الاثنين، 25 فبراير 2013

بدون حرج تكافل : أطفال الشوارع

ما تعداد الأطفال في الشوارع، من أين جاؤوا وفي أية ظروف يعيشون؟
بأي منطق يقارب المغاربة الظاهرة وكيف يتمثلون هذه الفئة من الأطفال في وضعية صعبة؟
ما هي أسباب لجوء الطفل إلى الشارع وتداعياته عليه، على الأسرة وسائر المجتمع ؟
أي تقييم للأداء الحكومي وفي أي اتجاه يسير عمل جمعيات المجتمع المدني التي أخذت على عاتقها دعم أطفال في الشوارع؟
الأطفال في الشوارع موضوع العدد الأول من "بدون حرج تضامن". يشارك في النقاش كل من كريم القرش مدير جمعية "ساعة الفرح" وهي الجمعية التي ستستفيد من عطائكم أو بالأحرى ستتولى أمر أن يستفيد أطفال في وضعية صعبة من أنشطة ومشاريع يمولها عطاؤكم، سعيدة بنكيران أخصائية علم النفس العيادي والعلاج النفسي، يوسف هزال طالب سنة أولى باكلوريا، عبد الرحيم العطري أستاذ باحث في علم الاجتماع.


السبت، 2 فبراير 2013

حقوق الأولاد على الوالدين في الشريعة الإسلامية


                                                                                                                           أ.د/ محمد مصطفى الزحيلي

بسم الله الرحمن الرحيم
] وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ[ [النحل : 43]
المحتويات
المقدمة
أولا : الأولاد هبة من الله تعالى
ثانيا: الأولاد أمانة في عنق الوالدين
ثالثا: تكاليف الوالدين بواجب التربية
رابعا: آثار مسئولية الوالدين في التربية
خامسا: مسئولية الوالدين عن تربية الأولاد
سادسا: منهج الإسلام في تربية الأولاد في البيت
سابعا: حقوق الأولاد المقررة شرعا .
ثامنا: حق لطفل اللقيط واليتيم
تاسعا: مسئولية الدولة عن الأطفال
عاشرا: حق الطفولة في المواثيق الدولية
حادي عشر: إعلان حقوق الطفل
ثاني عشر: حق الطفل في الإعلان الإسلامي
خاتمة
المحتويات



مقدمة
الحمد لله رب العالمين الذي أنزل لنا الشرع الحكيم ، ورضي لنا الإسلام دينا ، وجعله خاتمة الشرائع .
والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله المبعوث بالهدى والدين القويم ، والمبين عن ربه أحكام الدين ، مع التطبيق العملي الرشيد ، وبعد :
فإن الأسرة هي عماد المجتمع وهي اللبنة الأساسية فيه ، وهي الحصن الثالث المنيع الذي بقي للمسلمين في العصر الحاضر بعد الإيمان والعبادات ولذلك رعاها الإسلام رعاية كاملة وبين أفضل السبل لإقامتها والمحافظة عليها ، فأرشد إلى حسن اختيار الزوجين ، ثم نظم الحقوق والواجبات لكل منهما ، وكيفية تأمين الود والسكن بينهما ، ثم شرع لهم المناهج السديدة لقيامها بتربية الأولاد ، ورعايتهم الرعاية الكاملة ، ثم عظم من شأن الوالدين للبر والطاعة ، لتبقى الأسرة محاطة بسور منيع من القيم والأحكام التي تحفظها لتؤدي وظيفتها .
ولكن يشيع على ألسنة الدعاة والعلماء والخواص التذكير بحقوق الوالدين وفضل برهما ، والتحذير من عقوقهما ، ويسيطر ذلك على أذهان العامة ويغفل الكثيرون عن حقوق الأولاد ، وواجبات الوالدين تجاه الأولاد ، مما أدى إلى الخلل في التربية والثغرات في المجتمع ، وبعض الانحراف ولذلك أردت أن اعرض هذا  الموضوع المهم في البحث .
وسوف أتتبع النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية التي أوصت الوالدين بالأولاد خيرا ، ووضعت أمامهم منهجا فريدا في تربية الأولاد ، مع تحليل هذه النصوص والتعقيب عليها بآثار الصحابة والسلف الصالح والنتائج المترتبة عليها عمليا في حياة المسلمين ، ثم المقارنة بإيجاز مع الأمثلة الأخرى وآثارها السلبية اليوم ، ليتبين فضل الشريعة ويتبلور المنظر الإسلامي المتميز ، للمثل القائل : (( وبضدها تتميز الأشياء )) وليكون المنهج الإسلامي أمام أنظار المسلمين ليعملوا به ويحققوا الفوز بمرضاة الله تعالى أولا ، وبالحياة الرغيدة في الدنيا ، وذلك حسب الفقرات المتتالية .
ونقدم بين يدي هذا الموضوع فضل الله تعالى في منح الأولاد ، وأنهم هبة من الله تعالى ، كما أنهم أمانة في عنق الوالدين .
أ.د. / محمد الزحيلي


أولا : الأولاد هبة من الله تعالى :
إن من الآيات الجليلة الدالة على عظمة الله تعالى وقدرته أن خلق الناس من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، ثم منح الزوجين الأولاد والذرية ، فقال تعالى : ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً [ [النساء: 1].
وإن منح الذرية من الأبناء والبنات نعمة من الله تعالى يستحق عليها الشكر الكثير الجزيل ، والثناء الدائم ، لأن الذرية أمل البشرية منذ وجدت ، وستبقى كذلك حتى تقوم الساعة للمحافظة على بقاء الجنس البشري ، وإن الأزواج يتطلعون بسرعة عقب الزواج إلى الذرية الطيبة ، ويرقبون العلامات الدالة على الإنجاب ، ويستبشرون بها ، حتى يحققوا رغبتهم وتقر أعينهم بالبنين والبنات ، ويسألون الله تعالى ذلكن فإن تأخرت قرائن الحمل استغاثوا الله الخالق البار ، واستنجدوا به ، وضربوا في مشارق الأرض ومغاربها لاتخاذ الأسباب اللازمة للإنجاب وهذه سنة الله تعالى في الناس ، وهذه هي فطرتهم مهما اختلفت أجناسهم وألوانهم وأزمانهم وأماكنهم ، قال تعالى على لسان سيدنا زكريا ]هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [ [آل عمران: 38].
وقال تعالى على لسان زكريا أيضا : ] وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا .يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [ [مريم: 5، 6].
وإن هبة الأولاد من الله تعالى نص عليها القرآن الكريم ، وربطها بملك السموات والأرض والتصرف فيهما كما يشاء ، فقال تعالى ] للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَّشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَّشَاءُ الذُّكُورَ .أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [ [الشورى: 49، 50].
وقد وردت الآيات الكثيرة التي تؤكد نعمة الله تعالى على البشرية بالذرية الصالحة الطيبة ، فقال عز وجل : ] الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً [ [الكهف: 46].
وقال تعالى ] وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ [ [النحل: 72].
وهذه النعمة ذات أثر عظيم على الإنسان وتلتقي مع فطرته وغريزته فإذا بشر الناس بالمولود تلألأت وجوههم بالبشر والفرح والسرور ، وامتلأت قلوبهم بالسعادة والحبور وانتظروا من الأهل والأصدقاء التهنئة به ، لأن مولود اليوم هو رجل المستقبل وأمل الوالدين وذخر الأمة ، والطفل امتداد لحياة الإنسان على الأرض ، وهو فرع من شجرته وثمرة من غراسه ، ولا يتمنى أحد أن يكون أحدا أحسن منه إلا أن يكون ولده .

ثانيا: الأولاد أمانة في عنق الوالدين :
وعند الوصول إلى هذا الأمل تهدأ النفوس ، وترتاح القلوب ، وتتعلق المهج بالمولود الجديد الذي خلقه الله تعالى ، ومنحه للوالدين كرما وفضلا ، ولم يكن لهما حول ولا طول في خلقه وإيجاده فهو أمانة في أيديهم ، ويحتمل أن يسترد صاحب الأمانة  وديعته أو أن يترك  الولد بين أهله فترة – طالت أو قصرت – ليرعوا حق الله فيه ، ويحافظوا عليه ويطبقوا عليه شريعته وأحكامه ، وهذا حق للولد على والده ، وبعبارة أخرى فهي واجبات على الوالد ، وهذا أهم واجب على الآباء والأمهات تجاه الأولاد ، ولهذا يؤكد القرآن الكريم هذا  الشأن عند الوالدين فيأمرهم برعاية الأولاد ، ويوصيهم بالحفاظ عليهم فيقول تعالى : ] يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ [ [النساء: 11].

ثالثا : تكاليف الوالدين بواجب التربية
يولد الطفل على الفطرة ويفتح عينه على الحياة ليرى أمه وأباه يحوطانه بكل شيء وينظر إلى الوجود من خلالهما ، ويبصر الكون بأعينهما ، ويستقر في قرارة نفسه بأن الأب والأم هما كل شيء في العالم ، فيستمد منهما العطف والحنان ، ويتوجه إليهما للحماية والرعاية ، ويلجأ إليهما في كل صغيرة وكبيرة ، وتنساب أسئلته بالاستفسار كالسيل المدرار ، حتى يعجز كثير من الآباء والأمهات عن الجواب ، ويقنع الولد بكل جواب ، ويصدق – بجزم وبدون ريب ولا شك ولا تردد ، ولا تحفظ ولا مناقشة – كل ما يسمع من والديه ، مهما كانت الأفكار سخيفة أم رائعة ، كاذبة أو صادقة ، ويكون عقل الطفل في مرحلة الطفولة الأولى كالطين ، يمكن للأب أن يشكلها كما يشاء ، وتكون نفسه كالصفحة البيضاء تخط فيها الأم ما تشاء ، وتثبت عليها ما تريد ، ويمتاز الطفل – في هذه المرحلة – بحب التقليد والمحاكاة لتحركات والديه وتصرفاتهما ، لذا يتحمل الوالدان المسئولية الأولى عن تصرفات أولادهما في الصغر ، كما يتحملان المسئولية الأولى عن التربية والإعداد والتثقيف والتوجيه لما يحبه الله ويرضاه ، وقد خصهما رسول الله r بهذه المسئولية في الحديث الصحيح : (( والرجل راع على أهل بيته ، وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده ، وهي مسئولة عنهم )) ([1]) .
فالمسئولية على الوالدين عظيمة ، وتترتب عليها نتائج خطيرة في الدنيا والآخرة ، فيلتزم الوالدان أن ينشآ أولادهما على الإيمان الكامل ، والعقيدة الصحيحة ، وأن يعوداهما على التكاليف الشرعية والآداب الإسلامية والأخلاق الفاضلة .
وإن إعداد الجيل المؤمن الصالح يقع على عاتق الآباء والأمهات أولا ، لأن الطفل ينظر إلى والديه وكأنهما المثل الأعلى ، ويلتف حولهما ، ويطرح عليهما الأسئلة ، ويعتقد أنهما يحوزان العلم اللدني ، وأنهما كل شيء في الوجود فهما الأنا الأعلى بالتعبير التربوي الحديث ، ويتلقى الطفل منهما في بدء حياته كل توجيه لقناعته الكاملة بكل ما يقولان وتسيطر على أحاسيسه تعابير والديه ، ولا يقتصر الأمر على التوجيه المباشر ، بل يقلد والديه في أشياء كثيرة سواء كانت حسنة أم سيئة بطريق مباشر أم غير مباشر ويستحوذ على فكره اللاشعوري كثير من تصرفات الوالدين في الرضا والغضب في الحب والكره ، في السعادة والشقاوة ، وإن هذه الظروف العامة المحيطة ، والقناعة المطلقة ، لا تتوفر في أي مرحلة من مراحل التربية كما تتوفر للطفل في أسرته ومع والديه ، بالإضافة إلى الدوافع الفطرية بالمحبة المتبادلة والتضحية اللامتناهية مع الآباء والأمهات لأولادهم ، وأنهم أمل المستقبل وسبيل البقاء والاستمرار ، لذلك كانت مسئولية الوالدين في التربية أول المسئوليات وأهمها أمام الله تعالى .
وقد صرح رسول الله r بوظيفة الوالدين في تربية الأولاد فقال عليه الصلاة والسلام : (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )) ([2]) وخاطب رسول الله r الآباء والأمهات ومن يقوم مقامهم في تطبيق الأحكام الشرعية المتعلقة بتربية الأولاد فقال عليه الصلاة والسلام في مجال التربية البدنية مثلا : (( علموا أولادكم السباحة والرماية والمرأة المغزل )) ([3]) ورغب رسول الله r الوالدين بتأديب الأولاد وأنهما يكسبان الأجر والثواب عند رب العالمين فقال عليه الصلاة والسلام : (( ما نحل والد ولد أفضل من أدب حسن )) ([4]) وعن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله r : (( لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين )) ([5]) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالوا : يا رسول الله ، قد علمنا ما حق الوالد فما حق الولد قال : (( أن تحسن اسمه ، وتحسن أدبه )) وقال عبد الله بن عمر : (( أدب ابنك فإنك مسئول عنه ، ماذا أدبته وماذا علمته ، وهو مسئول عن برك وطواعيته لك ))
فإن تخلي الآباء والأمهات عن ذلك فقد لحقهم إثم كبير ووباء عريض ونالوا خسارة جسيمة وخانوا الأمانة التي وضعها الله في أيديهم ، وأضاعوا الوديعة التي كلفهم الله بحفظها وتحملوا مسئولية ذلك في الدنيا والآخرة ، لذلك حذر القرآن الكريم الآباء والأمهات من ذلك ، ونبههم إلى خطره وأنهم مسئولون عن أهلهم كمسئوليتهم عن أنفسهم بترك المعاصي وفعل الطاعات فقال تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [ [التحريم: 6].
قال الإمام علي كرم الله وجهه : (( أي علموهم وأدبوهم )) وقال الحسن البصري : (( مروهم بطاعة الله ، وعلموهم الخير )) ([6]) .
قال بعض أهل العلم : (( إن الله سبحانه وتعالى يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده ، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم ، قال تعالى ] وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ [ [الإسراء: 31] وقال تعالى : ] يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ [ [النساء: 11]
وقال رسول الله r : (( اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف )) ([7]) .

رابعا : آثار مسئولية الوالدين في التربية :
وبناء على هذه النصوص الواضحة الصريحة في مسئولية الوالدين ندرك الإثم العظيم الذي يرتكبه بعض الوالدين في هذا العمر ، فإنهم يهملون تربية الأولاد ، ويتركونهم يعبثون بالأخلاق ويهدرون القيم ويتخلقون بعادات الغرب وتقاليده ، ويسارعون إلى اقتناص (الموضات) الأجنبية ويتشكلون بأشكال الهمجية والوحشية والبدائية من إطالة الشعر ، وإهمال النظافة ، والارتماء على الأرصفة ، والاختلاط المشين في الحفلات والندوات ، وإرواء الغرائز والشهوات بدون قيد ولا شرط ، والتخنث والترجل ، ويصدق عليهم حديث رسول الله r : (( لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشر ، وذراعا بذراع ، حتى لو دخلوا ضب لاتبعتموهم ، قلنا يهود والنصارى ؟ قال : فمن؟))([8]) .
وقد يصل الأمر إلى الظهور بهذه الأشكال أمام الآباء والأمهات الذين يدعون الدين والتدين ويتظاهرون بالإسلام ، دون أن تتحرك عواطفهم بالاستنكار أو تهتز أفئدتهم بالسخط ، أو ينطق لسانهم بالنصح أو بالوعظ أو بالإرشاد وإن أنكر أحد الآباء على بعض ولده ، ووجهه إلى الصواب فربما أعرض الولد ، ولم يستجب ، وما ذلك إلا من التقصير في التربية على خلق الإسلام وسلوكه .
يقول رسول الله r : (( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت )) ([9]) فهذا الابن الذي رعاه أبوه صغيرا ، وسهر عليه الليل والنهار ، وكد وكافح في سبيله وسعى وسكب له القوت ، وجمع له المال الحلال أو الحرام لتربيته وتنشئته ليراه غرسة من بعده ، أصلها ثابت و فرعها في السماء ، ويأمل أن يكون ابنه ذكرا طيبا له ، وامتدادا لحياته ، إذ يخيب ظنه به ويفقد رجاءه في سلوكه ، ويصبح الوالد في واد فكري وديني واجتماعي ويعيش الابن في واد آخر ، وتنقطع الصلة بينهما ، فيصدق على هذا الابن وصف القرآن الكريم ] قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [ [هود: 46].
ويعيش الآباء في صراع عنيف ، بين الاعتزاز بالأبناء في تحقيق الآمال والأحلام ، وبين الاستنكار من أعمالهم ، وتتكرر الصورة العجيبة التي يراها الإنسان في مجتمع اليوم ، وهي من صور التناقصات التي يعيشها المسلمون في ديارهم وأوطانهم ، وهذه الصورة ذات وجهين :
الوجه الأول : أن ترى بعض الآباء والأمهات منغمسين في الحياة المادية يغرقون في الملاهي والشهوات ويستهينون بالقيم والمبادئ ويجاهرون بالكفر والفسوق بينما ترى أبنائهم وبناتهم على العكس تماما : قد من الله عليهم بالإسلام والإيمان وسلكوا طريق الهدى والرشاد والتزموا الإسلام عقيدة وشريعة ، فكرا وتطيقا ، نظاما وعملا ، فينكر عليهم الوالدان ذلك ويسخروا منهم ، ويستهينوا بأعمالهم وسلوكهم .
ومسئولية هؤلاء الآباء والأمهات أمام الله تعالى واضحة لا لبس فيها ، وخطرهم على المجتمع والأمة جسيم ، فهم يمنعون الخير ، ويأمرون بالمنكر ، وينهون عن المعروف ، وينطبق عليهم قوله تعالى ] أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى [ [العلق: 10].
ولا تقل جريمة هؤلاء عن جريمة الكفار المعاندين الذين وقفوا في وجه الحق والدعوة إلى الله ، ومنعوا  الناس من الدخول في دين الله والإيمان برسول الله ، وحالوا بين الضعاف وبين الهدى والنور وينطبق على الأولاد دعاء الرسول ورجاؤه أن يخرج من أصلاب الآباء من يوحد الله ويعبده .
الوجه الثاني : وهو الأكثر شيوعا ، ويتمثل في تلك الغالبية من جيل الكهول ، رجالا ونساء ، الذين يتحلون بأكثر المظاهر الدينية بينما ترى أبناءهم وبناتهم من جيل الأطفال والشباب يتخلون عن كل شكل أو زي ، أو علامة أو مظهر يمت إلى الإسلام بصلة ، ويقلدون الأجانب في كل صغيرة وكبيرة ، حتى يخيل إليك أن عربيا يسير بجانب أمريكي أو روسي الأول تعلوه مهابة الإيمان ، ويرتدي بزة الإسلام ويحضر الجمعة والجماعات ، والآخر ينسلخ عن تقاليد مجتمعه ومبادئ شريعته ليخلع على نفسه صورة الغربي ، كما يخيل إليك أن امرأة مسلمة تسير بمحاذاة فتاة فرنسية أو إنكليزية والفتاة عارية الرأس ، كاشحة الصدر ، كاشفة للساقين ، كأنها عارضة للأزياء .
هذه الصورة شائعة في المجتمعات التي تقطن أرض العروبة والإسلام ، وهي صورة عجيبة في ملامحها ، غريبة عن محيطها ، متنافية مع المنطق والعقل ، وهذا الأمر يرجع إلى مسئولية الآباء والأمهات عن تربية أولادهم ، ومسئولية الأمة والمجتمع والدولة عن مناهج التعليم ، ورعاية الجيل الناشئ ، وإعداده إعدادا صالحا بتثبيت العقيدة ، واعتناق الفكر الإسلامي الصحيح لإزالة التناقض بين جيل الآباء والكهول وجيل الأطفال والشباب ، وإلا كانت المسئولية كاملة وثقيلة على الأعناق التي تنوء بها الظهور ، وتشيب لها الولدان.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : (( فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه ، وتركه سدى ، فقد أساء إليه غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسنته فأضاعوهم صغارا ، فلم ينتفعوا بأنفسهم ، ولم ينفعوا آبائهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقول ، فقال الولد : يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا ، وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا )) .

خامسا : مسئولية الوالدين عن تربية الأولاد :
الأطفال ثمرة من ثمار الزواج ، وقد يكونون من أهم مقاصده وأهدافه ، والأطفال أحد أركان الأسرة وعن طريقهم يتم بقاء النوع الإنساني والجنس البشري ، وهم أعظم نعم الحياة وزينتها قال تعالى : ] الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً [ [الكهف: 46].
ويولد الطفل ضعيفا وعاجزا عجزا مطلقا ، فلا حول له ولا قوة وشاءت الحكمة الإلهية أن يكون الإنسان أكثر المخلوقات حاجة لغيرة بعد الولادة ويحتاج إلى أطول فترة بين المخلوقات معتمدا على غيره ، ومفتقرا للرعاية والعناية والحضانة وغيرها .
لذلك أناط الشرع الحكيم هذه المسئولية الخطيرة بالأبوين أولا ، ثم بالمجتمع والدولة ثانيا ، ووضح الشرع أحكاما متعددة للأطفال وأثبت لهم حقوقا كثيرة .
ولذلك جاء أحد الصحابة إلى رسول الله r وقال له : قد عرفنا حق الوالد على ولده ، فما حق الولد على أبيه ؟ )) كما سنذكره .

سادسا : منهج الإسلام في تربية الأولاد في البيت
إن حقوق الأولاد هي واجبات الآباء والأمهات وقد وضع الشرع لها منهاجا في تربية الأولاد من عدة عناصر أهمها :
1- حسن اختيار الزوجة
يقول علماء التربية : يجب على الوالد أن يبدأ بتربية ولده قبل الولادة ، وهذا ما أرشد إليه الإسلام عن طريق اختيار الزوجة ، لأن خطيبة اليوم التي يقصدها الشاب هي زوجة الغد ، وأم المستقبل ، ومربية الأطفال والأجيال ، والأم هي المدرسة الأولى التي تحتضن الطفل ، لترضعه لبان الأدب والتربية مع لبن الثدي والغذاء ، ثم ترعاه في أول مراحل العمر ، لتغرس في عقله وقلبه البذور الأولى التي ستنمو عند الكبر ، وتصون فطرته عما يفسدها مع ما تهب لوليدها من صفات موروثة ، وطباع مفطورة ، ومواهب متأصلة فكان حسن اختيار الزوجة من أجل الأولاد أكثر أهمية من بقية العوامل التي تطلب المرأة لأجلها وهو ما أرشد إليه رسول الله r : (( تخيروا لنطفكم )) ([10]) وقوله : (( فأظفر بذات الدين تربت يداك )) ([11]) .
ويقول الشاعر حافظ إبراهيم :
الأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعبا طيب الأعراق
فالأم هي المربية للأطفال ، والحاضنة للأطفال ، والأمينة على الذرية ، والمكلفة بالإشراف عليهم ، لأنها سترضع الطفل اللبن كما سترضعه العقيدة والأخلاق والقيم، وهي ستربي العباقرة والمصلحين الذين يتلوون دفة الحكم ، وسفينة الإصلاح ، وقيادة الجيوش ، ورجال الدعوة والفكر ، وبمقدار التوفيق في حسن اختيار الزوجة يكون الوالد قد أرسى حجر الأساس من الأحكام الخاصة بالحامل والمرضع ، لرعاية الجنين والطفل الرضيع فأباح للحامل والمرضع مثلا الإفطار في رمضان ، وجعل الرضاعة حقا للطفل لما يمتاز به لبن الأم من فوائد جسمية ونفسية للطفل وأن الرضاع واجب على الأم قضاء وديانة ، وتجبر الأم عليه عند الحاجة ، كما شرع الله الحضانة حقا للأم والطفل معا .
وإن أول جهد في التربية، وأول دعامة لها ، هو التوجه إلى البيت ، وخاصة إلى الزوجة الصالحة ، والأم المربية والأم المؤمنة والواعية ، وقد كان دوما وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة ، أو أب عظيم ، أو أبوان عظيمان([12])
2- رعاية الوليد
متى تمت الولادة بدأت التربية منذ اللحظة الأولى من حياة الوليد ، وهذا ما أرشد إليه الدين الحنيف ، وتفرد به على سائر المناهج التربوية في العالم وكلف الوالدين بإرساء الدعائم التربوية التي سيتم عليها بناء المستقبل ، وهي آداب إسلامية وسنن نبوية ، ومنهج رباني وأهم هذه الآداب ثلاثة :
الأدب الأول : الآذان والإقامة
وذلك في أذني الوليد ، ليكون أول شيء يسمعه في هذا الوجود وهو توحيد الله تعالى الذي خلقه ، وأوجده من نطفة فعلقة فمضغة ، في ظلمات ثلاث ليحقق الخلافة في الأرض ويبدأ بتنفيذ العهد الذي أخذه الله تعالى من بيني آدم من ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ] وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [ [الأعراف: 172].
والآذان والإقامة يربطان الحياة – في الأفراح والأتراح – بالعقيدة والدين ، ليبقى الأهل أيضا في لحظات السعادة على صلة بالله تعالى وتذكر له ، ويقولوا ] فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [ [المؤمنون: 14].
] رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [ [الأحقاف: 15].
الأدب الثاني :  حسن اختيار الاسم
وهذا من مسئولية الوالدين ، لما ورد في الأحاديث الشريفة الكثيرة قال رسول الله r : (( حق الولد على الوالد : أن يحسن اسمه ، ويعلمه الكتابة ، ويزوجه إذا بلغ )) ([13]) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قالوا يا رسول الله قد علمنا ماحق الوالد فما حق الولد ؟ قال : (( أن يحسن اسمه ، ويحسن أدبه )) ([14]) .
وكان رسول الله r يغير الأسماء القبيحة التي كانت في الجاهلية إلى أسماء حسنة ، وإن اختيار الاسم الحسن علامة بارزة في التربية الغير مباشرة ، لأن كل شخص له من اسمه نصيب إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، بالإضافة إلى الأمور النفسية التي بينها علماء التربية عند المناداة باسم حسن أو قبيح وأثر ذلك على نفسية الطفل وعلاقته مع زملائه وأفراد مجتمعه .
الأدب الثالث : تكريم الطفل بالعقيقة
لإعلان السعادة والفرح والبشر بمقدم الطفل ، وتكون العقيقة بذبح شاة أو أكثر عن المولود يوم أسبوعه ، لإطعام الأهل والأقارب والجيران بهذه المناسبة السعيدة وتقديم الشكر لله تعالى على فضله ونعمه ، وقال جمهور العلماء : العقيقة سنة .
3-  رعاية الطفل من الصغر
وذلك في مأكله ومشربه ، وجسده ، وثيابه ، ليكون صحيح العقل ، سوي الجسم ، سليم الحواس ، فإن حياة الإنسان كل لا يتجزأ ، وإن حياته الجسمية في الصغر مؤشرا إلى حالته في الكبر ، وإن العقل السليم في الجسم السليم والإسلام يريد منا أن نربي أولادنا على القوة والنشاط ، يقول رسول الله r : (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير )) ([15])
وهذه القوة تتجلى بالمعنى المادي كما تتجلى بالمعنى الروحي أيضا ، بأن يكون الطعام طاهرا ومبرأ منكل ح رام ، فلا يطعم الأولاد إلا من حلال ، ولا تتغذى الحامل والمرضع والأم الحاضنة إلا من حلال ، لأن اللبن أو الغذاء الحاصل من حرام لا بركة فيه ، وكيف يقدم الوالد إلى أولاده الغذاء الحرام ، ثم يسعى إلى أن يكونوا على منهج الله وصراط رب العالمين ؟ فإن الفاسد لا يؤدي إلا إلى فساد ، والحرام لا ينتج إلا سوءا وضررا ،  كما إن الحرام لا يكون وسيلة إلى المقاصد النبيلة والغاية لا تبرر الواسطة ، وكل لحم بنت من السحت فالنار أولى به .
يقول رسول الله r : (( إن الله طيب ، لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى : ] يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [ [المؤمنون: 51] ، وقال تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [ [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء : يارب ! يا رب ! ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب له؟!))([16]) .
ويظن كثير من الآباء أن واجبهم تجاه الأولاد – مقصور على تقديم القوت ، والغذاء والكساء ، وأن يؤمنوا لهم العيش الرغيد ، والحياة المادية المرفهة ، فيقضي الأب الأيام والسنين منهمكا في الكسب ويضرب في الأرض للتجارة والعمل ويسعى ذات اليمين وذات الشمال ويغيب عن بيته ومنا طويلا ويترك أولاده ويغفل عن تربيتهم ويظن انهم صغار يكفيهم الطعام والشراب واللباس فتكون النتيجة الضياع والحسرة .
وعلى العكس من ذلك تماما فقد عمد الناس قديما إلى وأد البنات هربا من رزقهم وبخلا على معيشتهم وخشية من الفقر وضيق ذات اليد ويعمد الناس اليوم إلى ما يسمى بمنع النسل خشية الإملاق والإنفاق والخوف من قلة الرزق والخوف من الفقر لذلك رد القرآن الكريم على هذين الصنفين مبينا أن الله هو الخالق وهو الرازق وأنه يرزق الأولاد كما يرزق الآباء والأمهات([17]) فقال تعالى : ] وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [ [الإسراء: 31].
وقال تعالى : ] وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [ [الأنعام: 151].
كما أعلن القرآن الكريم المبدأ العام في الرزق فقال تعالى : ] وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ .فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ [ [الذاريات: 22، 23].
ورقط القرآن الكريم بين الرزق والكسب ووجوب التربية ، وإن انصراف الوالدين بعض الوقت إلى تربية الأولاد لا يؤثر على مورد رزقهم ولا يبطل فقال تعالى ] وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [ [طه: 132].
4- البدء بالتربية والتوجيه من الصغر
بأن يضع الوالدان الخطة الحكيمة والمنهاج السديد لتربية الأولاد وذلك بأن يبذل الأب من ماله ووقته على تربية أولاده كما ينفق من ماله وراحته على تأمين مأكله ومشربه وملبسه فيعلمه الأدب الحسن ويلقنه الخلق الإسلامي الفاضل ويدربه على السلوك القويم .
والوسيلة التربوية لذلك أن يغرس الآباء والأمهات في نفوس أولادهم القيم الدينية والعادات الإسلامية الصحيحة ، وأن يؤدبهم بآداب الإسلام وأن يعلموهم أحكام الشريعة وأن يرددوا على مسامعهم محبة الله ورسوله ، وأن يذكروهم باستمرار بفضل الله ورحمته ورعايته وتصرفه في الكون ، وأن يميزوا لهم بين الحلال والحرام ، وأن يلقنوهم بعض الأمور العامة مثل ولادة الرسول زمانا ومكانا واسم أبيه وأمه وجده وعمه ومرضعته وحاضنته وأن يصحبهم الأب إلى المسجد ويأخذ بيده إلى أماكن العبادة والحفلات الدينية ، وأن يرشدهم إلى الخير وحفظ القرآن ، وأن يحفظهم قسطا من السنة والسيرة وأخبار الصحابة والخلفاء مما يحرص عليه الآباء في تربية الأبناء والبنات ليسيروا على صراط الله المستقيم فيكون الأولاد ذرية صالحة في الدنيا ويكونوا أجرا وثوابا في صحيفة الوالدين للآخرة ، ويمتد بهم العمل الصالح بعد الوفاة ويتحقق فيهم الحديث الشريف : (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له )) ([18])
كما يجب على الوالدين أن يعملا أولادهم بالعطف والرفق واللين والحزم والشدة عند اللزوم ، ويتدرج الأب معهم كلما تقدم بهم السن ثم يغير من طريقته في التعامل حسب العمر ، وأن يدخل إلى نفوسهم بالمكاشفة عن أحوالهم الخاصة ومتطلباتهم النفسية والجسدية والفكرية وخاصة عند ظهور علامات البلوغ وأن يكون حكيما لإقامة التوازن الكامل لهم بين النواحي المختلفة فلا يفرط بالطفل أو الشاب من جانب دون غيره وورد الأثر (( لاعب ابنك سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا ثم أترك الحبل على غاربه )) وكذلك الأم في علاقتها مع البنت وخاصة عند النضج والبلوغ .
وهذه التربية تتوقف على الأصول التربوية التي يجب على الوالدين رعايتها وتبدأ بالمحبة والصداقة والصراحة والفهم لأحوال الأولاد لمعالجتها بحكمة ثم بيان التوجيه السديد والطريق السليم لهم .
أما اللجوء إلى القسوة والتهديد الذي يتسرب إلى نفوس كثير من الآباء فيصدرون الأوامر كأنهم في معركة حربية في البيت فإنه يبوء بالفشل ويفقد الأهل سلطان الإرشاد والتوجيه والإقناع والوقار وقد يتظاهر الأولاد بالطاعة والهدوء ونفوسهم في غليان شديد ينتظرون الفرصة للعبث ثم التوجه إلى من يفضون إليه مشاعرهم ويجدون عنده الأذن الصاغية ليقودهم إلى الهاوية.
ونقول : يجب وضع الخطة الرشيدة في التربية لأنه لا يصلح شرعا الاكتفاء بكلمات ونصائح شفوية وأوامر مجردة (( قم ... صل ... اتق الله )) فإن العدو الماكر قد خطط لهذه الأمة وتآمر على دينها ومقدساتها واتجه إلى اغتيال شبابها وفتياتها ، ولا يزال ينفذ مخططه بخبث لئيم وخطط ثابتة ودراسة مخططة ووسائل متعددة وأساليب دنيئة ، ولابد من مواجهة هذا التخريب بدقة وحنكة ودراية فالحديد لا يفله إلا الحديد .
5- التعريف بالحلال والحرام
يجب تعريف الأولاد بالحلال والحرام في جميع التصرفات مع تنمية العقيدة وتعليم العبادات والأخلاق والمحبة لرسول الله r والاقتداء بموافقة فتى وشابا وقائدا وزوجا وأبا وداعيا ومعلما وصديقا وجارا و سياسيا مع الاعتزاز بتاريخ الصحابة والسلف عامة .
ويتم ذلك بالتعليم والتعليق على مواقف التاريخ و ضرب الأمثلة الحية والقصص الإسلامية والقراءة الواعية والتزود بالثقافة مع التطبيق العملي ليقوم في نفس الطفل صورة كاملة وصحيحة عن الإسلام .
والشائع اليوم أن الآباء يهملون أولادهم في هذه المرحلة متوهمين أنهم صغار وأن التعاليم الإسلامية غير مطلوبة منهم كالصلاة والحجاب وغيرها ثم ينحرف الشاب وتخرج الفتاة عن حياء الإسلام ثم يصرخ الآباء والأمهات ويستغيثون بعد فوات الأوان .
وقد يحاول الآباء والأمهات استخدام حقهم في التربية المتأخرة فيكون الفشل حليفهم ويستعين الزوج بزوجه أو أقاربه أو أصدقائه أو المعلم أو المدير فلا ينفع الدواء بعد أن استحكم الداء والفساد ولذا قيل : (( من أدب ولده صغيرا سر به كبيرا )) وجاء في الأثر (( الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم )) .
وقال رسول الله r : (( من عال جاريتين حتى يدركا دخلت أنا وهو الجنة )) ([19])
وفي حديث آخر : (( ومن عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة)) ([20]) .
6- ممارسات العبادات
وهي فرع من التعريف بالحلال والواجب مع التعويد على ارتياد المساجد وأداء الصلاة في البيت والمدرسة والتدريب على الصيام والصدقة والإحسان إلى الجار والفقير ومعاونة العاجز واحترام الكبار والمسنين . يقول رسول الله r : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع )) ([21]) .
قال العلماء : وهكذا في الصوم وغيره ، حتى يتمرنوا ولكي يبلغوا وهم مستمرون على العبادة والطاعة ومجانبة المعصية وترك المنكر([22]) فالتعليم في الصغر كالنقش في الحجر ، ومن شب على شيء شاب عليه .
والحكمة من النص على الصلاة أنها عماد الدين ويقاس عليها غيرها .
والوسيلة التربوية باصطحاب الأولاد إلى المسجد ومشاركتهم في تنفيذ الأحكام الشرعية في البيت والعمل وأن يكلفهم بها ويحبب لهم الطاعات ، ويرغبهم بأجرها ويحذرهم من المحرمات وأن يجالسهم في أوقات متعددة دون الاكتفاء بإصدار الأوامر وان يستمر بالتذكير اليومي لقوله تعالى : ] وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [ [طه: 132].
7- إقامة الصلاة الاجتماعية القوية
بأن يوجه الوالدان الولد لاختيار الصديق الصالح والزميل المؤمن وإلا اختار غيرهما والصديق يؤثر على صديقه في الإصلاح والفساد والصاحب ساحب والمرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل .
وهذه المرحلة أساسية بعد العاشرة خاصة لأن الولد يبدأ الخروج من البيت والاختلاط بالناس ولكن يجب أن يكون دور الأب غير مباشر في اختيار الأصدقاء والإبعاد عن قرناء السوء ، والوسيلة التربوية لذلك أن يصطحب الوالدان أولادهما في زيارة الأصدقاء الصالحين ليقيم الأولاد مع بعضهم جسور الصداقة والتعاون والمحبة وتبادل الكتب والأفكار فإن تمت العلاقة بين الأولاد توارى الآباء عن المسرح ، ويفعل الأب مثل ذلك مع الجيران الصالحين ، والأقارب الملتزمين بالإسلام ثم يتابع الأب ذلك بالإرشاد إلى الأندية الرياضية الملتزمة وحضور الدروس المفيدة والبرامج الإسلامية والندوات الفكرية واقتناء المجلات الهادفة والقصص البناءة .
وفي المقابل يقطع الأب كل آصرة لا ترضي الله عن طريق الإقناع والتوعية والمناقشة والحوار وليس بالقسوة والإجبار أو الصراخ أو التهديد .
يقول الرسول r : (( مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير )) ([23]) .
ونحذر مما يفعله البعض من اصطحاب أولادهم إلى أماكن اللهو والفجور والسهرات المشبوهة والأماكن الموبوئة والمدارس التبشيرية والأندية الماجنة فإنه حرام قطعا ويتحمل الآباء مسئولياتهم الجسيمة أمام الله إذ يقدمون أولادهم هدية سائغة للشيطان والرذيلة والفساد .
8- تحفظ القرآن الكريم
ويبدأ من الصغر لأنه يقوم السلوك والخلق ويحفظ اللسان ويثبت العقيدة ويضمن المستقبل للشاب لقوله r : (( أدبوا أولادكم على ثلاث خصال حب نبيكم وحب أهل بيته وقراءة القرآن فإن حملة القرآن في ظل الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه )) ([24]) .
وقال أيضا : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) ([25]) . والأحاديث في هذا كثيرة .
ويتوقف النجاح في ذلك على توجيه الآباء واختيار الموجه وانتقاء المربي وهو ما بالغ به السلف الصالح والخلفاء الأوائل بتخير المؤدبين والمربين والمعلمين الموثوق بدينهم وسلوكهم فيعهدون إليهم بتربية الأولاد ويرسمون لهم الخطوط العريضة في التربية .
ويمكن الاعتماد في ذلك على مبدأ الثواب والعقاب أو الترغيب والترهيب وتلبية النوازع النفسية بالثناء العلني وحب الظهور واستقلال الشخصية والتغاضي عن الهفوات.
ومن الخطأ الشائع : الاكتفاء بحفظ الآيات أو قراءة الكتب بشكل إجباري دون إدراك المضمون والهدف الذي يشوقهم للحفظ ويعلقهم بالكتاب الكريم وتطبيقه والاستفادة من معانيه وأحكامه .
9- التسوية بين الأولاد
وذلك في الرعاية والمحبة والاهتمام بالهدايا ماديا ومعنويا حتى القبلات لما رواه الشعبي أن رسول الله r قال : (( اعدلوا بين أولادكم في العطايا كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر )) ([26])
وروى النعمان بن بشر t أن أباه أعطاه عطية ولم يعط بقية إخوته وأراد أن يشهد على تصرفه رسول الله r فسأله عليه الصلاة والسلام : (( هل أعطيت كل أولادك مثل هذا ؟ )) قال : لا فقال عليه الصلاة والسلام : (( فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )) وفي رواية قال : (( لا تشهدني على جور وإن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم )) ([27]) وهو مبدأ تربوي يترك أثرا حسنا على الأولاد وأما تفضيل أحد الأولاد من أمراض الجاهلية التي عادت أدراجها إلى المسلمين لتمزق الشمل وتقطع الأرحام وتخلق الحقد والبغضاء والعداوة بين أفراد الأسرة  الواحدة .
10- القدوة الحسنة
وهو أهم عناصر منهج الإسلام في تربية الأولاد ليكون الوالدان قدوة حسنة في التربية لأن التقليد وسيلة ناجحة عند الصغار خاصة ومع الوالدين بشكل أخص فالطفل يبدأ بتقليد والديه ومن يحيط به و يقلد من يحب ويتقمص شخصية من يستحوذ على فكره ويظهر ذلك جليا عند الأطفال في العبادة والأخلاق والسلوك ، وفي هذا يقول الرسول الكريم : (( كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )) ([28])
وتتمثل القدوة الحسنة بالفكر والسلوك معا ، فإن تعذر على الأب جانب الفكر والمعرفة استعان بالأيدي الأمينة والمربي الواعي والموجه الحكيم كما يفعل في تعليم الصنعة والحرفة .
وإن جميع العناصر السابقة تبقى نظرية وحبرا على ورق إذا لم تتجسد بصورة واقعية في حياة الطفل مع التحذير من مخالفة الأقوال والأفعال فإن التربية تفقد مضمونها وقد تؤدي إلى عكس المراد منها .
11- الاعتماد على الله تعالى
وهو آخر العناصر بل أهم العناصر وذلك بالتوجه إلى الله والاستعانة به وسؤاله التوفيق في حفظ الذرية الطيبة وهذا هو منهج الأنبياء كما ذكره القرآن الكريم كثيرا ، قال تعالى على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام : ] رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ [ [إبراهيم: 40].
وقد قال تعالى على لسان إبراهيم وإسماعيل : ] رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً [ [البقرة: 128].
وقال تعالى على لسان المؤمن ] وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي [ [الأحقاف: 15].
ووصف القرآن الكريم عباد الرحمن بصفات منها : التوجه إلى الله بطلب الذرية الصالحة فقال تعالى : ] وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [ [الفرقان: 74].
فإن التزم المسلم منهج الإسلام في تربية الأولاد ثم ساء الولد وفسد فتلك مشيئة الله وإرادته وهو نادر فعلينا العمل وعلى الله النتائج وهو ما حصل مع سيدنا نوح وابنه وهذا نادر وشاذ ولكي يبقى المنهج الأصلي هو المعتمد وهو ما سار عليه سلفنا وخلفوا الأجيال الطيبة ، وهو ما ردده الشاعر العربي :
وينشأ ناشئ الفتيان فينا

على ما كان عوده أبوه
وهو المراد من المثل العربي : (( يشيب المرء على ما شب عليه )) ثم يأتي دور المجتمع والدولة والمدرسة في إكمال البناء ومتابعة التربية السديدة الرشيدة كما يحبه الله ويرضاه.

سابعا : حقوق الأولاد المقررة شرعا :
يثبت للأولاد حقوق كثيرة وأهمها :
1- حق التربية : كما شرحنا سابقا ، وذكرنا عناصره باختصار .
2- حق النسب : وهو من الضروريات الخمس الأساسية في الإسلام وهو حق للوالد بإلحاق نسب ولده له ، فيسعد به ويحمل اسمه وينتسب إليه ويرثه بعد وفاته ويكسب دعاءه بعد وفاته ، وهو حق للأم التي يهمها أن يثبت نسب وليدها من أبيه تأكيدا لشرفها وحفظا لعرضها وكرامتها ولما يتفرع على ثبوت النسب من الأب من واجب النفقة والتربية والولاية وغيرها ، ويدعى الولد بأمه يوم القيامة .
والاهم من ذلك – في موضوعنا – حق الولد بثبوت نسبه من أبيه ، لأنه أهم مقومات الحياة الشخصية ، وقرره الإسلام وحرص عليه ، وقرره رسول الله r بقوله : ((الولد للفراش )) ([29]) .
ومنع الإسلام المساس بالنسب نهائيا ولا يبطل نسب الولد نهائيا ومطلقا إلا بأمر استثنائي ونادر وهو اللعان بين الزوجين ، ونفى النسب ، واعتبر الإسلام مجرد التهمة بالنسب أو التشكيك فيه موجبا لحد القذف الثابت بنص القرآن في سورة النور واعتبره رسول الله r من الكبائر ، والسبع الموبقات (( وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات )) ([30])
ولعن رسول الله من ادعى نسبا لغير أبيه ، أو من جحد نسب ولده ، ومن أدخلت على زوجها ولدا ليس منه ، فقال رسول الله r : (( من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام )) ([31]) .
وقال أيضا : (( أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ، فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه أي يعلم أنه ولده ، احتجب الله عنه ، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين ))
ثم حرم الإسلام التبني بشكل قاطع فقال تعالى : ] ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [ [الأحزاب: 5]. وتحريم التبني في ادعاء النسب كذبا وزورا شيء ، ورعاية الطفل واللقطاء وكفالتهم شيء آخر ، كما سنرى ويتفرع عن حق النسب للطفل حقه في ثبوت الجنسية .
3- حق الرضاع: وهو من الحقوق الأساسية للطفل بعد الولادة ، وقرره القرآن الكريم وحدد الحد الأعلى له ، فقال تعالى : ] وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [ [البقرة: 233].
ثم بين القرآن الكريم أن نفقة الرضاعة ونفقة الأم واجبة على الأب ، فقال تعالى : ]وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [ [البقرة: 233]. فإن لم ترضع الأم لسبب ما فعلى الأب نفقة الظئر المرضعة وهو حق للطفل ليكون الغذاء الأساسي للطفل طبيعيا من ثدي أمه أو من غيرها ، وليس من طريق آخر كما هو الشأن اليوم عند تخلي الأم أولا والنساء ثانيا عن الإرضاع الطبيعي الذي ثبت فضله وأهميته ، ثم تقوم الدعوة من جديد للمناداة به والمطالبة فيه وخاصة إذا كان الطفل في أيدي الخادمات والشغالات وما يعانيه جسميا ونفسيا وتربويا مما يجب التنبه له والحذر منه .
4- حق الحضانة : وهي رعاية الطفل والقيام بشئونه من طعام وشراب ونظافة في الفترة الأولى من حياته ، وهي فترة طويلة جدا نسبيا إذا ما قورنت بسائر المخلوقات لذلك قرره الشرع حقا للطفل وواجبا على الأبوين ، ونظرا لطبيعة هذه المرحلة ، فإن الأم أحق بحضانة الطفل من غيرها ، تحت إشراف لطبيعة هذه المرحلة ، فإن الأم أحق بحضانة الطفل من غيرها ، تحت إشراف الأب ، ولو طلقت الأم فهي أحق بحضانة ابنها لقوله r : (( أنت أحق به ما لم تتزوجي )) ([32]) .
وخصص الفقهاء باب مستقلا عن الحضانة وأحكامها الشرعية وصاحب الحق فيها وتحديد السن اللازم لها ، كل ذلك لضمان أفضل الظروف المناسبة للطفل وحمايته ورعايته وإعداده للمستقبل .

ثامنا : حق الطفل اللقيط واليتيم
إن الشريعة الغراء لم تقصر رعايتها للأطفال الذين يولدون من أباء وأمهات معروفين ، بل اعتبر الشرع هذا الحق شاملا لكل طفل وجد في هذه الدنيا ، حتى ولو عرف أنه ابن زنى ، لأن هذا الطفل برئ ولا ذنب له ولم يرتكب جريمة وقد قرر الإسلام المسئولية الشخصية عن كل عمل ، فقال تعالى : ] وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [ [الأنعام : 164 ، الإسراء : 15، فاطر : 18ن الزمر : 39].
وقال تعالى : ] كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [ [المدثر: 38].
فاللقيط أو المجهول النسب يستحق جميع حقوق الطفل ، ما عدا حق النسب من جهة ، وأن هذه الحقوق لا تجب على شخص معين وإنما على مجموع المسلمين فهي فرض كفاية على المجتمع الإسلامي أو الدولة ، ونفقته على مجموع المسلمين أو في بيت مال المسلمين .
وقد رغب الشرع الحنيف في كفالة اللقطاء ، ورعايتهم ، وتقديم كل مساعدة لهم ، وأن ذلك باب من أبواب الجنة في الثواب والأجر ، حتى خصص الفقهاء بابا مستقلا لهم بعنوان : (( باب: اللقيط)) لبيان الأحكام التي ترعى شئونه والحقوق التي يستحقها ، وخاصة على الدولة .
كما أن اليتيم الذي فقد والده ، وقد تتخلى عنه والدته لسبب ما ، فله أحكامه الواسعة ، وجاءت الأحاديث الكثيرة في رعاية الأيتام وحسن كفالتهم ورعايتهم ، وأن أفضل بيت في المسلمين بيت فيه يتم للرعاية والتربية ، وأن كافل اليتيم يرافق رسول الله r إلى الجنة للحديث الصحيح : (( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين )) وأشار بالسبابة والوسطى([33]) .

تاسعا : مسئولية الدولة عن الأطفال
إن حقوق الطفل مقررة في الأصل على الأبوين ، ثم على الأقارب ، ثم على من يتبرع من المسلمين فإن لم يتوافر واحدا من هؤلاء أو توفر مع العجز المادي عن النفقة والرعاية والتربية والتعليم ، فإن الدولة الإسلامية مكلفة شرعا بالقيام بهذه الجوانب ، وتكون النفقة المادية في بيت المال ، حتى ولو كان الطفل في رعاية أبيه وحضانة أمه .
وقد سبقت الدولة الإسلامية جميع دول ومواثيق العالم في رعاية الدولة للأطفال ، وتخصيص تعويض شهري لهم ، لما روي عن الخليفة عمر بن الخطاب t أنه فرض لكل مولود راتبا خاصا يدفع من بيت المال ، واستمر هذا العطاء لأولاد الجند والعمال وسائر المسلمين .

عاشرا : حق الطفولة في المواثيق الدولية
إن حق الطفل – في الحقيقة – مقرر وثابت في جميع الديانات والشرائع والأنظمة وعند مختلف الشعوب والأمم والحضارات لأنه مرتبط بأمر فطري جبلي من الله تعالى في قلوب ونفوس الآباء والأمهات ، وحتى معظم الحيوانات ولكن تتفاوت الأحكام – نسبيا – من مكان إلى آخر ، ومن زمان إلى غيره ، ولا يتخلى عن هذا الحق إلا الشواذ الذين أصيبوا في قلوبهم ونفوسهم وفطرتهم .
وجاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، بجملة مختصرة عن حقوق الطفل فنص  في الفقرة الثانية من المادة العاشرة على : (( للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين ، وينعم الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية ، سواء كانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية ))
ولعل الإصرار على التذكير بالفقرة الأخيرة لمعالجة المأساة الإنسانية التي يعيشها الأطفال في أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية من كثرة أعداد اللقطاء وأولاد الزنى ، حتى وصلت إحصائيات أولاد الزنى في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا إلى 35% وتصل في بعض المدن الأمريكية إلى 50% .
ثم جاءت الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فأولت الأطفال رعاية أوسع ، ونصت الفقرة الثالثة من المادة العاشرة على : (( وجوب اتخاذ إجراءات خاصة لحماية ومساعدة جميع الأطفال والأشخاص الصغار دون أن تمييز لأسباب أبوية أو غيرها ، ويجب حماية الأطفال والأشخاص الصغار من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي ويجب فرض العقوبات القانونية على من يقوم باستخدامهم في أعمال تلحق الأضرار بأخلاقهم أو بصحتهم أو تشكل خطرا على حياتهم أو يكون من شأنها إعاقة نموهم الطبيعي ، وعلى الدولة كذلك أن تضع حدودا للسن ، بحيث يحرم استدام العمال من الأطفال بأجر ، ويعاقب عليه قانونا إذا كانوا دون السن )) .
هذه الحقوق في الاتفاقية مجرد آمال وأحلام ، وإن الإحصائيات الدولية تثبت عكس ذلك في تشغيل الأطفال والصاغر حتى في الأعمال المهينة والشاقة والضارة بنموهم .

حادي عشر : إعلان حقوق الطفل
ونظر لأهمية حقوق الطفل والخطورة التي يتعرض لها الأطفال – وهم شباب المستقبل ورجال الأمة في الغد – فقد أصدرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة (( إعلان حقوق الطفل )) لسنة (1959م) ([34]) .
ومؤلف من مقدمة وعشرة مبادئ نلخصها بما يلي :
1-                    التأكيد على حق الطفل في التمتع بهذه الحقوق على قدم المساواة دون تمييز لسبب يتعلق بشخصه أو أسرته أو عرفه .
2-          حق الطفل في الحماية الخاصة ومنحه الفرص القانونية لمساعدته على النمو جسديا وعقليا  وروحيا واجتماعيا بصورة طبيعية تتفق مع جو الحرية والكرامة ، وتقديم مصلحة الطفل دائما .
3-                    حق الطفل في التسمية والجنسية منذ ولادته .
4-                    حقه في الضمان الاجتماعي والصحي ، وفي العناية والوقاية الخاصة له ولأمه ، قبل الولادة وبعدها ، وحقه في التغذية الكافية وفي السكن والرياضة .
5-                    حق الطفل المعاق جسميا أو عقليا أو اجتماعيا في المعالجة والتربية والعناية حسب حالته الصحية .
6-          حاجة الطفل للمحبة والتفهم للتنمية الكاملة المناسبة لشخصيته ، وحقه في النمو تحت رعاية والديه ، وتأمين العطف والطمأنينة الأدبية والمادية ، وعدم حرمانه من حضانة أمه ، و التأكيد على واجب الدولة في تأمين إعالة الأطفال اليتامى والفقراء مع مساعدة العائلات المحتاجة .
7-          حق الطفل في التربية المجانية والإلزامية ، وخاصة في المرحلة الابتدائية ، وحقه في الثقافة العامة المساعدة على تنمية قدراته وتقديره الشخصي للأمور ، وشعوره بالمسئولية الأدبية والاجتماعية كعضو في المجتمع ، وحقه في اللعب والاستجمام ، والنظر إلى مصالحه وإلى مسئولية الوالدين بالأفضلية في ذلك ثم واجب الدولة والسلطات العامة لتوفير هذه الحقوق.
8-                    أفضلية الطفل في الحصول على الحماية والإسعاف في جميع الأحوال .
9-          وقاية الطفل من الإهمال والقسوة والاستغلال وتحريم الاتجار به ، وتحريم تشغيله قبل سن معينة وخاصة في الأعمال المضرة بصحته أو بتربيته أو بنموه الصحي أو العقلي أو الأدبي .
10-        واجب حماية الطفل من الأعمال التي تجنب التمييز العنصري أو الديني أو غيره ، وتنشئته بروح التفاهم والتسامح والصداقة بين الشعوب والسلام والإخاء العالمي وخدمة رفيقه الإنسان .
واستهل (( إعلان حقوق الطفل )) مبادئه بأن أوصى الوالدين فيها ، والرجال والنساء إفراديا وهيئات طواعية وسلطات محلية وحكومية للاعتراف بحقوق الطفل.
وتذكيرا بهذا الإعلان وبأهمية حقوق الطفل والعناية بها ، فقد اعتبرت الأمم المتحدة سنة (1979) سنة الطفل العالمية لتأمين الرعاية الكافية لحقوق الأطفال وضمان التنفيذ العملي لهذه المبادئ والحقوق والقيم والشعارات ، وخصصت الأمم المتحدة يوما عالميا للطفل .

ثاني عشر : حق الطفل في الإعلان الإسلامي
نصت الفقرة الأولى من المادة السابعة على حق الطفل بشكل موجز للتذكر بأحكامه المقررة في الشرع والفقه ، فقالت : (( لكل طفل منذ ولادته حق على الأبوين والمتجمع والدولة في الحضانة والتربية والرعاية المادية والعلمية والأدبية ، كما تجب حماية الجنين والأم وإعطاؤهما عناية خاصة ))
وهذا مجرد كلام عام يجب ربطه بالنصوص الشرعية في القرآن والسنة والأحكام الفقهية الواسعة المبسوطة في كتب الفقهاء ، مع وجوب ربط هذه الحقوق – كما هو مقرر شرعا – بالعقيدة والإيمان ومقاصد الشريعة والترغيب والترهيب لتأمين الرعاية الكافية للأطفال وتطبيق حقوقهم بشكل عملي في الحياة .


خاتمة

إن تطبيق هذه الحقوق للأولاد على الوالدين عمليا قد تحققت في التاريخ الإسلامي ، وظهرت الأجيال المتعاقبة الفاضلة ، وخلفت أمتنا الأجيال الأشاوس والعلماء والأبطال والأئمة والقادة والمفكرين والمجاهدين نتيجة لتربية الوالدين في البيت والالتزام بالمنهج التربوي الإسلامي الفريد ، وهذا ما ندعو إليه ونحرص عليه ونحذر من تنكبه أو مخالفته ، وهو ما يقع أحيانا ويهدد الأمة اليوم .
ونسأل الله تعالى أن يردنا إلى ديننا ردا جميلا لتطبيق كتاب الله وسنة نبيه r ونتأسى بمنهج السلف الصالح ، للحافظ على أولادنا وأجيال المستقبل .
والله من وراء القصد وعليه الاعتماد والتكلان ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .





([1]) أخرجه الإمام مسلم برقم (1829). 
([2]) رواه مسلم وأبو يعلي في مسنده والطبراني في الكبير (فيض القدير 5/33). 
([3]) رواه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر (فيض القدير 4/327). 
([4]) رواه الترمذي والحاكم عن عمرو بن سعيد (فيض القدير (5/503). 
([5]) رواه الترمذي عن جابر بن سمرة (فيض القدير 5/257). 
([6]) انظر تفسير ابن كثير 4/391 (تحفة المودود ص 431 ، طرق تدريس التربية الإسلامية للأستاذ الدكتور / محمد الزحيلي (ص 29 وما بعدها ) 
([7]) رواه الطبراني في الكبير ، وابن حبان عن النعمان بن بشير (فيض القدير). 
([8]) رواه البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد عن أبي سعيد ، ورواه الحاكم عن أبي هريرة (الفتح الكبير (3/8). 
([9]) أبو داود عن عبد الله بن عمرو كتاب الزكاة ، باب في صلة الرحم حديث رقم 1692، وقال السيوطي حديث صحيح . 
([10]) رواه ابن ماجه والحاكم ، ويحسن التنبيه إلى حديث ضعيف وهو (( إياكم وخضراء الدمن)) قلنا : وما خضراء الدمن قال : (( المرأة الحسناء في منبت السوء )) رواه الدارقطني وقال : لم يصح من وجه ، والغالب أنه موضوع وإن كان معناه حسنا ومقبولا ، (الفتح الكبير 2/36) كشف الخفايا 1/320). 
([11]) هذا جزء من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا (فيض القدير 3/371 ، الترغيب والترهيب 3/45 ، صحيح البخاري 5/1958، صحيح مسلم 10/50) 
([12]) انظر كتاب تحفة المودود بأحكام المولود لشمس الدين ابن قيم الجوزية (752هـ) وله طبعات كثيرة . 
([13]) رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة  ، والديلمي في مسند الفروس ، (فيض القدير 3/394).
([14]) رواه البيهقي عن ابن عباس (فيض القدير 3/394). 
([15]) رواه مسلم وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة  مرفوعا (الفتح الكبير 3/250، صحيح مسلم 16/215).
([16]) رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة مرفوعا ، (جامع العلوم والحكم ص 85، صحيح مسلم 7/100) 
([17]) روى الشافعي عن ابن مسعود t قال : (( سألت النبي r : أي الكبائر أكبر ؟ فقال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قلت ثم أي ؟ قال: أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك )) (الأم 6/3).
([18]) رواه البخاري في الأدب المفرد ص27 ، ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي (الفتح الكبير 1/155، نزهة المتقين 1/713 ، صحيح مسلم 11/85) . 
([19]) هذا الحديث صحيح رواه مسلم والترمذي واحمد عن أنس مرفوعا (صحيح مسلم 16/181 ، فيض القدير 6/177 ، مسند أحمد 3/148). 
([20]) هذا الحديث رواه أبو داود عن أنس مرفوعا (فيض القدير 6/178). 
([21]) رواه أبو داود (1/115) والترمذي وأحمد (2/180 ، 187) والحاكم عن ابن عمر مرفوعا (الفتح الكبير 3/135). 
([22]) انظر تفسير ابن كثير (4/391).
([23]) رواه البخاري عن أبي موسى مرفوعا فيض القدير (5/507) صحيح البخاري (2/741). 
([24]) حديث ضعيف ، رواه أبو نصر عبد الكريم الشيرازي في فوائده ، والديلمي ، وابن النجار عن علي (الفتح الكبير (1/59). 
([25]) حديث صحيح ، رواه البخاري وغيره عن عثمان t مرفوعا (فيض القدير 3/499ن نزهة المتقين 1/741 ، صحيح البخاري 4/1919). 
([26]) رواه الطبراني عن النعمان ابن بشير (فيض القدير 1/557). 
([27]) رواه الطبراني والبخاري ومسلم والإمام أحمد (فيض القدير  1/126 ، صحيح البخاري 2/913 ، صحيح مسلم 11/65 ، مسند أحمد 4/269 ، 271 ).
([28]) رواه مسلم وأبو يعلي والطبؤاني والبيهقي وأحمد عن الأسود بن سريع وصححه السيوطي (صحيح مسلم 16/207 ، الفتح الكبير 2/329 ، سنن البيهقي 6/202 ، 203 ، مسند أحمد 2/233). 
([29]) الحديث صحيح رواه البخاري (60/2481) ومسلم (10/37). 
([30]) الحديث صحيح رواه البخاري (3/1017) ومسلم (2/83) وأوله ((اجتنبوا السبع الموبقات)) 
([31]) أخرجه مسلم كتاب الإيمان حديث رقم (115). 
([32]) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو عن أبيه مرفوعا (مسند أحمد 2/172 ، المستدرك 3/207). 
([33]) رواه البخاري ورواه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله r قال : (( كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة )) (صحيح البخاري 5/3032 ، صحيح مسلم 18/113 ، مختصر صحيح مسلم ص532). 
([34]) انظر كتاب (( أركان حقوق الإنسان )) للدكتور صبحي المحمصاني (ص 239 وما بعدها ) (حقوق الإنسان في الإسلام )  للأستاذ الدكتور محمد الزحيلي (ص257 وما بعدها) .