الأربعاء، 26 يونيو 2013

تجريم الإجهاض في القانون المغربي - عرض

أيوب المومني

ماستر أحكام الأسرة في الفقه والقانون



إذا كان تجريم واقعة الإجهاض متفق عليه مبدئيا في اغلب القوانين الجنائية المقارنة، فإن هناك استثناءات أباحته، فرضتها إما ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر (المادة 453 ق ج قبل التعديل) وإما ضرورة المحافظة عليها فقط (القانون السويسري والقانون المغربي بعد تعديل الفصل 453 ق ج بمرسوم 1 يوليوز 1967) و إما ضرورة اتقاء العار الفضيحة، كأن تكون المرأة قد حملت بالجنين كرها إما من جراء اغتصاب أو نتيجة علاقة جنسية مع أحد المحارم الذي يحرم التزوج به (القانون الايطالي والباوني) لهذه الأسباب وغيرها حاولت أغلب القوانين معالجة الموقف الخطير وذلك بفرض قوانين صارمة بغية الحد من تفاقم هذه الظاهرة، وهذا ما سيظهر لنا جليا من خلال موقف المشرع المغربي([[1]]url:#_ftn1 )
ومن المعلوم أن جريمة الإجهاض قد استفحلت في عالمنا المعاصر بشكل مخيف بحيث صارت هذه الظاهرة أنجح الوسائل للتخلص من حمل غير مرغوب فيه، وقد أكد هذا الاتحاد الدولي للسكان أن حاولي 30 مليون حالة إجهاض تقع كل يوم.
إذا فماهو الأساس القانوني لهذه الجريمة؟ (مبحث أول) وما هي عناصرها (مبحث ثاني)

المبحث الأول: الأساس القانوني

لم يفت المشرع المغربي كغيره من التشريعات الحديثة تجريم الإجهاض والعقاب عليه وهكذا فقد نصت المادة 451 من القانون الجنائي على ما يلي : الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة وأطباء الأسنان والقابلات والمولدات والصيادلة وكذلك طلبة الطب أو طب الأسنان أو الصيدلة وعمال الصيدليات والعشابون والمضمدون، وبائعو الأدوات والممرضون، والمدلكون، والمعالجون بالتسبب، والقابلات العرفية الذين يرشدون إلى وسائل تحدث الإجهاض أو ينصحون باستعمالها أو يباشرونها يعاقبون بالعقوبات المقررة في أحد الفصلين 449 و 450 حسب الأحوال.
 وبحكم على مرتكب الجريمة علاوة على ذلك، بالحرمان من مزاولة المهنة المقررة في الفصل 87 إما بصفة نهائية أو لمدة محدودة.
وبالرجوع إلى أحكام المادتين 449 و 450 من القانون الجنائي نجدهما تنصان على ما يلي: المادة 449:" من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بوسيلة طعام أو شراب أو عقاقير أو تعاليل أو عنف أو أية وسيلة أخرى يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 120 درهم إلى 500 درهم، و إذا أدى ذلك إلى موتها بعقوبة السجن من 10 إلى 20 سنة".
المادة  450: إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في الفصل السابق بصفة معتادة، ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى وتكون عقوبة السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية .
وفي الحالة التي تطبق فيها عقوبة جنحية فقط حسب هذا الفصل أو الفصل 449  فإنه يجوز علاوة على ذلك أن يحكم على الفاعل بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 و بالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر"
يتبين مما سبق أن الإجهاض الذي عاقب عليه المشرع المغربي هو الإجهاض الجنائي الذي يرتكب عن قصد. وهكذا فالمشرع عاقب كل من أجهض امرأة حبلى سواء برضاها أوبدونه كيفما كانت الوسيلة المتبعة للإجهاض، وكذا كل من يدلها عليه أو يجريه لها أو يعاونها عليه سواء أكان طبيبا أو غير طبيب، كما جعل من الإجهاض في بداية الأمر جنحة وجعل منه جناية إذا نتج عنه موت المجنى عليها أو كان الفاعل الطبيب ومن في حكمه قد تعود الإجهاض، كما عاقب المشرع المغربي على محاولة الإجهاض بنفس العقوبة المقررة للجريمة التامة، ويعرف الإجهاض بأنه إسقاط المرأة لولدها ناقص الخلق أو الخروج لمتحصلات الرحم قبل الوضع المعتاد.
ويذهب الأستاذ والخمليشي إلى القول: "أن الإجهاض يشكل خطرا كبيرا على حياة الأم،وعلى سلامتها "، و إن قام بها طبيب مختص وفي الأيام الأولى للحمل، ورضى الأم لا يغير شيئا من طبيعة هذه الخطورة لأن سلامة الأفراد حق اجتماعي، لا يملك الفرد التعامل فيه.


المبحث الثاني: عناصر الجريمة والأحوال التي تشدد فيها القانون

أولا: عناصر جريمة الإجهاض
 
عاقب المشرع عل الجريمة في الفصل 449 من ق ج كما سبقت الإشارة إليه آنفا لكننا نجده في الفصل 453 المعدل حلل مرتكب الإجهاض من أي عقاب إذا ما استوجبت هذا الأخير، أي الإجهاض، ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج ولا يطلب هذا الإذن إذا ارتأى أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم، وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع من إعطاء موافقته أو عاقه من ذلك عائق فإنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عنه الإجهاض إلا بشهادة مكتوبة من الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم يصرح فيها بأن صحة الأم لا تمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج (الفصل 453)([[2]]url:#_ftn2 ) مما سبق يتبين أن قيام هذه الجريمة يستلزم توافر العناصر التالية:

الفرع الأول: العنصر المادي

يفترض في الإجهاض وجود فعل مادي، والفعل المادي يتكون من فعل الإسقاط وقيام علاقة سببية وتحقيق النتيجة ففعل الإسقاط هو كل فعل يقوم به الطبيب أو الجراح من أجل إجهاض المرأة الحامل، أي من أجل طرد الجنين من رحم أمه وبعبارة أخرى كل فعل من شأنه  أن يؤدي إلى القضاء على حياة الجنين أو إخراجه من رحم أمه قبل أوانه.
والمشرع المغربي كغيره من التشريعات الحديثة لم يحصر وسائل الإجهاض في حالات معينة، وعليه فالجريمة تتحقق كيفما كانت الوسيلة المتبعة من طرف الطبيب أو الجراح للإسقاط الجنين،فهي تشمل كل ما يمكن استعماله لإجهاض المرأة سواء وقع الفعل على أعضاء الجسم كلها أو بعضها كأعضاء التناسلية، ولا يشترط لتحقق الفعل الجرمي خروج الجنين حيا من رحم أمه قبل موعده الطبيعي بل أن الجريمة تتحقق سواء خرج الجنين حيا أو ميتا.
والجريمة تتحقق سواء كان الطبيب هو الذي تولى بنفسه عملية الإجهاض كأن يقدم الدواء للمرأة الحامل، كما يجب أنه تؤدي الوسيلة المستعملة إلى تحقيق الإجهاض بصورة فعلية.
كذلك تتحقق الجريمة إما برضا الحامل أو بدونه كأن تجهض عن طريق الاحتيال، كأن يوهمها الطبيب بإجراء كشف طبي على رحمها فيقوم بإجهاضها (الفصل 449)

الفرع الثاني: انتفاء ضرورة المحافظة على صحة الأم

بناء على الفصل 453 ق ج (المعدل بمرسوم 1 يوليوز 1967) فإن المشرع لا يعاقب على الإجهاض إذا تطلبته إما ضرورة المحافظة على صحة الأم، كأن كانت هذه الأخيرة مصابة باضطرابات هرمونية يصعب معه إيقاف النزيف بعد الولادة أو العادات الشهرية التالية لها، إلا بمخاطرة كبيرة، أو كانت الأم مصابة بسرطان في عنق الرحم أو في غشائه، أو كانت ضعيفة القلب لا تحتمل طول مدة الحمل بدون مخاطر عليها وعلى الجنين، أو مصابة بمرض السكري المتقدم، إلى غير ذلك من الأسباب التي تستوجب الإجهاض محافظة على صحة الحامل، و إما بالأحرى لضرورة إنقاذ حياتها الذي يستدعي إسقاط الجنيني فورا، و إلا أدى الأمر إلى وفاتها، ففي هاتين الحالتين يسمح بالإجهاض بالاعتماد على النص السابق، أما إذا كان الإجهاض لا تستدعيه لا ضرورة المحافظة على صحة الأم ولا إنقاذ حياتها، فإن الجريمة إذ ذاك تقوم إذا هو قام أي كان لإجهاضها فعلا أو حاول ذلك لأن من عناصر هذه الجريمة "وجود خطر يهدد الحامل" بحيث إذا انتفى  فإن العقاب يكون واجبا على الفاعل مهما كانت النتيجة"([[3]]url:#_ftn3 )

الفرع الثالث: القصد الجنائي

يمكن تعريف القصد الجنائي هو اتجاه الإرادة إلى تحقيق واقعة إجرامية مع العلم بتحقيقها وبأن القانون الجنائي يجرمها، بمعنى أن القصد الجنائي يتحقق في صورتي العلم والإرادة([[4]]url:#_ftn4 )
وبعبارة أخرى يتجلى القصد الجنائي في كون الجاني يعلم باتجاه إرادته نحو ارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل بصورة تخالف مقتضيات القانون الجنائي.
إذن فالقصد الجنائي يكون كذلك إذا كان  مؤتي الفعل المادي يعلم أنه يقوم بنشاط مخالف للقانون ويسعى في نفس الوقت بفعله إلى إجهاض امرأة جبلى أو يظن أنها كذلك من أجل القضاء على الجنين الذي  بدأ في التكون، وبناء على ما سبق يكفى أن يقصد المرء بنشاطه إجهاض حبلى والقضاء على الجنين، ولا يشترط أن تكون المرأة حاملا فعلا، إذ يكفى أن يعتقد الجاني أنها كذلك حتى ولو كان هذا الاعتقاد على سبيل الظن، وعلة الحكم السابق تكمن في أن تجريم الإجهاض لغير ضرورة لم تكن الغاية منه حماية الجنين فقط، و إنما جرم من أجل حماية السلامة الجسدية للمرأة والذوذ عن حقها في الحياة ولذلك يعاقب الفاعل حتى ولو كان الإجهاض، مستحيلا ابتداء كما في حالة غياب الحمل لدى المرأة. ويتبين مما سبق أنه لا يكفي لقيام الجريمة أن يقترف الشخص السلوك المكون للركن المادي للجريمة.
ولكن يجب أن يتوافر إلى جانب ذلك صلة نفسية تربط هذا الشخص، وبين الفعل أو السلوك الذي قام به، وتتبلور الصلة النفسية في صورة إرادة مذنبة يعتد بها القانون.
وذلك بأن تكون تلك الإرادة خالية مما يعيبها فينفي عنها القدرة على الإدراك أو الاختيار، و أن  تتجه تلك الإرادة اتجاها مخالفا للقانون بأن تكون غايتها تحقيق الجريمة التي يعاقب عليها القانون مع العلم بأركانها .... فإن تحقق ذلك أمكن القول بإسناد الجريمة معنويا لفاعلها، وبذلك يكون الركن المعنوي للجريمة هو تلك الصلة النفسية بين الفاعل والسلوك الذي قام به([[5]]url:#_ftn5 )

ثانيا: الأحوال التي يشد فيها عقاب الإجهاض

شدد المشرع عقوبة الإجهاض في ثلاث حالات وهي كالآتي:
  • الحالة الأولى: وهي التي ينجم فيها عن الإجهاض موت المرأة. وهذا عملا بالفقرة الأخيرة من الفصل  449 من ق ج التي قررت بأنه إذا نتج عن الإجهاض موت المرأة فإن العقوبة تكون السجن من 10 إلى 20  سنة، مع ملاحظة أن الفصل 451 من ق ج جوز للمحكمة، الحكم على الفاعل بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 ق. ج. وبالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا كانت المحكمة قد عاقبت إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصلين 449 و 450 من ق ج بعقوبة جنحية فقط.
الحالة الثانية: وهي التي يتحقق فيها الاعتياد على الإجهاض والاعتياد هو تكرار قيام الجاني بالعملية المجرمة حتى صارت عادة له كالطبيب الذي اشتهر بالإجهاض للراغبات في ذلك بدون ضرورة، وبذلك كان المشرع موفقا حينما شدد العقاب على هذا الصنف من المجرمين المعتادين في الفصل 450 من ق ج، الذي جاء فيه: " إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في الفصل السابق بصفة معتادة، ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى وتكون عقوبة السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية.
وفي حالة التي تطبق فيها عقوبة جنحية فقط حسب هذا الفصل أو الفصل 449، فإنه يجوز علاوة على ذلك أن يحكم على الفاعل بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 وبالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر.
الحالة الثانية: وهي التي تكون فيها المساعدة والتحريض على الإجهاض، فقد عاقب المشرع المساعدة على الإجهاض بالعقوبات المقررة في الفصلين 449 و 450 من المجموعة، وبحسب الأحوال الأطباء والجراحين وملاحظي الصحة.... إذا هم أرشدوا إلى وسائل تحدث الإجهاض أو نصحوا باستعمالها أو باشروها بالفعل (ف 450 ق ج).
كما يحكم على من قام بالمساعد طبقا للفصل السابق علاوة على تلك العقوبة بالحرمان من مزاولة المهنة إما بصفة نهائية و إما لمدة محدودة (ف 87 ق ج) بالمادة 541 ق ج وقد علق الدكتور أحمد الخمليشي على ذلك بقوله وبذلك يكون المشرع قد خرج في جريمة الإجهاض عن الأحكام المتعلقة بالمشاركة فأعمال المساعدة المعاقب عليها هنا، أعم بكثير في صور المشاركة المحددة في المادة 129 من ق ج، كما أن المساعدة في جريمة الإجهاض يعاقب ولو لم تنفذ الجريمة في حين لا يعاقب المشارك إلا إذا نفد الفاعل الأصلي الجريمة فعلا([[6]]url:#_ftn6 ) والممرض الذي يقدم  للطبيب أداة الإجهاض مع علمه بذلك يعاقب بنفس العقوبة التي يعاقب بها الطبيب. والعقوبة المقررة هنا تطبق على من يشترك في عملية الإجهاض حتى ولو لم يكن هناك طبيبا أو جراحا، شريطة أن يكون عالما بقصد الفاعل الأصلي وبصفته الفنية.
وهذا ما ذهب إليه القضاء المغربي في قضية عرضت على أنظار  ابتدائية ورززات([[7]]url:#_ftn7 )
 
 
 
 
 
المراجع المعتمدة
  • شرح القانون الجنائي المغربي الدكتور عبد الواحد العلمي، ط 2-2430-2003 مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
  • شرح القانون الجنائي الخاص: للدكتور أحمد الخمليشي، ط1 الجزء الأول مكتبة المعارف الرباط.
  • جريمة إجهاض الحوامل دراسة في موقف الشرائع السماوية والقوانين المعاصرة إعداد مصطفى عبد الفتاح لبنة- أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه- دار النهى للطباعة والنشر بيروت.
  • محاضرات في القانون الجنائي العام، للدكتور عبد العالي  بنلياس، والدكتورة رشيدة بنسرغين، السنة الجامعية: 2010-2011.
 
الهوامش

[[1]]url:#_ftnref1 -شرح القانون الجنائي المغربي الدكتور عبد الواحد العلمي، ط 2-2430-2003-ص 295.
[[2]]url:#_ftnref2 -وقد كان قبل التعديل يقضي بأنه :  لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة الأم من الخطر متى قام به طبيب أو جراح علانية وبعد إحطار السلطة الإدارية".
[[3]]url:#_ftnref3 -شرح القانون الجنائي المغربي عبد الواحد العلمي، ص 298.
[[4]]url:#_ftnref4 -محاضرات في القانون الجنائي العام، للدكتور عبد العالي  بنلياس، والدكتورة رشيدة بنسرغين، السنة الجامعية: 2010-2011.
[[5]]url:#_ftnref5 -جريمة إجهاض الحوامل (ص 576)، دراسة في موقف الشرائع السماوية والقوانين المعاصرة- رسالة دكتوراه
[[6]]url:#_ftnref6 -شرح القانون الجنائي الخاص: للدكتور أحمد الخمليشي، الجزء الأول، ص: 168.
[[7]]url:#_ftnref7 -غرفة الجنايات: قضية جنائية، عدد 300م/336/89 بتاريخ 13/12/1989، غير منشور موجود في كتاب الأستاذ محمد  أغريس 102.
 عن موقع marocdroit

الجمعة، 7 يونيو 2013

دور الصلح في النزاعات الأسرية


جامعة محمد الأول
       وجدة
   كلية الحقوق
 معمرو بومكوسي
باحث جامعي

إن الطرق البديلة لتسوية المنازعات ليست آلية جديدة، وإنما هي قديمة قدم الإنسانية وكانت موجودة وفعالة لكن الجديد هو ضرورتها في وقت يحتاج إليها الجميع على مختلف المستويات والمجالات هذه الضرورة أفرزتها المعضلة التي يواجهها القضاء منذ أمد بعيد في مختلف الأنظمة القضائية عبر العالم تتجلى في تراكم أعداد هائلة من القضايا بسبب التأخير في إصدار الأحكام والبطء في حسم النزاعات.
والمغرب بدوره أولى اهتماما كبيرا لهذه الوسائل حيث نظم المشرع بعضا منها في عدد من قوانينه، ومنها التحكيم والوساطة الاتفاقية في قانون المسطرة المدنية والصلح في مدونة الأسرة.... الخ، و إذا كانت هذه المجالات خصبة لقيام النزاعات تتطلب إعمال هذه البدائل، فإن اللجوء للوسائل البديلة يزداد أهمية متى تعلق الأمر بالمنازعات الأسرية نظرا لطبيعة العلاقة التي تربط بين مكونات الأسرة.
كل هذا من اجل تحقيق الأهداف النبيلة التي سطرها المشرع في مدونة الأسرة الذي جاء نتيجة حوار اجتماعي وقانوني عميق بين مختلف مكونات المجتمع وحقق ملائمة ومزاوجة متميزة وفريدة بين الأصالة والمعاصرة، بين الحفاظ على الهوية والانخراط في الكونية سعيا للحفاظ على تماسك الأسرة واستقرارها في أداء دورها الأساسي في بناء كيان أفراد المجتمع وتزداد أهمية اللجوء إلى تسوية النزاعات الأسرية عن طريق الصلح لكونها تكتسي طابعا خاصا وتتعلق بعلاقات ذات حساسية وخصوصية بين أفراد الأسرة خاصة بين الزوجين والأبناء وتقتضي الكثير من الكتمان والسرية والحكمة والتروي في معالجة جوانب منها لأنها تكون على درجة من التعقيد وتتميز باختلاف طبائع الناس والتقاليد والمحيط الذي نشأ فيه أطرافها بالإضافة إلى تداخل ما هو قانوني وما هو اجتماعي ونفسي في النزاع.

فما مدى نجاح هذه الوسائل السلمية لحل النزاعات الأسرية في ظل الصعوبات التي تعترضها ؟ 
وما هي آليات تفعيلها ؟
انطلاقا من هذا الإشكال وللإحاطة أكثر بالموضوع ارتأيت تقسيمه على المنوال التالي:

المحور الأول : الصلح والمؤسسات المرصدة له.  
المحور الثاني : الصعوبات التي تعترض مسطرة الصلح.
 



المحور الأول: الصلح والمؤسسات المرصدة له

.تقتضي مني دراسة هذا المحور تقسيمه إلى فقرتين، الصلح في قضايا الطلاق والتطليق، على أن أتطرق للمؤسسات المرصدة للصلح.

أ- الصلح في قضايا الطلاق والتطليق

يخضع الصلح من حيث أحكامه في قضايا الطلاق والتطليق إلى مدونة الأسرة وقواعد الفقه الإسلامي وخاصة منه المذهب المالكي فهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع والنصوص القرآنية الواردة في الصلح والداعية إليه عديدة منه قوله تبارك وتعالى: << وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير >> ، وقوله عز وجل << وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا >> وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا )

وعرف الشيخ ابن عرفة الصلح بأنه: الانتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه.

ويعرف في الاصطلاح الفقهي بأنه عقد يرتفع به التشاجر والتنازع بين الخصوم وهما منشأ الفساد والفتن .

وقد عرف المشرع المغربي بدوره الصلح في الفصل 1098 من قانون الالتزامات والعقود حيث جاء فيه: " الصلح عقد بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقعان قيامه وذلك بتنازل كل منهما للآخر عن جزء مما يدعيه لنفسه أو بإعطائه مالا معينا أو حقا. "

فبخصوص مسطرة الصلح في قضايا الطلاق والتطليق نجدها تكتسي طابعا خاصا يتمثل في كونها مسطرة إلزامية، عكس ما هو عليه الأمر في القانون المدني.

الصلح في قضايا الطلاق

بالرجوع إلى مسطرة الصلح في قضايا الطلاق نجد انه قد تم التنصيص عليها بشكل مفصل في مدونة الأسرة الحالية، فطبقا للمادة 79 من المدونة يجب على طالب الطلاق، أن يطلب الإذن من المحكمة للإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك ، فمن خلال كل هذا يتضح أن مدونة الأسرة على خلاف مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، جعلت الطلاق تحت رقابة المحكمة، بعدما كان يتم من طرف الزوج لدى العدلين ويبقى دور القاضي التأشير على وثيقة الطلاق، فبسط الرقابة القضائية عند إنهاء العلاقة الزوجية واستبعاد كل طلاق خارج المحكمة يعبر عن فلسفة المشرع في تفعيل مسطرة الصلح وذلك ما نصت عليه المدونة في المادة 81 حيث تحرص المحكمة على ضمان الحضور الشخصي للطرفين للإصلاح بينهما، وعند حضور الطرفين تجري المناقشات داخل غرفة المشورة بما في ذلك الاستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في الاستماع إليه، وللمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتداب الحكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما.

وإذا ما قررت هذه الأخيرة القيام بالإجراءات أعلاه فلها أن تختار منها ما تراه ملائما لكل حالة على حدة، بل ويمكن أن تلجأ إلى إجراءات أخرى لان ما تم التنصيص عليه ضمن المادة 82 من مدونة الأسرة إنما ورد على سبيل المثال لا الحصر، وإذا نتج عن الإجراءات التي باشرتها المحكمة صلح بين الزوجين، حرر به محضر وتم الإشهاد به من جانب المحكمة ، ومن تم تعود المياه إلى مجاريها بين الزوجين ، أما إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين حددت المحكمة مبلغا يودعه الزوج بكتابة الضبط بالمحكمة داخل اجل أقصاه ثلاثون يوما لأداء مستحقات الزوجة والأطفال . فبخصوص الطلاق المملك نجد الفقرة الثانية من المادة 89 من مدونة الأسرة تنص على انه: << تتأكد المحكمة من توفر شروط التمليك المتفق عليها بين الزوجين وتحاول الإصلاح بينهما طبقا لأحكام المادتين 81 و 82 أعلاه >> وكذلك الأمر بالنسبة لكل من الطلاق الاتفاقي والطلاق الخلعي، فبخصوص الأول عند حصول الاتفاق بين الزوجين على الافتراق، يبلغان محتواه للمحكمة التي تعمل للإصلاح بينهما أما الثاني فقد يتراضى فيه الزوجان على الخلع، وقد يختلفان في بدل الخلع في هذه الحالة يجب رفع الأمر إلى القضاء قصد النظر فيه ومهمة القاضي تنطلق من محاولة الصلح بين الزوجين أي العمل الجاد على الصلح . وهو ما كرسته المادة 120 من مدونة الأسرة.

الصلح في قضايا التطليق

الصلح في قضايا التطليق أقر لها المشرع المواد من 94 إلى 113 من مدونة الأسرة والظاهر من نصوص المدونة أن إجراءات الصلح في دعاوى الطلاق لا تختلف عن مثيلاتها في دعاوى التطليق وتتمثل أسباب التطليق في التطليق للشقاق، الإخلال بشرط في عقد الزواج، عدم الإنفاق الضرر، الغيبة، العيب، الإيلاء والهجر وأهمها التطليق للشقاق والذي يعتبر من مستجدات مدونة الأسرة حيث يجد سنده الشرعي في قوله عز وجل: << وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا >> ويجد سنده القانوني في المادة 94 من مدونة الأسرة التي تنص على انه: " إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق، وجب عليها أن تقوم بكل المحاولات لإصلاح ذات البين طبقا لأحكام المادة 82 أعلاه " ويتبن من هذه المادة أن المشرع ألزم المحكمة بأن تقوم بكل المحاولات لإصلاح ذات البين، وفي هذا الصدد صدر عن المحكمة الابتدائية – قسم قضاء الأسرة - بوجدة حكم حيث جاء فيه " حيث أن دعوى المدعية تهدف إلى الحكم بتطليقها من المدعى عليه للشقاق وحيث أن المحكمة حاولت إصلاح ذات البين بين الطرفين فاستمعت بغرفة المشورة للمدعية التي أصرت على التطليق وتخلف المدعى عليه رغم سبق توصله بالاستدعاء وبذلك سجلت المحكمة تعذر محاولة الصلح..." ، ومن المحاولات التي تقوم بها المحكمة لتفعيل مسطرة الصلح ، انتداب الحكمين أو من في حكمهما لاستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين وبذل جهدهما لإصلاح ذات البين ، وفي حالة ما إذا توصل الحكمين المنتدبين إلى الصلح حرر مضمونه في تقرير من ثلاث نسخ يوقعه الحكمان والزوجان ويرفعانه إلى المحكمة التي تسلم لكل واحد من الزوجين نسخة منه وتحفظ النسخة الثالثة بالملف ويتم الإشهاد المدلى به من طرف المحكمة. أما إذا اختلف الحكمان في محتوى التقرير لتحيز كل منهما للطرف الذي هو قريب له أو في تحديد الطرف المسؤول عن الشقاق فإننا نجد المادة 96 من مدونة الأسرة تنص على انه " إذا اختلف الحكمان في مضمون التقرير أو تحديد المسؤولية أو لم يقدماه خلال الأجل المحدد لهما أمكن للمحكمة أن تجري بحثا إضافيا بالوسيلة التي تراها ملائمة "

بالإضافة إلى التطليق للشقاق نصت مدونة الأسرة على حالات أخرى لطلب التطليق ، تكون بدورها خاضعة لمسطرة الصلح باستثناء حالة واحدة وهي التطليق للغيبة وهو ما أكدته المادة 113 من مدونة الأسرة.



ب- المؤسسات المرصدة للصلح

يمكن رصد مؤسستين مساعدتين للقاضي في مهامه الصلحية، ويتعلق الأمر بمؤسسة الحكمين ومجلس العائلة.

مؤسسة الحكمين

نص المشرع المغربي في مدونة الأسرة على وجوب بعث الحكمين من طرف المحكمة في حالة استمرار النزاع بين الزوجين للتوفيق بينهما. وهذه المسطرة ليست دخيلة على القانون المغربي، بل هي في جوهرها مستمدة من قواعد الشرع الإسلامي، ورغم أن هذه المسطرة أصيلة في قواعد الفقه الإسلامي، فإن مدونة الأسرة لم تحدد الشروط الواجب توافرها في الحكمين.

ومن تم يتعين الرجوع إلى قواعد الفقه المالكي اعتبارا للحالة المنصوص عليها في المادة 400 من مدونة الأسرة.
وباعتماد قواعد الفقه المالكي، فإنه يشترط في الحكمين أربعة شروط وهي:

الذكورة - العدالة – الرشد – العلم بمهمتهما وكيفية أدائها، ويجب أن يكونا من أهل الزوجين لأنهما أكثر إطلاعا على أسرار الأسرة وأقدر على حل النزاع. أما الحنفية فإنهم خالفوا المالكية في شرط الذكورة حيث أنهم لا يعتبرونه شرطا جوهريا في الحكمين . وبخصوص مهمة الحكمين نجد أن فقهاء الدين الإسلامي اختلفوا حولها بين من يقول بان الحكمين بمجرد قيامهما بالمهمة المنوطة بهما فإنهما يصدران حكما بالطلاق أو بالتطليق على اعتبار أنهما حاكمان فيما حكما فيه، غير انه وفي نقيض هذا الرأي ذهب بعض الفقه إلى أنه لا يبدو مقبولا التفويض للحكمين للبث في وضعية الزوجين المتنازعين خصوصا في حالة معارضتهما لتوجيه أو لقرار الحكمين، وإنما يمكن أن يشاركا في هيئة الحكم بعد استقصائهما لحقيقة الوضع في البحث الذي قاما به، وبالرجوع إلى مدونة الأسرة نجد المادة 95 من مدونة الأسرة قد حددت مهمة الحكمين في محاولة التعرف على الأسباب الجوهرية التي أدت إلى الخلاف بين الزوجين، للانتقال إلى تذويب هذه المشاكل وتقريب وجهات نظر الطرفين للوصول إلى صلح يرضيهما ويرجع الطمأنينة والسكينة للعلاقة الزوجية.

مجلس العائلة

نصت المادة 251 من مدونة الأسرة في فقرتها الثانية على انه: " يحدث مجلس العائلة تناط به مهمة مساعدة القضاء في اختصاصاته المتعلقة بشؤون الأسرة ويحدد تكوينه ومهامه بمقتضى نص تنظيمي. "

من خلال المادة الأولى من مرسوم رقم 02.04.88 يتبين أن مجلس العائلة يتكون من القاضي رئيسا، والأب والأم أو الوصي أو المقدم، أربعة أعضاء يعينهم الرئيس من بين الأقارب أو الأصهار بالتساوي من جهة الزوجين وإذا تعذر تشكيلهم أمكن تكوين مجلس العائلة من جهة واحدة .
ويملك الرئيس سلطة في اختيار الأعضاء اللذين سيكونون مجلس العائلة الذي يشترط فيهم لزوما أن يكونوا كاملي الأهلية أما توفر باقي الشروط فهو أمر موكول للسلطة التقديرية للقاضي الذي يعينهم مراعيا في ذلك درجة قرابتهم ومكان إقامتهم وسنهم وعلاقتهم بالأسرة.
كما أن للرئيس الصلاحية في تغيير أي عضو من أعضاء مجلس العائلة عند الاقتضاء حسب المادة الثالثة من المرسوم، وهو نفس ما كان مسطرا في المرسوم السابق لسنة 1994.

وعند اجتماع مجلس العائلة فإن كل ما يتمخض عنه من نتائج يحرر في محضر رسمي في سجل خاص من قبل كاتب الضبط الذي يحضر الاجتماع، ويوقع مباشرة عند انعقاد الاجتماع من طرف الرئيس والأعضاء، ويشار إلى امتناع هؤلاء عند الاقتضاء أو إلى وجود مانع من التوقيع.

وتجد الإشارة إلى أن مهام مجلس العائلة لا تعدو أن تكون مجرد مهام استشارية تصب في خانة خدمة مصلحة الأسرة وهو ما تنص عليه المادة السابعة من المرسوم الجديد، إضافة إلى إبداء الرأي في كل ماله علاقة بشؤون الأسرة، وهو مقتضى جديد تضمنته هذه المادة، ومن نافلة القول أن مجلس العائلة يعد آلية مهمة في إطار مسطرة الصلح ويلعب دورا مهما لمساعدة القضاء في إيجاد الحلول وإبداء الرأي قصد إنقاذ الأسرة ولم شملها.

المحور الثاني : الصعوبات التي تعترض مسطرة الصلح.

مما لاشك فيه وان مسطرة الصلح في قضايا الأسرة تعترضها عدة معوقات تحول دون تحقيق الغاية المبتغاة منها، حيث ثبت من خلال الواقع المعاش أن أغلبية محاولات الصلح تتكلل بالفشل، وذلك راجع إما لفشل العناصر الأساسية التي تكونها، وإما لكون المؤسسات المرتبطة بالصلح لا تفعل كما يجب أن يكون.

أ- عدم نجاح مساطر الصلح

ترجع تجليات فشل مساطر الصلح في المنظومة القانونية بالدرجة الأولى إلى أسباب قانونية وقضائية وأخرى تتعلق بالدفاع والمتخاصمين. 

الأسباب القانونية والقضائية

تكمن أولى هذه الصعوبات في إسناد مهمة القيام بالصلح لقاضي الحكم، حيث يقوم نفس القاضي بعملية التصالح ومتابعة القضية لإصدار حكم فيها، ونجد أن مدونة الأسرة كرست نفس المبدأ وأسندت في كل موادها التي أوجبت فيها سلوك مسطرة الصلح ممارسة المساعي الصلحية لقاضي الأسرة الذي هو قاضي الحكم، وهذا من شأنه أن يعطل هذه العملية وينقص من فعاليتها. فإسناد الصلح لقاضي ذو اختصاص مزدوج يؤدي إلى نتائج تنبئ بفشله وبالتالي عدم نجاحه، كما قد يتخلى عن دوره الرائد في دفع الطرفين للتصالح وتقريب وجهة نظرهما، الشيء الذي يجعله يكتفي بالإشارة إلى مقتضيات الصلح بمجرد الإشارة العابرة كإجراء مسطري روتيني، ويتعامل معه كشكلية ضرورية يقتضيها النص القانوني أو الرقابة القضائية للمحكمة ويعد من أسباب عدم نجاح الصلح، اتخاذ القاضي- وهو يقوم بعملية الصلح- الحيطة والحذر من الغموض في النزاعات الحقيقية القائمة بين الطرفين خوفا من اتهامه بالانحياز لأحدهما، ويجنبه طرح حلول واقتراحات معينة للدفع بالمتخاصمين للوصول إلى الحل الاتفاقي الذي يستوجب تنازل كل طرف عن جانب من ادعاءاته، قبل الإقدام عليها، وهذا راجع إلى عدة عوامل أهمها :

 غياب نشر ثقافة الحلول البديلة للنزاعات.
 الاعتقاد السائد لدى البعض بأن من شأن نشر هذه الثقافة هيمنة تلك الحلول على النزاعات وإقٌصاء الأحكام وتهميش القضاء .
 عدم وجود الوقت الكافي لإبرام الصلح وكثرة المنازعات الأسرية وقلة الموارد البشرية، وعدم اقتناع الأطراف المتنازعة بثقافة الصلح وحل النزاعات بالطرق السلمية وتدخل الأطراف الأجنبية في النزاع بشكل سلمي.
 كما جرى العمل عند فشل محاولة الصلح في أول جلسة بعد حضور الزوجين، إعلان القاضي عن فشل الصلح دون أن يبدل جهدا إضافيا عبر عقد جلسات صلحية أخرى، رغم أن المشرع لا يمنعه من ذلك.

الأسباب المتعلقة بالدفاع والمتخاصمين

لما كان المحامي هو الجهة الأولى التي يتصل بها المتقاضي قبل عرض نزاعه على القضاء، فإن الدفاع من هذا المنطلق يلعب دورا مهما وأساسيا في توجيه موكله إلى سلوك طريق الصلح، فبدون اقتناعه بأهمية وفائدة الصلح يتم حث ومساعدة المتقاضي على الجنوح عنه، تبقى محاولة القاضي أو أي طرف آخر أمام مناورات المحامي بدون آثر يذكر.

ومما يقوي المحامي الذي يحاول إبعاد موكله عن الصلح لأغراض مادية، كون المتقاضي جاهلا بمسطرة التقاضي وأهمية الصلح.
كما نسجل ضمن معيقات الصلح، إصرار الزوجين على مواقفهما وتصلبهما، غير مدركين مزايا الصلح وخصوصياته وما يرنو إليه من جنوح إلى السلم وحل للنزاعات وديا وبعيدا عن نشر الحقد والكراهية بين الأطراف، فتمسك الخصوم بالمواقف يبقى الخلاف قائما والحل الاتفاقي مستعصيا.

ب : عدم تفعيل المؤسسات المرصدة للصلح

إذا كانت المؤسسات المرصدة للصلح لها دورها في إنجاح الصلح بين أفراد الأسرة، فإن عدم تفعيل مؤسسة الحكمين من جهة، ومجلس العائلة من جهة من شأنه أن يحد من فعاليته في الحد من النزاعات الأسرية .

معيقات تفعيل مؤسسة الحكمين على المستوى العملي

إن التحكيم بين أفراد الأسرة في حالة الشقاق تعرض ولازال يتعرض إلى نوع من التعطيل والهجر، وفي تعطيله وهجره تعطيل لكتاب الله الآمر ببعث الحكمين، مصداقا لقوله تعالى: << وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا >> أو سبب لنتائج خطيرة على مؤسسة الأسرة التي هي الخلية الأولى للمجتمع، وذلك بسبب التطبيق السيئ لمقتضيات هذه المؤسسة الدينية، أن على المستوى القانوني بوجود عدة ثغرات في النصوص التي نصت عليها أو على المستوى العملي من حيث صعوبات التطبيق التي تعترضها والتي نذكر من بينها:

إذا كانت مدونة الأحوال الشخصية السابقة قد نصت على بعث حكمين للسداد بين الزوجين، فإن ذلك المقتضى بقي بدون جدوى ودون أثر يذكر بعدما قيدت المادة 56 منها سلوك مسطرة التحكيم بقيود تتعلق برفض الطلب، وتكرر الشكوى.

وبمجيء مدونة الأسرة نجدها قد فتحت بابا جديدا للتحكيم عن طريق بعث حكمين للسداد أسمته مسطرة الشقاق من خلال المواد 94 إلى 97، غير انه ما يمكن ملاحظته على هذه المقتضيات الجديدة أنها جعلت من بعث الحكمين وسيلة جوازية من وسائل الصلح بين أفراد الأسرة شأنها في ذلك شأن باقي الوسائل التي خول القانون للمحكمة اللجوء إليها في سبيل إصلاح ذات البين بين الأزواج، فالمحكمة ليست ملزمة بانتداب حكمين، وبالتالي يمكن الاستغناء عن هذه المسطرة، الشيء الذي من شانه أن يفوت على المحكمة والأطراف إمكانية الصلح عن طريقها.

إلا أن الإشكال يبقى مطروحا حول عدم تنصيص المشرع المغربي على كيفية اختيار الحكمين ولا كيفية تعيينهما ولا مدة عملهما وعلى جزاء الإخلال والتهاون في تأدية مهمتهما إلى غيرها من الأمور الأخرى التي تشكل بحق خرقا تشريعيا كبرا وخطيرا يجعل مهمة الحكمين مهمة معرضة للارتجال والتقاضي في المجال القضائي.

ومما سيساهم في تعطيل مؤسسة الحكمين من الناحية العملية والواقعية، نجد غياب الواقع المغربي عن نصوص المدونة، حيث أن النصوص القانونية وهي تشير إلى بعث الحكمين لم تأخذ بعين الاعتبار التحولات الجذرية التي تعرفها الأسرة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام. الشيء الذي يصعب معه سلوك هذه المسطرة، بالإضافة إلى قلة الأطر التي يمكنها تتبع عملية الصلح وتحضير القضية في آن واحد أمام كثرة الملفات.

غياب دور مجلس العائلة في فض النزاعات الأسرية

تثور من الناحية العملية عدة إشكالات تجعل مجلس العائلة غائبا في فض النزاعات الأسرية، وذلك راجع إلى صعوبات مادية واجتماعية بالدرجة الأولى بالإضافة إلى صعوبات تتعلق بالجانب الإجرائي والمسطري، فبخصوص الصعوبات المادية، تكمن في مصاريف التنقل التي تشكل عائقا حقيقيا وواقعيا يحول دون اجتماع مجلس العائلة إذ تقتضي بعض الحالات استدعاء أطراف يقطنون في أماكن بعيدة عن مقر المحكمة، فيتطلب التنقل مصاريف قد لا تتحملها طاقة الطرف المستدعي، فيؤثر التغيب عن الحضور، فضلا عن وجود طبقات معوزة لا تقدر على تلبية استدعاء القاضي لهم لأن في تنقلهم إرهاقا ماديا، كما أن بعض الأطراف قد توجد خارج الدائرة الترابية لقاضي الصلح، فيضطر إلى الاستدعاء بواسطة الإنابة القضائية مع ما يصاحب هذه الطريقة من ثغرات وعراقيل قد تفوت إصلاح ذات البين.

إلى جانب الصعوبات المادية توجد صعوبات نفسية سيكولوجية واجتماعية تتمثل في كون الزوجين لا يتقبلان طرح مشاكلهما أمام جمع كبير يسمى مجلس العائلة يصل عدده إلى سبعة أعضاء، مما يجعل الغاية المتوخاة من المجلس شبه منعدمة إن لم تكن منعدمة أصلا، كما أن الزوجين إذا كانا يتوفران على تكوين علمي وثقافي غالبا ما تدفع بهم هذه المؤهلات إلى عدم الرغبة في إشراك الأقارب في نزاعاتهم، خصوصا إذا كان هؤلاء أميين أو أقل من مستواهم الثقافي والعلمي ظنا منهما أن بسط نزاعاتهما أمام المجلس العائلي لن يفضي إلى نتيجة تذكر.

بالإضافة إلى هذه الصعوبات هناك معيقات مسطرية وتتمثل أساسا في بدأ المسطرة وتأخرها عن الوقت المناسب، لم ينص المشرع المغربي في المرسوم المحدد لتكوين أعضاء ومهام مجلس العائلة عن المرحلة التي يتدخل فيها المجلس العائلي، هل بعد أن يفشل قاضي الصلح في مساعيه الصلحية أو بمجرد تقييد المقالات ما يمكن أن نستشفه من هذا كله أن مهمة المجلس تبقى استشارية يستأنس بها القاضي ويستعين بها من غير أن يكون ملزما بما قدمه واقترحه أعضاؤه، وهذا التوجه الذي خلصنا إليه من خلال الحوار الذي أجريناه مع قاضي الأسرة- بالناظور- الذي أكد على أن مجلس العائلة لا وجود له على أرض الواقع، حيث يتم الاكتفاء باستدعاء أولياء أمور الزوجين إن وجدوا، بالإضافة إلى قلة الأطر والتجهيزات من مكاتب وغيرها.


خا تمـــــــــة

إن نجاح الصلح كنظام بديل لتسوية المنازعات الأسرية رهين بمدى الاستعداد الذي يمكن أن تبديه الأطراف المتنازعة في التفاوض والتصالح، وتسوية النزاع واستيعابهم لجدوى هذه العدالة اللينة، السريعة والفعالة والتي لا تتطلب أية شكلية للحصول على رضى الطرفين.
وإنما المهم أن يكون هناك اتفاق على اللجوء لهذه الوسيلة من طرف المتنازعين. فرهان تطبيقها مقبول ونجاح التجربة رهين بتوعية الفاعلين في الحقل القضائي والقانوني، والمجتمع المدني والمشاركة الإيجابية لوسائل الإعلام، وتوافقها مع التقاليد المحلية الخاصة، وتفهم الجهة التشريعية لهذه الثورة القضائية الإيجابية والفعالة، التي تهدف البحث عن مصالح الأطراف من أجل صياغة الاتفاق في جو من التراضي والإقناع ودون أن يخلف النزاع رواسب.
وبذلك أرى أن ركوب قاطرة الحلول البديلة أصبح مطلبا ملحا وممكنا لتلافي تراكم القضايا بمحاكمنا إذا توفرت النوايا الحسنة وتكاثفت الجهود على مختلف الواجهات.

-------------------------------------
الهوامش

1
ظهير شريف رقم 1.07.169 صادر في 19 من ذي القعدة 1428 الموافق 30 نوفمبر 2007 بتنفيذ القانون رقم 08.05 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية. منشور بالجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 25 ذو القعدة 1428 موافق 6 دسمبر 2007، ص 3894 – 3905.
2
ظهير شريف رقم 1.04.22 في 3 فبراير 2004 بتنفيذ القانون رقم 70.03. منشور بالجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 14 ذي الحجة 1424 موافق 5 فبراير 2004، ص 418.
3
زهور الحر : الصلح والوساطة الأسرية في القانون المغربي والقانون المقارن، الصلح والتحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، الندوة الجهوية الحادية عشر، قصر المؤتمرات العيون 1 و 2 نونبر 2007، ص 124- 125.
4
زهور الحر : م.س، ص 125.
5
سورة النساء، الآية 127.
6
سورة النساء، الآية 35.
7
راجع سنن أبي داوود، الجزء الثاني، ص 245، وانظر أيضا صحيح مسلم بشرح النووي، الجزء العاشر ، ص146.
8
إبراهيم حماني: " الصلح والوساطة في قضايا الأسرة " الصلح والتحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال اجتهادات المجلس الأعلى، الندوة الجهوية الحادية عشر، قصر المؤتمرات بالعيون 1-2 نونبر 2007، ص: 113.
9
سمير آيت أرجدال: م.س، ص: 121.
10
راجع المادة 79 من مدونة الأسرة.
11
- الفقرة الثانية من المادة 82 من مدونة الأسرة.
12
وفي هذا الصدد ذهبت المحكمة الابتدائية بوجدة – قسم قضاء الأسرة – " حيث أنه وأمام تصالح الطرفين فإنه لا يسع المحكمة إلا الإشهاد على الصلح ما دام أن هذا الصلح جاء منهيا للنزاع " حكم صادر بتاريخ 27/11/08 في ملف رقم 1221/08 (غير منشور)
13
محمد الكشبور: شرح مدونة الأسرة، الجزء الثاني انحلال ميثاق الزوجية، مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 2006، ص: 50.
14
المادة 83 من مدونة الأسرة.
15
محمد الأزهر: شرح مدونة الأسرة، مطبعة دار النشر المغربية، الطبعة الثالثة 2008، ص: 311.
16
محمد الأزهر: نفس المرجع، ص: 320.
17
سمير آيت أرجدال: م.س: ص: 129.
18
سورة النساء، الآية 35.
19
حكم صادر بتاريخ 23/12/08 في الملف رقم 1375/08 (غير منشور)
20
سمير آيت أرجدال: م.س، ص: 130.
21
المادة 95 من مدونة الأسرة.
22
انظر المادة 98 من مدونة الأسرة.
23
تنص المادة 113 " يبت في دعاوى التطليق المؤسسة على احد الأسباب المنصوص عليها في المادة 98 أعلاه، بعد القيام بمحاولة الإصلاح، باستثناء حالة الغيبة وفي أجل أقصاه ستة أشهر، ما لم توجد ظروف خاصة تبت المحكمة أيضا عند الاقتضاء في مستحقات الزوجة والأطفال المحددة في المادتين 84 و85 أعلاه "
24
محمد الكشبور- يونس الزهري- حسن فتوح: التطليق بسبب الشقاق في مدونة الأسرة، بدون ذكر الطبعة أو المطبعة، ص: 112.
25
تنص المادة 400: " كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف."
26
محمد الكشبور- يونس الزهري- حسن فتوح: م.س، ص: 113.
27
سمير آيت أرجدال: م.س، ص: 138-139.
28
محمد الكشبور- يونس الزهري: حسن فتوح: م.س، ص: 117.
29
وفعلا صدر مرسوم رقم 02.04.88 في 25 ربيع الآخر 1425 الموافق 14 يونيو 2004 بشان تكوين مجلس العائلة وتحديد مهامه الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5223 بتاريخ 21 يونيو 2004 ناسخا بذلك مقتضيات المرسوم رقم 2.94.31 بتاريخ 23 رجب 1425 الموافق 26 دجنبر 1994.
30
محمد أوراغ : أهمية مجلس العائلة على ضوء مدونة الأسرة والمرسوم المنظم له، مجلة رسالة الدفاع ، العدد الخامس، دجنبر 2004، ص 121.
31
محمد الكشبور- حسن فتوح- يونس الزهري، م.س، ص: 116.
32
محمد أوراغ: م.س، ص: 122-123
33
- محمد أوراغ: م.س، ص: 124-125.
34
محمد سلام. أهمية الصلح في النظام القضائي المغربي المقارن. مجلة المحاكم المغربية. عدد 93 أبريل 2002. ص 94-95.
35
الحسن بويقيني: أسباب عدم نجاح مسطرة الصلح في النظام القضائي المغربي، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الندوات والأيام الدراسية العدد الثاني 2004. ص 28.
36
الحسن بويقيني: مرجع سابق ص 30.
37
لحسن آيت فارس ومحمد عزيوي: الصلح في القضايا المدنية وآثاره في الحد من المنازعات. بحث نهاية تدريب الملحقين القضائيين. 2001-2003 ص 79.
38
سورة النساء الآية 35.
39
لحسن آيت فارس ومحمد عزيوي: م.س ص 170.
40
ربيعة بنغازي. أحكام التطليق للضرر من خلال الاجتهاد القضائي المغربي أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، فرع القانون الخاص، جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط: السنة الجامعية 2000-2001 ص 333.
41-
ربيعة بنغازي: مرجع سابق ص 334.
42-
لحسن آيت فارس ومحمد عزيوي. م.س ص 171.
43-
نصت المادة السابعة من مرسوم تكوين مجلس العائلة وتحديد مهامه، أن مهام مجلس العائلة مهام استشارية.
44 -
حوار أجريناه مع قاضي الأسرة بالناظور بتاريخ 16/12/2008
 

الخميس، 6 يونيو 2013

أهمية مجلس العائلة على ضوء مدونة الأسرة، و المرسوم المنظم له.

أهمية مجلس العائلة على ضوء مدونة الأسرة 
و المرسوم المنظم له
                      محمد أوراغ   
منتدب قضائي باستئنافية الناظور
 تقديم :
    ان الاهتمام الكبير بشؤون الأسرة وتنظيم أدق  جزئياتها وتفاصيلها شكل عبر عقود من الزمن مجالا خصبا للنقاش وتبادل الرؤى وتجاذبته مختلف مكونات المجتمع المغربي ، والنتيجة الحتمية لهذا الاهتمام تجسد في التغييرات التي عرفتها مدونة الأسرة بحيث تعد بحق حدث تاريخي هام في المنظومة القانونية المغربية تكرس الحماية القانونية والقضائية لمؤسسة الأسرة المغربية الخلية الأولى للمجتمع مؤسسة على مبادىء العدل والإنصاف والمساواة في إطار التفاعل واستيعاب التحولات المستجدة التي تطرأ على المجتمع المغربي .
فمدونة الأسرة وفضلا عن حمولتها القانونية النوعية ، فإنها تؤسس لقواعد بناء المجتمع الديموقراطي الحداثي المنفتح على عصره والمتشبت بمقومات هويته الإسلامية وفق المنهج الإصلاحي القويم الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لتحقيق المزيد من المكاسب على درب جعل المرأة والرجل شقائق في حقوق وواجبات الإنسان والمواطنة المسؤولة .
ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن مدونة الأسرة تسعى جاهدة على لم شتات الأسرة في قالب متضامن ومتآزر، بمعنى آخر أنها تعمل في إطار الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك والتشرذم ، وذلك يتضح جليا من خلال تكريس مبدأ المراقبة القضائية لإنهاء العلاقة الزوجية في جميع مظاهرها وكذلك عن طريق تفعيل آليات مسطرة الصلح في جل مراحل العلاقة الزوجية وقبل فك عصمتها وما يترتب عن ذلك من أثار : فمجلس العائلة يشكل قطب الرحى في مسطرة الصلح وآلية أساسية ومهمة تتوجب تفعيلها إلى جانب القاضي والحكمين .
فالمشرع لم يحدد اللجوء إلى مؤسسة من مؤسسات الصلح بعينها دون الأخرى ولم يرتب أفضلية في ذلك ، وإنما أعطى للقضاء كامل الصلاحية في اختيار أي مؤسسة للصلح دون أي قيد أو شرط وتوسع في ذلك على أبعد الحدود وفتح المجال لكل من يراه مؤهلا لإصلاح ذات البين وترك عملية الصلح ورأب الصدع عامة وفضفاضة بالمادة 113  من المدونة والغاية من ذلك منح القضاء الحرية التامة فالغرض والهدف محمود هو الإصلاح وإنقاد الأسرة ، وهكذا نصت المدونة في المادة 82 الفقرة الثانية : " للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين ، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما " .
وقد نصت المادة 251 من مدونة الأسرة في الفقرة الثانية على إحداث مجلس للعائلة تناط به مهمة مساعدة القضاء في اختصاصاته المتعلقة بشؤون الأسرة ، ويحدد تكوينه ومهامه بمقتضى نص تنظيمي ، وفعلا فقد صـــدر مرسوم رقم 88/04/2 في 25 من ربيع الآخر 1425 الموافق 14 يونيو 2004 بشأن تكوين مجلس العائلة وتحديد مهامه الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5223 بتاريخ 21 يونيو 2004  ناسخا بذلك مقتضيات المرسوم رقم 2.94.31 بتاريخ 23 رجب 1425 الموافق 26 دجنبر 1994  فكيف يتشكل مجلس العائلة ؟ وما هي مهامه ومجال اختصاصه حسب المرسوم المنظم له وعلى ضوء مدونة الأسرة ؟
المبحث الأول : تكوين مجلس العائلة
    انـــــــه من خلال المادة الأولى من المرسوم رقم 02.04.88 يستفاد منها أنه جعل مجلس العائلة يتكون : من القاضي رئيسا ، الأب والأم أو الوصي أو المقدم ، أربعة أعضاء يعينهم في مجلس العائلة من بين الأقارب أو الأصهار بالتساوي بين جهة الأب وجهة الأم ، أو جهة الزوج حسب الأحوال وفي حالة ما إذا تعذر تشكيلهم من الجهتين معا أمكن تكوين مجلس العائلة من جهة واحدة سواء تعلق الأمر بجهة الأب أو جهة الأم .
وكمقارنة لهذه المادة بالمادة الأولى من المرسوم عدد 2.94.31 الذي تم نسخه يلاحظ أنه تم الاحتفاظ بنفس التركيبة دون أي تغيير يذكر ما عدا إحلال عبارة رئيس مجلس العائلة في المرسوم الجديد بدل القاضي .
 وتجدر الإشارة إلى أن اختيار هؤلاء الأعضاء يراعى فيه درجة القرابة ومكان إقامتهم وسنهم ومؤهلاتهم وعلاقتهم بالأسرة ومدى استعدادهم للعناية بشؤونها وحرصهم على مصلحتها على أن يكون هؤلاء الأعضاء كاملي الأهلية حسب المادة الثانية من المرسوم وكلها شروط منطقية وضرورية نظرا للدور الهام المتوخى أن يلعبه هذا المجلس قصد تذويب بوادر الشقاق والعمل على إرجاع الروح والمياه إلى مجاريها الطبيعية للأسرة المعنية ومساعدة القضاء من أجل اتخاذ قرارات صائبة في صالح  جمع شمل الأسرة والحفاظ على كيانها ، غير أن المشرع لم يبين بشكل جلي ما المقصود بعبارة المؤهلات ؟ فهل تعني المؤهلات الثقافية أم المادية أو البدنية ... ؟
وأعتقد أن هذه العبارة تنصرف إلى المؤهلات الثقافية ما دام أنه تم النص صراحة على كمال أهلية أعضاء مجلس العائلة ، فالمستوى الثقافي تترتب عنه الحكمة والتبصر والروية في الإدلاء برأي استشاري يلقي أثرا أو وقع حسن في نفسية أطراف العلاقة الزوجية ، وأن تقدير ذلك في نهاية المطاف يعود إلى السلطة التقديرية للقاضي رئس مجلس العائلة في اختيار أعضاء أكفاء يحرصون على مصلحة الأسرة .
وأن هذه المادة الثانية من المرسوم الجديد لا تختلف كثيرا على ما هو وارد بالمادة الثانية من المرسوم القديم الذي تم نسخه ما عدا ما يتعلق بالتدقيق في العبارة باستعمال الرئيس بدل القاضي كما تم توضيحه سابقا .
كما أن للرئيس الصلاحية في تغيير أي عضو من أعضاء مجلس العائلة عند الاقتضاء حسب المادة الثالثة من المرسوم  وذلك لن يتم إلا في إطار مراعاة مصلحة الأسرة والتقيد بما يقتضيه ذلك ، والمشرع في هذا الصدد لم يخرج عن ما هو مسطر سابقا في المرسوم السابق لسنة 1994 .
وقد بين المرسوم الجديد في المادة الرابعة كيفية الدعوة إلى انعقاد المجلس ولمن يحق له طلب  ذلك كلما دعت الضرورة لذلك ، وهكذا يتضح بأن مجلس العائلة لا ينعقد بشكل تلقائي وإنما بناء على طلب مقدم إما من طرف الأم ، أو القاصر أو المحجور أو بمبادرة من الرئيس أو بناء على طلب أحد أعضائه الآخرين ، والمستجد في هذه المادة يتمثل في إعطاء الحق للمحجور بطلب اجتماع مجلس العائلة ، وهو ما لم يكن منصوص عليه في المرسوم القديم .
ويعمل الرئيس على استدعاء أعضاء المجلس قبل التاريخ المحدد للاجتماع مع بيان موضوع الاجتماع ويوم وساعة ومكان انعقاده حسبما تقتضيه الفقرة الثانية من المادة الرابعة ، غير أن المشرع في هذه الفقرة أغفل تحديد الأجل الذي يمكن توجيه فيه الاستدعاء داخله وحبذا لو تم الاقتصار على الأجل الذي كان منصوص عليه في المرسوم القديم لسنة 1994 والمحدد في ثمانية أيام على الأقل والنص عليه قصد تفادي ضياع الوقت والعمل على إصلاح ذات البين والسهر على شؤون الأسرة داخل ظرف وجيز .
وقد منحت المادة الخامسة من المرسوم الجديد في حالة تعذر حضور أعضاء المجلس إنابة غيرهم من الأقارب أو الأصهار للقيام بنفس الصلاحيات المخولة لهم قانونا وذلك شريطة الحصول على إذن من رئيس المجلس .
وأعتقد انه لن يتم ذلك إلا بناء على تقديم طلب إلى رئيس مجلس العائلة وتسجيل موافقته على الطلب والإذن بالنيابة ، إلا أن ذلك يجب أن يتم داخل أجل معقول ومراعاة لمقتضيات المادة الثانية من المرسوم السابق الإشارة  إليها .
وما يتمخض من نتائج اجتماع مجلس العائلة يحرر في محضر رسمي يحرره كاتب الضبط الذي يحضر الاجتماع في سجل خاص ، ويوقع مباشرة عند انعقاد الاجتماع من طرف الرئيس والأعضاء ، ويشار إلى امتناع هؤلاء عند الاقتضاء أو إلى وجود مانع من التوقيع حسب ما تنص عليه المادة السادسة ، والتي أغفلت الإشارة إلى توقيع كاتب الضبط عن المحضر فهل يعد معفيا من التوقيع ؟ ما دام ان النص صريح ولم يكلفه بذلك ، إلا أنه من المستحسن أن يذيل بتوقيع كاتب الضبط باعتبار حضوره لكل ما راج في الاجتماع وتدوين ذلك بكل صدق وأمانة وأن هذا التوقيع لن ينقص من القيمة القانونية للمحضر وإنما يكرسها اكثر .
والمستجد في هذه المادة يتمثل في الإشارة إلى وجود مانع يحول دون التوقيع وهو ما لم يكن منصوص عليه في المادة السادسة من المرسوم رقم 2.94.31 .
المبحث الثاني : مهام ومجال اختصاصات مجلس العائلة .
    مما لا شك فيه فإن مهام ونطاق مجال اختصاص مجلس العائلة لا تنحصر فقط في التحكيم لإصلاح ذات البين ، خاصة حينما يتهدد صرح الأسرة بالانهيار وسيتحكم الشقاق الذي يفضي إلى العصف بعش الزوجية المفروض فيه أن يقوم على أسس مستقرة ومتينة على وجه الدوام ، ولن يتم اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو بالتطليق  إلا استثناء وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين ، لما في ذلك من تفكيك الأسرة والأضرار بالأطفال حسب المادة 70
من مدونة الأسرة ، وإنما لمجلس العائلة أن يبدي رأيه في كل ماله صلة وعلاقة بشؤون الأسرة حسب المادة السابعة من المرسوم رقم 2.04.88 .
ففي إطار تفعيل مسطرة الصلح والحفاظ على تماسك الأسرة من خلال إقرار سلم اجتماعي في الخلية الأسرية ، التي تشكل الأساس لإصلاح المجتمع والحفاظ على تآزرها واستقرارها باعتبارها مؤسسة اجتماعية لها دور أساسي وفعال في تنمية المجتمع ، ومن تم وجب حمايتها والاعتناء بها عن طريق إقرار الكثير من القواعد القانونية والقضائية والتدابير الإجرائية التي تساعد على استمرارها وتضمن حقوق أفرادها ، وتقر علاقات متوازنة وسليمة ، فإصلاح المجتمع يمر بشكل حتمي من خلال إصلاح أحوال الأسرة وإرساء أسس حمايتها عن طريق تنظيم العلاقات الأسرية في إطار قانوني يحقق العدل والإنصاف والكرامة الإنسانية لكل مكوناتها .
وقد حثت المدونة على نهج أسلوب الإصلاح وإرساء أجواء التفاهم والحوار حول ما يعيق الأسرة ويكدر صفوها  واعتماد إحدى قنوات الصلح المتمثلة في ثلاث مؤسسات دون تمييز بعضها عن البعض أو الاستغناء عن أحدها وهي : القاضي ، الحكمين ، مجلس العائلة ، وذلك في المواد 82 ، 89 ، 94 ، 95 ، 96 ، 113 ، 114 251 والمادة 268 التي نصت على أنه يحدد القاضي المكلف بشؤون القاصرين بعد استشارة مجلس العائلة عند الاقتضاء ، المصاريف والتعويضات المترتبة عن تسيير أموال المحجور .
وتجدر الإشارة إلى أن مهام مجلس العائلة لا تعدو أن تكون مجرد مهام استشارية تصب في خانة خدمة مصلحة الأسرة وهو ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة السابعة من المرسوم الجديد ، إضافة إلى إبداء الرأي في كل ما له علاقة بشؤون الأسرة ، وهو مقتضى جديد تضمنته هذه المادة خلاف ما كان منصوص عليه في المادة السابعة من المرسوم القديم لسنة 1994 والذي حددت نطاق إبداء الرأي الاختصاصات المسندة للقاضي في الزواج وإغلال ميثاقه النفقة ، الأهلية والنيابة الشرعية والمساطير المتعلقة بالأحوال الشخصية المنصوص عليها في ق م م من قبل مجلس العائلة .
وقد أغفلت المادة السابعة من المرسوم الجديد رقم 02.04.88 الإشارة إلى المساطر الخاصة المتعلقة بالأسرة والواردة بقانون المسطرة المدنية وأنها اكتفت بالتطرق إلى إبداء الرأي في كل ماله علاقة بشؤون الأسرة .
وأشارت المادة الثامنة من المرسوم إلى صرف النظر عن استشارة مجلس العائلة بعد استنفاذ جميع الوسائل لتكوينه دون ذكر لكلمة الرئيس عكس ما تنص عليه نفس المادة من المرسوم الذي تم نسخه حيث تشير إلى أنه يصرف القاضي النظر عن استشارة مجلس العائلة بعد استنفاذ جميع الوسائل لتكوينه .
ومن نافلة القول أن مجلس العائلة يعد آلية مهمة في إطار مسطرة الصلح ويلعب دورا مهما لمساعدة القضاء في إيجاد الحلول وإبداء الحلول وإبداء الرأي قصد إنقاذ الأسرة ولم شملها في إطار المقتضيات القانونية والأنظمة المعمول بها ، ولهذا يتوجب تفعيل النصوص وإعطاء لها المعنى الحقيقي الذي توخاه المشرع وذلك من الناحية العملية والتطبيقية واللجوء إلى نهج مسطرة الصلح من خلال مجلس العائلة ، وهذه هي المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتق القضاء ، والتي عليه أن يعالجها بما يتطلبه الأمر من دراية وحكمة للوصول إلى تحقيق هدف المشرع وتطبيق روح النص تطبيقا سليما ، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق قضاء مؤهل وقادر على ترجمة فلسفة هذا القانون إلى واقع ، وهو ما يحتم على القاضي التفتح على المجتمع وقضاياه والتشبع بثقافة حقوق الإنسان ومبادئ المساواة والعدل والإنصاف ، فبالإضافة إلى معرفته القانونية وخبرته القضائية يجب أن يتوفر على رصيد معرفي وعلى خلفية ثقافية تجعله على اطلاع بأحوال الناس والمجتمع ، وتمكينه من القيام بدور طبيب اجتماعي يعالج أمراضا اجتماعية وهو بصدد تطبيق النص على النازلة لتوفير السلم ، وإعادة الطمأنينة إلى أطراف العلاقة الزوجية وإيجاد الحل المناسب الذي يحافظ على تماسك الأسرة ولم شملها ويرضي الأطراف عن طريق نشر ثقافة التصالح والإصلاح والحوار والتفاهم والتسامح وتقريب وجهات النظر لتذويب الخلافات والأحقاد ، ويتجلى ذلك من خلال ممارسة مساطر الصلح والوساطة في قضايا التعدد والمراجعة والطلاق والتطليق والحضانة ، وتقدير النفقة واختيار السكن ، إذ يكون الدور اجتماعيا أكثر منه قضائيا للحكم في إطار المقبول باعتماد الحل الذي يحقق مصلحة الجميع .
المراجــــــــع :
-         مدونة الأسرة القانون رقم 70.03 .
-         مرسوم رقم 2.04.88 الصادر في 25 من ربيع الآخر 1425 الموافق 04.06.14 .
-         مرسوم رقم 2.94.31 بتاريخ 23 من رجب 1415 الموافق 1994.12.26 .
-         الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة العدد 5 شتنبر 2004 الصادر عن المعهد العالي للقضاء .

الأربعاء، 5 يونيو 2013

مجلس العائلة على ضوء مدونة الأسرة والمرسوم المنظم له

مجلس العائلة على ضوء مدونة الأسرة والمرسوم المنظم له

ذ. مصطفى بوزغيبة
باحث بمركز الإمام الجنيد
للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة




مجلس العائلة على ضوء مدونة الأسرة والمرسوم المنظم له
تعتبر الأسرة مؤسسة من المؤسسات المجتمعية الهامة، فإذا صلحت صلح المجتمع كله وإذا فسدت فسد المجتمع كله، من هذا المنطلق، اهتم المشرع المغربي بتنظيم شؤون الأسرة في إطار مدونة قانونية شرعية وواقعية، تراعي حاجات الأسرة المغربية وتطلعاتها، كما عمل المشرع المغربي على الحفاظ على هذا النسيج الهام والدفاع عن مصالحه، وذلك باعتماد على مجموعة من الآليات والتدابير للحيلولة دون تمزق وانحلال هذه الرابطة الهامة من جهة، ومن جهة أخرى مساعدة القضاء على آداء مهمته في أحسن الظروف وأتمها من أجل التطبيق السليم لمدونة الأسرة.

وفي هذا السياق تم إحداث مجلس العائلة بموجب المادة 251 من م أ في الفقرة الثانية، والتي تنص: "على إحداث مجلس للعائلة تناط به مهمة مساعدة القضاء في اختصاصاته المتعلقة بشؤون الأسرة".

هذه الآلية الجديدة، التي وضعها المشرع المغربي، تساعد القضاء في كل ما يتعلق بشؤون الأسرة.

وسنحاول في هذا المقال الحديث عن مجلس العائلة وفق التصميم التالي:

1- الإطار القانوني لمجلس العائلة.
2- تكوين مجلس العائلة.
3- اجتماع مجلس العائلة.
4- مهام وصلاحيات مجلس العائلة.
أ‌-مهام وصلاحيات رئيس مجلس العائلة.
ب- مهام وصلاحيات مجلس العائلة.
خاتمة:

1. الإطار القانوني لمجلس العائلة:

أصدر المشرع المغربي قانون رقم: 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، ومرسوم رقم:2.04.88 الصادر في 25 من ربيع الآخر 1425هـ الموافق ل14 يونيو 2004م الذي بموجبه تم نسخ مقتضيات المرسوم رقم: 31/94/2 الصادر بتاريخ 23 رجب 1415هـ الموافق ل26 دجنبر 1994م. بشأن تكوين مجلس العائلة وتحديد مهامه واختصاصاته.

2. تكوين مجلس العائلة:

يتكون مجلس العائلة حسب المادة الأولى من مرسوم رقم: 02.04.88 من القاضي بصفته رئيسا،
الأب والأب أو الوصي أو المقدم
،
أربعة أعضاء يعينهم رئيس مجلس العائلة من بين الأقارب أو الأصهار بالتساوي بين جهة الأب وجهة الأم، أو جهة الزوج حسب الأحوال، وإذا تعذر توفرهم من الجهتين أمكن تكوينه من جهة واحدة
.
وحدد المرسوم في المادة الثانية، الشروط الواجب توفرها في أعضاء مجلس العائلة، والتي يجب على رئيس مجلس العائلة مراعاتها في التعيين، وهي: درجة القرابة ومكان إقامتهم حتى يسهل عليهم الحضور لاجتماعات المجلس، وسنهم ومؤهلاتهم ويُقصد بهذا الشرط: المؤهلات الثقافية والعلمية وخبرتهم بالواقع، وعلاقتهم بالأسرة ومدى استعدادهم للعناية بشؤونها وحرصهم على مصلحتها، على أن يكون هؤلاء الأعضاء كاملي الأهلية
.
هذه الشروط أساسية وهامة تتماشى مع فلسفة المشرع من تشريع مدونة الأسرة، حيث أن هذه الشروط تمكن من الأداء الجيد والفعال لمجلس العائلة من أجل حماية الأسرة من الشقاق والتصدع، ولم الشمل، والدفاع عن مصالح الأسرة، ومساعدة القضاء في مهامه، في إطار تشاركي وحبي وعقلاني
.
3. اجتماع مجلس العائلة:

يجتمع مجلس العائلة حسب م 4 من المرسوم الجديد بطلب من الأم، أو القاصر، أو المحجور، أو بمبادرة من الرئيس، أو بناء على طلب أحد أعضائه الآخرين، كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
نستشف من خلال هذه المادة أن المجلس ليس له وقت محدد للاجتماع، بل ترك المشرع ذلك الأمر بناءا على طلب الأم أو القاصر أو المحجور أو بمبادرة من الرئيس أو بناء على طلب أحد أعضائه الآخرين، على أن يستدعي الرئيس أعضاء المجلس قبل التاريخ المحدد للاجتماع مع بيان موضوع الاجتماع ويوم وساعة ومكان انعقاده حسب الفقرة الثانية من م 4 من المرسوم الجديد.
والملاحظ في م 4 من المرسوم الجديد أن المشرع أعطى الحق للمحجور أن يطلب من القاضي عقد اجتماع مجلس العائلة، وهو ما لم ينص عليه المرسوم القديم
.
كما تجدر الإشارة، إلى أن المرسوم الجديد لم ينص على تحديد الأجل للاستدعاء أعضاء مجلس العائلة، وهي ثغرة ينبغي تداركها، لتفادي عرقلة سير مجلس العائلة، بخلاف المرسوم القديم الذي حدد الأجل في ثمانية أيام على الأقل قبل التاريخ المحدد للاجتماع، في الفقرة الثانية من م
4.
في حالة تعذر حضور أعضاء مجلس العائلة، يمكن لهم إنابة غيرهم من الأقارب أو الأصهار بعد إذن رئيس مجلس العائلة، م 5 من المرسوم الجديد.

بعد عقد اجتماع مجلس العائلة، يتم تدوين نتائج أعماله في محضر يُحرره كاتب الضبط الذي يحضر الاجتماع في سجل خاص، ويوقع مباشرة عند انتهاء الاجتماع من طرف الرئيس والأعضاء، ويُشار إلى امتناع هؤلاء عند الاقتضاء أو إلى وجود مانع من التوقيع، م 6 من المرسوم الجديد.

4. مهام وصلاحيات مجلس العائلة:


أ‌- مهام رئيس مجلس العائلة:

تتحدد مهام وصلاحيات رئيس مجلس العائلة فيما يلي:

 تعيين الأعضاء الأربعة لمجلس العائلة من بين الأقارب أو الأصهار بالتساوي بين جهة الأب وجهة الأم، أو جهة الزوج حسب الأحوال، وإذا تعذر توفرهم من الجهتين أمكن تكوينه من جهة واحدة. حسب م1 من المرسوم رقم 2.04.88.

 تغيير عضو من أعضاء مجلس العائلة عند الاقتضاء، حسب م 3 من المرسوم رقم 2.04.88.

 الدعوة إلى عقد الاجتماع كلما دعت الضرورة، على أن يتم ذلك قبل التاريخ المحدد للاجتماع مع بيان موضوع الاجتماع، ويوم وساعة ومكان انعقاده، حسب م 4 من المرسوم رقم 2.04.88.

 إعطاء الإذن لأعضاء مجلس العائلة عند تعذر حضورهم بأن ينيبوا عنهم غيرهم من الأقارب أو الأصهار، حسب م 5 من المرسوم رقم 2.04.88.

 التوقيع على محضر اجتماع مجلس العائلة الذي يحرره كاتب الضبط، حسب م 6 من المرسوم رقم 2.04.88.

ب‌- مهام وصلاحيات مجلس العائلة:

كانت مهام وصلاحيات مجلس العائلة في المرسوم القديم جد محدودة، وحاولت م أ توسيع هذه المهام والصلاحيات بموجب الفقرة الثانية من م 251 التي نصت على ما يلي: "يحدث مجلس للعائلة، تناط به مهمة مساعدة القضاء في اختصاصاته المتعلقة بشؤون الأسرة". كما نصت الفقرة الثانية من م 7 من المرسوم الجديد مؤكدة ما جاء في م أ: "يقوم مجلس العائلة بالتحكيم لإصلاح ذات البين، وبإبداء رأيه في كل ما له علاقة بشؤون الأسرة".

فبالإضافة إلى التوسط في حل الخلافات والمشاكل بين الزوجين، لتفادي الطلاق خصوصا مع تواجد أبناء، حسب الفقرة الثانية من م 82 من م أ والتي تنص على ما يلي: "للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات، بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة، أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين. وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما". يمكن لمجلس العائلة أن يبث في عدة قضايا تهم شأن الأسرة، من ذلك حماية مصالح القاصرين ورعاية شؤونهم، من خلال تقديم ملاحظات للقاضي المكلف بشؤون القاصرين، تهم تقدير النفقة اللازمة للمحجور، واختيار السبل والوسائل التي تضمن حسن تكوينه وتوجيهه التربوي، و وتدبير وإدارة أمواله، بعد الانتهاء من الإحصاء .

كما يمكن لمجلس العائلة، حسب م 268 من م أ عند الاقتضاء، أن يقترح على القاضي المكلف بشؤون القاصرين مصاريف وتعويضات المترتبة عن تسيير أموال المحجور.

والملاحظ أن مدونة الأسرة أعطت بعض مجالات التي يتدخل فيها مجلس العائلة لا تعدو أن تكون إلا أمثلة، وإلا فإن كل من م أ والمرسوم الجديد وسعا من نطاق النظر لمجلس العائلة، وهو النظر في كل ماله علاقة بشؤون الأسرة ويخدم مصالحا.

ورغم هذه الصلاحيات الموسعة فإن مهامه استشارية فقط، حسب الفقرة الأولى من م 7 من المرسوم الجديد.

وتشير المادة 8 من المرسوم الجديد إلى صرف النظر عن استشارة مجلس العائلة بعد استنفاذ جميع الوسائل لتكوينه.

خاتمة

وفي الختام، فإن مجلس العائلة، يعد آلية من الآليات الهامة والأساسية في حفظ وتعهد شؤون الأسرة والدفاع عن مصالحها، وكنا نأمل أن تكون مهمته أكبر من استشارية؛ لكي يكون له دور كبير وجوهري، في حل النزاعات والخلافات، والدفاع عن مصالح الأسرة بروح من المسؤولية والنزاهة، وكذا تخفيف الضغط على القضاء، من أجل ضمان سلامة تطبيق روح وفلسفة ما جاءت به مدونة الأسرة.

المراجع المعتمدة:

- مدونة الأسرة مع نصوصها التنظيمية، مراجعة وتحيين: وفاء فارس، ط2، ماي 2008م futur objectif مطبعة إمسونو.
- مرسوم رقم:2.04.88 الصادر في 25 من ربيع الآخر 1425هـ الموافق ل14 يونيو 2004م. الجريدة الرسمية عدد: 5223، ص: 2671-2672.
- مرسوم رقم: 31/94/2 الصادر بتاريخ 23 رجب 1415هـ الموافق ل26 دجنبر 1994م. الجريدة الرسمية عدد: 4292، ص: 212.

عن MarocDroit

لتحميل النسخة الحاملة للهوامش

مجلس_العائلة.pdf مجلس العائلة.pdf  (375.89 ko)

الثلاثاء، 4 يونيو 2013

مجلس العائلة على ضوء مدونة الأسرة والمرسوم المنظم له مجلس العائلة على ضوء مدونة الأسرة والمرسوم المنظم له




مجلس العائلة

على ضوء مدونة الأسرة والمرسوم المنظم له 

ذ. مصطفى بوزغيبة

باحث بمركز الإمام الجنيد

للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة

تعتبر الأسرة مؤسسة من المؤسسات المجتمعية الهامة، فإذا صلحت صلح المجتمع كله وإذا فسدت فسد المجتمع كله، من هذا المنطلق، اهتم المشرع المغربي بتنظيم شؤون الأسرة في إطار مدونة قانونية شرعية وواقعية، تراعي حاجات الأسرة المغربية وتطلعاتها، كما عمل المشرع المغربي على الحفاظ على هذا النسيج الهام والدفاع عن مصالحه، وذلك باعتماد على مجموعة من الآليات والتدابير للحيلولة دون تمزق وانحلال هذه الرابطة الهامة من جهة، ومن جهة أخرى مساعدة القضاء على آداء مهمته في أحسن الظروف وأتمها من أجل التطبيق السليم لمدونة الأسرة.

الاثنين، 3 يونيو 2013

دور كتابة الضبط في مسطرة الصلح الأسري

Rôle de greffe dans la conciliation en matière familiale
إعـــداد : ذ.حمادي الطاهري
منتدب قضائي من الدرجة الثانية
Tahirihamadi@yahoo.fr


مقدمـــــة :
يعتبر جهاز كتابة الضبط العمود الفقري لمختلف المؤسسات القضائية، فهو يحتل الدور الأساس في مختلف الدعاوى سواء كانت مدنية أسرية، جنائية، تجارية أو إدارية.
 فملفات القضايا تولد بين يديها في صندوق المحكمة، وتنمو وتتطور تحت مراقبتها ومتابعتها بعد أن تتولى تنظيم إجراءاتها المسطرية والسهرعلى تبليغها وتنفيذها، عبر غرف وشعب تنظيمية.
ولعله وضمن الحديث عن القضاء الأسري في علاقته بجهاز كتابة الضبط، والأهمية البالغة التي أولاها المشرع للقانون رقم: 70.03 بمثابة مدونة الأسرة منذ صدور الظهير الشريف رقم: 1.04.22 بتاريخ 3/2/2004 لتنفيذه، وبإستحضار الدور المنوط بهذه المدونة في الحفاظ على توازن الأسرة المغربية القائمة على المسؤولية المشتركة، وحرص المشرع على إشاعة ثقافة المودة والمساواة والعدل وحقوق الإنسان وحماية النواة الأساسية للمجتمع، من التشتت والضياع، في ظل هذا الحديث تبرز وبقوة مسطرة الصلح في القضاء الأسري ودور جهاز كتابة الضبط في ذلك.
ـ فكيف يتم تطبيق مسطرة الصلح في القضاء الأسري؟
ـ وما هي الإشكاليات المسطرية والواقعية المثارة في الموضوع؟
ـ وما هو موقع كتابة الضبط من التفعيل المطلوب للمسطرة وتطويرها؟
ـ وما هي الآليات المعتمدة والحلول المقترحة الكفيلة لتحقيق النتائج المتوخاة من هذه المسطرة؟




                                 التصميـــــــم
الصلح الأسري : الماهية والدلالة
         *الصلح الأسري: لغة وإصلاحا
         *الصلح الأسري: المرجعية الثقافية
         *الصلح الأسري: المرجعية القانونية
أهمية الصلح الأسري
آليات الصلح الأسري
مركزية كتابة الضبط في مسطرة الصلح الأسري
مسطرة الصلح: المعطيات الواقعية والإشكاليات التطبيقية المثارة
مسطرة الصلح الأسري: الحلول والمستنتجات


الصلح الأسري: المفهوم والدلالة           
الصلح لغة : التوفيق ، وهو اسم للمصالحة، وقطع للمنازعة.
وفي الاصطلاح: عقد به يرفع النزاع، وتقطع الخصومة بين المتصالحين بتراضيهما. وقيل عقد يتوصل به إلى التوفيق بين متنازعين في حق، وضع لرفع المنازعة بعد وقوعها بالتراضي.
وزاد المالكية على هذا المدلول مدلولا وقائيا فأضافوا:  العمل على رفع المنازعة قبل وقوعها، فجاء في تعريف ابن عرفة للصلح: أنه انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه.
والصلح الأسري هوالتوفيق بين الزوجين خاصة، أو بين أفراد الأسرة عامة، وقطع المنازعة بينهما بتراضيهما والإصلاح ذات البين بينهما، حفاظا على تماسك الأسرة، وتفاديا لتشتتها بالطلاق أو الهجر أو الإهمال، وما يترتب عن ذلك من ضياع لحقوق الطرفين و من إهمال للأطفال.

الصلح الأسري: المرجعية الثقافية والدينية
الصلح من التقاليد الراسخة في التراث الثقافي والديني بالمجتمع المغربي، بحيث كان "مقدم الجماعة " أو مقدم القبيلة " يقوم بدور الوسيط في حل النزاعات الأسرية والتجارية والفلاحية التي تنشأ بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين أفراد القبيلة.
 وقد جاءت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية صريحة في الترغيب في الصلح والحث عليه.
 قال الله تبارك وتعالى: ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون)  سورة الحجرات الآية 10
( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) سورة الأنفال الآية :1
( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا، والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح، وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) سورة النساء 127
( لاخير من كثير من نجواكم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نوتيه أجرا عظيما) سورة النساء الآية 113
وعن أبي داوود الترمذي بإسناده إلى أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة  قالوا بلى يارسول الله، قال إصلاح ذات البين. قال وفساد ذات البين هي الحالقة" قال الترمذي حديث حسن وصحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب : ألا أدلك على تجارة ؟ قال بلى يارسول الله . قال: تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا .

الصلح الأسري المرجعية القانونية:
عمد المشرع المغربي إلى تبني مبدأ الصلح بشكل عام في مجموعة من القوانين من بينها قانون المسطرة الجنائية الجديد حسب المادة 41 من ق.م.ج كآلة حديثة وحضارية لاستبدال العقوبة السالبة للحرية ولفض النزاع في تحريك الدعوى العمومية وذلك قصد : تخفيف العبء عل المحاكم وتحقيق السرعة في البث في القضايا وتطويق النزاعات القائمة، ويكمن الصلح بين الأطراف في مراجعة قد يقوم بها الأطراف أنفسهم بمحض إرادتهم أو باقتراح من النيابة العامة، ومن شأن هذا الإجراء توطيد العلاقات الإنسانية بدل إقامة الدعوى العمومية التي قد تنتهي بإدانة أحد الأطراف .
أما الصلح الأسري فقد اعتمده المشرع المغربي ضمن مدونة الأسرة كآلية حضارية لفض النزاعات بين الزوجين وحماية الأسرة وتربية النسل على التسامح وتجاوز الأخطاء والتخلي عن دوافع الانتقام والقصاص في السلوك الإنساني.
 ونظرا لأهمية مسطرة الصلح الأسري وإصلاح ذات البين بين الزوجين فإن مدونة الأسرة كإطار قانوني ومرجعي أولت هذا الموضوع أهمية كبرى، حيث أفردت موادا خاصة لمسطرة الصلح وإلزامية سلك هذه المسطرة في دعاوى الطلاق والتطليق.
فقد أوجبت المادة 81 من مدونة الأسرة استدعاء المحكمة للزوجين للقيام بمحاولة الصلح مع الحرص على سلامة الإجراءات المتعلقة بالتبليغ لحضور جلسة الصلح، كما أكدت أنه يمكن للمحكمة الاستعانة بالنيابة العامة للوصول إلى الحقيقة في حالة تبين فيها أن عنوان الزوجة مجهول.
ونصت المادة 82 من مدونة الأسرة على أن المحكمة يجب أن تسلك كل الإجراءات لإصلاح ذات البين بين  الزوجين، بما في ذلك إنتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا للقيام بذلك، وأنه في حالة وجود أطفال فإنه المحكمة تقوم بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما.
أما المادة 95 من مدونة الأسرة فقد حددت الدور المنوط بالحكمين في البحث عن أسباب الخلاف بين الزوجين وببذل الجهود لإنهاء النزاع، وفي حالة تفوقهما في الإصلاح بين الزوجين يتم تحرير تقرير بذلك يوقعه الحكمان ويسلم إلى المحكمة للمصادقة عليه.
وتعرض المادة 96 من مدونة الأسرة أنه بإمكان المحكمة إجراء بحث إضافي بالوسيلة التي تراها مناسبة.
كما أن الدليل العملي الصادر عن وزارة العدل أشار إلى كون جلسات الصلح تعقد بغرفة المشورة، ويتم تعيين الحكمين من بين أفراد أسرة الزوجين، وعلى المحكمة أن تتحقق مسبقا من كون هاذين الحكمين من ذوي المروءة والحكمة ولهما تأثير إيجابي على الزوجين.
 المادة 81: تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الصلح.
إذا توصل الزوج شخصيا بالاستدعاء ولم يحضر اعتبر ذلك منه تراجعا عن طلبه.
إذا توصلت الزوجة شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر، ولم تقدم ملاحظات مكتوبة، أخطرتها المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر سيتم البث في الملف.
إذا تبين أن عنوان الزوجة مجهول، استعانت المحكمة بالنيابة العامة للوصول إلى الحقيقة، وإذا تبت تحايل الزوج ، طبقت عليه العقوبة المنصوص عليها ف المادة 361 من القانون الجنائي بطلب من الزوجة .
المادة 82:"عند حضور الطرفين تجري المناقشات بغرفة المشورة، بما في ذلك الاستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في الاستماع إليه.
للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات، بما فيها انتداب حكمين أم مجلس العائلة، أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لاتقل عن ثلاثين يوما.
إذا تم الإصلاح بين الزوجين حرر به محضر وتم الإشهاد به من طرف المحكمة.
المادة 95: يقوم الحكمان أو من في حكمهما بإستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين وبذل جهدهما لإنهاء النزاع.
إذا توصل الحكمان إلى الإصلاح بين الزوجين، حررا مضمونه في تقرير من ثلاث نسخ يوقعها الحكمان والزوجان ويرفعانها إلى المحكمة التي تسلم لكل واحد من الزوجين نسخة منه، وتحفظ الثالثة بالملف ويتم إشهاد على ذلك من طرف المحكمة.

أهمية الصلح الأسري:
باستحضار الجانب الثقافي للمجتمع المغربي والجانب القانوني من خلال مدونة الأسرة، تتبين أهمية الصلح الأسري كآلية مسطرية لإصلاح ذات البين بين الزوجين، والحفاظ على تماسك الأسرة وتفادي انتشار ظاهرة الطلاق التي أصبحت في ارتفاع مستمر، وما يترتب عن ذلك من تشرد وإهمال للأطفال.
إنها آلية قضائية لإنقاذ الأسرة من التشتت والضياع، لكنها في نفس الوقت "استمارة " تكشف عمق الأزمة التي تعيشها الأسر المغربية في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وما شهده المغرب خلال العقود الأخيرة.
إن موضوع الصلح الأسري يساعد في الحقيقة على تشخيص الوضعية التي آلت إليها الأسر المغربية ويطرح سؤالا عريضا حول كيفية الحفاظ على هذه النواة المجتمعية وفك ألغازها.

آليات مسطرة الصلح الأسري:
تقوم مسطرة الصلح الأسري حسب المادتي: 81 و 82 من مدونة الأسرة وفق الآليات التالية:
ـ تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الصلح، وهو إجراء يقوم به جهاز كتابة الضبط.
ـ تجري المناقشات بغرفة المشورة ويتم الإستماع إلى الشهود أو من ترى المحكمة فائدة في الإستماع إليــه.
ـ تقوم المحكمة بإنتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين.
ـ في حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما.
ـ في حالة الصلح يتم تحرير محضر بذلك ويتم الإشهاد به من طرف المحكمة.

مركزية جهاز كتابة الضبط في مسطرة الصلح الأسري:
بالرغم من كون المشرع أوكل مهمة الصلح الأسري للمحكمة (القاضي المقرر) كما هو واضح من المواد: 81،82،94،95،96 من قانون مدونة الأسرة، إلا أن دور جهاز كتابة الضبط في هذه المهمة يبقى حاضرا بحكم الحالات التالية:
1 ـ إن جهاز كتابة الضبط هو أول من يضع يده على القضايا الأسرية، من خلال علاقته المباشرة مع المتقاضين والوافدين على أقسام الأسرة.
 وقد يجد أفراد هذا الجهاز أنفسهم تلقائيا،وبدون خطة عمل سابقة، منهمكين في إصلاح ذات البين بين الزوجين، في مكاتب الإستقبال والإرشادات، أو في صندوق المخصص لإستخلاص الرسوم القضائية أو ضمن الغرف الخاصة لقضايا الطلاق والتطليق.
2 ـ إن جهاز كتابة الضبط شريك أساسي في مسطرة الصلح وفق توجيهات المحكمة، وحسب ما تقتضيه مدونة الأسرة. فهو الذي يستدعي الزوجين لمحاولة الصلح، وهو الذي يدون وبدقة في محاضر الجلسات كل ما جاء على لسان الزوجين أو الشهود أو الحكمين أو أفراد مجلس العائلة، وكل ماراج خلال المناقشات بغرفة المشورة.
وبهذا يكون جهاز كتابة الضبط في حالة إطلاع تام على موضوع الصلح، مشارك فيه، ومتتبع لمراحله، إنه الشاهد على جميع الأطراف والحاضر في كل اللحظات التي تمر منها مسطرة الصلح، حتى في اللحظات الخارجة عن الحيز الزمني المخصص للجلسات.
ورغم كونه ( الكاتب الصامت) و ( الملاحظ الأبكم) خلال الجلسات، إلا أنه يعتبر العنصر المحوري في عملية الصلح الأسري ، لكونه يرى الأمور من زوايا مختلفة، فهو القادر على جمع مفردات هذه العملية، والمتمكن من تتبع جميع مراحلها، والمتنبئ بنتائجها، والمؤهل لفك رموزها.
3 ـ عرفت أقسام الأسرة بالمغرب بعض التجارب الخاصة والمتعلقة بدور كتابة الضبط في مسطرة الصلح الأسري، وقد أخذت هذه التجارب، كما هو شأن تجربة قسم قضاء الأسرة بالرباط ( خلال سنتي 2006 ـ 2008) طابعا نظاما رغم غياب السند القانوني، بحيث تم تشكيل لجنة متطوعة متكونة من ثلاث أفراد روعي في اختيارهم الكفاءة الجمعوية والتجربة الاجتماعية والقانونية، وتم اعتماد سجل غير نظامي خاص بذلك، قصد تدوين كل المعلومات الصادرة عن الزوجين ضمن لقاءات تعد خصيصا لذلك، وبعد أن يتم تشخيص الأزمة والوقوف على نقط الإختلاف، تبدأ عملية المصالحة والتوجيه.
وقد حققت هذه التجربة نتائج مرضية رغم إكراهات العمل بأقسام الأسرة، وبالرغم من إفتقاد هذه المبادرات للسند القانوني لكتابة الضبط في عمل قد يكون محفوفا بالمخاطر والإنزلاقات، وقد تختلط فيه الأدوار بين ما هو إداري يدخل في إختصاصه وبين ما هو إجتماعي تقوم به كتابة الضبط من منطلق خيري وإحساني.
وبالرغم من صعوبة تقييم هذا الدور التلقائي والعفوي الذي تقوم به مؤسسة كتابة الضبط في مجال الصلح الأسري، إلا أنه ومن خلال المعاينة الواقعية والتجربة الميدانية، يمكن القول أن هناك نتائج جد إيجابية يتم تحقيقها على هذا المستوى.


مسطرة الصلح الأسري: المعطيات الواقعية والإشكاليات التطبيقية المثارة

بالرغم من أن المشرع جعل مسطرة الصلح الأسري مسطرة إجبارية في دعاوى الطلاق والتطليق، إلا أنه وبإستحضار الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل والمتعلقة بقضايا الطلاق والتطليق، نجد أن مقتضيات الصلح الأسري ظلت نتائجه هزيلة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب.
 فحسب الإحصائيات المتعلقة بالأربع سنوات الأولى من عمر تطبيق مدونة الأسرة: شكلت نسبة الصلح بين الزوجين في دعاوى الطلاق والتطليق السدس1/6 من مجموع الأحكام القاضية بالطلاق والتطليق.
وفي حالة التطليق المعروضة على المحاكم ناهزت نسبة الصلح 6244 حالة من أصل 66958 حالة أي بنسبة 3.9 في المائة.
أما في حالة التطليق للشقاق فقد بلغت نسبة الصلح 5847 من أصل 58237 حالة.
وبالنسبة لقضايا الطلاق نجد نسبة الصلح تصل إلى 8512 حالة من أصل 27904 حالة طلاق.
وإنطلاقا من المعطيات الإحصائية وإعتمادا على التجربة الميدانية لكتابة الضبط في تتبع مسطرة الصلح الأسري، تكون تلك المعطيات وهذه المتابعات قد أبانت عن مجموعة من الإكراهات والإشكاليات نجملها فيما يلي:
1 ـ ظلت نتائج الصلح الأسري ضعيفة ونسبة الطلاق والتطليق في إرتفاع مستمر، كما أكدت ذلك الإحصائيات التي أعلنت عنها وزارة العدل يوم 10أكتوبر 2008، والتي تبين أن هناك إرتفاعا غير مسبوق في حالات الطلاق منذ تبني مسطرة (التطليق للشقاق)، هذه المسطرة التي أصبحت الحل المناسب لعدد من كبير من النساء والرجال سواء لإنهاء ميثاق الزوجية، بعد أن كانت عملية التطليق تتطلب سلك مساطر جد معقدة، غالبا ما تجد فيها المرأة صعوبة في إثبات الضرر، وقد ينتهي الأمر بتقديم تنازلات عن الحقوق مقابل الحصول على الطلاق.
فحسب إحصائيات 2007 نجد 21328 حالة تطليق للشقاق أي بزيادة 44 في المائة عن سنة 2006 مقابل 9983 حالة فقط سنة 2005.
2 – تراجع دور المؤسسات التقليدية والمرجعية في القيام بالصلح الأسري، بحيث تجد المحكمة صعوبة في اختيار الحكمين المناسبين للقيام بهذه المهمة النبيلة أحسن القيام، كما أنه وفي كثير من الأحيان يكون أفراد الأسرة متسببين بشكل أو بآخر في النزاع القائم بين الزوجين، مما يجعل تدخلهم تكريسا للخلاف وتعميق للنزاع وليس الصلح.
كما أن المشرع لم يحدد الشروط التي يجب أن يتوفر عليها الحكمان( العدل والإستقامة، التجربة الاجتماعية  والأسرية، معرفة القراءة والكتابة ، توفرالثقافة القانوية ..)
مما يتعذر معه القيام بالمطلوب وتنفيذ طلبات المحكمة، وإنجاز التقارير الثلاثة التي نصت عليها مسطرة الصلح.
3 - إنه وفي كثير من الحالات، وعند التشخيص الموضوعي لطبيعة المشكل القائم بين الزوجين، تظهر بقوة أن هذه المشاكل لا يمكن للحكمين معالجتها، وليس في وسعهم إيجاد حلول لها، وإنما تخرج عن قدراتهم التكوينية وكفاءاتهم العلمية.
بحيث تفرز مسطرة الصلح الأسري ظواهراجتماعية، تكون هي الأسباب الحقيقية للنزاع القائم بين الزوجين:( الفقر، البطالة، ظاهرة العنف الأسري، تناول المخدرات، مشاكل جنسية، الدعارة، الإدمان على القمار، سوء التدبير المنزلي، غياب التواصل، سوء التعامل مع الأطفال....).
إن عملية الصلح الأسري في الحقيقة تكشف لنا عن طبيعة المشاكل التي تعيشها الأسرة المغربية، وعن كونها بنيوية ومعقدة يرتبط بعضها ببعض، ولا يمكن معالجتها في لقاء أو لقائين ضمن جلسة داخل المحكمة أو جلستين.
4 - كثرة الملفات وتراكمها بأقسام الأسرة تجعل مسطرة الصلح الأسري عمليا مسطرة شكلية، بحيث لا تستطيع هذه المسطرة بلوغ الهدف الأساسي من إقرارها، وهو التخفيف من حدة الطلاق، وذلك بعد أن أصبحت وضمن زخم الملفات وكثرتها إجراء شكليا، ولم يتم إعتمادها كمرحلة أساسية من مراحل التقاضي بشروطها ومستلزماتها.
5 – إن إجراء الصلح الأسري يتطلب تكوينا خاصا بالعاملين في المجال، من قضاة وكتابة الضبط، تكوين يراعي طبيعة الإشكاليات التي يفرزها النزاع القائم بين الزوجين، والآليات المنهجية التي ينبغي إعتمادها لتحليل ومعالجة هذه الإشكالات التي قد تكون نفسية أو إجتماعية أو قانونية أو تربوية أو دينية...
6 ـ إن مسطرة الصلح لا تنتهي بانتهاء إجراءات الطلاق، وإنما يجب أن تراعي الجانب المتعلق بالأبناء في حالة وجودهم، وذلك بوضع آليات ضمن عملية الصلح للحفاظ على الأطفال، في ظروف سليمة ومناسبة، وجعلهم في منآى عن النزاعات المستمرة بين الأبوين.

مسطرة الصلح الأسري: الحلول والمستنتجات
منها ماهو عام، يرتبط بموضوع الصلح الأسري داخل المجتمع وبتفاعل لمؤسساته، ومنها ماهو خاص يدخل في إختصاصات القضاء الأسري، ويرتبط مباشرة بتفعيل الإجراءات المتعلقة بمسطرة الصلح الأسري كمسطرة قانونية، ويمكن أن نجمل هذه الحلول والمستنتجات فيما يلي:
1 ـ اعتماد الأسلوب الوقائي، وإشراك فعاليات المجتمع المدني في الصلح والإرشاد الأسريين بشكل عام، وذلك خارج إطار المحاكم الأسرية، وقبل أن يتم لجوء الطرفين المتنازعين إلى القضاء، ويمكن أن يباشر هذا الأسلوب الوقائي والمتعلق بالتوجيه والإرشاد والتوعية ضمن مؤسسات حكومية: كوزارة التنمية الإجتماعية والأسرية أو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو بإشراك للمجالس العلمية ومؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في قضايا الأسرة.
2 ـ تفعيل دور مؤسسة(الوسيط) في الصلح الأسري: وذلك بتأهيل الوسيط الإجتماعي أوالوسيط الأسري وجعله قادرا على القيام بمهة الصلح الأسري قبل أن يلجأ الطرفين المتنازعين إلى المحاكم.
3 ـ إعتماد مكاتب خاصة بالصلح والإرشاد الأسري، يشرف عليها موظف من جهاز كتابة الضبط، تحال عليه الملفات قصد تنسيق عملية الصلح، إما مباشرة بين الطرفين المتنازعين، أو بحضور أحد أفراد مجلس العائلة، أو بحضور الحكمين، حسب ما تمليه المصلحة في ذلك.
 ويمكن لهذا الكاتب المنسق، أن يستعين بذوي الخبرة من مختلف التخصصات: النفسية والاجتماعية والأسرية والدينية والقانونية وفق ما تفرزه مرحلة تشخيص المشكل بين الطرفين، وحسب طبيعة المشكل القائم، ويمكنه السهر على إعداد تقرير مفصل يرفع إلى المحكمة حول نتائج محاولة الصلح، التي يفترض أن يكون قد ساهم فيها جميع المتدخلين المعنيين في حيز زمني معقول، لبسط المشكل والبحث عن الحلول المناسبة.
ويمكن في هذا المقترح الاستناد على المادة 82 من مدونة الأسرة التي تقضي بأن للمحكمة أن تقوم لتحقيق الصلح بكل الإجراءات، بما في ذلك اللجوء إلى من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين، ولعل كاتب الضبط مؤهل لذلك.
4 ـ تفعيل صندوق (التكافل الاجتماعي) والبحث عن موارد قارة لهذا الصندوق، حتى يتم تفادي العديد من المشاكل الناجمة عن الـتأخير الحاصل في تنفيذ قضايا النفقة، وما يترب عن ذلك من نزاعات أسرية جوهرها يتعلق بالجانب المادي ولا يمكن حلها بالحوار والنقاش. 
5 ـ إعتماد شهادة الكفاءة التكوينية لفائدة الراغبين في الزواج، وذلك بجعل هذه الشهادة إجبارية ضمن الوثائق المطلوبة من أجل الحصول على الإذن بالزواج والإشهاد عليه، ويمكن أن تسلم هذه الشهادة من مؤسسات حكومية تعنى بقضايا الأسرة، بعد أن يتم خضوع طالبها لتكوين مبسط وجذاب حول ماهية الزواج ومتطلباته الإجتماعية والقانونية والنفسية، ويمكن إستثمار هذا التكوين من أجل تمرير جميع الخطابات والرسائل التوجيهية المتعلقة بالأسرة المغريبة، كتنظيم الأسرة والتدبير المنزلي، والوقاية من بعض الأمراض الجنسية.
6 ـ نهج أسلوب المتابعة والتقييم لحالات النزاعات الأسرية الحادة والمفرطة، وذلك بإستدعاء يوجه إلى الطرفين لمعرفة وضعيتهم ورصد تطور حالتهم، أو للحد من النزاعات وتسويتها بالتراضي خاصة عند وجود أطفال، ويمكن لمكتب الصلح والإرشاد الأسري أن يقوم بذلك بتنسيق مع النيابة العامة بقسم قضاء الأسرة.