الجمعة، 22 أغسطس 2014

بدون حرج : المرأة في وضعية إعاقة


كيف تعيش المرأة في وضعية إعاقة بيننا، وهل يستقيم الحديث عن الوصم والميز المزدوج؟ ما درجة تمتع النساء المعاقات بالحقوق الأولية، وحدود اندماجهن في المجتمع؟ بأي منطق قاربت ودبرت السياسات العمومية المتعاقبة هذا الملف، وكيف نفهم الرفض الذي قوبل به آخر مشروع قانون متعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة ؟ ثم ما مداخل تعويض الفكر الإحساني بمقاربة حقوقية مواطناتية لفائدة المعاقين نساء رجالا وأطفالا؟
المرأة في وضعية إعاقة موضوع العدد الجديد من برنامج "بدون حرج" بمشاركة كل من :
  • كريمة الحداد منسقة لجنة الترافع بجمعية الحمامة البيضاء لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب
  • عدنان جزولي أستاذ جامعي وباحث في مجال الإعاقة
  • فاطمة أيت لعوينات رئيسة الجمعية المغربية للمرأة المعاقة
  • عبد الرحيم العطري أستاذ باحث في السوسيولوجيا

الأربعاء، 6 أغسطس 2014

دسترة النوع الاجتماعي


الدكتورة التيجي بشرى
مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية



دسترة النوع الاجتماعي


تمهيد

منذ إعلان المغرب عن الإصلاحات الدستورية بمناسبة خطاب الملك في 9 من مارس 2011 انخرطت كل الفعاليات السياسية والمجتمع المدني في الإسهام بآرائها ومقترحاتها من اجل بلورة دستور ديمقراطي تقدمي يعكس الحراك الذي تعرفه المنطقة العربية ، والذي ألقى بظلاله على الساحة المغربية.
ولعل موضوع النوع الاجتماعي ما يزال لم يحظ بالاهتمام اللازم من قبل الهيئات السياسية وأغلب منظمات المجتمع المدني، التي ركزت في الغالب على الاهتمام بالصلاحيات المخولة للملك وطبيعة النظام السياسي المنشود
لكن في المقابل فان بعض الحركات النسائية قدمت مقترحاتها حول هذا الموضوع إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، مطالبة بدسترة النوع الاجتماعي، بل ذهب بعضها إلى ضرورة التنصيص على النوع الاجتماعي في ديباجة الدستور وبدسترة التدابير الإيجابية، ودسترة المناصفة والمساواة بين الجنسين في جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية ، وكذا في كافة مراكز القرار،مع التأكيد على تقليص الفوارق الطبقية، والاهتمام بكل الفئات الاجتماعية، و استحضار حقوق النساء في كل السياسات الجهوية.
وقد جاءت هذه المطالب كنتيجة لنضالات الحركة النسائية، التي طالبت بدسترة المكاسب التي حققتها المرأة المغربية، حتى لا يقع الالتفاف عليها،على اعتبار انه لا يمكن حماية الحقوق الأساسية للنساء وترسيخها وتوسيعها، إلا من خلال تأصيلها الدستوري، وإدراجها ضمن المبادئ الدستورية الأساسية.
ورغبة في المساهمة في هذا النقاش المجتمعي لا بد من تسليط الضوء على أهم المطالب المندرجة في إطار دسترة النوع الاجتماعي، والتي تتعدد بتعدد مطالب الحركة النسائية، وسأركز في هذا المقال على بعض منها

1- دسترة المساواة
لقد نصت كل الدساتير المغربية المتتالية، على مبدأ المساواة بين الجنسين، اذ جاء في الفصل الثامن من الدستور الحالي" أن الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية"
وكذلك نص الفصل الثاني عشر انه " يمكن جميع المواطنين أن يتقلدوا الوظائف والمناصب العمومية وهم سواء فيما يرجع للشروط المطلوبة لنيلها"

وهو ما يعني أن النص الدستوري لا تخلو بنوده وفقراته من إقرار المساواة بين المغاربة رجالا ونساء أمام القانون في الحقوق والواجبات.
إلا أن مع طرح موضوع التعديل الدستوري المرتقب أعيد النقاش حول قضية المساواة بين الجنسين كخيار يعزز البعد الديمقراطي والحداثي، على اعتبار أن أي إصلاح دستوري لا يمكن أن يتم من دون مشاركة حقيقية للنساء، ومن دون استحضار مطالبهن، التي تبقى مطالب مجتمعية، وتعبر عن تطلع المجتمع لحياة ديمقراطية حقيقية.
وفي هذا الإطار عملت الحركات النسائية على بلورة مطالبها الداعية للمساواة من خلال مقترحاتها المرفوعة إلى اللجنة الدستورية المكلفة بإعادة صياغة الدستور،مطالبة بدسترة المساواة ،معتبرة أن دسترة المساواة وحقوق النساء وحماية آليات النهوض بها هو من الأولويات التي ينبغي أن تشملها الإصلاحات الدستورية المرتقبة للحد من الميز والإقصاء، مؤكدة على ضرورة مراجعة اللغة الذكورية للدستور،واستعمال صيغ وعبارات تتوجه إلى المواطنات والمواطنين والنساء والرجال على حد سواء.
إن المطالبة بدسترة المساواة بين الجنسين في المرحلة الراهنة يعكس مدى الرغبة في القطع مع مرحلة ظلت فيها المساواة بين الجنسين مجرد كلمات في الدستور لا تعكس الواقع الحقيقي الذي تعيشه النساء، ولعل الصيغة التي ورد يها الفصل 8 لم تكن واضحة بشكل يؤكد إلزامية اعتمادها في كل المجالات المدنية والسياسية وأيضا في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ ظل هذا الفصل ينص على المساواة السياسية فقط وهو الفصل الذي شكل دائما عرقلة أمام مجموعة من المطالب النسائية في العديد من المجالات المختلفة.
لذا فان المطالبة بحماية مختلف حقوق النساء وضمان مساواتهن مع الرجال من خلال التنصيص على ذلك في أسمى قانون في البلاد، يعد مكسبا للمرأة المغربية وللقوى الديمقراطية، كما انه سيمكن من القيام بالإجراءات والسياسات الضامنة لملاءمة باقي النصوص مع المقتضى الدستوري، وكذا لتكريس المساواة فعليا، ووضع الهياكل والمؤسسات اللازمة لذلك، بالإضافة إلى تحفيز باقي الفاعلين للانخراط الجدي في هذه الدينامية.

ومن جهة أخرى فان دسترة المساواة هي فرصة لتثبيت المكاسب التي حققها المغرب في السنوات الأخيرة على صعيد الارتقاء بحقوق النساء، كما أنها مؤشر على تقييم الديمقراطية، وفرصة لتحقيق العدل والإنصاف، وإعطاء المرأة ضمانات فعلية لضمان حقوقها دون تمييز بسبب الجنس أو الانتماء السياسي أو المظهر أو اللباس.
وتشمل دسترة المساواة بين الجنسين كل المجالات بما في ذلك المجال السياسي، كما أنها تشمل أيضا الاعتراف بالتمييز الايجابي لصالح النساء الذي اعتبرته الحركة النسائية آلية من آليات تثبيت المساواة لا سيما في مجال التمثيلية السياسية ، ولم تر فيه على الإطلاق خرقا لمبدأ المساواة بل اعتبرته تدبيرا ايجابيا ضامنا للإنصاف.

2- دسترة التدابير الإيجابية
لقد انطلقت دعوة الحركات النسائية للمطالبة باعتماد تدابير ايجابية لفائدة المرأة في المؤسسات المنتخبة بالنظر إلى ضعف تمثيليتها في البرلمان، وكذا في المجالس الجماعية إلى جانب ضعف تواجدها في الحكومة.
واعتبرت أن حل إشكالية ضعف تواجد المرأة في هذه المؤسسات لن يتأتى إلا من خلال الإقرار الدستوري بالتمييز الايجابي لصالحها، الذي يهدف إلى خلق توازن بين الرجل والمرأة في التمثيل السياسي وتبوأ مراكز صنع القرار، والذي يضفي الشرعية على نظام الكوتا الذي تبناه المغرب في الانتخابات الأخيرة، رغم ما أثاره من نقاشات حول مدى دستوريته.
إن مطالبة الحركات النسائية بدسترة التدابير الايجابية لصالح المرأة هو تجاوز لنقاشات لا يمكن غض الطرف عنها من قبيل ألا يتعارض هذا المطلب مع مطلب المساواة في حذ ذاته؟
ألا يعتبر ذلك خرقا للمبادئ الدستورية الضامنة للمساواة بين الأفراد والمنصوص عليها في الدستور؟ الا يتعارض هذا المطلب مع منطق الحركات النسائية التي اعتبرت أن الاجراءات التمييزية لصالح النساء هي فقط إجراءات مؤقتة في انتظار قبول المجتمع بوجود المرأة في الهيئات المنتخبة؟ وهل يمكن المطالبة بإدراج مقتضيات مؤقتة من هذا القبيل في الدستور؟
ان هذه التساؤلات تفرض نفسها، لكن هذا لا يعني ان مطلب اعتماد إجراءات مرحلية تستهدف تهيئ المجتمع للقبول بتواجد النساء في مواقع القرار، وتشجيعهن على دخول العمل السياسي، قد يكون مطلبا مشروعا في ظل الواقع الذي تعيشه المرأة المغربية، والذي ما يزال يعكس استمرار تحكم العقلية الذكورية في المشهد السياسي، والذي كان دافعا للمطالبة بتخصيص ثلث مقاعد المؤسسات المنتخبة للنساء، ليتحول هذا المطلب إلى حد المطالبة بتخصيص نصف المقاعد للنساء.
واعتبرت التحولات الأخيرة وخطاب الملك في 9 مارس 2011 محفزا للحركات النسائية من اجل المطالبة ليس فقط باعتماد هذه الإجراءات، ولكن أيضا بدسترتها، أي التنصيص عليها ضمن بنود الدستور، .
ذلك أن الخطاب – من وجهة نظر الحركات النسائية- قد أعطى الضوء الأخضر لشرعنة التمييز الإيجابي، ولحماية المكتسبات التي جاءت في إطار توافقي بين الأحزاب، وتضمن توجيها يدعو إلى "تعزيز مشاركة المرأة في تدبير الشأن الجهوي خاصة، وفي الحقوق السياسية عامة ، وذلك بالتنصيص القانوني على تيسير ولوج المرأة للمهام الانتخابية، وهو ما سيؤدي إلى شرعنة آليات التمييز الإيجابي، التي اعتمدها المغرب من أجل وصول نسب مهمة إلى المؤسسات المنتخبة.
وبذلك يكون الخطاب الملكي- من وجهة نظر الحركات النسائية- قد وضع حدا أمام كل ادعاءات الأحزاب السياسية التي كانت تعتبر أن كل تنصيص قانوني على "الكوطا" و"اللائحة الإضافية"، سيكون مآله الرفض من قبل المجلس الدستوري، على اعتبار أن ذلك سيعد خرقا للدستور.
فالإقرار الدستوري باعتماد التدابير الايجابية لفائدة النساء سيضفي الشرعية على هذه الإجراءات، وستصبح متناغمة مع القانون الاسمى للبلاد، بل سيفرض على الأحزاب السياسية ترشيح نسبة من النساء ، ذلك أن الأحزاب يلزمها إرادة سياسية من (الفوق)تفرض عليها ترشيح النساء عوض الاستفادة منهن ككتلة ناخبة فقط، ولعل دسترة اعتماد إجراءات تمييزية لصالح النساء قد يكون حافزا للأحزاب من اجل اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الإطار.




3- دسترة سمو القوانين

إذا كانت الحركات النسائية قد اتفقت حول أهمية دسترة المساواة، واتخاذ تدابير ايجابية لفائدة النساء، فإنها قد اختلفت في شان مطلبها المتعلق بدسترة سمو القوانين الدولية، وبرز تياران اثنان في هذا الشأن الأول يدعو إلى ضرورة الاعتراف بسمو هذه القوانين على القوانين الوطنية، في حين يرى التيار الثاني أن القوانين الدولية ينبغي ان تتلاءم مع القوانين الوطنية، ولا تتعارض مع الشرع الإسلامي.

وانسجاما مع مواقف التيار الأول قدمت بعض الجمعيات في اجتماعها مع لجنة تعديل الدستور عددا من المقترحات، رأت أن من شأنها تغيير الوضع النسائي بالمغرب،وطالبت بدسترة سمو القوانين لحقوق الإنسان وللحقوق الإنسانية للنساء، واعتبارها مصدرا للتشريع، موضحة أن تلك القوانين تتضمن الحقوق الفردية والجماعية للنساء والرجال بلا تمييز.

وشددت على ضرورة ملاءمة التشريع الوطني مع الصكوك الدولية لحقوق الإنسان والحقوق الإنسانية للنساء، معتبرة أن ذلك سيمكن من القضاء على التمييز بين النساء والرجال وعلى العنف ضد النساء، وعلى إقصائهن من المشاركة في الحياة العامة.

في حين طالبت الجمعيات النسائية التابعة للحركات الإسلامية باحترام المرجعية الإسلامية، وهي بذلك لا ترفض الأخذ بالتوصيات الدولية الصادرة عن المنظمات الحقوقية المهتمة بالقضايا النسائية، ولكن ترهن ذلك بعدم مخالفة أحكام الدين الإسلامي وبما لا يمس بالدستور على أن يبقى حق التحفظ مكفولا للدولة،
كما تدعوا هاته الجمعيات أن تصبح المعاهدات والاتفاقيات الدولية جزءا من القانون الوطني مباشرة بعد نشرها في الجريدة الرسمية بعد موافقة البرلمان عليها.
وفي هذا الإطار اعتبرت فاطمة النجار أن دسترة سمو المعاهدات الدولية على القوانين الوطنية ''هو نوع من فتح باب جهنم''، مشددة على أن تلك المعاهدات ماهي إلا حصيلة اختلال موازين القوى العالمية لصالح قوى الاستبداد العالمي الذي يتعامل في ظل ازدواجية القوانين،نفس الٍرأي تبنته النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية جميلة مصلي حينما اعتبرت ''أنه من غير المقبول أن تصبح المعاهدات الدولية أسمى من الأديان'' ، وهي إشارة إلى ضرورة احترام المرجعية الإسلامية عوض تقديس المقررات الدولية، وجعلها في مرتبة أعلى
ان اختلاف الحركات النسائية بشان مطلب سمو القوانين الدولية لا ينفي اتفاقها على إقرار كل التوصيات والقوانين التي تخدم المرأة المغربية، وتضمن حقوقها ومساواتها مع الرجل بما في ذلك تأسيس مجالس للمساواة ودسترة هذه المجالس.

4- دسترة مجالس المساواة
طالبت الجمعيات النسائية بتأسيس مجالس للمساواة بين الجنسين على الصعيد الوطني والجهوي، ووزارة للمساواة وحقوق النساء والمناصفة في ولوج مراكز القرار وتجريم العنف ضد النساء، بالإضافة إلى تأسيس المجلس الأعلى لحقوق النساء على غرار المجالس العليا التي تهتم بالقضايا المختلفة،معتبرة أن ذلك هو السبيل لإيجاد هيئة رسمية تخاطب الحركة النسائية، وتحقق مطالبها الرامية إلى تحسين وضعية النساء.
وجعلت الحركة النسائية من مهام هذا المجلس الأعلى وضع إستراتيجيات العمل في ما يخص النهوض بحقوق النساء وتوحيد وجهات نظر الدولة والحكومة في هذه القضية، إضافة إلى كونه جهاز يعنى بمراقبة تفعيل المساواة بين النساء والرجال، في التشريعات والسياسات والبرامج العمومية
والخاصة، وطنيا وجهويا.


ختم
إن المطالب النسائية حول المساواة متعددة ومختلفة، ويعتبر تحقيقها أساسيا من اجل تطوير الديمقراطية الناشئة في المغرب، ذلك أن هذه الأخيرة لا تستقيم من دون الاعتراف بالحقوق الإنسانية للنساء،فهن يمثلن أكثر من 50 في المائة من الشعب المغربي وعدد منهن عنصر فاعل في الحركة النضالية المجتمعية. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يوجدن «في قلب الدينامية الفاعلة من أجل إصلاح دستوري شامل وعميق يصب في ملكية برلمانية، تتأسس على احترام المبادئ الكونية لحقوق الإنسان في شموليتها، ومن ضمنها مبدأ المساواة بين النساء والرجال في الحقوق كافة.

 


للإطلاع على هوامش المقال أو طبعه يرجى التحميل على الرابط أدناه


  عن موقع marocdroit

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

انتقادات حول الجندر - الجزء 4




الجزء الرابع: انتقادات حول الجندر
الدكتورة التيجي بشرى
مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية

إنتقاد المفهوم


إن التعاريف التي سبق لنا إدراجها لتقريب مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي إلى أذهان القراء تفضي إلى اعتبار أن هذا المفهوم ينطلق من كون أن البعد الثقافي والاجتماعي هو المحدد الأساسي في تكوين الخصائص السلوكية للجنسين، وكذا في تحديد الأدوار الاجتماعية المفروضة عليهم، وتبعا لذلك فإن الأدوار المسندة إلى المرأة تم إسنادها إليها ليس باعتبارها أنثى بالمعنى البيولوجي وإنما باعتبارها " امرأة "بما تحمله الكلمة من حمولات اجتماعية وثقافية تخفي وراءها مجموعة من الصفات والمميزات التي خصها المجتمع بها، من قبيل أنها ناقصة عقل ودين وأنها المكلفة بتربية الأطفال والعناية بالزوج وتنظيم المنزل وما إلى ذلك
واعتبارا لذلك ، وما دامت هذه المعطيات الاجتماعية والثقافية قابلة للتغير وفق آليات التدرج وتحول الأنماط الاجتماعية والسلوكية ، فإن وضعية المرأة ولا شك أنها هي الأخرى ستتغير في اتجاه مشاركة منصفة لها في تدبير الشأن العام،مقابل تغير في ادوار الرجل لتشمل تحقيق الرعاية الأسرية للأطفال وللزوجة وللبيت دونما اعتبار ذلك انتقاصا لرجولته أو تنازلا عن أدواره القيادية والطلائعية داخل المجتمع.
إن هذه الخلاصات المستنتجة من جراء إعمال مقاربة النوع الاجتماعي، قد تكون محل تأييد من قبل العديد من الباحثين والباحثات وكذا المنظمات الحقوقية والجمعيات النسائية، ولكنها كذلك ما تزال مثار نقد من قبل آخرين، لا سيما اولئك الذين ينطلقون في انتقاداتهم لهذه المقاربة من الغموض الذي اعترى هذا المفهوم منذ نشأته إلى الآن والذي يرجع أساسا إلى كونه مصطلح دخيل على اللغة العربية ، وأنه ترجمة تقريبية لمصطلح "gender "، وهي ترجمة غير دقيقة، احتملت توجهات متعددة، وكل استوعبها من خلال ما استطاع أن يكونه من أفكار حول هذا المفهوم.
ويرجع رفض هذا المفهوم من قبل البعض إلى عدم وضوحه، وكذا لغياب تعريف دقيق لمصطلح" gender"، وترجمته ب " الجنس" في بداية الأمر أو "الجندر" أو "النوع الاجتماعي" ، والاكتفاء بذكر أهداف هذه المقاربة في الوثائق الأممية، دونما تحديد لمدلولها، وهو ما خلق نوعا من ردود الأفعال الرافضة، والتي اعتبرت أن غياب تدقيق للمفهوم يعكس نية مبيتة لدى المنتظم الدولي في تصريفه داخل المجتمعات الإسلامية بما يخدم مصالح الدول المتقدمة وتوجهاتها الفكرية وأنماطها السلوكية.
وهكذا فقد اعتبر بعض منتقدي هذه المقاربة أن التعريف الوارد في الوثيقة الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمصطلح "النوع الاجتماعي" والذي اعتبر أن هذا المفهوم يشير إلى الخصائص الاجتماعية والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية للفرد في جماعة محددة، وأن هذه الخصائص أو المميزات هي سلوكات و تصرفات يتم تعلمها، وهي قابلة للتغير عبر الزمن و تختلف باختلاف الثقافات"
لقد اعتبر هؤلاء أن هذا التعريف هو في غاية الخطورة؛ لأنه يفيد أن الأنوثة والذكورة بالمعنى العضوي منفصلة عن البنية النفسية والأدوار الاجتماعية للأفراد، وأن هذه الأدوار هي مفاهيم اجتماعية مكتسبة وليس لها علاقة بالطبيعة العضوية والفسيولوجية لكلا الجنسين، مما يعني أن التربية الاجتماعية هي التي تحدد الأدوار الاجتماعية، وبالتالي فالمجتمع والتربية هما العاملان الحاسمان في تكوين النفسية الأنثوية أو الذكورية بغض النظر عن الطبيعة العضوية، وهو ما يجعل من الهوية الجندرية غير مكتسبة بالولادة، بل انها - حسب الوثيقة الاممية- خاضعة لتأثيرات العوامل النفسية والاجتماعية، وهو ما يجعل من الهوية الجندرية قابلة للتغير حسب الوسط الذي ينمو فيه الطفل 1
ويضيف هؤلاء أن ذلك يعني أن الفرد من الذكور إذا تأثر في نشأته بأحد الشواذ جنسياً؛ فإنه قد يميل إلى جنس الذكور لتكوين أسرة بعيداً عن الإناث، ليس على أساس عضوي فسيولوجي، وإنما على أساس التطور الاجتماعي لدوره الجنسي والاجتماعي،وكذلك الأمر بالنسبة للفرد من الإناث؟

متخوفين من إمكانية تكون هوية جندرية لاحقة أو ثانوية – جنس ثالث مثلا - تتطور وتطغى على الهوية الجندرية الأساسية، حيث يتم اكتساب أنماط من السلوك الجنسي في وقت لاحق من الحياة، ما دامت أنماط السلوك الجنسي بين الجنس الواحد أيضاً تتطور لاحقاً 2
إلا أنه في نظري إن التخوفات المثارة وان كانت تحاول أن تستعمل المنطق وتعتمد البرهان فإنها تبقى مجرد هواجس تنبثق من تفكير يقاوم التغيير ويرفض إعادة توزيع الأدوار بين الجنسين انطلاقا من مبررات تدعي أن ذلك من شانه أن يفضي إلى مسخ " الجنس" أي ان يظهر جنسا ثالثا يقترب من الأنثى والذكر ، لكن تغيب فيه ملامح الانثى كما تغيب فيه ملامح الذكر.
لتبقى هذه المقاربة حسب اعتقادي هي وسيلة لتصحيح أوضاع خاطئة استمرت لمدة قرون، لاسيما تلك المتعلقة بإعادة توزيع الأدوار وفقا للتغييرات التي شهدها المجتمع، وهنا لا بد من التأكيد أن أي مطالبة بالتغيير في هذه الأدوار، لا يمكنها أن تنصب على " الأدوار البيولوجية" من قبيل الحمل والرضاعة التي تبقى من اختصاص المرأة ولا يمكن للرجل القيام بها، في مقابل ادوار أخرى يقوم بها الرجل ، ولا يمكن لأحد آن يعوضه فيها.
وهو ما يعني أن مقاربة النوع تركز على إعادة النظر في الأدوار الاجتماعية التي هي من صنع الإنسان وليست من صنع الطبيعة، فهذه ينبغي أن يشملها التغيير حسب الحالات وتطور المجتمعات ، وهنا أعطي مثالا قد يبدو بسيطا ولكنه يصلح اعتماده كمؤشر يعكس حاجة المجتمع إلى التغيير.
فمثلا إن خروج المرأة إلى العمل هو في الواقع تغيير في أوضاعها داخل المجتمع وهو مؤشر ايجابي يتماشى مع أهداف مقاربة النوع الاجتماعي، كما أنه قد حقق مردودية عالية بالنسبة للمجتمع وللأسرة وكذا للزوج الذي أصبح معفى من الإنفاق على زوجته، بل أصبحت هذه الأخيرة تساعده في القيام بهذه النفقات وتتقاسم معه مصاريف تمدرس الأبناء والتطبيب والعلاج وكل مصاريف التدبير اليومي ، وهذا التغيير يتماشى مع أهداف مقاربة النوع ويعكس تغييرا في ادوار الجنسين ، ولم يعترض عليه احد ولم يخرج المتخوفين على ' مسخ الجنس' بكتاباتهم ليقولوا لنا أن من شان خروج المرأة إلى العمل ومساهمتها في الإنفاق على بيت الزوجية أن ينتقص من دور الزوج أو أن "ينتقص من انوتثها" بل إن الكل قد تحاشى الغوص في هذا الموضوع، مستفيدين من عملها أو مستغلين هذا العمل في كثير من الأحيان
إلا أنه عند المطالبة بتغيير ادوار الزوج كذلك ومطالبته بالمساعدة في أشغال البيت مراعاة للتغييرات التي عرفها المجتمع بعد خروج المرأة إلى العمل، انتفض هؤلاء ليقولوا أن هذه المطالبات قد تفضي بنا في يوم من الأيام إلى مطالبة الرجل بالحمل والرضاعة، واعتقد أن هذه الادعاءات لم تكن نابعة من تخوفات حقيقية على " مسخ الجنس" كما يدعي هؤلاء، ولكنها كانت بهدف قطع الطريق على أي تغيير في اتجاه إشراك الرجل في مهام التدبير المنزلي والاستفادة من طاقاته في هذا المجال مقابل استفادته من المدخول الذي أصبحت توفره له المرأة العاملة
إن هذا المثال يعكس إلى حد كبير أن الرافضين للتغيير لا يرفضون ذلك رأفة بالمجتمع أو خوفا من تغيير في فيزيولوجية الجنس وإنما من اجل ترسيخ وضع قائم يخدم مصالح المجتمع الأبوي الذكوري مما يجعلنا نشكك في هذه التخوفات وفي خلفياتها، مؤكدين مرة أخرى أن العمل المنزلي ليس مفروضا على المرأة بمقتضى
النصوص الدينية، بل انه عرف تم ترسيخه في المجتمع الأبوي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1
- انظر مثلا مقال رأفت صلاح الدين "المرأة في مختلف المناطق و المدارس" منشور في موقع "لها اون لاين" بتاريخ 25-12-2009 )

2
- المرجع السابق

  عن موقع marocdroit

الاثنين، 4 أغسطس 2014

تحديد مفهوم النوع الاجتماعي من خلال الأدوار الاجتماعية للجنسين - الجزء 2



تحديد مفهوم النوع الاجتماعي من خلال الأدوار الاجتماعية  للجنسين
الدكتورة التيجي بشرى
مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية

لقد قادنا التمييز بين ما هو طبيعي وثقافي في الموضوع السابق إلى القول إن الاختلافات الجنسية بين المرأة والرجل هي اختلافات ثابتة ولا اعتراض عليها ، أما الفوارق المبنية على النوع الاجتماعي فهي اختلافات ثقافية وحضارية ينبني عليها تمثل وتقبل علاقات اجتماعية معينة ين الرجال والنساء ، وهي قابلة للتغيير والتطور حسب نمو المجتمع وتطوره.
وعملا بهذا التمييز اتفقنا أن الجنس يتعلق بالشروط البيولوجية والفيزبولوجية، التي تؤدي إلى تحديد الجنس من حيث الأنوثة والذكورة، في حين تؤدي جملة من العوامل التاريخية، الثقافية، الاجتماعية والسيكولوجية إلى تحديد النوع الاجتماعي، الذي تتحدد من خلاله الأدوار الذكورية والأنثوية التي تتلون بالمدركات الاجتماعية والثقافية 1
وهو ما يعني أن هذا المفهوم يحيل أساسا على التقسيم الغير العادل للأدوار الاجتماعية بين الرجال والنساء، والذي يكرس نمطا من التراتبية السوسيوثقافية بين الجنسين، فالأدوار التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة هي أدوار تشكلها الظروف الاجتماعية، وليس الاختلاف البيولوجي، وهو ما يعني أيضا أن هذه الأدوار ترتبط ارتباطا وثيقا بدلالات النوع الاجتماعي، فمثلا إذا كانت تربية الأطفال وأعباء العمل المنزلي مرتبطة تقليديا بالمرأة فإن ذلك ليس له علاقة بتكوينها البيولوجي كامرأة، إذ أن هذه الأدوار يمكن أن يقوم بها الرجل أيضا، مما يعني أن أدوار النوع الاجتماعي تختلف عن أدوار الجنس البيولوجي، فالأولى من الممكن أن تكون متبادلة بين الجنسين، في حين أن الثانية تتسم بالثبات والاستقرار.
ولعل التنشئة الاجتماعية هي المحدد في توزيع هذه الأدوار، إذ تكرس نمطا معينا من التقاليد والقوالب الجاهزة السائدة في المجتمع، وتقر التمايز في الأدوار والمهام الاجتماعية وتكرس التفوق الذكوري، الذي يتم ترسيخه من خلال النمط التربوي السائد داخل الأسرة، التي تلعب دورا أساسيا في تكريس الخطاب الاجتماعي التقليدي الذي يقر التمييز بين الذكور والإناث، فبداخلها تنشأ ثقافة التمييز بين الجنسين، إذ يعامل المولود الذكر داخل الأسرة معاملة تفضيلية، يعطى بموجبها وضعا خاصا ومكانة متميزة، وينشأ وقد تملك مواصفات الذكورة والفحولة،عكس الفتاة التي تنشأ وقد تشربت مفهوم الطاعة والانصياع، كما يتأثر الطفل بنموذج الأب النشيط الذي يعمل خارج البيت، بينما تتأثر البنت بالأم التي تنهمك في أعمال المنزل وتهتم بالطبخ وبالأطفال، وهو ما يشكل انطباعات تبقى راسخة في أذهان الجنسين تؤثر على سلوكهما وعلى اختياراتهما المستقبلية، تم ترسيخها من خلال التمييز بينهما في المواقف وتصرفات الوالدين اتجاههما، وفي طريقة تقييم أدائهما فبينما يوصف الذكور بصفات إيجابية مثل الشجاعة والثقة بالنفس، توصف الإناث بأنهن عاطفيات، وإذا ما تم توجيه الثناء والمديح للإناث، فغالبا ما يتم ذلك بوصفهن بصفات الذكور على اعتبار أنها صفات ايجابية، بل إن بعض الآباء يرون أن هناك بعض سمات للسلوك الاجتماعي تليق بالبنين وسمات أخرى تليق بالبنات2
إن التعامل مع الجنسين داخل الأسرة وفقا للتصور الأبوي السائد يساهم في تشكيل عقلياتهما في اتجاهين مختلفين، يجعل أحدهما يقبل التمييز والدونية، في حين يشعر الآخر بالاستعلاء والتفوق 3
وليس من السهل تغيير هذا التمييز في التربية وفي التنشئة، لاسيما إذا علمنا أن الأسرة المغربية شأنها كباقي الأسر الأخرى لا تملك أدوات لمقاومة القيم المؤسسة للتمييز بين الجنسين، بل تعمل على ترسيخها من خلال إعادة إنتاجها وتلقينها.
ويزداد الأمر سوءا إذا ما علمنا أن ثقافة التمييز لا تنحصر في البناء الأسري، بل إن المجتمع يعيد إنتاجها من خلال الأدوات التي يعتمدها في التواصل، وهو ما يعني ضمنا أن الأسرة إلى جانب الدولة ( من خلال وسائل الإعلام والكتب والمناهج الدراسية) تساهمان جنبا إلى جنب في تكريس قيم التراتبية المجتمعية التي تجعل من الرجل صاحب السلطة والقيادة، وتجعل من المرأة تابعا له،والعلاقة التي تنشأ بينهما تكون محلا للمقاربات النوعية والعلاقات الجندرية.
وهو ما يؤكد أن مفهوم النوع أو الجنـدر لا يمكن أن يتم بعيدا عن الحديث عن طريقة تقسيم الأدوار داخل المجتمع ، وكذا الحديث عن الاختلال في ميزان القوة والنفوذ بين الجنسين، بهدف إعادة توزيع القوة بينهما من خلال مراجعة توزيع هذه الأدوار وكذا الفرص.
وهو ما يجعل هذه المقاربة غير لصيقة بالنساء لوحدهن، بل انها صالحة للتعميم ومعالجة كل القضايا التي ترتبط بالمجتمع لانها تهتم بالعلاقات والأدوار بين النساء والرجال، التي تتحدد بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، كما تتأثر بتغير هذه العوامل، لذا فتغيير هذه العلاقات الاجتماعية والأدوار يفرض أن تتوفر النساء كما الرجال على القدرات التي تمكنهن من إحداث التغييرات الضرورية والاستفادة من آثارها الايجابية 4على أن يتم الانطلاق من التنشئة الاجتماعية التي تقوم بتلقين الأدوار الاجتماعية المختلفة للجنسين معا 5

--------------------------------------------------------------------
1
- العربي وافي "مقاربة النوع والتنمية" المرجع السابق ص12-113
2
- "مراعاة المنظور الجنساني :نظرة عامة " منشورات الأمم المتحدة ابريل 2002
3
- مداخلة عبد الله ايت الخياري "وضع المرأة ودور الجمعيات غير الحكومية في تحسينه"أشغال الورشة التكوينية الثالثة في مجال التربية الغير السكانية لفائدة ممثلي المنظمات غير الحكومية –جامعة محمد الخامس السويسي كلية علوم التربية ووحدة التربية السكانية مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 1997:ص 26
4
- انطر " الإستراتيجية الوطنية من اجل الإنصاف والمساواة بين الجنسين بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية ث المنجزة من طرف كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة والأشخاص المعاقين ص 27.
5
- العربي وافي وآخرون" الإنصاف في الفضاء المدرسي"وزارة التربية الوطنية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الرباط 2000 ص 22 .


  عن موقع marocdroit

الأحد، 3 أغسطس 2014

المنطلقات الأساسية لتعريف النوع الإجتماعي - الجزء1



المنطلقات الأساسية لتعريف النوع الإجتماعي الدكتورة التيجي بشرى   
مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية

أصبح مصطلح " النوع الاجتماعي" من المفاهيم التي تستوقف الباحثين والمهتميين بقضايا التنمية ، على اعتبار ان هذا المفهوم شكل محور للتحديث
المجتمعي

ومن هذا المنبر سنحاول تسليط الضوء على هذا المفهوم حتى يسهل استيعابه والتمييز بينه وبين بعض المفاهيم التي قد تتشابه معه

لقد انتشر مفهوم الـجندر بشكلٍ واسع منذ أواسط التسعينات من القرن الماضي. إذ تطور مفهوم الـجندر لغويا ليصبح نظريةً وأيديولوجيا لحركة نسوية واضحة المعالم في معظم المجتمعات المتحضرة تدعى
(Feminism Gender ).

دخل مفهوم الجندر 1 إلى المجتمعات العربية والإسلامية مع وثيقة مؤتمر القاهرة للسكان في سنة 1994، إذ ذكر في واحد وخمسين موضعاً من هذه الوثيقة، منها ما جاء في الفقرة التاسعة عشرة من المادة الرابعة من نص الإعلان الذي يدعو إلى تحطيم كل التفرقة الجندرية، إلا أن هذا المفهوم لم يثر نقاشا لأنه ارتبط أساسا بالخصائص الذكورية والانثوية ، ولم تعط له حمولات إيديولوجية أو فلسفية آنذاك.

وبعد ذلك ظهر هذا المفهوم في وثيقة مؤتمر بكين المنعقد في سنة 1995، حيث تكرر مصطلح الجندر مائتي وثلاثة وثلاثون مرة. وأثيرت إشكاليات مرتبطة بتعريفه وترجمته إذ رفضت الدول الغربية تعريف الجندر بالذكر والأنثى، وأصرت على وضع تعريف له يشمل الحياة غير النمطية التي تميز سلوك الجنسين داخل المجتمع، في حين رفضت الدول الأخرى ربط المفهوم بالسلوكات الاجتماعية.

وظلت النقاشات المرتبطة بالمفهوم قائمة إلى حين انعقاد مؤتمر روما في سنة 1998م ، الذي جاءت إحدى توصياته تنص على ما يلي: "أن كل تفرقة أو عقاب على أساس الجندر يشمل جريمة ضد الإنسانية". وكان إدخال كلمة الجندر في تعريف الجرائم بالإنجليزية أمراً غريباً في حد ذاته، إذ أن النصين العربي والفرنسي استعملا كلمة (الجنس) ولم يستعملا كلمة الـجندر ، حيث عرف الـجندر بأنه: (يعني الذكر والأنثى في نطاق المجتمع). وكما هو واضح من التعريف فإن عبارة (نطاق المجتمع) تعني أن دور النوع مكتسب من المجتمع، ويمكن أن يتغير ويتطور في نطاق المجتمع نفسه.

ومنذ ذلك الحين ظهرت اجتهادات متعددة استهدفت إزالة الغموض عن المصطلح فعرفته منظمة الصحة العالمية على أنه: "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية".

- أما الموسوعة البريطانية فعرفت (الهوية الجندرية ) 2 بشعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى، وفي الأعم الأغلب فإن الهوية الجندرية والخصائص العضوية تكون على اتفاق (أو تكون واحدة)، ولكن هناك حالات لا يرتبط فيها شعور الإنسان بخصائصه العضوية، ولا يكون هناك توافق بين الصفات العضوية وهويته الجندرية أي شعوره بالذكورة أو بالأنوثة

- أما الباحثة الفرنسيةAntoinette Fouque
فاعتبرت أن مفهوم الجندر (النوع الاجتماعي) يعني مميزات الرجل والمرأة هي مميزات تتصل بعلاقتهما الاجتماعية تحت تأثير عوامل اقتصادية وثقافية وأيديولوجية تحدد أدوارهما ، وأضافت: أنه يجب إقحام المساواة بين الرجل والمرأة في كل السياسات العامة الحكومية منها وغير الحكومية.

إن المحاولات المتعددة في تعريف مفهوم الجندر تقودنا إلى الوقوف عنده في محاولة لتبسيطه لعموم المتعاملين معه.

أولا : مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي

لقد ظل مفهوم النوع الاجتماعي غير واضح بشكل جيد، وما زاد في غموضه هو صعوبة ترجمته إلى لغة غير التي أفرزته ( أي اللغة الإنجليزية)، إذ أن كلمة الـجندر هي كلمة إنجليزية تنحدر من أصل لاتيني تم تعريبها وفق مرادفات قد لا تعكس حقيقتها في كثير من الأحيان ، إذ في البداية تمت ترجمة هذا المصطلحة بكلمة ' جنس' وهي ترجمة لغوية ، لأن الجندر في الإطار اللغوي القاموسي يحيل على مفهوم (الجنس) الذي يعني كل ما يرتبط بالذكورة والأنوثة ، كما قد يستخدم هذا المصطلح دائما - لغويا - لتصنيف الأسماء والضمائر والصفات، أو يستخدم كفعل مبني على خصائص متعلقة بالجنس في بعض اللغات وفي قوالب لغوية بحتة" .

وهنا لا بد من التمييز بين مفهوم النوع أو الجندر والجنس كمفاهيم قد تبدو متشابهة، فمفهوم النوع الاجتماعي هو مفهوم يشير إلى الخاصية الثقافية والاجتماعية التي تحدد دور الجنسين،

بمعنى آخر أنه يشير إلى التفرقة بين الذكر والأنثى على أساس الدور الاجتماعي لكل منهما تأثراً بالقيم السائدة، فيما يقتصر مفهوم الجنس أو "النوع البيولوجي على الاختلافات البيولوجية بين الرجل والمرأة الغير القابلة للتغيير لأنها فوارق ثابتة وأبدية،

وهو ما يعني أن مصطلح الجندر مفهوم دينامي قابل للتغيير من مجتمع إلى أخر، وذلك بتغير ثقافاته وتعبيراته الاجتماعية ، بل ان هذا المفهوم قد يتغير داخل نفس المجتمع، فالعرق، والطبقة الاجتماعية، والظروف الاقتصادية، والعمر، كلها عوامل تؤثر على ما قد يعتبر مناسباً للنساء من أعمال ، وما يعتبر مناسبا للرجال ، أي أن هذه العوامل قد تحدد أدوار الجنسين وكذا العلاقة بينهما ، فكلما انتقلنا من مجتمع إلى آخر إلا وتغيرت الأدوار الممنوحة للجنسين، بل كلما انتقلنا من طبقة اجتماعية إلى أخرى قد تتغير الأدوار الممنوحة لهما، وهو ما يعني أن مفهوم الجندر يرتبط ارتباطا أساسيا بالمنظومة الثقافية للمجتمع ولعاداته وتقاليده وأفكاره وقيمه، وهو ما يعني كذلك أن جميع ما يفعله الرجـال والنسـاء وكل ما هو متوقع منـهم - فيمـا عـدا وظائفهم الجسدية المتمايـزة جنسيـاً- يمكن أن يتغير بمرور الزمن وتبعاً للعوامل الاجتماعية والثقافية المتنوعة.

وذلك على عكس مفهوم الجنس الذي لا يتغير بتغير هذه العوامل والظروف لان الأدوار التي يقوم بها كل من الرجل والمرأة اعتمادا على الفوارق الجسدية الموجودة بينهما ( كالحمل والرضاعة) تبقى ثابتة في كل المجتمعات كيفما كان مستوى تقدمها وكيفما كانت الثقافة التي تؤطرها ، بما في ذلك الدين والعادات وغيرها من المتغيرات الاجتماعية ، فالجنس يمثل الفوارق البيولوجية الطبيعية ما بين الذكر والأنثى وهي فوارق تولد مع الإنسان، ولا يمكن تغييرها ، فهي وجدت من أجل أداء وظائف معينة وثابتة.

وهو معطى طبيعي، يعبر عن وضع بيولوجي، فإما أن يكون الإنسان ذكرا أو أنثى، وهي خصائص لا يتميز بها الجنس البشري وإنما تشترك معه فيها كل الكائنات الأخرى 3 أما النوع أو الجندر فهو من خصائص البشر وحدهم وهو يحدد مختلف الأدوار والحقوق والمسؤوليات الراجعة للنساء والرجال والعلاقات القائمة بينهم، وكذا الطريقة التي تحدد بها خصائصهم وسلوكياتهم وهوياتهم من خلال مسار التعايش الاجتماعي بينهم4
ان هذا التمييز بين مفهوم الجنس والنوع الاجتماعي قد فرض التعامل مع هذا المفهوم من منطلقات سوسيولوجية تراعي مختلف الابعاد والعوامل المؤثرة في ثقافة الشعوب ، وهذا ما قد نلمسه من خلال التعريف ا الذي وضعته الأمم المتحدة لهذا المفهوم ا حيث اعتبرت أن النوع الاجتماعي أو الجندر يمثل الأدوار الاجتماعية التي يصنفها المجتمع بناءا على الدور البيولوجي لكل من الجنسين، ويتوقع منهما أن يتصرفا بناءا عليها ، وتنبني أساسا على منظومة من القيم والعادات الاجتماعية التي تصبح مع مرور الوقت أمرا واقعا، أي أن هذه الأدوار هي من صنع الإنسان وعليه فإنها غير ثابتة وقابلة للتغيير 5
إن التعريف السابق هو نفس التعريف الذي تبنته المنظمات الدولية والحركات النسائية في القرن الواحد والعشرين، مما يؤكد أن هذا المفهوم ليس حديثا، وإنما طبيعة استعماله وتبنيه من طرف المجتمع الدولي هو الذي أثار نقاشات حوله، جعلت الاعتقاد سائدا أنه وليد السنوات الأخيرة .

ولقد كان الغرض الأول من إثارة هذا المفهوم هو تحرير العقول والأفهام من الأحكام المسبقة والتنميطات العالقة حول الجنسين، وتجاوز الاختلافات الفيزيولوجية التي حددتها الطبيعة، ثم السمو بالعلاقات بين الرجال والنساء إلى مستوى حضاري من التعقل ينزع عن الجنسين تلك الحدود التي سكّت في
قوالب جامدة وسلوكات محددة لمن هو ذكر ولمن هي أنثى6

يتبع....

الموضوع المقبل ودائما في اطار وضع المنطلقات الاساسية لتعريف النوع الاجتماعي ، سيتم التاكيد على اهمية الحديث عن طريقة توزبع الادوار الاجتماعية وارتباطها بالنوع الاجتماعي

:ثانيا:إرتباط النوع الاجتماعي بالادوار الاجتماعية


--------------

الهوامش

1
الجندر (Gender)
2
الهوية الجندرية (Gender Identity)
3
سالم البيض" الجنوسة والنوع في العالم العربي " مرجع سابق ص 49.
4
Nadira Barkallil : Genre et activités économiques au Maroc « la persistance de la précarité féminine »livre blanc Les Editions de secrétariat d’état chargé de la famille ,de l’enfance et des personnes handicapées.2006.
5
الكاشف في الجندر والتنمية : حقيبة مرجعية " منشورات صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة - مكتب غرب اسيا 1999- ص 17
6
العربي وافي " مقاربة النوع والتنمية " المرجع السابق" ص 12.




 عن موقع marocdroit

السبت، 2 أغسطس 2014

إشكالية ولوج المرأة الموظفة مراكز القرار الإداري



                     إشكالية ولوج المرأة الموظفة مراكز القرار الإداري 
ذة،التيجي بشرى*

إن البحث في إشكالية ولوج المرأة الموظفة مراكز القرار الإداري قد يقود إلى خلاصات واستنتاجات تؤكد انه على الرغم من التقدم الملحوظ الذي سُجّل في العقود الأخيرة فيما يخص مساواة الجنسين في ولوج هذه المراكز بدءا من السبعينات من القرن الماضي، فان ذلك لم يكن سببا كافيا لإلغاء بعض الصور النمطية السلبية.
ذلك أن المواقف والأحكام المسبقة اتجاه المرأة المتواجدة في إحدى المناصب العليا غالبا ما تنتج سلوكا تمييزيا ضدها يؤدي إلى بناء تصور تنظيمي يكرس هذا التمييز 1 يتجلى من خلال الآراء الرافضة لتواجدها في هذه المناصب، تتأثر بالمناخ العام السائد في المجتمع، وهي أراء قد تصدر من الرجل الموظف ( الفقرة الأولى)كما قد تصدر من المرأة الموظفة ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: نوعية علاقة الموظفة بالموظف .
إن تكريس الصور النمطية 2 السلبية حول المرأة الموظفة وربط صورتها داخل الإدارة بمعايير الانشغالات الهامشية تجعل معظم الموظفين من الرجال محكومين بالاعتقاد الذي يرى أن وضع المرأة الطبيعي هو البيت وليس الإدارة، وإن وجدت فيها فلا ينبغي أن تكون في منصب أعلى، لذا فإذا كان الرجل يشعر بالألم عند فقدانه لمنصب بسبب منافسة رجل له، فإن شعوره هذا قد يتضاعف إذا فقد ذات المنصب بسبب امرأة، وهو ما يجعله في حالة ترقب لفشلها أو إعاقة لعملها3 ، ولا يتردد في انتقاد طريقة تعاملها، وغالبا ما يتهمها بتحكيم العواطف في اتخاذ القرارات، والاهتمام بالشكليات، متأثرا في تقييمه لكفاءتها بمجموعة من الانطباعات والتمثلات الاجتماعية التي تفترض فيها عدم الكفاءة وتروج لبعض الأفكار من قبيل أنها عاطفية، وغير قادرة على حل المشاكل الكبرى وغيرها من الصفات السلبية فقط لأنها امرأة.
ان هذا الاعتقاد جعل معظم الموظفين من الرجال العاملين في الادارة المغربية يرفضون تواجد المرأة كمسؤولة عنهم، إذ عبر 58% منهم عن تفضيلهم وجود الرجل في منصب القرار، ولم يؤيد إلا 21 %منهم تواجد المرأة كرئيسة له، أما الباقون ونسبتهم 21% فقد اعتبروا ألا فرق بين الرجل والمرأة4.
وقد أرجع الرافضون لتولي المرأة الموظفة مركزا من مراكز القرار إلى اعتقادهم أن التواصل مع الرجل يكون أفضل.
ورفض البعض الآخر وجودها في هذه المراكز لأنها حسب رأيه تبالغ في الاهتمام في التدقيق في الأخطاء اللغوية، ولا تقوى على حل المشاكل الكبرى.
ان النتائج السالفة الذكر تؤكد أن اختيارات أغلب الموظفين لمسؤوليهم ما تزال ترتبط بالنوع، فانتماء المسؤول إلى جنس الإناث أو الذكور يكون حاسما في طبيعة علاقاته المهنية عند معظم المستجوبين5 الذين يصدرون احكامه عليه انطلاقا من التصورات والتمثلات الاجتماعية السائدة والتي غالبا ما تربط القدرة وحسن التدبير بالذكورة، وتجعل العجز قرينا بالنساء.
ان التصنيف الجنساني لصفات القيادة جعل من مهام الاشراف والتسيير اختصاصا من اختصاصات الرجل في حين اوكل باقي مهام التنفيذ للنساء..
لذا فان أغلب الموظفين من الرجال ما يزالون يعتقدون أن لهم الأسبقية في تولي هذه مراكز القرار، وإن وجدت النساء فيها، فإنهم لا يتعاملون معهن على أساس أنهم مسؤولات، بل لا يترددون في ممارسة أدوار التوجيه والنصح عليهن الذي لا يخلو من الرغبة في ممارسة السلطة الأبوية، وهذا ما أكدته بعض النساء المسئولات ، اللواتي اعتبرن أن المرؤوسين من الرجال لا يرون في العلاقات المهنية سوى مجالا يضمن لهم نوعا من الهيمنة على المرأة، وأنهم يستخدمون خطاب الرعاية وإسداء النصح الأبوي اتجاه المرأة الرئيسة للتعويض عن الإحساس بالإحباط لكونهم مرؤوسين من قبل امرأة 6
وحسب التقرير المنجز بعنوان 'دراسة ميدانية حول تحديات ولوج النساء الإعلاميات مواقع المسؤولية' من طرف مركز حرية الإعلام بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا7، فإن العلاقة المهنية بين الجنسين مطبوعة بحاجز العقلية الذكورية التي تتعمد في كثير من الأحيان الإساءة إلى المرأة - دون أن يذكر التقرير نوع الإساءة - على اعتبار أنها كائن قاصر وغير قادر على تحمل المسؤولية وما يستتبع هذا الإحساس بأبوية الرجل.
وهذا ما عبرت عنه مديرة الأخبار بالقناة الثانية سميرة سيطايل عندما قالت لمنجزي التقرير 'لقد لمست تعبيرا عن موقف تبنّ أبوي لهذه المرأة التي عينت على رأس مديرية الأخبار، ولا اعتقد أن نفس المعاملة والتوجيه كان سيلقاها رجل تم تعيينه في ذات المنصب .. كل تلك السلوكيات كان مردها إلى كوني امرأة '.
ولا تتوقف المشاكل التي يطرحها الرجل الموظف أمام المرأة الموظفة في العراقيل التي قد يضعها أمامها والانتقادات التي يواجهها بها، بل تعاني المرأة من مشكل آخر هو مشكل التحرش الجنسي 8.
وفي جواب عن سؤال هل سبق لك أن تعرضت للتحرش الجنسي داخل محيط العمل أجابت 59% من النساء المستجوبات أنهن عانين من التحرش الجنسي، الذي من الممكن أن يكون لفظيا أو بدنيا، ويعكس رغبة الرجل في امتلاك كل ما يحيط به، متجاوزا في أغلب الأحيان ما تفرضه العلاقات المهنية من احترام وهو ما يؤثر على نفسية بعض الموظفات9.
وإذا كان عموم الموظفين ما يزالون متشبثين بالتصور التقليدي لأدوار المرأة ويرفضون تواجدها في مراكز القرار، فهذا لا يعني عدم وجود فئة أخرى من الرجال تدافع عن هذا التواجد وتدعمه، ويظهر ذلك من خلال نتائج الاستمارة المنجزة في هذا البحث، والتي أفضت إلى وجود نسبة تصل إلى 21%من الرجال تفضل وجود المرأة في منصب المسؤولية، إضافة إلى وجود نسبة مماثلة منهم لا تعتقد بوجود فرق بين الجنسين في تولي مراكز القرار 10.
وعلى الرغم من أن هذه النسبة تبدو ضعيفة إلا أنها تعكس التطور الحاصل في المجتمع المغربي، وفي نظرة الرجل إلى المرأة كمشاركة معه في تدبير الشأن العام.
فهؤلاء المؤيدون لتواجد المرأة في مراكز القرار لا شك أنهم رسموا لها صورة ايجابية، تتجاوز الأشكال النمطية السائدة، وتعبر عن الاعتراف بما حققته بعض النساء من نجاح على الصعيد المهني فرض تغييرا في المواقف والتصورات التقليدية، وجعلها لا تقبل فقط بوجود المرأة في المراكز العليا، بل إنها تفضلها على الرجل في بعض الأحيان، كما هو الشأن بالنسبة لحالات الفئات المشمولة بالاستمارات المنجزة في هذا البحث.
وفي ذات السياق يمكن اعتبار أن أولئك الذين لم يجدوا فرقا بين الجنسين في تدبيرهما للشأن العام، يمثلون تيارا يؤمن بالمساواة بين الجنسين، ولا يجعل من الفوارق البيولوجية بينهما سببا في اختيار أحدهما لمنصب دون الأخر.
ويقرون بالقيمة المضافة لتواجد النساء في هذه المراكز، ويعترفون إن الإحساس الأنثوي كفيل بتلبية الجانب الإنساني داخل الإدارة، دون أن يغيب عنصر الكفاءة والمردودية، وهذا الطرح قد يكون موضوع اتفاق فئات كثيرة النساء المؤيدات لتواجد المرأة في مراكز القرار، كما قد يكون مثار جدل بالنسبة للرافضات منهن لهذا التواجد ( الفقرة الثانية).
الفقرة الثـانية: علاقة الموظفة المتواجدة في مراكز القرار بنظيراتها
ان المشاكل والعراقيل التي تضعها النساء أمام النساء لا تقل عن تلك التي يخلقها الرجال، ولعل هذا ما يدفع المرأة الموظفة التي تتواجد في مركز من مراكز القرار إلى بذل مجهودات مضاعفة في قيادة الموارد البشرية النسائية، وقد يرجع ذلك لكون انتظارات المرأة المرؤوسة تدفعها إلى إبداء نوع من الرغبة التلقائية في التقرب من رئيستها، مستخدمة في ذلك أسلوب الحميمية والإدلاء بالأسرار الشخصية، وتدخل هذه السلوكيات عادة في خانة التضامن النسائي في مواجهة وضعية مشتركة تعيشها النساء، وتدفع بهن نحو تلاحم أكبر، وينجم عن ذلك أن المرأة الرئيسة التي تسعى إلى إضفاء طابع مهني على علاقاتها بمرؤوساتها تجد نفسها مضطرة لعدم الاستجابة لرغباتهن، وهو الأمر الذي يولد نوعا من الإحباط لديهن، وفي أحسن الحالات ينتهي الطرفان إلى التزام موقعهما والحفاظ على علاقة مهنية وظيفية تلغي البعد الشخصي، تفضي إلى قيام المرأة المرؤوسة إلى إذكاء العداوات في محيط المرأة الرئيسة، وذلك حسب شهادة بعض المسؤولات 11.
وفي هذا الإطار فقد أبانت نتائج الاستمارات المنجزة (12) أن حضور النساء في مراكز القرار أمر لا يستساغ بسهولة من طرف نظيراتهن من النساء الزميلات والمرؤوسات، إذ أن %59 من النساء الموظفات يرفضن تواجد امرأة في منصب القرار، في حين تعتقد 30% انه لا فرق بين الجنسين في إدارتها للموارد البشرية، ولم يتجاوز عدد النساء اللواتي يفضلن امرأة مسؤولة عنهن %11 .
وقد أرجعت النساء أسباب هذا الرفض إلى عوامل أخلاقية تتعلق بالغيرة والحسد وسوء التواصل الذي يكون غالبا السمة المميزة للعلاقة بين النساء فيما بينهن، وهذا ما أكدته العديد من النساء أثناء المقابلات.
وتبقى الأسباب المؤدية إلى هذا الوضع مرتبطة بإرهاصات ثقافية ودينية، فالمرأة منذ صغرها تتردد على مسامعها كلمات محبطة مثل: "أنها خلقت من ضلع أعوج"و "ناقصة عقل ودين" إضافة إلى الكثير من الممارسات الكفيلة بزرع العقد النفسية ومختلف التمتلات السلبية عن المرأة 13، أفضت إلى سلوكيات أكدت الخلاصات التي أقرت أن المرأة لا تحب المرأة، وتجد صعوبة في إدارتها سواء كانت رئيسة أو زميلة أو مرؤوسة.
إن عداء المرأة للمرأة ليس ناتجا عن خلل في ذاتها بقدر ما هو انعكاس لواقع اجتماعي يؤسس لعلاقات مهنية مبنية على أساس النوع، وتوزع الأدوار تبعا لذلك وفقا لهذه التصورات المستمد من واقع اجتماعي متأثر بقيم ومعتقدات الثقافة الأبيسية التي تظهر ملامحها سواء في علاقة المرأة الموظفة بمحيطها الأسري أو بعلاقتها مع زملائها في العمل، والتي ترتبط بتوزيع معين للأدوار فيما بينهم حددها المجتمع وكرستها الوسائل التربوية التي نتلقاها سواء في البيت أو المدرسة أو عبر الثقافة الشفوية أو الإعلام بجميع تصنيفاته.
إلا أن هذا العداء أو الرفض النسائي – النسائي ليس مطلقا، بل إن هناك فئة أخرى من النساء تفضل وجود المرأة كرئيسة عليها، ولا تعتبر أن تم فرق بين النساء والرجال في التسيير الإداري، وفي هذا الإطار عبرت 30% من الموظفات عن عدم وجود فرق بين الجنسين، في حين فضلت 11% وجود امرأة في منصب القرار، وهو ما يجعل الاعتقاد حول توثر العلاقة بين المرأة ولمرأة ليس حقيقة مطلقة، بل إنها تعكس واقعا اجتماعيا لا يعدم من مظاهر التغيير المنسجم مع التوجهات الدولية الداعية لإنصاف النساء وتحسين صورتهن في المجتمعات ومنحهن فرصا لإدارة الشأن العام، إسهاما منهن في تكريس قيم الديمقراطية والحداثة.
إلا أن هذه المظاهر تحتاج أن تصبح قيما ثابتة وسلوكا راسخا في المجتمع، وهو ما يستلزم القيام بمجهودات في هذا الاتجاه.
-------------
الهوامش
*باحثة جامعية، مفتشة إقليمية بوزارة الإقتصاد المالية
-1- Houria ALAMI M’CHICHI « participation a la reprise de décision »édité « Femmes et Hommes au Maroc :Analyse de la situation et de l’évolution des écarts dans une perspective genre –direction de la statistique2003 p249-250
-2- هي مجموعة من التمثلات والصور الجاهزة والأحكام المسبقة التي يتم إنتاجها وترويجها في محيط ثقافي تمييزي بين الجنسين، وتتنوع هذه الصور حيث نجدها في الثقافة العالمية، وأيضا في الإنتاجات الثقافية الشعبية، وتنتشر في الشارع كما يمتد نفوذها إلى الصحافة المكتوبة ووسائل الإعلام المرئية والسمعية، كما تجد لها أصداء في المناهج الدراسية وفي بعض الخطابات الدينية... وتتغدى هذه الصور من واقع التمييز الذي تعاني منه النساء، لكنها تساهم أيضا في تبرير ذلك الواقع وإعادة إنتاجه، باعتبارها تشكل جزءا من متخيل الأفراد الذي يضفي المعنى على مواقفهم وسلوكاتهم: للتفاصيل انظر "الإستراتيجية الوطنية من اجل الإنصاف والمساواة بين الجنسين بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية " مرجع سابق ص 29
-3- هالة محمد حبيب "طبيعة المشكلات التي تعوق المديرة المصرية " مداخلة منشورة في كتاب تدعيم دور المرأة في التنمية المتواصلة 'إشراف عنايات إبراهيم حافظ بحوث المؤتمر الثاني لكلية التجارة، جامعة الأزهر 23-24شتنبر 1998مطابع الأزهر الكورنيش النيل الطبعة الاولى1999 ص 228.
-4- حسب نتائج الاستمارة المنجزة من طرف بشرى التيجي " اشكالية ولوج المراة الموظفة مراكز القرار الاداري" اطروحة لنيل الدكتوراه كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط -اكدال -2010-2011 ص 226 -254.
-5- المرجع السابق.
-6- " التمثلات حول النساء في مراكز القرار والفاعلات السياسيات في المغرب" بحث سوسيولوجي أعده مركز تكوين القيادات النسائية /منشورات الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب 2002 بتعاون مع مؤسسة فريدريك ايبرت ص 15.
-7- التقرير يتكون من 37 صفحة – منشور في مجلة ' الصحيفة المغربية' العدد 38- لشهر يونيو 2006 انظر ص 40-41.
-8- لم يعرض قانون الوظيفة العمومية لتجريم التحرش الجنسي، على الرغم من انه ظاهرة مستفحلة في كل القطاعات الحكومية، وغالبا ما تكون ضحيته الموظفات المتواجدات في السلالم الدنيا، والحديثات العهد بولود الإدارة العمومية، يجد التحرش الجنسي إحدى دوافعه في صورة المرأة في الإعلام،حيث تساهم مختلف التمثلات الذهنية والجسدية المتداولة في تكوين صورة تمطية عنها تحصرها في الغالب في الجسد.
-9- حسب نتائج الاستمارة رقم 1 المنجزة في هذا البحث المدرجة ضمن قائمة الملاحق.
-10- حسب نتائج الاستمارة رقم 2 المنجزة في هذا البحث المدرجة ضمن قائمة الملاحق.
-11- انظر الشهادات ضمن "لتمثلات حول النساء في مراكز القرار والفاعلات السياسيات بالمغرب"بحث سوسيولوجي أعده مركز تكوين القيادات النسائية منشورات الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب 2002 بتعاون مع مؤسسة فريدريك ايبرت ص 15 .
-12- بشرى التيجي مرجع سابق
-13- حول'التمثلات حول النساء في مراكز القرار والفاعلات السياسيات بالمغرب"بحث سوسيولوجي أعده مركز تكوين القيادات النسائية /منشورات الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب 2002 بتعاون مع مؤسسة فريدريك ايبرت ص 15 . 


 عن موقع marocdroit