتماعية في كل البوادي والمدن الإسلامية، فهو احد الأسس المهمة للعناية الإسلامية بأبعادها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية.
حيث كان له دور بارز في الاعتناء بشريحة الأطفال وذلك من خلال تشييد صروخ العلم والثقافة والدين التي تساهم في التوعية الصحيحة للنشئ، وتعنى بتعليمهم القرآن الكريم ومبادئ علوم الدين والرقي بمستوى فكرهم والعناية به.
زد على ذلك ما للمسجد باعتباره المؤسسة الدينية الأولى في الإسلام من دور مهم في العناية بتربية الأطفال وتقويم سلوكهم وتوجيهه نحو الطريق السليم، من خلال التأثير الطيب للخطيب أو الواعظ في نفوسهم
[33]، واهتمامه بزرع القيم النبيلة التي ستنمي عقولهم وتعكس صورة طيبة عن شخصيتهم
كما أن المساجد أطهر مكان تتواصل فيه روح الطفل مع ربه، ما يجلها أكثر صفاء وعلى ارتباط متواصل مع الخالق، الأمر الذي يكون له بالغ الأثر في الاعتناء بتلك الروح وضمان حسن نشأتها.
ولا يقتصر الوقف على بناء المساجد فقط بل يهتم أيضا بالجانب التثقيفي الديني، وذلك من خلال إنشاء المدارس العلمية الراقية والتي يكون فيها التعليم مجانيا ويشمل مختلف الطبقات وقد كانت لمصروفات وإنفاقات هذه المؤسسات الطبقات الخاصة التي تساهم في تنشيط الحركة العلمية، ونشر التعليم والارتقاء والاعتناء بالمستوى الثقافي والأخلاقي للنشئ.
بالإضافة إلى إنشاء المكتبات الوقفية وفتحها في وجه الأطفال وتشجيعهم للتعود على ارتيادها قصد الاستفادة والتعلم.
واهتمت أيضا مؤسسة الوقف بمجموعة من المجالات من ضمنها أيضا الجانب الاجتماعي، حيث استغلت أموال الأوقاف كذلك في رعاية وإيواء الأطفال اليتامى واللقطاء والمتخلى عنهم، والأطفال المهملين، وذلك من خلال بناء الملاجئ باعتبارها إحدى المؤسسات التي تعنى بشكل كبير بالرعاية الاجتماعية للأطفال
[34].
وقد اهتمت مؤسسة الوقف بتغطية جانب كبير من جوانب المتطلبات الاجتماعية، وساهمت أيضا في سد بعض الثغرات الاقتصادية التي يعاني منها الأطفال الفقراء، من خلال السعي إلى الاعتناء بهذا الجانب عن طريق تقديم عوائد الأموال الموقوفة تحقيقا لحياة كريمة لهم، وتوفير كل ما قد يحتاجونه من مستلزمات الحياة كالملبس والمأكل والمسكن وغيرها من أوجه البر التي تحقق الرعاية الاجتماعية للأطفال.
 كما يعنى الوقف كذلك بالجانب الصحي وذلك عن طريق توفير خدمات صحية مجانية للأطفال وتوفير تبرعات لمعالجة الأمراض التي تصاب بها هؤلاء وتحقيق مجموعة من الضمانات الأخرى على مستوى الرعاية الصحية.

الفقرة الثانية  : دور مؤسسة الزكاة في الوقاية من الانحراف

تعد الزكاة في الاقتصاد الإسلامي المؤسسة الأولى للضمان الاجتماعي في الإسلام والأداة الأولى من أوات التكافل الاجتماعي.
حيث تعتبر بمثابة تأمين إلاهي ضد الجوع والمرض ومورد مالي من شأنه توفير سائر حاجات الحياة الضرورية، على أساس أن الهدف الأسمى من الزكاة هو تحقيق مستوى لائق للمعيشة، باعتبارها معونة دائمة ومنتظمة للفقراء وحق ثابت للمحتاجين والمساكين خاصة صغار السن منهم، مصداقا لقوله تعالى :"إنما الصدقات للفقراء والمساكن والعاملين عليها والمؤلفة قولهم وفي الرقاب الغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من  الله"
[35].
فالإسلام تكفل من خلال نظام الزكاة بالإنفاق على الأيتام والاهتمام بمتطلباتهم وتوفير كل ما يضمن لهم حياة كريمة، ولا يقتصر دور الإنفاق في مجرد إشباع الحاجيات المعنوية فقط، بل يعتني أيضا بضمان تأهيلهم وتدريبهم وتطوير قدراتهم وتزويدهم بالدعم المادي وإعانتهم حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم لا أن يمدوا يدهم ويتكففوا الآخرين
[36]
فنظام الزكاة يساعد على توزيع الثروة ويساعد كذلك على ضمان حق المحتاجين ويحقق استفادة هذه الطبقة من المجتمع ويهتم بدخل العائلات الفقيرة حتى لا تضطر  إلى أن تبعت بأطفالها إلى العمل مبكرا، وتحول دون تشرد هؤلاء الأطفال في الشوارع، وتساهم بذلك في تمتيعهم بأبسط الحقوق وهو ما يعكس العناية والرعاية التي أقرها الإسلام للأمة ويحقق التوازن الذي يسعى إليه.
من خلال ما سبق تتضح ملامح العناية والرعاية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية للأطفال (مؤسسة الزكاة) وما مدى التوازن والتكافل الذي شرعه الله تعالى لعباده من خلالها الأمر الذي يدعونا إلى إعادة النظر في أحوال أبنائنا اليوم والمطالبة بتفعيل هذه المؤسسات لما تلعبه من دور فعال في تحقيق ما أمر به الله عز وجل.
كما لا تفوتنا الإشارة إلى نظام الحسبة كمؤسسة إسلامية جاء بها الإسلام تهدف إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتجلى دورها في كون المحتسب يقوم بمراقبة المعلم ومعرفة ما إذا كان يقوم بأعماله بصدق وأمانة مع الأطفال، كما يمكنه الإطلاع على ما يتلقاه التلاميذ من دروس، بل من حقه أيضا أن يأمر الطفل ببعض الأعمال كالصلاة والابتعاد عن كل ما فيه ضرر له، ويكون ذلك بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، كما يجوز للمحتسب إذا رأى سوء أخلاق من صبي أن يأمر وليه بتهذيبه وتربيته تربية حسنة
[37] .
ويتضح مما سبق أن الشريعة الإسلامية عنيت عبر مؤسساتها الإسلامية بالطفل أشد العناية مهما كانت ظروفه ووضعيته، وأمرت كذلك بالإحسان إليه والاعتناء به.  
 

   خاتمة :

    بعد عرض أساليب الوقاية من الانحراف المباشرة وغير المباشرة والمنهج الذي سلكه الفقه الاسلامي في سبيل هذه الوقاية يمكن القول أن الشريعة الاسلامية أحكمت وقاية الأحداث من الانحراف من خلال هذا المنهج الذي انفردت به لأنه منهج واقعي يقوم على ادراك الفطرة البشرية ،ومراعاة الحالة الحسية و المعنوية للحدث ،فكفل له مطالب الروح كما كفل له مطالب قبل الولادة وبعده و من هنا نوصي بما يلي :

  • حسن اختيار الزوج للزوجة والزوجة للزوج على أساس الدين
  • يجب تربية الأبناء تربية اسلامية تقوم على أساس الدين والخلق والعلم
  • توفير الرعاية الواجبة للأطفال المتمثلة في الغذاء و المأوى والعلاج
  • تفعيل دور المؤسسات الاسلامية  :  الزكاة – الحسبة –الوقف  - المسجد ....
  • يجب على الدولة ادراج  البرامج الدينية  في الاعلام والكف عن البرامج التي تمس المبادئ الأخلاقية للحدث .
  • على جمعيات المجتمع المدني الاهتمام بتحسيس الاباء بمخاطر الانحراف
 

لائحة المصادر والمراجع:

  • المصادر:
  • القرآن الكريم برواية ورش
  • الأحاديث النبوية
  • المراجع:
  • الكتب
  • احمد المقرىء  المصباح المنير .المطبعة الاميرية بمصر 1912 طبعة 3 الجزء 1 الصفحة 194
  • ابن منظور  لسان العرب المجلد 5 بدون سنة نشر
  • بدر الشريفي العلمي، الوقف ودوره في تنمية المجتمع بدون طبعة وسنة
  • مصطفى عبد الرزاق .دائرة المعارف الاسلامية المجلد 3,بدون سنة النشر.
  • محمد ربيع صباهي،جرائم الاحداث في الشريعة الاسلامية،دراسة فقهية،دار النوادر،ط2008،
  • مصطفى عبد الواحد  المجتمع الاسلامي   القاهرة 1984
  • محمد بن محمد بن أحمد القراشي، معالم القربة في أحكام الحسبة، بدون طبعة وسنة،
  • رشيد الرينكة، نحو استراتيجية إسلامية موحدة  لحماية الطفولة الجانحة، جزء 2، 2002
  • عبد الكريم زيدان اصول الدعوة  بدون طبعة وبدون سنة النشر
  • عبد الله قادوري الأهدل : دور المسجد في التربية، الطبعة الثانية، السنة 2006،
  • الأطروحات والرسائل:
  • سمر خليل محمود عبد الله، حقوق الطفل في الإسلام والاتفاقيات الدولية  دراسة مقارنة – أطروحة استكمالا لمتطلبات درجة ماجستير في الفقه والتشريع بكلية الدراسات العليا في الجامعة الوطنية في نابلس، فلسطين - سنة 2003
  • محمد الحداد –الاسرة في السياسة الجنائية المغربية –رسالة لنيل دبلوم الدرسات العليا المعمقة في القانون الخاص بكلية الحقوق2008-2009  ص.18
 
 
               الفـــــــــــــهرس

مقدمة :...............................................................................1
المبحث الأول: أساليب الوقاية غير المباشرة من جرائم الاحداث......................4
 المطلب الأول: الإختيار في الزواج و القدوة الحسنة ..................................4
    الفقرة الأولى:الاختيار في الزواج..................................................5
الفقرة الثانية :أسلوب القدوة الحسنة............................................... 6  المطلب الثاني  : التفريق في المضاجع و التربية بالملاحظة........................7
   الفقرة الاولى : التفريق في المضاجع ..........................................    8              الفقرة الثانية : أسلوب التربية بالملاحظة..............................................9
المبحث الثاني :اساليب الوقاية المباشرة للحدث من الجنوح في الفقه الاسلامي.....10
المطلب الاول : تأذيب الحدث و حمايته من الانحراف...............................10

الفقرة الاولى :   ترغيب الحدث و ترهيبه  .........................................11

الفقرة الثانية : حماية الحدث من الانحراف:..........................................14

المطلب الثاني :  المؤسسات الإسلامية...............................................15

المطلب الاول : دور مؤسسة الوقف في الوقاية من الانحراف .......................15

المطلب الثاني  : دور مؤسسة الزكاة في الوقاية من الانحراف ......................17

خاتمة .........................................................................................19
لائحة المراجع .................................................................................20
 



الهوامش

[1] عبد الكريم زيدان اصول الدعوة  بدون طبعة وبدون سنة النشر ص411 
2محمد الحداد –الاسرة في السياسة الجنائية المغربية –رسالة لنيل دبلوم الدرسات العليا المعمقة في القانون الخاص بكلية الحقوق2008-2009  ص.18
                                                                                                                                                                        
 
[3]الفصل 110 من مجموعة القانون الجنائي المغربي وفق تعديلات 2011.
[4] - احمد المقرىء  المصباح المنير .المطبعة الاميرية بمصر 1912 طبعة 3 الجزء 1 الصفحة 194.
[5] سورة التوبة الاية 122.
[6] لابن منظور  لسان العرب المجلد 5 بدون سنة نشر ص 345
[7] معجم ألفاظ القران لكريم ,مجمع اللغة العربية ,الطبعة الثانية, المجلد2 بدون سنة نشر ,ص342.
[8]  مصطفى عبد الرزاق .دائرة المعارف الاسلامية المجلد 3,بدون سنة النشر.ص347
[9] سورة الكهف ,الاية 46
[10] سورة آل عمران ,الاية 38
[11] سورة آلفرقان, الأية 74
[12] سورة  الصافات ,الأية 100
[13]) محمد ربيع صباهي،جرائم الاحداث في الشريعة الاسلامية،دراسة فقهية،دار النوادر،ط2008،ص426
أخرجه البخاري في كتاب النكاح’باب الأكفاء في الدين’برقم1832  [14]
’مغني المحتاج" المجلد 4، 206[15]
أخرجه الترمذي في كتاب النكاح’باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه ،’برقم 1084[16]
محمد ربيع صباهي ،مرجع  سابق ’ص432[17]
 
[18]  سورة التحريم الاية  6
[19] سمر خليل محمود عبد الله ، حقوق الطفل في الإسلام والاتفاقيات الدولية دراسة مقارنة ، أطروحة قدمت استكمالا لمتطلبات درجة الماجستير في الفقه والتشريع بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس فلسطين 2003م ص 132
[20] الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية , ص358_359.
[21]   محمد ربيع صباهي,م س, ص544
[22] سمر خليل محمود عبد الله ،مرجع سابق  ص  135
[23]  مصطفى عبد الواحد  المجتمع الاسلامي   القاهرة 1984  ص 288
[24] سمر خليل محمود عبد الله، حقوق الطفل في الإسلام والاتفاقيات الدولية  دراسة مقارنة – أطروحة استكمالا لمتطلبات درجة ماجستير في الفقه والتشريع بكلية الدراسات العليا في الجامعة الوطنية في نابلس، فلسطين - سنة 2003، ص 
 رواه البخاري في صحيحه برقم 6719 [25]
[26]  رشيد الرينكة، نحو استراتيجية إسلامية موحدة  لحماية الطفولة الجانحة، جزء 2، 2002، ص  58.
 سورة العلق الايتان 1-5[27]
 سورة ص الاية 111.[28]
 سمر خليل محمود عبد الله مرجع سابق ص 227[29]
 سورة التحريم الاية 6[30]
 
 سورة الفرقان الايتان 27-29[32]
[33] عبد الله قادوري الأهدل : دور المسجد في التربية، الطبعة الثانية، السنة 2006، ص  122.
[34] بدر الشريفي العلمي، الوقف ودوره في تنمية المجتمع بدون طبعة وسنة، ص  73.
[35] سورة التوبة الآية 60.
[36] رشيد الرينكة، نحو استراتيجية إسلامية موحدة  لحماية الطفولة الجانحة، جزء 2، 2002، ص  58.
[37] محمد بن محمد بن أحمد القراشي، معالم القربة في أحكام الحسبة، بدون طبعة وسنة، ص  171.

عن موقع marocdroit