الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

مسطرة الشقاق في ضوء مدونة الأسرة والعمل القضائي جـ1 - بحث إجازة




عبد الواحد الرحماني
مقدمــة

القســـم الأول
تسويـة النزاعـات الزوجيـة فـي دعـاوي الشقــاق...............................

الفصل الأول: ضوابط إثارة تطبيق مسطرة الشقاق لتسوية النزاعات الزوجية.....

المبحث الأول: الطرف المخول له قانونا إثارة تطبيق مسطرة الشقاق.............

المطلب الأول: المساواة بين الزوجين في بعدها الخاص بتطبيق مسطرة الشقاق....

المطلب الثاني: التطبيق القضائي التلقائي لمسطرة الشقاق..........................

المبحث الثاني: مبررات تطبيق مسطرة الشقاق...................................

المطلب الأول: وجود نزاع بين الزوجين يخاف منه الشقاق........................

المطلب الثاني: الحالات الأخرى لتطليق مسطرة الشقاق............................

   الفقرة الأولى: إخلال أحد الزوجين بواجباته.....................................

   الفقرة الثانية: عدم إثبات الزوجة للضرر الموجب للتطليق.......................

   الفقرة الثالثة: عدم استجابة الزوج لطلب الخلع المقدم من طرف الزوجة.........

   الفقرة الرابعة: رفض الزوجة للرجعة...........................................

الفصل الثاني: إجراءات تسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق.............

المبحث الأول: الصلح حل بديل للتطليق في دعاوي الشقاق.......................

المطلب الأول: خصائص إجراء الصلح في دعاوي الشقاق.........................

   الفقرة الأولى: وقوع نزاع بين الزوجين وسبقية رفع دعوى الشقاق..............

   الفقرة الثانية: إلزامية القيام بالصلح من طرف المحكمة..........................

   الفقرة الثالثة: رضائية إجراء الصلح في دعاوي الشقاق.........................

المطلب الثاني: ضمانات تفعيل محاولات الصلح في دعاوي الشقاق................

   الفقرة الأولى: تبليغ الزوجين في دعاوي الشقاق................................

   الفقرة الثانية: سلطة المحكمة في توجيه مسطرة الشقاق........................

المبحث الثاني: مسطرة الصلح في دعاوي الشقاق وأثرها في إنهاء النزعات  الزوجية................................................

المطلب الأول: مسطرة الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق....................

   الفقرة الأولى: الوساطة القضائية...............................................

   الفقرة الثانية: الوساطة غير القضائية...........................................

     أولا: انتداب الحكمين..............................................................

1    - شروط الحكمين.............................................................

2    - صلاحيات الحكمين.........................................................

ثانيا: مجلس العائلة................................................................

المطلب الثاني: أثر إجراءات الصلح في إنهاء النزاعات الزوجية...................

   الفقرة الأولى: نجاح محاولات الصلح بين الزوجين.............................

   الفقرة الثانية: فشل محاولات الصلح بين الزوجين...............................

القســم الثانــي
آثـار التطليـق للشقـاق علـى حقـوق أفـراد الأسـرة..............................

الفصل الأول: حقوق الزوجة المطلقة والأطفال....................................

المبحث الأول: مستحقات الزوجة المطلقة والأطفال................................

المطلب الأول: مستحقات الزوجة المطلقة..........................................

   الفقرة الأولى: حق الزوجة المطلقة في النفقة والسكنى أثناء العدة................

   الفقرة الثانية: حق الزوجة المطلقة في المتعة....................................

المطلب الثاني: مستحقات الأطفال.................................................

   الفقرة الأولى: حق الطفل المحضون في النفقة والسكن..........................

   الفقرة الثانية: حق الطفل المحضون في الرعاية الأبوية.........................

المبحث الثاني: تفعيل الحماية القضائية لحقوق الزوجة المطلقة والأطفال.........

المطلب الأول: وسائل وإجراءات تنفيذ الحكم القضائي المتضمن لمستحقات الزوجة
                المطلقة والأطفال..................................................

المطلب الثاني: صعوبات تنفيذ الحكم القضائي المتضمن لمستحقات الزوجة المطلقة
                والأطفال وآليات تجاوزها.........................................

الفصل الثاني: حق الزوج في التعويض عن التطليق للشقاق......................

 المبحث الأول: مبدأ تعويض الزوج المتضرر بسبب التطليق للشقاق.............

المطلب الأول: التأصيل الفقهي لحق الزوج في التعويض عن التطليق للشقاق.......

المطلب الثاني: الأساس القانوني لحق الزوج في التعويض عن التطليق للشقاق......

المبحث الثاني: التطليق القضائي لحق الزوج في التعويض عن التطليق للشقاق...

المطلب الأول: تحديد مسؤولية الزوجة في الشقاق والفراق.........................

المطلب الثاني: تقدير التعويض لفائدة الزوج المتضرر من التطليق للشقاق..........

خاتمــــة.....................................................................



مقدمـــة
عرفت ال م نظومة القانونية المغربية في السنوات الأخيرة العديد من الإصلاحات والتعديلات التي أدخلت على نصوصها، فرضتها التحولات الهيكلية العميقة التي عرفها المجتمع المغربي في جميع مناحي الحياة السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما اقتضتها مسألة ملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق والاتفاقيات الدولية المرتبطة أساسا بحقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة والطفل خاصة، والتي وقع و صادق عليها المغرب والتزم دستوريا باحترامها.
وفي سياق هذه الاعتبارات الوطنية والدولية صدر قانون 03-70 بمثابة مدونة الأسرة،   وذلك بعد مخاض عسير بدأ أساسا بإعلان خطة إدمـاج المرأة في التنمية وما خلفه من ردود فعل متباينـة تراوحت بين التأييد والرفض، وانتهى بتعيين جلالة الملك   للجنة استشارية كلفت بإجراء مراجعة جوهرية لمقتضيات مدونة الأحوال الشخصية، في إطار الالتزام بأحكام ومقاصد الإسلام السمحة وإعمال الاجتهاد في استنباط الأحكام، مع الاستهداء بما تقتضيه روح العصر والتطور واحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وهذا ما جعل من مدونة الأسرة حسب العديـد من الباحثيـن والمهتمين القانونيين والحقوقيين وطنيا ودوليا، حدثا قانونيا وحقوقيا تاريخيا ببلادنا، نظرا للإصلاحات الهامة التي تضمنتها مقتضياتها، والتي تجسد في عمقها التكامل بين المرجعية الإسلامية والكونية القائمتين على مبادئ الحرية والمساواة والإنصاف والتضامن... إلخ.
فنظرا لكون الأسرة تشكل مؤسسة اجتماعية متجذرة في عمق التاريخ، وحقيقة واقعية لا يدرك الإنسان أهميتها إلا إذا فقدها لأي سبب من الأسباب، وباعتبارها النواة الأساسية للبناء المجتمعي والديمقراطي والتربية على المواطنة الصالحة، حيث تضطلع في هذا الإطار بدور هام في عمليتي التربية والتنمية، فقد حرص المشرع من خلال هذه المدونة على تنظيم الروابط الأسرية وفق ما يقتضيه حمايتها وضمان استمراريتها في أداء وظيفتها داخل المجتمع، انطلاقا من ضبط وتنظيم حقوق وواجبات جميع أفرادها كما يدل على ذلك الشعار الذي صدرت في ظله والمتمثل في: " إنصاف المرأة وحماية حقوق الطفل وصيانة كرامة الرجل" حيث ورد في الخطاب الملكي بمناسبة استقبال جلالة الملك لرئيسي مجلسي البرلمان وتسليمهما لجلالته القانون بمثابة مدونة الأسرة بعد مصادقة البرلمان عليه ما يلي: " ... وإذا كان منذ اعتلائنا العرش قد جعلنا في صدارة سياستنا إيجاد مدونة حديثة للأسرة، بهذه المواصفات والمرجعيات وفي خضم تيارات مختلفة، فإننا بقدر ما نحمد الله تعالى على توثيقنا في إنجازها بما تتضمنه من إنصاف للمرأة، وحماية لحقوق الأطفال وصيانة لكرامة الرجل، نجدد التأكيد على أنها مكسب للمغاربة جميعا، منوهين بإجماع كل ممثل الأمة ومكوناتها عليها، وضمن نقاش ديمقراطي مسؤول والتحام   وثيق بين العرش والشعب ...".
ولعل من المستجدات الهامة التي جاءت بها مدونة الأسرة والتي جعلت منها قانونا متميزا، تنظيمها للقواعد الشكل إلى جانب قواعد الموضوع، خاصة في المسائل المرتبطة بالزواج وانحلالـه،   حيث أصبحت خاضعة لإشراف ورقابة القضاء في إطار ما يمكن أن يصطلح عليه بالبعد القضائي لمدونة الأسرة (   La judiciarisation du code de la famille )   كما يتجلى ذلك بوضوح في أحكام التطليق، حيث عمد المشرع من خلال المدونة إلى التوسيع من أسبابه بإضافة سبب جديد لم يكن موجودا في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، ويتعلق الأمر بالشقاق كما تنص على ذلك المواد من 94 إلى 97 المعنونة  "بالتطليق بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق" ، ذلك أنه في حالة وجود نزاع بين الزوجين يخشى منه الشقاق يمكن لهما أو لأحدهما اللجوء إلى القضاء لطلب حله، وفق المسطرة المنصوص عليها في المواد المشار إليها والتي يطلق عليها طبقا للمدونة بمسطرة الشقاق، حيث ارتأينا اختيار دراستها في ضوئها والعمل القضائي كموضوع لرسالة التخرج قصد نيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة الأسرة والطفولة.

أهمية الموضوع و دوافع اختياره

تعتبر مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المدونة مسطرة خاصة ذات بعد وقائي وعلاجي الهدف منها تسوية وتصفية النزاعات الزوجية، حيث خول المشرع من خلالها للزوجين أو أحدهما إمكانية أخذ مبادرة اللجوء إلى القضاء، لطلب حل كل نزاع قائم بينهما يخاف أن يتطور ويصبح شقاقا يتعذر معه إيجاد حل لـه غير الحكم بينهما بالتفريق عن طريق التطليق، بناء على الأسباب المبررة لذلك، كما خول للمحكمة بمقتضى النص القانوني سلطة الإثـارة التلقائية لتطبيق مسطرة الشقـاق، كحل للخلاف القائم بين الزوجين حول مسألة التعدد.
لذلك فإن التنصيص والإحالة عليها يعتبر من المكاسب الهامة التي جاءت بها مدونة الأسرة، حيث حافظ المشرع من خلالها على الثوابت المؤسسة للمرجعية الإسلامية ، كما جعل من تماسك الأسرة المغربية و استقرارها الهدف الأسمى من سنها إضافة إلى إسناد تطبيقها لقضاء الأسرة الذي يعتبر جهازا قضائيا جديدا في التنظيم القضائي المغربي، جاء في إطار تكريس التوجه نحو القضاء المتخصص قصد تفعيل مدونة الأسرة، فمما جاء في الرسالة الملكية الموجهة إلى وزير العدل حول توفير الشروط الكفيلة لحسن تطبيق مدونة الأسرة: " وتجسيدا لحرصنا السامي في هذا الشأن، فقد أكدنا منذ إحداثنا للجنة الاستشارية المكلفة باقتراح إصلاح جوهري لمدونة الأحوال الشخصية على دعم هذا المشروع، فإن تفعيله يظل رهينا بإيجاد قضاء أسري عادل وعصري وفعال، لا سيما وقد تأكد لنا من خلال تطبيق المدونة الحالية أن جوانب القصور والخلل لا ترجع فقط إلى بعض بنودها، ولكن بالأحرى إلى انعدام قضاء أسري مؤهل ماديا وبشريا ومسطريا لتوفير كل شروط العدل والإنصاف مع السرعة في البت في القضايا التي هي من اختصاصه والتعجيل في تنفيذها".
   فعندما يلجأ الزوجين أو أحدهما إلى المحكمة لحل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق يتعين على المحكمة المختصة و كما يستفاد ذلك من النصوص القانونية المنظمة لهذه المسطرة ، السعي أقصى ما يمكن لإنقاذ العلاقة الزوجية من الانحلال ، من خلال القيام بكل الإجراءات الضرورية لاستقصاء أسباب النزاع و محاولة بصلاح ذات البين بين الزوجين المتخاصمين ، بما في ذلك الاستماع إلى الشهود ، و انتداب الحكمين ، و تعيين مجلس العائلة، وغير ذلك مما تـرى فيه فائـدة في هذا الشـأن ، انسجاما مع المنهج الإسلامـي المتكامـل بخصوص تسويـة النزاعـات الزوجيـة الذي يؤكد سمو التشريع الإسلامي في معالجة النشوز والشقاق بين الزوجين ، مصداقا لقولـه تعالى : ) و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما م أهله و حكما من أهلها ، إن يريدا إصلاحـا يوفـق لله بينهما ، إن الله كان عليما خبيـر ( ( [1]) و قوله عز وجل : ) فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا و الصلح خيـر ( ( [2])   و قوله سبحانه ) فاتقوا الله   وأصلحوا ذات بينكم ( ( [3]) .
فالتطليق طبقا لمدونة الأسرة أصبح حلا استثنائيا للخلافات الزوجية ، حي لايجوز للقضاء اللجوء إليه إلا بعد استنفاذ كل الإجراءات المشار إليها ، و ذلك في حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين، لما في ذلك من تفكيك للأسرة و الإضرار بالأطفال ( المادة 70 ).
 من هـذا المنطلـق فـإن موضوع "مسطرة الشقاق في ضوء مدونة الأسرة     والعمل القضائي" يكتسي أهمية بالغة من الناحيتين النظرية والعملية ، فأهميته النظرية تكمن في الحمولة القانونية للمقتضيات المنظمة لهذه المسطرة ، و بذلك فهي تحتاج إلى دراستها   وتحليلها قصد استجلاء الغموض عنها من خلال إبراز إيجابياتها و سلبياتها ، خاصة وأنها تعتبر من المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة، أما أهميتها العملية فترجع إلى كون المشرع أسند تطبيقها لقضاء الأسرة، مما يبرر الحاجة إلى مقاربة كيفية تعامله معها على مستوى الممارسة القضائية، مع الإشارة إلى   أن من الصعوبات التي واجهتنا ونحن بصدد إنجاز هذا البحث، انعدام معطيات   إحصائيات رسمية حول نسبة التطليق للشقاق منذ صدور المدونة، من شأنها أن تسعفنا أكثر في ضبط التوجه القضائي المعمول به في كل أقسام قضاء الاسرة بالمملكة بخصوص هذا النوع من القضايا، سيما وأن الأحكام الصادرة فيها لم تعد تقبل الطعن في شقها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية (المادة 128 من مدونة الأسرة.)

الإشكاليـــة التي يثيرهـــا الموضوع

    باستقرائنا للمقتضيات المنظمة لمسطرة الشقاق ( المواد 94-97 ) و تلك التي تحيل عليها ( المواد 45-100-120-124 ) يتضح جليا أن الإشكالية الأساسية التي تثيرها تتمثل في مدى استطاعة قضاء الأسرة أثناء تفعيله لها التوفيق بين هاجس الحفاظ على استقرار الأسرة والاستجابة لحق طلب التطليق، بما يقتضيه ذلك من حماية حقوق جميع أفرادها، بحيث تتفرع عن هذه الإشكالية جملة من التساؤلات يمكن إجمالها فيما يلي:
- ما المقصود بالشقاق الذي يعطي للزوجين حق طلب التطليق ؟
- ما هي الحالات التي يحق فيها اللجوء إلى إثارة تطبيق مسطرة الشقاق ؟
- كيف يتعامل قضاء الأسرة مع طلبات تطبيق مسطرة الشقاق ؟
- إلى أي حد يمكن لقضاء الأسرة ضمان احترام الحقوق موضوع الحماية عند تفعيله لمسطرة الشقاق ؟

خطـــــة البحـــــث

     نظرا لكون مسطرة الشقاق في المجال الأسري ترمي إلى معالجة الصعوبات التي تواجهها الحياة الزوجية، عن طريق تسويتها وديا قبل اللجوء إلى تصفيتها قضائيا، وذلك على غرار مسطرة معالجة صعوبات المقاولة في المجال الاقتصادي، فقد ارتأينا من اجل مقاربتها في ضوء مدونة الأسرة والعمل القضائي اعتماد اختيار منهجي على مستوى التحليل من خلال تقسيم الموضوع إلى قسمين، حيث تعرضنا في القسم الأول إلى تسوية   النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق، أبرزنا فيه الضوابط والإجراءات القانونية الواجب مراعاتها من طرف القضاء في هذا الإطار، أما القسم الثاني فقد خصصناه للحديث عن الآثار المترتبة عن تصفية تلك النزاعات في مواجهة الحقوق الأسرية ، والمتمثلة في حقوق الزوجة المطلقة والأطفال إن وجدوا   من جهة، وحق الزوج في التعويض عن التطليق للشقاق من جهة أخرى.
وبذلك يكون تصميم هذا البحث كالآتي :
القسم الأول : تسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق
القسم الثاني: آثار التطليق للشقاق على حقوق أفراد الأسرة


[1] - سورة النساء الآية : 35 .
[2] - سورة النساء الآية : 127 .
[3] - سورة الأنفال الآية : 1 .
القسم الأول : تسويـة النزاعات الزوجية  في دعـاوي الشقـاق
تعكس المقتضيات المنظمة لمسطرة الشقاق و كذا التي تحيل عليها في مدونة الأسرة، حرص المشرع من خلالها على تجاوز بعض المشاكل التي كانت تثار في ظل التطبيق القضائي لمدونة الأحوال الشخصية الملغاة ، خاصة ما يتعلق منها ببـطء و تعقد المساطر القضائية في الدعاوي الرامية إلى انحلال العلاقة الزوجية ، و كذا بضعف الحماية القانونية للحقوق المرتبطة بذلك ، حيث باستقرائنا لتلك المقتضيات يتضح جليا أنها تختزل في عمقها توجه تشريعي يؤطره هاجس الحفاظ على استقرار الأسرة ، انطلاقا من الصلاحيات المهمة المخولة للقضاء لأجل إيجاد تسويـة ودية للنزاع القائم بين الزوجين، إذ لا يجوز للمحكمة اللجـوء إلى الحكم بالتفريـق بينهما عن طريق التطليق إلا بعد استنفاذها لكل المحاولات الكفيلة بتحقيق ذلك، و هذا ما يضفي نوع من التدرج على تفعيل الإجراءات المسطرية لدعاوي الشقاق.
وللإحاطة بمختلف الجوانب القانونية المرتبطة بتسوية النزاعات الزوجية في مسطرة الشقاق، يتعين قبل دراسة الإجراءات المعمول بها في هذا المجال، التطرق إلى الضوابط المرتبطة بإثارة تطبيقها.
وبنـاء عليـه سنقسـم هذا القسـم إلى فصليـن على النحـو التالـي :
الفصل الأول : ضوابط إثارة تطبيق مسطرة الشقاق لتسوية النزاعات الزوجية.
الفصل الثاني : إجراءات تسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق.

  الدعوى القضائية باعتبارها ادعاء قانونـي في المجال الإجرائـي تحكمها قواعـد و ضوابط قانونية من الناحيتيـن الموضوعيـة و الإجرائية، بحيث إن إضفاء الانسجام بينهما يجعلها تنتج آثارها القانونية في مواجهة أطراف النزاع، و لما كانت غاية المشرع من تنظيمه لمسطرة الشقاق تسوية النزاعات الزوجية وفق إطار قانوني يحرص القضاء في ضوئه ما أمكن على ضمان استقرار و تماسك الأسرة، فإن ضمان تفعيلها يقتضي مراعـاة الضوابط المرتبطة بإثارتها خاصة فيما يتعلق بالطرف المخول له قانونـا ذلك ( المبحـث الأول )، بنـاء على المبررات المنصـوص عليها فـي مدونـة الأس ـ رة   ( المبحث الثاني). 
المبحــث الأول : الطـرف المخـــول له   قانونـــا إثــارة تطبيــق مسطــــرة الشقــــــــاق
إذا كان الأمـر في القضايا المرتبطـة بانحلال العلاقة الزوجية طبقا لمدونـة الأسـرة، أن الطـرف الذي يبـادر إلـى طلب ذلك يكـون عـادة الـزوج أو الزوجـة ( [1] ) ، فإن من الخصوصيات المميـزة لمسطرة الشقـاق على مستوى إثارتهـا، تخويل الزوجين معا أو أحدهما حق اللجوء إلى القضاء لطلب حل كل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق، كما أنه وعيا من المشرع بالمشاكل التي تترتـب عن الوضع الذي تكون عليه الأسرة بفعل النزاع القائـم بين الزوجيـن، فقد أتاح للمحكمة و بصفة استثنائية إمكانية الإثارة التلقائية لمسطرة الشقاق.
وبذلك فالأصل أن الطرف المخول له قانونا إثارة تطبيق مسطرة الشقاق هو الزوجين أو أحدهما في إطار مبدأ المساواة   ( المطلب الأول )، و استثناء المحكمة من خلال الإثارة التلقائية بمقتضى النص القانوني   ( المطلب الثاني ).
 المطلـب الأول : المسـاواة بين الزوجيـن في بعدها الخاص بتطبيـق مسطـــــرة الشقـــــاق
شكل مبدأ العـدل و المساواة أحد الهواجـس الأساسيـة التي تحكمـت في   إرادة المشرع المغربي و هو بصدد مراجعـة مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية الملغـاة، نظرا للانتقـادات التي وجهت لها باعتبارها مجالا بارزا للتمييز ضد المـرأة ، تنتهـك فيه حقوقها الأساسية كمواطنة مساوية للرجل أمام القانون ( [2]).
فالتطور المتنامي الذي حصل على مستوى الحياة المجتمعية بكل تجلياتها، فرض تغيرا جذريا في المفاهيم و الضوابط المؤطرة للعلاقات الأسرية، لتجاوز الإشكال القانوني والواقعي الذي كانت تطرحه الوضعيـة القانونية للأسرة عامة و المرأة على وجه الخصوص، لاسيما فيما يتعلق بترسيخ ثقافة العدل و المساواة بين الزوجين في الحقوق   والواجبات، و في كل ما يرتبط بمكانة كل منهما داخل الأسرة ( [3]).
هذا الاقتناع بضرورة نشر و ترسيـخ ثقافـة العدل و المسـاواة بين الزوجين على مستـوى الفضاء الأسـري، يجد أصوله المرجعية في الفقـه الإسلامي من جهـة، والمواثيق الدولية من جهة أخرى ، ذلك أن وحدة الخلق الإلهي للإنسان يقتضي تقرير مبادئ المساواة و الحريـة و الإيخـاء و العدالـة ... الخ في الأسـرة           وغيرها ( [4])، لذلك فقد ألغى الإسلام الحنيف باعتباره خاتم الديانات الفوارق بين كافة البشر، و عولم الإنسان على حد تعبير الأستاذ عبد الهـادي بو طالـب : " لا على أساس التنافـس الحـر على الأسـواق، و لكن على أسـاس التنافـس على التقـوى          والفضيلـة، مع إبقائـه على رابطـة واحـدة هي الأسـرة   باعتبـارها الخلية الأساسيـة لكل مجتمـع ... ( [5])، فعلاقة الزوجين في ظل النظـام الإسلامي تتحدد على أساس المساواة الكاملـة في التكوين و وحدة الخلق و الوجود، و هذا ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى :   ) يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكـم من نفـس واحدة و خلـق منها زوجهـا و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقـوا الله الذي تساءلـون به و لارحام ، إن الله كان عليكم رقيبـا ( ( [6]) ، و قال عليه الصلاة و والسلام : » إنما النساء شقائـق الرجال في الأحكام « ( [7]) ، فهذا الحديث الشريف يلخص الرؤية القرآنية في المساواة بين الزوجين في الحقوق و الوجبات ، و هي جزء منهما و ليس فقط حقا مخولا لهما ، لذلك يرفض الإسلام الحنيف النـزاع في هذا الحق لأنه من حقـوق الله تعالى.
كما أنه في ظل الوعي المتنامي بضرورة احترام حقوق الإنسان عامة و حقوق المرأة خاصة، عمد المجتمع الدولي إلى إيجاد مجموعة من المواثيق الدولية أغلبها صادر فــي إطـار عمل منظمـة الأمـم المتحدة، تهـدف إلى ترسيخ ثقافـة المسـاواة بين
الزوجين ( [8])، و هو التوجـه الذي تبنته القوانين الوضعية من خلال ارتقائها بمبدأ المساواة بين الزوجين إلى مستوى حق دستوري يؤطر و يوجه السياسة التشريعيـة للدولة ( [9]) .
وتقرير مبدأ الوحدة الأسرية و ما يتفرع عنها من قاعدة المساواة بين الزوجين في الوظائـف و الأدوار، يستدعي ضرورة تفعيل الأسلـوب التشاركي و التشاوري بينهما في كل ما يرتبط بتدبير شؤون الأسرة ، لذلك اعتبارا لكون هذا الأسـوب يعكس المنطق الحقوقي في الحقوق و الواجبات ( [10])، فقد عمد المشرع المغربي إلى تكريسه في مدونة الأسرة   كما يتضح ذلك جليا في تعريفـه للزواج في المادة 4 التي تنص على أن: » الزواج ميثـاق تراضي و ترابط شرعـي بين رجل و امرأة على وجه الـدوام، غايته الإحصان و العفاف و إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة ، و كذلك من خلال تنظيمه للحقوق و الوجبات المتبادلة بين الزوجين في المادة 51، و التي نجد من ضمنها تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية القرارات المرتبط بتسيير ورعاية شؤون الأسرة و الأطفال ... الخ.
من هذا المنطلق فلئن كان المشرع حرص في مدونة الأسرة على ترسيخ ثقافة المساواة بين الزوجين من خلال التدبير التشاوري و التشاركي لأحوال الأسرة ، فقد جعل على عاتقهما معا مسؤوليـة الحفاظ على استقرارها و تماسكها و ضمان استمرارها، ذلك أن الحياة الزوجية لا تخلو من خلافات و نزاعات مهما بلغت درجة التفاهم بينهما، لذلك ولتفادي تطورها إلى أن تصبح شقاقا يتعذر إيجاد حل له غير الحكم بالتفريق عن طريق التطليق، أتاح المشرع لهما أو لأحدهما حق اللجوء إلى القضاء لطلب حل كل نـزاع بينهما يخشى منه الشقاق طبق للمادة 94 من مدونة الأسرة، و التي تجسد في عمقهـا مبدأ المساواة في التقاضي الذي يعتبـر من المبـادئ الأساسية التي يقوم عليها التنظيم القضائي للمملكة ، ضمانا لحقوق المتقاضيـن، و تطبيق مسطرة الشقاق في هذه الحالة يتم عن طريق تقديم طلب بذلك من الزوجين أو أحدهما إلى المحكمة الابتدائية ( قسم قضاء الأسرة ) التي يوجد بدائرة نفوذها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو التي أبرم فيه عقد الزواج ( [11])، و يجـب أن يتضمن هذا الطلب كافـة الشـروط الضرورية الواجب توافرها قانونـا في كل ادعـاء قانوني ، حتى يعتد به العمل القضائي و يجعـل منه محلا للإجراءات القضائيـة، و المتمثلـة طبقـا للفصل 1 من قانـون المسطرة المدنيـة في الصفـة والمصلحة و الأهلية ( [12])، و كذا طبقا للفصل 32 من نفس القانون في الهوية الكاملة للزوجين و عنوانهما الكامل و الحقيقي ، مع الإشارة و لو بإيجاز إلى موضوع النزاع وأسبابه، و يرفق به المستندات و الوثائق التي يمكن استعمالها عند الاقتضاء أهمها عقد الزواج.
ونظرا لكون مسطرة الشقاق شفوية فإنه يجوز اللجوء إليهـا دون الاستعانة بمحام، وبالتالي دون التقيد بمقتضيات الفصل 31 من ظهير 10 شتنبر 1993 المنظم لمهنة المحاماة ، و ذلك على غرار القضايا الأخرى التي تخضع للمسطرة الشفوية طبق للفصل 45 من قانون المسطرة المدنية، و هي القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا، و القضايا الاجتماعيـة، و قضايا استيفاء و مراجعة الوجيبـة الكرائية، وقضايا الحالة المدنية ... الخ، و تنظر في الطلبات المرتبطة بها هيئة قضائية مشكلة من ثلاث قضاة بحضور النيابة العامة و كاتب الضبط، حيث إذا كان المبدأ أن القضاء الجماعي يعتبر من مستلزمات المسطرة الكتابية، فإن دعاوي الشقاق تشكل استثناء لهذا المبدأ نظرا لطبيعة وخصوصية إجراءاتها.
وإذا ثبت نظريا أن إثارة تطبيق مسطرة الشقاق يعكس توجه المشرع نحو إرساء     وتكريس مبدأ المساواة بين الزوجين لتسوية نزاعاتهما قضائيا، فإن الواقع العملي يثبت محدودية تلك المسـاواة، بحيث أن أغلب الطلبات المقدمـة بخصوص تطبيـق مسطرة الشقاق يكون مصدرها الزوجات ، أما الأزواج فناذرا ما يتقدمون بتلك الطلبات، و هو ما يجعل اللجوء إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق يقترن عمليا بحق الزوجة في طلب التطليق، لما تتيحه لها من إمكانيـة الحصول عليه بكيفيـة سهلـة و بسيطة مادامت تتمسـك به ( [13])، و ربما من الأسبـاب الكامنـة وراء ذلك أن الأزواج يشعرون بالحـرج في حالة اللجوء إلى القضاء قصد طلب حل نزاعاتهم مع زوجاتهم، لذلك فإنهم عندما يطرقون باب قضاء الأسرة   إنما يكون ذلك في الغالب إما لطلب الطلاق أ و التعدد أو لرفع دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية.
لكن هذا لا ينبغي معه التسليم بانعدام أي طلب تقدم به الزوج لتطبيق مسطرة الشقاق لأن النذرة   لا تعني الانعدام الكلي، لذلك و طبقا للقاعدة الفقهية : » ما لا يدرك جله لا يترك كله « حسبنا أن نشير في هذا الإطار إلى نموذج لحكم قضائي صادر عن – قسـم قضـاء الأسـرة – التـابـع للمحكمـة الابتدائيــة بالحسيمـة جـاء فيـه: » بتاريــخ 11/04/05 تقدم المدعي بواسطة دفاعه بمقال مؤدى عنه الرسوم القضائية يعرض فيه أن المدعى عليها زوجته و منذ زوجها لم يتم الدخول حيث سافرت إلى الخارج إلى مكان إقامتها، و لم تلتحق به، مما دفعه إلى استصـدار حكم شخصي ضدهـا قضى بإلزامها بالرجوع إلى بيت الزوجية ملف عدد 261/2001، لم يقع تنفيـذه نظرا لكـون المدعى عليها تتواجد بديار المهجر حيث انقطعت أخبارها و لا يعلم عنها شيئـا، ملتمسا إصدار أمر قضائي يقضي بالتطليق للشقاق كحل نهائي يفك عرى الزوجية بينهما ... « ( [14]) .
عموما إذا كان تكريس مبدأ المساواة بين الزوجين في بعدها الخاص بتطبيق مسطرة الشقاق ، الغاية منه تخويلهما حق اللجوء إلى القضاء لطلب حل كل نزاع بينهما يخاف أن يؤثر سلبا على مصير علاقتهما الزوجية، فإن رغبة المشرع في تعزيز دور القضاء في معالجة النزاعات الزوجيةاقتضت منح المحكمة إمكانية الإثارة التلقائية لمسطرة الشقاق، وهو ما يحيلنا على المطلب الثاني.
 المطلـب الثاني : التطبيـق القضائـي التلقائـي لمسطـرة الشقــاق
 إن تسوية النزاعات الزوجية من خلال تطبيق مسطـرة الشقـاق، لا يقتصر فقط على الحالات التي يسمح فيها القانون للزوجيـن أو لأحدهما اللجوء إلى القضاء لطلب ذلك، و إنما يمكن للمحكمة كذلك طبقا للمادة 45 من مدونة الأسرة، أن تثير تلقائيا تطبيق هذه المسطرة في حالة تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد و لم توافق الزوجة المراد التزوج عليها و لم تطلب التطليق.
فالمشرع المغربي في مدونة الأسرة أحاط التعدد بضوابط و قيود قانونيـة صارمة، حرصا على تحقيق العدل بين الزوجات مصدقا لقوله تعالى : ) فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة ( ( [15]) و حمايـة لحقوق الأطفال ، لذلك نجده   يخضع طلبـات الإذن بالتعدد لرقابة قضاء الأسرة ، بحيث إن المحكمة لا تستجيب لها لمجرد الخـوف من عدم العدل أو إن وجد في عقد الـزواج شرط من الزوجة بعـدم التـزوج عليها ( [16])، وبذلك فالإذن بالتعدد رهين طبقـا للمادة 41 من المدونة بتثبت المحكمة من وجـود مبرره الموضوعي الاستثنائي ( [17])و توفر لطالبه الموارد الكافيـة لاعالة أسرتيـن،    وضمان جميع الحقـوق من نفقة و إسكـان و مساواة في جميع أوجه الحياة ( [18])،      وهذا لا يمكن التحقق منه من طرف المحكمة إلا من خلال تفعيل كافة الضمانات القانونية التي توفرها الضوابط الإجرائية المرتبطة بمسطرة التعدد ، ولعل أهمها الحضور الشخصي للزوجة المراد التزوج عليها لمحاولة الإصلاح و التوفيق بينهما، وذلك بعد الاستماع إليهما واستقصاء الوقائع و تقديم البيانات الضرورية في هذا الشـأن ، بحيث إذا ثبت للمحكمة من خلال المناقشات التي تجريها في غرفة المشورة، تعذر استمرارية العلاقة الزوجية وطلبت الزوجة التطليق، فإنها تقوم طبقا للمادة 45 من المدونة باتخاذ الإجراءات الضرورية التي تضمن لها كافة حقوقها       وحقوق أطفالها، بتحديد مبلغ يكفي لاستفائها يودعه الزوج طالب التعدد في صندوق المحكمة في أجل لا يتعدى سبعـة أيام تحت طائلة اعتباره متراجعا عن طلبه - ثم تأذن بالتعدد بمقرر قضائي لا يقبل أي طعن.
وعليه فالمحكمة في تفعيلها لمسطرة التعدد ملزمة بمراعاة حالات الزوجين التي تستفاد من قرائن لفظية و أخرى حالية ، بحيث يجب النظر إلى حال الزوج الراغب في التعدد من زاوية قدرته على تحقيق المقصد الشرعي منه و المتمثل في العدل من جهـة، وفي ضرورته المصلحية من جهة أخرى، مع التأكد من عدم وجود شرط مانع   من طرف الزوجة، و كذا النظر إلى حال هذه الأخيرة التي إما أن تقبل التعدد، أو لا تقبل به و تطلب التطليق أو لا تقبل به و لا تطلب ذلك ( [19])، بحيث قد يحصل أن يتمسك الزوج بطلبه الرامي إلى الإذن له بالتعدد ، إلا أن الزوجة المراد التزوج عليها ترفض ذلك و لا تطالب بالتطليق ، مما يخلق   نوع من النزاع بينهما يجعل الأسرة تعيش في وضع غير مستقـر تتضرر منه حقـوق الجميـع   و خاصة الأطفال إن وجدوا ، لذلك وعيا من المشرع بالمشاكل التي قد تنجم عن هذا الوضع الأسري الذي ينم عن تعارض مصالح الأطراف المعنية بموضوع التعدد ، فقد أجاز للمحكمة استثناء إمكانية اللجوء تلقائيا إلى تطبيق مسطرة الشقاق مرخصا لها بذلك تحوير موضوع النزاع، ذلك أن من الضمانات الأساسية لضمان الحياد القضائي، منع القاضي أو المحكمة حسب الأحوال تعديل أي عنصر من عناصر النزاع الموضوعية و الشكلية بالشكل الذي طرحه الخصوم، إذ يجب الفصل فيه دون إدخال عناصر جديـدة قد تعقد أو تؤخر ذلك، و هو ما ينص عليـه الفصل 3 من قانون المسطـرة المدنيـة حيث جاء فيه: » يتعين على القاضي أن يبت في حدود الطلبات   و يبت دائما طبقا للقانون المطبق على النازلة و لو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة « .
و بذلك فالتطبيق القضائي التلقائي لمسطرة الشقاق ، يجسد الدور التدخلي للقضاء في حسم النزاعات الزوجية الناجمة عن تفعيل مسطرة التعدد، ليبقى السـؤال المطروح: هل يمكن الحديث عن حالات أخرى للتطبيق القضائي التلقائي لمسطرة الشقاق ؟
مبدئيا يمكن الجزم بصعوبة التدخل القضائي التلقائي لتطبيق مسطرة الشقاق في كل حالة نزاع بين الزوجين دون إثارة الدعوى منهما أو من أحدهما، إلا أن ذلك التدخل يمكن أن يتحقق في بعض الحالات إذا ما استحضرنا الدور الهام الذي أضحت تضطلع به النيابة العامة في قضايا الأسرة ، حيث أصبحت طبقا للمادة 3 من مدونة الأسرة طرفا أصليا في كل القضايا الرامية إلى تطبيقها، و هو ما يعني تعزيز دورها التقليدي الذي كانت تقوم به في الدعاوى المدنية وفقا لنصوص قانون المسطرة المدنية.
فالمشرع من خلال مواد مدونة الأسرة خول للنيابة العامة باعتبارها طرفا أصليـا صلاحيات وقائية و حمائية مهمة ، كلها تصب في اتجاه حماية الأسرة من التفكك و الحفاظ على مصالح الزوجين و الأطفال ( [20]) ،و بذلك يمكن لها طبقا للقانـون أن تبادر بصفتها مدعية إلى رفع دعوى الشقاق ضد الزوجين إذا ثبت لها ما يبرر ذلك كتضرر الأطفال من جراء النزاع القائم بينهما ... ، للنظر في مدى استعدادهما لإعادة علاقتهما إلى حالتها الطبيعية حفاظا على استقرار الأسرة، أو الحكم بالتطليق بينهما عند الاقتضاء، غير أن النيابة العامة قبل إقدامها على ذلك يجب أن ترجح المصلحة العامة للأسرة وتجعلها فوق كل اعتبار حتى لا يكون لتدخلها آثار عكسية على وحدتها.
وطبعا بصفتها مدعية في هذه الحالة لا يجوز تجريحها من طرف الأطراف، لأن الخصم لا يجرح خصمه و إنما يواجهه بحججه و وسائل دفاعه، و لها أن تقوم   أيضا بتجريح القاضي طبقا للقانون باعتبارها خصما في الدعوى، كما تأخذ الكلمة قبل الأطراف و تملك حق الطعن ( [21]).
ما يدعم هذا الرأي أن الفقه المالكي   الذي يعتبر المرجع الفقهي الذي ينبغي على القضاء العمل به فيما يخص تطبيق مدونة الأسرة، تعامل بكثير من المرونة مع مسألة تعيين الحكمين، بحيث لم يشترط حصول الشقاق والخصومة ورفع الأمر إلى المحكمة لكي   تتدخل، بل يكفي أن يعلم الحاكم أو القاضي بأنه حصل نوع من النزاع بين الزوجين يخاف منه الشقاق كي يسوغ له التدخل   لحسمه، لذلك فالرأي الراجح عند جمهور العلماء أن المخاطب في قوله تعالى : ) و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله عليما خبيرا ( ( [22]) هم الحكام لأنهم هم المكلفون بالسهـر على مصالح المجتمع و رفع المظالـم عن أفـراده ( [23])، حيث يقول في هذا الإطار الفقيه ابن العربي المعافري المالكي الأندلسي ما يلي :   » إذا علم الحاكم ( أي القاضي ) من حال الزوجين الشقاق لزمـه أن يبعـث إليهما حكمين و لا ينتظر ارتفاعهما، لأن ما يضيع من حقوق الله أثناء ما ينظر رفعها إليه لا جبر له « ( [24]) ، و كذلك قال الحطاب الملكي : » إذا اختلف الزوجان و خرجا إلى ما لا يحل من المعاتبة كان على السلطان أن يبعثا حكمين ينظرا في أمرهما، و إن لم يرتفعا و يطلبا ذلك، فلا يحل أن يتركهمـا على ما هما فيه من المآثم و فسـاد الدين « ( [25]) .
عموما إذا كانت الغاية من التطبيق القضائي التلقائي لمسطرة   الشقاق حسم النزاع القائم بين الزوجين حول مسألة التعدد ، تفاديا لكل الآثار السلبية التي قد تنجم عن استمراره، فإن اللجوء إلى تطبيقها من طرف الزوجين أو أحدهما   ينبغي أن يتأسس على أحد المبررات المنصوص عليها في مدونة الأسرة.

[1] باستثناء طبعا حالة الطلاق الاتفاقي المنظم في المادة 114 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه : " يمكن للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية دون شروط أو بشروط لا تتنافى مع أحكام هذه المدونة و لا تضر بمصالح الأطفال ..." .
[2] - جاء في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان بتاريخ 10 أكتوبر 2003 : " أما بالنسبة للأسرة و النهوض بأوضاع المرأة فإنني أبرزت إشكالها الجوهري غداة تحملي الأمانة العظمى لإمارة المؤمنين ، متسائلا في خطاب 20 غشت 1999 : كيف يمكن الرقي بالمجتمع و النساء اللواتي يشكلن نصفه تهدر حقوقهن و يتعرضن للحيف و العنف و التهميش في غير مراعاة لما خوله لهن ديننا الحنيف من تكريم و إنصاف "
[3] - السعدية بلمير : نحو إعادة بناء الأسرة و دعمها اقتصاديا و اجتماعيا في ضوء التحولات المعاصرة   ندوة : " أزمة القيم و دور الأسرة في تطوير المجتمع المعاصر" سلسلة الدورات ، الدورة الربيعية 2001، 26-28 أبريل ، مطبوعة أكاديمية المملكة ، ص : 381
[4] - وهبة الزحيلي: الأسرة المسلمة في العالم المعاصر، دار الفكر المعاصر بيروت ، طبعة 2000 ص: 13
[5] - عبد الهادي بوطالب : مفهـوم الأسرة ووظيفتها، و مسؤولياتهـا في الديانـات و الإعلانـات العالميـة و مواثيق الأمم المتحـدة نـدوة : " أزمة القيـم   و دور الأسـرة في تطوير المجتمـع المعاصر ، سلسلـة الـدورات ، الدورة الربيعية لسنة 2001-26-28 أبريل ، مطبوعات أكاديمية المملكة . ص : 167 .
[6] - سورة النساء ، الآية :1 .
[7] - أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 2/256 ، و الترمذي في سننه حديث رقم 113 و أبو داوود في سننه حديث رقم 236 .
[8] - من المقتضيات التي تؤكد تنامي الوعي القانوني لدى المجتمع الدولي بالخصوص مبدأ المساواة بين الزوجين نشير إلى ما يلي :
المادة 16 من ميثاق حقوق الإنسان تنص على : " أن الزوجين متساويان في الحقوق لدى تزوج و خلال قيام الزواج و لدى انحلاله " .
المادة 23 من العهد الدولي   للحقوق المدنية و السياسية في فقرتها الرابعة تنص على ما يلي : " تتخذ الدول الأطراف في هذا العهد التدابير المناسبة بكفالة تساوي حقوق الزوجين و واجباتهما لدى التـزوج و خلال قيام الزواج و لدى انحلاله ... " .
- المادة 5 من اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة تنص على أن : " تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي :
أ: تغيير الأنماط الاجتماعية و الثقافية لسلوك الرجل و المرأة بهدف تحقيق القضاء على التحيزات و العادات العرفية و كل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر ، أو على أدوار نمطية للرجل و المرأة".
[9] - العديد من الدساتيـر الحديثـة تحرص على ضرورة حماية الأسرة في إطار مبدأ المسـاواة بين الزوجيـن، و بخصوص الدستور المغربي يؤكد في مادته 5 على مبدأ المسـاواة بين الجنسين أمام القانـون ، كما يؤكد في ديباجته حرص المغرب على احترام المواثيق و الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان كما تم التوقيع و المصادقة عليها ، لذلك فأغلب التعديلات و الإصلاحات التي تدخل على المنظومة القانونية المغربية يؤطرها هاجس تحقيق المساواة بين الرجل و المرأة.
[10] - إدريس الفاخوري : " بعض مظاهر قيام حقوق الإنسان في    مدونة الأسرة " ، الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة ، سلسلة الندوات و اللقاءات و الأيام الدراسية ، وزارة العدل – المعهد العالي للقضاء ، مكتبة دار السلام 2004 ، ص : 153 إلى 159 .
[11] - يشكل الاختصاص المحلي في القضايا المرتبطة بتطبيق مسطرة الشقاق ، استثناء من المبدأ العام المنصوص عليه في الفصل 37 من ق.م.م و الذي يقضي بأن المدعي يتبع المدعى عليه   و هذا الاستثناء كرسه الفصل 112 من ق.م.م بنصه على أنه :" يقدم وفق الإجراءات العادية مقال التطليق إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرة نفوذها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو التي أبرم فيها عقد الزواج " .
[12] - بخصوص أهلية التقاضي بين الزوجين تنص المادة 22 من مدونة الأسرة : " يكتسب المتزوجان طبقا للمادة 20 أعلاه ، الأهلية المدنية في ممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلـق بآثار عقد الزواج من حقـوق و واجبات ..." ، و طبقا للمادة 20 يجوز لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن طبقا للشروط المحددة في هذه المادة ، بزواج الفتى و الفتاة دون سن أهلية الزواج المنصوص عليه في المادة 19 و هو 18 سنة شمسيـة، الذي يعتبر كذلك سن الرشد المدني لممارسة حق التقاضي .
[13] - من الآراء التي تنم عن سوء فهم المضاميـن الحقيقية لمسطـرة الشقاق كونها تمثـل ثورة نسائية داخل مؤسسة الأسـرة ، و لنا رأي في الموضوع سنتعرض له عند الحديث عن مبررات تطبيق مسطرة الشقاق .
[14] - حكم عدد 730 صادر بتاريخ 10/11/2005 في الملف الشخصي رقم 215/05 ( غير منشور ) .
[15] -   سورة النساء ، الآية : 3 .
[16] - تنص المادة 40 من مدونة الأسرة : " يمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات ، كما يمنع في حالة وجود شرط من الزوجة بعدم التزوج عليها " .
[17] - لم يحدد المشرع المقصود بالمبرر الموضوعي الاستثنائي الذي يجب أن يثبته مريد التعـدد حتى يستجـاب لطلبه ، و إنما ترك ذلك للفقـه و القضاء الذي يستنتجـه ضمن ظروف و وقائـع كل قضية تعـرض عليه ، و مبررات التعدد قد ترجع   إلى حالات المرض و العاهات المؤثرة على المعاشرة الزوجيـة و الرغبة في إنجاب الأولاد إذا كانت الزوجة مصابة بالعقم .
[18] - يتعين على طالب التعدد أن يرفق طلبه طبقا للمادة 42 من مدونة الأسرة بإقرار عن وضعيته المادية لتتأكد المحكمة من قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية تجاه الأسرتين و يضمن العدل و المساواة بينهما .
[19] - إدريس حمادي ، " البعد المقاصـدي و إصـلاح مدونـة الأسرة " ، مطبعة إفريقيـا الشـرق ، 2005 ص : 166.167 .
[20] - من هذه الصلاحيات تلك المنصوص عليها في المادة 53 من المدونة بخصوص تخويلها حق التدخل لإرجاع المطرود من الزوجين إلى بيت الزوجية حالا مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة   بأمنه و حمايته ، و ذلك في حالة قيام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية بدون مبرر .
[21] - حسـن بيـوض : " صلاحيات النيابة العامة في تفعيل مدونة الأسرة " ، مجلة المعيار ، عدد 32   ص : 144 – 16.
[22] - سورة النساء ، الآية : 35.
[23] - محمود محمد علي : الطلاق بين الإطلاق و التقييد ، دار الاتحاد العربي، طبعة 1398 هـ/ 1978 م/   ص : 242 .
[24] - ابن العربي : أحكام القرآن ، دار إحياء الكتب العربية ، المجلد الأول ، الطبعة الأولى ، ص : 176 .
[25] - الحطاب :   مواهب الجليل على مختصر خليل ، الجزء الرابع ، ص : 16 .


المبحـث الثانـي : مبــررات تطبيـــق مسطـــــرة الشقــــاق

باستقرائنـا لمقتضيات المواد 94 و 52 و 100 و 120 و 124 من مدونة الأسرة، يتضح جليا أن مبررات تطبيق مسطرة الشقاق تنقسم إلى   سبب رئيسي يتعلق بوجود نزاع بين الزوجين يخاف منه الشقاق   ( المطلب الأول ) و باقي الأسباب نجملها في الحالات الأخرى لتطبيق مسطرة الشقاق ( المطلب الثاني ).
  
المطلـب الأول : وجـود نـزاع بين الزوجيـن يخـاف منـه الشقــاق

إن المبـدأ الأسمى الذي ينبغي أن تتأسس عليه الحيـاة الزوجيـة قوامـه التشاور، و التفاهم، و المودة، و أداء كل منهما دوره على أحسن وجـه، و احترام حقوق الآخر، و الحرص على خير الأسرة و استمرارها، تحقيقا للغاية التي شرع الله تعالى من أجلها الزواج بقوله: ) و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة ( ( [1]) ، فالعلاقة الزوجية من المنظور الإسلامي علاقة سكن و تساكن تنشرح فيها النفوس و تتصل بها المودة و الرحمة.
بيد أنه قد يطرأ على الحياة الزوجية ما يكدر صفوفها و يعكر صفائها بفعل اختلاف الطباع و الأدوار بين الزوجين ، مما يجعل الأسرة تواجه صعوبات من شأنها أن تعصف باستقرارها، فمن الناذر أن تخلو حياة الأسرة من أحداث و أزمات تؤدي إلى حدوث نزعات بين الزوجين تختلف طبعا من حيث نوعيتها و تأثيرهـا، فقد تكـون هذه النزاعات بسيطة ثم تتطور لتصبح شقاقا يستعصي معه دوام العلاقة الزوجية، و يحتمل أن يتلوها التوافق و التفاهم بينهما، مما يتيح لهما الاستمرار في جو أسري يطبعه الاستقرار كحالة طبيعية يفترض أن تكون عليها كل أسرة، لأن في استقرارها استقرار المجتمع و في تفككها إصابته بالتصدع و الشقاق.
ونظرا لكون القانون يهدف إلى ضبط و تنظيم العلاقات الأسرية   من خلال حرصه على ضمان تحقيق التعايش الفعلي بين الزوجين، فقد عمد المشرع من خلال مدونة الأسرة إلى صياغة قواعد قانونية مبسطة تيسر للزوجين إمكانية التظلم أمام القضاء، تجسدها المقتضيات المنظمة لمسطرة الشقاق.
فكثيرة هي الحالات التي تكون فيها النزاعات الزوجية بسيطة يمكن حلها، غير أن السكوت عنها و تكررها و استمراريتها يؤدي إلى تطورها و احتدامها إلى أن تصبح شقاقا، يتعذر معه التوفيق بين الزوجين و يقتضي حله الحكم بالتطليق بينهما، لذلك فإن العديد من الأحكام القضائية التي صدرت   بالطلاق أو التطليق غالبا ما كانت تتأسس على أسباب واهية بالإمكان تفاديها لو تريثا الزوجين و قدرا جيدا العواقب الوخيمة لتفكك الأسرة.
وإذا كان الخوف من الشقـاق الذي قد ينجم عن النـزاع الواقـع بين الزوجيـن، يعتبر المبرر الرئيسي لتطبيق مسطرة الشقاق، فإن المشـرع المغربي لم يعرف هذا الأخير كما فعل بالنسبة للضرر ( [2])   كما لم يحدد نماذج للنزاع المفضي إليه، ولعل هذا ما يفسر الغموض الحاصل حول المضاميـن الحقيقية لمسطرة الشقـاق، حيث ذهب البعض إلى القول أنها تعبر مسطرة جديدة الغاية منها توسيع حالات حق طلب التطليق الممنوح للزوجة، فالتطليق للشقاق بالنسبة لها يقابل حق الزوج في الطلاق، و بذلك فمسطرة الشقاق وفق هذا الرأي تشكل ثورة نسائية داخل مؤسسة الأسرة جاءت لتحرير المرأة من جبروت و تسلط الزوج، بطلبها التطليق للشقاق الذي يعتبر الحكم به مسألة حتمية متى تمسكت به ( [3])، و لعل هذا   ما يفسر ارتفاع نسبة طلبات التطليق للشقاق بعد صدور مدونة الأسرة، و الحقيقة أن هذه المسطرة كما يستشف ذلك من المقتضيات القانونية المنظمة لها، تمثل مظهرا بارزا من مظاهر اتخاذ الزوجين أو أحدهما مبادرة اللجوء إلى القضاء لطلب حل كل نزاع بينهما يخشى أن يؤثر سلبا على مصير علاقتهما الزوجية ، حيث   يمكن أن ندرج على سبيل المثال كنماذج لبعض الأسباب التي من شأنها أن تفضي إلى الشقاق بين الزوجين ما يلي ( [4]) : النشوز بمختلف مظاهره، السكر العلني و كثرة التدخين داخل بيت الزوجية، الإهمال ، تسلط الزوج أو الزوجة ... الخ.
أما الشقاق فيعرف لغة من شق يشق شاقه أي خالفه و عاداه، و في القرآن الكريم : ) ذلك بأنهم شاقـوا الله و   رسوله و من يشاقق الله و رسوله فإن الله شديد العقاب ( ( [5]) ، وعرفه ابن منظور بأنه : » غلبـة العـداوة والخلاف، شاقـة مشاقة شقاقا خالفه، والشقاق العداوة بين فريقيـن و الخلاف بين اثنين   « ( [6]) ، أما في الاصطلاح الفقهي والقانوني فيعرف بأنه الخلاف العميق و المستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجية في الحال و المآل ( [7]).
بعد هذا التحديد لكل من الشقاق و النزاع المفضي إليه، تجب الإشارة إلى أن من مظاهر سوء فهم روح مسطرة الشقاق، كما يؤكد ذلك الواقع العملي الذي تعكسه الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع، أن العديد من الطلبات التي تقدم بشأن التطليق للشقاق، تجعل هذا الأخير مستوعبا لكافة الأسباب الأخرى المبررة لطلب التطليق المنصوص عليها في المادة 98 من مدونة الأسرة، و نورد على سبيل المثال نماذج لبعض تلك الأحكام الصادرة عن بعض أقسام قضاء الأسرة بالمملكة :
-                حكم صادر عن ابتدائيـة الرماني بتاريخ 29 أكتوبر 2004 قـضى بالتطليق للشقاق بسبب العجز الجنسي للـزوج، جاء فيه: » ... و حيث أسست الزوجة الأسباب الداعية لطلبها على كون الزوج يعاني عجزا جنسيا نتج عنه أنها لازالت بكرا رغم معاشرته لها معاشرة الأزواج مما أثر على نفسية الرجل و تعذر عليها الاستمرار معه على هاته الحالة رغم مرور حوالي ثلاث سنوات على زواجهما، و أنه أمام تخلف الزوج ونفيه أو إثباته لهاته الوقائع تعذر على المحكمة محاولة الصلح بينهما، و حيث أن الشقـاق هو الخلاف العميـق و المستمر بين الزوجين لدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجية دون تحديد المشرع للحالات محددة داخلة في نطاقه، بل هو مفهوم واسع وعام لا يشمل حالات بعينها، و حيث أنه بمقتضى المادة 97 من مدونة الأسرة فإنه في حالة تعذر الإصلاح و استمرار الشقاق تحكم المحكمة بالتطليق و بالمستحقات طبقا للمواد 83 و 84 و 85 من المدونة، و حيث تكون بهذه الإجراءات المتعلقة بمسطرة الشقاق قد استوفت شكلها المنصوص عليها في الفصول 94 إلى 97 « ( [8]) .
-                حكم صادر عن ابتدائية طنجة – قسم قضاء الأسرة – بتاريــخ 15/5/2005 قضى بتطليق الزوجة من زوجها للشقاق لكونه يعتدي عليها بالضرب و لا ينفق عليها    وأنه يهددها بالقتل و يشتمها، جاء فيه : » بناء على مقال الدعـوى المسجل بكتابة الضبـط عند المحكمة بتاريخ 03 يناير 2005 و المعفي من الرسوم القضائية بقوة القانـون ، و الذي تعرض فيه المدعية أنها زوجة المدعى عليه على سنة الله و رسوله   وأنها لها منه أبناء ... و أنه يعتدي عليها بالضرب و لا ينفق عليها وأنه يهددها بالقتل   ويشتمها و لأجله، فإنها تلتمس الحكم بتطليقها للشقاق ... « ( [9]) ، و كذلك قضت نفس المحكمة في حكم آخر بالتطليق للشقاق لكون الزوج يعرض زوجته لمجموعة من الإهانات و الضرب و أنه يغيب عليها لمدة طويلـة، مما جعل استمرار العلاقة الزوجية بينهما أصبحت مستحيلة ( [10]).
-                حكم صادر عن ابتدائية تاونات – قسم قضاء الأسرة – بتاريخ 26/01/2004 قضى بالتطليق للشقاق لكون الزوج لم يعاشر زوجته بالمعروف و يعرضها للضرب و الشتـم باستمرار ، فضلا عن إهماله لها و طردها من بيت الزوجيـة،    ومما جـاء فيـه : » بناء على المقال الافتتاحي الذي تقدمت به المدعية بواسطة محاميها ... و الذي تعرض فيه أنها متزوجة بالمدعى عليه بمقتضى عقد النكـاح ... وأنه منذ تاريخ الزواج لم يعاشرها بالمعروف و يعرضها للضرب و الشتـم باستمـرار فضلا عن إهماله لها و طردها من بيت الزوجيـة مما لم تعد معه مطيقـة نفسيـا و عصبيا الاستمرار معه و أضحت غير مرتاحة لمعاشرته و قررت عدم الالتحاق به، لذلك تلتمس الحكم بتطليقها منه و الحكم بالمستحقات المنصوص عليها في المـواد 83 و 84 و 85 لمدونة الأسـرة ... « ( [11]) .
وبذلك فلئن كان المشرع قد توخى من إخضاعه للطلاق الذي هو من حق الزوج لرقابة و إشراف القضاء، الحيلولة دون المبالغة و التعسف في اللجوء إليه تفاديا لكل المشاكل الناجمة عن ذلك، فإنه في ظل ما يجري به العمل بخصوص التطبيق القضائي لمسطرة الشقاق، يكون قد فتح بابا واسعا تستطيع الزوجة من خلاله ولوج القضاء لطلب التطليق للشقاق، والحصول عليه متى تمسكت به بناء على أسباب تتضرع بها ولو كانت تتعلق بحالات   أخرى لطلب التطليق، على اعتبار أن الشقاق يستوعبها جميعها في ظل غياب التعريف التشريعي له يحدد نطاقه و يحصر حالاته، في حين أنه مادام أن المشرع حدد في مدونة الأسرة لكل سبب من أسباب التطليق المنصوص عليها في المادة 98 أحكامها و مسطرتها الخاصة بها، فإن المنطق القانوني يقتضي أن تبادر المحكمة إلى عدم الاستجابة لطلبات التطليق للشقاق، إلا إذا كانت مؤسسة حسب قناعتها على مبرر موضوعي و مقبول، يكشـف في عمقـه عن وجود نزاع عميـق و مستمر يتعذر معه استمرارية العلاقة الزوجية، وذلك بعد قيامها بكل الإجراءات القانونية الضرورية التي توصلها إلى هذه القناعة.
عموما فالسماح للزوجين أو أحدهما باللجوء إلى القضاء لطلب حل كل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق، من شأنه بناء على ما سبق أن يساهم في معالجة بعض الأسباب الكامنة وراء ارتفاع نسبة الطلاق و التطليق ببلادنا، إذا ما تم تفعيل الإجراءات المسطرية لدعـوى الشقاق في اتجاه يراعي هاجس الحفاظ على استقـرار و تماسك الأسرة، تفنيذا للرأي السائد بكون مسطرة الشقاق وسيلة سهلة للحصول على التطليق في أقـرب وقـت وبأبسط الإجراءات.

المطلـب الثانـي : الحـالات الأخـرى لتطبيـق مسطـرة الشقــــاق

هذه الحالات التي يحيل بشأنها المشرع من خلال بعض مواد مدونة الأسرة على مسطرة الشقاق، تشكل في الحقيقة تطبيقات للسبب العام و الرئيسي المتمثل في وجود نزاع بين الزوجين يخاف منه الشقاق، حيث تتحدد على سبيل الحصر فيمـا يلــي :
أولا       : إخلال أحد الزوجين بواجباته.
ثانيا      : عدم إثبات الزوجة للضرر الموجب للتطليق.
ثالثا       : عدم استجابة الزوج لطلب الخلع المقدم من طرف الزوجة.
رابعا     : رفض الزوجة للرجعة.
وسندرس بتفصيل كل حالة على حدة من هذه الحالات المبررة لتطبيق مسطرة الشقاق.


الفقـرة الأولـى : إخـــلال أحـــد الزوجيـــن بواجباتـــه

يعتبر عقد الزواج من أهم و أخطر العقود التي يمكن للإنسان أن يبرمها في حياتـه، نظرا للآثار التي يرتبها تجاه طرفيه و المجتمع بشكل عام، فخصوصيته من زاوية آثاره اقتضت تدخل الشرع الإسلامي لتنظيم حقوق و واجبات الزوجين حرصا على و حدة الأسرة، يقول تعالى : ) و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف ( ( [12]) .
فأهم ما يتطلبه الاستقرار الأسري و يحقق للزوجين أجواء السكينة و الراحة النفسية ويدعم روح المودة و الرحمة بينهما، معرفة كل منهما لواجباته تجاه الآخـر وحسن قيامه بها، ذلك أن من أهم الآثار الناتجة عن عقد زواج صحيح إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين،   متمتعين بحقوقهما و متحملين لواجباتهما التي رتبتها عليهما الشريعة الإسلامية و نظمها القانون بقواعده المنظمة للعلاقة الزوجيـة، و بذلك فجعلية آثار عقد الزواج جعلته يختلف عن باقي العقـود المدنيـة التي يحكمها مبدأ سلطـان الإرادة ( [13]).
وقد حددت مدونة الأسرة الآثار الشرعية لعقد الزواج في مادتها 51 التي تنص على أن : » الحقوق و الوجبات المتبادلة بين الزوجين:

1-                   المساكـنة الشرعية بما تستوجبه من معاشـرة زوجتـه وعـدل و تسوية عند التعدد، وإحصان كل منهما و إخلاصه للآخـر بلزوم العفـة و صيانة العـرض و النسل.
2-                   المعاشرة بالمعروف و تبادل الاحترام و المودة و الرحمة       والحفاظ على مصلحة الأسرة.
3- تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير و رعاية شؤون   البيت   والأطفال.
4- التشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير شؤون الأسرة    والأطفال و تنظيم النسل.
5- حسن معاملة كل منهما لأبوي الآخـر ومحارمـه واحترامهـم وزيارتهم و استزارتهم بالمعروف .
6-  حــق التـوارث بينهمــا « .
وبذلك فمدونة الأسرة من خلال هذه المادة جاءت بصياغة جديدة لآثار عقد الزواج بالنسبة للزوجين، بالجمع بين حقوقهما و واجباتهما على اعتبار أن ما يعتبر حقا لأحدهما فهو واجب على الطـرف الآخر، خلافا لما كان عليه الوضع في ظـل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، حيث كانت تقسم تلك الآثار إلى حقوق و واجبات بين الزوجين ( [14])، وحقوق المرأة على الزوج ( [15])، و حقوق الزوج على المرأة ( [16]).
وإذا كانت الغاية من هذا التنظيم التشريعي لآثار عقد الزواج، ضمان الاستقرار الفعلي للعلاقة الزوجية، فإن إخلال أحد الزوجين بواجباته تشكل من المنظور القانوني خرقا للقانون و للمبادئ التي يقوم عليها عقد الزواج، لذلك فالطرف المتضرر منهما يمكنه اللجوء إلي القضاء لإلزام المخـل بالتنفيذ العيني أو الشخصي متى كان ممكنا،وعند الاقتضاء اللجوء إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق طبقا للمادة 52 من مدونة الأسرة.
وفيما يلي نموذجا لحكم قضائي صادر عن ابتدائية الناظور حول تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية قضى بالتطليق للشقاق بسبب إخلال الزوجة بواجباتها، جاء فيه: » و حيث أنه بالرجوع إلى وثائق الملف و خاصة الحكم الأجنبي المراد تذييله بالصيغة التنفيذية من خلال ترجمته إلى اللغة العربية، يتضح أن المدعي قد استصدر عن القضاء الفرنسي حكم ا قضى بالتطليق بينه وبين زوجته، وعللت المحكمة الأجنبية حكمها بكون زوجته قد غادرت بيت الزوجي ـ ة دون عذر، و أن هذه الواقعة تشكل خرقا خطيرا ومتجد دا لالتزامات و واجبات الزواج مما يجعل الابتعاد عن الحياة المشتركة شيئا لا يطاق، وحيث أن هذا الحكم قد صدر عن جهـة قضائية مختصـة وأصبح نهائيا بدليل تسجيله ضمن السجل المدني للوثائـق الملحقة، كما أنه لم يمس في أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي، و أسس على سبب من أسباب التطليق الواردة في مدونة الأسرة و هو الشقاق للإخلال بالواجبات المتبادلة بين الزوجين « ( [17]) .

الفقـرة الثانيـة : عـدم إثبات الزوجـة للضرر الموجـب للتطليــــق

إن مناط الحكم بالتطليق المؤسس على أحد الأسباب المنصوص عليها في مدونة الأسرة دفع الضرر قبل أو بعد حصوله، مصداقا لقوله تعالى : ) و لا تمسكوهـن ضرارا لتعتدوا   و من يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ( ( [18]) و قولـه سبحانـه : ) فإمساك بمعروف أو تسريـح بإحسـان ( ( [19]) و قولـه أيضـا : ) و لا تضاروهـن لتضيقوا عليهـن ( ( [20]) ، حيث اعتبر التطليق للضرر من أكثر صور التطليق التي كانت رائجة أمام المحاكم المغربية في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، لكونه يستوعب عمليا حالات كثيـرة للإضرار بالزوجةطبقا لفصلها 56 الذي كان ينص على مـا يلـي:
( التطليق للضرر :
1-  إذا ادعت الزوجة على زوجها إضراره بها بأي نوع من أنواع الضرر الذي لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهـا، و ثبت ما ادعتـه و عجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها عليه.
2-  إذا رفض طلب التطليق و تكررت الشكوى و لم يثبت الضرر ، بعث القاضي حكمين للسداد بينهما ... ).
فهذا الفصل يعطي للضرر الموجب للتطليق مفهوما عاما ( [21])   يخضع في تقديـره و إثباته لسلطة القاضي، حيث كان بإمكان المرأة أن تطلب التطليق لأي ضرر كان كيفما كان نوعه، ماديا كالإيذاء الجسدي   أو معنويا كالشتم و الإهانة التي يوجهها الزوج لها أو لأفراد عائلتها، و سواء حصل الضرر منه مباشرة أو من غيره مادامت واجباته الزوجية تفرض عليه تجنيبها منه، كالضرر الذي يلحق الزوجة من أفراد عائلته الذين يسكنون معها ( [22]).
غير أن الزوجة عندما تطالب بالتطليق للضرر تصطدم بعقبة إثبات إضرار الزوج بها، كمظهر من مظاهر إشكالية الإثبات التي يعاني منها المتقاضيـن أمام القضاء، ذلك أن وجه الصعوبة يتمثل في خصوصية العلاقة الزوجية، فحتى عندما يكون الضرر حقيقيا أحيانا من الناذر أن يمارس أمام الشهـود ، مما يجعل إثباته متعذرا ( [23])، فكيف و الحالة هذه يمكن تصور استمرار العلاقة الزوجية في ظل غياب أي تفاهم بين طرفيها   بسبب إضرار أحدهما بالآخر ؟، فإكراه الزوجة المتضررة على الاستمرار في الحياة الزوجية مع رجل تكرهه ، بسبب عدم إثباتها للضرر الموجب للتطليق وعدم إعطائها مقابل ذلك إمكانية أخرى لتسوية هذا المشكل، من شأنه أن جعل لهذا الإجتماع اللامرغوب فيه آثارا سلبية و خيمة لا تقتصر على الأسرة فحسب بل تمتد لتشمل المجتمع الذي يحتضنها.
لذلك   رغبة من المشرع في إيجاد حلول قانونية للعديد من الأوضاع التي كانت شائكة في ظل مدونة الأحوال الشخصية، فقد أتاح طبقا للمادة 100 من مدونة الأسـرة للزوجة التي لم تثبت الضرر و أصرت على طلب التطليق، إمكانية اللجوء إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق بنصها على أنه: » إذا لم تثبت الزوجة الضرر، وأصرت على طلب التطليق، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق « .
وقد دفعت هذه الإحالة بعض الفقه المغربي إلى اعتبار أن سلوك مسطرة الشقاق في حالة فشل إثبات الضرر وتكرر الشكوى، كان منصوصا عليـه في الفصل 56 من مدونة الأحوال الشخصية ( [24])، و بالتالي فهي في اعتقاده لا تعدو أن تكون دعوى تطليق للضرر، مع فرق بسيط هو أنه خلافا لما كان عليه الحال في مدونة الأحوال الشخصية التي لم تكن تجز بعث الحكمين إلا بعد ثبـوت الضرر وتكرر الشكوى، يمكن حاليا في ظل مدونة الأسرة اللجوء مباشرة إلى دعوى الشقاق دون المرور عبر دوى التطليق للضرر، وبذلك فالفهم الدقيق لمسطرة الشقاق دائما حسب هذا الرأي يتوقف على فهم المقتضيات المنظمة للتطليق للضرر في النظام القانوني السابق، على اعتبار أن الضرر مناط التطليق أما باقي أسبابه الأخرى و منها الشقاق فهي مجرد تطبيقات لهذا السبب العام   مما يفسر أن بعض الكتابات الفقهية التي تناولت موضوع التطليق في ضوء الفقـه الإسلامي تدمج بين الضرر و الشقـاق   تحت عنوان : التطليـق للضرر و الشقاق ( [25]).
ورغم واجهة هذا الرأي، فإن التشابه المشار إليه بين مسطرة التطليق للضرر في ظل مدونة الأحوال الشخصية و مسطرة الشقاق في مدونة الأسرة، لم يعد له ما يبرره حاليا لاختلاف المقتضيات القانونية المنظمة لكل منهما، بحيث إن مسطرة الشقاق أصبحت تعتبر حلا تشريعيا بديلا   تلجأ إليه الزوجة بعد سلوكها دعوى التطليق للضرر   وفشلها في إثباته.

الفقرة الثالثة : عدم استجابـة الزوج لطلـب الخلع المقدم من طـرف الزوجـــة

حرصا على عدم جعل الرابطة الزوجية غلا في عنق الزوجة و قيدا لا فكاك لها منه، فقد جعل لها الشرع و القانون طريقة يمكن لها من خلالها أن تفك عصمتها من زوجها رغم عدم توفرها على أي سبب من الأسباب الموجبة للتطليق، و هي التي يصطلح عليها فقها و قانونا بالخلـع.
ويعرف الفقهاء الخلع بأنه: عقد معاوضة تملك به المرأة نفسها و يملك به الزوج العوض، وعرفوه كذلك بأنه صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بسبب عوض عن التطليق ( [26])، أما المشرع المغربي فقـد نظم أحكام الطلاق الخلعي في المواد 115 إلى 120 من مدونة الأسرة، حيث يشترط لتوقيع هذا النوع من الطلاق توافر شرطيـن أساسيـن :
1-                   تراضي و اتفاق الزوجين على الخلع.
2-                   عدم المساس بحقوق الأطفال إذا كانت الأم معسرة.
وبذلك فالطلاق بالخلع يقوم على مبدأ الرضائية ، حيث تنص المادة 115 على أن: » للزوجيـن أن يتراضيا على الطـلاق بالخلع   طبقـا لأحكـام المادة 114 أعلاه « ، حيث يعتبر بذلك نموذجا للطلاق الاتفاقي الذي يمكن من خلاله للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية، بدون شروط أو بشروط لا تتنافى مع أحكام مدونة الأسرة    ولا تضر بحقوق الأطفال.
وضمانا لمبدأ الرضائيـة في إنهاء العلاقة الزوجيـة عن طريـق الطلاق بالخلع، فإن المشرع أحاطـه   بضمانات قانونيـة، منها أن غير الراشدة أي دون سن الرشد القانوني إذا خولعت و وقع الطلاق، إلا أنها لا تلزم ببذل الخلع إلا بموافقة نائبها الشرعي ( المادة 116 )، كذلك إذا ثبت أن الخلع وقع نتيجة إكراه و إضرار الـزوج بزوجتـه، فإن هذه الأخيرة و طبقا للمادة 117 يحق لها أن تسترجع ما خالعت به      وينفذ الطلاق في جميع الأحوال ( [27])، فالشرع يحرم على الزوج أن يدفع زوجته إلى مخالعته لقوله تعالى: ) و لا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ( ( [28]) .
وقد ثار خلاف فقهي بخصوص وجوب أو عدم وجوب الخلع عن طريـق القضاء، بمعنى هل يمكن أن ينشئه الزوجان باتفاقهما و تراضيهما فقط، أم لا بد لهما من الالتجاء إلى القضاء لإتمام إجراءاته؟
نظرا لكون الطلاق بالخلع يعتبر كما سبقت الإشارة إلى ذلك نموذجا للطلاق الاتفاقي، فإن إيقاعه لا يقتصر فقط على اتفاق الزوجين على مبدأ الخلع، بل لا بدا من لجوئهما إلى القضاء من خلال تقديمهما طلبا للتطليق مرفقا بالإذن بتوثيقه، حيث تحاول المحكمة ما أمكن الإصلاح بينهما، و إذا تعذر ذلك أذنت بالإشهاد علـى الطلاق وتوثيقه، كذلك اتفق الزوجان على مبدأ الخلع و اختلفا في المقابل فإن مدونة الأسرة في مادته 120 تنص على إمكانية رفع الأمر إلى المحكمة لمحاولة الصلح بينهما، و إذا لم تنجح فيها حكمت بنفاذ الخلع بعد تقدير مقابله، مراعية في ذلك مبلغ الصداق و فترة الزواج و أسباب طلب الخلع و الحالة المادية للزوجة.
أما إذا أصرت الزوجة على طلب الخلع و لم يستجب لها الزوج، يمكن لها طبقا للمادة 120 من مدونة الأسرة اللجوء إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق، لأن مطالبة المرأة بالخلع يؤكد وجود خلاف بينها و بين زوجها، و هذا الخلاف قد يتحول إلى نزاع عميق ومستمر نتيجة عدم استجابة الزوج لذلك، مما يجعلهما يعيشان حالة شقاق يتعذر معها استمرارية العلاقة الزوجية بينهما، والشقاق يفرض على المحكمة الحكـم بالتطليق لفائـدة الزوجـة بعد تأكدهـا من وجوده، من قيامهـا بكل الإجراءات القانونية المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 من المدونـة.
وعليه فاللجـوء إلى مسطـرة الشقـاق في هذه الحالة يعتبـر حلا قانونيا بديلا، أتاحه المشرع للزوجة قصد طلب تسوية النزاع القائم بينها و بين زوجها الذي يرفض طلب الخلع الذي تقدمت به و تصر عليه.


الفقـرة الرابعـة : رفـض الزوجـة   للرجعـة

ينقسم الطلاق شرعا و قانونا إلى رجعي و بائن، و من آثار هذا التقسيم: أن الطلاق البائن ينهي العلاقة الزوجية بمجرد وقوعه، بحيث يمنع على الزوج أن يراجع زوجته خلال فترة العدة إلا بعقد جديد تتوافر فيه كافة الشروط و الأركان المتطلبة في كل عقد زواج صحيح، في حين أن الطلاق الرجعي لا ينهي العلاقة الزوجية حالا      وإنما هو إنذار بهذا الإنهاء الذي يتحقق بانقطاع فترة العدة، و هو ما يعطي للزوج خلالها الحق في أن يراجع زوجته المطلقة لاستئناف حياتهما الزوجية دون حاجة إلى عقد جديد.
وهذا الحق المخول للزوج في الطلاق الرجعي هو الذي يصطلح عليه في الشرع والقانون بالرجعة، حيث عرفها الفقيه ابن عرفة بقوله: » الرجعة رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعـة بالزوجة لطلاقهـا « ( [29]) ، و هو حق ثابت في قوله تعالـى : ) و بعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ( ( [30]) .
ومن المسائل الخلافية حول موضوع الرجعة مسألة الإشهاد عليها، بحيث انقسم الفقهاء بشأنها إلى رأيين: الأول: يرى بأنه يجب على الزوج أن يشهد عدلين على الرجعـة و ذلك لقولـه تعالى: ) و أشهدوا ذوي عدل منكم ( ( [31]) لأن الأمـر إذا أطلق انصرف إلى الوجوب، أما الثاني و من أنصاره الإمام مالك رحمه الله فيعتبر أن الإشهاد أمرا مندوبا لا واجبا، و بذلك فلإشهاد على الرجعة أمرا مستحبا مثل الإشهاد على سائر الحقوق ( [32]) .
هذا الخلاف الرائج في الفقه الإسلامي حول الإشهاد على الرجعة نجد تطبيقاته في العمل القضائي المغربي، بحيث إن المجلس الأعلى باعتباره أعلى جهة قضائية ببلادنا لم يستقر على موقف موحد بخصوص هذا الموضوع كما تؤكد ذلك بعض قراراته، حيث نجده تارة يتبنى الرأي القائل بوجوب الإشهاد على الرجعة بقضائـه: »   ... و أن إعلام العدل السيد الفاسي للمطلوبة برجعتها و سكوتها على ذلك، نعم أن ذلك على فرض ثبوته لا يفيـد مادام لم يتـم ذلك بحضور عدلي الإشهاد بالرجعـة، لأن الرجعة كالنكاح لا تثبت إلا بعدلين « ( [33]) ، و تارة أخرى يأخذ برأي الإمام مالك القاضي بعدم وجوب ذلك   كما جاء في قراره : » بمقتضى المادة 68 من المدونة فإن الزوج من الطلاق الرجعي أن يراجع مطلقته بدون صداق و لا ولي أثناء العـدة،     وبذلك فلمحكمة عندما ثبت لديهـا إرجاع الطاعن من خلال الوثائـق و سلطتها التقديرية لزوجته إلى بيت الزوجية، لم تكن في حاجة إلى التأكد من رسم الرجوع، لأنه كما ذهب إليه جمهور المالكية لا تجب الشهادة في الرجعة و إنما تستحب، و لذلك لم تخرق الفصل 5 من مدونة الأحوال الشخصية الذي لا موجب لتطبيقه، لأنه يتعلق بحالة إرجاع الزوج لزوجته المطلقة « ( [34]) .
ولتجاوز هذا الخلاف نص المشرع في مدونة الأسرة على وجوب الإشهاد على الرجعة و إخضاعها لرقابة القضاء ، ضمانا لحقوق الزوجين و تفاديا لأي نزاع مستقبلي بينهما، بحيث إن الزوج وفقا للمادة 124 إذا رغب في إرجاع زوجته المطلقة طلاقا رجعيا عليه أن يشهد على ذلك عدلين يقومان بإخطار القاضي بذلك، و قبل خطاب هذا الأخير على وثيقة الرجعة يجب عليه استدعاء الزوجة المطلقة لإخبارها بما ينوي الزوج فعله لمعرفة موقفها، فإذا وافقت على الرجوع إلي بيت الزوجية فلا إشكال يطرح، أما إذا امتنعت و رفضت و أصرت على ذلك فإن القانون خولها حق اللجوء إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق، قصد تسويـة هذا النـزاع و ضمان كافة حقوقها الشرعية و القانونية.
وإخضاع الرجعة لهذه الإجراءات القانونية التي يشرف عليها القضاء، لا يعني إفراغها من غايتها الشرعية بقدر ما يعتبر ذلك استجابـة للحاجة الملحة التي أصبحت تفرض ضبط العلاقات الأسرية بالتوثيق، حماية لحقوق أفراد الأسرة و توخيا للعدل   والمساواة و المعاشرة بالمعروف، كضوابط حرص المشرع على ضرورة مراعاتها في كل ما يتعلق بتطبيق مدونة الأسرة.
وهكذا يتضح من خلال دراستنا لهذه المبررات المتعلقة بتطبيق مسطرة الشقـاق، أن المشرع المغربي توخى من خلالها معالجة أوضاع محددة و معقدة تنم عن وجود صعوبات حقيقية تواجهها الأسرة نتيجة النزاع القائم بين الزوجين، و الذي إذا لم يتم سويته قضائيا وفق إجراءات قانونية ستكون له لا محالة نتائج سلبية على أفرادها و على المجتمع برمته.


[1] - سورة الروم ، الآية : 20 .
[2] - يعرف الضرر طبقا للمادة 99 من مدونة الأسرة كما يلي : " يعتبر ضررا مبرر لطلب التطليـق ، كل تصرف من الزوج أو سوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يلحق بالزوجة إساءة مادية أو معنوية تجعلها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة الزوجية " ، كما أن كل إخلال بشرط من شروط عقد الزواج يعتبر طبقا لهذه المادة ضررا يبرر طلب التطليق.
[3] - فوزيـة برج : "مسطرة الشقاق ثورة نسائية داخل مؤسسة الأسرة " ، جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد 7927 ، 5 ماي 005 ، و قد أكدت زهور الحر على حق المرأة في الحصول على التطليق للشقاق متى تمسكت به، " مدونة الأسرة : تحديات التطبيق " ، ندوة : " نساء المتوسط و حقوقهن " فاس ، 28 –29-30 أبريل 2005.
[4] - عبد الصمد خشيع : "مسطرة الشقاق على ضوء مدونة الأسرة" ، مجلد الملف ، عدد 7 ، أكتوبر 2005 ص: 190 و ما بعدها.
[5] - سورة الأنفال ، الآية : 13.
[6] - ابن منظور : لسان العرب ، الجلد العاشر ، ص : 183.
[7] - الدليل العملي لمدونة الأسرة ، وزارة العدل ، سلسلة الشـروح و الدلائل 2004، ص : 81، كما أشار هذا التعريف محمد الشتوي في: الإجراءات الإدارية و القضائية لتوثيق عقد الزواج، المطبقة و الوراقة الوطنية مراكش، طبعة 2004، ص   15 .
[8] - منشور في جريدة العلم عدد 200046 ، الخميس ربيع الأول 1426 الموافق 14 أبريـل 2005   تحت عنوان : " مفهوم الشقاق في مدونة الأسرة : تطليق الزوجة بسبب العجز الجنسي للزوج ".
[9] - حكم رقم 903 ، ملف شخصي عدد 06/2005 ( غير منشور ).
[10] - حكم صادر بتاريخ 14/09/2005 ، رقم 1802 ، في ملف شخصي ، عدد 1145/05 (غير منشور ).
[11] - حكم رقم 67 في ملف شخصي عدد 579/04 (غير منشور) .
[12] - سورة البقرة الآية : 228.
[13] - هذا لا يعني أن عقد الزواج لا يخضع لمبدأ سلطـان الإرادة ، بل إن لهذه الأخيـرة دورا مهما في إنشائـه و إنهائه كما للمتعاقدين إمكانية الركون إلى إيراد شروط خاصة في صلب العقد أو في اتفاقات خاصة   حول هذا الموضوع انظر : إدريس الفاخوري ، " دور الإرادة في عقود الزواج على ضوء مدونة الأسرة "، جريدة الاتحاد الاشتراكي عدد   7442 .
[14] - تتمثل طبقا للفصل 34 فيما يلي :" المساكنة الشرعية – حسـن المعاشـرة و تبادل الاحترام            والعطـف و المحافظة على خير الأسـرة – حق التوارث بين الزوجين – حقوق الأسرة كنسب الأولاد      وحرمة المساهرة "  
[15] - حددها الفصل 35 فيما يلي : " النفقة الشرعية من طعام وكسوة و تمريض و إسكان – العـدل          والمساواة إذا كان الرجل متزوج من واحدة – السماح لزوجة بزيارة أهلها و استزارتهم بالمعروف – للمرأة حريتها الكاملة في التصرف في مالها دون رقابة الزوج إذ لا ولاية للزوج على مال زوجته "
[16] - وردت في الفصل 36 كما يلي : " حقوق الرجل على المرأة : صيانة الزوجة نفسها و بحصانها – طاعة الزوجة لزوجها بالمعروف – إرضاع أولادها عند الاستطاعة – الإشراف على البيت و تنظيم شؤونه – إكرام والدي الزوج و أقاربه بالمعروف " .
من خلال المقارنة بين هذه المقتضيات و تلك الواردة في الفصل 51 أعلاه ، يلاحظ أن المشرع من خلال مدونة الأسرة تبنى أسلوبا جديدا عند حديثه عن حقوق و واجبات الزوجين ، خاصة على مستوى استخدامه مصلحات أكثر إنصافا للمرأة ، حيث عمد إلى إلغاء مصطلح "الطاعة" و تكريس مبدأ المساواة بين الزوجين.
[17] - حكم رقم 448 ملف رقم 1153/2003 بتاريخ 17/05/2004 ( غير منشور).
[18] - سورة البقرة ، الآية : 31.
[19] - نفس السورة ، الآية : 229.
[20] - سورة الطلاق، الآية: 6.
[21] - هذا المفهوم العام للضرر اقتبسه المشرع من المذهب المالكي الذي يعتبر من أكثر المذاهب توسعا في مفهوم الضرر و الشقاق الذي يخول للمرأة حق طلب التطليق.
[22] - أحمد الخمليشي :   التعليق على قانون الأحـوال الشخصية الجـزء الأول ( الزواج و الطلاق )   دار نشر المعرفة ، الطبعة الثالثة ، ص : 585.
[23] - رجاء ناجي مكاوي : " الطلاق و التطليق القضائي : أي مفاضلة بين نظامين لهدم الأسرة "   جريدة العلم عدد 18299 ، الجمعة ربيع الأول 1421 ه الموافق 32 يونيو 2000.
[24] - محمد الشتوي : مرجع سابق ، ص : 214.
[25] - مصطفى السباعي : مدى حرية الزوجين في الطلاق في الشريعة الإسلامية – بحث مقارن – الجزء الثاني، طبعة 1383 ه / 1962 م ، ص : 788 و ما بعدها .
[26] - محمد بن معجوز : "أحكام الأسرة في الشريعـة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية" الجـزء الأول، الطبعة الثانية 1415-1994 ص : 257، نقلا عن ميارة على التحفة 1/234.
[27] - بخصوص وسائل إثبات الضرر الدافع إلى الخلع ، أنظر محمد بن معجـوز مرجع سابق، ص : 260 وما بعدها.
[28] - سورة النساء ، الآية : 9.

[29] - أشار إليه، محمد بن معجوز، مرجع سابق، ص : 302.
[30] - سورة البقرة، الآية : 228.
[31] -   سورة الطلاق ، الآية : 2.
[32] - الشيخ خليل المالكي : مختصر خليل ، طبعة 1401 ه طبعة دار الفكر ، ص : 48.
[33] - قرار عدد 150 الصادر بتاريخ 16 مارس 1981 في الملف الاجتماعي رقم 88867 ، منشور في مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 28 السنة السادسة، دجنبر 1981، ص : 144.
[34] - قرار عدد 828 الصادر بتاريخ 7/02/1984   ( أشار إليه عبد المجيد غميجة في: " موقف المجلس الأعلى من ثنائية الفقه و القانون في مسائل الأحوال الشخصية "، أطروحة الدكتوراه، جامعة محمد الخامس أكدال، السنة الجامعيـة 1999 / 2000 ، ص : 438–439 ).


الفصـل الثانـي : إجراءات تسويـة النزاعات الزوجيـة في دعــــاوي الشقـــــاق

نظرا لكون مسطرة الشقاق ترمي إلى معالجة الصعوبات التي تواجهها العلاقة الزوجية، فإن إجراءاتها تكتسي طابعا وقائيا، حيث إن المحكمة المختصة ملزمة قانونا قبل اللجوء إلى الفصل في دعاوي الشقاق المعروضة عليها عن طريق الحكم بالتطليق، القيام بكافة المحاولات الرامية إلى تسويتها   وديا من خلال الصلح بين الزوجين.
وحيث إن الصلح في دعاوي الشقاق يشكل مبدئيا وسيلة وهدفا في نفس الآن لتسوية النزاعات الزوجية، فإننا سنتعرض له باعتباره حلا بديلا للتطليق ( المبحث الأول ) تتوقف نتيجته على سلوك مسطرة خاصة ( المبحث الثاني ).

المبحث الأول : الصلح حــل بديـــل للتطليـق في دعــاوي   الشقـــاق

في ظل تنامي الوعي بأهمية الطرق البديلة لتسوية المنازعات   خاصة في مجال العلاقات الزوجية ( [1])، حظي الصلح باهتمام بالغ من طرف المشرع المغربي في مدونة الأسرة، بجعله حلا بديلا للتطليق يسمح للزوجين بالمشاركة فيه حماية لاستمرارية علاقتهما الزوجية، وتفاديا للآثار السلبية التي تنجـم عن تفكـك الأسرة، حيث إن الحاجـة العمليـة اقتضت اللجوء إليه مراعاة لطبيعة العلاقة الزوجية التي يغلب عليها طابع السرية و الخصوصية ... الخ.
وبناء عليه فدراسة الصلح كحل بديل للتطليق في دعاوي الشقاق يقتضي التعرض إلى خصائصه ( المطلب الأول )، وضمانات تفعيل إجراءاته ( المطلب الثاني ).

المطلـب الأول : خصائـص إجـراء الصلـح في دعـاوي الشقــاق

يتميز الصلح طبقا للمواد المنظمة له في مدونة الأسرة بمجموعة من الخصائص يشترك في بعضها مع   العقود المدنية الأخرى، و البعض الآخر ينفرد به نظرا لخصوصية المجال الذي يجري فيه، حيث يمكن إجمالها فيمـا يلـي :
- وقوع نزاع بين الزوجين و سبقية رفع دعوى الشقاق
- إلزاميـة القيـام بالصلـح من طـرف المحكمـة
- رضائيـة إجـراء الصلح في دعـاوي الشقـاق

الفقرة الأولى : وقوع نـزاع بين الزوجيـن و سبقية رفـع دعـوى الشقـاق

فلئن كان المشرع المغربي وعلى غرار باقي التشريعات الوضعية المقارنة يسمح في بعض الحالات خاصة في مجال عقود التجارة الدوليـة، باللجوء إلى إجراءات الصلح لتفادي الآثار المستقبليـة التي قد تنجم عن كل نزاع متوقـع حدوثـه، على اعتبار أن عقد الصلح طبقا للفصل 1098 ق . ل . ع   يرمي إلى السماح للمتعاقدين بحسم النزاع القائم بينهما أو الذي يتوقيان وقوعه ( [2])، فإن من الخصوصيات المميزة للصلح في دعاوي الشقاق كتدبير بديل لتسوية النزاعات الزوجية، أن تفعيل إجراءاته يقتضي ضرورة وجود نزاع بين زوجيـن كيفما كانت طبيعته و أسبابه ، أدى الخوف من تحويله إلى شقاق بينهما إلى لجوئهما معا أو أحدهما إلى القضاء، لطلب حله وفق الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 من مدونة الأسرة.
لذلك فمادامت غاية الصلح في دعاوي الشقاق محاولة تحقيق تسوية ودية للنزاعات الزوجية، فإن انتفاء النزاع بين الزوجين يعني بمفهوم المخالفة عدم الحاجة إلى إجرائه بينهما، بحيث إن الصلح و النزاع في الشرع و القانون مرتبطان عمليا من حيث الوجود والعدم ( [3]).
غير أن اشتراط سبقية رفع دعوى الشقاق لإجراء الصلح بين الزوجين، لا ينفي أحقيتهما في اللجوء إليه مباشرة دون الالتجـاء إلى القضاء، لما يتيحه ذلك لهمـا من إمكانية الحفاظ على أسرار علاقتهما الزوجية و عدم إفشائها في جلسات المحكمة، خاصة وأن من مظاهر اهتمام الإسلام بالأسرة حرصه على أن تظل الخلافات التي تنشأ بين الزوجين محصورة في بيت الزوجية بقدر الإمكان، من خلال السعي إلى حلها وفق المنهج الإسلامي لحل النزعات الزوجية الذي يقوم على أساس الصلح بينهما، حيث يقول تعالى في كتابه العزيز: ) و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( ( [4]) ، و قوله سبحانه: ) و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحابينهما صلحا و الصلح خير و أحضرت الأنفس الشح و إن تحسنوا و تتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( و قوله أيضا : و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيـرا ( ، فالمنهج الإسلامي المتكامل بالنسبة لحل النزاعات الزوجية يقوم على أساس الصلح بين الزوجين لمجرد الخوف من وقوعها، مما يعكس هاجسه في الحفاظ على استقـرار و تماسك الأسرة، أما إذا فضل الزوجان أو أحدهما وفق مدونة الأسرة اللجوء إلى القضاء لطلب حل النزاع القائم بينهما، فإن تفعيل إجراءات الصلح بشأنه يتوقف على رفع الدعوى في الموضوع أمام المحكمة المختصة.

الفقـرة الثانيـة : إلزامية القيام بالصلح من طرف المحكمــة

إن أهمية الصلح النظرية والعملية في تسوية النزاعات الزوجية من حيث مساهمته في تخفيف العبء عن القضاء و الخصوم، و تحقيق العدل و نشر السلم الاجتماعي بالمحافظة على استقرار الأسرة، دفعت المشرع من خلال المدونة الجديدة إلى إضفاء الطابع الإلزامي عليه، بحيث إن المحكمة ملزمة باللجوء إلى تفعيل إجراءاته بمجرد عرض النزاع عليها من طرف الزوجين أو أحدهما طبقا للمادة 94 التي تنص على أنه: » إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق وجب عليها أن تقوم بكل المحاولات لاصلاح ذات البين طبقا لأحكام المادة 82 أعلاه « .
 وبذلك فإجراءات الصلح في دعاوي الشقاق مهمة وضرورية لكونها من متعلقات النظام العام، التي لا يجوز للمحكمة مخالفتها أو التغاضي عنها تحت طائلة بطلان الحكم الصادر في موضوع النزاع، لما في ذلك من مس بحق من حقوق الدفاع التي حرص المشرع على أن يمارس من طرف القضاء لمصلحة طرفـي النزاع، وهو ما أكده المجلس الأعلى في العديد من قراراته التي أصدرها في الموضوع، منها قراره الصادر بتاريخ 19 أبريل 1980 الذي جاء فيه: » ... أن إجراء التصالح من النظام العام... « ( [5]) .
وإذا كان المشرع المغربي قد حسم في المرحلة التي يجب أن يجرى فيها الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق، بعد إلغائه للطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة عن قضاء الأسرة، في جانبها القاضي بإنـهاء العلاقة الزوجية طبقـا للمادة 128 من المدونـة ( [6])، فإن تلك المرحلة أثارت خلافا فقهيا وقضائيا في ظل التطبيق القضائي لمدونة الأحوال الشخصية، حول مدى اقتصار إجراء الصلح بين الزوجين على المرحلة الابتدائية بعد إثارة دعوى التطليق، أم يجب القيام به حتى بعد الطعن في الحكم الصادر فيها بالاستئناف، حيث اقتضى حسمه تدخل المجلس الأعلى الذي قضى في بعض القرارات التي أصدرها بهذا الخصوص، أن الصلح باعتباره إجراء أوليا وجوهريا إضافة لتعلقه بالنظام العام، يجب تفعيل إجراءاته في جميع المراحل التي تمر منها الدعوى ابتدائيا و استئنافيا، كما يستفاد من القرار الصادر بتاريخ 12 غشت 1983 الذي جاء فيه: » حيث تبين صدق ما نعته الوسيلة على القرار المطعون فيه، ذلك أن الطاعن تمسك بهذا الدفع أما المحكمة الدرجة الثانية، فأجابت عنه بأن هذا الإجراء لا يكون ضروريا إلا عند عدم قيام الحجة على الضرر في حين أنه سواء في ذلك مدونة الأحوال الشخصية أو قانون المسطرة المدنية في فصله الثاني عشر بعد المائتين جعلا من محاولة الإصلاح بين الزوجين إجراء جوهريا تفتح به دعوى التطليق « ( [7]) .
وفي معرض رده على هذا التوجه الذي نحاه المجلس الأعلى بشأن إجراء الصلح من طرف محكمة الاستئناف أشار الأستاذ أحمد الخمليشي أن الصلح مأمور به قبل المرافعات القضائية، لذلك إذا فشلت محاولاته في البداية و واصل الطرفإن إجراءات التقاضي إلى أن صدر الحكم في الدعوى، فلا تبقى فائدة في فرض الصلح من جهة على محكمة الاستئناف ( [8]) .
ولأجل رقابة مدى احترام المحكمة المختصة لإجراءات الصلح، فإنها ملزمة قانونا بالإشارة إلى نتيجته في الأحكام التي صدرها بخصوص دعاوي الشقاق، لأن القضاة يعلنون معرفتهم للواقع و القانون في ورقة الحكم، ومن خلال هذا الإعلان تتحدد المبررات و الأسباب التي تحمل نتيجة أحكامهم، ذلك أن تسبيب الأحكام يعتبـر من القيود الأساسية المفروضة على سلطة المحكمة في تفعيلها لمسطرة الشقاق، خاصة فيما يتعلق بقيامها بمحاولة الصلح بين الزوجين بناء على إرادتهـم و رضاهم.

الفقـرة الثالثـة : رضائيـة إجـراء الصلح فـي دعــاوي الشقــــاق

يشمل منهج التراضي طبقا للشرع و القانون جميع القضايا و المشاكل التي تمس الحياة الزوجية طيلة مراحلها، فعلى ضوئه يمكن للزوجين أن يجتهدا في إيجاد الصيغ الملائمة لسعادتهما في إطار مقاصد عقد الزواج و نظامه، بحيث إذا كان المشرع من خلال مدونة الأسرة قد خول للمحكمة صلاحيات مهمة بخصوص تفعيل إجراءات الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق، إلا أن نتيجة ذلك تبقى متوقفة على إرادتهما نظرا لكون الصلح يرتكز على أساسين: إرادة أطراف النزاع و إقرار المشرع لهذه الإرادة ( [9]) .
فالصلح باعتبار الغاية منه رفع النزاع و قطع الخصومة بين المتصالحين برضاهما، فإن عنصر التراضي فيه ضـروري و لازم، شأنه في ذلك شـأن باقـي العقود المدنية الأخرى، مما يجعـل منه نموذجا لتطبيـق بعض القواعد المرتبطـة بنظرية العقد عليه، بحيث إذا شابه عيب من عيوب الإرادة كالإكـراه أو التدليس، يمكن نقضه من طرف الطرف المتضرر وفقا للقواعد القانونية المقررة لكل عيب من هذه العيوب ( [10]) .   
ومن مظاهر رضائية إجراء الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق، أن العوض فيه يكون في شكل تنازل متبادل لكل منهما عن حقه في كل ما يدعيه بشأن النزاع القائم بينهما، و تعهده على معاملة الآخر معاملة حسنة وفق ما تقتضيه المعاشرة بالمعروف، عن طواعية و اختيار وعلى سبيل التسامح بينهما ( [11])، فليس هناك في القانـون ما يفيد الوجوب في اللجوء إلى الصلح من طرف الزوجين، لذلك فالمحكمة لا يمكنها أن تباشر محاولات إصلاح ذات البين بينهما إلا بعد استشارتهمـا           و موافقتها و تأكدها من ذلك.
ومما يجدر بنا التأكد عليه أن إجراء الصلح طبقا للمنهج الإسلامي المتكامل بخصوص إنهاء النزاعات الزوجين، يقوم على أساس مبدأ التراضي بينهما، كما يستنتج ذك من قوله تعالى: ) فلا جناح عليهما   أن يصلحا بينهما صلحا، و الصلح خيرا (      و كذلك قوله سبحانه: ) إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ، إن الله كان عليما خبيرا (  فالآيتين الكريمتين تتضمنان ألفاظا توحي بتحبيب الصلح للزوجين لحل خلافاتهما وديا مع إزالة كل ما يشعر   بالإلزام في اللجوء إليه، حتى تكون النفوس سمحة تريد أن تتصالح على الخيرومستحضرة لكل المشاكل الناجمة عن تفكك الأسرة، مما يعكس سمو التشريع الإسلامي في معالجة النشوز والشقاق بين الزوجين.

المطب الثاني : ضمانات تفعيـل محاولات الصلح في دعاوي الشقـــاق

إن التوجه التشريعي الذي نحاه المشرع بخصوص تسوية النزعات الزوجية عن طريق الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق، يجد مبرراته انطلاقا من اهتمامه المتنامي بالأسرة في ه اجس الحفاظ الحفاظ على استقرارها و ضمان   استمراريتها في أداء وظيفتها داخل المجتمع باعتبارها نواته الأساسية، و كذا في رغبة تجنيب أفرادها كافة الآثار السلبية الناجمة عن تفككها، لذلك فإن ضمان تفعيل محاولاته وفق هذا المنظور اقتضى تخويل المحكمة سلطة توجيه مسطرة الشقاق ( الفقرة الثانية )، وبعد تبليغ الزوجين لحضور جلسة أو جلسات التسوية الودية التي تعقدها ( الفقرة الأولى ).

الفقـــرة الأولـى : تبليـــغ الزوجيــن فــي دعــــاوي الشقـــاق

تحقيقا لمبدأ الوجاهية و الحضورية في التقاضي، و احتراما لحقوق الدفاع التي تعتبر من أهم الضمانات الممنوحة للمتقاضين في إطار حسن سير العدالة، فقد خول المشرع المغربي – شأنه في ذلك شأن باقي التشريعات الإجرائية المقارنة – لأطراف النزاع حق العلم بكافة الإجراءات القضائية المرتبطة بمركزهم القانوني في الدعاوي المرفوعة، أو التي تتعلق بكل إجراء أولي لرفعها، و ذلك بتبليغهم بها طبقا لمسطرة التبليغ المقررة قانونا.
فالتبليغ طبقا للقانون يعتبر إجراء قانونيا جوهريـا من إجراءات الدعوى القضائية، إذ يلازمها طيلة مراحلها المسطرية المرتبطة بسريانها، بدءا من افتتاحها     وانتهاء بصدور الحكم فيها مـرورا بمختلف الإجراءات الأخرى التمهيدية والتحقيقيـة، و لعل هذا ما دفع الفقه الإجرائي إلى اعتباره عماد المساطر القضائيـة ( [12]) ، لما ينتجه من آثار قانونية هامة ترتبط بمبادئ لها علاقة بالسير الحسن للعدالة، لذلك فمختلف الآجال القانونية في الدعاوي القضائية تبتدأ من تاريخ التبليغ أي من تاريخ إشعار أو إعلان الطرف المعني.
وقد نظم المشرع المغربي القواعد العلمة للتبليغ في الفصول 37 و 38 و 39 من القانون المسطرة المدنية ، حيث أحاطه من خلالها بمجموعة من الضمانات ترتبط بطرق توجيه الاستدعاء ( [13]) ، و المحل و الأشخاص الذين يصح لهم التبليغ و يصح لهم التسلم ( [14]) ، والوثائق التي يسلم بعضها إلى المبلغ إليه و يرجع ببعضها إلى المحكمة، بما تتضمنه من بيانات قانونية لازمة يمكن الرجوع إليها عند الحاجة للتأكد من نجاعة عملية التبليغ.
إلا أنه رغم هذه الضمانات القانونية المرتبطة بالتبليغ لأجل تفعيل المساطر القضائية، فإن الواقع العملي يثبت أن المشاكـل الإجرائية التي تـؤدي إلى البـطء   وتعرقل عملية تسوية و تصفية النزاعات الأسرية بشكل خاص، سببها معوقات التبليغ   القانونية منها و الواقعية التي تكشف عن وجود خلل في النظام القانوني المنظم لإجراءاته، مما يفتح باب المنازعة في قانونيتها للمطالبة ببطلانها ( [15]) ، يزيد من حدة ذلك عدم استقرار قضاء المجلس الأعلى بخصوص المشاكل القانونية التي تفرزها عملية التبليغ ( [16]) .
لذلك اعتبارا لكون التفعيل الإيجابي لمسطرة الشقاق يقتضي ضرورة تجاوز كل المشاكل الإجرائية المترتبة عن عملية التبليغ، فقد حرص المشرع من خلال مدونة الأسرة على تعزيز التبليغ في دعاوي الشقاق بضمانات قانونية خاصة، تمكن المحكمة من اتخاذ كافة الإجراءات القانونيـة الضرورية لتسويـة النزاعـات المعروضة عليها، من خلال إشراك النيابة العامة لتفعيل مسطرته، و تحريك المتابعة الجنائية في حق الطرف المخل بتلك الضمانات.
فالتبليـغ فـي دعـاوي الشقـاق لا يخلـو من فرضيتين أساسيتين همـا :

الفرضيـة الأولـى : توصل الطـرف المعنـي بالتبليــغ

إن سريان تطبيق مسطرة الشقاق يتوقف قانونا على حضور طرفي النزاع لجلسات المحكمة تحقيقا للوجاهية و صيانة لحقوق الدفاع، و كذلك تمكينا للمحكمة من اتخاذ الإجراءات الكفيلة لمعالجة الصعوبات التي تواجه الأسرة، بفعل النزاع القائم بين الزوجين، لذلك يتعين على الطرف المبادر إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق أن يمكن المحكمة من كافة البيانات و المعلومات الضرورية المرتبطة بهويته و هوية الطرف الآخر، خاصة فيما يتعلق بالاسم و العنوان الحقيقين و الكاملين ،حتى تكون المحكمة ملزمة قانونا بإخبارهما بكل إجراء مسطري يمكن أن تتخذه في مواجهتهما.
وإذا كان التطبيق القضائي لمسطرة الشقاق يقتضي الحضور الشخصي لطرفي النزاع لأجل تفعيل محاولات الصلح بينهما رغم انتـداب كل طرف محام ينـوب عنه، فإنه يستحسـن أن يتم التبليـغ في دعاوي الشقاق إلى الطـرف المعني شخصيا، بعد التأكد من هوية الشخص متسلم الاستدعاء بواسطة الوثائق الإدارية المثبتة لها، مع توقيعه أو بصمه إذا كان لا يعرف التوقيع، و تنبيهه من طرف عون التبليغ أن كل تحايل أو تدليس من طرفه قد يعرضه لعقوبة جنائية، بحيث إذا ثبت توصله شخصيا بالاستدعاء ولم يحضر و لم يمكن المحكمة من وسائل دفاعه في مذكرة مكتوبة، يتم إشعاره من طرف النيابة العامة بأنها ستبت في الطلب في غيبتـه، و إذا استمر في تخلفه عن الحضور رغم التوصل يمكنها عندئذ إصدار حكمها لحسم النزاع المعـروض عليه، إذ مما جـاء في الحكـم القضائـي القاضي بالتطليق للشقاق الصادر عن ابتدائية تاونات – قسم قضاء الأسرة – مـا يلـي : » بناء على إدراج القضية بجلسة 27/07/2005 حضرتها المدعية و إلى جانبها دفاعها الذي أدلى بمذكرة مرفقة بوثائق الصفة وتخلف المدعى عليه رغم التوصل فتقرر إعادة استدعائه لجلسة الصلح بغرفة المشورة لجلسة 21/09/2005 التي حضرتها المدعية وتخلف عنها المدعى عليه رغم التوصل الشخصي وحضر إلى جانب المدعية دفاعها فصرحت بأن المدعى عليه يعنفها دائما بالضرب ولا ينفق عليها ولا يدفع مصاريف علاجها ولها منه أربعة أولاد يمسك عليهن النفقة و يهملها كما أنه لا يقوم بتمريضها رغم حاجتها ، لذلك فتقرر الإعلان عن فشل محاولة الصلح نظرا لتخلف المدعى عليه المتوالي فأكدت المدعية طلبها، وألقي بالملف مستنتجات النيابة العامة الرامية إلى تطبيق القانون، لتقرر بذلك حجز القضية للمداولة ... « ( [17]) .
وللإشارة فالمشرع من خلال المواد المنظمة للتبليغ في مدونة الأسرة و خاصة المادتين 43 و 81، لم يلزم المحكمة باعتماد المسطرة العامة للتبليغ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، لاستدعاء أطراف النزاع في دعاوي الشقاق، مما يعني بمفهوم المخالفة إمكانية اعتمادها على مسطــرة خاصة للتبليغ تكون أكثـر نجاعــة ( [18]) ، خاصة وأن الغمـوض يجب أن يفسـر لما يحقـق مصلحة الأسـرة و الأطفال حماية لقدسية الحياة الزوجية من التفكك و الانهيار.
  الفرضيـة الثانيـة : عدم توصل الطرف المعني بالتبليغ
كل المشاكل القانونيـة والواقعية الناجمة عن عملية التبليغ ترتبط بهذه الفرضيـة، على اعتبار أن تخلف المعني بالأمر نتيجة عدم توصله بالتبليغ، يؤدي إلى تعطيل أو تأخير سريان المساطر القضائية ، لذلك بالنسبة لمسطرة الشقاق فحضور طرفي النزاع مسألة ضرورية، بحيث إذا كان تخلف الطرف المبادر إلى رفع دعوى الشقاق يفهم منه ضمنيا تراجعه عن طلبه، فإن تخلف الطرف الآخر المعني بالتبليغ يعرقل عمل المحكمة بعدم تمكينها من الإحاطة بكل الجوانب المرتبطة بالنزاع، و بالتالي القيام بكل محاولات الصلح بينهما، باعتبـاره إجـراء قانونيـا وجوهريا يمكن للمحكمة على ضوئه إصدار حكم ملائم يراعي حقوق جميع أفراد الأسرة.
لذلك فعندما تستدعي المحكمة الطرف المعني ( الزوج أو الزوجة حسب الأحوال) ويتعذر عليه الحضور، فإن النيابة العامة تتدخل للسهر على تبليغه بالاستدعاء، من خلال البحث عن عنوانه قصد الوصول إلى الحقيقة بما يتوفر لديها من إمكانيات.
وإذا ثبت للمحكمة تحايل أحد طرفي النزاع بإدلائه متعمدا بمعلومات خاطئة عن هوية الطرف الآخر تخص اسمه و عنوانه بالأساس، تحيل الوثائق المثبتة لذلك على النيابة العامة لتطبيق مقتضيات الفصل 361 من القانون الجنائي، المتعلقة بجنحة التوصل بغير حق بوثيقة مزورة أو محاولة ذلك، عن طريق الإدلاء ببيانات كاذبة أو انتحال اسم أو صفة أو تقديم معلومات أو إقرارات غير صحيحة، إلا أن تحريك المتابعة يتوقف على تقديم شكاية من الطرف المتضرر، على غرار باقي الجرائم ذات الطابع الأسري كالإهمال أو السرقة بين الأزواج ... الخ.
وقد أحسن المشرع المغربي صنعا عندما رتب الجزاء الجنائي عن الإخلال بضمانات التبليغ في الدعاوي الرامية إلى تطبيق المساطر القضائية المنصوص عليها في مدونة الأسـرة، لأن من شـأن ذلك أن يساهـم في التقليل من المشاكـل القانونية والواقعية التي تفرزها عملية التبليـغ، و أن يمكن المحكمة من ممارسة سلطتها في مجال تسوية النزاعات الزوجية طبقا للقواعد القانونية المنظمة لها.

الفقـرة الثانيـة : سلطة المحكمة في توجيه مسطـرة الشقـــاق

إن تخويل القضاء سلطة تسيير و توجيه الخصومة، يعكس بجلاء العلاقة الوطيدة بين قواعد الشكل و قواعد الموضوع في الدعاوي القضائية ، ذلك أن قيام القضاء بإضفاء الانسجام بينهما، يهدف إلى ترتيب الآثار القانونية التي جعلها المشرع لكافة الإجراءات المسطرية قصد حل النزاعات المعروضة عليه.
فسلطة المحكمة في المجال الإجرائي تبرز الدور الهام الذي يقوم به القضاء لمنح الحماية القضائية للمتقاضين، والتي بدونها تكون القاعدة القانونية عاجزة عن إنتاج الفعالية الكامنة فيها، بحيث إن التدخل القضائي في توجيه الخصومة   يقوم على أساس أن المصلحة العامة تتطلب ذلك، حفاظا على الضمانات الأساسية للتقاضي التي تحمي في مجملها مصالح الدولة من خلال الرقابة و الإشراف القضائي، و مصالح المتقاضين عبر الحرص على احترام مبدأ الوجاهية و حقوق الدفاع، لذلك فهو يشكل في الحقيقة مظهـرا من مظاهـر السلطة التقديريـة الممنوحة للقضاء، الموجهـة    والمؤطرة بالقواعد القانونية وفقا للمصلحة المحمية بهذه القواعـد عامة كانت أم خاصة ( [19]) .
والتدخل القضائي في مجال تسير و توجيه الخصومة يقتضي تجاوز المفهوم التقليدي السلبي للحياد، الذي يعني اكتفاء القاضي بتقدير ما يقدمه الخصوم من أدلة بالطرق و الإجراءات القانونية، إلى الأخذ بمفهومه الإيجابي التدخلي الذي يعطي له إمكانية الاجتهاد بالبحث و التحري و المواجهة بين الأطراف المتنازعة، اعتمـادا على ما يخوله له القانـون من صلاحيات في هذا الإطـار لأجل توزيـع العدالة بينهـم ( [20]) .
ويجدر بنا التأكيد إلى أن ما انتهت إليه التشريعات الوضعية بخصوص منح القضاء سلطة توجيه الخصومة، سبقها إليه الفقه الإسلامي بإعطائه للقاضي صلاحيات مهمة في هذا المجال، يقول ابن فرحون ( [21]) : » إن نقص من دعواه ما   فيه بيان مطلبه أمره بتمامه، و إن أتى بإشكال أمره ببيانه   فإن صحت الدعوى سأل المطلوب عنها، و إن أبهم المطلوب أمره بتفسيره حتى يرتفع الإشكال و قيد ذلك إن كان فيه طـول و التباس ... « ثم يضيف : » و إن كانت مجملة سألهم عن تفسيرها و إن كانت غير كاملة أعرض عنها إعراضا جميلا ، فأعلم أن المدعـي لم يأت بشيء جديد و منها لا يسمع الدعـوى في الأشياء التافهة الحقيرة التي لا يتشاح العقـلاء فيها « .
ولما كان التوجه التشريعي المكرس في مدونة الأسرة، يرمي إلى جعل كل القضايا المرتبطة بتطبيقها تخضع لرقابة و إشراف قضاء الأسرة، و هو ما يمكن تسميته بالتدخل القضائي في مدونة الأسرة ( La Judiciarisation du code de la famille )، فقد خول المشرع للمحكمة سلطة توجيه مسطرة الشقاق، بحيث إن الفائدة العملية من ذلك تفعيل الضوابط الإجرائية وفقا لظروف كل قضية، للحيلولة دون الظلم والتعسف في استعمال رخصة الالتجاء إلى طلب تطبيقها من خلال التحايل على القانون، خاصة في ظل ضعف الوازع الديني و غياب الوعي القانوني حول المضامين الحقيقية لمسطرة الشقـاق، لذلك فمصلحة الأسـرة بالدرجة الأولى و مصلحة أفرداها اقتضت تقييد حل النزاعات الزوجية برقابة و إشراف القضاء.
والمحكمة أثناء ممارستها لوظيفتها القضائية المرتبطة بتفعيل مسطرة الشقاق تخضع لمجموعة من القيود والضوابط القانونية، منها ما هو عام يتعلق بجميع المساطر القضائية، كاحترام موضوع النزاع طبقا لفصل 3 من قانون المسطرة المدنية، وتسبيب الأحكام الذي يعتبر من أهم الضمانات التي فرضها القانون على القضاة للتأكد من مدى حسن تطبيقهم للقانون، حيث إن التسبيب يضطلـع بـدور هام في تحقيق احترام القانون للمبادئ الإجرائية التي تكفل حياد القاضي بمفهومه العـام ( [22]) ، ومنها ما هو خاص بمسطرة الشقاق تتعلق أساسا بضرورة مراعاة مراحلها الإجرائية، حيث إن المحكمة ملزمة بالقيام بكل المحاولات التي من شأنها أن تؤدي إلى التوفيق وإصلاح ذات البين بين الزوجين، إذ لا يجوز لها أن تحكم بالتطليق إلا بعد استنفاذ كل تلك المحاولات، وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين لما في ذلك من تفكيك للأسرة و الإضرار بالأطفال    ( المادة 70 من مدونة الأسرة )، و كل ذلك مع احترام أجل البت في دعاوي الشقاق المحدد قانونا طبقا للمادة 97 من المدونة في ستة أشهر، الذي تجاوز من خلاله المشرع الفراغ التشريعي الذي كان في ظل مدونة الأحوال الشخصية، بخصوص أجل الفصل في القضايا المرتبطة بانحلال العلاقة الزوجية سواء عن طريق الطلاق أو التطليق، حيث إن طول أجل التقاضي يعرض الأسرة للعديد من المشاكل نتيجة وضعية اللااستقرار التي تكون عليها.


[1] - محمد سلام : أهمية الصلح في النظام القضائي المغربي و المقارن، مجلة المحاكم المغربية، عدد 93 مارس/أبريل 2002، ص : 13 و ما بعدها.

[2] - يجد هذا الفصل مصـدره في المادة 2044 من القانون المدني الفرنسي التي تعـرف الصلـح بما يلـي : "La transaction est un contrat par la quel les parties terminent une contestation née ou préviennent une contestation à naitre ".
[3] - محمـود محجوب عبد النور : "الصلح و أثره في إنهاء الخصومة في الفقه الإسلامي "، الطبعة الأولى   1407ه / 1987 م ، ص : 34 .    
[4] - سورة النساء، الآية 34.
[5] - قرار رقم 164 ، في الملف الاجتماعي عدد 153/81 ( أشار إليه محمد الكشبور في قانون الأحوال الشخصية – الزواج و الطلاق – الطبعة الأولى 1411ه/1991 م .ص : 243 ) .
[6] - جاء في فقرتها الأولى : " المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ طبقا لأحكام هذا الكتاب ، تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية ".
[7] - منشور بمجلة القضاء و القانون عدد مزدوج 133-134 ص :190 و ما بعدها.
[8] - أحمد الخمليشي : مرجع سابق ، ص : 05 .
[9] - يس محمد يحيـى: " عقد الصلح بين الشريعة الإسلاميـة و القانون المدني – دراسـة مقارنـة – فقهيـة، قضائية، تشريعية"، دار الفكر العربي 1978 ، ص : 34.
[10] - من المستجـدات التي جاءت بها مدونـة الأسرة إخضاعها عقد الزواج للقواعد المتعلقة بعيـوب الإرادة ، حيث تنص المادة 63 على أنه : " يمكن للمكره و المدلس عليه من الزوجين بوقائع كان التدليس بها هو الدافع الى قبول الزواج أو اشترطها صراحة في العقد ، أن يطلب فسخ الزواج قبل البناء و بعده خلال أجل لا يتعدى شهرين من يوم زوال الإكراه ، و من تاريخ العلم بالتدليس مع حقه في طلب التعويض".
[11] - هذا التنازل المتبادل بين الزوجين في حالة الصلح ، هو الذي يميـزه عن باقي التصريحات الحاسمـة و الواقعية للمنازعات كالإبراء و ترك الخصومة و اليمين الحاسمة ... الخ .
[12] - عبد الحميد أخريف : محاضرات في القانون القضائي الخاص ، طبعة 2001 – 2002 ، ص : 210.
[13] - ينص الفصل 37 من ق.م.م : "يوجه الاستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط ، أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة إدارية "، و إذا كان المرسل إليه يقطن خارج المغرب فإن الاستدعاء يوجه إليه طبقا للفصل المذكور عن طريق السلم الإداري على الطريقة الدبلوماسية ، عدا إذا كانت مقتضيات الاتفاقية الدولية تقضي بغير ذلك ، كما ينص الفصل 2 من ظهير 25/12/1980 المنظم لمهنة الأعوان الفضائيين لدى المحاكم الابتدائية ينص على أن الأعوان القضائيين يختصون شخصيا بالقيام بعملية التبليغ الازمة للتحقيق في القضايا ، و يمكنهم أن يتكلفوا بتسليم استدعاءات التقاضي ضمن الشروط المقررة في قانون المسطرة المدنية ، بل إضافة إلي ذلك ينص الفصل 39 من هذا الأخير على إمكانية التبليغ عن طريق القيم عند تعذر الطرق الأخرى .
[14] - يشير الفصل 38 من ق.م.م إلى أن الاستدعاء يسلم تسليما صحيحا إلي الشخص نفسه أو في موطنه إلى أقاربه أو خدمه أو لكل شخص آخر يسكن معه.
[15] - حسن بويقين : إجراءات التبليغ فقها و قانونا ، مطبعة النجاح الجديدة ، الطبعة الأولى 2002 ص : 24 و ما بعدها .
[16] - حول موقف المجلس الأعلى بشأن هذه المشاكل القانونية ، يمكن الرجوع إلى : محمد بفقير : مبادئ التبليغ على ضوء قضاء المجلس الأعلى، الطبعة الأولى، 1425 /2005.

[17] - حكم رقم 515 ، ملف عدد 431/2005 بتاريخ 5/10/2005 ، ( غير منشور ) .
[18] - بالإضافة إلى الإجراءات العامة للتبليغ ، نظم المشرع المغربي بعض إجراءاته الخاصة بمقتضى نصوص قانونية أملتها طبيعة بعض القضايا ، منها على سبيل المثال ما يلي :
-                              الإجراءات الخاصة لتبليغ من له حق الشفعة
-                              الإجراءات الخاصة لتبليغ محضر عدم نجاح الصلح
-                              إجراءات تبليغ ورثة المكتري
-                              إجراءات تبليغ الأمر بالأداء
للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع انظر : محمد بفقير ، مرجع سابق ، ص : 159 و ما بعدها .
[19] - نبيل إسماعيل عمر : سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية و التجارية – دراسة تحليلية و تطبيقية   – مطبعة المعا ريف الإسكندرية ، الطبعة الأولى 1984 ، ص : 205 .
[20] - هذا التدخل القضائي في تسيير و توجيه الخصومة ، يصطلح عليه في بعض الأنظمة القانونية المقارنة " بإدارة الدعوى " أي مجموع الإجراءات التي تتم من طرف المحكمة أو تحت إشرافها منذ أول يوم تسجل فيه الدعوى إلى حين البت فيها، ففي أمريكا مثلا يقوم بذلك قاض يسمى :" القاضي   المكلف بإدارة الدعوى "، محمد سلام ، الطـرق البديلة لحل نزاعات : التجربة الأمريكية كنمـوذج ، ندوة : الطرق البديلة لتسوية المنازعات ، منشـورات جمعية نشر المعلومات القانونيـة و القضائية ، سلسلت النـدوات و أيام الدراسية، العدد 2-2004 الطبعة الأولى ص : 76.
[21] - ابن فرحون : التبصرة ، الجزء الخامس ص : 48.
[22] - الطيب برادة : الحكم المدني و صياغته ، ص : 113.


المبحث الثاني : مسطـــرة الصلــــــح في دعـــاوي الشقـــاق و أثرها في إنهاء النزعـات الزوجيـــة
إن تفعيل إجراءات الوساطة بين الزوجين قصد محاولة الصلح بينهما طبقا للمادة 82 من مدونة الأسرة، يقتضي   اعتماد المسطرة القانونية الخاصة بتسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق، و التي يختلف أثرها على وحدة الأسرة حسب النتيجة التي يخلص إليها من خلال ذلك.
وعليه سنقسـم هذا المبحث إلى مطلبيـن كمـا يلـي :

المطلب الأول : مسطرة الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق .

المطلب الثاني : أثر إجراءات الصلح في إنهاء النزاعات الزوجية .


المطلـب الأول : مسطـرة الصلـح بين الزوجين في دعاوي الشقــاق

في إطار السلطة المخولة لها لأجل تسوية النزاعات الزوجية من خلال توجيهها لمسطرة الشقاق، تتمتع المحكمة بصلاحيات مهمة لتفعيل إجراءات الصلح بين الزوجين، بحيث إن المشرع لم يقيد عملها بوجوب اعتماد إجراء معين أو احترام ترتيب محدد للقيام بذلك، بل يمكنها اللجوء إلى أي إجراء من تلك الإجراءات التي ترى فيه إمكانية تحقيق تسوية ودية للنزاع المعروض عليها، تجنيبا للأسرة من المخاطر الناجمة عن تفككها.
لذلك ومن خلال استقرائنا للمواد المنظمة لمسطرة الشقاق في مدونة الأسرة يمكن التمييز بين نوعين من الوساطة لإجراء الصلح بين الزوجين، الأولى قضائيـة و الثانية غير قضائية ( [1]) .

الفقـــــرة الأولـى : الوساطــــة القضائيـــــة

نظرا لأهمية الوساطة القضائية في إنهاء النزاعات الزوجية، فإنها تحظى باهتمام الأنظمة القانونية المعاصرة ( [2])، حيث تتمثل طبقا للقانون المغربي في تلك المساعي التي تبذلها المحكمة المختصة لأجل إيجاد تسوية ودية للنزاع المعروض عليها في دعاوي الشقاق، تتم بحضور الزوجين - بعد استدعائهما وفق ضوابط التبليغ المشار إليها سابقا – شخصيا أو بواسطة دفاعهما في الجلسة الأولى التي تعقدها المحكمة، حيث جاء في الفصل 180 من قانون المسطرة المدنية أنه: » يجب على الأطراف أن يحضروا شخصيا في هذه الجلسة الأولى أو بواسطة ممثلهم القانوني و تجرى دائما محاولة الصلح « ،      والنص على إمكانية الاكتفاء بحضور محامي طرفي النزاع في الجلسة الأولى، نابع من كون المحكمة غالبا ما تكتفي خلالها بالاستماع الأولي،        والمطالبة بتمكينها من البيانات الغير تامة و التي وقع إغفالها و الإدلاء بالوثائق اللازمة ... ، مما يعني أن الحضور الشخصي للزوجين يبقى أمرا ضروريا في الجلسة الموالية لها، و إذا تعذر ذلك تؤجل القضية إلى جلسة أخرى حتى يتأتى لهما ذلك، أو اللجوء إلى إصدار حكم غيابي في حق الزوج الذي تخلف عن الحضور رغم توصله شخصيا بالاستدعاء، لأن في الحضور الشخصي تمكين للمحكمة من الشروع في تفعيل إجراءات الصلح القضائي المنصوص عليه في مدونة الأسرة، و التي تعتبر ضرورية لتسوية النزاع القائم بينهما، حيث لا يمكن اللجوء إليها في غيبتهما و لو عن طريق الوكالة.
 فلئن كان المشرع في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، قد نظم الوكالة في الطلاق طبقا لفصلها 44 مجيزا بذلك للوكيل القيام بكل الإجراءات القانونية الضرورية في هذا الإطار نيابة عن موكله بما فيها محاولة الصلح ( [3]) ، فإنه سكت عن ذلك في المدونة الجديدة مكتفيا بتنظيمها في الزواج ( [4]) ، و هذا السكون يفسر بحرصه على ضرورة الحضور الشخصي للزوجين لإجراء محاولـة صلـح حقيقيـة ، من شأنها أن تؤدي إلى الحفاظ على كيان الأسرة المهدد بالتفكك.
وبخصوص التطبيق القضائي لمبدأ الحضور الشخصي للزوجين في جلسة الصلح، نورد حكما قضائيا صادرا عن قسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية الحسيمة جاء فيه: » حيث أن التطليق للشقاق يقتضي حضور الطرفين شخصيا أمام المحكمة للوقوف على أسباب الشقاق و محاولة تقريب وجهة النظر المختلفة.
وحيث أنه أمام تعذر حضور المدعى عليها أمام المحكمة، يتعذر معه معرفة الشقاق وأسبابه، و كذلك سلوك المسطرة المنصوص عليها في المواد 94 إلى 97 من مدونة الأسرة.
وحيث أنه إبقاء على العلل المذكورة أعلاه يكون طلب المدعي غير ذي أساس ينبغي التصريح بعدم قبوله « .
وبناء عليه فبعد حضور الزوجان ودفاعهما المنتدبان من طرفهما لجلسة الصلح تشرع المحكمة في تفعيل إجراءاته، حيث تجرى المناقشات بغرفة المشورة التابعة لها ( [5]) ، يتم خلالها الاستماع إليهما حول موضوع النزاع وأسبابه، مع تعميق البحث وطرح الأسئلة الهادفة عليهما للإحاطة بكل جوانبه و بالتالي الوصول إلى حقيقته التي تمكنها في حالة فشل محاولة الصلح تحديد مسؤولية المتسبب في الشقاق و استمراره والباعث عليه، لما يترتب عن ذلك من آثار عند الحكم بالتطليق ( [6]) .
إن المحكمة وهي تقوم بالوساطة بين الزوجين لإجراء الصلح بينهما، تضطلع بدور إنساني و اجتماعي جديد يضاف إلى دورها القضائي التقليدي، لذلك إذا تبين لها من خلال المناقشات التي تجر بها أن المصلحة تقتضي تأخير القضية لجلسة لاحقة تلقائيا أو بناء على طلب الزوجين أو أحدهما، فلها أن تفعل ذلك مع إشعار الطرفين بتاريخها ، كذلك يمكنها استدعاء كل من ترى فائدة في الاستماع إليه إذا اقتضت إجراءات الصلح ذلك، مع مراعاة أجل الستة أشهر المحدد قانونا للبث في دعاوي الشقاق.
وإذا بدا لها أن سبب الامتناع عن الكشف عن أسباب الشقاق أمام هيئة الحكم الجماعية المكونة من ثلاثة قضاة وممثل النيابة العامة وكاتب الضبط، يرجع إلى تعلقها بأسرار الحياة الزوجية، فإنه يجوز لها أن تعين أحد أعضائها ليتولى الاستماع إلى الزوجين و الشهود بمكتبه، حيث بعد قيامه بمهمته وإعداده لتقرير في الموضوع، يعيد القضية إلى القضاء الجماعي بعد إشعار الطرفين بذلك، ليواصل إجراءات الصلح بين الزوجين على ضوئه ( [7]) ، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما، حسب ما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 82 من مدونة الأسرة ( [8]) .
وبذلك انطلاقا من الأهمية النظرية التي تكتسيها الوساطة القضائية لتسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق، من خلال إجراء محاولات الصلح بين الزوجين، فإن التساؤل المطروح : إلى أي حد يتم تفعيلها عمليا من طرف قضاء الأسرة ؟
إن التجربة القضائية أثبت منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق إلى الآن، عدم وجود توجه قضائي موحد بخصوص الكيفية التي يجب أن تجرى بها الوساطة القضائية بين الزوجين في دعاوي الشقاق، كما يستنتج ذلك بوضوح من خلال الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع، حيث يمكن التمييز في هذا الصدد بين توجهين: الأول يعتمد الوساطة القضائية وفق الشكل المطلوب قانونا، و مثاله الحكـم القضائي الصادر عن ابتدائية صفرو – قسم قضاء الأسرة – مما جاء فيه: » ... و حيث أن المحكمة أدرجت القضية بغرفة المشورة بتاريخ 1/11 2004 حضرها الزوج و دفاعه وتخلفت الزوجة وحضر دفاعها، و قررت المحكمة التأخير لجلسة 22/11/2004 اعلم بها الحاضرين.
وحيث أدرجت القضية للمرة الثانية بغرفة المشورة حضرتها الزوجة و تخلف الزوج رغم إعلامه بالحضور و صرحت الحاضرة أن المدعى عليه زوجها لمدة سنة و لا أولاد لهما و أن سبب الطلاق يرجع إلى زوجها الذي يسيء معاملتها و يمنعها من زيارة أهلها و أنها توصلت بصداقها و أنها غير حامل.
وحيث أن المحكمة استمعت بغرفة المشورة للزوج بجلسة 29/11/2004 حضرها دفـاع الطرفيـن و نفى الزوج أن يكون يسيء معاملة زوجته و يضربهـا، و أضاف أنه قضى شهر مع زوجته وأنه لما علم عن طريق مكالمة هاتفية أن زوجته توجد بالمغرب، و لما حاول زيارتها طلب منه عمها أن يفارقها.
وحيث أن المحكمة حاولت إجراء الصلح بواسطة الحكمين، عن الزوجـة أمهـا وعن الزوج أخوه، انتهت بالفشل و أدليا بتقرير حول ذلك.
وحيث أن المادة 94 من مدونة الأسرة تنص على أنه إذا طلب الزوجان أو أحدهما من المحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقاق وجب عليها أن تقوم بكل المحاولات لاصلاح ذات البين، كما أن المادة 95 من نفس المدونة تنص على أن يقوم الحكمان أومن في حكمها باستقصاء أسباب الخلاف، و حيث أن محاولة الصلح باءت بالفشل ... ( [9]) .
أما التوجه القضائي الثاني و يبدو أنه الغالب، فيعتمد في تسبيب الأحكام الصادرة في الموضوع بالأساس على النتيجة التي تسفـر عنها الوساطة الغيـر القضائيـة، و إن كانت هنـاك إشارة للوساطة القضائية فإنهـا تكون جـد مختصرة، حيث جاء في الحكم القضائي الصادر عن قسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية تاونـات: » ... و حيث تلتمس المدعية الحكم بالتطليق للشقاق من المدعي.
وحيث انه طبقا للمادة 94 و 82 من مدونة الأسرة يلجأ إلى مسطرة الشقاق في الحالة التي يطلب الزوجان أو أحدهما من الحكمة حل نزاع بينهما يخاف منه الشقـاق، و تقوم المحكمة بإجراء محاولة إصلاح ذات البين، و ذلك بانتداب حكمين أو من تراه مؤهلا لذلك.
وحيث أن تطبيقا للمقتضيات المذكورة انتدبت المحكمة حكمين لمحاولة الإصلاح والتوفيق و استئصال أسباب الشقاق المتعددة بسبب تشبث الزوجة بموقفهـا.
وحيث يتضح من طرف النازلة وجود خلاف مستحكم و مستمر بين الزوجين ما دام لم يتم التوصل إلى أي إصلاح بينهما رغم انتداب حكمين لذلك، الأمر الذي ينافي ما ينبغي من الزواج من ألفة و معاشرة بالمعروف ... ( [10]) .
ومما ورد كذلك وفق هذا التوجه في الحكم القضائي الصادر عن قسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية قلعة السراغنـة : » ... وحيث أن جميـع محاولات الصلـح والسداد بين الطرفين باءت كلها بالفشل رغم تعيين حكمين من أهلهما و بذلهما جميع المساعي نظرا لاحتدام النزاع بين الطرفين و إصرار الزوجة على طلبها ... « ( [11] ) .
عموما فهذا الرصد للتوجه القضائي العام المعمول به في مجال تسوية النزاعات الزوجية عن طريق الوساطة القضائية، ليس الهدف منه التأكيد على أن المحكمة ملزمة قانونا بالتركيز أساسا على وساطتها القضائيـة لإجـراء الصلح بين الزوجيـن، ولكن بالمقابل التنبيه إلى عدم جعلها مرحلة شكلية يبتعد فيها القضاء عن دوره الإيجابي التدخلي، المنوط به طبقا لمدونة الأسرة في مجال تفعيل مسطرة الشقاق، والذي يؤطره مبدئيا هاجس الحفاظ على كيان الأسرة من التفكـك والانهيار، من خلال القيام بكل الإجراءات القانونية الضرورية لإصلاح ذات البين بين الزوجين، بما فيها تلك المتعلقة بالوساطة غير القضائية ( [12]) .
الفقـرة الثانيــة : الوساطـــة غيــــر القضائيــــة

فلئن كانت الوساطة القضائية تتم مباشرة من طرف المحكمة فإن الوساطة غير القضائية تتم تحت إشرافها، حيث تتمثل في تلك الإجراءات التي تلجأ إليها في حالة عدم استطاعتها الإصلاح بين الزوجين، بغية الإبقاء على الأمل في إمكانية تسوية النزاع القائم بينهما وديا ( [13]) .
وتتحدد تلك الإجراءات طبقا للمادة 82 من مدونة الأسرة، في انتداب المحكمة حكمين من أهل الزوجين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا للقيام بذلك ( [14]) .

أولا : انتـــداب الحكميــــن

التحكيم نظام ذو بعد اجتماعي وإنساني أقره الشرع الإسلامي وتقره القوانين الوضعية الحديثة، لأجل حل النزاعات التي تنشأ بين الأفراد وأحيانا حتى بين الدول، حيث يضطلع بدور هام في تخفيف العبء عن القضاء واختصار معاناة الأطراف.
ومن القضايا التي حث فيها الشرع الإسلامي على اللجوء إلى التحكيم مجرد الخوف من حدوث الشقاق بين الزوجين، لقوله تعالى: ) و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ( ، كما أن معظم القوانين العربية تبعا لذلك نصت على مسألة بعث الحكمين في دعاوي الشقاق و الضرر لعل في ذلك رجاء الإصلاح بين الزوجين المتخاصمين ( [15]) .
فما هي شروط الحكمين ؟ و ما هي الصلاحيات المخولة لهما لاصلاح ذات البين بين الزوجين؟

1-    شـــــروط الحكميــــن:

لضمان قيام الحكمين بالمهمة المنوطة بهما من طرف المحكمة على أحسن وجه     والمتمثلـة في معرفة أسباب النزاع القائم بين الزوجيـن و محاولة الإصلاح بينهمـا، يتعين أن يتوفر فيهما طبقا للشرع و القانون شرطين أساسين إضافة إلى الشروط العامة الأخرى ( [16]) ، و هما شرط القرابة و شرط العدد ، حيث يقول تعالى : ) فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها   ( ، فالنص عليهما في هذه الآية الكريمة مما لا شك فيه له مغزى ومعنى عميقين، إذ لا يتصور ذكرهما دون أن يكون لهما مقصد شرعي، وهذا ما يتعين   معه القول بالحرص مبدئيا على وجوب بعث الحكمين من أهل الزوجين لأن كونهما قريبيـن منهما أدرى من غيرهما بأحوالهمـا وأقدر بذلك على الإصلاح بينهما، كما يجعل الزوجين بعيدين عن كل حرج في التصريح أمامهما بأمور تتعلق بأسرار علاقتهما الزوجيـة، التي قد لا يرغبان في إذاعتها أمام القضاء أو أمام أي شخص آخر أجنبي عنهما، حيث بقول ابن العربي: » المسألة التاسعة : الأصل في الحكمين أن يكونا من الأهل، و الحكمة في ذلك أن الأهل أعرف بأحوال الزوجين وأقرب إلى أن يرجع الزوجان إليهما ، فأحكم الله سبحانه الأمر بأهله « ( [17]) ، كما ذكر السيد قطب: » إن عنصر القرابة يجعل الحرج مرفوعا و النفـس أكثر اطمئنانـا، والأسرار أكثر صونـا وحفاظا من الذيـوع والانتشار ... « ( [18]) .
وفي حالة عدم تحقق هذا الشرط بأن لم يكن للزوجين معا أو أحدهما قريب يمكن أن يتولى مهمة التحكيم بينهما ، أو وجد و لكن لا تتوفر فيه الشروط الضروريـة، يجوز للمحكمة أن تعين شخصين أجنبيين ( أو شخص أجنبي حسب الأحوال ) مؤهلين للقيام بذلك بمقتضى المجاورة أو المخالطة أو الاطلاع ، يقول ابن العربي: » قال علماؤنا : فإن لم يكن لهما أهل أو كانا و لم يكن فيهما من يصلح لذلك لعدم العدالة أو غير ذلك من المعاني، فإن الحاكم يختار حكمين عدلين من المسلمين « ( [19]) و جاء في بداية المجتهد و نهاية المقتصد لابن رشد: » اتفق على جواز بحث الحكمين في التشاجر و أجمعوا علىأن الحكمين لا يكونان إلا أن يوجد في   أهلهما من لا يصلح لذلك   فيرسل غيرهما « ( [20]) .
وإذا كان المشرع المغربي في مدونة الأسرة لم ينص صراحة على شرط القرابة في إجراء التحكيم في دعاوي الشقاق، فإن بعض القوانين العربية بخلاف ذلك ، مثل القانون اللبناني للأحوال الشخصية الذي ينص في مادته 130 على أنه: » إذا ظهر نزاع بين الزوجين وراجع أحدهما الحاكـم، فالحاكم يعيـن من عائلة الطرفين حكمـا، و إذا لم يوجد شخص لتعيينه حكما من عائلة الطرفين أو أحدهما   أو وجد لكن غير حائز أوصاف الحكم يعين من يناسبهم من الخارج ... « ، و كذا القانون المصري رقم 25 لسنة 1929 المعدل بموجب القانون 100 لسنة 1985 بنصه في المادة 7 على أنه: » يشترط في الحكمين أن يكونا عدلين من أهل الزوجين إن أمكن   وإلا فمن غيرهم ، مما لهم خبرة بحالهما و قدرة على الإصلاح بينهما « .
ولئن كان يجوز التحكيم من شخص واحد في بعض القضايا المدنية التي لا يتعلق بها حق من حقوق الله، فإنه بالنظـر لخصوصية النـزاع في دعاوي الشقـاق، يتعيـن احترام شرط العـدد، كما يستفاد ذلك من قوله تعالى : ) فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ( ، وكذا من النصوص القانونية المتعلقة بالتحكيم بين الزوجين الواردة في معظم القوانين العربية ،منها المادتين 82 و 95 من مدونة الأسرة، لذلك لا يجوز التحكيم في دعاوي الشقاق إلا من طرف شخصين أحدهما يمثـل الـزوج والثاني يمثل الزوجة، ولا يشترط فيهما الذكورة بل يمكن للمرأة أن تتولى تلك المهمة، حيث جاء في الحكم القضائـي الصادر عن ابتدائية صفـرو ما يلي: » ... و قررت المحكمة انتداب حكمين لتقصي أسباب الشقاق و أن يكون ذلك بتقرير مكتوب، و كلفت المحكمة أم الزوجة بإعداد تقرير مع أخ الزوج أعلم لها الحاضرين ... « ( [21] ) .

2 - صـلاحيــات الحكميــن
يتمتع الحكمين في مجال التحكيم بين الزوجين في دعاوي الشقاق، بصلاحيات مهمة لأجل محاولة التوفيق والإصلاح بينهما، فقد ورد في المادة 95 من مدونة الأسرة أنه: " يقوم الحكمان أو من في حكمهما باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين و بذل جهدهما لإنهاء النزاع "، حيث   لا يتقيدان أثناء قيامهما بمهمتهما تلك بأوضاع المرافعات وقواعد القانون، وإنما يتقيدان فقط بالقواعد الخاصة الواردة في باب التحكيم بين الزوجين ،من بذل الجهد لتقصي الحقائق والتعرف على أسباب النزاع القائم بينهما ودوافعه وخلفياته، ووضع تقرير بخصوص ذلك يتم رفعه إلى المحكمة في الأجل المحدد من طرفها ( [22]).
وعليه يجوز للحكمين اختيار الطريقة المثلى التي من شأنها أن تمكنهم من القيام بمهمتهم ، بما في ذلك الانتقال إلى منزل الزوجين للاجتماع بهما معا أو ينفرد كل حكم بالطرف الذي هو من أهله و الاطلاع على أحوالهما، وكذا الاستماع إلى أقوالهما لتكوين فكرة أولية عن أسباب النزاع و المتسبب فيه ،مع إمكانية التردد عليهما بين الفينة والأخرى قصد إتاحة الفرصة لهما عساهما أن يتصالحا ويعيدا علاقتهما الزوجية إلى حالتها الطبيعية، ثم عقـب ذلك يجتمع الحكمان ويتـداولان ويتبادلان المعلومات بينهما، حول   النتائج المستنتجة من خلال الحديث الذي أجرياه معا أو أجراه كل واحد منهما مع أحد الزوجين الذي يعنيه.
ولتسهيل مهمتهما و تحقيق غايتها للحكمين أن يذكرا الزوجين بما يجب التذكير به من حقوقهما وواجباتهما المتبادلة، ووجوب حسن المعاشرة، والعواقب الوخيمـة التي قد تنتـج عن تفكـك الأسـرة بالنسبـة لهما و لأطفالهمـا إن وجـدوا، وإشعارهما بأن هذا الخلاف يعتبر من الأمور العادية التي لا يخلو كل بيت منها، إلى غير ذك من الأمور التي يجب أن يعتمد فيها الحكمان على أسلوب الترغيب والترهيب، لتحقيق الغاية التي من أجلها تم انتدابهما في دعاوي الشقاق.
لكن التساؤل المطروح هل تلك الصلاحيات المخولة نظريا للحكمين يتم تفعيلها عمليا ؟
إن ما يجري به العمل بخصوص محاولات الصلح بين الزوجين عن طريق التحكيم، يبرز مما لإيداع مجالا للشك عدم إدراك مضامينها و أهدافها، بحيث انه في ظل ارتفاع نسبة التطليق للشقـاق منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيـق إلى الآن، نتيجـة الإصرار مبدئيـا على طلبه و التشبث به ( خاصة من جانـب المـرأة )،     ورفض كل المساعي الرامية إلى إجراء الصلح بين الزوجين التي تقوم بها المحكمة، يجعل مهمة الحكمين تنتهي قبل أن تبدأ، ذلك أن اللجوء إليهما من طرف المحكمة يكون له عمليا طابعا شكلـيا لأجـل فقـط الاستئناس و احتـرام الإجـراءات المسطـريـة لدعـاوي الشـقاق، أما نتيجـة النـزاع فغالبا يتم الحسم فيها مسبقا في الجلسـة الأولى التي تعقدها.
عمومـا في حالـة فشل الحكمين إصلاح ذات البيـن بيـن الزوجيـن أو اختـلفـا في مضـمون التقريـر أو في تحديد المسـؤولية ، أو لم يقدمـاه خـلال الأجل المحدد لهما، فإنهما يرفعان الأمر إلى المحكمة لاتخاذ ما تراه مناسـبا لتسوية الـنـزاع المعـروض عليها ( [23]) ، من خلال إجراء بحث إضافي حوله بالوسيلة التي تراها ملائمة ( المادة 96 مدونة الأسرة )، و نفـس هذا المقتضى تنص عليه بعض القوانيـن العربيـة كالمجلة التونسية للأحوال الشخصية التي تنص في فصلها 25 على أنه:
  » إذا اشتكى أحد الزوجيـن من الإضرار به، و لا بينة له و أشكل على الحاكم تعيين الضرر بصاحبه يعين حكمين، و على الحكمين أن ينظرا، فإن قدرا على الإصلاح أصلحا، و يرفعان الأمر إلى الحاكم في كل الأحوال « .
وكذلك من الوسائل التي يمكن للمحكمة اللجوء إليها لإجراء الصلح بين الزوجين أو للقيام بالبحث الإضافي طبقا للمادتين 82 و 96 من مدونة الأسرة، ما يصطلح عليه بمجلس العائلة.
ثانيــا : مجلـــــس العائلـــــة

إن إحداث مجلس العائلة يعكس هاجس تدعيم أواصر القرابة التي تجمع بين أفراد العائلة، لما يتيحه لهم من إمكانية التعاون على خيرها و صلاحها، باعتباره إطارا عائليا غايته إيجاد حلولا للخلافات التي تنشأ داخل مؤسسة الأسرة، لحماية   أفرادها من الانعكاسات السلبية التي تترتب عن انحلالها.
ومجلس العائلة منظم بمقتضى المرسوم الوزاري رقم 88-04-2 الصادر بتاريخ 25 ربيع الآخر 1425 ( 14 يونيو 2004 ) بشأن تكوينيـه وتحديـد مهامـه، حيث تبرز أهميته من خلال تشكيلته المكونة طبقا لمادته الأولى من القاضي بصفته رئيسا،     والأب أو الأم أو الوصي أو المقدم، و أربعة أعضاء يعينهم رئيس مجلس العائلة بين الأقارب أو الأصهار بالتساوي بين جهة الأب وجهة الأم   أو جهة واحدة، وحتى يمكن للمجلس أن يضطلع بالمهام المنوطة به على الوجه المطلوب، فإن الرئيس يراعـي في اختيار أعضائه الذين يشتـرط فيهم أن يكونـوا كاملـي الأهليـة، درجـة القرابـة ومكان إقامتهم وسطتهم ومؤهلاتهم وعلاقتهـم بالأسرة، ومدى استعدادهـم للعناية بشؤونهـا و حرصهم على مصلحتها ( المادة 2 )، كما يمكنه تغييرهم أو تغيير أحدهم إذا ثبت له ما يبـرر ذلك ( المادة 3 ).
أما مهامه رغم أهميتها المنبثقة من تكوينه فإنها تبقى استشارية، و تتمثل في قيامه بالتحكيم لاصلاح ذات البين بين الزوجين المتخاصمين و إبداء رأيه في كل ما له علاقة بشؤون الأسـرة ( المادة 7 )، ويجتمع لهذا الغرض بمبادرة من طرف رئيسهأو بطلب من الأم أو القاصر أو المحجور أو أحد أعضائه الآخرين كلما دعت الضرورة لذلك، كوجود نزاع بين الزوجين أو إهمال الأسرة ... الخ، حيث يستدعي الرئيس أعضاء المجلس قبل التاريـخ المحـدد للاجتماع مع بيان موضوعـه، ويوم وقوعه ومكان انعقاده، بمعنى أن استدعاء أعضاء مجلس العائلة يتم طبقا لقواعد التبليغ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية ومدونة الأسـرة، وإذا تعذر عليهم الحضور يمكنهم أن ينتدبواغيرهم من الأقارب أو الأصهار بإذن من القاضي بعد تأكده من توفرهم على الشروط الضرورية المشار إليها سلفا.
وكما هو الشأن بالنسبة للتحكيم تدون نتائج أعماله في محضر يحرره كاتب الضبط الذي يحضر الاجتماع و يدون   في سجل خاص، يوقعه الرئيس و الأعضاء    ويشار فيه إلى الامتناع عن التوقيع أو تعذر ذلك.
وإذا كان يبدو نظريا أن الاستعانة بمجلس العائلة من طرف المحكمة يبدو مفيدا لتسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق بالنظر لتكوينه و مهامه، فإن اللجوء إليه عمليا تعترضه مجموعة من الصعوبات تحد من أهميته و فعاليته، تتحدد أساسا في صعوبة اختيار أعضائه و تجميعهم في اجتماع واحد، حيث إذا كان يتعذر على المحكمة في أحيان كثيرة الجمع بين الزوجين المعنيين مباشرة بالنزاع القائم بينهما في جلسة واحدة، فبالأحرى بالنسبة لمجلس يتشكل من تسعة أعضاء، و لعل هذا ما يبرر اكتفائها بانتداب الحكمين الذي لا يخلو هو الآخر من صعوبات و مشاكل تجرد مهمة التحكيم المسندة إليهما من محتواهـا و غايتها.
لذلك و لضمان التفعيل الإيجابي لمحاولات الصلح بين الزوجين في دعاوي الشقاق، يمكن على غرار بعض الأنظمة القانونية المعاصرة تعزيز آليات الوساطة الغير القضائية بإحداث أجهزة مستقلة تتكلف بالتحكيم بين الزوجين و معالجة كافة المشاكل التي تواجهها الأسرة، مع الحرص على أن تكون قادرة على تأدية مهمتها بكل وعي و مسؤولية ومتمكنة من الوسائل التي تؤهلها للقيام بذلك،   حيث يمكن للمحكمة أن تحيل عليها النزاعات الزوجية المعروضة أمامها للنظر فيها و محاولة إنهائها، كما أن تلك الأجهزة تسمح للزوجين باللجوء إليها لتسوية النزاع القائم بينهما دون الالتجاء إلى القضاء، الذي يقتصر دوره في هذا الإطار على مراقبة مدى احترامها للضوابط القانونية المنظمة لعملها، و كذا الإشراف على تنفيذ الحكم الصادر عنها من خلال تذييله بالصيغة التنفيذية، وهذا من شأنه أن يساهم في نشر ثقافة العدالة التصالحية للنزاعات الزوجية لدى الأسر المغربية ( [24]) .

المطلـب الثانـي : أثـر إجـراءات الصلـح على إنهـاء النزاعــات الزوجيـــة

إن النتيجة التي تنتهي إليها المحكمة بعد قيامها بمحاولات الصلح بين الزوجين طبقا للمادتين 94 و 82 من مدونة الأسرة لا تخلو من أمرين، إما أن تتكلل بالنجاح مما يعني استمرارية العلاقة الزوجية ( الفقرة الأولى ) أو أنها تبوء بالفشل حيث تضطر المحكمة عندئذ للحكم بالتطليق ( الفقرة الثانية ).

الفقـرة الأولـى : نجـاح محـاولات الصلـح بين الزوجيـــن

تتجلى أهمية الطرق البديلة لتسوية المنازعات بصورة واضحة في النزاعات الزوجية، حيث يعتبر الصلح فيها أمرا محبذا و إجراء ضروريا يتعين على المحكمة طبقا للقانون القيام بمحاولاته قبل لجوئها إلى الحكم بالتطليق بينهما، فهو بهذا المعنى يشكل مبدئيا وسيلة و هدفا في نفس الآن لحل هدا النوع من النزاعات.
إن الصلح بين الزوجين كما أكدنا ذلك سلفا يحبذه ديننا الحنيف، وخصص له الفقه الإسلامي جانبا كبيرا من اهتمامه، وحث عليه المشرع المغربي في قضايا الطلاق والتطليق طبقا لمدونة الأسرة، لما في تحقيقه من آثار إيجابية تجنب الأسرة كافة المخاطر التي ترتب عن تفككها، كما أن حسمه للنزاع القائم بينهما أدعى إلى تحقيق العدل والإنصاف الذي قد لا يحققه الحكم القضائي الصادر بالطلاق أو التطليق فقد يكون أحدهما ألحن بحجته من خصمه و أقدر على التحايل في الخصومة و هو في الحقيقة غير محق فيما يدعيه، حيث روى أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: » إنما أنا بشر مثلكم و أنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له بنحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخـذ منه شيئـا فإنما أقطـع له قطعـة من نـار « ( [25]) ، و الله تعالى يحث الزوجين على حل خلافاتهما وديا بطريقة تحافظ على وحدة الأسرة        وتحفظ لهما كرامتهما، حيث قال :( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا و الصلح خير ( وقال أيضا : ) إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) ، ذلك أن المنهج الإسلامي بخصوص معالجة النشوز و الشقاق بين الزوجين يقوم   على أساسا مبدأ الصلح بينهما، ولأنه كما يقال في المأثور الصلح السيء خير من الخصومة الجيدة ".
من هذا المنطلق فالهاجس الأساسي الذي يؤطر عمل المحكمة وهي بصدد تسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق، محاولة تحقيق الصلح بين الزوجين من خلال قيامها بكل المساعي الرامية إلى ذلك، حيث إذا توفقت فيها في جلسة التسوية الودية التي تعقدها بغرفة المشورة فإنها تصدر أمرا تضمنه في محضر تنتهي به إجراءات الدعـوى على اعتبار أن الغايـة من الصلح إنهاء النزاع و قطـع الخصومة، كما تنص على ذلك المادة 82 من مدونة الأسرة المحال عليها في المادة 94 منها حيث جاء فيها: » إذا تم الإصلاح بين الزوجين حرر به محضر وتم الإشهاد به من طرف المحكمة « ، ونفس هذا المقتضى كان منصوص عليه بكيفية أكثر دقة في الفصل 212 من ق.م.م في فقرته الملغاة بقتضي قانون 72-03 الصادر موازاة للمدونة الجديدة للأسرة، و ذلك كما يلي:   » يستدعي القاضي بعد تقييد المقال الزوجين قصد محاولة التصالح بينهما، إذا تم التوفيق بينهما أثبت القاضي   ذلك بأمر تنتهي به إجراءات الدعوى « .
أما في حالة انتداب الحكمين و هذا هو المعمول به في الغالب بعد فشل الوساطة القضائية و تمكنهما من إصلاح ذات البين بين الزوجين، فإنهما طبقا للمواد 95 من مدونة الأسرة يحرران مضمون الصلح في تقرير من ثلاث نسـخ يوقعهـا الحكمان             والزوجـان، ويرفعانها إلى المحكمة التي تسلم لكل واحد من الزوجين نسخـة منه       وتحفظ الثالثة بالملف حيث يتم الإشهاد على ذلك من طرفها.
وإشهاد المحكمة على محضر الصلح طبقا للمادتين 82 و 95 من مدونة الأسرة، الغاية منه إضفاء الحجية عليه حيث تحل في ذلك محل الموثق، مما يخضع الصلح المصادق عليه من طرفها لكافة القواعد الموضوعية لعقد الصلح، و هذا المحضر لا يعد حكما و إنما ورقة رسمية أي بمثابة سند تنفيذي لتصديـق المحكمـة عليه، حيث تطبق عليه قواعد تفسير العقود وليس قواعد تفسير الأحكام ( [26]) ، لذلك لا يجوز نقض الصلح بعد إجرائه و إشهاد المحكمة عليه، لأن العودة إلى الخصومة بعد ذلك يفقده أهميته في مجال تسوية النزاعات الزوجية ويؤثر سلبا على مصداقية عمل المحكمة بهذا الخصوص، فلا يحق للزوجين الإقدام على ذلك إلا إذا قام أحدهما بتصرف يناقض ما وقع الصلح من أجله، حيث يمكنه والحالة هذه اللجوء إلى القضاء من جديد لطلب الحكم له بالتطليق.
ورغم أهمية نجاح محاولات الصلح بين الزوجيـن للاعتبارات المشار إليها سلفا، فإن واقع عمل قضاء الأسرة بخصوص   تطبيق مسطرة الشقاق، يؤكد أن النتيجة التي يخلص إليها بخصوص دعاوي الشقاق تكون عادة هي فشل تلك المحاولات وما يترتب عن ذلك من آثار.

الفقـرة الثانيـة : فشـل محــــاولات الصلح بيــن الزوجيــــن

إذا تعذر على المحكمة أثناء تفعيلها لمسطرة الشقاق إجراء تسوية ودية للنزاع المعروض عليها بإصلاح ذات البين بين الزوجين، فإنها تلجأ إلى تصفيته قضائيا عن طريق الحكم بالتطليق و بالمستحقات طبقا للمادة 97 من مدونة الأسرة، التي تنص على أنه : » في حالة تعذر الإصلاح و استمرار الشقاق تثبت المحكمة ذلك في محضر وتحكم بالتطليق وبالمستحقات ... « ، حيث تضع بذلك حدا لسريان إجراءات دعوى الشقاق عكس ما كان معمول به في ظل النظام القانوني السابق، إذ رغم فشل محاولات الصلح بين الزوجين فإن دعوى التطليق كانت تأخذ طريقها العادي، و كل واحد من الطرفين يقدم وسائل دفاعه أمام القضاء الذي له أن يحكم بالتطليق أو بعدمه بناء على ما توصل إليه    واقتنع به، كما يتضح طبقا لمقتضيات   الفصل 212 من ق.م.م في صياغته القديمة - قبل تعديله في بمقتضى قانون 03-72 - وذلك بنصه على ما يلي: » إذا فشلت المحاولة أو بعد استدعاء الطرفين وتخلف الزوجين أو أحدهما عن الحضور أصدر القاضي أمرا بعدم التصالح ويأذن للمدعي بمواصلة الدعوى « ، فمحاولة الصلح كانت تعتبر فقط إجـراء أوليـا تفتتح به دعوى التطليـق، في حين أنها في دعوى الشقاق تطغى على كل مراحلها الإجرائية إلى حين حسمها بإشهاد المحكمة على محضر الصلح أو حكمها بالتطليق و بالمستحقات.
وإذا كان فشل محاولات الصلح بين الزوجين يمثل النتيجة التي يخلص إليها قضاء الأسرة في معظم دعاوي الشقاق التي تعرض عليه، كما تؤكد ذلك الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع، فإن ذلك يرجع من حيث القانون والواقع إلي مجموعة من الأسباب المتداخلة فيما بينها، و التي تؤدي في مجملها إلى تجريد مسطرة الشقاق من طابعها الوقائي المومأ إليه سابقا، مكرسة بذلك تلك الهوة الموجودة بين القانون والواقع في الكثير من المجالات، وتتمثل أساسا في سوء فهم مضامينها الحقيقية من جهـة وضعف أو بالأحـرى تعطـل عمل آليـات الصلـح و الوساطة من جهة أخرى، بحيث إن الدافع الأساسي الذي يكمن وراء لجوء الزوجة إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق– مادام ذلك يقترن عمليا بحقها –   اعتبارها وسيلة سهلة و مرنة لا تحتاج إلى إثبـات ما تدعيه للحصول على التطليق في أقـل وقـت و بأبسط الإجراءات، إذ يكفي أن تتمسك به أمام القضاء رافضة لكل المساعي الرامية إلى إجراء الصلح بينها و بين زوجها، فالاعتقاد السائد بخصوص مسطرة الشقاق أنها تمثل توسيعا لحالات حق طلب التطليق المخول للزوجة مقابل الطلاق الذي هو من حق الزوج، ولعل هذا ما يفسر العدد الهائل من طلبات التطليق للشقاق المقدمة من طرف الزوجات منذ دخول المدونة حيز التطبيق، مقارنة مع طلبات التطليق المؤسسة على أحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 98 منها.
لذلك فالتشبث بطلب التطليق الذي يعتبر موضوعا و هدفا في نفس الآن في دعاوي الشقاق، يجعل المحكمة تصطدم عمليا بصعوبة القيام بمحاولات الصلح بين الزوجين، لأجل تسوية النزاع القائم بينهما وديـا بدل حسمه عن طريق الحكم بالتطليق، حيث إن الواقع العملي يؤكد أن الزوجة بالخصوص لا تلجأ إلى القضاء إلا بعد أن تستنفذ كل محاولات لم الشمل و التفاهم مع زوجها، و بالتالي فإن إقدامها على ذلك لا يكون إلا بعد اتخاذها قرار الانفصال عنه، مما يجعل القضاء يقتنع مسبقا بعدم جدوى أي محاولـة يمكن القيـام بها لحملها على الرجـوع عن قرارهـا، حفاظا على كيان الأسرة من التفكك و الانهيار.
هذا، ناهيك عن صعوبة التوفيق بين تطبيق المحكمة للقانون و في نفس الوقت القيـام بعملية الصلح التي تحتاج إلى تقنية عالية و خبـرة واسعة و طـول النفس، من خلال الإحاطة بكل جوانب النزاع القانونية و غير القانونية، فالقاضي في هذا الإطار   بالإضافة إلى تكوينه القانوني يجب أن تكون له دراية واسعة بكل الفـروع العلمية التي لها علاقـة بالأسرة، كعلـم الاجتماع الأسري و علـم النفس            وأنتربلوجيا الأسرة ...، بل حتى في حالة لجوئها إلى تفعيل آليات الوساطة غير القضائية عن طريق التحكيم، فمهمة الحكمين تبوء بالفشل لعدم توفر فيهما الشروط الضرورية التي تؤهلهما للقيام بذلك، إضافة إلى عدم فهمهما جيدا المقصود من مهمتهما و كيفية أدائها، حيث يكتفيان أمام القضاء بترديد كل واحد منهما لادعاء الطرف الذي هو من أهله والدفاع عنه، وبدل القيام بمهمة الاصلاح بين الزوجين يؤججان النزاع القائم بينهما والدفع به نحو حسمه عن طريق الحكم بالتطليق.
كل ذلك يجعل من إجراءات التسوية الودية في دعاوي الشقاق، مجرد إجراءات شكلية ( روتينية )، الغاية من تفعيلها احترام القضاء للقانون الذي يحكم النزاع المعروض عليه، خاصة و أن الصلـح في القضايا المرتبطة بتطبيـق مدونـة الأسرة، يعتبر من متعلقات النظام العام لا يجوز خرقه تحت طائلة بطلان الحكم الصادر في موضوعها، الأمر الذي يبرر ضرورة مراجعـة نظـام تكويـن القضاة العاملين في أقسام قضاء الأسرة، وتعزيـز آليات الوساطـة والمصالحـة والتحكيم في هذه القضايا، وذلك لمواكبة الإصلاحات المهمة التي جاءت بها المدونة الجديدة لفائدة الأسرة المغربية سيما في مجال تنظيم العلاقات بين أفرادها.
عموما كيفما كانت طبيعة الأسباب المفضية إلى فشل محاولات الصلح بين الزوجين، فإن ما يجري به العمل القضائي أن المحكمة إذا ثبت لها وجود الشقـاق       واستمراريته بينهما - و رفعا للحرج و الضيق - تحكم بالتطليق طبقا للقانون، لأنه لا يمكن للقضاء أن يرغم الزوجين على الاستمرار في الحياة الزوجية رغم الشقاق الحاصل بينهما، لما في ذلك من أضرار كثيرة لا يقتصر أثرها عليهما بل تمتد لتشمل أطفالهما    والمجتمع برمته، لأن عدم الوئام و التنافر و الرغبة الملحة في الافتراق كثيرا ما ترجع إلى أسباب شخصية و معايير ذاتية تنبعث من تقدير شخصي للزوج أو الزوجة، وهذا ما تأخذ به بعض القوانين الوضعية المقارنة مثل القانون السوري لسنة 1953 المعدل بقانون 34/1975 الذي يجعل من الشقـاق بين الزوجين أهم الأسباب المبررة لانحلال العلاقة الزوجية عن طريق القضاء، حيث تنص المادة 128 منه على أن: » لكل من الزوجين إذا ادعى إضرار الآخر بما لا يستطاع معه دوام العشرة، يجوز له أن يطلب من القاضي التفريق و لا يشترط الإساءة للسير في الدعوى، بل بمجرد الادعاء كاف لتحـريك المتابعة « ، كذلك فالاتجاه الذي أضحت تنهجه معظم القوانين الغربية بخصوص أسباب التطليق يتسم بالمرونة، باختزالها في سبب وحيد وعام هو الشقاق المستمر بيـن الزوجين ( [27]) .
وإذا كان التطليق في دعاوي الشـقاق يتسم طبقا للمادة 70 من مدونة الأسرة بطابعه الاستثنائـي، إذ لا يجـوز للمحكمة اللجوء إليه إلا بعـد تعـذر الإصـلاح و استمرار الشقاق بين الزوجين ، فإن تطبيقه في حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين يقتضي منها مراعاة الآثار المترتبة عنه في مواجهة حقوق جميع أفراد الأسرة.

[1] - اختلف الفقه حول معيار التمييز بين الصلح القضائي و الصلح الغير القضائي و انقسم إلى رأيين : الأول يرى أن معيار التمييز بينهما هو حصول الصلح في مجلس القضاء أو في عدم حصوله ، فيكون الصلح قضائيا إذا تم في مجلس القضاء و غير قضائي إذا جرى خارجه ، بينما يذهب الثاني إلى القول   أن ذلك المعيار يتحدد في قيام الدعوى من عدمه ، فإذا كانت هناك دعوى أمام القضاء و حصل بشأنها صلح كان صلحا قضائيا ، و إذا لم تكن هناك دعوى أمام القضاء و حصل صلح بين الطرفين حسم النـزاع بينما كان في هذه الحالة صلحا غير قضائي، عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الخامس ، ص : 564 ، و كذا يس محمد يحي، مرجع سابق ، ص : 428 .
[2] - مثلا في القانون الفرنسي منظمة بمقتضى قانون 8 فبراير 1995 و المرسوم التطبيقي الصادر بتاريخ 22 يوليوز 1996 ، و كذا قانون 4 مارس 2002:
Annie badu . Médiation familiale regarde croises et perspectives . ères . 1997 . p 125                                                                                                                                                                  
[3] - عبد الله روحمات : الوكالة في صلح الزوجين بين النص القانوني و الواقع العملي ، مقال منشور بمجلة الإشعار عدد 27 غشت 2003 ، ص : 109 و ما بعدها .
[4] - تنص المادة 17 من مدونة الأسرة على أنه : "يتم عقد الزواج بحضور أطرافه ، غير أنه يمكن للتوكيل على إبرامه بإذن من قاضي الأسرة المكلف بالزواج وفق الشروط الآتية :
1-           وجود ظروف خاصة لا يتأتى معها للموكل أن يقوم بإبرام عقد الزواج بنفسه .
2-           تحرير وكالة عقد الزواج في ورقة رسمية أو عرفية مصادق عليها توقيع الموكل فيها .
3-           أن يكون الوكيل راشدا متمتعا بكامل أهليته المدنية ، و في حالة توكيله من الولي يجب أن تتوفر فيه شروط الولاية .
4-           أن يعين الوكيل اسم الزوج الآخر و مواصفاته ، و المعلومات المتعلقة بهويته ، و كل المعلومات التي يرى فائدة في ذكرها .
5-           أن تتضمن الوكالة قدر الصداق و عند الاقتضاء المعجل منه و المؤجل ، و للموكل أن يحدد الشروط التي يريد إدراجها في العقد و الشروط التي يقبلها من الطرف الآخر.
6 ـ أن يؤشر القاضي المذكور على الوكالة بعد التأكد من توفرها على الشروط المطلوبة ".
[5] - غرفـة المشورة تعتبر من ضمن الغرف المشكلـة للمحاكم العاديـة في إطار التنظيم القضائي للمملكـة، أحدثت نتيجة التقسيم الإداري الداخلي لتلك المحاكم أو سندت لها مهام ذات طبيعة خاصة تطلبت إحداثها تتعلق ببعض القضايا التي تتطلب السرية و السرعة . و رغم أهميتها فإن المشرع المغربي لم يفرد لها نصا قانونيا خاصا بها، و إنما اكتفى بالتعرض إلى الدور المنوط بها في عدة قوانين كالمسطرتين المدنية و الجنائية ، و قانون المحامات و مدونة التجارة و مدونة الأسرة ...، للمزيد من التفاصيل حول غرفة المشورة انظر :محمد بلهشمي التسولي " الطبيعة القانونية لغرفة المشورة " ، الطبعة الأولى 1422 ه/2002 م المطبعة و الوراقة الوطنية ، مراكش .
[6] - الحسن العلمي : مسطرة الشقاق في ظل مدونة الأسرة ، مجلة المعيار ، عدد 32 ، ص: 167 .
[7] - الحسن العلمي : مرجع سابق ، ص : 167.
[8] -   يعكس ذلك وعي المشرع بالآثار السلبية لانحلال العلاقة الزوجية تجاه للأطفال من خلال إعطاء الزوجين فرص أكثر لمحاولة تسوية نزاعاتهما وديا ، لكن الواقع العملي يؤكد صعوبة القيام بذلك خاصة بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج الذين يتعذر عليهم حضور أكثر من مرة لجلسة الصلح التي تعقدها المحكمة ، نظرا لانشغالاتهم خارج أرض الوطن .
[9] - حكم رقم 53 ، ملف رقم 867/2004 ، بتاريخ 26/01/2005 ( غير منشور ) .
[10] - حكم رقم 67 ، ملف رقم 579/2004 ، بتاريخ 26/01/2004 ( غير منشور ).
[11] - ملف رقم 5536 2004/ بتاريخ 21 /12/2004 منشور بمجلة قضاء الأسرة العدد الأول يوليوز 2005 ص:98-106.
[12] - إضافة إلى ما سبق بخصوص الوساطة القضائية في دعاوي الشقاق ، تجب الإشارة إلى آلية أساسية من آلياتها و المرتبطة كذلك بالوساطة الغير القضائية عن طريق التحكيم ، هي ما يصطلـح عليها بالبحث الإضافي، حيث تنص المادة 96 من مدونة الأسرة أنه :" إذا اختلف الحكمان في مضمون التقرير أو في تحديد المسؤولية، أو لم يقدماه خلال الأجل المحدد لهما ، أمكن للمحكمة أن تجرى بحثا إضافيا بالوسيلة    التي ترها ملائمة " ، والملاحظ أن إجراء البحث الإضافي يشبه إلى حد كبير التحقيق التكميلي في القضايا الجنائية طبقا للمادة 282 من قانون المسطرة الجنائية ، حيث رغم أهميته فإن المشرع في مدونة الأسرة لم يحدد مضمونه و وسائل تفعيلـه ، بل اكتفى بإعطاء المحكمة صلاحيـات واسعة في هذا المجـال، و لعل هذا ما يبرر عدم اللجوء إليه في دعاوي الشقاق .         
[13] - يعرف المجلس الاستشاري للوساطة الأسرية بفرنسا الوساطة الأسرية بأنها :" عملية مندمجة لبناء أو لاعادة البناء روابط عائلية متمحورة حول استقلالية و مسؤولية الأشخاص المعنيين بأوضاع انفصال العلاقة أو بانفصال الزوجين ، يقوم خلالها شخص محايد أو مستقل مؤهل دون أن يملك سلطة القرار – هو الوسيط الأسري – بإتاحة الفرصة للطرفين عبر جلسات حوار سرية للتواصل وتدبير نزاعاتهم في مجال الأسرة بما هو مجال متنوع و في تطور مستمر.
و قد نشأت الوساطة الأسرية بصيغتها الحديثة بالولايات المتحدة الأمريكية حيث يصطلح عليها بنظام التقييم المحايد ، و منها انتقلت إلى فرنسا في نهاية الثمانينات من القرن الماضي بوصفها مقاربة جديدة و مكملة للقانون في مجال تسوية المنازعات الأسرة المرتبطة بالطلاق أو انفصال الأزواج .
عموما ما انتهت اله التشريعات الوضعية العربية منها و الغربية في مجال الوساطة الأسرية سبق إليها الفقه الإسلامي ، بحيث إنها متجذرة في ثقافتنا العربية الإسلامية و مجتمعنا المغربي ، حول هذا الموضوع انظر : رابطة التربية على حقوق الإنسان " أوراق في الوساطة الأسرة " ، الحلقة الدراسية الجهوية المنظمة لفائدة قضاة الأسرة حول موضوع : " مدونة الأسرة و دور الوساطة في تفعيل مسطرة الصلح " ، تطوان 5 –6-7-8 دجنبر 2005 ، منشورات وزارة العدل و المعهد العالي للقضاء بتعاون مع رابطة التربية على حقوق الإنسان .
[14] - لم يحدد المشرع المقصود بعبارة " من تراه مؤهلا لذلك " هل يعني ذلك إمكانية استعانة المحكمة بالخبراء الاجتماعيين و النفسيين ؟ ، فذلك يعتبر أمرا محمودا لكونه يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية ، حيث يقول تعالى :" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ، و أهل الذكر في مسائل الخلافات الأسرية هم خبراء علم الاجتماع و علم النفس ، ذلك أن وجود خبير اجتماعي أو نفسي من المسائل المهمة التي تنص عليها المادة 2 من القانون المصري رقم 10 لسنة 2004   المحدث لمحكمة الأسرة ، حيث يقوم بدراسة نقاط الخلاف و الاتفاق داخل الأسرة ، و محاولة التقريب بينهما و رأب الصدع ، كما يكون له دور مهم في اختيار الحكمين من أهل الزوجين ، و هذا من شأنه أن يساعد المحكمة في النهاية للتوفيق و الإصلاح بدلا من الشقاق الذي يؤدي إلى   الانفصال و ما يترب عنه من آثار و خيمة على أفراد الأسرة و المجتمع .
[15] - بعض القوانين   العربية تمنع القاضي من التفريق بين الزوجين و لو عجز عن الإصلاح بينهما قبل بعث الحكمين ، حيث تنص المادة 40 من القانون العراقي للأحوال الشخصية في فقرته الثانية أنه : " على القاضي قبل إصدار الحكم بالتفريق أن يعين حكما من أهل الزوجة و حكما من أهل الزوج للنظر في إصلاح البين بينهما" و كذا المادة 96 من القانون الأردني في فقرتها الثانية تنص على أنه :"إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق ،    وحينئذ على القاضي بعد التثبت من النزاع و الشقاق و عجزه عن الإصلاح بينهما بعث حكمين"
[16] - وقع بشأن هذه الشروط خلاف فقهي ، حيث ذهـب بعض الفقهاء إلى الاشتـراط فيهما الفقـه و العلم بأحكام النشوز و الأحكام الشرعية و الاجتهاد ، إلى غير ذلك من الشروط التي تعتبر من منظور الواقع المجتمعي الحالي تعجيزية نظرا لانتشار الأمية و الجهل ، مما قد يؤدي في حالة التمسك بها من طرف القضاء إلى تعطيل مهمة التحكيم بين الزوجين ، لذلك ينبغي توخي المرونة بشأن ذلك انطلاقا من السلطة التقديرية المخولة للمحكمة لاختياري من تراه مؤهلا للتحكيم بين الزوجين ، إذ يكفي أن تتوفر فيهما الحد الأدنى المقبول من تلك الشروط ، مادام أن الغاية من بعثهما محاولة إصلاح ذات البين بينهما.  
[17] - أحكام القرآن ، الجزء الأول ، ص : 426.
[18] - السيد قطب : في ظلال القرآن ، الجزء الخامس ، مطبعة دار إحياء التراث العربي 1961 ، ص : 67
[19] - مرجع سابق : ص : 426 .
[20] - الجزء الثاني : ص : 74 .
[21] - حكم رقم 53 ، ملف رقم 867/2004 ، صادر بتاريخ 26/01/2005 ( غير منشور).
[22] - أحمد أبو الوفا :التحكيم بالقضاء و الصلح ، منشأة المعارف ، الطبعـة الأولى ، 1964   ص : 19 .
[23] - اختلف الفقهاء حول نطاق صلاحيات الحكمين بين اقتصارها على الإصلاح بين الزوجين أو تمديدها إلى التفريق بينهما ، حيث ذهب فريق منهم إلى القول أن مهمة الحكمين الإصلاح و التوفيق و ليس لهما التفريق   إلا إذا كان وكيلين عن الزوجين بذلك ، و من أصحابـه هذا الرأي الحسن البصري و عطاء و قتادة و إليه ذهب أبو حنيفة و الشافعي في القول الثاني ، و ابن حنبل و الظاهرية   ، و أدلتهم في ذلك قوله تعالى " إن يريد إصلاحا يوفق الله بينهما" و لم يقل إن يريدا فرقة فإبفاد الحكمين هو لوعظ الظالم من الزوجين و إعلام الحاكم بذلك ليأخذ على يده ، و قال آخرون أن مهمة الحكمين إيجاد حل للشقاق الواقع بين الزوجين ، فإن تم الصلح بينهما و التوفيق فذاك و إلا فرقا بينهما لأنه لا يجوز ترك الزوجين ، يعيشان حالة شقاق بل يتعين علاجه و لو عن طريـق التفريـق بينهما عند الاقتضاء ، و قد قال بهذا الرأي سعيـد بن المسيب   و إليه ذهب الإمام مالك و و الأوزاعي و الشافعي في أحـد قوليه و ابن حنبل في أحد الروايتين ، و دليلهم في ذلك أن الله تعالى حين قال : " فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها " دل على أنهما حكمان و لو كان وكيلين لقال ابعثوا و كيلا عن الزوجة و وكيلا عن الزوج ، و لهذا لا يعتبر رضا الزوجين لأن الحاكم يحكم بما يراه من المصلحة ، فإن وفق الحكمان إلى الإصلاح كان خيرا و إلا فلهما التفريق بين الزوجين، فقد أخرج التباري في تفسيره عن ابن عباس في الحكمين أنه قال : " فإن اجتمعا أمرهما على أن يفرقا أو يجتمعا فأمرهما جائز " ( الجزء 8 ص : 324 )، و مبنى الخلاف بين الرأيين أن الرأي الأول يعتمد على أن الحكم وكيلا و ليس للوكيل تجاوز ما وكل به فإن وكل الزوجان أو القاضي الحكمين بالتفريق فرقا و إلا فمهمتهما الإصلاح فقط ، و الرأي الثاني يقول أن الحكمين حاكمان أرسلهما القاضي لحل النزاع القائم بين الزوجين ، و الحاكم يفعل ما يرى به المصلحة في حل النزاع إصلاحا أو تفريقا.
و بذلك يلاحظ أن مدونة الأسرة خالفت رأي المالكية بهذا الخصوص متبنية الرأي الأول القائل باقتصار مهمة الحكمين على الإصلاح دون تجاوز ذلك إلى التفريق بين الزوجين ، الذي يبقى طبقا للمادة 97 من اختصاص المحكمة.
[24] - مثلا نموذج كبيك ( Qebec  ) حيث دخل القانون المتعلق بالوساطة الأسرية حيز التنفيذ في فاتح شتنبر 1997، و هو قانون يتيح للأزواج – خاصة ذوي الأطفال – الاستفادة من خدمات وسيط محترف   أثناء التفاوض و تسوية طلب الطلاق أو حضانة الأبناء أو النفقة أو مراجعة حكم سابـق، فهذا القانون يتيح للزوجين الذين يرغبان في تسوية النزاع القائم بينهما بالاتفـاق و التفاوض على حل مرض بحضور وسيـط، كما يتيح لهما إمكانية اللجوء إلى الوساطة قبل اتباع المسطرة القضائية أو أثناءها.
[25] - أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الأقضية ، الجزء الرابع ، ص : 302-303 .
[26] - بعض القوانين المقارنة كالقانـون البلجيكي ، تجعل المصالحة و الوساطة في النزاعات الأسرية ضروريا، و عند حصول الاتفاق عليه يتم تحرير محضر و يصدر حكم بذلك ، أنظر :
Marie these Meulders - klein : les modes alternatifs de Règlement des conflits en matière familiale , Analyse comparative Revue internationale de droit comparé , N 2 / 1997. p . 383 . ets .
[27] - DC FOKKEMA . " Mariage famille en question " , édition , CNRSF P .1980 .P146 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم