السبت، 30 نوفمبر 2013

دور النساء في الإصلاح في عصر الرسالة



دور النساء في الإصلاح في عصر الرسالة
نادية الشرقاوي

علَّمنا نبي الإسلام أن "النساء شقائق الرجال"[1] وأن " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"[2] وأن "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كنَّ له سترا من النار"[3]، ولم يلغ دين الإسلام المرأة بل اعتبرها نصف الأمة، بل هي بمنزلة القلب منها فإذا صلحت صلحت الأمة، وإذا فسدت فسدت الأمة.
وعلى ذلك كانت مكانة المرأة المسلمة متميزة داخل أسرتها وداخل المجتمع، فكرَّم الإسلام المرأة وليدة وفتاة، زوجا وأما، أختا وبنتا..
كما ذكر القرآن عددا من النساء كان لهن دور بارز في تاريخ البشرية مثل: حواء وأم موسى وأخته وزوجة فرعون وملكة سبأ ومريم أم المسيح عليه السلام، ونزلت آيات من القرآن في عدد من النساء، إلى جانب إفراده سبحانه وتعالى سورتين للنساء هما: سورة النساء وسورة الطلاق التي تسمى سورة النساء الصغرى.
وقد بيَّن النبي عليه الصلاة والسلام مرات عديدة أن المسؤولية ملقاة ليست على عاتق الرجل فحسب بل النساء هن كذلك شريكات في أدائها، فقال عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه قوله تعالى:"... يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد رسول الله، سليني بما شئتي، لا أغني عنك من الله شيئا"[4].
ولمَّا كانت مدرسة النبوة تجسيدا للمنهج القرآني في تحرير النساء من قبضة الجاهلية،  أصبحت النساء في عصر الرسالة واعيات بهذا الوضع الجديد، فسعين بكل جهودهن لبناء مجتمع جديد يتحقق فيه إسعاد النوع الإنساني ذكرا كان أم أنثى، بتطبيق المبادئ السامية التي جاء الإسلام من أجلها، وانطلقن إلى جانب الرجل في عملية الإصلاح الاجتماعي والسياسي والفكري الذي حملته الدعوة الإسلامية، فأخذت النساء مكانهن الطبيعي وأصبحن جزءا لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي، فمنهن من ضحَّت بحياتها واستشهدت نصرة لدين الإسلام فكان أول شهيد في الإسلام امرأة وهي سمية بنت خياط زوجة ياسر رضي الله عنهم، ومنهن من ساندت الدعوة بمالها، ومنهن من هاجرت إلى جانب إخوانها الرجال في هجرة الحبشة مرتين، ومنهن من بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهن من شاركت في الغزوات لتطبيب الجرحى وإيقاد الحماسة في صدور الفرسان، ومنهن من روت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ الرجال عنها...
وعلى رأس هؤلاء النساء نذكر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها فقد هيأت للنبي عليه الصلاة والسلام بيتا هانئا قبل بعثته، وأعانته على التأمل في غار حراء، وكانت أول من آمن به عندما دعا إلى ربه، وكانت خير من واساه بالنفس والمال... كما كانت تثبت قلبه وتُأيد أمره، ولم تتردد رضي الله عنها في الوقوف إلى جانبه عليه الصلاة والسلام في عام المقاطعة التي فرضتها قريش على النبي عليه السلام وأتباعه بإخراجهم من مكة إلى شعابها، يقول عنها النبي صلى الله عليه وسلم:"آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذَّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد الناس"[5]، كما بشرها جبريل عليه السلام في حياتها عندما آتى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال:" يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام وطعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب"[6].
وإلى جانب السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، نذكر المرأتين اللتين شاركتا الرجال في حدث مهم في بناء الدولة الإسلامية وهما: أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية، وأم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي الأنصارية، وهذا الحدث هو بيعة العقبة، وفي هذا يقول محمد عمارة:"وفي بيعة العقبة التي مثلت "الجمعية التأسيسية لإقامة الدولة الإسلامية الأولى" شاركت المرأة الرجال في إبرام التعاقد الدستوري والعقد الاجتماعي بإقامة الدولة"[7].
ولما كانت الهجرة تحولا سياسيا ضروريا في مسار الدعوة الإسلامية، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم بأن يفروا بدينهم إلى مكان آمن، وهو الحبشة، فكانت النساء أيضا مشاركات في هذا التحول، مدافعات عن الدين الإسلامي وعن العقيدة الصحيحة، ففي الهجرة الأولى إلى الحبشة خرجت أربع نسوة، وفي الهجرة الثانية خرجت خمس وعشرون مهاجرة[8]، وكان من بينهن: أم المؤمنين سودة بنت زمعة وأم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان.
وفي أخطر التحولات التي غيرت مجرى الدعوة الإسلامية وهي هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، كان أحد الأطراف الذي حفظ السر وساعد النبي في الخروج أسماء بنت أبي بكر وعرفت بعد هذا الحدث المهم بـ"ذات النطاقين".
وفي يوم خيبر، خرجت جماعة من نساء المؤمنين إلى ميدان القتال، فبلغ خروجهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهن، وسألهن:"مع من خرجتن؟" فقلن: يا رسول الله، خرجنا نغزل الشَّعَر، ونعين به في سبيل الله، ومعنا دواء للجرحى، ونُناول السِّهام، ونسقي السويق، فقال:"قمن" حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسْهَم لنا كما أسْهم للرجال"[9].
ومن المواقف التي يشهد لها التاريخ للنساء في عصر الرسالة موقف أسماء بنت اليزيد الأنصارية رضي الله عنها الملقبة بـ"خطيبة النساء" فقد أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة فآمنا بك، وإنا معشر النساء، محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله عز وجل، وإن الرجل إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مجاهدا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا أثوابكم وربينا لكم أولادكم، أفما نشارككم في هذا الأجر والخير، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال:"هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها، فقال:" افهمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله"، فانصرفت المرأة وهي تهلل[10]هذه بعض الأمثلة من واقع النساء في التجربة الإسلامية في عصر الرسالة بقيادة النبي عليه الصلاة والسلام، تُبرز الوجود النسائي إلى جانب الرجل في خدمة الدعوة وحمل هموم الأمة والمشاركة الفعالة حتى في الأمور السياسية الحساسة.
فلم يكن دور النساء محصورا في المحيط الداخلي وهو الأسرة، بل تعدى ذلك إلى المحيط الخارجي وهو المجتمع، تطبيقا لقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[11].


[1] سنن الترمذي، كتاب الطهارة، حديث رقم 113.
[2] سنن ابن ماجة، كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء، حديث رقم 1977.
[3] مسند الإمام أحمد، رقم الحديث: 24804.
[4] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، 206305.
[5] صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، رقم الحديث: 2437، مسند الإمام أحمد: كتاب باقي مسند الأنصار: 6/118.
[6] صحيح البخاري، كتاب المناقب، رقم الحديث: 3610.
[7] "تحرير المرأة بين الغرب والإسلام" محمد عمارة، سلسلة إ‘ن أريد إلا الإصلاح ما استطعت 9، مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع، الصفحة: 26.
[8] يمكن الرجوع إلى "دور المرأة السياسي في عهد النبي والخلفاء الراشدين" أسماء محمد أحمد زيادة، دار السلام، الطبعة الأولى 1421هـ/2001م، صفحة: 135.
[9] رواه أبو داود عن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه، سنن أبي داود ، كتاب الجهاد، 2729.
[10] "أسد الغابة" لأبي الحسن الشيباني، تحقيق عادل أحمد الرفاعي، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى:1996م، الجزء السابع، الصفحة: 22.
[11] سورة التوبة، الآية:71.

كتاب : دور المرأة السياسي في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين - تقرير

 غلاف الكتاب
  • اسم الكتاب: دور المرأة السياسي في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين.
  • اسم المؤلف: أسماء محمد أحمد زيادة.
  • دار النشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة القاهرة.
  • عدد الصفحات: 566 صفحة من القطع الكبير.
 

موضوع الدراسة 

هو البحث في الدور السياسي للمرأة على مساحة العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين. فهي في متناول هذا الدور السياسي للمرأة في أهم العصور التاريخ الإسلامي, وأشدها اقتراباً من حقيقة الإسلام: قيمته, مبادئه, ومثله. وذلك من خلال دراسة أهم أشكال الممارسة السياسية للمرأة خلال هذه الحقبة بداية من اعتناق المسلمات الأول للدين, وهجرتهن في سبيل الله, ومبايعاتهن المختلفة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, وخلفائه الراشدين, وجهادهن, وممارستهن السياسية في أحداث الفتنة التي ألمَّت بالأمة الإسلامية.

وإذا كان النشاط السياسي, في التعريف المعاصر, هو النشاط المتعلق بطريقة تشكيل السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية, ثم المنهج الذي تسير عليه بطريقة السلطتان, والأعمال التي يقومان بها. وإذا كان مما يهيئ لمثل هذا النشاط اهتمام الفرد بأمور السياسة, وذلك مما يرشد فهمه لما يجري في محيطه من أحداث, وهذا بدوره يوفر الوعي, ويرشد النشاط السياسي, فإن الدخول في الإسلام مع معارضة الأهل والسلطة الحاكمة, ثم ما يتبعه من الاهتمام بأخباره, أو التعرض للتعذيب بسببه, أو الهجرة من الوطن, أو المبايعة, أو الجهاد, كل هذا يعتبر نشاطاً سياسياً حسب التعبير المعاصر. ويدخل فيه - بلا أدنى اختلاف مع المفهوم المعاصر - كل ما يتصل بالموقف من الحكومات, وطرق سيرها ونظمها, وطريقة اختيار الحاكم, ودور الأمة في إقامة الحدود, وهو ما مثله دور السيدة عائشة رضي الله عنها - على وجه الخصوص - في أحداث الفتنة, كما سوف نرى.

والدراسة تبحث في هذه القضايا من خلال منهج واضح, ومحدد سلفاً, ينظر إلى هذا الدرس التاريخي من زاوية التصور الإسلامي, التي تؤكد على العلاقة بين هذا التاريخ الإسلامي, وبين العقيدة التي شكلت هذا التاريخ, فمنحته خصوصيات خاصة به, دون أي تاريخ آخر لأي أمة أخرى. كما تبحث في هذه القضايا من خلال نقد الروايات التاريخية في ضوء قواعد المحدثين, وهو منهج يوظف للمرة الأولى - فيما أعلم - في بحث قضية الدور السياسي للمرأة في عهد النبوة, وعهد الخلفاء الراشدين, خاصة فيما يتصل بتقييم موقف السيدة عائشة رضي الله عنها في أحداث الفتنة.
وهو ما جعله يقدم للحقيقة التاريخية صورة مغايرة تماماً لما كان لنا من قبل كحقائق مسلم بها, بينما هي استنباطات خاطئة, أخذت مكانها من كثرة تكرارها الناتج من تقليد الدراسات بعضها لبعض, ومتابعتها لبعضها البعض, دون مراجعة, أو بحث جاد. والدراسة هي تقوم على المادة التاريخية, إلا أنها لا تغفل عن معطيات المادة السياسية, والفقهية, والحديثية, والدراسات الحديثية التي عرضت للمسألة.

إن أهداف هذا البحث تنطلق من أهداف البحث الإسلامي عامة, وأخلاقياته, فهو بحث متجرد عن الحقيقة التاريخية في شأن الموقف الإسلامي العملي من دور المرأة السياسي, وهو محاولة متواضعة في تنقية الإسلام وتاريخيه من الشوائب التي أدخلت عليه في هذا الدور السياسي للمرأة تدليساً, وتزويراً في محتواه, وسياسيته, وخططه.
وهو بحث يسعى إلى تجاوز منطق الدفاع عن المرأة - قدر الإمكان - لكي يجعل الحقائق التاريخية المجردة نفسها تشكل في ذهن القارئ النسق الحقيقي للأحداث, وتدفع عنها كل ما علَّق بها الماضي والحاضر من تهاويل وإضافات ومفتريات, ما كان لها أن تصمد أمام الواقعة التاريخية الصحيحة, إذا ما تم البحث عنها بتجرد, وإخلاص, وليس غير الواقعة التاريخية حكماً, وقاضياً.

وفي الطريق إلى ذلك فإنها ترد تهماً ومفتريات وُجٍّهت, أو توجَّه إلى الإسلام, أو إلى نبي الإسلام, أو إلى النظم الإسلامية, أو إلى الصحابة والصحابيات, فالحقيقة خير عام.

وهذه الدراسة - تهدف من خلال النظر في الجوانب التطبيقية التي قامت بها المرأة في هذه الرحلة التي هي أشد عصور التاريخ تأثيراً في حياتنا - إلى إضاءة هذه الجوانب الهامة, وإبرازها, فقد تستطيع هذه الجوانب حسم الكثير من الجدل النظري في مسالة الدور السياسي للمرأة, وعلى فرض أنها لم تحسم الخلاف حسماًَ كاملاً, فإنها - على أقل تقدير - تضيٍّق من نطاق الاختلاف, خاصة إذا ما تبين للكثيرين أن مساحة واسعة من الروايات التي تمَّ الاستدلال بها, والتي زادت من حجم الاختلاف كانت روايات لا أساس لها من الصحة التاريخية, وهو ما يجعل مردود الاختلاف هذه الدراسة في ميدانها التطبيقي واضحاً على الممارسة السياسية الفعلية للمرأة المسلمة المعاصرة, وعلة حجم الجدل الدائر بشأنها.

فالدراسة ببحثها في الممارسة السياسية الحقيقية للمرأة في صدر الإسلام, ردَّ علمي عملي, يحمل الدليل الأكثر عمقاً, والأشد أصالة, والأسبق تاريخياً من كافة الآراء التي حجرت على المرأة أن تشارك في بناء وتسديد خطى أمتها, وهي رد أيضاً على أولئك الذين وعمروا أن التاريخ الإسلامي لم يعرف للمرأة مشاركة في ميادين السياسة.
وهي تحاول أن تشارك في إنهاء حالة الجمود والتقليد, المذموم شرعاً, التي يعانيها البحث التاريخي إزاء المصادر والنصوص القديمة, وإزاء التسليم بكل ما انتهى إليه من استدلالات في الدراسة الحديثة, والترديد لها دون إعمال فكر في حقيقتها, وما استندت إليه من أدلة وبراهين.

وهي تخرج عن خط الدراسات الإسلامية التي تم بها النظر من قبل في الأدوار السياسية للمرأة في صدر الإسلام, وهي - فيما أعلم - بين دراسات تاريخية لا تتجاوز السرد إلى التحليل والاستنتاج, بعد اجتياز مراحل النقد المعتبرة للرواية التاريخية, أو دراسات حاولت القيام بعملية التحليل والاستنتاج, إلا أنها لم تبحث في صحة ما قامت بتحليله من روايات, بل لم تقدم أية رؤية تم على أساسها الاختيار للروايات التي تم بناء التحليل عليها, فأغلبها عند التحقيق استنتاجات باطلة قائمة على غير حقيقية تاريخية.

وبين دراسات شرعية فقهية, عرضت لمسألة المرأة والعمل السياسي عامة, من خلال جمع آراء الفقهاء في القضية, دون أن تحاول الاجتهاد, أو التجديد باتجاه تأصيل حياتنا الفكرية في ضوء المتغيرات التي تحدث في عالمنا المعاصر. أو دراسات جامعة للنصوص القرآنية والنبوية في شأن الحق السياسي للمرأة, أو دراسات سياسية تناولت عمل المرأة السياسي من زوايا قانونية, ركزت على التنظيم القانوني لحقوق المرأة, كحق الترشيح, والانتخابات, والوظائف العامة, وغير ذلك. وبين دراسات حاولت بحث العمل السياسي للمرأة برؤية إسلامية, حاولت التجديد من خلال النظر في علوم السياسة ودراسات المرأة, والدراسات الإسلامية, إلا أنها ليست في الشأن التاريخي المعني بتحقيق الرواية التاريخية أولاً, ثم بناء الحقيقة التاريخية وتكوين الاستنتاج على أساسها.

ولعل هذه الدراسة بما حاولت الالتزام به من منهج أن تكون قد ساهمت - مع المحاولات الجادة الأخرى - في تأصيل المنهج الإسلامي للتفسير التاريخي. ذلك المنهج الذي يعتمد التصور الإسلامي للتاريخ, ويفيد من منهج المحدثين في التعامل مع الرواية التاريخية.
ولعلهما أيضاً بما قدمته من حقائق تاريخية مستندة إلى هذا المنهج أن تكون لبنة مع لبنات الجهود الجادة في بناء علم سياسة إسلامي قائم على تجربة تاريخية صحيحة, وموثوقة.

محتويات الكتاب:
يتكون الكتاب من مقدمة، ومبحث تمهيدي في الضوابط الأساسية؛ للتعامل مع الروايات التاريخية استغرقت ما يقرب من ستين صفحة تناولت فيه تصنيف المصادر التي أخذت منها الدراسة، ومسألة عدالة الصحابة والصحابيات، ثم ثلاثة أبواب يندرج تحتها عدد من الفصول.

الباب الأول: ممارسات سياسية عامة للمرأة في العهد النبوي والراشدين:

الفصل الأول: اعتبار المرأة للدين على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وتناولت فيه الكتابة فهم المسلمين الأوائل للعمل السياسي باعتباره جزءًا من الدين، إذ كانت السياسة عندهم هي حراسة للإيمان، وذكرت أن المرأة اعتنقت الإسلام منذ نزول الوحي إذ كانت السيدة خديجة- رضي الله عنها- هي أول الناس إسلامًا، وتكشف دراسة شخصيتها على درجة عالية من الوعي السياسي، وعددت الكاتبة أدوار الصحابيات الجليلات في المرحلة السرية والجهرية من الدعوة الإسلامية، وتحملها للابتلاء والامتحان في سبيل هذا الدين.

الفصل الثاني: دور المرأة في الهجرة:
وتناولت في هذا الفصل تعريف الهجرة، وحكمها، وهجرة المرأة المسلمة إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة، وطبقات المهاجرات، وكفاحهن في الغربة وما تعرضن له من شدة ومعاناة، وصبرهن على الغربة وترك الأوطان والحياة القاسية.
ثم تناولت هجرة المسلمات إلى المدينة المنورة، ودورهن في تأسيس هذا الوطن الجديد للمسلمين وعرضت لنماذج مضيئة من هؤلاء المهاجرات مثل "زينب بنت النبي"- صلى الله عليه وسلم- و"أم سلمة"، "وأم أيمن"، و"أسماء بنت أبي بكر"، رضي الله عنهن، وتعليق الإمام الزهري على هجرة المسلمات إذ قال: "وما نعلم أحدًا من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها"، ومن ثم كانت الهجرة واجبة على الرجال والنساء على حد سواء.

الفصل الثالث: بيعة النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
وتناولت فيه مفهوم البيعة في الإسلام، وكيفية ممارسة المرأة المسلمة لهذا الحق السياسي على اعتبار أن البيعة هي ميثاق الولاء للنظام السياسي الإسلامي، والالتزام بجماعة المسلمين والطاعة لإمامهم.
وتتبعت الكتابة مشاركة الصحابيات في البيعات التي بدأت مكة، وكانت على الإيمان والإسلام ثم مشاركة الصحابيات في بيعة العقبة الثانية، ومبايعة نساء الأنصار للنبي- صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة إلى المدينة المنورة، وبيعة الرضوان التي كانت بيعة على الموت ثم بيعة النساء بعد فتح مكة والتي ذكر القرآن الكريم بنودها في سورة الممتحنة، وكانت بيعة العقيدة وحماية المجتمع المسلم وشاركت في هذه البيعة حوالي (300) امرأة، وعرضت لإشكالية بيعة النساء في الدراسات الحديثة التي تقصر دروس هذه البيعة على عدم مصافحة النساء، وتتجاهل الحقيقة السياسية لهذه المبايعة.

الفصل الرابع: بيعة النساء للخلفاء الراشدين:
وتناولت في هذا الفصل تعريف الخلافة ومسألة اختفاء دور المرأة في بيعة الخلفاء من خلال تناولها لكيفية اختيار الخلفاء الراشدين، وخلصت إلى القول بأن المصادر التاريخية لم تعرض إلى كيفية بيعة النساء للخلفاء الراشدين، والروايات تشير إلى عدم حضور المرأة في مبايعات الخلفاء الراشدين، وتذهب الكاتبة الى أن الظروف السياسية في تلك الفترة هي التي تسببت في عدم اكتمال الصورة الدستورية للبيعة.

الباب الثاني: المرأة والجهاد على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين:
تناولت فيه الكاتبة دور المرأة في الجهاد على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم-، ومشاركة الصحابيات في الغزوات مثل (أحد) و(الخندق)، ثم تناولت دور المرأة المسلمة في حروب الردة وعرضت لأدوار بعض المسلمات مثل "نسيبة بنت كعب" و"آذاد" زوجة "شهر بن باذام"، ودورها في قتل الأسود العنسي مدعي النبوة في اليمن، وأكدت الباحثة أن الثقافة التي كانت سائدة وطبيعة الحياة في تلك الفترة لم تكن معنية بتسجيل الموقف النسائي، منفصلاً عن الحدث الاجتماعي، ثم تناولت مشاركة المسلمات في الفتوح الإسلامية، وما تناوله البلاذري في كتباه (فتوح البلدان) من أن جميع الجيوش الإسلامية كانت تخرج ومعها النساء والذراري، إلا أن هذا الدور تعرض لإهمال تاريخي.

الباب الثالث: الدور السياسي للمرأة في أحداث الفتنة:
واستغرق هذا الباب حوالي (169) صفحة تناولت فيه الباحثة الدور السياسي للمرأة في أحداث الفتنة في عهدي "عثمان بن عفان، و"علي بن أبي طالب"- رضي الله عنهما- وأكدت الكاتبة أن الدور السياسي للمرأة في هذه الفتنة لا يمكن فهمه بعيدًا عن فهم الفتنة نفسها وحداثها ورجالها، إذ لا يمكن التعامل مع المرأة كفئة اجتماعية مستقلة بذاتها، وإنما من الضروري التعامل معها كأحد مكونات المجتمع.
موقف أمهات المؤمنين والصحابيات من أحداث الفتنة حتى مقتل "عثمان بن عفان"، وأكدت فيه أن موقف أمهات المؤمنين كان حصيفًا، إذ رفضْن المشاركة فيها ورفضن التهم التي وجهتها الغوغاء الثائرة إلى "عثمان بن عفان"- رضي الله عنه.
الدور السياسي للسيدة عائشة- رضي الله عنها- في أحداث الفتنة في عهد عثمان.
وأكدت أن موقف السيدة عائشة رضي الله عنها جاءنا عبر المصادر التاريخية مشوهًا، حيث نقل إلينا غلاة الشيعة كثيرًا من هذه الأخبار، ونقدت الكاتبة كثيرًا من روايات الطبري في تاريخه التي ذكرت أن عائشة هي التي ألبت الثائرين على "عثمان"، واستندت إلى مقولة الإمام النووي في أن "عثمان" قتل مظلومًا ولم يشارك أحد من الصحابة في قتله.
خروج السيدة عائشة إلى البصرة سعيًا للإصلاح:
وتناولت خروج السيدة عائشة إلى البصرة بعد مقتل "عثمان"، وما صاحب ذلك من أحداث، وحللت موقفها السياسي تحليلاً مستفيضًا، وأكدت أن خروجها لم يكن غوغائيًا بل كان خروجًا واعيًا شارك فيه الكثير من الصحابة، وتناولت في هذا الفصل عددًا من القضايا الشائكة مثل العلاقة بين السيدة "عائشة" و"علي بن أبي طالب" رضي الله عنهم، وموقعة الجمل، وحقيقة الروايات التاريخية القائلة برفض الصحابة لخروج عائشة، واستندت إلى قول الإمام النووي في أن خروجها كان واجبًا في حقها وحق من خرج معها من الصحابة.

مساواة الحقوق الدينية والواجبات الإسلامية بين الذكر والأنثى



 من كتاب " المرأة.. ماضيها وحاضرها"
 
منصور الرفاعي عبيد
 
 إن الإسلام ينظر إلى المرأة على أنها "إنسان", وهذه الكلمة وردت في اللغة العربية على أنها للذكر والأنثى... وقد وردت كلمة "إنسان" في القرآن أكثر من خمس وستين مرة, في حين لم ترد كلمة "إنسانة" ولا مرة واحدة, وهذا من باب التأكيد على أن الإسلام بصفة خاطب الإنسان بصفة عامة, حتى لا يستشعر أحد أن الإسلام وضع فرقاً بين الذكر والأنثى, حيث إن كل ما تضمنه الإسلام من عقائد, وعبادات, وأخلاق, ومعاملات, تتعلق بالإنسان - أي بكل فرد - وإن كان هناك بعض الاختلافات في التطبيق فذلك بحسب التكوين الجسماني لكل من الرجل والمرأة.. وعلى هذا الأساس, فإنه ليس هناك مشكلة للمرأة في ظل تطبيق النظم الدينية والأسس الإسلامية. ثم إنه لم يرد في القرآن أو السنة النبوية إشارة إلى مشكلة خاصة بالرجل أو المرأة وعاش المجتمع الإسلامي في هذا المناخ الكريم ولم تظهر أي إشارة إلى ما يسمى بالمشكلة, إلى أن خضع الشرق لسيطرة الغرب فطرح هذه المشكلة ليجر المجتمع الإسلامي إلى دوامة من المشاكل, خاصة ما أثاره من موضوع الميراث, وحق العمل, والمساواة فيه, وتنظيم الأسرة, وغير ذلك من المشاكل التي خطط لها الاستعمار وأعداء الإسلام بمهارة ودقة, ومع ذلك فكلها لها حلول واضحة لا لبس فيها ولا غموض. 
 
وإذا كان الغرب الآن يطرح قضية المساواة بين الرجل والمرأة, ومعاملتهما على قدم المساواة, فإننا نقول: إن هذا يتنافى مع تعاليم الإسلام, حيث خلق الله الذكر والأنثى وهما متساويان في الحقوق الدينية والواجبات الإسلامية, أما الوظائف الاجتماعية فإن الله منح كل نوع خصائص يتميز بها عن النوع الآخر, وكل نوع له وظائف مكلف بها تتفق والخصائص التي بنى الله عليها جسمه وتكوينه, فقد خص الله المرأة برسالة الأمومة, وخص الرجل برسالة الأبوة, ثم إن كل نوع له فضائل وخصائص لا ينبغي أن يتمنى أحدهما ما للآخر, لأن العلاقة تكاملية بين الاثنين وليست علاقة تصارعية. وإذا كانت المرأة لها استثناءات من حيث الشهادة والميراث وغير ذلك فهي مُسببة, ولها شروطها وقواعدها المقررة في كتب الفقه وشروح السنة النبوية. لهذا نقول للعالم: ليس عندنا مشكلة للمرأة أو صراع بين الجنسين, وأنهما جميعاً من نفس واحدة.
 
وصدق الله العظيم إذ يقول في أول سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}, ويقول سبحانه وتعالى في السورة نفسها: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.

والإسلام منح المرأة نصيبها من الحياة الكريمة عندما أشرق نوره وأسفر عن جو المشرق بالحياة الطيبة, وبالأمل المشحون بالخير, وبالأسلوب العظيم المتسم بالأدب والاحترام في الحياة الجديدة. ذلك حكم للحقيقة وللتاريخ, وليس لعاطفة الدين. ثم إن طبيعة المرأة الكامنة في نفسها إن وفقت إلى من يتعهدها ويصلح شأنها ويزيل العوائق من أمامها كانت سبيل الكمال والنهوض بالأمة, إذ هي الخير كل الخير, وهي الأستاذة الكبيرة للأجيال... وإن هي منيت بمن يموه لها الباطل ويزين لها الشر ويغويها ويدفع بها إلى الفساد والانحراف, انعكست آيتها, وانتكست حالتها, وأهدرت كرامتها. وإن هي تركت وأمرها وخليت وسبيلها كان شأنها كشأن دقائق الكنوز في قفر الأرض, تتحول الأزمنة وتتبدل الأمم وهي على حالها, لا خير فيها, ولا أثر لها, لذلك طرح المصلحون سؤالاً: أي طرق التربية أصلح للمرأة وأثر في حياتها؟ وكانت الإجابة: الدين.... فهو الكفيل بإصلاح حال المرأة.

لقد نهض الإسلام بالمرأة ورفع من شأنها, وكان أثرها في تكوين الرجال وتصريف حوادثه أشبه ما يكون بأثر الغدير الهادئ الفياض في زهر الحدائق والبساتين. وتعالوا بنا نطالع صفحة من تاريخنا الذي نعتز به ونطرب له, فسنجد أن المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها سجلت أروع الصفحات بعظائم الأمور مع مشاركتها للرجل في سياسة الأمة, وولاية الأمر, وجد العمل, ومختلف شئون الحياة.. وكانت مع ذلك تستقبل بعواطف فياضة, يظهر أثر ذلك في قلبها الخفاق الذي يفهم ويعي ويدرك الأمور بذكاء وشفافية.
لقد رفع الله مكانة المرأة إلى المنزلة السامية ليكل إليها أشرف منازل الحياة, لأنها أستاذة الأساتذة في التربية والتنشئة, والتعليم والتوجيه, لذلك فهي ليست بالمخلوق الضعيف, فلقد احتملت على مر العصور الكثير من عَنَت الأيام, وظلم الأهل والعشيرة, وتكبر الرجل وتجبره, ومشقة الحمل, ووصب الوضع, وسهر الليل بجوار الطفل, وما تعانيه من قيام بحقوقه ورعايته بنفس رضية, وعاطفة جياشة, وقلب عطوف, لذلك فهي دعامة الكون الذي لا يزال ناهضاً قوياً, ما نهضت هي به, فإن هي ضعفت وتخاذلت تهاوت عُمُده, وتصدع بنيانه, ومن هنا قيل عنها:

                                الأم مدرسة إذا أعددتها          أعددت شعباً طيب الأعراق

كانت المرأة شريكة في حياة الرجل, فقد أوصى الأصمعي من يريد الزواج بقوله: "إذا هممت بالزواج وأخذت في الاختيار فإياك أن يغلبك هواك على عقلك, فتؤثر بريق الجمال العاري من الكمال على كريم الخلال, وشريف الخصال, فأنت تختار شريكة العمر, وعشيرة الدهر, ولست تختار اليوم لتتحلل غداً, وإذاً فمن الخير تغليب العقل على الهوى. فمن صواب الرأي استعمال الأناة والتؤدة إلى أن تظفر بذات الدين والخلق فتؤثرها بالاختيار على غيرها من سائر النساء. وفي ذلك السعادة الزوجية التي لا تكلفك من أمرها عسراً, ولا تطلب ما لا قدرة عليه, ترضى بالمقسوم وتكون معك الأيام, ولا تكون الأيام عليك... لا تتشكَّى ولا تتسخَّط, إن وجدت حمدت, وإن لم تجد صبرت... تملأ دارها أمناً ورضى واطمئناناً... زوجها منها في يسر ومسرة, وولدها معها في خير. هي خير النساء جميعاً".

ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: "النساء ثلاثة: هيِّنة ليِّنة مسلمة, تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها.. والثانية وعاء للولد, ولودٌ تنجب... والثالثة: غُلٌّ يضعه الله في عنق من يشاء".

وسئل خالد بن صفوان: أي الزوجات أفضل؟؟؟ قال: "التي تطيع زوجها, وتلزم بيتها... إذا غضبت حلمت, وإذا ضحكت تبسَّمت, وإن صنعت شيئاً جوَّدت, وإن قالت صدقت... العزيزة في قومها, الذليلة في نفسها, الودود الولود التي كل أمرها محمود".

الإجراءات المسطرية في مدونة الأسرة الطلاق والتطليق نموذجا - ندوة


مداخلة الأستاذ بدر منشيف







    إن المتتبع للشأن القانوني والتشريعي ببلادنا يلاحظ انه لم يحظ أي قانون أخر بمثل ما حظي به القانون الأسري المغربي من الدراسات القبلية والبعدية .وكل أدلى فيه بدلوه وساهم في بلورته وتوضيحه وتقريبه إلى الادهان نظريا وعمليا ومع ذلك فان المشهد العام يبقى غير مكتمل الصورة مالم يحضى قضاء الأسرة _ الذي هو الجانب الأهم في المعادلة والرقم الصعب _ بمثل ما حضي به قانونها من عناية ورعاية واهتمام كامل بالجانب العملي ومن خلال مواكبة مختلف النوازل والوقائع التي تصدى لها القضاء بصفة عامة .
هذا من جهة ، من جهة أخرى فإذا كانت مدونة الأسرة قد عالجت مجموعة من الإشكاليات التي كانت في ظل مدونة الأحوال الشخصية على المستوى  الموضوعي ، فان الجانب المسطري الإجرائي عرف كذلك ثورة على اعتبار انه مهما بلغت القواعد الموضوعية من الدقة والإحاطة فان إهمال الجانب المسطري يجعل هذه القواعد فارغة من محتواها ويكفي أن نعرج على مواد المدونة لكي نلاحظ مدى حضور الجانب المسطري  ومدى أهميته وخاصة إذا تعلق الأمر بالقواعد المسطرية المنظمة لانحلال ميثاق الزوجية سواءا بالطلاق أو التطليق .
وتطبيقا للقاعدة الإطار المنصوص عليها في المادة 70من مدونة الأسرة تم إخضاع مساطر انحلال عقد الزواج لرقابة القضاء لما يمكن أن يتضمنه هذا التدخل من التقليل من حدة المواقف الفردية وإفراغها من شحناتها العدائية والعدوانية والعمل من اجل إعطاء الأسبقية للصلح وهذا ما حدا بالمشرع إلى سن قواعد المسطرية خاصة في صلب موضوع قانون الأسرة وذلك من اجل مساطر تقاضي تخرج عن قواعد التقاضي الكلاسيكي .
لقد كان سابقا خضوع مساطر التقاضي الأسري للمساطر العادية في ظل مدونة الأحوال الشخصية أن يفرغها من المبادئ الشرعية التي كانت تحملها في طياتها والتي توصي باليسر والسرعة وذلك نظرا لتعدد مراحل التقاضي التي كانت تمر منها مساطر التطليق سابقا من مرحلة ابتدائية واستئنافية ونقض علاوة على كون الأحكام المدنية تصبح نافدة في كل القضايا المدنية بعد الاستئناف إلا في مجال الأحوال الشخصية والكل ناهيك عن العراقيل التي كانت تثيرها مشاكل التبليغ كما أن مسطرة الصلح في إطار الفصلين 56من مدونة الأحوال الشخصية والفصل 112 من ق . م .م . كانت تحتم إعادة إجراءات الصلح أمام محكمة الاستئناف إلى غير ذلك من التعقيدات المسطرية الشئ الذي جعل في بعض الأحيان من ملفات الأسرة الشرعية مجلدات تغطي رفوفا واسعة في المحاكم . وألان ما هي التغيرات المسطرية الناجعة التي أتت بها المدونة في مجال انحلال العلاقة الزوجية تفاديا للمشاكل السالفة الذكر؟ وهل من إشكالات في تطبيقها والآثار المترتبة عنها ؟

المطلب الأول : مميزات وخصوصيات القواعد المسطرية للطلاق والتطليق بين حرفيتها وإشكالات التطبيق  .

من اجل فض النزاعات التي تثار بين الأزواج تم تنظيم قضاء متخصص وإفراد قسم خاص يمارس وحده الاختصاص النوعي ، كما تقررت شفوية المساطر والمستجدات المسطرية الموضوعية سن مسطرة تطليق قررت في إطار قواعد النظام العام تمارس المحكمة وهي تبث في طلب الإذن بالتعدد ( م 45.م.س) كما أن المشرع في هذه المدونة أتى بقواعد خاصة بالاختصاص المكاني وقرر التوصل الشخصي في بعض الحالات وإجبارية الصلح والتحكيم الأسري وتحصين الأحكام الصادرة بإنهاء العلاقة الزوجية لمنع مراجعتها عن طريق الطعون . وفيما يلي سأقف عند كل هذه المستجدات والإشكالات المثارة بصدد تطبيقها عبر الفروع التالية:
الفرع الأول : المستجدات في قواعد الاختصاص النوعي والمكاني :
في سياق تخصيص المشرع لدعاوى الطلاق والتطليق بقواعد مسطرية خاصة نجده قد ميز هذا النوع من الدعاوى من حيث تحديده للجهة التي تخص بالنظر فيها نوعيا ومكانيا .
فمن حيث الاختصاص النوعي تم إحداث جهة مختصة للبث في النزاعات الأسرية ويتعلق الأمر بقسم قضاء الأسرة الصادر بشأنه القانون رقم 73.03 الذي غير وتمم ظهير التنظيم القضائي وخاصة الفصل الثاني منه الذي جاء في فقرتيه الخامسة والسادسة ما يلي :
” تنظر أقسام قضاء الأسرة في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية وحماية الأسرة . يمكن لكل غرفة أن تبحث وتكن في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها باستثناء ما يتعلق بأقسام قضاء الأسرة ” .
من خلال هذا الموقف التشريعي أصبح إلزاما علينا أن نتساءل هل إحداث قسم خاص بقضاء الأسرة معناه وضع مفهوم جديد للاختصاص النوعي بين المحكمة والقسم أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد توزيع داخلي للعمل داخل المحكمة الواحدة ؟
إن الجواب عن هذه الإشكالية يقتضي منا استحضار التمييز الفقهي بين مفهومي الاختصاص النوعي والتوزيع الداخلي للعمل داخل المحكمة الواحدة فالاختصاص النوعي معناه تعيين نصيب كل طبقة من طبقات المحاكم التابعة لجهة قضائية واحدة من المنازعات التي منحها القانون حق الفصل فيها . مع العلم أن تحديد غرفة من غرف المحكمة وتكليفها بالنظر في نوع من القضايا لا يعد سلبا لاختصاص باقي الغرف بل هو مجرد توزيع للعمل داخل المحكمة الواحدة يكتسي طابعا تنظيميا ليس إلا . لقد خلق التعديل الذي جاء به المشرع نوعا من الخلط بين مفهوم التوزيع الداخلي للعمل داخل المحكمة الواحدة و قواعد الاختصاص النوعي فإذا عرض نزاع على إحدى غرف المحكمة الابتدائية وتبين لها انه يخرج عن اختصاصها ويندرج ضمن اختصاص قسم  قضاء الأسرة فان هذه الغرفة لن تصرح بعدم اختصاصها للبث في النزاع بمقتضى حكم مستقل بل تحيل ملف القضية بأمر ولائي على السيد رئيس المحكمة الابتدائية لإحالته على قسم قضاء الأسرة المختص قانونا . غير أن التساؤل الذي يبقى مطروحا هو : ماذا لو بثت احدى غرف المحكمة الابتدائية في نوع يدخل ضمن الاختصاص الحصري لقسم قضاء الأسرة ، هل حكمها يكون مشوبا بعيب عدم الاختصاص النوعي ؟ 
نبادر إلى القول إلى انه لا يمكن التمسك بالدفع بعدم الاختصاص النوعي في هذه الحالة وذلك للاعتبارات الآتية :
أولها : أن الفصل 16 من ق.م.م. الذي حدد كيفية إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي اوجب على من يثير هذا الدفع أن يبين المحكمة التي ترفع إليها القضية وإلا كان الطلب غير مقبول وبالتالي فهذا الدفع يهم المحكمة وليس قسم من أقسامها .
ثانيا : إن الفصل الثاني من ظهير التنظيم القضائي لم يرتب جزاء البطلان في حالة بث إحدى غرف المحكمة في قضية هي من اختصاص قسم قضاء الأسرة .
إذن إذا كانت الخلاصة التي انتهينا إليها من تحليلنا السابق هي أن قسم قضاء الأسرة هو المختص بالنظر في دعاوى الطلاق والتطليق نوعيا فماذا عن الاختصاص المكاني :
القاعدة في المجال الإجرائي أن المدعي يسعى وراء المدعى عليه ويتبعه غير انه ونظرا لمركز الزوجة الضعيف في العلاقة الزوجية فقد افرد ق.م.م. لبيان الاختصاص المحلي لدعاوى التطليق فصلا مستقلا هو الفصل 212 الذي عدل بمقتضى  القانون رقم 03.73 المشار إليه أنفا وقد جاء فيه ما يلي : ” يقدم وفقا للإجراءات العادية مقال التطليق إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرة نفوذها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو التي ابرم بها عقد الزواج ” .
فمن خلال هذا الفصل يتضح أن المشرع قد خير الزوجة في حالة التطليق في رفع الطلب لإحدى المحاكم الثلاث المذكورة وهي في ذلك غير مقيدة بمراعاة الترتيب الوارد بالنص المذكور ،وهذا على خلاف الزوج الذي يتقدم بطلب الإذن من المحكمة للإشهاد على الطلاق ، حيث ألزمته المادة 79من المدونة بمراعاة الترتيب الذي حددته في بيانها للمحكمة المختصة مكانيا أي بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو محل إقامتها أو المحكمة التي ابرم فيها عقد الزواج .
وبالتالي نخلص إلى أن دعوى الطلاق والتطليق تحكمها قاعدة ثلاثية من حيث الاختصاص المكاني مما تجعلها تندرج ضمن الاستثناءات المسطرية .
الفرع الثاني : أطراف الدعوى في مسطرتي الطلاق والتطليق :  
لتبيان صفة المدعي أو من يتخذ المبادرة في تحريك مسلسل إجراءات إنهاء العلاقة الزوجية نصت المادة 78 على ما يلي ” الطلاق حل ميثاق الزوجية يمارسه الزوج و الزوجة كل بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء ، وطبقا لأحكام هذه المدونة ”
انطلاقا من هذا النص حق اتخاذ المبادرة في إنهاء العلاقة بالطلاق
-         أي الذي يتخذ صفة المدعي في طلب الإذن _ هو:
-         الزوج بإرادة منفردة في الطلاق الرجعي أو المكمل للثلاث
-         الزوجة بإرادة منفردة في طلاق التمليك ( المادة 89م.س.)
-         الزوج او الزوجة أو هما معا في الطلاق الاتفاقي ( المادة 114م.س)
-         الزوج فيطلاق الخلع ( المادة 115 م.س)
في الحالات أعلاه ينحصر دور القاضي بعد إجراء الصلح في الإشهاد بالقبول والاستجابة لطلب الطرف المدعي ثم يحدد المستحقات الشرعية للزوجة والأطفال إن وجدوا ويأمر بوضعها بصندوق المحكمة علما انه لا رجعة أثناء العدة كلما تحولت العصمة إلى الزوجة عن طريق التمليك أو تنازل الزوج عنها في الطلاق ألاتفاقي أو الخلع .
وتكون صفة المدعي في إطار مؤسسة التطليق حسب الأحوال الآتية :
-         الزوج أو الزوجة في طلب التطليق للعيب .
-         الزوج أو الزوجة أو هما معا في مسطرة التطليق للشقاق الأصلية ( م.98م.س) + (م.94 م.س) .
-         الزوج أو الزوجة في التطليق للشقاق ضمن مقتضيات المادة 525 .
ورغم أن المشرع خول لكل من الزوجين حق اللجوء إلى مسطرة الشقاق بمقتضى المادة 52و94 من مدونة الأسرة اعتبر البعض أن مسطرة الشقاق وضعت وجاءت للسماح للزوجة بممارسة الطلاق بشكل فيه تحايل على العصمة التي هي بيد الزوج وعلى الشرع كما ينتقدون على المدونة حرمان الرجل حق رفع دعوى الضرر والغيبة وفي حالة السجن أو الإخلال بأحد شروط العقد .
يزعم أصحاب هذا الرأي انه تم سحب البساط من تحت رجل الرجل بسحب امتيازاته الشرعية ويؤكدون أن مدونة الأسرة أعطت للزوجة حصة الأسد في حق المبادرة إلى إنهاء العلاقة الزوجية مما يجعل الانتقادات التي كانت موجهة إلى م.ح.ش. التي ساهمت في استفحال ظاهرة الطلاق تنتقل إلى مدونة الأسرة التي يقال عنها أنها سبب في استفحال ظاهرة التطليق لفائدة الزوجة .
ومما يثير غضب أصحاب هذا الرأي هو ما اعتبر بدعة مسطرية تلك المنصوص عليها في المادة 45 من المدونة من كون المحكمة تطبق تلقائيا مسطرة الشقاق عندما يثبت للزوج حق التعدد ولا توافق الزوجة ولا تطلب تطليقها حيث اعتبر هذا التوجه التشريعي خروجا عن الحياد القانوني الذي يجب على المحكمة أن تلازمه وهي لا تحكم إلا في حدود طلبات الإطراف طبقا للمادة 3من ق.م.م. والرأي فيما اعتقد أن المشرع كان على صواب في هذا التوجه على اعتبار أن الزوجة في هذه الحالة تتخذ موقفا سلبيا ولا تطلب من المحكمة بصفة صريحة الحكم بتطليقها من عصمة زوجها أو تتحد موقفا ايجابيا تعبر فيه عن عدم رغبتها في التطليق ففي هذه الصورة خول المشرع للمحكمة إعمال سلطتها التلقائية وتطبيق مسطرة الشقاق بدون طلب من طرفي العلاقة الزوجية .
الفرع الثالث : أهمية ومكانة التبليغ وإجراءاته :
نظرا لخصوصية مدونة الأسرة فان المشرع خروجا على عدة قواعد إجرائية منصوص عليها في ق.م.م. نظم قواعد التبليغ ضمن نص الموضوع ومرد ذلك حماية الزوجة التي غالبا ما تكون الطرف الضعيف في الحالات التي تكون فيه المدعى عليها .
بالنسبة لدعوى الإذن بالطلاق يشترط لصحة التبليغ توصل الطرفين بصفة شخصية وان التوصل القانوني المنصوص عليه في المادة 39.ق.م.م.لا يغني عن التوصل الشخصي ولا يقوم مقامه لأنه من الملاحظ ورغم حرفية النص فان بعض المحاكم  لا تاخد بالدفع المتعلق بعدم صحة التبليغ القانوني والذي لا يشكل توصلا بمفهوم المواد 43 و 81 م.س وبناء عليه لا يمكن اعتبار الزوج تراجع عن طلب الإذن بالطلاق بناء على عدم حضوره بعد توصله وفق المادة 39 من ق.م.م.
إذن أساس الدفع بعدم صحة التبليغ يهدف إلى حمل المحكمة على إصدار حكم يقضي بعدم قبول الدعوى شكلا وذلك لعدم صحة العناوين المدلى بها وابتعاد المحكمة عن إصدار أحكام نمطية بعلة ” اعتبار الزوج متراجعا عن طلبه لغيابه رغم توصله القانوني ” .
بالإضافة إلى ذلك يطرح الطلاق إشكالية أخرى بخصوص تبليغ الاستدعاء للزوجة المجهولة العنوان وهي إشكالية عالجتها الفقرة الأخيرة من م.81.م.س. التي نصت على انه إذا تبين أن عنوان الزوجة مجهول استعانت المحكمة بالنيابة العامة للوصول إلى الحقيقة وإذا تبين تحايل الزوج طبقت عليه العقوبة المنصوص عليها في المادة 361منالقانون الجنائي بطلب من الزوجة .
والحل التشريعي المنصوص عليه في هذا النص رغم الصياغة التشريعية غير الواضحة على حد تعبير احد الأساتذة يتعلق بتنصيب قيم في حق الزوجة وكان على المشرع أن يعتمد إحالة صريحة على مقتضيات الفقرات 7 و 8 و9 من الفصل 39 ق.م.م.التي تتضمن مسطرة القيم علما أن هذه المسطرة يمكن أن تطبق في التطليق للشقاق الذي يرجع في دعواه للقواعد العامة بشان إجراءات التبليغ لانعدام نصوص خاصة بذلك .
ومن الخصوصيات التي ينفرد بها التبليغ في مادة الطلاق عن التطليق للشقاق انه في مادة التطليق بسبب الشقاق فان الطرف المدعى عليه لا يستدعى الامرة واحدة فمتى بلغ بطريقة نظامية ولم يحضر يتم وضع حد للإجراءات المسطرية المتعلقة بالدعوى ويبث فيها .أما في مسطرة الطلاق فان المشرع وضع ضمانة أخرى للزوجة التي تتخلف رغم توصلها بصفة شخصية من دون أن تدلي بملاحظات كتابية حيث يلزم قبل البت في الطلب المقدم إلى المحكمة أن تحضرها بواسطة النيابة العامة بأنه في حالة عدم حضورها فانه سيبت في الملف في غيابها ( فق 3م81م.س.)
الفرع الرابع :إجراءات الصلح والتحكيم في مؤسستي الطلاق والتطليق .
لما كان هاجس المشرع وضابطه الأول هو الحفاظ على كيان الأسرة وجعل من الطلاق والتطليق استثناء فانه جعل أيضا من إجراءات الصلح في تلك المساطر إجراء جوهريا والذي جاء في مدونة الأسرة على شكل إجراء مسطري محدد الملامح والمقاصد بل وعززت تلك الإجراءات بمسطرة تحكيم اسري فإلى أي حد استطاع المشرع من خلال مؤسسة الصلح سواء القضائي أو غير القضائي الحفاظ على كيان الأسرة ؟
إن إجراء محاولة الصلح بين الزوجين هو أمر ضروري وحتمي في جميع قضايا التطليق وكذا الطلاق باستثناء التطليق للغيبة وهو ما اكدت عليه المادتين 94 و 113 م.س. وكذا المادة 81 ورغم أن المشرع لم ينص على الجزاء المترتب عن الإخلال بمسطرة الصلح إلا أن الصباغة التي جاءت بها المادتين 94 و 113 م. س .توحي بان هذه المسطرة من النظام العام وهو ما سبق أن أكده المجلس الأعلى في احد قراراته .وهو كذلك ما يستشف من الدليل العملي لمدونة الأسرة عند شرحي للمادة 82 م.س. حيث اعتبر أن ” محاولة الصلح إجراء جوهري ولا يمكن انجازه في غياب الزوجين .لذلك اوجب المشرع حضورهما الشخصي في جلسة المصالحة . ”
وإذا ثبتت الطبيعة القانونية لمحاولة الصلح فما هو الجزاء القانوني في حالة تخلف احد الزوجين عن الحضور لإجرائها ؟
يبدو في هذا الإطار انه يتعين التمييز بين حالتين: حالة تخلف الزوجة أو الزوج عندما يتقدم احدهما بطلب التطليق وحالة تخلف احدهما عندما يكون طرف مدعى عليه .
ففي الحالة الأولى نميز في إطار ها بين التخلف عن الحضور الأول جلسة وبين التخلف عن الحضور للجلسات التي تلي الجلسة الأولى : فالتخلف عن الحضور الأول جلسة يل على أن طالب التطليق قد تراجع عن طلبه ( م.81.م.س)كما انه لا مانع من الحكم بعدم قبول الدعوى ما دام أن إجراء محاولة الصلح من النظام العام .
أما في حالة تخلف الزوج أو الزوجة عن الحضور لجلسات الصلح الوالية للجلسة الأولى فهنا يتم الإعلان عن فشل محاولة الصلح لتعذرهما . على أن المحكمة قد تجد نفسها في حيرة من أمرها عندما يتخلف كلا من الطرفين المدعي والمدعى عليه عن الحضور رغم الإعلام ودون عذر مقبول فهل يعتبر ذلك دليل على فشل محاولة الصلح وبالتالي البت في الطلب على ضوء هذا المعطى أم يفسر على وجود صلح بينهما ؟
اعتقد انه على المحكمة في هذه الحالة أن تتريث كثيرا في الإعلان عن فشل محاولة الصلح والحكم بالتطليق فوجود احتمال ولو بسيط على إمكانية وقوع صلح بين الزوجين أمر لا ينبغي تجاهله ضمانا لاستقرار الأسرة وبالتالي فالمحكمة يمكنها هذا الموقف على انه تراجع عن طلب التطليق .
أما بالنسبة لحالة تخلف الزوج كطرف مدعى عليه عن الحضور لجلسة الصلح رغم استدعائه بصفة قانونية فهذا دليل على رفضه إجراء محاولة الصلح وبالتالي يقم الإشهاد على تعذر إجراء الصلح ويبت في الطلب .
وجدير بالذكر أن إجراءات الصلح تعرف خصوصية في الحالة التي يوجد فيها أطفال حيث يتعين على المحكمة أن تجري محاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن 30 يوما . ( م82.م.س) والتساؤل المطروح هو هل يلزم في هذه المرحلة من عمر النزاع أن يحضر الطرفان بصفة شخصية أم لهما أن يوكلا وكيلا لهذا الغرض؟
لم تتطرق مدونة الأسرة لمسالة الوكالة في الطلاق والتطليق خلافا لما قررته من جوازها في الزواج بشروط خاصة .فهل سكوتها يحمل على المنع أم على الإحالة على القواعد العامة المنظمة للوكالة وبالتالي إمكانية التكليف بناء عليها .
يمكن القول أن المشرع قد تعمد عدم الإشارة إلى الوكالة في التطليق إذ أن فلسفته اتجهت إلى التضييق من إعمالها في هذا المجال وذلك أن المشرع ألزم المحكمة بالقيام بمحاولات جادة من اجل الوصول إلى الصلح بين الزوجين هذا الأخير الذي يتطلب الحضور الشخصي للطرفين فالصلح يقوم أساسا على الاعتبار الشخصي ومن ثمة يصعب القيام به إذا حضر وكيل احد الطرفين الذي تكون له غالبا تعليمات يرفض الصلح وبالتالي إفراغ مسطرته من كل مدلول لها.
ومع ذلك تعتبر انه يجوز قبول الوكالة في نطاق ضيق وهو المرحلة اللاحقة على اختتام المحكمة لإجراءات الصلح بطرق بديلة للصلح من خلال الإشارة في م.82.م.س. إلى مؤسسة الحكمين ومجلس العائلة وكذا كل من تراه المحكمة مؤهلا للصلح .
فبخصوص انتداب الحكمين نجد أن هناك من يعتبر هذا الإجراء إلزاميا في دعوى التطليق للشقاق طالما أن لتقريرهما إنهائي بشان محاولة الصلح أثار قانونية حددتها المادتين 95 و 96 م.س. وهناك اتجاه ثاني ذهب إلى أن المحكمة لها سلطة تقديرية في هذا المجال فإذا رأت أن الزوجين لا أمل في صلحهما صرفت النظر عن الحكمين وتبت في جوهر الدعوى والعكس صحيح على اعتبار أن هذا الاتجاه من شانه تسريع وثيرة البت في الدعوى ويساعد على البت فيها داخل الأجل المحدد قانونا وهو ستة أشهر .
أن هذا الاتجاه لا يساير فلسفة وروح مدونة الأسرة التي اعتبرت أن خصوصية دعوى الشقاق لا تقدم في الأصل كطلب للتطليق وإنما تقدم في شكل طلب للمحكمة لحل النزاع الذي يخاف منه الشقاق ومن ثم فدور المحكمة بالأساس هو دور تصالحي توفيقي وقائي بين الزوجين لحل النزاع ( م.94 .م.س.)
أما مجلس العائلة فرغم صدور المرسوم المتعلق به بتاريخ 14 يونيو 2004 فانه لم يتم لحد الآن تفعيله بالشكل المطلوب ولعل السبب في ذلك يرجع إلى الصعوبات التي يطرحها هذا المجلس في تكوين أعضاءه فضلا عن كون الغاية منه قد تتحقق بشكل أفضل عند انتداب الحكمين أو انتداب من تراه المحكمة مؤهلا لإصلاح ذات البين .
وبعد سلوك كل هذه المساطر والإجراءات تكون المحكمة قد استجمعت عناصر ومعطيات البت في الدعوى فتصدر حكما في القضية وهو حكم يجب أن يتضمن مجموعة من العناصر كما تترتب عليه أثار قانونية هامة .

خاتمة :    

إن مقتضيات مدونة الأسرة التي التزمت بأحكام الشرع ومقاصده السمحة تقتضي أن تحقق الأهداف المرجوة منها عند تطبيقها وفق الروح التي ابتغاها المشرع ولا يتحقق ذلك إلا بعد تيسير فهم مضامينها ومعرفة كنهها وتطبيقها بما يقتضي التعايش الاجتماعي لذلك تم خلق قسم جديد للقضايا الأسرة وتميزت مساطر هذا النوع من القضايا بالخصوصية والنوعية كل ذلك لتبسيط وتسهيل المساطر واتخاذ الحلول للمشاكل التي تعترض هذه الفئة مما يمكن من تصريف فعال وسريع للعدالة وإيصال الحقوق لأصحابها في الوقت المناسب .




                                                                                                                                            تاوريرت بريس
 

مدونة الأسرة والقضاء أية علاقة وأية إكراهات



الباحث: رشيد جمالي
متصرف بوزارة الداخلية

حاصل على ماستر في الاستشارة القانونية




بسم الله الرحمن الرحيم
 
مقدمــــــــة:

لا مراء  أن مدونة الأسرة تعتبر مكسبا وطنيا حقيقيا كمحصلة لنقاش وطني ساهم فيه الجميع،من علماء شريعة وعلماء اجتماع وحقوقيين وحركات نسائية ومجتمع مدني، وذلك بعد سجال سياسي وفقهي حسمه جلالة الملك في خطابه التاريخي الذي ألقاه بتاريخ 10 أكتوبر 2003 أمام البرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة حين قال:"لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحل ما حرم الله أو أحرم ما أحله" منبها بذلك على الروح التوافقية التي ينبغي أن تصاغ بها نصوص المدونة بطريقة تنسجم مع مقتضيات الشريعة الإسلامية ،وتتلاءم مع الانفتاح على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان.
لقد قطع المشرع المغربي أشواطا طويلة في إعادة هيكلة مضمون وصياغة المدونة انطلاقا من مدونة 1957 مرورا بتعديلات 1993 ووصولا إلى مدونة الأسرة الجديدة، ونظرا للأهمية البالغة للأسرة باعتبارها الخلية الأساسية والأولى للمجتمع، فإن القضاء يجب أن يقوم بدوره الكامل في التطبيق السليم لمقتضيات هذه المدونة التي خولت له سلطة تقدير واسعة يتأتى له من خلالها مراعاة الظروف الخاصة بكل قضية وتحقيق العدل والإنصاف بين كافة أفراد الأسرة ، والحرص على تحقيق المصالحة بين أعضائها كلما أمكن ذلك،والقاضي من هذا المنطلق يعمل كحكم ومصلح، فبسعة معرفته وطول نفسه وصبره يمكنه إصلاح ذات البين وبتر كل أسباب الخلاف بين الزوجين، بل أصبح من واجبه تقصي مصلحة الطفل ومراعاتها متى كان للدعوى مساس بوضعيته وحقوقه في الحضانة والنسب والنفقة والنيابة الشرعية، والإسراع في البت في كل ما يحقق ذلك،كما توسع الدور المنوط بالنيابة العامة خاصة فيما يرجع لمساعدة كل طرف مست حقوقه المادية والمعنوية.
وقد أنشئ في كل محكمة ابتدائية قسم خاص يسمى "قضاء الأسرة"، ينظر في كل ما يتعلق بقضايا الأسرة من زواج وطلاق ونفقة وإرث ونيابة قانونية وحجر ونسب، وأصبحت قضايا الأسرة موزعة  بين هذا القسم (قسم قضاء الأسرة)، وقسم التوثيق وإن كان عمل هذا الأخير أصبح يتسم بالصبغة الإدارية أكثر منه بالصبغة القضائية، لأنه لا يفصل في النزاع.
ولعل ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع البسيط في عنوانه والمترامي الأطراف في مضمونه، هو توضيح مختلف الاختصاصات التي تضطلع بها أقسام قضاء الأسرة بجميع مكوناتها، وذلك اعتبارا لجهل الكثير لهذه الصلاحيات، خصوصا وأن عموم الناس لا يعرفون سوى قاضي التوثيق أو قاضي شؤون القاصرين، باعتبارهما إرث المدونة السابقة، جاهلين بذلك تماما المكونات الجديدة لهذا القضاء كالقاضي المكلف بالزواج والقضاء الجماعي وغيرهم.
 فماهي اختصاصات هذا القضاء إذن؟ وماهي مختلف تدخلاته في القضايا التي تهم الأسرة؟ وأين يتجلى دوره في حماية الأسرة وخدمة المجتمع ؟ وما هي المثبطات التي يمكن أن تعترض عزيمته ؟ وكيف السبيل إلى تجاوزها واستشراف آفاق أرحب لممارسة هذا القضاء لصلاحياته بشكل أكثر جدوى وفعالية؟
 
 
المبحث الأول : صلاحيات قضاء الحكم في قضايا الأسرة والصعوبات التي تعترضه


سنتناول في هذا المبحث صلاحيات قضاء الحكم (المطلب الأول)، ومختلف الصعوبات التي تواجه هذا القضاء في عمله داخل قضاء الأسرة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: اختصاصات قضاء الحكم في قضايا الأسرة

 أشار القانون 03/73 المعدل للتنظيم القضائي لاختصاصات قسم قضاء الأسرة، حيث قضى بأن أقسام قضاء الأسرة تنظر في قضايا الأحوال الشخصية والميراث و الحالة المدنية وشؤون القاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية و حماية الأسرة.
غير أن هذا القانون تعرض لاختصاصات هذا القسم بشكل عام، مما يتعين علينا تفصيل ذلك من خلال اختصاصات الهيئة الثلاثية أي اختصاصات القضاء الجماعي ( الفقرة الأولى )، ثم استجلاء اختصاصات القضاء الفردي (الفقرة الثانية ) بعد ذلك.

  الفقرة الأولى: اختصاصات القضاء الجماعي

يمكن القول بأن مدونة الأسرة أعطت اختصاصات واسعة للقضاء الجماعي، شملت مواد عديدة من المدونة لعل أهمها:
- فيما يخص الزواج : تختص المحكمة بسماع دعوى الزوجية (المادة 16 من مدونة الأسرة)، و إعطاء الإذن بالتعدد عند توفر شروطه ( المادة 41 )، وإعفاء أحد الأطراف من الشروط أو تعديلها إذا أصبح تنفيذها العيني مرهقا بسبب ظروف أو وقائع طارئة (المادة 48 )، والتصريح ببطلان الزواج إذا تحققت شروط ذلك (المادة 58 ) .
- فيما يخص الطلاق : تختص الهيئة الثلاثية بالإذن بالإشهاد على الطلاق لدى عدلين منتصبين (المادة 75)    و انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين (المادة 82) بالإضافة  إلى تحديد مبلغ يودعه الزوج بكتابة ضبط المحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما في حالة  فشل الإصلاح بين الزوجين  (المادة 83)، كما يختص القضاء الجماعي في الإذن بالإشهاد على الطلاق في حالة تمليك الزوج زوجته حق إيقاع الطلاق (المادة 89 ) .
- فيما يخص التطليق  تحكم الهيئة الثلاثية بالتطليق، بطلب أحد الزوجين بسبب الشقاق، في حالة تعذر إصلاح ذات البين بينهما واستمرار الشقاق (المادة 97 )، كما تلزم هذه الهيئة بالبت في دعاوى التطليق المؤسسة على أحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 98، باستثناء حالة الغيبة، داخل أجل ستة أشهر.
  • فيما يخص عدة الحامل: فمن اختصاص القضاء الجماعي تقرير استمرار العدة أو انتهائها بالاستعانة بذوي الاختصاص من الخبراء للتأكد من الحمل و فترة حدوثه ( المادة 134 ).
  • فيما يخص الحضانة: يدخل في اختصاص القضاء الجماعي تقدير تكاليف سكنى المحضون المستقلة  عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما ( المادة 168)، ثم إعادة النظر في الحضانة إذا  كان ذلك في مصلحة المحضون ( المادة 170 )، فضلا عن إقرار إسناد الحضانة لأحد الأقارب  الأكثر أهلية في حالة تعذر إسنادها للأم أو الأب أو لأم الأم ( المادة 171 )، كما لها الاستعانة بمساعدة اجتماعية في إنجاز تقرير عن سكن الحاضن وما يوفره للمحضون من الحاجيات الضرورية المادية والمعنوية (المادة 172).
  • فيما يخص النفقة: يختص القضاء الجماعي في تقدير النفقة، والبت  فيها داخل أجل شهر واحد (المادة 190) وتحديد وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة، وتكاليف  السكنى على أموال المحكوم عليه، أو اقتطاع النفقة من منبع الريع والأجر الذي  يتقاضاه الزوج (المادة 191) .
  • فيما يخص الحجر: يطلب القضاء الجماعي إقرار الحجر أو رفعه اعتمادا على خبرة طبية وعلى وسائل الإثبات الشرعية (المادة 191).
  • فيما يخص النيابة الشرعية : تقوم الهيئة بتعيين مقدم إلى جانب الوصي لمساعدته أو للإدارة المستقلة لبعض المصالح المالية للقاصر ( المادة 234)، واتخاذ الإجراءات الملائمة للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه المادية  والمعنوية (المادة 243)، وتحديد أجرة الوصي أو المقدم عن أعباء النيابة الشرعية (المادة 264)، ثم إعفاء الوصي أو المقدم في حالة إخلاله بمهامه إما تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو ممن يعنيه الأمر(المادة 265)
  • فيما يخص الميراث: تختص الهيئة الثلاثية عند الاقتضاء باتخاذ ما يجب من أداء نفقة  تجهيز المتوفى بالمعروف والإجراءات المستعجلة للمحافظة على التركة، وتحديد وضع الأختام وإيداع النقود والأوراق المالية والأشياء ذات القيمة ( المادة 373 )، كما تقوم بتعيين مصفي التركة بعد اتفاق الورثة على اختياره، أو إجبارهم على  اختياره (المادة 375 )، ثم أخيرا الاطلاع على إحصاء التركة و مراقبة تصفيتها (المادة 388).
تلك إذن هي أهم اختصاصات القضاء الجماعي في مادة الأسرة، ننتقل الآن إلى دراسة اختصاصات القضاء الفردي.   الفقرة الثانية: اختصاصات القضاء الفردي

يتوزع القضاء الفردي في أقسام الأسرة بين القاضي المكلف بالزواج (أولا)، وقاضي التوثيق (ثانيا)، ثم قاضي شؤون القاصرين (ثالثا).

  أولا: اختصاصات القاضي المكلف بالزواج

من أهم المستجدات التي قررتها مدونة الأسرة، إحداثها لمؤسسة قاضي الأسرة المكلف بالزواج،   وتكمن اختصاصاته إجمالا في كونه يعطي الإذن بإبرام عقد الزواج للشخص الذي تمنعه ظروفه الخاصة من إبرام عقد زواجه بنفسه وفق الشروط المحددة  في المادة 17 من مدونة الأسرة، وبتأشيره على الوكالة بعد تأكده من توفرها على  الشروط المطلوبة، على أنه يمنع عليه أن يتولى بنفسه تزويج من له الولاية عليه من نفسه أو من أصوله  أو من فروعه تطبيقا للمادة 18 من مدونة الأسرة، كما له أن يأذن بزواج القاصر دون الثامنة عشرة من العمر مع بيان المصلحة و الأسباب المبررة لذلك تطبيقا للمادة 20 من مدونة الأسرة  .
ويبت القاضي المكلف بالزواج في حالة عدم موافقة النائب الشرعي للقاصر على طلب الإذن بالزواج، وعند عدم حضوره إبرام العقد طبقا للمادة 21 من مدونة الأسرة.
كما له أن يأذن بالزواج بالنسبة للشخص المصاب بإعاقة ذهنية، ذكرا أو أنثى، بعد تقديم تقرير حول الإعاقة من طرف طبيب خبير أو أكثر طبقا للمادة 23 من مدونة الأسرة .
وعليه كذلك أن يؤشر قبل الإذن بالزواج على الوثائق المطلوبة من أجل إبرام العقد، وإعطائه الإذن للعدلين بتوثيق عقد الزواج كما أكدت على ذلك المادة 65 من مدونة الأسرة .

ثانيا :  اختصاصات قاضي التوثيق

نشير في البداية إلى أن المشرع قلص في المدونة الجديدة من الاختصاصات الممنوحة لقاضي التوثيق حيث أعطى بعضا من صلاحياته للقضاء الجماعي، والبعض الآخر للقاضي المكلف بالزواج، و بقيت لديه قليل من الصلاحيات نوجزها فيما يلي:
  • الخطاب على عقد الزواج ووضع طابعه عليه طبقا للمادة 67 من مدونة الأسرة.
  • الخطاب على رسم الطلاق بعد  أن تأذن المحكمة بتوثيقه لدى العدلين ثم يقوم بعد ذلك بتوجيه نسخة منه  إلى المحكمة التي أصدرت الإذن بالطلاق .
  • الخطاب على وثيقة الرجعة بعد أن يقوم باستدعاء الزوجة لإخبارها برغبة الزوج في إرجاعها (المادة 129)
ومن اختصاصاته أيضا، ولو لم تبين ذلك المدونة صراحة، إذنه بتوثيق شهادة شهود اتفق حضورهم النطق بوصية لفظية بعد أن تؤدى الشهادة أمامه يوم التمكن من أدائها و يخطر الورثة  بذلك (المادة 296).

ثالثا: اختصاصات قاضي شؤون القاصرين

 على العموم هي اختصاصات شبيهة إلى حد ما بالاختصاصات التي كانت لديه قبل صدور مدونة الأسرة، مع الزيادة في تدقيقها فهو الذي يأمر بفتح النيابات القانونية و كذا  مراقبتها، فقد  نص الفصل 184 من ق م م المعدل بقانون 03/72 على أنه يفتح بقسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية ملف لكل نيابة قانونية، ويقيد بسجل خاص يمسك لهذه الغاية ، وبالرجوع إلى مدونة الأسرة نجد أن المشرع أحاط القاضي المكلف بشؤون القاصرين بعدة اختصاصات يمكن تلخيصها فيما يلي:
  • إعطاء الإذن للصغير المميز بتسلم جزء من أمواله على سبيل الاختبار بناء على طلب الوصي أو المقدم أو الصغير المعني بالأمر، وله إلغاء هذا الإذن متى رأى سببا لذلك(المادة 226)
  • إصدار الأمر بإيداع النقود والقيم المنقولة بحساب القاصر لدى مؤسسة عمومية (المادة 235)
  • اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بحماية وصيانة أموال المحجور...
  •  
المطلب الثاني: الصعوبات التي تعترض قضاء الحكم بمحكمة الأسرة

إن الصياغة التشريعية الجديدة التي نظمت الأسرة رغم ما حملته من تصورات تتوخى تماسكها وإيجاد الحلول القضائية لما يواجهها من عواصف تهدد استقرارها وتعطل أداء رسالتها النبيلة باعتبارها الخلية الأساسية في تكوين المجتمع ، أظهرت على مستوى البنية القانونية مجموعة من التساؤلات المشروعة تباينت حولها رؤى الممارسين وظهرت على أرض الواقع سلوكات تجانب مقاصد المدونة من قبل المتقاضين، وقد أفرز احتكاك النص التشريعي لمدونة الأسرة مع النوازل التي طرحت، مجموعة من القراءات، سواء تعلق الأمر بالقضاة المعينين بقرار لوزير العدل كل في نطاق اختصاصه، أو محكمة الموضوع، للإشكالات المرتبطة بالتطبيق السليم للمدونة.

الفقرة الأولى: على مستوى قاضي الأسرة المكلف بالزواج

إن عقد الزواج يتسم بقدسية تميزه عن باقي العقود ويطبعه الدوام، مما حدا بالمشرع إلى إعادة النظر في طريقة توثيقه، وذلك بإحداث ملف متكامل يحفظ بكتابة الضبط يبين وضعية الزوجين عند توثيقه، تفاديا لكل تحايل أوتد ليس، غير أنه لم يمنح القاضي صلاحية الأمر بالأبحاث الضرورية للزوجين المغاربة، ولم يتم تحديد المدة القانونية التي يظل الإذن بالزواج بها ساري المفعول درءا للتحايل عليه، وهل يمكن الاعتماد عليه للمطالبة بثبوت الزوجية إن أراد أحد الطرفين التحلل من الزواج [[1]]url:#_ftn1 ،وهل يعد قرارا إداريا أم قضائيا،  وماهي الجهة التي يمكن رفع الطعن إليها، كما أنه لم يتم تحديد القاضي المختص مكانيا بمنح الإذن في ظل تباين العمل القضائي، وخاصة فيما يتعلق بمنح الإذن بزواج قاصر أو ذو إعاقة ذهنية .
كما تطرح المعالجة التشريعية للزواج المختلط بعض الإشكالات في ظل القصد غير المشروع والمتوخي تحصيل منافع تخالف الغاية الأسمى للزواج وربما تمس  الأخلاق والثوابت ، ذلك أن هذا الزواج لم يقنن بشكل واضح في نص تشريعي، وبقي حكرا على تشريعات استثنائية كالمناشير الوزارية وما يمكن أن يثار بشأن قيمتها القانونية وإلزاميتها، ومدى الصلاحيات التي يجب النهوض بها من طرف القاضي للبحث في كل ما يقنعه بجدية الراغبين في  الإذن بالزواج، لتظل مؤسسة الزواج في إطارها الشرعي والقانوني بعيدة عن كل أشكال الاستغلال

الفقرة الثانية : على مستوى قاضي التوثيق

 تثير المدة الزمنية التي يتعين على قاضي التوثيق المخاطبة على الرسوم العدلية سؤالا حول الأثر القانوني في أفق رفع الوصاية على عمل العدول دونما حاجة لمراقبة خطة العدالة، إسوة بالموثقين العصريين، ليتحمل العدل المسؤولية عن مهامه  توفيرا لجهد  القاضي وتسهيلا لأصحاب الرسوم على التوصل بها في أقصر الآجال، كما يجب تفعيل المهام الرقابية، بمنح القاضي إحالة التقرير المثبت للمخالفات التي ارتكب العدل إلى المحكمة الابتدائية وليس إلى محكمة الاستئناف وفق الرؤية التي تبناها المشرع مع النسا خ.

الفقرة الثالثة : على مستوى قاضي شؤون القاصرين

تواجه عمل قاضي شؤون القاصرين عدة صعوبات لعل أهمها قلة الإمكانيات القانونية التي تمكنه من مراقبة أوضاع الطفل المهمل الموجود بالخارج بحيث يظل ذلك رهين بقيام المصالح القنصلية بعملها، علما أن المشرع لم يمكنها بأية إمكانية قانونية تستند عليها في تتبع وضعية الطفل الذي يمكن أن يكون عرضة للاستغلال من طرف الشخص الذي تكفل به في غياب إلزام الكفيل بمراجعة المصالح القنصلية.
ونلاحظ كذلك أن المشرع لم ينظم مسطرة التكفل بأطفال ليسوا في حالة إهمال بالمفهوم الواسع في الفقه الإسلامي كاليتيم الذي له بعض وسائل العيش[[2]]url:#_ftn2 .
كما تطرح مسألة ملاءمة قانون الكفالة مع قانون الحالة المدنية، فيما يتعلق بإضافة أسماء الأبوين والإسم العائلي، الذي يظل مختلفا عن البيانات الأساسية المتكفلة، وما لذلك من آثار نفسية على الطفل في محيط الأسرة البديلة، فالأمر يتطلب ملاءمة تشريعية اقتداء باتفاقية حقوق الطفل، هذا علاوة على إشكالية أخرى تطرح من الناحية العملية وتتمثل في مطالبة الأم من طرف الإدارات العمومية وغيرها، عند وفاة الأب، بالإدلاء بما يفيد بأنها الولي الشرعي للأبناء، ولعمري في ذلك حيف كبير و جهل تام بمقتضيات المادة 231من مدونة الأسرة [[3]]url:#_ftn3

الفقرة الرابعة :  على مستوى محكمة الموضوع

إن صياغة أحكام مدونة الأسرة، طبعتها رغبة ملحة من طرف المشرع في تسريع الإجراءات وسرعة البت، ترجمها في العديد من المقتضيات والإجراءات، كما أعلنت عنها الإرادة الملكية السامية  في الرسالة التي وجهت إلى وزير العدل وهي تحث على سرعة البت  وداخل آجال معقولة كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقد تضمنت العديد من النصوص مددا زمنية يتعين على المحكمة التقيد بها، كالمواد 15و45و68و83 و82 و97 و192و140و190و141و113 من مدونة الأسرة والمادة 179 من ق م م،  والمادة 21 من قانون كفالة الأطفال المهملين، إلا أن السؤال الذي يثور هنا هو هل هذه الآجال تشجيعية أم أنها مقترنة بجزاء؟  ولماذا لم يعمل المشرع، بمناسبة التعديلات الأخيرة،على جعل قضايا الرجوع إلى بيت الزوجية من اختصاص القضاء الفردي مستجيبا للواقع العملي المطروح في المحاكم، ذلك أن قضايا النفقة التي ترفع من طرف الزوجة هي من اختصاص القضاء الفردي، في حين أن دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية تدخل في اختصاص القضاء الجماعي،  فإذا قام الزوج بتقديم طلب الرجوع أثناء دعوى النفقة، توجب إحالة الملف على القضاء الجماعي مما يطيل أمد النزاع بشكل يزيد في مأساة الزوجة والأبناء.
هذا فضلا عن أن تعثر التنفيذ حاضر بقوة، وربما من أسبابه، تعلق أحكام النفقة بأداء المحكوم عليه لليمين القانونية وخاصة عندما  يغادر المغرب [[4]]url:#_ftn4 ،كما قد يعمد الزوج، المحكوم عليه بتوفير سكن للمحضون، بكراء لبيت الزوجية، فيمتنع عن أداء الكراء ويتم بالتالي إفراغ الأم والأبناء، مما يؤثر على فعالية المقتضيات المتعلقة بسكن المحضون.
إن إرادة المشرع أيضا ظهرت من خلال حرمان المتقاضي المتضرر من الحكم القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية  من ممارسة حق الطعن  في الشق المنهي للعلاقة الزوجية، ومع ذلك نتساءل عن المعيار المعتمد للتمييز بين الجانب الشخصي والمالي، وأيهما أحق وأجدر بالحماية القضائية، وهل تلك الحالات واردة على سبيل الحصر ولا تشمل الحكم بالطلاق الاتفاقي والطلاق بالخلع علما أنه تصدر أيضا أحكام برفض طلب التطليق .
كما تطرح إشكالية أخرى تتعلق بكيفية تعامل محكمة الموضوع مع دعوى ثبوت الزوجية التي يلجأ إليها الزوجان، بعدما يرفض قاضي الأسرة المكلف بالزواج الإذن لهما، مستغلين بذلك الفراغ التشريعي للعبث بالأهداف السامية للمدونة من خلال الرفع من سن الزواج لمصلحتهما وللمجتمع، ونفس الأمر يثار بالنسبة للعسكريين والأجانب وذوي الإعاقة الذهنية ومن يرغب في التعدد، ألا يجب تحريك الأداة الزجرية لتطويق الظاهرة وإرجاع الأمور إلى نصابها؟ أليست هناك إمكانية لتجريم عدم توثيق الزواج ؟
وفي سياق الحفاظ على تماسك الأسرة، هل يمكن القول إن المشرع منع الطلاق بوكالة مع ما يترتب على ذلك بالنسبة للمقيمين خارج المغرب؟ أم أنه لازال منظما بالقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود،  مادام لم يمنعه صراحة، ويمكن التوكيل بعد استنفاذ مسطرة الصلح التي تستلزم الحضور الشخصي.
إن وجود محكمة الأسرة ضرورة اقتضتها حاجيات العصر نتيجة تراجع دور الأسرة وتفككها وتأثيرها على الأطفال، الأمر الذي دعا إلى وجوب تفهم أسباب الخلاف وتحليلها، وذلك مفتقد في النظام القضائي لعدم وجود استعداد لدى القاضي يمكنه من معالجة هذا المشكل الدقيق في غياب وسائل علمية كفيلة بذلك، ورغم الإشارات البسيطة التي حملتها المدونة، لا زال هناك غياب تقنين دقيق لكيفية الاستعانة بالخبراء (الطب النفسي) والأخصائيين الاجتماعيين، والذين يشكلون أمرا محمودا لقدرتهم على تفهم مشاكل الأسرة وعقد جلسات مع مكوناتها فيكونون الأقدر على إيجاد الحل الملائم ويقدمون المشورة العلمية بشكل واضح للمحكمة بشأن إمكانية استمرار العلاقة الزوجية أو وجوب توقفها، فمؤسسة مجلس العائلة التي أوكل لها المشرع الصلح، سرعان ما تنقسم إلى فريقين بفعل القرابة للزوجين  وانعدام الوعي [[5]]url:#_ftn5 ، كما أن طريقة إلزام المصر من الزوجين على الإخلال بالواجبات المذكورة في المادة51 من المدونة، والمتعلقة بالمساكنة الشرعية والمعاشرة بالمعروف وحسن المعاملة، لم تعالج بشكل واضح ومفصل ولم تبين الآثار المترتبة على ذلك.
ونشير في الأخير إلى أن التنزيل السليم لمدونة الأسرة يفرض كذلك على الإدارة مواكبتها، بحيث ترفض بعض الإدارات أحكام الطلاق، وتصر على المطالبة بتحريرها في رسوم عدلية، كما أن الأبناك والمحافظات العقارية عند طلب قرض يقل عن 200الف درهم لفائدة قاصر أو تسجيل بيع لفائدته، يجبران التوفر على إذن قضائي من قاضي شؤون القاصرين مخالفين بذلك مقتضيات المادة 241من مدونة الأسرة، التي لا تأمر بفتح ملف النيابة الشرعية إلا إذا تعدت أموال المحجور 200ألف درهم ، ونفس الأمر بخصوص المعالجة التشريعية في الفقرة الأخيرة للمادة 45 من المدونة والتي تخول للمحكمة تطبيق مسطرة التطليق للشقاق في حالة عدم توافق الزوجين بشأن التعدد.
كانت تلك بعض الإشكالات العملية التي تعترض قضاء الحكم في مادة الأسرة على مختلف مكوناته، والتي نحسبها  أكبر عائق لصيانة الأسرة من شائبة  التعسف والضياع، خاصة وأن المشرع طالما أغفلها في كل مناسبة أتيحت له لتعديل بعض مقتضيات قانون الأسرة.
 
المبحث الثاني:  دور النيابة العامة في خدمة الأسرة والمجتمع و المعيقات

إلى جانب وظيفة النيابة العامة في الميدان الزجري حيث تكاد تنفرد بإقامة الدعوى العمومية ومتابعتها والإدلاء بالحجج المؤيدة لها وممارسة طرق الطعن بشأنها ، فإن جل التشريعات قد أوجدت نظاما خاصا لتدخل النيابة العامة في الميدان المدني، حينما يتطلب الأمر حماية مراكز قانونية معينة جديرة بذلك ، وخاصة عندما تكون المنازعة ذات صبغة لها علاقة بالنظام العام أو بتحقيق المصلحة العامة[[6]]url:#_ftn6 .
 وبمجرد دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، ثار نقاش فقهي وقضائي حول تحديد صفة النيابة العامة في قضايا الأسرة: هل النيابة العامة طرف رئيسي دائما في قضايا مدونة الأسرة ؟ الجواب صريح من خلال مقتضيات المادة 3 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه: " تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام المدونة"، غير أنه رغم وضوح هذه المادة فإنه سرعان ما يتجلى غموض آخر بالرجوع إلى المادة 9 من قانون المسطرة المدنية كما تم تعديلها وتتميمها بمقتضى قانون 03-72 القاضي بتغيير المسطرة المدنية والتي تقضي بما يلي : "يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتية:
  • القضايا المتعلقة بالنظام العام....
  • القضايا المتعلقة بالأسرة".
فهذا الفصل يفيد بأن النيابة العامة تتدخل كطرف منضم في القضايا المتعلقة بالأسرة ما دام الأمر يتعلق بقضايا يأمر القانون بتبليغها إليها لتقديم مستنتجاتها الكتابية والشفوية، فكيف يمكن التوفيق إذن بين هذه الازدواجية في تدخل النيابة العامة في القضايا المتعلقة بالأسرة؟  
المطلب الأول: مجالات تدخل النيابة العامة في قضاء الأسرة

من خلال استقراء مواد مدونة الأسرة، نجد أن المشرع المغربي قد حدد حصرا الحالات التي تتقاضى فيها النيابة العامة كطرف رئيسي (حيث تمارس حق الادعاء وتستعمل كل طرق الطعن عدا التعرض، ويعتبر حضورها إلزاميا في الجلسة...)، في حين تتدخل كطرف منضم وتبدي رأيها لمصلحة القانون والعدالة في باقي قضايا مدونة الأسرة تطبيقا لمقتضيات الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية.
يتضح مما سبق بأن دور النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة يتمثل في كونها تسهر على حسن تطبيق القانون بشكل يتلاءم مع النص في جميع القضايا التي تكون فيها طرفا رئيسيا أو منضما.

الفقرة الأولى الحالات التي تكون فيها النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضايا الأسرة
  • حماية حقوق الأطفال:
أصبح للنيابة العامة أثناء مرحلة الزواج وكذا بعد إنهاء العلاقة الزوجية دورا هاما لحماية الحقوق المترتبة للأطفال منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد على مستوى الرعاية النفسية والمالية والحضانة وغيرها، فقد كلفت المدونة النيابة العامة بالسهر على مراقبة تنفيذ الحقوق المنصوص عليها في المادة 54 من المدونة، ودورها في هذا الصدد هو دور إيجابي وفعال ، إذ لها حق تقديم طلب بتسجيل طفل غير مصرح به بسجلات الحالة المدنية ، ولها أن تسهر على سلامة الطفل بما لها من حق تحريك المتابعة الجنائية ضد كل من ألحق ضررا به دون اشتراط شكاية من جهة معينة. كما امتد دورها إلى تقديم طلب إلى المحكمة لاختيار من تراه مؤهلا لحماية مصلحة المحضون ليقوم بالحضانة طبقا لمنطوق الفصل 165 من المدونة، بل أعطاها المشرع حتى حق تقديم طلب إسقاط الحضانة(الفصل 177) في حالة تعرض المحضون لأضرار من طرف الحاضن ، ولها أن تطلب منع السفر بالمحضون خارج أرض الوطن دون موافقة نائبه الشرعي حسب الفصل 179 من المدونة.
  • إثبات حياة المفقود وإثبات التاريخ الحقيقي للوفاة
إذا تبين أن المفقود المحكوم بوفاته ما زال حيا، فللنيابة العامة أن تتقدم بطلب إلى المحكمة لاستصدار قرار بإثبات كونه باقيا على قيد الحياة (الفصل 75) ، أما في حالة ثبوت التاريخ الحقيقي للوفاة غير الذي صدر الحكم به، فإنه يتعين على النيابة العامة حسب الفصل 76 أن تتقدم بطلب لإصدار الحكم بإثبات التاريخ الحقيقي للوفاة.
  • فيما يخص الأهلية والنيابة الشرعية
للنيابة العامة حسب المادة 221 من المدونة أن تطلب إصدار الحكم بالتحجير أو برفعه، كما لها أن تطلب من قاضي شؤون القاصرين إلغاء قرار الإذن بتسليم الصغير المميز جزءا من أمواله لإدارتها بقصد الاختبار، إذا ثبت سوء التدبير في الإدارة المأذون بها. وفي حالة إخلال الوصي بمهمته أو عجزه فإنه يمكن للنيابة العامة تقديم طلب العزل أو الإعفاء حسب المادة 270، وفي إطار تصفية التركة وحفاظا على المال العام، فإنه في الحالة التي يكون فيها بيد الهالك قبل موته شيء من ممتلكات الدولة ، فعلى قاضي المستعجلات بناء على طلب النيابة العامة أن يتخذ الإجراءات الكفيلة للحفاظ على تلك الممتلكات حسب منطوق الفصل 374 من قانون المسطرة المدنية.
الفقرة الثانية :  دور النيابة العامة كطرف منضم

تتدخل النيابة العامة بهذه الصفة في جميع قضايا مدونة الأسرة التي أمر القانون بتبليغها إليها، وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 9 من قانون المسطرة المدنية، ولا تكون النيابة العامة هنا خصما لأحد وإنما تتدخل لتبدي رأيها لصالح القانون والعدالة ولمصلحة الأسرة والحفاظ على وحدتها وكيانها ، ونشير هنا إلى المادة 88 من قانون الأسرة التي تؤكد بأن قرار الطلاق يجب أن يتضمن ملخص ادعاء الطرفين وطلباتهما وما قدماه من حجج ودفوع والإجراءات المنجزة في الملف ومستنتجات النيابة العامة.
كذلك فالمادة 245 تنص على أن المحكمة تحيل ملف النيابة القانونية على النيابة العامة لإبداء رأيها داخل مدة لا تتجاوز 15 يوما، فتدخل النيابة العامة في جميع هذه الحالات هو انضمامي ما دام الأمر يتعلق بحالة يأمر القانون فيها بتبليغ الملف إلى النيابة العامة للإدلاء بمستنتجاتها.
وعلاوة على موقعها في قضايا الأسرة كطرف رئيسي أو منضم، تأخذ النيابة العامة أدوارا متميزة أخرى تتضح من خلال المستويات التالية:
  • الدور الحمائي للنيابة العامة وذلك من خلال عدة مهام منها :
  • السهر على تنفيذ حقوق الطفل ومراعاة المصلحة الفضلى له (المادة 54 )
  • إرجاع الزوج أو الزوجة المطرودة من بيت الزوجية (المادة 53)
  • التنفيذ الفوري للتدابير المؤقتة المتخذة من طرف المحكمة في انتظار صدور حكم في موضوع النزاع المعروض على القضاء (المادة 121)
  • تبليغ مقرر منع السفر بالمحضون إلى خارج أرض الوطن إلى الجهات العليا (المادة 179)
  • الحضور أثناء تنفيذ الأمر بإسناد كفالة الطفل المهمل(المادة 18 من قانون الأطفال المهملين)
  • الدور المساعد للقضاء خاصة في مجال التبليغ وتجهيز القضايا، وذلك من خلال:
  • الاستعانة بالنيابة العامة في الحصول على موطن أو محل إقامة الزوجة يمكن استدعاؤها فيه (المادة 43)
  • السهر على تبليغ وإخطار الزوجة التي توصلت شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر ولم تدل بملاحظات مكتوبة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الملف على حالته (المادة 81)
  • التأكد من صحة دعوى الزوجة من أجل التطليق لعدم الإنفاق وكون محل الزوج الغائب مجهولا (م103)
  • الإعانة في تبليغ دعوى الزوجة بالتطليق للغيبة إلى الزوج الغائب (المادة 105)
ج- الدور الولائي للنيابة العامة من خلال :
  • تلقي نسخة من عقد زواج المغاربة وفقا للقانون المحلي لبلد إقامتهم من قبل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط عند عدم وجود محل ولادة الزوجين أو لأحدهما بالمغرب (المادة 15)
  • تلقي ملخص وثيقة الطلاق أو الرجعة أو الحكم بالتطليق أو بفسخ عقد الزواج أو بطلانه من طرف وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط  إذا لم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب (المادة 141)
  • إخبارها بالإحصاء النهائي والكامل للأموال والحقوق والالتزامات الخاصة بالقاصر أو المحجور المنجز من قبل العدلان بأمر من قاضي شؤون القاصرين (المادة 252)
  • التبليغ عن وجود ورثة قاصرين للمتوفى أو عند وفاة الوصي أو المقدم من تاريخ العلم بالوفاة (المادة 266)[[7]]url:#_ftn7 .
يتجلى مما سبق أن دور النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة هو دور إيجابي وشامل أساسه السهر على التطبيق الحسن لمقتضيات المدونة، وتفعيل الطابع الحمائي لأحكامها لفائدة القانون والعدالة ومصلحة الأسرة والحفاظ على وحدة كيانها، وترسيخ وتفعيل الأساس الذي انبنت عليه، وهو رفع الحيف عن المرأة وحماية حقوق الأطفال وصيانة كرامة الرجل. 
 
 
 
 المطلب الثاني : الإكراهات التي تصادف عمل النيابة العامة في قضايا الأسرة

إن النيابة العمومية وكيلة المجتمع، تتمتع بصلاحيات مهمة في جغرافية مدونة الأسرة، والنصوص الخاصة المرتبطة بها، والتي يرمي من خلالها المشرع الأسري الحفاظ على الأسرة ومكاسبها، كأساس الاستقرار والتقدم، على أن الإكراهات المطروحة تفرض ضرورة تخويل النيابة العامة الآليات اللازمة للتصدي لكل ما من شأنه تقويض أركان الأسرة، والمساس بمقومات الهوية،  فظاهرة الزواج المختلط تتنامى بفضل عوامل متعددة، منها ما هو مرتبط بالدين والجنسية وقدم المعالجة التشريعية [[8]]url:#_ftn8 .
والضرورة تستدعي منح النيابة العامة مهاما تحول دون التلاعب والتحايل على القانون، والمساس بالأمن والنظام العام، ونقترح توكيل النيابة العامة رفع دعوى إبطال عقود الزواج الصورية المنافية والمنحرفة عن مقاصد الزواج الشرعية ، كما أن  دعوى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، تطرح إشكال تباين محاكم الموضوع بخصوص مفهوم النظام العام المغربي وتحديد ماهيته  والجهة القضائية التي تتولى البت فيها، هل هي محكمة الموضوع  أم محكمة الرئيس، باعتبارها تتعلق بالتنفيذ للأحكام الأجنبية بالمغرب، وهل تخضع لإجراءات التقاضي العادية وخاصة استدعاء الأطراف، أم يقتصر دور القضاء على  التأكد من الشروط التي تطلبها المشرع في المواد 431 و 432 من قانون المسطرة المدنية، وبالتالي ينبغي أن توجه ضد النيابة العامة  كمدعى عليها .
كما تعددت المطالب ومن عدة منابر بمنح النيابة العامة حق استئناف قرار قاضي الأسرة المكلف بالزواج المتعلق بمنح الإذن بالزواج للقاصر أو المصاب بإعاقة ذهنية وذلك لفائدة القانون ومصلحة المجتمع (المادة 20)، ونفس الشيء بالنسبة للحكم الصادر عن المحكمة والقاضي بالإذن بالتعدد بعد أن نصت المادة 44 على أن للمحكمة أن تأذن بالتعدد بمقرر معلل غير قابل لأي طعن، والآمال معقودة كذلك على بيان كيفية سهر النيابة العامة على تجسيد حقوق الأطفال المنصوص عليها في المادة54من المدونة.
 
خــــــــــاتمـة:

إن مدونة الأسرة تواقة إلى إنصاف المرأة وصيانة كرامة الرجل وحماية حقوق الطفل في ظل مقاصد الشريعة السمحة والتزامات المغرب الدولية، فاتسمت المراجعة التشريعية بتبني  قيم المساواة الحقيقية بين الزوجين، ومبادئ العدل والشفافية في الإجراءات المسطرية، وتوخي السرعة في البت، والاستعانة بأدوات علمية عصرية في تحري الحكم المنصف، وبمؤازرة فعالة للنيابة العامة ،إلا أن تعدد الإجراءات المسطرية المنظمة  واختلافها وقصورها في بعض الأحيان، وتباين العمل القضائي في المرحلة الأولى بشأن تطبيقها ، وقلة الإمكانيات المادية و البشرية، وتكاثر الدعاوى، تعد من السمات البارزة التي تطبع محاكم الأسرة،وإحدى أهم الإكراهات المطروحة للتغلب عليها ،ولن يتأتى ذلك إلا بتظافر جهود كل المتدخلين في ميدان الأسرة من مشرع وسلطة حكومية وقضائية ومجتمع مدني ، كل فيما يخصه.
 
المراجع
 
المؤلفات:
  1. موسوعة قانون المسطرة المدنية و التنظيم القضائي ذ- عبد العزيز توفيق الجزء الثاني طبعة 2011
  2. دليل عملي لمدونة الأسرة –وزارة العدل- سلسلة الشروح والدلائل العدد 1، 2004 الطبعة الثالثة، فبراير 2007.
المقــالات:
  1. محمد العيماني، دور النيابة العامة في القضايا المدنية، مجلة رسالة المحاماة عدد 20 2007 .
  2. محمد شهبون – بعض إشكاليات تطبيق مدونة الأسرة –مجلة الملف عدد15  سنة 2006
  3. محمد اكديد – كفالة الأطفال في التشريع المغربي –مجلة القضاء والقانون-عدد147 سنة 2008
  4. مارية اصواب – بعض إشكاليات التنفيذ للأحكام الصادرة عن قسم قضاء الأسرة –مجلة مستجدات مدونة الأسرة وتطبيقاتها العملية –مطبعة الأمنية – 2008
  5. رشيد مشقاقة – آفاق الأسرة في القانون المقارن – مجلة محكمة عدد 2  2006
  6. أحمد نهيد- رئيس المحكمة الإبتدائية بالجديدة- تدخل النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة
  7. إبراهيم زعيم- الزواج المختلط:ضوابطه وإشكالاته- مجلة القضاء والقانون –عدد147 2005
 
الهوامش

[[1]]url:#_ftnref1 انظر مقال محمد شهبون –بعض إشكاليات تطبيق مدونة الأسرة –مجلة الملف عدد15 ص168
[[2]]url:#_ftnref2 انظر مقال محمد اكديد –كفالة الاطفال في التشريع المغربي –مجلة القضاء والقانون-عدد147ص80
[[3]]url:#_ftnref3   انظر التفرير الختامي المشار له في مجلة مستجدات مدونة الاسرة وتطبيقاتها العملية –مرجع سابق –ص 127
[[4]]url:#_ftnref4 انظر مقال مارية اصواب –بعض إشكاليات التنفيذ للأحكام الصادرة عن قسم قضاء الأسرة –مجلة مستجدات مدونة الأسرة وتطبيقاتها العملية –مطبعة الأمنية –ص121
[[5]]url:#_ftnref5 انظر مقال لرشيد مشقاقة –أفاق الأسرة في القانون المقارن –مجلة محكمة عدد2ص 211
[[6]]url:#_ftnref6 أنظر مقال للأستاذ أحمد نهيد رئيس المحكمة الابتدائية بالجديدة تحت عنوان" تدخل النيابة العامة في ظل مدونة الأسرة" ص:1
[[7]]url:#_ftnref7 انظر مقال للأستاذ محمد العيماني،دور النيابة العامة في القضايا المدنية ، مجلة رسالة المحاماة عدد 20 2007 ص 10
[[8]]url:#_ftnref8 انظر مقال إبراهيم زعيم-الزواج المختلط:ضوابطه وإشكالاته-مجلة القضاء والقانون –عدد147ص56
 
عن موقع marocdroit