الأحد، 3 مارس 2013

الزواج المختلط بالغرب وعلاقته بالمجتمع العربي الاسلامي


بسم الله الرحمان الرحيم

إن حساسية هذا الموضوع – الزواج المختلط – و إرباكاته المتعددّة تملي على الباحث أن يغوص في كافة الأسباب التي جعلت مثل هذا الزواج ينتهي بشكل درامي في بعض الأحيان و كأنّه الوجه الأخر لصراع الحضارات ولكن بشكل مصغّر و النماذج التي عاينّاها هنا وهناك إنتهت بشكل درامي للأسف الشديد , وحدث أن أصبح الأولاد عرضة للضياع والتذبذب النفسي والحضاري أيضا. وهنا لا بدّ أنّ أشير إلى أنّ الزواج في حد ذاته هو ظاهرة اجتماعيّة حضاريّة نصّت عليه كل الشرائع السماويّة والفلسفات الباحثة عن سعادة الفرد والمجموع , لكنّ الزواج شأنه شأن المؤسسّات يحتاج إلى مبررات الاستدامة وشروط الاستمراريّة وعوامل الصقل والحفاظ على الديمومة وتحصينه من الانهياّر , ويعتبر التوافق الثقافي و التلاقي الحضاري والعقائدي بل الانسجام التقاليدي من أهم عوامل ديمومة هذا الزواج , وفي الغرب على وجه التحديد حيث أعيش وأرصد الأحداث والتطورات من موقع المراقب فإننّا شاهدنا أسرا عربية وإسلامية انهارت عن بكرة أبيها وانتهى الأولاد إلى عهدة المؤسسات الاجتماعيّة والآباء إلى المصحّات النفسيّة والأمهّات إلى الانتحار أحيانا ومردّ ذلك إلى عدم قدرة هذه الأسر والتي هي خلايا صغيرة على التفاعل مع الجسم الغربي العام , فأصيبت هذه الخلايّا بالتلافي والتلاشي تماما كما يحدث للخليّة العصبيّة عندما تتلاشى .

ومن ناحيّة أخرى فانّ أحسن مثال على صراع الحضارات وصدامها يمكن اختزاله في مؤسسة الزواج المختلط , لأنّه وبعد انتهاء النزوة أو الغرض الذي من أجله تمّ هذا الزواج – من قبيل الحصول على الإقامة الدائمة أو الانبهار بالمظهر المادي الأخر – تبدأ المتناقضات تتجلّى و الشعور واللاشعور يتضاربان , وحتى العربي أو المسلم الذي لا يلتزم بأيّ قيّم دينيّة أو أخلاقيّة تستيقظ نخوته وشرقيته عندما يبصر أنّ قرينته تعيش وفق الإيقاع الغربي الاجتماعي الذي تعودّت عليه .

وربمّا الزيجات التي صمدت هيّ زواج العربي أو المسلم من غربية مسلمة وحتى هذا الزواج لا يخلو من مدلهمّات أحيانا باعتبار أنّ الغربية المسلمة ورغم إيمانها بتعاليم الإسلام إلاّ أنّها لم تتخلّ بالمطلق عن تركتها الفكريّة والسلوكيّة , وأحيانا يحدث العكس فربّ مسلم يتزوّج من فتاة غربية مسلمة تصبح هي تعظه لأنّه مقصّر في أداء واجباته الدينية , وعلى سبيل الذكر لا الحصر اعرف عربيّا متزوّجا بفتاة سويدية تدعوه صباحا مساءا إلى ترك الخمرة وبقيّة المعاصي وأن يكون مسلما قلبا وقالبا , لكن هذه الحالات نادرة .

وتفيد الإحصاءات الدقيقة في الغرب أنّ الزواج المختلط كثيرا ما ينتهي إلى التلاشي وبالتالي يصبح الأطفال هم الضحيّة ويتأرجحون بين ثقافتين ومنهجين في الحياة , وفي الغالب وحسب العينّات والنماذج التي رأيتها تكون الغلبة الحضاريّة للأم الغربية التي تكوّن أبناءها وفق منظومتها الفكريّة والاجتماعيّة يساندها في ذلك مجتمعها وأقاربها و محيطها وحضارتها و سلطاتها , و هناك في الغرب حيث أعيش حالات من الضياع وسلسلة انهيارات وسط الأسر العربية والمسلمة هيّ فيما أتصوّر امتداد للانهيارات الكبرى التي باتت سمة مرحلتنا العربيّة الراهنة .

وللإشارة فانّ الزواج المختلط ومشاكله أرخى بظلاله على العلاقات الدوليّة , فعمرو موسى وعندما كان وزيرا لخارجية مصر التقى في ألمانيا بوزير خارجيّة ألمانيّا يوشكا فيشر وأتفقّ الطرفان على تشكيل مجموعة عمل مشتركة من الجانبين لبحث القضايا والمشكلات الناتجة عن الزواج المختلط بين المصريين والألمانيّات .

وفي سيّاق الزواج المختلط أشير إلى أنّ الإشكاليّة ليست حصرا على الدائرة العربية والإسلاميّة فقط , فهناك وثيقة وإحصاءات صادرة في السنة الفارطة 2002 عن المؤتمر اليهودي العالمي وتشير الوثيقة إلى أنّ 200 ألف يهودي ارتدّوا عن ديانتهم اليهوديّة و أغلبهم نتاج الزواج المختلط بين اليهود وغيرهم , وقد كشفت هذه الدراسة أنّ اليهود أبناء الزواج المختلط لا يعتبرون أنفسهم يهودا . واستنادا إلى هذه الدراسة وبإيعاز من المؤتمر اليهودي العالمي دعت الجامعة العبريّة إلى عقد مؤتمر عنوانه : الهويّة والثقافة اليهوديتان في القرن والواحد والعشرون , وقد انعقد هذا المؤتمر في أيّار – مايو الماضي وشارك فيه علماء يهود متخصصون في علم الاجتماع والنفس واللاهوت من مختلف دول العالم .

ويبقى القول أنّ الزواج المختلط بين العرب والمسلمين وغيرهم قد يجني على عشرات الآلاف من الأبناء يشعرون بالضياع الكامل ولم تنبر أي مؤسسة عربية أو إسلامية رسمية أو أهليّة في فتح تحقيق ووضع خطة لإنقاذ هؤلاء الأطفال من الضيّاع .....

و يلجأ الكثير من العرب والمسلمين إلى الزواج من فتيات سويديّات أو غربيّات للحصول على الإقامة الدائمة أو الجنسيّة الغربيّة وتأكيد البقاء في الغرب والحصول بعد ذلك على الإمتيازات الاجتماعية التي توفّرها المؤسسات السويدية والغربيّة للمواطنين والمقيمين بطريقة شرعيّة وبإعتبار أنّ الدول الغربية ضيقّت الخناق إلى أبعد الحدود على اللجوء السياسي واللجوء الإنساني واللجوء بكل أنواعه وقد أصدرت قرارات وقوانين للحدّ الكامل من ظاهرة اللجوء فإنّ الحل الوحيد المتبقي أمام الراغبين في الإقامة في الغرب هو الزواج من فتاة غربية تقوم هي بالطلب من السلطات المعنية الإبقاء على زوجها بإعتبار أنّ زواجها ممن ترغب حق يكفله لها القانون الغربي , وكثيرا ما لجأ بعض العرب والمسلمين إلى الزواج بغربيات مسنات جاوزنّ سنّ الخمسين حتى أنّ أحد الشباب من المغرب العربي قال لقد أمضيت في بلدي سنتين في الخدمة العسكرية وأنا مجبر لخدمة عسكرية أخرى مع هذه العجوز , وعندما يتزوّج الشاب العربي والمسلم المرأة الغربية المسنّة والشابة فإنّه لا يمنح الإقامة الدائمة فورا بل يمنح إقامة تجددّ كل ست أشهر وإذا حدث أثناء زواجه أن أختلف مع زوجته فلزوجته الغربية حقّ طرده في أي ساعة , وما عليها إلاّ أن تتصل بالجهات المعنية لتقول لم أعد أريد هذا الشخص في بيتي ليكون مصيره الطرد من البلد الذي يعيش فيه ولذلك تجد الشاب العرب والمسلم يبدي كل أنواع الطاعة لزوجته ويقوم بتغيير شخصيته كليّة , وهذا الشاب الذي كان يتعالى عن مساعدة أمه وأخوته في بلده الأصلي في غسل الأواني والصحون وغيره فإنّه مجبر وبإسم الحياة المشتركة وسلطة المرأة ووقوفه تحت رحمتها إلى غسل الأواني وتكنيس البيت والطبخ وقد تذهب زوجته إلى المراقص وليس له أن يشكل على تصرفاتها ومسلكيتها وزواج الإقامة هذا كثيرا ما ينتهي إلى الفشل الذريع أو الإنتهاء فور حصول الشاب العربي والمسلم على الإقامة الدائمة التي تعطيها حقّ الإقامة في هذا البلد الغربي وذاك مدى الحياة , وقد أدركت بعض الغربيات حاجة الشباب العرب العربي والمسلم إلى الإقامة فأصبحن يعرضن على من يرغب زواجا وهميا يسجلّ على الورق مقابل 10000 دولار أو أقل من ذلك بقليل ويسمى هذا الزواج الزواج الأسود كالعمل الأسود المنتشر في الغرب والذي يهدف صاحبه إلى التهرّب من دفع الضرائب , ولا بدّ من الإشارة هنا أنّ بعض الفتيات المسلمات المتجنسات بتن يلجأن إلى أسلوب الزواج بأشخاص عرب أو مسلمين في سوريا أو الأردن وغيرها والغرض جلب هذا الشاب إلى السويد أو الدانمارك أو النرويج أو كندا مقابل 10000 دولار , ويتم الطلاق فور حصول الشخص على الإقامة وهو نوع أخر من أنواع تهريب البشر إلى أوروبا ولكنها طريقة مضمونة في الحصول على الإقامة .

وكثيرا ما يلجأ بعض الشباب العربي والمسلم إلى الإرتباط بفتيات غربيات عن طريق المراسلة أو الإنترنت وتنشأ علاقة حب بين الطرفين وخصوصا في ظل عيش الفتاة الغربية في مفردات الحبّ والهوى ويحدث أن تطلب هذه الفتاة الغربية هذا الشاب وتضطّر أن تسكنّه في بيتها وتصرف عليه وقد صادفت في السويد على سبيل المثال عشرات الشباب العربي الذين يعيشون بهذه الطريقة والأكثر أنّه لا يوجد عقد شرعي بينهم وبين هذه الفتيات اللائي يعيشون معهن بل هو نظام المعاشرة تماما كالسائد في الغرب , والمهم أن يشبع هذا الشاب رغبة هذه الفتاة الجنسية خصوصا في ظل البرودة الجنسية لكثير من الرجال في الغرب .

ومن جهة أخرى فقد حدث أنّ طلقّ بعض العرب والمسلمين زوجاتهم وأرتبطوا بغربيات بعد أن أغراهم الجمال السويدي أو الغربي وكانت النتائج فظيعة فيما بعد . وتحت السقف الواحد تبدأ التناقضات تتصادم , والخلفيات الثقافية والاجتماعيّة تتضارب وقد تفضي في أغلب الأحيان إلى الطلاق , وعندها قد تطلب المرأة السويدية أو الغربيّة من دوائر الهجرة طرد هذا الأجنبي الذي اتخذّ من الزواج مطيّة للحصول على الإقامة .

وهذا لا يعني أنّه لا يوجد غربيات إلتزمن بالإسلام عقيدة وسلوكا وأصبحن قدوة حتى بالنسبة للمرأة المسلمة التي تعيش في الغرب , والمسلمة الغربية التي إعتنقت الإسلام عن قناعة وقرأت الكثير عن الإسلام أمكنها أن تسعد زوجها وتنشئ له ذريّة مسلمة , وهناك مئات الزيجات المختلطة التي تواصلت وإستمرت بين شباب من العالم العربي والإسلامي وغربيات , ويحدث أن تصدم المرأة الغربية المسلمة من تصرفات زوجها المسلم إذا لم يكن ملتزما قولا وعملا بالإسلام على إعتبار أنّها قرأت أنّ الإسلام يدعو مثلا إلى الصدق وهو يكذب , وإلى الصلاة وهو لا يصلي وتنشأ التاقضات داخل الأسرة وقد تتأثر المرأة الغربية المسلمة لمثل هذه التصرفات , وبعض الزيجات التي صمدت إلى حدّ ما هي زواج بعض العرب من سويديّات أو غربيات مسلمات واللائي إعتنقنّ الإسلام , ومع ذلك تنشب بعض الخلافات خصوصا وأنّ السويدية المسلمة على سبيل المثال تحتفظ في لا شعورها بثقافتها الخاصة , والعربي أو المسلم قد تصدر منه بعض التصرفات التي لا تنسجم مع روح الحضارة العربيّة والإسلاميّة. وفي المشهد العام فإنّ الزواج المختلط وفي حال استمراره وتواصله فانّ الإحصاءات أكدّت أنّ معظم أولاد المرأة الغربيّة ينشأون وهم لا يتقنون اللغة العربية أو اللغة الفارسية أو التركيّة – لغات الآباء - , كما أنّ المسلكيّة الأخلاقيّة والاجتماعيّة والثقافية للأبناء تكون غربيّة خالصة , فربّ فتاة من أب فلسطيني وأمّ سويدية تعيش كما تعيش أي فتاة سويدية ترتبط بأي عشيق وتتصرّف بحرية مطلقة بدون قيود , ولا يملك الأب أي سلطة على أبنته ويكفي اتصّال هاتفي واحد بالدوائر الاجتماعيّة ليصبح الأب مطرودا من البيت , وإذا كان الآباء المسلمون لا يملكون توجيه بناتهم أو أولادهم من أمهّات عربيّات ومسلمات فما بال القارئ بالأولاد من أمهّات سويديات أو غربيّات .

و في مجال الزواج المختلط فانّ الذي يدفع الضريبة بشكل كبير هم الأولاد الذين يتأرجحون بين ثقافتين متغايرتين , وبين مسلكيتين في الحياة لا يلتقيان . وعلى سبيل المثال فانّ الأطفال المتبنين الصغار الذين استقدمتهم عوائل سويديّة متمكنّة ماديّا من سريلانكا والفيتنام والبلدان الفقيرة , ورغم أنّهم تربوا في كنف ثقافة سويديّة خالصة إلاّ أنّ هؤلاء الأطفال وبعد أن كبروا باتوا يتساءلون عن هويتهم وثقافتهم وجذورهم وحقيقة الحضارة التي ينتمون إليها , فما بالك بأطفال تتولّى توجيههم ثقافتان , منهجان في الحيّاة .

وحسب معلومات دقيقة تبينّ أنّ المنهج الذي يؤثّر على الأبناء أكثر من غيره هو منهج الأم , باعتبار أنّ ثقافة الأم لها مستند في الواقع السويدي أو الغربي , و يلعب الأقرباء والأهل دورا كبيرا في تعميق الانتماء الفكري للمجتمع الغربي , فيما الأب يكون غريبا ويقضي معظم أوقاته في العمل , بينما الأطفال يعيشون تفاصيل الواقع والثقافة السويدية والغربية في المدرسة والبيت وبقيّة الأمكنة , وقد تسنى لي أن أشاهد وألتقي بأطفال لا تربطهم بالحضارة العربيّة والإسلامية غير الاسم فيما مضامينهم ومسلكيتهم وثقافتهم سويدية وغربية قحّة .

وغالبا ما ينتهي الزواج المختلط بالطلاق وها هنا يتعلق الأبناء بوطن أمهم باعتبار أنّهم لا يعرفون شيئا عن وطن أبيهم , لأنّ هذا الأب العربي والمسلم حدثّ بنيه عن وطن ديكتاتور , عن وطن فوضوي , عن وطن سجّان , عن وطن بوليسي , باعتبار أنّ العديد من الآباء العرب والمسلمين إنّما هاجروا إلى الغرب لدوافع سياسية أو اقتصادية وكل ناقم على وضعه العربي والإسلامي , وفي الوقت الذي يتحدث فيه الأب عن وطن مرعب , فإنّهم يرون بأم أعينهم وطنا يوفّر لهم الأمن والطمأنينة والسلام , ويوفّر لهم راتبا من الصغر يتيح لهم شراء حاجياتهم . وفي هذا المجال يصبح الوطن الحقيقي لهؤلاء الأبناء هو السويد وبقيّة العواصم الغربية , فيما يعيش الأب على أمل الرجوع إلى وطنه لصقل شخصية أولاده , لكن الزمن يغالبه فيجد أمامه أبناء من صلبه بيولوجيّا , وثقافيّا من صلب الحضارة الغربية.

وحتى إذا حاول هذا الأب العربي والمسلم أن يهرب بأبنائه إلى العالم العربي والإسلامي فانّ العواصم الغربيّة وضعت من القوانين ما به تسترجع حتى القطّة الغربية المهربّة إلى العالم العربي والإسلامي وخصوصا في ظلّ الضعف الرسمي العربي , وغيّاب مؤسسّات عربية وإسلاميّة جادة تحصّن الأسرة العربية والإسلاميّة في الغرب .

وفي ظلّ غياب مؤسسات عربية وإسلامية قويّة تعنى بمسألة الإحصاء وإنجاز الدراسات الميدانية عن الزواج المختلط في الغرب فإنّه من الصعوبة بمكان إعداد جدولي رقمي عن تحديات الزواج المختلط وإنعكاساته على الأبناء , لكن ومن خلال إمعان النظر في مئات العينات يمكن القول بأنّ أغلبية الشباب العربي والمسلم الذي يتزوج من غربيات وخصوصا المسنات إنما يريدون الحصول على الإقامة , وكثيرا ما ينتهي هذا الزواج بمجرّد تحقق المراد وهو الحصول على الإقامة الدائمة أو الجنسية , كما أنّه لا يجب في هذا السياق أن ننكر الدور الذي لعبه بعض العرب والمسلمين في إيصال الإسلام إلى بعض الفتيات الغربيات حيث أصبح الزواج المختلط الهادف والمدروس وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام وقد حدث وأن أسلمت مئات الغربيات جراء إقترانهن بشباب واعين ولا يوجد إحصائية رسمية عن عدد الغربيات اللائي أسلمن عن طريق الزواج المختلط , والمرأة الغربية المسلمة إذا حسن إسلامها فسينعكس ذلك على أبنائها حيث تحاول أن تنشئهم على مفاهيم الحضارة الإسلامية , و إذا كانت متحللة فالشواهد الميدانية أثبتت أن الضياع هو مصير الأطفال وهي الكارثة الأخرى التي جعلت الكثير من الآباء المسلمين يصرخون يا ليتنا ما جئنا إلى الغرب , ولسان حالهم ربمّا جمعنا مالا , لكن فقدنا أسرنا وأولادنا ولا حول ولا قوّة إلى بالله.
http://master-mzeraa.do.am

السبت، 2 مارس 2013

الأحكام الشرعية للعلاقات الاجتماعية بين المسلمين و غيرهم من أهل الديانات الأخرى " الزواج المختلط نموذجا "


الدكتور علي أبولعكيك
مما لا شك فيه أن المرأة المسلمة اليوم أصبحت تواجه من تحديات الحياة أمرها و أقساها. و من صور هذه التحديات المنافسة الشديدة من قبل المرأة الأوروبية في اختطاف أبناء المسلمين و احتضانهم في بيئتها و استغلالهم جنسيا دون ضابط شرعي أو أخلاقي ، و مرد ذلك في نظرنا إلى تدهور الحياة الاقتصادية في عدد من البلدان الإسلامية خاصة الإفريقية منها ، إلى جانب ضعف الشعور الإسلامي في النفوس، و تحكم الجانب المادي في السلوك ، و الإعجاب ببريق الحضارة الأوروبية المادية ، و كذلك الحرية الفردية و الديمقراطية ، و تطبيق حقوق الإنسان في الواقع. وإن المأساة الإنسانية التي تعيشها الجالية الإسلامية في أوروبا في ميدان العلاقات الاجتماعية و نظام الأسرة منها على الخصوص ، تزداد يوما تعد يوم و تتفاقم ، و صورها تكاد لا تنحصر : فمن الزواج المختلط ، إلى الزواج المصلحي إلى الزواج الأبيض إلى غير ذلك من أنواع الزواج الفاسد .
و هكذا يقبل الشباب الإسلامي اليوم على أنواع من العلاقات الاجتماعية ، منها ما هو مقبول شرعا مع كثير من التحفظات عليها ، و منها ما يرفضه الشرع الإسلامي و يحرمه بتاتا لما فيه من أضرار و خطورة على حياة الفرد و المجتمع.
و إذا كانت العوامل الاقتصادية تضغط على كثير من الشباب المسلم ، فيجنح إلى ربط علاقات آثمة مع يهودية أو نصرانية أو مشركة أو وثنية ، فإنه يحق للواحد منا أن يسأل أو يتساءل عن موقف الإسلام من ذلك في إطار النظرة الشمولية للإسلام ، للكون و الإنسان و الحياة بصرف النظر عن جنسه و لونه و معتقده[1].
و إذا كانت السنوات الأخيرة من القرن العشرين تطفح بكثير من الأنشطة الثقافية و العلمية الداعية إلى تقارب الشعوب و الدول و ترسيخ دعائم التسامح بين الملل و الديانات ، فإنه منا لاشك فيه ؛ أن العوامل السياسية لها النصيب الأوفر في عقد الكثير من اللقاءات الدولية ، و لعل مرد ذلك في تقديرنا يرجع إلى القلق المتزايد الذي أصيبت به بعض الأوساط السياسية العالمية من جراء تصاعد موجات الإرهاب و العنف الذي تقوم به الصهيونية العالمية و تنسبه إلى بعض الطوائف الإسلامية البريئة التي اغتصب الصهاينة أرضها و حرموها من حقها في العيش في وطنها السليب ، و ما كان لهذا الانحراف أو التطرف أن ينمو و يتصاعد لو عرف الحكماء و المفكرون و القادة السياسيون المسلمون كيف يحتوونه و يصححون مساره ، فيتحقق بذلك السلام و الأمن و الاستقرار على أرض الواقع ، و تحيى من جديد بذور المحبة و الأخوة بين الإنسان وأخيه الإنسان بصرف النظر عن دينه و جنسه و لونه ، فيتحقق بذلك التعايش بين الإنسان و أخيه الإنسان ، و ذلك من خلال علاقته بمختلف أهل الديانات و الملل و النحل ، سواء كانت علاقة اجتماعية أم دينية أم سياسية أم فكرية. هذا الإطار العام الذي ينبغي أن تتخذه اليوم نموذجا أمثل لكل لقاء و حوار هادئ ، لاسيما في ظل هذه التحولات السريعة و المدهشة التي يعيشها عالمنا المعاصر ، الذي أصبحت فيه العالمية هي السمة المميزة للحضارة المعاصرة.
إن كل لقاء بين المسلمين و غيرهم داخل ديار الإسلام أو خارجها ، حيث الجاليات الإسلامية في ديار غير ديار الإسلام ، لابد  له أن يخضع لمنهج الإسلام و أحكامه و تصوراته الخاصة في التعامل الإنساني بين الشعوب و الدول ، على اعتبار أن الدعوة الإسلامية دعوة عامة وشاملة ، تتعايش في ظلها كل الأجناس البشرية ، لأنها دعوة بقوم و تنهض على الحكمة و الموعظة الحسنة ، كما قال الله عز و جل : " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن "[2] . و هو نفس المنهج الذي ينبغي أن يسلكه المسلمون اليوم مع اليهود و النصارى ، سواء داخل ديار الإسلام أو خارجها ، مع مراعاة ما جاء في الكتاب و السنة. " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ، ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لا يتخذ بغضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقالوا اشهدوا بأنا مسلمون " [3]. ومع استحضار قوله تعالى : " و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم"[4].
و إذا كانت هذه نظرة الإسلام لليهود و النصارى ، و هي بلا شك نظرة اعتبار و تقدير و أمن و أمان سواء داخل ديار الإسلام أو خارجها ، فإن نظرة أهل الذمة للمسلمين لا ترقى إلى هذا المستوى الإسلامي ، و إنما تظل حبيسة بين جدران الكراهية و الحقد و العنصرية ، كما يصرح بذلك مفكروهم و علماؤهم. يقول آدم متز : " إن أكبر فرق بين الإمبراطورية الإسلامية وبين أوروبا التي كانت كلها على المسيحية في العصور الوسطى ، وجود عدد هائل من أهل الديانات الأخرى بين المسلمين و أولئك هم "أهل الذمة" الذين كان وجودهم من أهل الأمر حائلا بين شعوب الإسلام وبين تكوين وحدة سياسية ، و قد ظلت كنائس اليهود و النصارى و أديرتهم أجزاء غريبة ، و استند أهل الذمة إلى ما كان بينهم و بين المسلمين من عهود ، و ما منحوه من حقوق فلم يرضوا بالاندماج في المسلمين ، و قد حرص اليهود و النصارى على أن تظل "دار الإسلام" دائما غير تامة التكوين ، حتى إن المسلمين ظلوا دائما يشعرون أنهم أجانب منتصرون لا أهل وطن ، و حتى إن الفكرة الإقطاعية لم تمت ، بل كان وجود النصارى بين المسلمين سببا لظهور مبادئ التسامح التي ينادي بها المصلحون المحدثون ، و كانت الحاجة إلى المعيشة المشتركة و ما ينبغي أن يكون فيها من وفاق ، مما أوجد من أول الأمر نوعا من التسامح الذي لم يكن معروفا في أوروبا في العصور الوسطى ، و مظهر هذا التسامح نشوء علم مقارنة الأديان : أي دراسة الملل و النحل على اختلافها ، و الإقبال على هذا العلم بشغف "[5].
و لعل هذا النص يعبر عن نظرة الضيقة التي ينظرها المسيحيون للمسلمين ، فإذا كنا نجد فيه من جانب اعترافا ضمنيا بما يكنه الإسلام من احترام و تقديس و اعتبار لأهل الذمة داخل الدولة الإسلامية أو خارجها ، فإننا نجد فيه من جانب آخر نظرة الكراهية و الحقد التي يعكسها سلوك اليهود و النصارى بالنسبة للمسلمين في كل مكان.
فإذا كان الإسلام يبيح للمسلمين معاشرة أهل الكتاب في أكل ذبائحهم و التزوج ببناتهم ، فإن الدين المسيحي لم يكن يبيح للمسلم الزواج بالنصرانية سواء كانت ذات كتاب أم لا. يقول الأستاذ آدم متز : " ولم يكن ثمة تزاوج بين المسلمين و غير المسلمين ، و ذلك لأن القانون المسيحي لم يكن يجيز للمرأة النصرانية أن تتزوج بغير نصراني لئلا تنتقل هي و أولادها إلى غير المذهب ، و لا كان يجوز للنصراني بحسب قانون الكنيسة أن يتزوج بغير نصرانية الإرجاء إدخالها هي و أولادها في النصرانية ، أما زواج المسيحي من مسلمة فكان مستحيلا ، على أنه كان في الدولة الإسلامية ما يضمن لكل ديانة من ديانات أهل الذمة كيانها الخاص "[6].
و الحقيقة التاريخية التي لا يتجادل فيها اثنان ، و تبقى غرة في جبين التاريخ الإنساني و الحضاري ، أن الإسلام من خلال نصوص الكتاب و السنة لا يتوانى لحظة واحدة عند سعيه لإقامة علاقات طيبة مع غير المسلمين ، لتحقيق التعاون البناء في سبيل الخير و العدل و البر و الأمن و حماية الحرمات و غير ذلك[7].
يقول سيد قطب عند تعرضه لتفسير الآية الخامسة من سورة المائدة : " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ، و طعامكم حل لهم ، و المحصنات من المؤمنات و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين و لا متخذي أخذان. و من يكفر بالإيمان فقد حبط عمله و هو في الآخرة من الخاسرين". و هنا نطالع على صفحة من صفحات السماحة الإسلامية في التعامل مع غير المسلمين ، ممن يعيشون في المجتمع الإسلامي في دار الإسلام ، أو تربطهم به روابط الذمة و العهد من أهل الكتاب ، أن الإسلام لا يكتفي بأن يترك لهم حريتهم الدينية ، ثم يعتز لهم فيصبحوا في المجتمع الإسلامي مجفوين ، معزولين منبوذين ، إنما يشملون بجو من المشاركة الاجتماعية و المودة و المجاملة و الخلطة. فيجعل طعامهم حلالا للمسلمين ، و طعام المسلمين حلال لهم كذلك ، ليتم التزاور و التضايف و المؤاكلة و المشاربة ، وليظل المجتمع كله في ظل المودة والسماحة ، و كذلك يجعل العفيفات من نسائهم ، و هن المحصنات بمعنى العفيفات من الحرائر ، طيبات للمسلمين ، و يقرن ذكرهم بذكر الحرائر من العفيفات من المسلمين ، و هي سماحة لم يشعر بها إلى أتباع الإسلام من بين سائر الديانات و النحل.
و هكذا يبدو أن الإسلام هو المنهج الوحيد الذي يسمح بقيام مجتمع عالمي ، لا عزلة فيه بين المسلمين و أصحاب الديانات الكتابية ، و لا حواجز بين الأصحاب بالعشرة و السلوك[8].
و نظرا لما تكتسيه العلاقات الاجتماعية من أهمية خاصة ، فقد أولاها الإسلام عناية فائقة ، و تنظيما دقيقا ، و لم يتركها لأهواء الناس تفعل بها ما تشاء إرضاء للنزوات و الشهوات ، التي أحاطتها أحكام الشريعة بكثير من الضمانات التي تحفظ العرض و النسل ، فقد حرم الإسلام كل علاقة غير شرعية بين الذكر والأنثى ، سواء تعلق الأمر بين المسلمين و المسلمات أو بين المسلمين و غيرهم من أهل الكتاب. و وضع لهذه العلاقات الاجتماعية ضوابط شرعية تحفظ المجتمع من الفساد و الانحلال ، الذي يؤدي حتما إلى كثير من الأمراض الاجتماعية التي يشكو منها العالم اليوم ، فمن ذلك الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج بين المسلم و غير المسلمة أي بالكتابية ، و هو ما يسميه التشريع الوضعي المعاصر "بالزواج المختلط" ، هذا المصطلح الدخيل لا وجود له في كتب الفقه المعتمدة. فما هو الزواج المختلط ؟ وما ها هي النصوص الشرعية التي تحكمه ؟
يقصد بالزواج المختلط ، الزواج الذي يكون أحد طرفيه معربي الجنسية و طرفه الثاني أجنبيا يحمل جنسية  بلد آخر ، فيكون من حقها إبرام عقد زواجهما بالمغرب ، ما دام هذا العقد ليس ممنوعا  في نظر قانون الأحوال الشخصية للزواج المغربي ، و الجدير بالذكر أن المشروع المغربي نظم كيفية الإشهاد على هذا الزواج بظهير 4 مارس 1960.
حيث نص في المادة الأولى منه على ما يلي :
" إن الأنكحة بين المغاربة و الأجنبيات من جهة ، و المغربيات و الأجانب من جهة أخرى إذا لم تكن ممنوعة في قانون الأحوال الشخصية الجاري على الزوج المغربي ، يجوز أن يقوم بمراسيم انعقادها بطلب من الزوج ضابط الحالة المدينة وفقا لمقتضيات ظهير 4 شتنبر 1915 ".
غير أن المشرع علق هذا الزواج المختلط الذي يبرمه ضابط الحالة المدنية على ضرورة الإشهاد عليه مسبقا من طرف عدلين وفقا للمدونة و لأن أحد طرفيه مغربي ، و هذا ما نصت عليه المادة الثانية من ظهير 4 مارس 1960 بقولها :
" إن انعقاد النكاح حسب صيغة الحالة المدنية يتوقف مع ذلك كله على سابق الإشهاد به طبق الشروط المنصوص عليها من حيث الجوهر و الصيغة في قانون الأحوال الشخصية الجاري على الزوج المغربي ".
و يتضح من خلال ما سبق أن إشهاد ضابط الحالة المدنية إذا كان يكفي لانعقاد الزواج المختلط بالنسبة للزوج الأجنبي ، فإنه لا يكفي بالنسبة للزوج المغربي ، بل لابد فيه من إشهاد عدلين ليكون ذلك الزواج منعقدا بالنسبة له [9] ، هذا هو الزواج المختلط بصورة مجملة كما ينص على ذلك التشريع المغربي.
و إن ظاهرة زواج المسلم بغير المسلمة أو الكتابية ، ظاهرة ليست جديدة و لا غريبة على المجتمع الإسلامي ، بل ظاهرة قديمة و متجذرة في التاريخ الإسلامي ، فلقد سجل هذا التاريخ و منذ العصر الراشدي زواج بعض الصحابة من الكتابيات ، فقد تزوج سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه نائلة بنت الفرافصة الكلبية و هي نصرانية أسلمت عنده ، و تزوج حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يهودية من أخل المدائن ، وسئل جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن نكاح المسلم اليهودية و النصرانية فقال : تزوجنا بهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص[10] . غير أن هذه الظاهرة كادت تختفي في الأعصر الإسلامية المتأخرة ، ولكنها ظهرت من جديد و بشكل خطير يدعو إلى كثير من الاندهاش و بدون مراعاة للضوابط الشرعية التي تضبط العلاقات الاجتماعية بين المسلمين و غيرهم من أهل الديانات الأخرى ، و لقد تفشت بكثير في القرن العشرين في صفوف الجالية الإسلامية خاصة بأوروبا و كندا  و الولايات المتحدة ، و اتخذت صورا وأشكالا مختلفة بعيدة كل البعد عن الأحكام الشرعية التي نظمتها و أعطتها ما تستحق من العناية والدرس.
فقد أجمع العلماء على إباحة الزواج بالكتابية يهودية كانت أم نصرانية سندهم في ذلك قول الله عز وجل : " اليوم أحل لكم الطيبات و طعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم و طعامكم حل لهم و المحصنات من المومنات ، و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين و لا متخذي أخذان ، و من يكفر بالإيمان فقد حبط عمله و هو في الآخرة من الخاسرين "[11].
و المراد بالمحصنات في هذه الآية العفائف كما ذهب إلى ذلك جمع من السلف منهم الحسن والشعبي و إبراهيم و السدي و غيرهم [12].
 و روى عن أبي نجيح عن مجاهد أن المراد بالمحصنات في الآية الحرائر ، و لهذا حكى ابن رشد إجماع الصحابة بالكتابية الحرة إلا ما كان من ابن عمر [13].
فقد سئل عن نكاح اليهودية و النصرانية ، فقال : " إن الله حرم المشركات على المسلمين ، و لا أعلم من الشرك شيئا أعظم من أن تقول ربها عيسى ابن مريم ، و هو عبيد الله "[14]. فعن ميمون بن مهران أنه قال : قلت لابن عمر : إنا بأرض يخالطنا فيها أهل الكتاب ، أفننكح نساءهم و نأكل طعامهن ؟ قال : فقرأ علي آية التحليل و آية التحريم ، قال : قلت : إني أقرأ ما تقرأ. أفننكح نساءهم و نأكل طعامهن ؟ قال : فأعاد علي أية التحليل و آية التحريم ، و يعني بآية التحليل : " و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "[15] و بآية التحريم : " و لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن "[16].
و معلوم أن ابن عمر كان من المتوقفين ، فلما رأى الآيتين في نظامهما إحداها تقتضي التحليل والأخرى تقتضي التحريم ، توقف و لم يقطع بإباحة.
و عليه ، فآية التحليل يقصد بها حمل الناس على التزوج بالعفائف لما فيه من تحقيق الود و الألفة بين الزوجين و إشاعة السكون و الاطمئنان.
و لعل السبب في إباحة الزواج بالكتابية بعكس المشركة ، هو أنها تلتقي مع المسلم في الإيمان ببعض المبادئ الإسلامية ، من الاعتراف بالإله و الإيمان بالرسل و باليوم الآخر و ما فيه من حساب و عقاب ، فوجود نواحي الالتقاء و جسور الاتصال على هذه الأسس ، يضمن توفير حياة زوجية مستقيمة غالبا ، ويرجى إسلامها لأنها تؤمن بكتب الأنبياء و الرسل في الجملة.
و الحكمة في كون المسلم يتزوج بالكتابية دون العكس ، هي أن المسلم يومن بكل الرسل و الأديان في أصولها الصحيحة الأولى ، و هذا لا يشكل خطرا على عقيدة زوجته أو على مشاعرها ، أما غير المسلم فلا يؤمن بالإسلام ، و في هذا خطر كبير على عقيدة زوجته و على الأولاد [17].
و معلوم أن مدونة الأسرة نصت في فقرتها الرابعة من المادة 39 على منع زواج المسلمة بغير المسلم، و المسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية ، و اعتبرته من الموانع المؤقتة ، فإذا اعتنق الإسلام ارتفع المانع ، و جاز لها التزوج به. أما إذا كان مشركا أو وثنيا أو كتابيا ، فإنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج منه بإجماع الفقهاء عملا بقوله تعالى : " و لا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ، و لعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم ، أولئك يدعون إلى النار و الله يدعو إلى الجنة و المغفرة بإذنه "[18]. و بقوله تعالى أيضا : " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهم ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن"[19].
قال الجصاص في قوله تعالى : " فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم لا يحلون لهن " في هذه الآية ضروب من الدلالة على وقوع الفرقة باختلاف الدارين بين الزوجين ، أي أن يكون أحد الزوجين من أهل دار الحرب و الآخر من أهل دار الإسلام ، و ذلك لأن المهاجرة إلى دار الإسلام قد صارت من أهل الإسلام ، وزوجها باق على كفره من أهل دار الحرب ، فقد اختلفت بهما الدار ، وحكم الله بوقوع الفرقة بينهما ، بقوله : " فلا ترجعوهن إلى الكفار" ، و لو كانت الزوجية باقية لكان الزواج أولى بها بأن تكون معه حيث أراد ، كما يدل عليه قوله : " و آتوهم ما أنفقوا " ، لأنه أمر برد مهرها على الزوج ، و لو كانت الزوجية باقية لما استحق الزوج رد المهر ، لأنه لا يجوز أن يستحق البضع و بذله ، كما يدل عليه قوله تعالى : " ولا جناح علنكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن " ، فلو كان النكاح الأول باقيا لما جاز لها أن تتزوج كما يدل عليه أيضا قوله تعالى : " و لا تمسكوا بعصم الكوافر". و العصمة : المنع ، فنهانا أن تمتنع من تزويجها لأجل زوجها الحربي[20].
أما إذا كان الزوجان مسلمين و ارتد أحدهما عن الإسلام إلى دين سماوي آخر ، فالمشهور ي مذهب مالك أنه يفرق بينهما بطلاق بائن ، سواء كانت الردة من الزوج أو من الزوجة ، قبل الدخول أو بعده ، بل حتى و لو بدلت المسلمة دينها الإسلامي بالمسيحية أو اليهودية ، لأن من ارتد عن دينه اعتبر عديم الملة و الدين[21]. فإذا كان قصدها الردة هو الوصول إلى الطلاق فإنها لا تجاب إليه ، معاملة لها بنقيض قصدها.
و مجمل القول و محتواه عن الأحكام الشرعية التي تنظم العلاقات بين المسلمين و غيرهم من أهل الكتاب ، خاصة في باب الزواج بالكتابيات ، أن الآية القرآنية التي استند عليها الفقهاء في هذه المسألة ، هي الآية الخامسة من سورة المائدة ، هذه الآية التي تبيح بشكل صريح زواج المسلم بالكتابية ، لكن بشرطين أساسيين :
الشرط الأول : تحقيق العفة في كل من الأزواج و الزوجات ، و هذا الشرط هو المعبر عنه في الآية بالمحصنات بالنسبة إلى الزوجات ، وبمحصنين غير مسافحين و لا متخذي أخذان إلى الأزواج.
الشرط الثاني : خاص بالأزواج ، و يتجلى في المهور التي يجب عليهم دفعها إلى اللائي أرادوا التزوج بهن من حرائر الكتابيات العفيفات ، و غيرهم من حرائر المسلمات العفيفات اللائي ساهمن في تكوين الأسرة المسلمة ، التي مدت المجتمع بالنشء الصالح ، الذي بنى الحضارة الإسلامية التي استمدت قوتها وروحها من التوابث الإسلامية ، التي ظلت قائمة في وجه الزحف الصليبي و الصهيوني. و التي أقامها الإسلام على أساس من كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم.
و صدق الله العظيم القائل في محكم كتابه : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء "[22].
د. علي أبولعكيك



[1]  - انظر في ظلال القرآن للسيد قطب ، ج7/143
[2]  - سورة النحل ، الآية : 125
[3]  - سورة آل عمران ، الآية : 64
[4]  - سورة البقرة ، الآية : 120
[5]  - الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، ج1/75
[6]  - الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، ج1/77
[7]  - وهبة الزحيلي ، الفقه الإسلامي و أدلته ، ج9/941
[8]  - في ظلال القرآن ، 2/92
[9]  - لحسن الخضيري : الوجيز في أحكام الزواج ، ص : 169
[10] - وهبة الزحيلي : الفقه الإسلامي و أدلته ، ج7/153
[11]  - سورة المائدة ، الآية : 5
[12]  - الجصاص : أحكام القرآن ، ج2/459
[13]  - بداية المجتهد ، ج2/33
[14]  - أحكام القرآن للجصاص ، ج2/460 ، ابن حجر فتح الباري ، ج1/522
[15]  - سورة المائدة ، الآية : 5
[16]  - سورة البقرة ، الآية : 221
[17]  - الفقه الإسلامي و أدلته ، ج7/153
[18]  - سورة البقرة ، الآية : 221
[19]  - سورة الممتحنة ، الآية : 10
[20]  - أحكام القرآن ، ج3/654
[21]  - الجزيري : الفقه على المذاهب الأربعة ، ص 226
[22]  - سورة النساء ، الآية : 1

الجمعة، 1 مارس 2013

الإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني على الصعيدين الوطني والدولي


الإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال

ورعايتهم مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني على الصعيدين الوطني والدولي




اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة

للأمم المتحدة رقم 41/85، المؤرخ 3 كانون الأول/ديسمبر 1986



إن الجمعية العامة،

إذ تشير إلى قراراتها 36/167 المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر1981 و37/115 المؤرخ في 16 كانون الأول/ديسمبر 1982 و 38/142 المؤرخ في 19 كانون الأول/ديسمبر 1983 و 39/89 المؤرخ 13 كانون الأول/ديسمبر 1984 ومقررها 40/422 المؤرخ في 11 كانون الأول/ديسمبر 1985.

وإذ تحيط علماً بمشروع الإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني على الصعيدين الوطني والدولي، كما قدمه إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراره 1979/28 المؤرخ في 9 أيار/مايو 1979.

وإذ تحيط علماً مع التقدير بالأعمال التي أنجزت بشأن هذه المسألة في اللجنتين الثالثة والسادسة وكذلك بالجهود التي بذلتها الدول الأعضاء التي تمثل نظماً قانونية مختلفة أثناء المشاورات التي أجريت في المقر في الفترة من 16 إلى 27 أيلول/سبتمبر 1985 وفي أوائل الدورة الحادية والأربعين للإسهام في الجهد المشترك الذي يرمي إلى إنجاز الأعمال بشأن مشروع الإعلان.

تعتمد الإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني على الصعيدين الوطني والدولي، المرفق نصه بهذا القرار.

الجلسة العامة 95

3 كانون الأول/ديسمبر 1986



المرفق

الإعلان المتعلق بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني على الصعيدين الوطني والدولي



إن الجمعية العامة،

إذ تشير إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال لتمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،

وإذ تشير أيضاً إلى إعلان حقوق الطفل، الذي أصدرته بقرارها 1386 (د- 14) المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1959،

وإذ تؤكد من جديد المبدأ السادس من ذلك الإعلان، الذي ينص على تنشئة الطفل، عند الإمكان، في رعاية والديه وتحت مسؤوليتهما. وتنشئته، بأي حال، في جو يسوده الحنان والأمن المعنوي والمادي،

وإذ تشعر بالقلق لكثرة عدد الأطفال المسيبين أو الذين يصبحون يتامى نتيجة للعنف أو الإضطرابات الداخلية أو المنازعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصادية أو المشاكل الاجتماعية،

وإذ تضع في الاعتبار أن خدمة مصالح الطفل على أفضل نحو. ينبغي أن تكون هي المعيار الوحيد في جميع إجراءات الحضانة والتبني،

وإذ تسلم بأنه توجد في إطار النظم القانونية الرئيسية للعالم بدائل متنوعة من المؤسسات الجيدة، مثل الكفالة في الشريعة الإسلامية، التي تقدم رعاية بديلة للأطفال الذين لا يكون والداهما الأصليان قادرين على رعايتهم،

وإذ تسلم كذلك بأن أحكام هذا الإعلان المتعلقة بأية مؤسسة معينة لا تنطبق إلا في الحالات التي يعترف فيها القانون المحلي في الدولة بتلك المؤسسة وبنظمها، وبأن هذه الأحكام لا تمس بأي حال من الأحوال المؤسسات البديلة القائمة في إطار نظم قانونية أخرى،

وإذ تدرك الحاجة إلى إعلان مبادئ شاملة تؤخذ في الاعتبار عندما توضع إجراءات تتصل بحضانة الطفل أو تبنيه، على الصعيد الوطني أو الدولي،

وإذ تضع في الاعتبار، مع ذلك، أن المبادئ الواردة أدناه لا تفرض على الدول مؤسسات قانونية مثل الحضانة أو التبني،

تعلن المبادئ التالية:

ألف – الرعاية العامة للأسرة والطفل

المادة 1

على كل دولة أن تعطي أولوية عالية لرعاية الأسرة والطفل.

المادة 2

تتوقف رعاية الطفل على توفير رعاية جيدة للأسرة.

المادة 3

الأولوية الأولى للطفل هي أن يرعاه والداه الأصليان.

المادة 4

إذا كانت رعاية الوالدين الأصليين للطفل غير متاحة أو غير ملائمة، ينبغي النظر في توفير الرعاية له من قبيل أقارب والديه أو من قبل أسرة بديلة - حاضنة أو متبنية، أو، إذا اقتضى الأمر، من قبيل مؤسسة ملائمة.

المادة 5

يكون الاعتبار الأعلى في جميع الأمور المتعلقة بإخراج الطفل من رعاية والديه الأصليين هو خدمة مصالحه على أفضل وجه، وخاصة توفير ما يحتاجه من حنان وكفالة حقه في الأمن والرعاية المستمرة.

المادة 6

ينبغي أن يتلقى الأشخاص المسئولون عن إجراءات الحضانة أو التبني تدريباً مهنياً أو تدريباً ملائماً آخر.

المادة 7

على الحكومات أن تحدد مدى كفاية مرافقها الوطنية المختصة برعاية الطفل وأن تنظر في اتخاذ التدابير الملائمة في هذا الشأن.

المادة 8

يكون للطفل في جميع الأوقات اسم وجنسية وممثل قانوني. وينبغي ألا يحرم الطفل، نتيجة للحضانة أو التبني أو أي نظام بديل، من اسمه أو جنسيته أو ممثله القانوني، إلا إذا اكتسب بمقتضى ذلك النظام اسماً جديداً أو جنسية جديدة أو ممثلاً قانونياً جديداً.

المادة 9

ينبغي أن يعترف الأشخاص المسئولون عن رعاية الطفل المحتضن أو المتبنى بحاجته إلى معرفة أصله، إلا إذا كان ذلك يتعارض مع مصالح الطفل المثلي.

باء- الحضانة

المادة 10

ينبغي أن ينظم القانون حضانة الأطفال.

المادة 11

يجوز أن تستمر رعاية الأسرة الحاضنة، وإن كانت مؤقتة الطابع، إذا اقتضى الأمر ذلك، لحين بلوغ الطفل سن الرشد، ولكنها ينبغي ألا تمنع عودة الطفل إلى والديه الأصليين، أو تبنيه، قبل ذلك.

المادة 12

في جميع الأمور المتعلقة برعاية الأسرة الحاضنة للطفل ينبغي إشراك الوالدين الحاضنين المتوقعين إشراكا سليماً، وكذلك إشراك الطفل ووالديه الأصليين إذا اقتضى الأمر ذلك. وينبغي أن تتولى مسئولية الإشراف على ذلك سلطة أو وكالة مختصة مسئولة لتأمين وفاه الطفل.

جيم – التبني

المادة 13

الغرض الأساسي من التبني هو توفير أسرة دائمة للطفل الذي لا يتمكن والداه الأصليان من توفير الرعاية له.

المادة 14

على الأشخاص المسئولين عن إيجاد متبني للطفل أن يختاروا، عند النظر في المتبني المحتمل، أنسب البيئات للطفل.

المادة 15

ينبغي أن يتاح لوالدي الطفل الأصليين ولوالديه المتبنيين المتوقعين، وللطفل إذا اقتضى الأمر ذلك، الوقت الكافي، وأن تسدي لهم المشورة الملائمة بغية التوصل إلى قرار بشأن مستقبل الطفل في أقرب وقت ممكن.

المادة 16

ينبغي أن تلاحظ وكالات أو هيئات رعاية الطفل العلاقة بين الطفل المرشح للتبني وبين الوالدين المتبنيين المتوقعين قبل حدوث التبني، كما ينبغي أن تكفل التشريعات اعتراف القانون بالطفل بوصفه فرداً من أفراد الأسرة المتبنية وتمتعه بجميع الحقوق المتصلة بذلك.

المادة 17

إذا تعذر إيجاد أسرة حاضنة أو متبنية للطفل أو توفير رعاية له على أي نحو ملائم في بلده الأصلي، يجوز النظر في التبني خارج البلد كوسيلة بديلة لتوفير أسرة للطفل.

المادة 18

ينبغي أن تضع الحكومات السياسات والتشريعات وأن توفر الإشراف الفعال بغية حماية الأطفال الذين يشملهم التبني خارج البلد، ولا ينبغي اتخاذ إجراءات التبني خارج البلد، حيثما أمكن، إلا بعد إقرار هذه التدابير في الدول المعنية.

المادة 19

ينبغي وضع سياسات وسن قوانين، عند الاقتضاء، لحظر اختطاف الأطفال وأي عمل آخر يكون الهدف منه هو وضعهم في الحضانة أو التبني بصورة غير قانونية.

المادة 20

تكون القاعدة في إجراءات التبني خارج البلد هي إتمامها عن طريق السلطات أو الوكالات المختصة، مع تطبيق ضمانات ومعايير معادلة للضمانات والمعايير القائمة فيما يتعلق بحالات التبني على الصعيد الوطني. ولا ينبغي بأي حال أن يؤدي القيام بإجراءات التبني إلى تحقيق مكسب مالي غير سليم للمشتركين فيه.

المادة 21

في حالة التبني خارج البلد، والذي يتم عن طريق أشخاص يعملون كوكلاء للوالدين المتبنيين المتوقعين، ينبغي اتخاذ احتياطات خاصة لحماية مصالح الطفل القانونية والاجتماعية.

المادة 22

لا ينبغي النظر في أي حالة من حالات التبني خارج البلد قبل التثبت من عدم وجود أي قيود قانونية تمنع تبني الطفل، مع التأكد من توافر جميع الوثائق ذات الصلة اللازمة لإتمام التبني، مثل موافقة السلطات المختصة. ويجب التثبت أيضاً من أنه سيكون باستطاعة الطفل أن يهاجر ويلحق بالوالدين المتبنيين المتوقعين، وأن يحصل على جنسيتهما.

المادة 23

تكون القاعدة، في حالات التبني خارج البلد، هي ضمان السلامة القانونية للتبني في كل من البلدين المعنيين.

المادة 24

وعندما تكون جنسية الطفل غير جنسية الوالدين المتبنيين المتوقعين، يولى الاعتبار الواجب لكل من قانون الدولة التي يكون الطفل من مواطنيها وقانون الدولة التي يكون الوالدان المتبنيان المتوقعان من مواطنيها. وفي هذا المجال، يولى الاعتبار الواجب لخلفية الطفل الثقافية والدينية ومصالحه.

ـــــــــــــــــــــ[/size]ــــــــــــــــــ

* وثيقة الأمم المتحدة A/RES/41/85.
ال

الزواج المختلط: بين شروط النجاح ومسبّبات الفشل


محمد علي الحنشي

لم يعد مشهد إمساك شاب مغربي بيد أجنبية أو شابة مغربية لأجنبي غريبا في الشارع العام، بل أصبح مألوفا وعاديا، بحيث تزايد إقبال الشّباب المغربي على الارتباط بشريك حياة أجنبي، وهذا ما يدلّ على انفتاح المجتمع، ووجوده وسط تيارات ثقافية وفكرية عالمية تساهم في تقبّله لما يسمى بـ"الزواج المختلط".

وتتضارب الآراء حول قبول أو رفض الزواج المختلط، ولكل مبرّراته وقناعاته، وكلّ قصة زواج مختلط تخفي حكاية ارتباط شخصين، ومحاولتهما التغلب على الاختلافات الثقافية والدينية واللغوية، وتقديم تنازلات متبادلة لتمتين أواصر التلاقي والتخلص من عوائق سوء الفهم، فضلا عن الاصطدام بصعوبة الإجراءات القانونية وتعقّدها لتسجيل الزواج في المغرب أو بلد الشريك.
تجربة صعبة لكنها غنية

تُعتَبر كريمة الهلالي، وهي ناشطة ضمن فعّاليات المجتمع المدني، حديثة عهد بتجربة الزواج المختلط، لذلك فذكريات اللقاء والتمهيد لإرساء جسور التواصل مع شريك حياتها، والتوصل إلى الاقتناع المشترك، والشروع في إجراءات الزواج المختلط القانونية لا تزال طرية في ذهنها.

وبدأت حكاية كريمة مع زوجها الهولندي في إسبانيا، وهناك التقيا صدفة، وانطلقت شرارة الإعجاب، ولمّا عادت كريمة إلى المغرب، استمر الاتصال عبر الهاتف والانترنت، وتبادل الزيارات.

وقالت كريمة: «شرع كل منا في اكتشاف ثقافة الآخر، وتكلمنا في مواضيع ثقافية ودينية».

وأضافت: «قبل الارتباط بيننا نسجنا علاقة صداقة بين مسلمة ومسيحي. وفي البداية، اتفقنا على أن نبقى أصدقاء، حتى تنضج علاقتنا. مع العلم أن القانون المغربي لا يسمح لامرأة مغربية مسلمة الزواج من مسيحي إلا بعد إسلامه. فكانت هذه الإشكالية مطروحة، ولم يكن ممكنا أن أفرض عليه أن يغيّر دينه حتى نتزوج، فكان النقاش صعبا بيننا».

وتشير كريمة إلى أن أهم ما استفادت منه في هذه العلاقة، هو أنها بحثت في مجال حوار الثقافات والديانات، وأعطت مراجع لشريكها من أجل قراءتها، لكي يتجردا من العواطف، ويناقشا الأمر موضوعيا. وبعد مرور الأيام، اقتنع باعتناق الإسلام، فارتبطا رسميا.

وتحكي كريمة عن محنتها مع تعقد إجراءات الزواج المختلط في المغرب، بحيث استغرقت الإجراءات أسبوعين، وطُلب منها وثائق رسمية كثيرة في المصالح الإدارية المختصة، واندهشت لعدد المغاربة والمغربيات، المقبلين على الزواج من أجانب.

ولم تخف كريمة وقوع بعض سوء التفاهم الطفيف بينهما في مجال العادات والتقاليد المختلفة في تدبير أمور الحياة اليومية، مثل الأكل وتنظيم الوقت، لكن المهم هو الحوار الذي يبدد جميع المشاكل.
زواج ثقافتين مختلفتين

تمثّل تجربة رشيد بوسبيع، وهو مهندس مغربي، نموذج الزواج المختلط الناجح، فهو قد التقى بزوجته الألمانية في فترة دراسته بألمانيا، ووقع بينهما اتفاق على الزواج، ويسرد رشيد تفاصيل حكايته، وهو سعيد بحياته مع رفيقة دربه، بحيث يقول: «تجربتي في الزواج المختلط عمرها 10 سنوات، وأتمنى لها الدوام، وهي بالنسبة لي ناجحة جدا، لأنها تعتمد على الاحترام والصدق والثقة المتبادلة. وهذه هي القيّم والأسس التي يمكن أن تُنجح كل زواج وفي أي مكان. وبالطبع إن الزواج المختلط هو زواج ثقافتين مختلفتين، ويمكن أن يولّد الكثير من سوء الفهم، لأن الآخر يمكن أن يقوم بأشياء، قد تفهم خطأ، وتنتج عنها مشاكل لا تحمد عقباها، ولكن التريث والحوار يبقيان سيد الموقف».

وبالنسبة لمسألة تنشئة الأولاد، يعتبر رشيد أن علاقته بزوجته مبنية على أسس دينية، لأن شرط إنجاب الأولاد كان بالنسبة له هو اعتناق زوجته للدين الإسلامي، ولكن ليس بالضغط. ولهذا دامت فترة تعرّفها على الإسلام مدة 4 سنوات، لتقتنع باعتناقه، وهذا ما يفسر أن عمر ابنته هو 5 سنوات فقط، ومن ثم، فإنه ليس له شك في حرص زوجته على أن يتم تلقين أبنائهما المبادئ الإسلامية، لأن عدم الاتفاق على هذا الأمر في غالب الأحيان هو سبب فشل الزواج المختلط.

ويعتقد رشيد أن أكثرية تجارب الزواج المختلط فاشلة للأسف، لأن أكثرية الشباب همّهم من هذا الزواج هو الحصول على أوراق الإقامة في بلاد الزوجة الأجنبية، وبذلك يكون مخطط الطلاق بعد الفترة اللازمة للحصول على الإقامة جاهزا قبل عقد الزواج، لكن المشكلة هو أن هؤلاء الشباب يتناسون مشكلة إذا ما حصل إنجاب أطفال في هذه الفترة، فإن المصير هو خراب البيوت، لكنهم يريدون تحميل الطرف الآخر المسؤولية!».
الاختلاف الثقافي لا يشكل عائقا

أسرت المغربية عائشة قلب "باتريك هايني" الباحث السويسري في مجال المجتمعات الإسلامية، وهو يرى في حديث لموقع "باب المتوسط" أن الاختلاف الثقافي أو الديني أو أي اختلاف آخر، لا يُوّلد بالضرورة أشخاص مختلفين، بل هو دعوة إلى التقارب فيما بينهم، لهذا انطلق بمعية عائشة في مخطط زواجهما، رغم تحذيرات أفراد عائلة وأصدقاء الطرفين.

ويضيف باتريك: «وجدنا أنفسنا قريبين من بعضنا، فنحن نوجد داخل عالم قيّم مشتركة ممثل في الكرم وحسن الضيافة والمزاج الرائق ورغبات مشتركة، من قبيل مشاهدة الأفلام الأمريكية وعشق البحر ورقصة "السالسا" الكوبية. لذلك أصبح الاختلاف الثقافي لا يشكل عائقا بالنسبة لنا، لكن تم تذكيرنا به من الخارج من طرف محيطنا، غير أن الاختلاف الثقافي ليس أفقا استراتيجيا يجري انطلاقا منه مسار مشروعنا الصغير لحياتنا المشتركة.

واستطرد قائلا: «أنجبنا طفلة أسميناها ثريا، وهذا الاسم اخترناه ليس لتذكيرها بأصولها العربية، أو رغبة منا بنقل تراث لها، لكن لأنه اسم جميل فقط. ولا نعتقد بوجود صراع حضارات أو حوار حضارات، لكن هناك لذة شقيّة في إبعاد هذه المفاهيم من حياتنا اليومية، وتركها هناك حيث يجب أن تكون، أي في المجال المخصّص لسجالات الفلاسفة في الصالونات ورجال دين. ومنذ 6 سنوات تتواصل تجربتنا بنجاح، ولهذا ستستمر!».

أما إبراهيم الخلطي طالب في معهد الصحافة، فيتصور أن الزواج المختلط في المغرب محكوم بالمنفعة الشخصية والمصلحة، فالشاب أو الشابة التي تُقدم على الزواج من شخص أجنبي تطمح إلى الرقي بوضعها المادي، والاستقرار في بلد أجنبي، وبالتالي الحصول على جنسيته.

وواصل إبراهيم: «شخصيا أعارض بشدة هذا النوع من الزواج لكونه يساهم في طمس هوية الأبناء أو يكرس التشرذم الاجتماعي. ومن جهة أخرى إن الزواج المختلط خاصة من طرف الرجال بأجنبيات يؤدي إلى تضاعف نسب العنوسة في بلادنا».
للخبراء رأي

لكن ما هو رأي المتخصصين في مسألة الزواج المختلط؟

ترى خديجة المضمض المتخصصة في قضايا المرأة والهجرة أن «أطفال الزواج المختلط كانوا يواجهون العديد من المشاكل القانونية والاجتماعية في المغرب، وخاصة عندما تكون الأم مغربية والأب أجنبي، وبالخصوص من بلد لا يمكن أن يقيموا فيه ويعودوا منه مثل فلسطين. وهناك أطفال ولدوا في المغرب، ولم يعرفوا ثقافات أخرى إلا الثقافة المغربية، لذلك فهم يعتبرون مغاربة اجتماعيا، لكن ليس قانونيا».

وقالت المضمض: «لحسن الحظ، أنهى إصلاح المدونة المغربية للجنسية في أبريل 2007 المشكل بمنح المرأة المغربية الحق في نقل جنسيتها لأبنائها من الزواج المختلط».

وأضافت المختصة في شؤون الهجرة والمرأة أن «مشاكل أخرى تطرح بالنسبة للنساء الأجنبيات المتزوجات من مغاربة، خاصة عندما لا يكنّ مسلمات (من قبيل مشكل حضانة الأطفال والميراث...إلخ)».

الارتباط بين قوانين الهوية والاختلاف

يرى عبد الكريم بلحاج أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية الآداب بالرباط أنه «غض النظر عن بعض الحالات الناجحة في فترات وجهات مختلفة، فإن الزواج المختلط بشكل عام يطرح عدة صعوبات على مستوى تدبيره من طرف الشريكين وعلى مستوى إدماج القيم الثقافية التي تتجاذبه، إنْ بين هؤلاء باعتبار الهوية الثقافية المميزة لشخصية ولتاريخ كل منهما، أو في إطار السياق المجتمعي الذي تعاش فيه التجربة الزوجية. وكذلك حينما تكون ذهنية الانتماء للشريكين متباينة في مرجعيتها الثقافية، بحيث تطبع الإدراكات والاتجاهات والنمطية في إنتاج أو إعادة إنتاج نماذج الزواج، وبالتالي فإن ظروف قيام هذا الزواج تختلف بحسب الأشخاص والتجارب والغايات، بحيث أنه غالبا ما تكون بدايات أو مرحلة تأسيس الرابطة بين الرجل والمرأة بمثابة تجربة مؤهلة لتقريب المسافات وبناء الصلة من خلال تحقيق دوافع ذات بعد عاطفي ونفسي أو ذات بعد اجتماعي بين طرفي المعادلة».
مدّ وجزر في العلاقة الزوجية

اعتبر بلحاج أن «الاختلاط كان لا يطرح مشكلات المواءمة والانسجام من الناحية العاطفية والوجدانية، لكن عند إخضاعه لحكم العقل، فإن التوافق بين الشريكين يكون مكلّفا ويتطلّب مجهودات كبيرة. فنجاح أو فشل الزواج المختلط يمكن قياسه بناء على هذه القاعدة التي تعكس طبيعة الأبعاد المؤسسة للعلاقة. وكذلك قياسا إلى اختبار ممارسة الحياة المشتركة، وتكيف الأفراد معها تبرز بعض المواقف التي يعود فيها كل منهما إلى ذاته. فمع الدّوام، يصير نوع من المدّ والجزر مكتسحا لمجال العلاقة الزوجية، مما يجعل الشريكين، وللحفاظ على حدّ معين من التوازن بالنسبة لهذه الأخيرة، يقدمان على تنازلات. وهو المظهر الذي يصبح بمثابة واقع له حسابات وأبعاد عميقة، حينما ينتج عن هذا الزواج أبناء مزدوجي الأصول. في هذه الحالة، يصبح الزواج المختلط هشا في مواجهة التنافر الثقافي الذي يكتسب استمراره في سلوكات وممارسات الأزواج».
خلق أرضية تفاهم وتقديم تنازلات

يرى عبد العالي أوعلي متخصص في مجال الدراسات الثقافية أن الزواج المختلط قد يفشل بسبب صدام ثقافتي الزوجين، وقد ينجح بسبب الاقتراب بينهما، لذلك يتوجب على الزوجين المنتميين لثقافتين مختلفتين خلق أرضية للتفاهم، وتقديم تنازلات لأجل استمرار الحياة الزوجية، لأن الزواج المختلط الرامي إلى تحقيق مصلحة، ينتهي بمجرد انقضاء المصلحة.

وأضاف: «قد يكون هذا الزواج عذابا للطرفين، إن لم يتعاملا بمنطق تقديم التنازلات عند اللزوم واعتماد منهج المرونة في التعامل مع المشاكل، فمحاولة فرض أحد الطرفين قيّمه على الآخر قد تؤدي إلى الصدام، ومن ثم إلى الفراق بينهما. وقد تقع مآسٍ عديدة في إطار الزواج المختلط، مثل هرب أحد الزوجين بالأبناء نحو بلده الأصلية، لكن قد ينصهر أحد الزوجين في ثقافة الآخر حتى تظنه ابنا أصيلا لتلك الثقافة أو ابنة أصيلة لها».

وشدّد أوعلي على أن «الاختلاف على طريقة تربية الأبناء يعد بؤرة انفجار في جدار الحياة الزوجية بسبب رغبة أحد الطرفين تغليب ثقافته على ثقافة الآخر».

طرق حديثة عوض العائلة والقرب الجغرافي

تساهم وكالات الزواج الحديثة التي عوّضت الخاطبة التقليدية في تنامي الزواج المختلط، وتعتبر معظم وكالات الزواج بالمغرب وكالات دولية، وهي تتوفر على مرشحين مغاربة وأجانب من الجنسين، وتعطي أولوية للبلدان الناطقة باللغة الفرنسية، بما أن المغرب بلد يتكلم سكانه الفرنسية. وتتخصص وكالة زواج بالمغرب، وهي فرع لوكالة زواج فرنسية دولية، في الزواج المختلط بين مغربيات وفرنسيين فقط، ووجدت هذه الوكالات في السوق المغربي سوقا خصبا، ودخلته حينما أنجزت دراسة لسوق الزواج المختلط، وتعرّفت على إمكانيات السوق المغربي الكبيرة في هذا المجال. وتصاحب وكالات الزواج المرشّحين، وتساعدهم ليعبّروا عن أنفسهم بشكل أفضل، وتنصحهم بعدم الاهتمام بالجانب المادي فقط، بل التركيز على مسألة الانجذاب للطرف الآخر، قبل الانتقال إلى المسائل الثانوية.

ويقتصر دور معظم الوكالات على ربط العلاقة بين المرشحين للزواج، أما اللقاءات فتتم بينهم، ولا تحضرها، ولا تؤثر فيها. وعندما يفتح الزبون ملفا في وكالة زواج، يطلع على بنك المعطيات، الذي يحتوي على معلومات دقيقة عن الأشخاص (السن والجنس والمهنة والهوايات) وصور لهم (للوجه والجسد بأكمله)، وتستدعي الوكالة الشخص الذي وقع عليه اختياره، وتطلب رأيه، وإذا وافق عليه، تربط بينهما العلاقة.

والجديد الذي أتت به وكالات الزواج أنها تجاوزت الوساطة التقليدية التي تستند على الوسط العائلي والقرب الجغرافي إلى علاقات جديدة، تعتمد على وسائل الاتصال الحديثة.

تجربة صعبة لكنها غنية

تُعتَبر كريمة الهلالي، وهي ناشطة ضمن فعّاليات المجتمع المدني، حديثة عهد بتجربة الزواج المختلط، لذلك فذكريات اللقاء والتمهيد لإرساء جسور التواصل مع شريك حياتها، والتوصل إلى الاقتناع المشترك، والشروع في إجراءات الزواج المختلط القانونية لا تزال طرية في ذهنها.

وبدأت حكاية كريمة مع زوجها الهولندي في إسبانيا، وهناك التقيا صدفة، وانطلقت شرارة الإعجاب، ولمّا عادت كريمة إلى المغرب، استمر الاتصال عبر الهاتف والانترنت، وتبادل الزيارات.

وقالت كريمة: «شرع كل منا في اكتشاف ثقافة الآخر، وتكلمنا في مواضيع ثقافية ودينية».

وأضافت: «قبل الارتباط بيننا نسجنا علاقة صداقة بين مسلمة ومسيحي. وفي البداية، اتفقنا على أن نبقى أصدقاء، حتى تنضج علاقتنا. مع العلم أن القانون المغربي لا يسمح لامرأة مغربية مسلمة الزواج من مسيحي إلا بعد إسلامه. فكانت هذه الإشكالية مطروحة، ولم يكن ممكنا أن أفرض عليه أن يغيّر دينه حتى نتزوج، فكان النقاش صعبا بيننا».

وتشير كريمة إلى أن أهم ما استفادت منه في هذه العلاقة، هو أنها بحثت في مجال حوار الثقافات والديانات، وأعطت مراجع لشريكها من أجل قراءتها، لكي يتجردا من العواطف، ويناقشا الأمر موضوعيا. وبعد مرور الأيام، اقتنع باعتناق الإسلام، فارتبطا رسميا.

وتحكي كريمة عن محنتها مع تعقد إجراءات الزواج المختلط في المغرب، بحيث استغرقت الإجراءات أسبوعين، وطُلب منها وثائق رسمية كثيرة في المصالح الإدارية المختصة، واندهشت لعدد المغاربة والمغربيات، المقبلين على الزواج من أجانب.

ولم تخف كريمة وقوع بعض سوء التفاهم الطفيف بينهما في مجال العادات والتقاليد المختلفة في تدبير أمور الحياة اليومية، مثل الأكل وتنظيم الوقت، لكن المهم هو الحوار الذي يبدد جميع المشاكل.
زواج ثقافتين مختلفتين

تمثّل تجربة رشيد بوسبيع، وهو مهندس مغربي، نموذج الزواج المختلط الناجح، فهو قد التقى بزوجته الألمانية في فترة دراسته بألمانيا، ووقع بينهما اتفاق على الزواج، ويسرد رشيد تفاصيل حكايته، وهو سعيد بحياته مع رفيقة دربه، بحيث يقول: «تجربتي في الزواج المختلط عمرها 10 سنوات، وأتمنى لها الدوام، وهي بالنسبة لي ناجحة جدا، لأنها تعتمد على الاحترام والصدق والثقة المتبادلة. وهذه هي القيّم والأسس التي يمكن أن تُنجح كل زواج وفي أي مكان. وبالطبع إن الزواج المختلط هو زواج ثقافتين مختلفتين، ويمكن أن يولّد الكثير من سوء الفهم، لأن الآخر يمكن أن يقوم بأشياء، قد تفهم خطأ، وتنتج عنها مشاكل لا تحمد عقباها، ولكن التريث والحوار يبقيان سيد الموقف».

وبالنسبة لمسألة تنشئة الأولاد، يعتبر رشيد أن علاقته بزوجته مبنية على أسس دينية، لأن شرط إنجاب الأولاد كان بالنسبة له هو اعتناق زوجته للدين الإسلامي، ولكن ليس بالضغط. ولهذا دامت فترة تعرّفها على الإسلام مدة 4 سنوات، لتقتنع باعتناقه، وهذا ما يفسر أن عمر ابنته هو 5 سنوات فقط، ومن ثم، فإنه ليس له شك في حرص زوجته على أن يتم تلقين أبنائهما المبادئ الإسلامية، لأن عدم الاتفاق على هذا الأمر في غالب الأحيان هو سبب فشل الزواج المختلط.

ويعتقد رشيد أن أكثرية تجارب الزواج المختلط فاشلة للأسف، لأن أكثرية الشباب همّهم من هذا الزواج هو الحصول على أوراق الإقامة في بلاد الزوجة الأجنبية، وبذلك يكون مخطط الطلاق بعد الفترة اللازمة للحصول على الإقامة جاهزا قبل عقد الزواج، لكن المشكلة هو أن هؤلاء الشباب يتناسون مشكلة إذا ما حصل إنجاب أطفال في هذه الفترة، فإن المصير هو خراب البيوت، لكنهم يريدون تحميل الطرف الآخر المسؤولية!».
الاختلاف الثقافي لا يشكل عائقا

أسرت المغربية عائشة قلب "باتريك هايني" الباحث السويسري في مجال المجتمعات الإسلامية، وهو يرى في حديث لموقع "باب المتوسط" أن الاختلاف الثقافي أو الديني أو أي اختلاف آخر، لا يُوّلد بالضرورة أشخاص مختلفين، بل هو دعوة إلى التقارب فيما بينهم، لهذا انطلق بمعية عائشة في مخطط زواجهما، رغم تحذيرات أفراد عائلة وأصدقاء الطرفين.

ويضيف باتريك: «وجدنا أنفسنا قريبين من بعضنا، فنحن نوجد داخل عالم قيّم مشتركة ممثل في الكرم وحسن الضيافة والمزاج الرائق ورغبات مشتركة، من قبيل مشاهدة الأفلام الأمريكية وعشق البحر ورقصة "السالسا" الكوبية. لذلك أصبح الاختلاف الثقافي لا يشكل عائقا بالنسبة لنا، لكن تم تذكيرنا به من الخارج من طرف محيطنا، غير أن الاختلاف الثقافي ليس أفقا استراتيجيا يجري انطلاقا منه مسار مشروعنا الصغير لحياتنا المشتركة.

واستطرد قائلا: «أنجبنا طفلة أسميناها ثريا، وهذا الاسم اخترناه ليس لتذكيرها بأصولها العربية، أو رغبة منا بنقل تراث لها، لكن لأنه اسم جميل فقط. ولا نعتقد بوجود صراع حضارات أو حوار حضارات، لكن هناك لذة شقيّة في إبعاد هذه المفاهيم من حياتنا اليومية، وتركها هناك حيث يجب أن تكون، أي في المجال المخصّص لسجالات الفلاسفة في الصالونات ورجال دين. ومنذ 6 سنوات تتواصل تجربتنا بنجاح، ولهذا ستستمر!».

أما إبراهيم الخلطي طالب في معهد الصحافة، فيتصور أن الزواج المختلط في المغرب محكوم بالمنفعة الشخصية والمصلحة، فالشاب أو الشابة التي تُقدم على الزواج من شخص أجنبي تطمح إلى الرقي بوضعها المادي، والاستقرار في بلد أجنبي، وبالتالي الحصول على جنسيته.

وواصل إبراهيم: «شخصيا أعارض بشدة هذا النوع من الزواج لكونه يساهم في طمس هوية الأبناء أو يكرس التشرذم الاجتماعي. ومن جهة أخرى إن الزواج المختلط خاصة من طرف الرجال بأجنبيات يؤدي إلى تضاعف نسب العنوسة في بلادنا».
للخبراء رأي

لكن ما هو رأي المتخصصين في مسألة الزواج المختلط؟

ترى خديجة المضمض المتخصصة في قضايا المرأة والهجرة أن «أطفال الزواج المختلط كانوا يواجهون العديد من المشاكل القانونية والاجتماعية في المغرب، وخاصة عندما تكون الأم مغربية والأب أجنبي، وبالخصوص من بلد لا يمكن أن يقيموا فيه ويعودوا منه مثل فلسطين. وهناك أطفال ولدوا في المغرب، ولم يعرفوا ثقافات أخرى إلا الثقافة المغربية، لذلك فهم يعتبرون مغاربة اجتماعيا، لكن ليس قانونيا».

وقالت المضمض: «لحسن الحظ، أنهى إصلاح المدونة المغربية للجنسية في أبريل 2007 المشكل بمنح المرأة المغربية الحق في نقل جنسيتها لأبنائها من الزواج المختلط».

وأضافت المختصة في شؤون الهجرة والمرأة أن «مشاكل أخرى تطرح بالنسبة للنساء الأجنبيات المتزوجات من مغاربة، خاصة عندما لا يكنّ مسلمات (من قبيل مشكل حضانة الأطفال والميراث...إلخ)».

الارتباط بين قوانين الهوية والاختلاف

يرى عبد الكريم بلحاج أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية الآداب بالرباط أنه «غض النظر عن بعض الحالات الناجحة في فترات وجهات مختلفة، فإن الزواج المختلط بشكل عام يطرح عدة صعوبات على مستوى تدبيره من طرف الشريكين وعلى مستوى إدماج القيم الثقافية التي تتجاذبه، إنْ بين هؤلاء باعتبار الهوية الثقافية المميزة لشخصية ولتاريخ كل منهما، أو في إطار السياق المجتمعي الذي تعاش فيه التجربة الزوجية. وكذلك حينما تكون ذهنية الانتماء للشريكين متباينة في مرجعيتها الثقافية، بحيث تطبع الإدراكات والاتجاهات والنمطية في إنتاج أو إعادة إنتاج نماذج الزواج، وبالتالي فإن ظروف قيام هذا الزواج تختلف بحسب الأشخاص والتجارب والغايات، بحيث أنه غالبا ما تكون بدايات أو مرحلة تأسيس الرابطة بين الرجل والمرأة بمثابة تجربة مؤهلة لتقريب المسافات وبناء الصلة من خلال تحقيق دوافع ذات بعد عاطفي ونفسي أو ذات بعد اجتماعي بين طرفي المعادلة».
مدّ وجزر في العلاقة الزوجية

اعتبر بلحاج أن «الاختلاط كان لا يطرح مشكلات المواءمة والانسجام من الناحية العاطفية والوجدانية، لكن عند إخضاعه لحكم العقل، فإن التوافق بين الشريكين يكون مكلّفا ويتطلّب مجهودات كبيرة. فنجاح أو فشل الزواج المختلط يمكن قياسه بناء على هذه القاعدة التي تعكس طبيعة الأبعاد المؤسسة للعلاقة. وكذلك قياسا إلى اختبار ممارسة الحياة المشتركة، وتكيف الأفراد معها تبرز بعض المواقف التي يعود فيها كل منهما إلى ذاته. فمع الدّوام، يصير نوع من المدّ والجزر مكتسحا لمجال العلاقة الزوجية، مما يجعل الشريكين، وللحفاظ على حدّ معين من التوازن بالنسبة لهذه الأخيرة، يقدمان على تنازلات. وهو المظهر الذي يصبح بمثابة واقع له حسابات وأبعاد عميقة، حينما ينتج عن هذا الزواج أبناء مزدوجي الأصول. في هذه الحالة، يصبح الزواج المختلط هشا في مواجهة التنافر الثقافي الذي يكتسب استمراره في سلوكات وممارسات الأزواج».
خلق أرضية تفاهم وتقديم تنازلات

يرى عبد العالي أوعلي متخصص في مجال الدراسات الثقافية أن الزواج المختلط قد يفشل بسبب صدام ثقافتي الزوجين، وقد ينجح بسبب الاقتراب بينهما، لذلك يتوجب على الزوجين المنتميين لثقافتين مختلفتين خلق أرضية للتفاهم، وتقديم تنازلات لأجل استمرار الحياة الزوجية، لأن الزواج المختلط الرامي إلى تحقيق مصلحة، ينتهي بمجرد انقضاء المصلحة.

وأضاف: «قد يكون هذا الزواج عذابا للطرفين، إن لم يتعاملا بمنطق تقديم التنازلات عند اللزوم واعتماد منهج المرونة في التعامل مع المشاكل، فمحاولة فرض أحد الطرفين قيّمه على الآخر قد تؤدي إلى الصدام، ومن ثم إلى الفراق بينهما. وقد تقع مآسٍ عديدة في إطار الزواج المختلط، مثل هرب أحد الزوجين بالأبناء نحو بلده الأصلية، لكن قد ينصهر أحد الزوجين في ثقافة الآخر حتى تظنه ابنا أصيلا لتلك الثقافة أو ابنة أصيلة لها».

وشدّد أوعلي على أن «الاختلاف على طريقة تربية الأبناء يعد بؤرة انفجار في جدار الحياة الزوجية بسبب رغبة أحد الطرفين تغليب ثقافته على ثقافة الآخر».

طرق حديثة عوض العائلة والقرب الجغرافي

تساهم وكالات الزواج الحديثة التي عوّضت الخاطبة التقليدية في تنامي الزواج المختلط، وتعتبر معظم وكالات الزواج بالمغرب وكالات دولية، وهي تتوفر على مرشحين مغاربة وأجانب من الجنسين، وتعطي أولوية للبلدان الناطقة باللغة الفرنسية، بما أن المغرب بلد يتكلم سكانه الفرنسية. وتتخصص وكالة زواج بالمغرب، وهي فرع لوكالة زواج فرنسية دولية، في الزواج المختلط بين مغربيات وفرنسيين فقط، ووجدت هذه الوكالات في السوق المغربي سوقا خصبا، ودخلته حينما أنجزت دراسة لسوق الزواج المختلط، وتعرّفت على إمكانيات السوق المغربي الكبيرة في هذا المجال. وتصاحب وكالات الزواج المرشّحين، وتساعدهم ليعبّروا عن أنفسهم بشكل أفضل، وتنصحهم بعدم الاهتمام بالجانب المادي فقط، بل التركيز على مسألة الانجذاب للطرف الآخر، قبل الانتقال إلى المسائل الثانوية.

ويقتصر دور معظم الوكالات على ربط العلاقة بين المرشحين للزواج، أما اللقاءات فتتم بينهم، ولا تحضرها، ولا تؤثر فيها. وعندما يفتح الزبون ملفا في وكالة زواج، يطلع على بنك المعطيات، الذي يحتوي على معلومات دقيقة عن الأشخاص (السن والجنس والمهنة والهوايات) وصور لهم (للوجه والجسد بأكمله)، وتستدعي الوكالة الشخص الذي وقع عليه اختياره، وتطلب رأيه، وإذا وافق عليه، تربط بينهما العلاقة.

والجديد الذي أتت به وكالات الزواج أنها تجاوزت الوساطة التقليدية التي تستند على الوسط العائلي والقرب الجغرافي إلى علاقات جديدة، تعتمد على وسائل الاتصال الحديثة.

(10 يوليو 2008)
http://arabic.babelmed.net