الأربعاء، 3 أبريل 2013

قواعد فقه الأسرة في المذهب المالكي - ندوة


إعــداد الــبــاحــثــيــن  : 
عبد القادر الزكاري وعبد الكريم الهواوي



في إطار أشغال التكوين التي يضطلع بها مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي التابع للرابطة المحمدية للعلماء، للإسهام في تكوين وتأهيل جيل جديد من الباحثين المتخصصين في الفقه المالكي:
نظم المركز بشراكة وتعاون مع مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة دورة تكوينية متخصصة، في موضوع:

«قواعد فقه الأسرة في المذهب المالكي»
 
يومي 01ـ 02 جمادى الثانية 1434ﻫ، الموافق 12 ـ 13 أبريل 2013م.
بمقر مركز البحوث والدراسات الإنسانية والاجتماعية بوجدة، (منار المعرفة).

 وقد شارك فيها ما يناهز 800 باحث من مختلف أقطار المغرب، إضافة إلى مشاركين من دول أخرى، مثل: الجزائر، واليمن، وموريتانيا، وليبيا، ومصر، والإمارات، والأردن، والسعودية، ومالي، وغانا، وغينيا، وسينغال، وساحل العالج وماليزيا، وفرنسا، وألمانيا، والنرويج.
وقد أطر هذه الدورةَ فقهاءُ وأساتذة من مختلف الجامعات المعاهد العليا بالمغرب، اشتغلوا خلال يومين، لإعطاء ملخص جامع عن أحكام الأسرة في الفقه المالكي من خلال قواعدها الفقهية.
 
وقد توزعت عروض هاته الدورة على أربع جلسات، إضافة إلى الجلستين الافتتاحية والختامية.
 

الجلسة الافتتاحية: برئاسة الدكتور محمد الروكي
الجمعة فاتح جمادى الثانية 1434ﻫ، الموافق 12 أبريل 2013م
على الساعة 30:9د

  افتتحت الجلسة بقراءة آيات بينات من القرآن الكريم.
ثم تناول الكلمة الأستاذ العلامة محمد الروكي رئيس الجلسة، تحدث فيها عن مناسبة عقد هذه الدورة في مدينة وجدة، بسبب كونها تعرف حراكا ثقافيا وعلميا، كما تحدث على جهود اللجنة المنظمة على تنظيم هذه الدورة، وخص بالذكر الرابطة المحمدية للعلماء، وأثنى على فكرة إنشاء المراكز العلمية بأنها فكرة محمودة، نحن أحوج إليها؛ لما تقوم به من دراسات جادة، ومن نشر مخطوطات ومصنفات، والباحثون في حاجة إلى هذه الجهود،وعلى الرغم من حداثة تأسيس هذه المراكز إلا أنها آتت أكلها، ووصل إشعاعها إلى البيوت والعقول بما يساهم في المغرب المفكر، المغرب الثقافي، ثم تحدث على أهمية موضوعها، حيث إن التشريع الإسلامي أعطى للمرأة عناية بالغة واهتماما واسعا وتفصيلا كثيرا، كما في سورة البقرة والنساء وغيرها، بما يمكن أن نطلق عليه مدونة كاملة لأحكام الأسرة.
كما اهتم العلماء بالأسرة في المصنفات والفروع والكليات والتقديرات في مختلف المذاهب، وعلى رأسها المذهب المالكي فهناك ثروة كبيرة في المذهب متعلقة بالأسرة.
لذلك كان استنطاق هذه القواعد والعمل بها في عصرنا يجعلنا أكثر ارتباطا بالشريعة.
ثم أعطى الكلمة للأستاذ محمد السرار الذي ألقاها نيابة عن السيد الأمين العام للرابطة المحمدية أحمد عبادي، وقد أكد الأمين العام للرابطة المحمدية على أهمية الموضوع، وأنه أهم ما يتعين الاعتناء به، وعلى ذلك تتبين أهمية عقد هذه الدورة، وذكر متابعة الرابطة لهذه الدورة منذ أن كانت فكرة إلى أن صارت مشروعا وواقعا.
وجاء في كلمته أيضا أن الفقه المالكي عالج مشاكل المجتمع فترك تراثا غنيا شاملا، وقد عالج الفقهاء النوازل التي نزلت في عصرهم بصفاء ذهني وغنى فكري ونباهة عقلية وبصرامة منهجية تامة، فلم يسلموا إلا ما سلمته القواعد، ولقد اتسم الفقه المالكي من ذلك بالسمات البارزة التي تبين مدى الاشتغال الفقهي المؤسس على العقل المنظم الصارم.
من أجل ذلك كانت الشعوب الإسلامية أكثر استقرارا اجتماعيا وفكريا وسياسيا، فما أحوجنا إلى تفعيل المرجعية الإسلامية التي هي ركيزة استقرار منظومتنا الاجتماعية.
وشكر الجهة المحتضنة لهذة الدورة، وخص بالذكر رئيس الجامعة وعميد كلية الآداب، والشيخ الدكتور مصطفى بن حمزة، كما خص بالشكر الأستاذ العلمي لما بذله من جهد في تنظيم هذه الدورة، وشكر الأساتذة والباحثين الطلبة المشاركين.  وختم بالدعاء الصالح لأمير المؤمنين الذي يرعى العلم في هذا البلد.
وتلت كلمةَ الأمين العام للرابطة كلمةُ رئيس الجامعة، ألقاها نيابة عنه د عمر أعنان نائب رئيس الجامعة، ذكر فيها أن موضوع الأسرة ليس موضوع الساعة فحسب، بل هو موضوع جميع الساعات، فالأسرة هي نواة المجتمع، فكل ما يهم الأسرة يهم المجتمع فلا بد من تأطيرها تأطيرا يشمل جميع الجوانب الشرعية والقانونية وغيرها، وأكد على أهمية الدورة وشكر المركز المحتضن لها واللجنة المنظمة.
 
ثم قدمت كلمة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة، وألقاها نيابة عنه د عمر أجة نائب العميد، وقد بسط في كلمته أن الأسرة هي ركيزة بناء المجتمع القويم والحياة النقية الصحيحة، فالأسرة هي المدرسة الأولى التي يبنى على أساسها المجتمع، فتعين اتباع ما جاء به الكتاب من أسس وآداب من أجل قيام أسرة راشدة قويمة.
لقد كانت هذه التربية الإسلامية للأسرة هي السبب وراء متانة الأسرة المسلمة بين الأسر الاجتماعية المختلفة.
وقد شكر اللجنة المنظمة والسادة العلماء والأساتذة الباحثين والطلبة المشاركين.
 
من جهته تحدث دعبد الرحيم بودلال مدير مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، وقدم بأنه سعيد باحتضان المركز لهذه الدورة، وبالنظر للظرف التاريخي يعد عقد هذه الدورة من أهم الاختيارات الحضارية، التي يمكن أن تنجزها مؤسسة علمية تسعى إلى بناء المعرفة وركيزتها المعرفة الشرعية، وقد دأب المركز على تأطير كثير من الدورات التكوينية وشعاره الدائم نحو بحثعلمي يسهم في مأسسة المجتمع على أساس علمي.
والأسرة هي اللبنة المحافظة على أصالة المجتمع المتحضر، والدورة رد بأسلوب عملي جد متحرر على من يريد تجاوز الأسرة أو التقليل من شأنها.
 
تلتها كلمة اللجنة المنظمة، ألقاها الأستاذ محمد العلمي، ذكر فيها أن هذه هي الأيام الجامعية الثانية، تنظم بعد سنة من الأيام الجامعية الأولى التي احتضنتها كلية الآداب بالقنيطرة، وكلتاهما تأتي في إطار تصحيح ممنهج لمجموعة من الأحكام والمقابلات الثنائية حول الفقه الإسلامي، والتي تنافي التكوين الجامعي الصحيح، ومن ثم وجب التعرض لهذا الموضوع الحيوي الحساس، الذي ينتظم أحكام الفقه الإسلامي في عقد يجمع خلاصته ولبابه.
وأشار إلى أن أهمية الفقه تزداد من جهة عائده الاجتماعي والثقافي، حيث كان ولا يزال هو عنصر الامتدادالثابت الصحيح بين الماضي والحاضر والمستقبل، الذي ساير الزمن وواكب الأحداث والتطور، وضمن السلم الاجتماعي والتاريخي والهوية الحضارية للأمة الإسلامية.
فلذلك كان الاستبحار في هذا الفقه هو السبيل القويم لتقديم الحلول للمشكلات التي تعترض الحياة الإسلامية العامة والخاصة.
وقد أكد على رفض الانسياق وراء الدعوات المغرضة حول الفقه الإسلامي، مثل القول بـ "أزمة الفقه الإسلامي" و"أزمة التراث"، وما إليها، إذ إن التراث كنز كبير تمتلكه الأمة، ولكنه كنز "مشفَّر" كما يقول المفكر عبد الوهاب المسيري، فيلزمه العمل والجهد من الباحثين، كي يؤتي أكله وينتفع الناس به، لا الطعن عليه، كما أن الأزمة المذكورة ليست أزمة فقه، بل هي أزمة معرفة وقراءة وتقصير في الاطلاع واستيفاء شروط النظر.
ونبه الأستاذ العلمي في الأخير إلى أن القصد الأكبر من هذه الدورة هو تجديد حلقات الدرس، واتصال سند العلم بين الطلاب والعلماء، وإحياء قيم الاحتساب في الطلب والقيام على هذا الشأن وحراسته، وحث الباحثين المشاركين على بذل الجهد واستفراغ الطاقة في الاستفادة من العلماء والأساتذة في هذا الموضوع المهم.
 

الدرس الافتتاحي
بعد الكلمات الافتتاحية، أخذت الدورة في المحاضرة الافتتاحية، وكانت بعنوان:
«رؤية إسلامية لإشكالية الأموال المكتسبة أثناء الفترة الزوجية»

لفضيلة العلامة الفقيه الأصولي الدكتور محمد التاويل، أستاذ كرسي الفقه والأصول بجامع القرويين، وقد ألقاها نيابة عنه تلميذه الأستاذ عبد الرحيم الأمين مدير جامع القرويين.
وقد افتتحت هذه المحاضرة بتقرير أهمية الموضوع، خصوصا في الآونة الأخيرة؛ نتيجة التطور الذي عرفه المجتمع الإسلامي، وكذا خروج المرأة للعمل، وتأثر الدول الإسلامية بثقافات وأنظمة شرقية وغربية، وخاصة بعد صدور مدونة الأسرة المغربية، وما تضمنته مادتها التاسعة والأربعون، الأمر الذي جعل السؤال يطرح بإلحاح عن الحكم الشرعي لما يكتسب من أموال للزوجين أو لأحدهما أثناء الزواج في حالة الفراق أو الوفاة؟
وقد انكسر الحديث في هذه المداخلة على ثلاثة محاور رئيسة، وهي:
المحور الأولى: يتعلق بالأموال المكتسبة للزوج في مرحلة الزوجية في حالة كون الزوجة ربة بيت، ينحصر دورها في عمل المنزل.
المحور الثانية: يتعلق بالأموال المكتسبة في مرحلة الزوجية في حالة كون الزوجة مستقلة بعملها، تتقاضى عليه أجرا خاصا بها من قطاع خاص أو عام، أو تمارس عملا حرا.
المحور الثالثة: يرتبط بالأموال المكتسبة في مرحلة الزوجية في حالة كون الزوجة تعمل في مال زوجها، وتشاركه في تنميته واستثماره.
وقبل الشروع في تفاصيل النقاط السالفة الذكر، أكد فضيلة الفقيه أن الشريعة الإسلامية تقر بمبدإ استقلال الذمم المالية للزوجين، عكس بعض الحضارات والثقافات التي تجعل المرأة وما ملكت لزوجها.
إثرها شرع المحاضر في تفاصيل الموضوع، حسب المحاور التي سطرها سابقا، وبدأ بالمحور الأول، والذي يتعلق بالأموال المكتسبة للزوج في مرحلة الزوجية في حالة كون الزوجة ربة بيت.
وفي مستهل هذا المحور نبه المحاضر إلى أن العمل القضائي المغربي اضطرب في هذه المسألة، واختلفت آراؤه في ذلك، لينتقل بعد ذلك إلى إعطاء رؤيته الاجتهادية المؤصلة على الأدلة والقواعد الشرعية في الموضوع، وبعد التوضيح العلمي للصورة ، رجح المحاضر انفصال الذمة المالية بين الزوجين، ونفى كون الزوجية سببا من أسباب اتحاد ذمتيهما، وبالتالي منع من اقتسام أحدهما مال صاحبه، دون التعاقد المسبق على الشركة، واستدل على ذلك بنصوص كثيرة من الكتاب والسنة، مبينا وجه دلالتها، وكذا إجماع الأمة، معززا ذلك أيضا بالقواعد الفقهية والأصولية في الباب، ليخلص إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك.
وفي ثنايا هذا المحور أورد المحاضر مجموعة من المغالطات والشبهات في الموضوع، وقام بتفنيدها ودحضها والرد عليها.
ليمر بعد ذلك إلى النوع الثاني، الذي يتعلق بالأموال المكتسبة في مرحلة الزوجية، في حالة كون الزوجة مستقلة بعملها، والأمر نفسه في هذا المسألة أيضا، حيث بين أن حكمها عدم الشركة، معضدا ذلك بالأدلة والقواعد الشرعية الواردة في الموضوع، التي تقوي ما ذهب إليه.
لينتهي إلى المحور الثالث الذي اعتبره أيضا مثار جدال وخلاف كبير  بين العلماء، ويتعلق الأمر بالأموال المكتسبة في مرحلة الزوحية في حالة كون الزوجة تعمل في مال زوجها، وتشاركه في تنميته واستثماره، مستفتحا حديثه عن هذه المسألة بأنها هي التي تعرف بمسألة الكد والسعاية، مؤكدا بعدها أن المشهور الذي به الفتوى في الفقه المالكي أن الزوجة لا يلزمها العمل في مال الزوج، وبأن تطوعها بالعمل معه فيه لا يلزم عنه شركتها معه فيه.
لينتقل بعد ذلك إلى تفاصيل المسألة، من خلال ذكر موقف الجمهور وفتوى ابن عرضون الشهيرة في الباب، إلا أنه قبل ذلك - وكعادة العلماء -  قام بتحرير محل النزاع في المسألة، مشيرا إلى أن العمل الذي تقوم به الزوجة في مال زوجها يتنوع إلى نوعين، يختلف الحكم باختلاف طبيعة كل نوع وآثاره المترتبة عنه.
النوع الأول: العمل الصناعي، مثل الخياطة وغزل الصوف... وبين أقوال الفقهاء في ذلك.
النوع الثاني: العمل غير الصناعي، مثل الفلاحة وتربية المواشي والتجارة... وذكر أقوال العلماء في ذلك أيضا.
واختتم هذا الموضوع بمناقشة فتوى ابن عرضون من خلال أربعة أمور، وهي: موضوع الفتوى، وتوثيقها، ومستند ابن عرضون فيها، ومبرراته
 وبعد مناقشة مستفيضة لهذه الفتوى، والرد عليها ـ سندا  ومضمونا ـ أعطى رأيه في المسألة، بناء على الأدلة والقواعد الشرعية.
 

الجلسة المسائية برئاسة الدكتورعمر آجة
افتتحت الجلسة المسائية بعرض الدكتور محمد الروكي رئيس جامعة القرويين:
«القواعد الفقهية لعقد النكاح»
 
وقد صدر الشيخ الروكي كلمته بذكر أهمية القواعد الفقهية، وأنها أهم ما أنجزه الفقهاء في كتبهم، وهي لب الفقه وسره، وخلاصته الدالة على عقلية الفقهاء وسعتها وعمقها، وقد بذل الفقهاء من أجلها جهدا كبيرا، وشملوا في ذلك جميع مضامين الفقه، ولذلك فإننا نمتلك ثورة خصبة في هذه القواعد، وهي أقسام وأنواع متعددة، واقتصر فيما يخص مداخلته على ثلاثة أنواع:
1 ـ  قواعد عامة تدخل فيها أحكام الأسرة وإن كان لم  تخصص لها.
2 ـ  قواعد متعلقة بالعقود بالعقود، وقد تضمنت جملة من أحكام الأسرة كذلك.
3 ـ  قواعد تتعلق خاصة بباب من أبواب الأسرة مثل النكاح والحضانة والأهلية ونحوها. وخص هذا القسم بالحديث، وذكر فيه جملة من القواعد التي تتعلق بالنكاح ومن ذلك:
* هل النكاح من قبيل الأقوات أو التفكهات؟ وذكر أن هذه القاعدة قد أسيء فهمها وطعن على الفقهاء بسببها بحجة أن فيها تحقيرا لشأن المرأة وليست هذه القاعدة فحسب، بل إن كثيرا مما بسطه الفقهاء قد يساء فهمه، بل إن الفقه الإسلامي مستهدف وتوجه الطعون إلى فقهائه كثيرا.
وذكر أن مقصد الفقهاء من هذه القاعدة ليس كما يفهمه هؤلاء وإنما المقصود أن حاجة الإنسان إلى الزواج هل هي ضروية أو كمالية؟ وبنوا على ذلك بعض الفروع الفقهية، ومنها مثلا: إذا كان الشخص يعول أباه الفقير فهل عليه تزويج أبيه أم ليس عليه ذلك؟ خلاف بناء على هذه القاعدة.
* حكم الشيء إنما يعتبر بأصله لا بعوارضه: وقرر فيها أن حكم الزواج تعتريه الخمسة كما قرره الفقهاء إلا أن حكمه الأصلي الندب.
* حكم الحاكم لا يحرم حلالا ولا يحل حراما: ومثاله ثبوت الزوجية بحكم القاضي بناء على شهادة الزور.
* الأصل المعاملة بنقيض المقصود الفاسد، ومثاله الزواج في المرض أو الطلاق فيه ونحو ذلك.
* هل يفسد الصحيح بالنية أو هل العبرة بالمقصود أم بالموجود؟ ومثاله من تزوج المعتدة باعتقاده، ثم تبين أنها كانت انتهت عدتها، فهل زواجه صحيح بناء على الواقع، أو فاسد بناء على نيته ومقصودخ؟
* الاختصاص بالأحكام لا يوجب الاختصاص بالألفاظ، «فكل عقد المعتبر في انعاقد ما يدل على معناه لا صيغة مخصوصة»، والعبرة بما يدل على الإرادة الخفية.
* هل يقدر واحد كاثنين و«أصل مالك اعتبار جهتي الواحد فيقدر اثنين»، ومثاله عقد الولي الوصي زواجه من الموصى عليه.
* هل الساكت على الشيء مقر به، قال: «والمعروف في المذهب أن السكوت لا يدل على الإقرار إلا ما استثناه الدليل»، وذكر في مسألة إذن المرأة صماتها أن ذلك مقيد بالاستبشار، فلو سكتت ورأينا على وجهها علامة السخط فلا يدل السكوت هنا على الرضا.
 
العرض الثاني: «القواعد الفقهية في الولاية وما يتعلق بها»
للأستاذ السفياني
أستاذ كلية الحقوق ـ سلا

وضع المحاضر بين يدي كلمته مقدمة فكرية حول الجدل الدائر بين حركات التحرر الأنثوية "الفيمينزم" وبين دعاة الشريعة الإسلامية وعلمائها حول الولاية على المرأة.
ومن ذلك الجدل الذي ثار حول مدونة الأحوال الشخصية سابقا حيث  اعتبرت من طرف الحركات النسوية أنها عنوان احتقار المرأة، وطالبوا بتغييرها ورفض الولاية، معتمدين على بعض المذاهب الفقهية ظاهرا، إلا أنهميبنون مقولاتهم على مرجعيتهم الحداثية التي تعتمد على أساسين:
أساس المعيارية الذاتية، فكل وحدة ذات سيادة مطلقة، ومرجعية ذاتها، وأن المعيارية لا تتأسس على قيود أخلاقية.
والأساس الثاني: أن المساواة مطلب لا يراعى فيه أية خصوصية، فما يجمع يبين الرجل والمرأة مثلا ليس إنسانيتهما المشتركة وإنما ماديتهما المشتركة.
ثم تعرض لتعريف الولاية لغة واصطلاحا، وشرطيتها وأقسامها، وتحدث على ولاية النسب وشروطها، وتحدث على بعض قواعدها؛ لأنها كثيرة تربو على أربعين قاعدة فقهية كما قال.
وقد قام المحاضر بتحرير مجموعة من القواعد، مقارنا بين المذاهب موازنا بين حججها.
 
العرض الثالث: «كيفية استثمار القواعد والأصول في دراسة فقه الأسرة: الصداق والشروط والعوائد»
للأستاذ محمد الفقير التمسماني
 عميد كلية أصول الدين بتطوان. 

افتتح كلمته بأن تأصيل الفقه الإسلامي يكون بالتقعيد، والتنظير له أهمية بالغة، وهو من الضرورة الملحة.
وجعل مداخلته تستهدف جملة من الأمور:
أولا: التعرف على المناهج التي سلكها أئمتنا في التعامل مع القواعد، وبالاستقراء والتتبع حصر هذه المناهج فيما يلي:
* منهج الاستقراء، ثم منهج الانتقاء، ثم منهج الاستنتاج، ثم منهج الاستثمار.
ثانيا: ربط الطالب الباحث في الفقه المالكي بأصول الفقه وقواعده، حتى لا يخرج عما رسمه الفقهاء من مناهج وضوابط وقواعد ومدارك وأصول.
ثم أشار إلى أن مقولة: أن مسالك النظر محصورة في أصول الفقه غير صحيحة، فقد قال الشيخ عبد الله بن الصديق: «إن العلوم المساعدة على النظر والاعتبار والاجتهاد ستة: أصول الفقه – القواعد الفقهية- المقاصد- تخريج الفرع على الأصول- الفروق – الأشباه والنظائر»، قال: وقد أبدع المالكية في هذه الفنون  إبداعا غير مسبوق.
ثالثا: إزالة الالتباس ورفع الإشكال في مجال التعامل مع المصنفات الفقهية، فتراث المغاربة غني في مجالالأسرة، لكن ما هو المنهج الذي يسلكه الباحث حتى لا يقع في الاضطراب والحيرة، ونموذج ذلك مسألة الكد والسعاية، فهناك اضطراب في استثمار القواعد والتباس في التعامل مع ظروف النازلة وأحوالها. فهي ترجع إلى فقه البادية، والفقه الإسلامي لا يحتوي فقها واحدا، فهناك فقه البادية وفقه القطر وفقه المدينة وغيرها.
وأما حديثه في القواعد الفقهية المتعلقة بالصداق والشروط والعوائد فقد جعلها مبنية تحرير النظر على أساسين اثنين: التصور والتصرف، وذلك في ثلاث عناصر:
الأول: اسثمار القواعد الفقهية في تصور حقيقة الصداق، وبيان ما يتفرع عن ذلك من فروع ومسائل، ثم الشروط ثم العوائد.
وبدأ بالصداق وذكر أهميته، ثم تساءل عن حقيقته واختلاف العلماء المالكية في تناوله، والمحقق عند المالكية أنه ليس شرطا ولا ركنا. ثم تعرض للتعارض الموجود في كتب الفقه في جانب التصور لحقيقة الصداق، والإشكالات المترتبة على ذلك، ثم ذكر بعض القواعد المتلعقة بالصداق، وكذلك ما يمكن أن يستنتج من هذه القواعد، وكذا استثمارها في جانب التصور والتصرف، وعلى نفس هذا المساق عالج قواعد الشروط والعوائد.
 

اليوم الثاني: السبت 02 جمادى الثانية 1434ﻫ، 13 أبريل 2013م
الجلسة الصباحية برئاسة د. محمد العلمي
 
افتتحت الجلسة الصباحية من اليوم الثاني
بعرض للأستاذ الفقيه الحسن الرحموني
عضو المجلس العلمي المحلي بوجدة في موضوع «القواعد الفقهية المتعلقة بموانع النكاح».

وطأ الأستاذ المحاضر مداخلته بمقدمة قرر فيها أن الشريعة الإسلامية اشتملت على أصول وفروع، وأن أصولها قسمان:
أحدهما: المسمى أصول الفقه، وهو الذي يبحث فيه عن الأصول، سواء المتفق عليها كالكتاب والسنة أو الإجماع، أو الأصول المختلف فيها، كقول الصحابي، وشرع من قبلنا...
والقسم الثاني: قواعد كلية فقهية،  كثيرة العدد، وهي قواعد مهمة مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، وفيثنايا هذا التقديم عرج على نص للإمام القرافي الذي يقول فيه: «من ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات» ليبين من خلاله أهمية معرفة القواعد الفقهية.
ثم ذكر أن هذه القواعد بعضها يدخل في جميع أبواب الفقه، كقاعدة: «الشك ملغى»، وبعضها يتعلق ببعض أبواب الفقه كقاعدة: «يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب».
وقد التزم المحاضر بالبدء بالقواعد التي تعم جميع أبواب الفقه من قبيل قول القرافي: « كل مشكوك فيه ملغى في الشريعة»، ثم شرع في بيان معناها، وذكر بعض تطبيقاتها على موضوع مداخلته وغيرها من أبواب الفقه.
ثم استطرد الأستاذ في الحديث عن الإدراك، وأن الأصوليين يقسمونه إلى أربعة أقسام: علم يقين، وظن، وشك، ووهم، ليخلص إلى أن الفقهاء يأخذون باليقين والظن، ولا يأخذون بالشك والوهم.
ثم عاد مؤكدا أن القاعدة المتحدث عنها، هي من القواعد العامة، والتي هي: «الضرر يزال»، و«العادة محكمة»، و«اليقين لا يرفع بالشك» و«المشقة تجلب التيسير».
 لينتقل إثرها إلى ذكر القواعد التي تشمل بابا واحدا، مركزا على التي تتعلق بموانع النكاح فقط، مثل:
* «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، حيث ذكر مستندها من السنة، ومعناها، مع التمثيل لها، وبيان ما يندرج تحتها من فروع، ذاكرا أقوال العلماء في ذلك، مع عد مجموعة من الأحكام المستنبطة منها.
وختم مداخلته بسرد بعض قواعد موانع النكاح.
 
العرض الثاني: «قواعد الفساد في عقد النكاح»
للأستاذ جميل مبارك
أستاذ كلية الشريعة بأكادير، ورئيس المجلس العلمي بأكادير

صدر الأستاذ المحاضر مداخلته بأربع ملحوظات:
الأولى: أن هذه القواعد -موضوع العرض- كلها خاصة بعقد النكاح إلا واحدة فتعمه وغيره، وهي قاعدة «الصحيح هل يفسد بالنية».
الثانية: أن جميع هذه القواعد مفتتحة بكلمة كل، إلا واحدة، هي التي ذكرت آنفا.
الثالثة: أن معظم هذه القواعد حصل خلاف في مضمونها.
الرابعة: أن المضمون الفقهي لهذه القواعد ينبغي أن يكون موضوع الدراسة من  الباحثين.
بعد هذه الملاحظ شرع في ذكر جملة من القواعد المتعلقة بعقد النكاح، مصحوبة بشرح يبين معناها، وأمثلة تزيدها توضيحا. ومن القواعد التي أتى بها في هذا العرض ما يلي:
* «القاعدة الأولى: الصحيح هل يفسد بالنية أم لا؟»
وأشار فضيلته أن عبارة القاعدة تشير إلى وقوع الخلاف في الحكم؛ لأن كل قاعدة احتوت على أداة الاستفهام"هل"، فهي محل خلاف داخل المذهب المالكي، ومن ثم فكل الذين تناولوها بالشرح يبدؤون بهذا الخلاف، كقول المقري مثلا: (القاعدة: 569): «اختلف المالكية في  فساد الصحيح بنية..».
ثم ساق مجموعة من النماذج والأمثلة لتوضيح القاعدة، بعضها في عقد النكاح، وأخرى في غيره، من قبيل: من تزوج امرأة وهي في عدتها في ظنه، فإذا هي قد انقضت عدتها في الواقع، حيث قال: فإذا نظرنا إلى نيته، وهي زواج المعتدة، فسد النكاح بهذه النية، وإذا نظرنا إلى الواقع، وهو أنها منقضية العدة صح النكاح، وأشار إلى أن بعض الفقهاء قد جعل هذا القاعدة فرعا لقاعدة أخرى، وهي: «هل النظر إلى المقصود أو إلى الموجود».
ثم أتى بأمثلة أخرى خارج عقد النكاح.
* القاعدة الثانية: «كل معتدة وطئت بنكاح أو شبهة فقد حرمت على واطئها للأبد، وقيل: بالعقد فيها والوطء مطلقا».
القاعدة الثالثة: «كل مستبرأة وطئت بحلال أو شبهة كذلك، إلا من وطء ملك بملك، وفي النكاح خلاف».
وقد نبه الأستاذ المحاضر إلى أنه ساق هاتين القاعدتين في مساق واحد لارتباطهما؛ لأنهما معا في العدة والاستبراء، وحكمهما واحد كما تفهمه كلمة "كذلك" في القاعدة الثانية، ثم بين معنى القاعدتين.
* القاعدة الرابعة: «كل نكاح فسد لصداقه فإن الدخول يمضيه بالمثل أو الإكمال، بخلاف الإسقاط».
وقد وقف الأستاذ مع هذه القاعدة مبينا فيها أن النكاح إما أن يكون صحيحا أو فاسدا، وأن الصحيح ما توفرت في الأركان والشروط، والفاسد إما أن يؤول إلى الفسخ، وإما أن يتدارك ما فيه من الاختلال، فيعود إلى الصحة، فالنكاح الذي يعود الفساد فيه إلى أصل العقد، فإن حكمه الفسخ، سواء ظهر العيب قبل البناء أو بعده، والنكاح الذي يعود الفساد فيه إلى الصداق، فيفرق فيه ما قبل البناء فيفسخ، وما بعده فيصحح بصداق المثل، ذاكرا أن هذا ما تشير إليه القاعد المذكورة.
* القاعدة الخامسة: «كل نكاح اختلف فيه، فإنه يُحرم عقده ووطؤه، بخلاف عقد ما حرمه النص».
* القاعدة السادسة: «كل نكاح أجمع على فساده، فالمعتبر وطؤه، لا عقده بخلاف فيما لا يدرأ الحد».
وقد أشار الأستاذ أيضا إلى أنه أورد هاتين القاعدين في مساق واحد لارتباطهما؛ فموضوعهما هو نشر الحرمة بالمصاهرة، ثم بين معناهما معا، وأورد أمثلة توضحهما.
* القاعدة السابعة: «كل نكاح مجمع على فساده، أو محرم بالنص، أو لحق الورثة، فإنه يفسخ أبدا».
* القاعدة الثامنة: «كل نكاح اختلف في إجازته وفسخه، ففسخه بطلاق، وفيه ما ذكر الصداق والعدة والميراث إن لم يفسخ».
* القاعدة التاسعة: «كل نكاح لأحد إمضاؤه وفسخه، ففسخه بطلاق وفيه الصداق والعدة والميراث إن لم يفسخ».
* القاعدة العاشرة: «كل ما فسخ قبل البناء فلا صداق فيه، وأما بعد البناء فالمسمى».
مختتما أن هاته القاعدة مرتبطة باللواتي قبلها أيضا.
 
العرض الثالث: «قواعد الحقوق المرتبة على الزوجية»
للأستاذ  محمد السرار أستاذ بكلية الشريعة بفاس جامعة القرويين
ورئيس مركز البحوث والدراسات في الحديث النبوي الشريف والسيرة العطرة. 

عالج الأستاذ المحاضر هذه الموضوع من خلال تقسيمه إلى قسمين:
القسم الأول: تناول فيه تعاريف بعض الألفاظ المستعملة في عنوان العرض، وهو القواعد - الحقوق – الزوجية.
القسم الثاني: خصه لذكر جملة من قواعد الحقوق المرتبة على الزوجية.
أما عن القسم الأول، فقد أكد الأستاذ أن هذا القسم هو في غاية الأهمية، حيث أشار إلى أنه -حسب بحثه- لم يقف على تعريف محرر للحق عند الفقهاء، تعريفا خارجا مخرج التعريف بالحد.
واعتبر أن من أعظم الإشكالات المتعلقة بهذا العرض هو تعيين الحق وتحديده وتعريفه تعريفا جامعا مانعا، على وفق صناعة الحدود.
ليبدأ في تعريف هذه المصطلحات بتعريف الحق، لغة، وأنه يطلق على معان متعددة، منها: * خلاف الباطل، وهو تعريف بالضد، وعلى الثابت الواجب، والثابت الذي لا يسوغ إنكاره.
ثم ذكر أن لأئمة اللغة المتأخرين معانيَ أخرى طرأ أغلبها بالشرح، كقولهم: الحق من أسماء الله تعالى ومن صفاته...
وبعد إعطاء الدلالة اللغوية للحق، ذكر إطلاقاته في القرآن الكريم، وأشار إلى أن الراغب الأصفهاني، حصره في أربعة إطلاقات، ثم بين استعمالاته في الحديث النبوي الشريف، لينتقل إلى تعريفه في الاصطلاح، مشيرا أن الجرجاني تردد فيه، وعرفه مرتين متتابعتين.
وخلص المحاضر إلى أن الحق يمكن إرجاعه إلى ما ثبت به الشيء تجاه آخر أو أكثر، ووجب له.
لينتقل بعد ذلك إلى المصطلح الثاني الذي هو الزوجية، وأن معناه هو حال كون الرجل والمرأة قد جمع بينهما عقد شرعي.
أما عن الحقوق المترتبة عليهما فقد نبه المحاضر إلى أنها كثيرة جدا، فمنها: ما يترتب للطرفين، كالنفقة على الرجل والطاعة من المرأة، وما يترتب للأولاد الناشئين عنها، كالنفقة والرضاع.
وأما عن مصطلح «القواعد» فقد أشار إلى أن القواعد تتنوع إلى نوعين:
النوع الأول: قواعد عامة، وهي قواعد تندرج تحتها أحكام فرعية لعدة أبواب فقهية، كقاعدة الضرر  يزال...
النوع الثاني: قواعد خاصة، وهي التي تنتظم تحتها أحكام فرعية في باب واحد، أو أبواب خاصة من الفقه، كقاعدة السفيه والصبي لا تنفذ تصرفاتهما صونا لمالهما على مصالحهما، وتنفذ وصاياهما صونا لمالهما على مصالحهما.
أما القسم الثاني: فقد خصه لذكر جملة من قواعد الحقوق المرتبة على الزوجية، وأشار في مستهل هذا القسم إلى أن هذه الحقوق كثيرة ومتسعة، حيث إنها تشمل العلاقة منذ إنشاء العقد، وتستمر معه في بعض أحوال العدة.
وفي هذا القسم عرض لجملة من القواعد المتعلقة بالحقوق المرتبة على الزوجية، وقد جعل البحث في هذه القواعد على سبعة أقسام، ذاكرا تحت بعضا جملة من القواعد:
* جهة تعيينها.
* جهة الوجه الذي ثبتت به الحقوق.
* جهة مقدار الثابت منها.
* جهة وقت ثبوتها.
* جهة تحصيل الموجود منها.
* جهة تحصيل المفقود منها.
* جهة الترجيح بين الحقوق عند التجاذب.
وقد ذكر تحت الأقسام بعض القواعد المتعلقة بها.
 
العرض الرابع: «قواعد الطلاق والخلع والرجعة»
للأستاذ محمد المصلح
أستاذ بكلية الآداب جامعة محمد الأول، وجدة.

افتتح الأستاذ المحاضر هذه المداخلة بقاعدتين تؤصلان لأحكام الأبضاع والاحتياط فيها ... وابتدأ بالقاعدة المقررة في الفقه الإسلامي، وهي: «أن الأصل في الأبضاع الحرمة حتى يثبت فيها دليل التحليل، وأن الأصل في غيرها الإباحة حتى يرد فيها التحريم»، وأنه بناء على ذلك جاء فقه الأسرة مبنيا عموما على قاعدة الاحتياط بالنسبة لفروعه.
وأشار الأستاذ إلى أن فقهاء المالكية حافظوا على الاحتياط واعتمدوا جملة من الأصول والقواعد والضوابط للإبقاء عليه، ومن أبرزها: العرف السائد الذي يحيل عليه الفقه المالكي.
كما أنه اعتبر أن من القواعد الفقهية الكلية التي يتجلى فيها حرص المالكية على الاحتياط، قاعدة: «الاحتياط في الخروج من الحرمة إلى الإباحة أشد منه في العكس».
إثر هذه المقدمة أعطى تعريفا موجزا للطلاق، وهو: «صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته»، كما قال ابن عرفة،  لينتقل إلى: ذكر ألفاظ الطلاق أو الصيغة وعلاقتها بالنية والقواعد المعبرة عن ذلك.
وذكر أن ألفاظ الطلاق عند المالكية من حيث وقوعها وعدمه تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
* اللفظ الصريح وينحصر في لفظ الطلاق ومشتقاته، كأنت طالق، وطلقتك ... وما إلى ذلك من جذع هاته الكلمة.
* اللفظ الثاني: الكناية الظاهرة، وهي لفظ مستعمل عرفا لإرادة الطلاق، كأنت بتة...
* أما المستوى الثالث من الألفاظ المستعملة في الطلاق، فهي الكناية الخفية، والتي  يقصد بها اللفظ الذي لا يدل على إرادة الطلاق لغة ولا عرفا، مثل اذهبي، انصرفي...
بعدها تعرض لذكر جملة من القواعد الفقهية تتعلق بالمستويات الثلاثة، من قبيل:
قاعدة «كل كناية ظاهرة في الطلاق فهي ثلاث، إلا أن ينوي الواحدة في غير المدخول بها، في غير البتة مطلقا، أو غير "حبلك على غاربك" على المدونة لا على المشهور».
ثم تعرض لبعض القواعد الخاصة بالباب شرحا وتمثيلا، مثل:
* «كل ما سوى النكاح والطلاق والعتق فهزله هزل، وهزلها جد على المشهور»، كقاعدة للكناية الظاهرة.
* «كل لفظ نوي به الطلاق مما ليس له به فهو ما نوى به، أو مطلقه، وفي وقعه بالكلام النفسي خلاف، بخلاف النية» كقاعدة للكناية الخفية، ثم ناقش الخلافات وبين المشهور عن الإمام مالك.
ثم تعرض لمبحث التخيير والتمليك في الطلاق، وذكر أقوال علماء المذهب في ذلك، ثم الشرط والمشروط في الطلاق والقاعدة في ذلك: «هل يقع الشرط والمشروط معا أو يتأخر الشرط على المشروط، و ذكر الحالات الثلاث الممكنة في ذلك، ومثل لها، وذكر اختيارات العلماء في ذلك، ليعتذر في النهاية عن عدم إتمامه العرض لضيق الوقت...
ثم ختم بسرد بعض القواعد سردا نظرا لضيق الوقت.
 
العرض الخامس: «قواعد العدة والاستبراء و الحضانة»
للأستاذ محمد الحسن شرحبيلي
  أستاذ بكلية الشريعة بأكادير

     استهل الأستاذ المحاضر مداخلته بالحديث عن مشكلة البكارة في العرف المغربي، من خلال مقال نُشِر في إحدى الجرائد اليومية المغربية، مفاده نشوب نزاع أثناء زفاف بين عائلتي العروس والعريس، بسبب البكارة،  ثم تساءل الأستاذ: هل يعتبر فقدها عيبا ترد به الزوجية؟ فأجاب قائلا: إنه عندنا في المذهب المالكي، لا تعد الثيوبة عيبا من العيوب التي ترد بها الزوجة، إلا إذا اشترطه الزوج؛ لأنها قد تفقد بأمر خلقي، وقد تكون بكارة غير سليمة خلقيا...
بعد هذه المقدمة شرع في بيان معنى العدة لغة، وأنها من العَدد، لقوله تعالى على لسان أصحاب الكهف: ﴿قل ربي أعلم بعدتهم﴾، أي: عددهم، كما عرفها اصطلاحا، بأنها: مدة زمنية تتربص بها المرأة، أي: تنتظر، وتستغني عن الزواج بعد وفاة زوجها، أو فراقه لها، وتنتهي مدتها بالولادة أو الإقراء أو الأشهر.
ثم تحدث عن سببها،  وأنه موت الزوج أو طلاقه المدخول بها.
إثرها شرع في بيان مجموعة من الأحكام المتعلقة بالعدة، ذاكرا أقوال العلماء في ذلك.
وفي مختتم حديثه عن العدة، أكد على أنه ينبعي مراعاة الأعراف والعادات ما دامت لا تخالف حكما شرعيا؛ اتقاء للمشاكل التي تحدث بسبب ذلك.
ليمر بعدها إلى الكلام عن الاستبراء، وكعادته بدأه بالمدلول اللغوي، وأنه: مأخوذ من التبرؤ والتخلص، كما عرفه في الاصطلاح بأنه: «مدة دليل براءة الرحم لا لرفع عصمة أو طلاق»، كما قال ابن عرفة، ولم يفت الأستاذ المحاضر التفريق بين العدة والاستبراء.
وفي نفس المنهج أيضا ينتقل إلى الحديث عن أحكام الاستبراء، وما يتعلق به، وذكر أن استبراء الحرة يكون بثلاث حيضات كعدتها على المشهور من المذهب، واستشهد لذلك بنظم للشيخ علي الأجهوري بقوله:
والحرة استبراؤها كالعدة *** لا في لعان أو زنى أو ردة
لينتهي بعد ذلك إلى الحديث عن الحضانة، ذاكرا بعض أحكامها على وجه العجلة، وبين في الأخير أن المدونة خالفت المشهور في مذهب مالك في هذا الباب وأوضح وجه المخالفة في ذلك.
     وأنهى مداخلته بذكر جملة من قواعد العدة والاستبراء من قبيل:
* ذكر أسباب العدة... * الفرق بين عدة الطلاق  وعدة الوفاة...
وختم الأستاذ مداخلته بنكتة لطيفة مفادها: أن العلم بالخلاف في المذهب استيعاب للسنة وخلافات الصحابة.
 


الجلسة المسائية برئاسة الدكتور عد القادر بيطار
 
العرض الأول: «قواعد العيوب و النزاعات الزوجية»
للأستاذ سعيد الكملي
أستاذ كرسي الإمام مالك بمسجد السنة

افتتحت هذه المداخلة بمدخل من خلاله ولج الأستاذ المحاضر إلى الموضوع المخصص له، وهو أن عقد النكاح إذا ثبت ترتبت عليه آثار عدة، من بينها الخيار، وأن هذا الأخير يثبت بأسباب، ومن هذه الأسباب ما توجب الخيار وإن لم تشترط؛ وهي ما يسميها الفقهاء بالعيوب، وذكر أنه ليس كل عيب موجب للخيار، وأشار إلى أن أكثر ما يستدل به كأصل للخيار حادثة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من امرأة من بني غفار، ثم طلقها للبرص، إلا أنه من ضعيف الحديث.
 ثم قرر أن كل عيب يثبت به الخيار لا يجوز لأحد من الطرفين أن يكتمه، لكن يجوز لغير الطرفين أن يكتمه.
     ثم بعد هذا المدخل حصر الأستاذ هذه العيوب في ثلاثة عشر عيبا، وذكر أنها تتنوع إلى ثلاثة أنواع:
* أربعة مشتركة بين الزوجين.
* وخمسة تختص بالأنثى.
* وأربعة تختص بالذكر .
واستشهد بقول الشيخ محمد البشار في الباب بقوله:
وأثبتوا الخيار للزوجين
 
أو واحد بما طرا من شَيْن

عذيطة جنٌّ جذام أو برص

 
اشترَك الزوجين والأنثى تُخَص

ببَخْر الفرج والافضا والعفَل

 
وللدوا قرنا ورَتْقا بالأجل

وعيبه جَبٌّ خِصا وعُنَّه ْ

 
ثم اعتراض خيِّرت فيهنَّهْ

ليقف بعد ذلك مع شرح بعض المصطلحات الغامضة التي تحتاج إلى شرح وبيان.
كما أنه أشار إلى أن هذه العيوب التي يثبت بها الخيار هي في مجملها إما راجعة للشخص أو راجعة للفرج، وأن أكثرها راجعة للفرج.
مستدركا أن هذه العيوب منها ما ثبت بالأثر، وأكثرها عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومنها ما ثبت بالقياس.
ثم بين أن كل عيب سوى الثلاثة عشر الثابتة؛ لا يثبت الخيار به إلا إذا اشترط في العقد، ونبه أن هذه الشروط أكثرها غير صالح في زماننا.
إثرها شرع في تقرير مجموعة من الأحكام المتعلقة بالخيار بالعيب، ومنها:
* متى يثبت الخيار بسبب هذه العيوب الثابتة؟ وأجاب إلى أنه يثبت بها الخيار إذا كانت قبل العقد، وإذا لم يكن الطرف المتضرر عالما بها.
* هل كل من قام به العيب فتضرر صاحبه  فرفع أمره إلى القاضي فرق بينهما في الحال؟
     ثم بين أنه قد تقع النزاعات بأسباب أخرى، وذكر من بينها:
* المهر: حيث يختلف الزوجان، فيقول الزوج أنا أعطيت، وتقول الزوجة أنا ما أخذت، ثم إن النزاع في المهر قد يكون في قدره، أو يتنازعان في جنسه وقد يكون في قبضه...
وهذه النزاعات كلها فيها قواعد، لكن القاعدة العامة في النزاعات هي قاعدة: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر»، ثم بين كيفية التمييز بين المدعي والمدعى عليه؛ حيث إن «المدعي هو الذي يكون ظاهر الحال لا يشهد له، والمدعى عليه هو الذي يكون ظاهر الحال شاهدا له»، ونبه إلى أن هذا التمييز يحتاج إليه لمعرفة من يطالب بالبينة ومن لا يطالب بها؟
 ثم ذكر أن القواعد الخاصة بهذا الباب محصورة في ستة عشر قاعدة، ليشرع بعد ذلك في تقرير مجموعة من القواعد التي تنظم هذا الباب من بينها:
* «كل تصرف لا يترتب عليه مقصوده لا يشرع» وأورد مجموعة من الأمثلة والصور لهذه القاعدة في الموضوع المتحدث عنه، وقام ببيانها، وشرحها، مع ذكر اختلاف العلماء في ذلك.
* وذكر أيضا من القواعد التي يرجع إليها في هذا الباب ولها تعلق بأبواب أخرى، قاعدة: «العلة إذا زالت زال الحكم»، وبين أنها ليست على إطلاقها، وإنما الصواب، «هل إذا زالت العلة يزول الحكم؟»، وقد حقق هذه القاعدة، حيث إن لها جهتين إذا زالت يزول الحكم.
 الأولى: إذا كانت العلة منصوصا عليها، إذا زالت زال الحكم؟ ومثل لها بأمثلة، مثل حديث الدافة.
 الثانية: إذا كانت العلة مجمعا عليها، وما عدا هذا فهو العلة التي يختلفون فيها، وهو موضع النزاع، ثم ذكر صورا وتطبيقات لهذه القاعدة.
* الرد بالبيع هل هو نقض للبيع من أصله، أو هو ابتداء بيع؟ ثم شرح أيضا هذه القاعدة، مع ذكر أقوال العلماء في المسألة، وأتى بمجموعة من الصور للقاعدة.
* إذا تعارض الأصل والغالب هل يؤخذ بالأصل أو يؤخذ بالغالب؟ قام أيضا بشرح القاعدة أيضا، وأتى بصور للقاعدة في الموضوع المتحدث عنه وفي غيره.

العرض الثاني: «قواعد اللعان والاستلحاق»
للأستاذ محمد المربح
عضو المجلس العلمي بوجدة

عرض المحاضر في بداية كلمته طريقتين في تناول القواعد الفقهية والفروع التي تنبني عليها، فهناك طريقة المعاصرين الذي يبدؤون بالقواعد، ثم ينظرون الفروع التي تتفرع منها، وأما طريقة القدماء فإنهم يبدؤون بالفروع الفقهية حتى يصلون للضابط الجامع بينها وهو القاعدة الفقهية.
واختار في كلمته الطريقة الثانية، ولذلك بدأ بتعريف الاستلحاق لغة واصطلاحا، ثم شروط الاستلحاق، وتحدث عما جاء في الشيخ خليل في الموضوع، وكذلك حديث ابن زمعة، وأخيرا ترجيح مذهب مالك في المسألة.
أما في اللعان، فإنه تحدث عن حقيقته، وعن صوره وحصر الكلام فيه من خلال أربعة قواعد:
كل نكاح يلحق فيه الولد فيه اللعان، وكل من يجوز طلاقه يجوز لعانه، وكل من صحت يمينه صح لعانه، وكل ما يحد الأجنبي فيه يلاعن الزوج فيه زوجته.
ثم تحدث على موانع اللعان، وجعله ثلاثة أنواع، ما يمنع الحكم ابتداء ودواما، وما يمنعه ابتداء فقط، وما يمنعه دواما فقط. وختم بخلاصة لبحثه.

الدرس الختامي« نظرات في مدونة الأسرة»
للعلامة الفقيه الأستاذ مصطفى بنحمزة 

قدم الأستاذ مصطفى بنحمزة كلمته بأن الحديث في موضوع مدونة الأسرة له أهمية وضرورة، ثم عرج بالذكر على بعض التيارات التي تمارس إقصاء ممنهجا للشريعة الإسلامية من الحياة العامة بصفة عامة، ومن حياة الأسرة بصفة خاصة، فهذا التيار لا يعنيه الحكم الشرعي ولا يعنيه المذهب المالكي، بل كل ما يعنيه من المدونة أنها المظهر الباقي للشريعة المقننة، وعليه، فإنه ينبغي تجاوزها إلى مدونة لا أثر للشريعة فيها.
 وقد وضح الأستاذ بنحمزة المخاطر الكبيرة التي تتعرض لها الشريعة من طرف هذا التيار، وأن هناك مراهنة على الزمن من أجل تفكيك ما بقي منها، والزمن جزء من العلاج؛ لذلك اعتبرها قضية حضارية قضية الوجود الإسلامي عموما أو عدم وجوده، ومن ثم وجب أن يصير الحديث حول الأسرة حديث المجتمع والأمة عوض أن يبقى مرهونا بالصالونات المغلقة.
أما فيما يخص مدونة الأسرة، فإنه نبه إلى أن كثيرا من الأحكام حول المدونة هي انطباعات وأحكام قيمة معممة، دون أن تكلف نفسها عناء البحث والاشتغال والمراجعة والكد العلمي.
وحصر كلمته في ثلاثة محاور:
الأول: معالم تحقيق المساواة في المدونة بين الزوجة والزوج.
الثاني: صلة المدونة بالمرجعية الإسلامية.
الثالث: حصر ما أضافته المدونة.
وبالنسبة للمحور الأول ذكر أن المساواة قبل أن تكون قيمة من القيم الإنسانية إبان النهضة الغربية كان موضوع المساواة موضوعا رئيسيا في الفقه الإسلامي، وقد قرر الفقهاء أن المساواة مقصد من مقاصد الإسلام، وبالإضافة إلى ذلك فإن الإسلام له مفهوم خاص للمساواة الذي يحقق العدل والكرامة للجميع، وقد كانت المرأة دائما سعيدة بهذا النوع من المساواة، وقد عكست المدونة هذه النظرة التكاملية للمساواة.
أما مدونة الأسرة وسؤال المرجعية، فإن فصل المدونة عن الشريعة حكم بالمستحيل، والصحيح أن المدونة شريعة مقننة ليسهل تطبيقها في القضاء، وما كان لها أن تخرج من عباءة الفقه.
وقد تناول الأستاذ المحاضر شواهد استمداد المدونة من الشريعة من القرآن والسنة والفقه، بل ذكر أن المدونة نصت على مرجعيتها حيث ورد فيها ذكر كلمة شريعة أو شرعي 88 مرة، بالإضافة للمعجم الفقهي الذي يطغى على كل موادها.
وختم كلمته بذكر سلبيات المدونة ومن ذلك:
* كثرة إحالة المدونة على مسطرة الشقاق، واعتبر أن مسطرة الشقاق ثغرة كبيرة في المدونة وأنها أضرت بالأسرة، وهي سبب كبير للطلاق في المغرب.
* سماع دعوى إثبات الزوجية في نطاق خمس سنوات، ثم أضيفت لها خمس سنوات أخرى ،وقد اعتبرها أيضا ظلما كبيرا للمرأة والأطفال، وأنها تفتقد إلى الواقعية.
وختم كلمته بالتأكيد على أهمية الدورة، وعلى أهمية البحث العلمي الرصين، ودعا إلى تنظيم مثل الدورات المفيدة.
 
الجلسة الختامية
 اختتمت أشغال هذه الدورة العلمية المباركة، بجلسة ختامية، جاء فيها كلمة باسم الباحثين المشاركين، ألقتها الأستاذة شعشوعة من جامعة وهران، وكذا قصيدة لأحد الطلبة المشاركين من وحي المناسبة، ليكون مسك ختامها، هو ما افتتحت به: آيات بينات من الذكر الحكيم.

عن موقع: http://www.alfiqh.ma/Article.aspx?C=5756

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

المسؤوليات الإداريَّة للأُسرة في الشريعة والاجتهادات الفقهيَّة ومدى موافقتها للعقل السليم والفطرة الإنسانيَّة [ بحث في الشريعة والقانون ] مع المقارنة بالأديان ..





المسؤوليات الإداريَّة للأُسرة
في
الشريعة الإسلاميَّة والاجتهادات الفقهيَّة
ومدى موافقتها للعقل السليم والفطرة الإنسانيَّة
[ بحث في الشريعة والقانون ]
مع المقارنة بالأديان .. اليهوديَّة والنصرانيَّة والصابئيَّة واليزيديَّة

للدكتور
محمد محروس المدرس الأعظمي
رئيس منتدى الإمام أبي حنيفة t [ سابقاً ] ومدرس في كليَّة الإمام الأعظم [سابقاً ]
والمحاضر في كليَّات .. القانون والشرطة والتراث الجامعة
ومدير المدارس الدينيَّة العراقيَّة [ سابقاً ] ومدير الدراسات الدينيَّة في وزارة الأوقاف العراقيَّة
[ سابقاً ]
والمشاور القانوني للوزارة [ سابقاً ]
الإهداء
إلى  مشايخي الكرام ، والعلماء الأعلام ، الذين تشرفت بالتلّقي والأخذ عنهم  ،  في  : العراق ، ومصر ، والحجاز ، والهند ،  والشام .
وإلى … مؤسس المجـــــد العلمي لأجدادنا آل العلقبند العـلاَّمة الشيخ مصطفى العلقبند  الأعظمي الطائي
مفتي الحنفية ببغداد المحمية
و لأولاده  وأحفاده  من العلماء  الأمجاد الأعلام
الذين تنوّر بهم الزمان في بغداد دار السلام
إليهم جميعا     أُهدي كتابي هذا


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدِّمة
   الحمد لله ناصر المؤمنين ، بالحجَّة والبرهان المبين ، وأيَّد بهما أحكام الدين،   )إنَّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد !  يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [1] .
( يا أيُّها الناس قد جاءكم برهانٌ من ربِّكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً !  فأمَّا الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيُدخِلُهُم في رحمةٍ منه وفضلٍ ويهديهم إليه صراطاً مستقيما ) [2] .
   وأصلي وأسلم على النبيِّ الأمين ، الهادي إلى السبيل الأمين [3]، والمهيع المستبين ، الذي بلَّغ بما نطق به الكتاب ، حجَّة على ذوي الألباب ،أصحاب السداد الذين بما عقلوا يعملون ، ( .. ويُريكم آياته لعلَّكم تعقلون  )[4] ، ( وكذلك  يُبيِّن لكم  آياته  لعلكم  تعقلون  ) [5] ، ( .. كذلك  يبيِّن الله  لكم  الآيات  لعلكم تتفكرون  ) [6] .
    والصلوات التامات الكاملات البهيِّات المتلألئات ، على أصحاب نبيِّنا المهديين الهُداة ، الذين آمنوا بعدما عقلوا ، واهتدوا بما وُهبوا ، فهاموا بالدين بعدما علقوا ، وسلَّموا فيما وراء ذلك ، فبانت لهم الحِكم تترى فيما هنالك ، فآمنوا في المعقول بعقلٍ نيِّر ، وسلَّموا في غيره بقلبٍ لم يتغيَّر ، فبخٍ بخٍ لأصحاب نبيٍّ لم يبلغ أصحاب نبيٍّ قبلهم شأوهم ، و ( .. هو الذي  أيَّدك بنصره  والمؤمنين  )[7]، فنجَّاهم الله U من حرِّ لظى سعير الآخرة بما عقلوا وعلِقوا[8] ، فنجوا من ذلك الشهيق والزفير[9] ، ولم يكونوا ممن :
  ( .. يسمعون  كلام الله ثم يُحرِّفونه  من بعد ما عَقَلوه  وهم يعلمون  )[10] .
  وأصلي وأسلم على من لا يتمُّ إيمان مؤمنٍ دون الصلاة عليهم والتسليم ، أعني بهم آل بيت النبيِّ الكريم .
  وعلى كلِّ مؤمنٍ تقيٍّ ، لبيب بالحبيب حفيِّ ، آمن إيمان البحث والدراسة والتقصِّي ، مع الإتِّباع والتأسي ، لا إيمان التقليد والهوى ، أو إيمانٌ تنقصه الحجَّة ويقوم على مجرد الدعوى ، فأعْمَلَ الفِكر ، بدرسٍ وتبصُّرٍ كان له بركةً في العمر ، ومنجاةً في يوم الحشر .
  وبعد ~~
 فمن أشرنا إليهم من المؤمنين هم في أزماننا عليهم التعويل ، وبهم يكون حقيقةً التأميل ، ليتأسوا بإسلوبٍ ناجع ناجح ، لإمامٍ في الأمة - إن شاء الله - فالح ، وهو الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان ، عين أعيان كلِّ زمان ، فقد علَّم ذلك الإمام الهمام أحد تلامذته منهجاً علميَّاً ، واُسلوباً إقناعيَّاً  إسلامياً ، ما أجدره بشبابنا اليوم .
  فحينما أصبح أحد تلامذته قاضياً في البصرة ، أوصاه .. ألا يقول لهم إنِّي كوفيِّ المذهب ، أرأيتيِّ المشرب ، وذلك لأول وهلة ، بل عليه أن يُقرر المسألة واستدلالاتها ، ووجوهها وموارد استنباطاتها ، حتى إذا رأى الإعجاب بادياً في وجُوههم ، ومعبرين عنه بألسنتهم .. فقل لهم - حينئذ - هذا مذهب أهل الرأي .. وهذا هو مذهب الكوفيين ! .
  فيا أيُّها الشباب .. يا عدَّة اليوم ، وذخيرة المستقبل ، يا من ستتلقون الأمانة ، وستحملون الراية والهداية بعد حين بلا إعانة ، فكلُّ من ترون ذاهب ، وإليكم منتهى المذاهب[11]، بل أنتم اليوم في محكٍّ دائم ، وامتحانٍ في بحرٍ متلاطم ، يزخر بالآراء والأفكار ، فمنكم يُطلب بيان وجهة نظر الإسلام ودفع ما يحدق بـه من أخطار ، ستجدون - بل أنتم واجدون - من إذا ذكر الإسلام عنده جَفلْ ، أو استهزأ وجَهِل[12]، وإذا قُرِّرت له المسألة بدليل الآية والحديث ، نكص عنه ونأى ، وعقِص خنصره على أسوأ الحديث وعوى ، فهـل ينفع مع هؤلاء ذاك ؟ ، وهل له غير السبيل ذيَّاك ؟ ، كلا .. فإنَّ لك في منهج الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه مندوحة ، فالقِ إليه مسألةً بيِّنةً مشروحةً ، ودلِّل عليها بالمعقول ، وبوضع الشيء في محله .. وتلك هي الحكمة ، واستفد من تلك النعمة ، ( ادعُ  إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة )[13]، فما جعلها ربِّي آخر شريعة وتلتئم مع كلِّ زمن ، وتلتئم مع أذواق أهل الفِطن ، إلاَّ كونها معقولة المعنى ، وكلُّ ذي لبٍّ بها يُعنى .
  واعلم أنَّ الأساليب تتغير والثوابت باقية ، وعليك - أيُّها المسلم - يتوقف حصول المأمول ، وإقناع المعاندين بالنقاش العقلي ، فإذا لقيت إقبالاً ، ورضىً واستبشاراً واستهلالاً ، فائتِ حينئذٍ بالمنقول ، وقل .. فما ارتضيناه بالعقل السليم ، فوافق ما في التنزيل الحكيم ، وهديِّ رسوله في منهجه القويم ، بعد إذ بان فضله العميم .. ! .
  أمـا إذا أُلقيت الدعوات ، ورميً المستوضحُ والشاكُّ بأبشع الهمزات واللمزات ، فما ذلك الذي كنّا نبغِ ، ولا أنت - أيُّها الشاب المتحمس - بل لعلنا في بعض ما نفعل فإننا نبغي ! .
   بهذا الأسلوب أردت معالجة كثيرٍ من المسائل التي تُثار، ويظنُّ مثيرها إنَّ بها للإسلام - وخاب فأله - الخيبة والعَثار ! ، ويُطمعه في مأربه ضعف القدرات عند هؤلاء الأحبَّة ، فتنفغر أفواه أبناؤنا حيث لم يعدُّوا لمثله العدَّة ، وقد يّعدُّ هذا وشبهه في حقِّهم من دواعي الشك - والعياذ بالله - والردة ! ، فوجب على من أُوتي ما يدفع به هذه الشبهات ، التوضيح والبيان .. بل هو في حقِّه من أوجب الواجبات ! .
  وليس هذه الشبهات هي من بنات هذا الزمان ، أو المبتكرات .. بل أُثيرت في غير هذا الآن . ولعلَّك لو راجعت مقدِّمتنا لكتابنا [ الشخصيَّة الإسلامية وموقعها اليوم بين النظم والعقائد ] ، لظهر لك الذي ألمعنا إليه وكأنَّه عندهم من الأعراف والعوائد ! .
  فلو نظرت إلى المندسين والزنادقة ، والمتظاهرين بالإسلام من الأتباع والمرتزقة ، حتى شكك من كان قد شكَّ ، وافترى بعدما قد أفِك ، فهذا   المعريِّ الشاعر المتفلسف .. يقول :           
        فــي اللاذقيـة ضجةٌ     ما بين أحمد والمسيـــح
       هــذا بنـاقـوسٍ يدُّق     وذا بمـأذنةٍ يصيـــــح
       كـلٌّ يُعــزِّز دينــه     يا ليت شعري ما الصحيح ؟!
  وهذا تشكيكٌ عام ، وله تشكيكات بخصوص بعض الأحكام والحدود ، حيث يقول هذا المنكود الطرود :
       يدٌ بخمسِ مئينٍ عسجدٍ وُديت     ما بالها قُطعت في ربع دينار!
       ظلمٌ ما لنا إلاَّ السكوت لــه   ونستجير لمولانا من النــار!
   فهو يتكلم عن سبب تباين حكم الشرع في قطع اليد في حالتي : السرقة ،
وحالة  طلب من قُطعت يده الدية بدل القصاص ، ففي السرقة تُقطع اليد بسرقة ما قيمته ربع دينار شرعي - وهو النصاب - ، لكنَّ هذه اليد قيمتها في حالة الدية خمسمائة دينار ، وهي نصف الدية الكاملة ، فكلُّ عضوٍ تفوت بإتلافه منفعةٌ كاملة .. كاليدين .. والرجلين .. والعينين .. وهكذا ، فإنَّ فيه الدية الكاملة ، وإذا تعدد فتقسَّم الدية على عدده في الجسم ، ففي اليد الواحدة نصف الدية الكاملة ، والنصف خمسمائة دينار شرعي ، وقد تقسَّم أرباعاً إذا كان العضو الكامل يتعدد إلى أربعة .. كأشفار العين .
فهذا تشكيكٌ كبير، قد لا يُحسن الكثير الإجابة عنه.. ومثله الكثير الكثير.. !.
  إنَّ الأدهى فيما أورده هذا المعريِّ كونه يتهكم من [ مولانا ] ! ، ويقصد به أمير المؤمنين ، وهو وليُّ الأمر لدى المسلمين ، أو كأنَّه يُشكك تشكيكاً آخر .. وهو أنَّ هذا الظلم من فعل [ الحكام ] ليبرر هجومه ذاك ، أو ليجعل التشكيك مقبولاً باعتبار أنَّ هذا الظلم من ابتكارات هؤلاء الحكام ، وهو غير متجاوز على الشرع في اعتراضه !! .. بل هو منبِّهٌ على إساءات المسيئين !! .
  لقد أجاب هذا الزنديق على تلك الشبهة كثيرون ، منهم [ شمس الأئمة الكردري ] من علماء الحنفيَّة الكبار بقوله :
 قـل للمعـريِّ عارٌ أيَّمـا عارِ    جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري
لا تقدحنَّ زناد الشِعر عن حِـكَمٍ    شعائـر الشـرع لـم تقـدح بأشعـار
فقيمة اليد نصف الألف من ذهبٍ    فـإن تعـدَّت فـلا تُسـوى بدينــار
هنـاك مظلومةٌ غالت بقيمتهــا   وهاهنا ظلمت هانت على البـــاري
وقال آخر :
 يدٌ بخمـسِ مئينٍ عسجدٍ وُديت       لكنَّهــا قطعـت في ربع دينار
حماية الدم أغلاها .. وأرخصها      خيانة المال فانظر حكمة الباري
وقال آخر نثراً :
   [ كانت ثمينة لمَّا كانت أمينة ، فلمَّا خانت هانت ] .
وجملة ما أجابوا به ما ملخصُهُ :
  إنَّ اليد التي تُقطع ظلماً لو جعلت ديتها ربع دينار شرعي ، لقطع الناس  ما شاء الله U في كلِّ يوم ، وودوها بأبخس الأثمان !! .
  ولو كلُّ يدٍ لا تُقطع إلاَّ إذا سرقت ما قيمته خمسمائة دينار شرعي ، لسرق السارقون في كلَِّ مرَّةٍ [ 499 ] ديناراً - وهو مبلغ كبير -[14] فلا تُقطع !!.
   ففي الحالة الأولى ستقطع أيادي من المتخاصمين ولأدنى سبب ، ودفع ديتها تسهل عليهم ، وحينئذٍ سيزيد الإجرام في المجتمع .. ولا يمكن لأيِّّ تنظيمٍ حياتي واجتماعي ، أن يرضى بهذه النتيجة بحال ! ، بل ستعم الفوضى ، والتعدِّيات من غير طائل ! . 
  وفي الحالة الثانية ستكثر السرقات فيما دون النصاب - وهي مبالغ ليست باليسيرة - ، ولا يُقطع السارقون ! .
   وتلك - لعمر الحقِّ – موازنـة من الشارع الحكيم دقيقة يتبينها أولوا الألباب ، وقد يتبينها أولئك الزنادقة ، لكنَّهم يُراهنون على جهل الجهلاء ! ، وعاطفة البلداء ! ، وتسرع السخفاء ! ، وهجوم الدهماء ! .. ولذا وجب التسلُّح بما يدفع تلك الصفات ، ويقبر تلك الآفات ، والرد بما يجلي الشبهة ، ويردم الهوَّة ، التي يريد ذلك المعادي أن يُوقع أبنـاء المسلمين في حضيضها ، ويقف هو فوق شفيرها ، لينظر بازدراء إلى الأدعياء ، الذين أقعسهم الإعياء ، عن تشخيص الداء ، وطلب الشافي من الدواء ! .  
  ومن هذا المنطلق فقد نهجت منذ زمنٍ بعيد هذا المنهج ، فكتبت في مجلة الرسالة الإسلاميَّة التي تصدرها الأوقاف في العراق بالعدد 5 للسنة الأولى في رمضان 1388 الموافق ك1 1968 مقالاً بعنوان [ جلاء العقل لشبه الطاعنين في الدين ]..وكتبت [ الشخصيَّة الإسلاميَّة وموقعها اليوم بين النظم والعقائد ] ، الذي طبع في الأردن ، وفي العراق / الموصل ، وذلك في معالجة مشكلاتٍ معاصرة ، وشبهٍ للمؤمنين مُربكة ، وأتيت فيها يما فتح الله U ، ووفق الأسس التي لا مناص منها ، مع مراعاة الحقبة والزمن ! .
  ثم ها أنذا .. بعونه تعالى أُعرِّج على بعض جزئيَّات المسائل ، والتي يريد أعداؤنا وأعداء الدين إدخال الريبة والشك إلى نفوس المؤمنين بسببها ، وأسأله أن ييسر لي ما استعسر ، ويُذلل ما صعُب .. ومنه العون والتوفيق .
  فإذا كان المعريِّ قد أجمل في التشكيك ، ثم أردفه بالتفصيل ، فنحن قد يكون وافق فعلنا فعله ، لا تأسيَّاً به - ولا كرامة - ، ولكن هو من قبيل التفصيل بعد الإجمال ، والشرح بعد التقرير.. وهو أسلوبٌ إسلاميٌّ لم نبتكره ، ولم نقلد غير علمائنا فيه ! ، وليس تأسيَّاً بالملاحدة والزنادقة - معاذ الله - ، بل لعلَّهم هم أنفسهم قد تأثروا بنا ، فلا ترتاب !.
  أخي المسلم الكريم .. الكتاب الذي بين يديك يتكلم عن مسألة كثيراً ما تُثار ، ويُراد بها لهذا الدين المتين - وحاشاه - الذل والخذلان والعوار ! ، ولكننا بعونه تعالى سنجعل نصيب أصحاب السوء الخزي والبوار .. وهذا نصيبهم في كلِّ ما يُعدُّنه نصراً لهم ، يفرحون وشياطينهم إذا خلوا إليهم !.
******
  وسبب هذا التأليف اللطيف .. أنَّني - وجملةً من أفاضل الشرعيين - كنَّا قد دُعينا إلى منظمةٍ نسويَّةٍ ، قالت في دعوتها الموجهة لنا : [ إنَّ مرور عشرين – كذا – عاماً على ممارسة المرأة ، واتِّساع أدوارها على صعيد الأسرة أو المجتمع ، مما أدَّى إلى :
1.     ظهور قيمٍ جديدة تقبل استقلاليَّة المرأة الإجتماعية ، والإقتصلدية ، إلى حدٍّ يمكنها فيه من العيش مستقلة [ !! ] .
2.      وصول المرأة إلى مواقع ومناصب اقتصادية متقدمة ، مما يترتب عليه تغيُّر العلاقات بين المرأة والرجل في تقبُّل المرأة كسلطة [ !! ].
 ورغبةً .. في إعداد دراسة تتناول : المركز القانوني والأخلاقي للمرأة في الشريعة الإسلاميَّة … ، ونظراً لما تتمتعون به .. يسرنا دعوتكم للمشاركة في إعداد الدراسة ، وحضور مناقشة الإطار المقترح لإعدادها .. يوم 15 / 8 / 1988 .. الخ ] .
   وفي اليوم المقرر حضرنا جميعاً نحن المدعوين ، وترأستنا إمرأة من تلك المنظمة الداعية لمثل هذا.. فقمت بتقديم ملخص ما جاء بهذا البحث من آراء ، وقارنت بين وضع المرأة المسلمة .. والنساء في الأديان الأخرى المعترف بها في العراق ، داعماً ذلك بالنصوص من أديانهم ومن كتبهم المقدَّسة ، وعرَّجت على دساتير الدول الإسلاميَّة السائدة التي تساوي بين جميع مواطنيها .. ومنهم الرجل مع المرأة .. في المركز القانوني ، ومن بابٍ أولى مساواتها بين المرأة والمرأة ! .
   وقلت : لكن استمرار دفع المرأة المسلمة دون غيرها في الحصول على امتيازات جديدة ، سيجعلها في وضعٍ أميز من باقي النساء المتساويات في الحقوق معها بموجب الدساتير ! ، وسيحصل تمييزٌ بين المرأة والمرأة في البلد الواحد !! ، فهنَّ يُرِدْن مساواة الرجل بالمرأة .. لكنَّهنَّ سيُميزن بين النساء والنساء ، في دفع نوعٍ منهنَّ إلى الأمام ، وترك الأُخريات يُراوحن في أماكنهنَّ !! .
  وقلت أيضاً : إنَّ أسماء المنظمات النسوية العربية كلِّها لا تشير إلى اختصاصهــا برعاية شؤون المرأة المسلمة فقط ، فمـا بــال هذا الاهتمام
[ بالمسلمة ] دون غيرها ؟! .
   وقلت : قد يتَّهمنا متَّهم بالتحيَّز .. وهذا ما لا نرضاه لكنَّ ولا لأنفسنا ، ولا أدري أهو .. إهمالٌ أم إخفاءٌ لأحوال النساء غير المسلمات ؟ !! .
   كانت تلك المناقشة في اللجنة التحضيريَّة ، سبباً كافياً  لإرجاء الموضوع إلى أجلٍ غير مسمىً !! . ولكن كان سبباً لإعداد هذا البحث .. و [ ربَّ ضارةٍ نافعة ] .
   وإذ أذكر طرفاً مما بيَّنته تلك المرأة في ذلك الاجتماع جواباً على ملاحظاتي .. فإنِّي أُثير انتباه المسلم إلى مدى الاستهانة بنا من هؤلاء ، ومدى الاعتناء بغيرنا ولو كانوا من اليهود .. أو عبدة الشيطان !! .
   قالت تلك المرأة عقب ملاحظاتي : إنِّيِ أخا ..
   ولم أدعها تُكمل عبارتها ، حيث قلت : ألا تخافين يا أمة الله وابنة عبده وأمته من كلِّ هؤلاء [ المعممين ] و [ الأفندية ] .. لتخافي من كلِّ من كفر بالله U ، وحتى عبدة الشيطان [ وهم اليزيديَّة ] !! ، وتوفري الحماية لمن يُحارب أخاك وأباك وأبناء جلدتك في فلسطين ! ، فهل بعد ذلِّ حماية العدوِّ  خوفاً من ذلٍّ ؟! .
   وهكذا أصبحنا نحتمي – ونحن في بلاد المسلمين - بالكفار لصدِّ تذرعات المسلمين أنفسهم ، وهذا مما كثر وقوعه في الأزمنة الأخيرة .. ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم ! ، وما العيب في الزمان ، ولكن بأهله ..
نعيب زماننا والعيب فينا     ولو نطق الزمان إذاً هجانا
  ولما قلت أمثلة أعزف عن ذكرها ، لعـلَّ الله U يجعلهـا مدوَّنةً في يومٍ ما - إن شاء الله U - !.. إذ أدرك [ شهريار ] الصباح ، فلا بدَّ أن تسكت عن الكلام المباح .. ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم ! .
 وختاماً أدعو الله U أن يجعل كلَّ ما نقول وما نفعل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يجعله في ميزان أعمالنا يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلاَّ من أتى الله بقلبٍ سليم ، وأن ييسر لنا إصدار هذه السلسلة التي تنتهج هذا النهج في النقاش ، وتنحى هذا المنحى في الحوار ، عسى أن ينتفع بها أبناؤنا  وأحبابنا ، وعلى الله قصد السبيل .. والحمد لله ربِّ العالمين ~~ .
   العراق / الأعظميَّة                               الدكتور
محلة 314 / زقاق 88 م دار 41       محمد محروس المدرس
 هاتف / 4225253 و 4228669             الأعظمي
 ربيع الأول 1413 هـ   الموافق   22/ 9 / 1992 م                                       
تمهيد
    يحلو للبعض أن يجعل من بعض محاسن الشريعة الإسلاميَّة الغرَّاء مساوئ يُشنِّع بها عليها ! ، وذلك إمَّا عن  : جهلٍ .. أو غرور .. أو ترديداً لآراء وأقوال الغير ، من غير تمحيص ولا تدقيق .
  إنَّ هؤلاء يحدوهم حادي [ التفرنج ] تارةً ، وحادي المحاكاة تارةً أخرى ، أو ادِّعاء المعاصرة ثالثة !! . ولقد [ أُوهموا ] بأن المعالجات الشرعيَّة قد أضحت لا تناسب الزمان !! .  
 وسنرى أنَّ [ المحاكاة ] تضرُّ ولا تنفع ، وخاصَّةً في مسألـة المرأة – إن كان للمرأة مسألةٌ فعلاً في شريعتنا الغرَّاء - .
  إنَّ جهل هؤلاء الناس من قومنا أشدُّ مرارةً من عداء الأغراب ، فمما أشاعه أولئك الأغراب - وصدَّقه المغرورون من بني قومنا - : أنَّ الشريعة الإسلاميَّة يصعُب ـ إن لم يتعذر الأخذ بأحكامها ـ ، أو تقنينها على شكل مواد قانونيَّةٍ منضبطة ، أو حتّى الاقتباس منها !! ، وجماع حجتهم في ذلك : تعدد الآراء فيها ، وكثرة الأقوال والاجتهادات !! .
  وغير خافٍ على أهل البصيرة والسداد ، انَّ هذا هو بعض محاسنها ! ، فهذه الشريعة هي خاتمة الشرائع ، ونبيُّها هو آخر من يوُحى إليه من بني البشر طراً ، فيتحتم أن تحمل ضمانات بقائها معها ، بل ودوامها واستمرارها .. لعدم انتظار البديل  ! ، وهكذا كان .
   فلو أنَّ الله U أراد أن يورد تفصيلاً لكلِّ الجزئيَّات ، وتفريعاً لكلِّ الأحكام ودقائقها ، فليس ذلك على قدرة الله U ببعيد ، بل لو لزم الأمر أنْ يُنزِّل لكلِّ مكلَّفٍ من جميع بني البشر حُكم كلَّ فعلٍ من الأفعال - وإلى قيام الساعة - لما أعجزه ذلك Y ! .
  لكن ألا ترى معي .. أنَّ هذا سيحتاج إلى أسفارٍ ومجلداتٍ لا تُحصى ؟! .
   وألا ترى معي .. أنَّ هذا سيجعل الأمر في منتهى المشقة على بني البشر ، وسيتعذر معرفةٍ حكم أيَّةِ جزئيَّةٍ ، أو معرفةِ حكم فعلٍ واحدٍ لمكلفٍ واحدٍ ، وقد ينقضي العمر دون الوصول إلى المأمول ، إذ لا ريب أنَّ هذه الأحكام الكثيرة جداً جداً ، لأنَّها تخص عدداً من مليارات البشر لا يعلمه إلاَّ الله U  ، ومن بدء الخليقة وإلى قيام الساعة ، إذ سيحتاج كلُّ ذلك إلى فهارس .. وتبويباتٍ .. وفهارس الفهارس .. وهكذا ، وهذه ستفوق جميع ما أنزل الله U على جميع أنبيائه ورسله بأضعاف الأضعاف بالعدد ، وبعدد الصفحات .. بل بكلِّ شئ !.
  فلو احتاج إنسانٌ لحكم مسألة عرضت له ... فذلك يلزمنا : الرجوع إلى فهارس الفهارس للوصول إلى فهارس عصره ومصره ! ، ثم الرجوع إلى فهارس الأفراد فرداً فرداً في ذلك المصر .. لذلك العصر !! .
   ثم - إن وصلنا - فعلينا البحث عن حكم مسألةٍ واحدةٍ عرضت لشخصٍ واحدٍ !! ، فما بالك بهذه المليارات في كلِّ جيلٍ من أجيال البشريَّة ؟ ! .
  نعم .. جعل الأمر على هذا الغِرار ليس بمُعجزٍ لله Y ، لكنَّه لبني البشر يدخـل في عداد الأمور شديدة الإرهاق ، بل قل تدخل في عداد المستحيلات ، ولو جاءت هذه الشريعة بمعالجاتٍ وبتفصيلاتٍ  تصلح لفترةٍ زمنيَّةٍ معيَّنةٍ بذاتها ثم تُهمل ، لكان من غير السهل أيضاً على بني البشر أن يُورد لهم ربُّهم تلك التفصيلات بالشكل الذي بسطناه ، ولا يكون من السهل على أهل تلك الحقبة الزمنيَّة الوصول إلى الأحكام لكلِّ فردٍ منهم ، دون أن يشقَّ ذلك على أهل تلك الفترة ذاتها ! ، اللهم إلاَّ أن تكون الأحكام لمجموعةٍ بشريَّةٍ محدودةٍ ضمن فترةٍ بعينها!، وربَّما حصل هذا في أدوار الرسالات السماويَّة المتتاليَة , أمَّا أن يكون الأمر بخلاف ذلك ، والأحكام تعمُّ بني البشر كافَّة .. فذلك يرد عليه ما أوردناه .. فليُتنبه لهذا جيِّداً ! .   
  من أجل هذا وذاك ، ولأن الدوام المطلوب لسريانها ، فـإنَّ الشارع الحكيم - وهو الله U - قد شرَّع لنا سبيلاً يحقق المقصود ، ويُناسب قدرة عبيده ، وقدرة خلقه من المكلَّفين ، مع عدم إهمال ذلك السبيل لتحقيق مقاصدهم ومصالحهم ، مع مراعاة تغيُّر أحوالهم وأزمانهم ، وتجدُّد احتياجاتهم .. فجاءت الشريعة الغرَّاء بتفصيلاتٍ يسيرةٍ .. مع : أُسسٍ ، وأمارات ، وعلاماتٍ ، وأدلَّةٍ ، وقواعدَ .. لكي تُبنى عليها الجزئيَّات المتكررة بصورتها والمختلفة بظروفها وأشخاصها ، وكذلك الجديد منها ، ولكي يستنير المجتهدون بكلِّ ما وضعه الباري U لهم من سبل للوصول إلى الحكم المجرَّد ، مع عدم إهمال الخصوصيَّات بكلِّ أنواعها وأبعادها .
   لكلِّ ما تقدم فقد ساغ الإجتهاد في شريعتنا الغرَّاء ، وهو أحد الطرق المأمونة والمضمونة لمعالجة حاجات الناس المتجدِّدة والمتعدِّدة . وغير خافٍ عنَّا أنَّ المعالجات الملبيَّة لحاجات الناس تعدَّدت صورها، ولا نريد استقصائها، كتعدِّد الخيارات في الحكم الواحد .. كما في كفارة اليمين حين خيِّر المكلف بين : الإطعام لعشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة . وكما في حكم معاملة الأسرى حين خيِّر إمام المسلمين بين : المنِّ ، أو المفاداة ، أو الاسترقاق ، أو القتل .. بشرط تحقُّق المصلحة ومراعاة المعاملة بالمثل .
  إنَّ من لوازم الإجتهاد تعدُّد الآراء ، نظراً لتعدد القابليَّات والقدرات الفرديَّة ، والقدرة على المتابعة المستوفيَّة لكلِّ تفصيلات الأدلَّة ، ولطروء العوارض على بني البشـر من : نومٍ ، وغفلةٍ ، وخوفٍ شديد ، وفرحٍ شديد ، وحزنٍ شديد ، وسهوٍ ، ومـرضٍ ، ونسيانٍ ، وإكراهٍ ، وحبٍ ، وكرهٍ ، وتخديرٍ ، وغيابٍ عن الوعي .. الخ .
  إنَّ هذه الطريقة في تشريع الأحكام هي أمرٌ مقصودٌ للشارع الحكيم Y ، وذلك لحكمة .. بل قل لحِكمٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى ، نورد منها :
   إنَّ الحوادث متجدِّدةٌ متعاقبة ، لا تقف ولا تنتهي ، فـ [ الحوادث ممدودةٌ والنصوص محدودة ] ، و [ ما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى ] ، فما يحتاجه الناس في زمانٍ قد لا يحتاجونه في زمنٍ آخر ، فإذا هُجر الحكم الإلهي المقطوع المبتوت ، فذلك مظَّنة عدم صلاحه ، وفي ذلك من نسبة الأوصاف الشنيعة إلى ذات الله وأحكامه .. ما فيه ! .
  أمَّا إذا هجر الناس قول الإمام الشافعيِّ  t إلى قول الإمام أبي حنيفة t ، أو عدلوا عن رأي الإمام مالك t إلى رأي الإمام أحمد بن حنبل t .. وذلك لعدم صلاح هذا الرأي للزمان ، وذاك الرأي للبقعة ، أو عدم صلاحه لتلبية حاجات الجماعة .. أو .. أو .. ، فحينئذٍ لا يُنسب عدم الصلاح إلى حكم الله U ، بل سيُنسب إلى قول مخلوقٍ تجري عليه العوارض ، وهو محدود القدرات .. مهما ظهرت وبانت ، وهو محدود العلم .. مهما اتَّسع ، وهو محدود البقاء .. مهما طال ، فرأي الفقيه هو الذي سيقْصُر عن استيعاب الحوادث ، أو عدم تلبية الحاجات ، أو عدم تحقيق مصالح العباد!، وسيُنسب الخطأ لآرائهم دون التجرؤ في نسبتها إلى الشريعة وصاحبها - تعالى الله عن ذلك علُّواً كبيرا - .
  إنَّ المجتهدين من البشر ، والبشر غير معصومين عن الأخطاء إلاَّ فيما عُصم عنه الأنبياء  عليهم السلام ، فكانت احتمالات الخطأ واردةٌ جداً ، وكانت القدسيَّة لأقوالهم هي خلاف المعقول .. بل والمنقول ..{ إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجرٌ } ، بل إنَّ النبيَّ e إذا اجتهد فقد يُصحح له الوحيُّ بعض ذلك ، وما قضيَّة أُسارى [ بدر ] .. وتحريم ما أحلَّ الله U له .. والأمر بتعليق الوعود بالمشيئة دون الجزم بها .. وعزوفه عن الأعمى .. وغيره كثير. أقول : ما ذلك إلاَّ دليلٌ على أنَّ البشر بشرٌ مهما علت درجاتهم ، وسمت مراتبهم ، وأنَّ عدم إصابة حكم الله U منهم غبر مستبعدٍ فيما إذا أُوكل الأمر إلى اجتهاداتهم ، بل جازت على الأنبياء [ الزلة ] .. وهي : إرادة الفعل دون إرادة النتيجة ، كفعل سيِّدنا موسى u ، حين وكز المصريِّ فصرعه ، وهو لم يُرد موته حتماً !. 
  لأجل هذا وذاك أصبح التعدد في الرأي نتيجةً حتميَّةً .. فهل يرضى المنكرون أن يستسلم أحدهم لرأي غريمه ، وأن تكون في مباحثهم  ضرورة الرأي الواحد ، دون السماح بالتعدد ؟؟ ! .
   ومن جهةٍ أخرى .. فإنَّ التعدُّد سوف يُعطي المشـرِّع بالمفهـوم الوضعي - وهو الذي يقوم بسنِّ القوانين بما يُسمَّى بالسلطة التشريعيَّة عندهم -  تعدَّداً في الخيارات ، بحيث يستطيع أن يختار من الآراء الاجتهادية المتعدِّدة ما يـراه : أصلح للجماعة ، وأنسب للزمان ، وأكثر تحقيقاً لمصالح العباد . حتى إذا تبدلَّت الأحوال .. كتبدل مصلحة الجماعة ، أو تغيِّر العادات ، التي يسميِّها الناس بتبدل الزمان ! ، فإنَّ ولي الأمر يعدل عن اختياره إلى غيره مما يراه من الآراء الأخرى ،  ومن غير نكير .
  إنَّ المشرِّع الوضعي في اختياراته وعدوله ، يراعي ما تقدَّم من اعتبارات .. كمراعاة مصلحة الجماعة ، وتبدل الأحوال ، وتغيُّر العادات .. الخ ، وهذا يلتئم تماماً مع القاعدة الكليَّة التي تقول : [ التصرف على الرعيَّة منوطٌ بالمصلحة ] [15].
  إنَّ اختيارات وليِّ الأمر لا تنبع من مصلحةٍ ذاتيَّةٍ ، أو منفعة خاصَّة لفردٍ أو مجموعة ، ولا يختار ما يؤدي إلى ضررٍ ديني ، أو ضررٍ دنيوي .
  ولتحقيق هذا الغرض ، فمن حقِّه الاستعانة بذوي الخبرة والاختصاص ، وأصحاب النظر والاطِّلاع ، ويرجح من آراء الفقهاء ما يوافق رأي الخبراء في الاختصاصات المختلفة : اقتصاديَّة ، أو سياسيَّة ، أو اجتماعيَّة.. وغيرها، ويرجح ترجيحاً قائماً على تحقيق مصلحة العباد .
  إنَّ تقنين الأحكام - أي سنِّها قانوناً مكتوباً على شكل مواد متسلسلة - أمرٌ قبله المسلمون ، بل وطبَّقوه ، فكانت حركة التقنين في الدولة العثمانيَّة ، التي بدأت بقوانين سليمان المعروف بالقانوني ، ثم التقنينات الصادرة في فترة التنظيمات ، وفي فروع القانون المختلفة[16].
  وما عدا ما استلب من القضاء الشرعي في تلك التنظيمات ، فقد بقي الحال - فيما عدا ذلك - على حاله القديم ، بخضوعه للأحكام الشرعيَّة ، وكان القضاة من قبل فترة التنظيمات وبعدها ، يُقلدون القضاء بشرط إجرائه على وفق مذهب الإمام أبي حنيفة t ، وكان يشترط عليهم وليُّ الأمر أن يكون قضاؤهم بأصحِّ الأقوال من مذهب الإمام المذكور t ، ولكن على الرغم من التمسك الظاهري لهذه الدولة بمذهب ذلك الإمام الهمام ، إلاَّ أنَّها لجأت إلى غيره في كثير من الأحيان ، وفي أحوالٍ عديدة  ، ومن غير إنكار ، بل بفتاوى المشيخة الإسلاميَّة ، وبفتاوى علماء المذهب أنفسهم[17] . 
  وقد خصَّصت تلك الدولة القضاء .. بالزمان ، والمكان ، وبالأشخاص ، وبنوع الحكم . وكلَّ ذلك جائزٌ  لا ضير فيه ، بل يكون من الواجبات إن كان تحقيق المصلحة فيه[18].
 وكما جاز اختيار رأي فقيهٍ في مسألةٍ ، ورأي آخر في أُخرى ، فإنَّ ما يُقضى به  في ظلِ اختيار لوليِّ الأمر ، وكان مطبَّقاً من قبل ، لا يُنقض القضاء فيه بعد عدول وليِّ الأمر عن ذلك الحكم ، إلى اختيارٍ غيره ، إذ أنَّ [ الاجتهاد لا يُنقض بمثله][19].
  حيث أنَّ كلا الرأيين اجتهاديان ، وقضاء القاضي لا يُنقض بعد تبدل اجتهاده في قضيَّةٍ أخرى ، أو تبدل اختيار وليِّ الأمر لما يجب تنفيذه على الكافة من الأحكام ، بل تُحسم الدعاوى الجديدة وفق الرأي أو الاختيار الجديد .. وكلُّ هذا هو عين ما يجري العمل به في التطبيق القانوني اليوم .
  ولا خلاف في أنَّ عمليَّة الاختيار تلك ، يجب ألا يكون الرأي المختار شاذاً ، ممـا يُعدُّ [ خلافاً ] وليس [ اختلافاً ] ، وهذا الشذوذ الداخل فــي [ الخلاف ] والخارج عن [  الاختلاف  ] يكون في حالات .. هي :
إذا خالف الرأي الفقهي نصاً قطعياً .
إذا خالف أمراً معروفاً من الدين بالضرورة .
إذا خالف إجماعاً  سبق انعقاده .. [ صحيحاً ] و [ صريحاً ][20] .                                  
إنَّ القائل بمثل ما تقدَّم لا يُسمَّى [ مجتهداً ] ، ولا يُسمَّى رأيه [ اجتهاداً ] ، من ذلك :
   فتوى علماء الإماميَّة الإثني عشريَّة بحليَّة ربا البنـوك الحكوميَّة بشتى الذرائع !! ، وتجد هذا فيما يُسمى بـ [ الرسائل العمليَّة ] لمجتهديهم .
ومن ذلك :
   فتوى المرحوم محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق ، بحليَّة بعض أنواع الربـا ، كربا صناديق التوفير ، ويُقال أنَّه رجع عنها .
  وفتوى محمد سيِّد طنطاوي شيخ الأزهر الحالي ، الذي لا أظنه رجع عنها .
ومن ذلك :
 قول من قال بحليَّة الخمرة بحجج واهيَّةٍ [ يتفيقه ] بها على الناس !! ، وحليَّة بعض المحرَّمات ، التي اتَّخذ تحليلها هيئة حركةٍ عمَّت بلاد الهند الكبرى . ولقد ألَّف ردِّها العلماء الأعلام من أمثال العلاَّمة المرحوم محمد يوسف البنُّوري [1321 إلى1397 هـ الموافق 1908 إلى 1967 م ][21] .
   وسنرى من يُبيح المخدَّرات بحجة : عدم تحريمها نصَّاً .. ونسيَ انعقاد الإجماع على ذلك ، حيث أطبق المسلمون صغيرهم وكبيرهم ، عالمهم وجاهلهم ، في شرقيي بلاد الإسلام وفي غربيِّها ، وفي كلِّ جيلٍ من أجيالهم .. على حرمة كلِّ ما يُذهب بالعقل .. فهو : اجماعٌ ، صحيح ، صريح ، عامٌّ ، تامٌّ ، متوارث ، لا خدش فيه .
  هذا وقد قسَّم الشيخ ابن تيمية [ الخلاف ] إلى قسمين :
الأول /[ خلاف تضاد : وهو أن يُوجب أحد الفقيهين أمراً ، ويحرمه الآخر. الثاني /  خلاف تنوُّع : مثل القراءات التي يجوز كلٌّ منها ، .. ومن هذا الباب تصرُّف وليِّ أمر المسلمين ، ولهذا استشار النبيِّ e  أصحابه يوم بدر.. ][22].
***********
   إنَّ [ رأي الإمام يرفع الخلاف ]  وهو صاحب الإمامة الكبرى .. أي إمرة المؤمنين ، أو صاحب السلطة العامَّة .. الخ ، فإذا اختار رأياً من الآراء المختلف فيها ، فيكون اختياره لازماً للكافَّة ، وواجب الاتِّباع من الجميع بلا استثناء ، حتَّى أصحاب الآراء المخالفة والمغايرة ! ، ولا يُعدُّ هذا حجراً على الفكر ، أو إلغاءً لشخصيَّة هؤلاء ولا لجهودهم ، ولا يعني الحدِّ من نشاطهم الفكري .. أو العلمي .. أو الفقهي .. أو الاجتهادي ، بل مقصوده ألاَّ يظهر في التطبيق غير ما اختار ، لأجل وحدة الأحكام ، ودوام الثقة بالقضاء ، إذ بعكسه سيحصل عكسه ! ، ولكي يعرف الناس ابتداءً ما يُطبق عليهم في معاملاتهم في احتياجهم للجوء إلى القضاء .
  إنَّ ما يُنتجه هؤلاء بنتيجة نشاطهم الفكري والاجتهادي ، يبقى ذخيرةً للأُمَّة ، تستفيد منه عند الحاجة ، كما إذا أراد وليُّ الأمر استبدال قانون بقانون .. أي إلزامٍ موحدٍ للناس بأحكامٍ واضحةٍ متبناةٍ من قبله ، دفعاً لعدم الوضوح ، وتوخيَّاً لاستقرار المعاملات .
   وكلُّ ما تقدم نجده في كتابات فقهاء القانون ، وفي اختلافاتهم تماماً ، فليس كلُّ ما يقول به كلُّ ذي رأيٍ في البحوث القانونيَّة يتحتَّم الأخذ به ، ولا يلزم من الأخذ برأي أحدهم في التطبيق القانوني ، أن تغلق المؤسسات البحثيَّة  أبوابها ، ولا يترتب على ذلك منع المعاهد العلميَّة من الاستمرار في نشاطاتهـا ، بل لا يُحجر البحث المستقل في مثل ذلك ، بل إذا لجأ أحد أصحاب الآراء المخالفة إلى المحاكم ،لا يسعه إلاَّ  التسليم بما يقضي به القاضي من رأيٍّ يخالف رأيه الشخصي في المسألة ! ، فيقضي وفق ما سنَّ من تشريع ، لا وفق ما يرى الفقيه المتخاصم من رأي ! .
  وقد تلجأ الدولة في كثيرٍ من الأحيان  إلى تعديل التشريع  ، وقد تأخذ برأي ذلك الفقيه المخالف نفسه .. أو الكاتب القانوني ذاته ! ، فلا يستطيع أن يطلب نقض الأحكام القضائيَّة التي صدرت قبل تبنِّي رأيه الفقهي نفسه ، ومن ثمَّ سنَّه تشريعاً على الناس ، فالأحكام تكتسب صفة الإلزام .. أي صفة الأمر المقضيِّ به - كما يُسمُّونه - ، باكتسابها الدرجة القطعيَّة ، أي باستنفاد طرق الطعن التي يرسمها كلُّ قانون من القوانين .
  وقد يُغيِّر الفقيه الواحد رأيه الاجتهادي ، كتغيير الإمام الشافعي لاجتهاده العراقي في مصر ، فأصبح له مذهبان : عراقي ، ومصري .
 وقال علماؤنا : [ إنَّما يُغيِّر الفقيه رأيه إذا اتَّسع علمه ] .
  إنَّ البيان المتقدِّم يصدق على الأفراد المنحازين في الرأي [ المقلدين ] لهذا الفقيه أو ذاك ، فإذا كان صاحب الرأي ذاته يُعامل هكذا ، فمن كان تبعاً له من بابٍ أولى ! .
**********
  على أنَّ إخراج الأحكام الشرعيَّة القطعيَّة - وهي غير الأحكام القضائيَّة القطعيَّة - من دائرة الاجتهادات ، لا يُراد به إكراه الناس على حكمٍ واحدٍ ، مهما تبدَّلت الظروف والأحوال ، وعدم الالتفات إلى مصلحتهم التي قد تتطلب التغيير في كثيرٍ من الأحيان - كما ألمعنا - ، بل هو عين مصلحتهم ! ، فإخراج مثل تلك الأحكام سببه انتفاء الحاجة إلى التغيير في مثل تلك الأحكام ، ولكلِّ الأفراد .. ولكلِّ الأزمان .
  ألا ترى أنَّ بعض الحقائق المسلَّمة من الجميع ، والمطلقة الصحة بموجب العقل السليم ، يجب أن  تبقى وتسود .. لأنَّها موافقة لغريزة الإنسان ، وللفطرة السليمة ، والحكمة من تشريعها تتحقق في كلِّ وقتٍ وحين ، ولكلِّ بني البشر طرا .
  إنَّ التناسي لتلك الحِكم التي لا تتخلف بمثل ما ذكرنا من أحكام ، قد يجرئ المتناسي .. بل والناسي ، على طلب إعادة النظر ، من غير ما دليلٍ معقولٍ ، أو نصٍ منقول ، بل لمجرد المجاراة والمباراة ، مجاراة من ينادي بما يُريدون تغييره ، بل والتباري معه في الاندفاع بهذا الإتجاه ، إظهاراً لما ظنَّ أنَّه من المحاسن التي ينبغي لمثله أن يسابق غيره في مثلها !! .
  إنَّ الذي يُزيل الغشاوة ، ويُبعد عن الوقوع فيما لا ينبغي من الأحكام  التي غالباً ما تكون متسرعة ، هو استكناه حكمةَ كلِّ حُــكمٍ  بعد استنكاهها ، وتبيَّن الفوائد العمليَّة المترتبة على ذلك الحُكم من جهةٍ ، والفوائد المترتبة على ثبوته من جهةٍ أخرى .. أمثال : تنصيف الشهادة والميراث للمرأة ، وتشريع قِوامة الرجل على المرأة .
 على ألا يغيب عن الذهن في هذه الحالة أمران ..  :
أولهما / أنَّ هناك من الأحكام ما أعطيت فيها المرأة .. أكثر مما أعطي الرجل ! .. أمثال :
    1. فرض المهر في الزواج لصالحها ويدفعه الرجل ! .
    2. وأنَّها تُخطب وتُطلب ، وذلك من صفات المرفوعين ! .
    3. وفرض الكفاءة في الزواج لصالحها لا لصالحه ! .
    4. وإثبات بلوغها قبل بلوغه ، وحصولها على امتيازات البلوغ قبله ، وبمدَّةٍ طويلة ! .
   5. خطاب الشارع الحكيم لها  عند انفرادها بالخطاب ، بمنتهى الرقَّة ، مما لا نجده عند اشتراكها في الخطاب مع الرجل ! .
   6. واعتبار شهادتها بأربع شهادات في بعض الأحوال ! .
وكلَّ ما تقدَّم .. يحتاج إلى تفصيل أفردناه بالتأليف .
   ثانيهما / أنَّ الأحكام تؤخذ كلاً لا يتجزأ ، فلا تؤخذ مبضَّعةً ومجزأة وكأنَّها تطبَّق بمعزل عن باقي الأحكام ، وهذا من أفدح الأخطاء التي يقع بها المهاجمون ، ويغفل عن ملاحظتها المدافعون ، فلا يجعلونها في حسابهم عند بيان التبرير العقلي لهذا الحكم النقلي أو ذاك ، مما جعله المعادون والشانئون هدفاً لاتِّهاماتهم ، وهذا مـا يُفوِّت عليهم فرصةً كبيرةً في استجلاء وجه الحقيقة ، بل قد تلقى اتِّهامات الخصوم صدىً عند البعض لقلة بضاعتهم في هذا ، وغفلتهم في آن ! .
*********
  ممّا تقدم ... يتبين لنا إنَّ تعدد المذاهب الإسلاميَّة  [ المدارس الفقهيَّة ] لا يختلف في شئ عن اختلافات وتعددِّية الآراء الفقهيَّة القانونيَّة ، وإنَّ العمليَّة التشريعيَّة تجري في كلتا الحالتين بأمان واطمئنان ، من غير ما إثارةٍ لما يُثار في وجه التعدد في الشريعة الإسلاميَّة .. ففي كلتاهما يؤخذ ويترك من الآراء الاجتهادية : ما يُناسب الزمان ، والحاجة ، والمصلحة ، وما تعمُّ به البلوى ، وتبدل الأعراف .   
  ولا يغيب عن الذهن أنَّ الترك والأخذ لهذا الرأي أو ذاك ، لا يُعدُّ عزوفاً عن حكم الله U ، لأن ما أخذنا به ، أو ما تركناه لا يعدو كونه رأي فقيهٍ في أمرٍ مُجتَهَدٍ فيه ، وساغ فيه الإجتهاد ، وهو محاولةٌ مأجورةٌ منه للوصول إلى حكم الله U الذي غيَّبه الله U عنَّا رأفةً بنا ، ومراعاةً لمصالحنا .
  غير أنَّ جعل الفقه الإسلامي بكلِّ مذاهبه ، فضلاً عن الأحكام الشرعيَّة المنصوص عليها ، مصدراً للتشريع - بمعناه الوضعي - أولى ، لأنَّه مستمدٌ من تراث الأُمَّة ، ومن دينها الذي اقتنعت به ، وجعلته حجَّةً لها أمام الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة ، فمن الأولى جعله محكَّماً في حياتها ، حتّى نتجاوز: الإزدواجيَّة ، واللجوء إلى التقيَّة ، وقطع دابر التهرُّب من التطبيق اليومي بحجة مخالفته لما يعتقده الإنسان ، ولا أظنُّ دولةً ما لا تسعى لمثل هذا أبداً!.  
  ويبقى واجبنا  نحن الشرعيين  هو بيان وجه : المعقوليَّة ، والمقبوليَّة للأحكام الإلهيَّة ، أو التي ترجع إليها وهي الأحكام الفقهيَّة  ، ونساعد الجهات التشريعيَّة في الدول الإسلاميَّة على الأخذ بما عندنا من ذخيرةٍ مباركةٍ لم يتبين لهم وجه البركة فيها ، فالأعــداء عملوا باندفاع استمر قروناً لإقنـاع الناس [ برجعيَّة ] دينهم وعدم عدالة أحكامه ! ، وعدالة ما عندهم وكونه معقولاً ومقبولاً ، واكتفى المسلمون بتوزيع الاتِّهامات للخصوم ، ورميِّهم بالويل والثبور وعظائم الأُمور ، دون محاولة الإقناع  كمـا فعل أولئك ، فلنفتـرض [ مرض ] أبنائنا .. والمريض يُعالج ولا يُقتل ! ، ولنفترض عدم تهيؤ ما تهيأ لنا من فرصةٍ - بفضل الله تعالى - أبعدتنا عن ضلالهم ، وقرَّبتنا من نور الهداية ، فاستهدينا والحمد لله .. هُدينا ! .
  ولعـل كثيراً مما يحصل من نتائج غير مرضيَّةٍ نحصل عليها عند التعامل مع : [ المتغرِّبين ] و [ المتفرنجين ] مردُّها لتقصيرنا في .. أسلوب العرض للأحكام الإسلاميَّة ، والتشنج الذي لا نُحسد عليه ، وعدم الإستفادة من العلوم الإسلاميَّة  التي نقرأها لمجرد القراءة، ولا نحاول الإستفادة منها عند الحاجة!.
  فالردُّ على تهمة الرجعيَّة مثلاً ، لا نقابلها بالإقذاع ، ولا بالإعراض .. بل باستعمال علم [ المنطق ] الذي ننفق أوقاتاً ليست بالقليلة في دراسته فنقول :
 ألاَّ تلازم بين الرجعيَّة والتأخر ، ولا بين الحداثة والتقدُّم ، فإذا كان التأخر يحصل من التمسك بالقديم وغيره ، والتقدم يحصل مـن الجديد وغيره ، إذن فقد انفكَّ التلازم ، وقولهم فيه مغالطة ! .
  ونقول لهم : نحن لا نرضى لكم ، وأنتم العلميَّون ، أن تستعملوا طريقاً لا يؤدي إلى المراد في نقاشكم ! . فنكون حينئذ نحن أحنى عليهم من أنفسهم في الرأفة بأنفسهم ، وبعدهم وإبعادهم عن غير المعقول من الحجج ! .
  أليس هذا أولى من : الاتِّهامات .. والتبكيت .. والاستهزاء .. وكلُّ ذلك مما يُبعد ولا يُقرب ؟؟ !.
  أليس من المعقول أن ننأى عمَّا يستعملونه هم من : مغالطات .. واتِّهامات .. وسخريَّة يسخرون بها منَّا ، لم تزدنا إلاَّ تمسكاً بما نحن عليه ؟؟ ! .
  كما ينبغي تجنُّب الأسلوب الخطابي في مدح الشريعة من غير تدليلٍ ، أو تعليل ! ، فمن قلت له من المسلمين المستسلمين لله ورسوله .. إنَّ هذه أحكامنا أحكاماً عادلةً لأنَّ  ( .. وما ربُّك بظلاَّمٍ للعبيد )[23] ، و ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )[24] ، ينبغي ألاَّ يرد على لسانك مع الجاحد .. والمتجاحد .. والمتفرنج .. فكلٌّ منهم سوف يثني عطفه ويتَّهمك بـ [ عدم العلميّة ] !! . ولهذا وجب مخاطبة العقول والقلوب دون العواطف ، وإقامة الحجَّة بدليل حياديٍّ يقبل به الخصم ، ليكون مُلزماً له ، وإلاَّ كانت الصفقةُ خسراناً مبيناً ، واندحاراً مهينا !! .
  ولندلل على أنَّ ما جاء به الإسلام يتّفق مع .. العقل السليم .. والفطرة الإنسانيَّة ، ثم ننتقل إلى القول :
   إذا اتَّفقت الأحكام عندك مع ما لدى الغير ، أو فاقت ما عنده .. فهل العقل السليم يُلزم بالاقتباس ، أم بالاكتفاء ؟؟ .
  ويقيني أنَّ السواد الأعظم مكن الذين [ تفرنجوا ] .. بل [ الإفرنج ] أنفُسُهم إذا أُلزموا الحجَّة قبلوها ، فلهم نوع إنصافٍ يجب ألاَّ نفرِّط به ، أو نُنكره عليهم ، بل الأولى أن نخلقه فيهم ، ليكون لما نريد طريقاً آمناً نسلكه ، ونتيجةً نُحافظ عليها ، ولا نخلق فيهم روح المكابرة ، أو ندفعهم إليها دفعا !.
  أخيراً .. أليس ما ندعو إليه هو من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وقد أُمِرنا بها  ؟؟ ! .
********
  ونشرع في بيان المقصود بالأسلوب الذي اتَّفقنا عليه .. في هذا التمهيد المفيد  إن شاء الله U ..




الفصل الأول
في
المناقشات العقليَّة لمسؤولية العمل في الأسرة
[ ويتضمن هذا الفصل مبحثين ]

المبحث الأول
في
المسؤوليَّة الإداريَّة في الأسرة بالنظر العقلي البحت
                         
   ليس أمراً جديداً إذا ما قلنا ..  أنَّ الأسرة هي اللبنة الاجتماعيَّة الأولى ،  وعنصراها الرئيسيَّان هما : الزوج .. والزوجة ، وبصلاحها يصلح المجتمع كلُّه ، وبارتباكها  يرتبك المجتمع كلَّه ، وهي المدرسة الأولى التي لا يغيب عن أذهان أبنائها ما أودعوه في أذهانهم فيها  ، لما يتوفر لها من فرصة التبكير في التكوين العقلي والنفسي للإنسان ، فعلاج أُمورها يجب ألاَّ يكون نابعاً من ... هوىً جامح ، في وضع القناعات المسبقة .. ثم السعي للدفاع عنها ، كافتراض مغدوريَّة المرأة ومظلوميَّتها ، إلى غير ما هنالك من هذا الاتِّجاه ، فهذا انحيازٌ سابق لأوانه ، وقبل ظهور النتائج ، وهذا لا يوصف بالموضوعيَّة قط ! .
  إنَّ المعالجة يجب أن تنبع من .. الجبِّلَّة البشريّة ، والفطرة الإنسانيَّة ، والمقوِّمات الخِلقيَّة لكلا ركني الأسرة الركينين ، وهما : المرأة والرجل ، مع عدم إغفال الحالات الطارئة ، والظروف غيـر المتساوقة مع الاعتيادية والرتابة ، وإعطاء الاستثناء ما يليق به من أحكام .
   إنَّ إغفال هذا أو التغافل عنه ممن يتصدَّى لمعالجة شأن الأسرة ، يؤدي إلى صدور الأحكام النابعة من الهوى والانحياز.. و [ إنَّ الهوى ما تولى يُصمِ أو يًصمِ ] ، مصداقاً لقوله u : { حبُّك الشيء يُعمي ويُصمُّ }[25] .
والشاعر العربي يقول :
وعين الرضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ      كما أنّ عين السُخط تُبدي المساويا
  إنَّ تحكيم العقل ، ومجانبة رغائب النفس التي ـ بلا ريب ـ لا تنبع من منطق العقل ونوازعه ، يوصل إلى المهيع الرشيد ، الذي يُصلنا إلى النتائج المرضيَّة الباهرة ، والحلول الزاهرة ، والمعالجات الكاملة ! .
  وبهذا المنطلق نعالج ما سميَّ  بمشكلة مشاركة المرأة في الأعمال الإداريَّة خارج البيت ، ومسألة مشاركتها في [ القوامة ]  ..
  إنَّ الأسرة تتكون من عنصرين أساسيين هما : الزوج.. والزوجة ، أي : إمرأةٌ .. ورجل ، وبدونهما يستحيل ظهور أُسرةٍ جديدةٍ إلى الواقع الحياتي .
  ولعلَّ سؤالاً لا نجد مفراً من طرحه .. هل هناك تشابهاً بين نوعي بني البشر ؟ ، وما وجهه ؟ ، وما سعته ؟ .
   أقول / إذا تساوى أصل النوعين بأصل الخلقة ، وتساويا بتساوي الفرص المعطاة لكليهما ، وتساويهما في الحقوق الأساسيَّة [ الدستوريَّة ] مثل :
 حقِّ الحياة ، وحقِّ البقاء ، وحقِّ إشغال حيِّزٍ من الفراغ الكوني ، وحقِّ التعليـم ، وحقِّ العمل ، وحقِّ الإشتراك في المسؤوليَّات العامَّة ، وحقِّ الفرد على الدولة في توفير الحمايتين .. للأمن الداخلي والخارجي .. الخ .
  وإذا تساوى النوعان في المساءلة الأُخرويَّة أمام الله U ، وكذلك في حقِّهما في نوال الجزاء على الفعل الحسن دون تمييزٍ بحسب النوع .
  وهذان الأمران أشار إليهما قول الرسول e : { الناس سواسيةٌ كأسنان المُشط }[26].
  أقول / إذا كان كلُّ ذلك مقرَّاً لهما على وجه التساوي ، بإلغاء الفوارق الأخرى غير المؤثرة في مثل هذه المساواة ، فإنَّ عاقلاً من بني البشر لا يمكن أن يقول بتساويهما في التكوين الجسماني ، والنوازع النفسانيَّة ، فهذا ممَّا يدل عليه الحسُّ .. والحسُّ أحد مصادر العلم اليقيني الذي لا يُنكره إلاَّ مكابرٌ لا يؤبه بقوله عند العقلاء ، وأصحاب الإنصاف ! .
  وحين نقرُّ  بالاختلاف لا نُرجح أحداً على أحدٍ لمجرد هذا الإختلاف الظاهر المشاهَد .. بل لابدَّ من السير بخطواتٍ متَّئدةٍ ، لتقرير ما يليق بكلٍّ منهما من مهمَّاتٍ وحقوق .
  ولا يشكُّ أيُّ عاقلٍ لحظةً واحدةً أنَّ الأُسرة ما هي إلاَّ خليَّةً اجتماعيَّةً حيَّةً ومتحركةً ، ولا بدَّ لها من مقوِّمات العيش والبقاء بحسب القوانين التي تحكم الحياة البشريَّة ، فهي تحتاج إلى :
  كسبِ عيشٍ وطلبٍ للرزق ، بسبب ما أودعه الله U في الإنسان من حاجاتٍ عضويَّةٍ لابدَّ له من إشباعها ، وإلاَّ توقفت حيلتُه ، وسكنت حركته ، وهذه نتيجةٌ لا يرتضيها عاقلٌ لنفسه ، ولا يسعى أحدٌ إلى [ حتفه بظلفه ] !.
     إذن .. لا بدَّ  :
   من الكسب اليوميِّ ، وطلب الرزق خارج البيت ، والسعي لتدبير أمور المعاش والرزق ، وتدارك متطلَّبات العيش ! .
    ومن جهدٍ لدفع أذى الأشرار ! .
    ومن تدبير متطلبات الخروج للنزهة ، إدخالاً  للبهجة إلى نفوس الأسرة ، وتنشيطاً للنفوس ، ودفعاً للخمول ! .
   ومن جهودٍ لتلبية متطلبات البيت الداخليَّة .. من : تنظيفٍ ، وطبخٍ ، وإعداد الملابس .. الخ ! .
   ومـن رعايةٍ للأطفال من جهة حاجاتهم اليوميَّة..من : إطعامٍ ، وتنظيفٍ ، و .. ، و.. الخ ! .
   ومن رعايةٍ لهم خارج البيت .. من : رقابةٍ ، ومتابعتهم في مدارسهم ، وفي ذهابهم وإيابهم ، و .. الخ ! .
فمن سيقوم بكلِّ هذا ؟ .. وكيف ؟ ! .
   نقول /   إنَّ العصر الحديث هو عصر توزيع الاختصاصات والمهام ، بل هو عصر التخصُّص الدقيق ، إذ لم يعُد الاختصاص العام كافياً ، فلم يعد الـطبيب يُطبب كلَّ الأمراض ، بل نراه يختص بعضوٍ من أعضاء جسم الإنسان ، بل بجزءٍ بسيطٍ من العضو الواحد .. كالقرنيَّة من العين ، أو الشبكيَّة فقط !! ، ويصدق هذا على كلِّ الاختصاصات من غير استثناء .
  فإذا أردنا للأسرة الحياة السعيدة الهانئة ، فلا بدَّ من توزيع الاختصاصات والواجبات والمسؤولياَّت فيها ، جرياً مع منطق العقل السليم ، ومع طبائع الأشياء ، والقدرات البنيَّة والفكريَّة للإنسان .
  كذلك تُلزمنا [ المعاصرة ] التي يُنادون بها بضرورة التخصص ، والاستفادة القصوى من الوقت ، ومن الجهد البدني المبذول بما لا يتبدد منه شئٌ فيما لا نفع منه ، غير متناسين منطلق المشاركة التي يرتضيها الجميع ويدعون إليها ، وهي بذات الوقت تصُبُّ في المنطلقات التي ألمعنا إليها .
  وعلى هذا .. فلو تزوج شابَّان ، فكوَّنا أُسرةً جديدةً ، فيلزمهما بعد انفضاض الجموع المحتفلة بزواجهما ، التداول معاً لوضع :
[ السياسة العامة للأُسرة الجديدة ]      و    [ توزيع الاختصاصات فيها ] .
  فإذا قلَّبا وجهات النظر ، فسوف لن يجدا أمامهما غير افتراضاتٍ ثلاث ،  بعد استبعاد افتراض عدم قيامهما بأيِّ عملٍ .. وهذه الافتراضات هي :
الأول / أن تخرج المرأة لطلب الرزق ، ومتابعة متطلبات الأسرة في الخارج ، ويتولى الرجل مهام البيت الداخليّة .
الثاني  / أن يحصل العكس تماماً .
الثالث  / أن يخرجا لطلب الرزق معاً ، ثم يعودا ليتوليا أمر البيت معاً أيضاً!.
وهذا التقسيم قائمٌ على الحصر الحسِّي الواقعي للاحتياجات الأسريَّة ، التي  لا شك أنَّها ستتنوع إلى نوعين رئيسين .. هما :
    احتياجات داخل البيت   ..  واحتياجات خارج البيت .
وسنعالج هذه الاحتمالات في فروعٍ ثلاث ..

الفرع الأول
في
خروج المرأة .. وقعود الرجل !

  وهذا الافتراض ينبني على كون خروج المرأة هو لأجل مجابهة الصعوبات والمتطلبات الخارجيَّة ، والسعي لكسب معاش الأسرة وما يقوم بنفقاتها ، على أن يقوم الرجل بأعمال الأسرة الداخليَّة وتدبير المنزل !.
فما الذي سيحصل ؟؟ .
  الجواب / أنَّ الرجل سيشعر بالظلم والإمتهان ! ، وهضم حقوقه ! ، والحجر على قابلياته ، وهدر إمكاناته … وسيطالب بمساواته بالمرأة في :      
 حقِّ الخروج … وحقِّ العمل خارج البيت ! .
  وسيطالب بتحريره من هذا الظلم !! ، وسوف يتعاون مع بني نوعه في تأسيس الجمعيَّات التي تطالب بـ [ حقوق الرجل ] !! ، وسوف يُقيم الدنيا ولا يُقعدها لأجل إنصافه ، وتحريره ، ومنحه حقوقه المهضومة !! .
    ولكن ... من سيسمع شكواه ؟ ، أو يُشاركه الوطأة في بلواه ؟! .
  الجواب .. لا أحد ، إذ يلزمه إبـداء حجَّةٍ مقنعةٍ ، فلا مطالبة مـن غير حجة ، أو سندٍ ، أو دليل .
سنجد أنَّ جِماع حجَّته ، ومنتهى سنده .. سيكون قوله :
  إنَّ طلب المعيشة في الخارج سيُعرِّض المرأة لمضايقات الرجال من أمثالي ، وهم لا يَرحمون المرأة ورَّقتها ، ولا قابلياتها البدنيَّة ، ولا تكوينها الجسماني!. 
  إنَّ هؤلاء الرجال قد يطلبون منها أموراً تخرج عن حدود الأدب .. والخلق السامي .. والمنطق السليم ! ، فإذا انصاعت المرأة فرَّطت بأعزِّ ما عندها .. وإن أبت عانت معاناةٍ لا تُطيقها !! .
  وسيقول أيضاً ..  وأنا رجلٌ ، وأنا أعرف من غيري بالرجال ، ولا  أبرئ منهم أحدا !! .
   وسيقول أيضاً ..  إنَّ المرأة  بعد هذا كلِّه  ستحمل .. وستلد ، ويُراد لها في ذلك الحال : الراحة ، والدعة ، بل حتَّى في حالة الحمل ، وقبل الولادة فليس كلُّ النساء ممن يستطعن القيام بأعمالهنَّ ، بل بعض الأعمال لا تلتئم مع حالة الحامل حفاظاً على حملها ! ، وليس كلُّ الناس ممن يرضى بـانقطاع منتسبي عمله بالإنقطاعات الدوريَّة ، ولا بالتغيير الدوري لأعمالهم ، إذ سيؤثر ذلك على مستوى الإنتاج ، وسيُكلِّف نفقاتٍ طائلة ، لا ضرورة عند ربِّ العمل في تحمُّلها .
  وبعد الولادة .. سيحتاج الطفل إلى رعايةٍ ، ورضاعةٍ ، وعدم الاعتناء به تضييعٌ لأهم ثمار [ الأُسريَّة  ] ، ولأهم ثمار الزواج ومقصوده !! .
  وسيقول أيضاً  .. إنَّ رضاءنا بمثل هذا ما هو إلاًَّ ارتدادٌ بالمجتمع والأسرة إلى حالة القبائل البدائيَّة المنعزلة في مجاهل الأمزون وأفريقيّا ، التي يقوم نظام الأسرة فيها على هذا المنوال .. أي الرئاسة [ الأُميَّة ] للأسرة !! .
  إنَّ المرأة ذاتها سوف تشعر بأنَّ الرجل أدنى منها مرتبة ومنزلة ، وهي لن ترضى في قرارة نفسها بمثل ذلك ، بل يُصيبها العار إذا تزوَّجها من هو أدنى منزلةً منها ، ولهذا اشترطت الشريعة الغرَّاء [ الكفاءة ] فيه لأجلها ! .
  إنَّ المرأة تسعى للإقتران بمن هو أعلى منها ، أو بمن يُكافؤهـا على الأقـل ، ولا تستقيم حياتهما بدون هذا ، بل إذا شعرت بخلافه فإنَّها تزدري الزوج وتحتقره !! ، وهذه حكمة [ الكفاءة ] التي اشترطتها الشريعة في الرجل لصالح المرأة ولا عكس ، فالملوك تتزوج إماءها ، والعبيد لا يتزوجون بنات السادة ! .
  ولما لم تكن في حالتنا هذه الكفاءة متوفرة ، فإذا قلنا لا كفاءة ... إذن لا انسجام ، ولا دوام بعدها للعشرة ! .
*********
 إنَّ الرجل سوف لن يكلَّ عن تكرار هذا ، ولا يفتأ يذكره .. حتَّى يُحدث الله بعد ذلك أمرا ..
ولكنّنا سنقول له /  عليك بالانتظار ، فأمامنا حلٌّ آخر ، ولعلَّه هو الذي سيحلُّ الإشكال .. ! .
*******
الفرع الثاني
في
خروج الرجل للعمل .. وقعود المرأة في البيت

  وفي هذا الافتراض سوف تنقلب الصورة تماماً ، فسوف يخرج الرجل للكسب ، ومجابهة المصاعب .. وتنصرف المرأة لتدبير أمر بيتهما ..  .
سيقول لها الرجل حينئذ / لقد ارتضيت متاعب الحياة لأفتدي زوجتي .. وأمَّ ولدي .. ورفيقة دربي .. بل هي التي يصدق عليها وصف [ حبيبتي ] ! .
وسيقول أيضاً / سأتحمل عنها ما لا يُطاق من الأعمال ، وسأُلقي عن كاهلها العبء الثقيل الذي أرادت حمله عنِّي ، فأنا أقدر على مثله ، وإنَّ حبِّي لها ، وإشفاقي عليها يدعواني لتجنيبها كلَّ ذلك .
وسيقول أيضاً / إنَّ عطفي على ولدينا الذي يحتاج لمنتهى الرعاية الحنونة والتي لا يمكن لغير الأم توفيرها له ،  وهذا يدعوني أن أُضحي بروحي .. لا براحتي فقط لأجلهما ! .
وسيقول أيضاً / إنَّ جسمي أقدر على تحمُّل المتاعب والمصاعب .. وأنا أسعى بين يديها ، وأقدم لها ولولدها ثمرة مجهودي ، وإنّي لتطيب نفسي بما تُنفق مما أتيت به إليها بعد كدٍّ وعناء ، بل لذتي حين أكون ملبيَّاً لما تُريد ، وسعادتي في تحقيق ما تطلب ! .
********
  إنَّ المرأة سوف لن تستلم لمثل هذا الكلام الذي تُعدُّه خادعاً  .. بل ومليئاً بالمغالطات !! ، ومن العدل أن نسمع ردَّها..
ستقول / لقد جعلتني خادمةً لك ولأولادك !! .. جعلتني لا أعرف إلاَّ : الطهي .. وغسل الملابس .. ومن ثمَّ لا بدَّ أن أكويها ! .. ثم لا أريد أن تنسيني مهمة التنظيف اليومي للبيت .. ومدى مشقَّتها !! .
وستقول أيضاً /أنت تخرج يوميَّاً وترى الدنيا بسعتها.. وما فيها وما عليها !!، وأنا يلفنِّي بيتي ، وكأنني الميتة من بين الأحياء !! ، لا أعرف من دنياي سوى الذي ذكرت من الأعمال .. لأكون خادمةً لك ولولدك !! .
********
ولكن في مقابل ذلك سنجد للرجل حجَّةً ..
سيقول لها / إن استنكفت من خدمة ولدك وحشاشة قلبك ، بل فلذة كبدينا معاً!.
  وإن استنكفت من خدمة زوجك وشريك حياتك ، ومن تركت أمَّك وأباك لأجله ، ومن يُفترض أنَّك اقترنت به عن : قناعةٍ ، ورضاً ، ومحبَّة ! ... فإنَّ العجب كلَّ العجب أنَّك قد رضيت  قبلاً :
 بخدمة كلِّ من هبَّ ودبَّ من خلق الله .
 ورضيت بتحمُّل مضايقة كائنٍ من يكون من الرجال .. بل كلِّ الناس ، ألست مستأجرةً لرب عملٍ يريد إنتاجاً ؟؟ ، أو كونك موظفةً يريد رئيسك مواضبةً والتزاماً ؟؟ .
 وسيقول .. بعجبٍ شديد / أ كلُّ هؤلاء هم : أعزُّ  ..  وأغلى .. وأولى ..  من الزوج ، ومن الولد ؟؟ ! .
  فإن أردت الخروج ، ورؤية الناس .. فإنَّ أمرهما سهلٌ وميسور ، فأنا أعدك أن نخرج بعد العمل ، وفي العطل ، سـويَّةً للنزهة ، وزيارة الأقارب ، وقد نخرج منفردين لبعض المهام الاجتماعيَّة .. وحتى الترفيهيَّة المشروعة والمشروطة بالشروط الشرعيَّة … فما تقولينه مدفوعٌ مردود ! .
*******
  ومع كلِّ هذا النقاش الهادئ والعقلاني ، فإنَّ المرأة ستصر ُّ .. وتصرُّ .. ولن يجد الرجل أمام إصرارها إلا أن يقول ..
  جربنا الحالة الأولى فما أرضتنا مجتمعين ، بل أرضت بعضنا فقط ! ، وهذه الحالة الثانية لم ترضنا جميعاً ، بل أرضت بعضنا فقط ! .
 فلنجرب الحالة الثالثة ..
*******
الفرع الثالث
في
خروج كلاهما لكسب العيش .. وعودتهما معاً لتدبير أمر المنزل !

  إنَّ لهذه الحالة الافتراضيَّة ، افتراضان أيضاً .. هما :
الأول / أن تكون أوقات عملهما متفاوتة ، ومواعيد كلٍّ منهما مختلفة .. فحينئذٍ لا يرى أحدهما الآخر إلاَّ رؤية الغريب للغريب .. وهذا إذا رأى أحدهما الآخر ! .
الثاني / أن تكون مواعيد عملهما متَّفقة فحينئذٍ سيخرجان معاً ، ويعودان معاً . وهذه تتطلب منهما أن يعمل كلٌّ منهما في خارج البيت ، ويعودان ليعملا في داخل البيت معاً !! .
  والذي سيحصل هو .. ورود كلِّ الاعتراضات التي أُوردت على عمل المرأة خارج البيت .. أي العمل في غير ما يُناسبها ، وورود كلِّ الاعتراضات التي أُوردت على عمل الرجل في داخل البيت .. أي العمل في غير ما يناسبه..!! .
  إنَّ هذه الطريقة ستجمع مساوئ الافتراضين الأولين معاً .. بل سيُضاف لها مساوئ مشتركة فيهما معاً !! .
  فرجوعهما منهكين ، وتضييعهما شؤون البيت والأولاد ، وتضايقهما من العمل المستمر داخل البيت خارجه ، سينعكس بلا أدنى شك على حياتهما الأسريَّة ، ووظيفتهما الطبيعيَّة ، وعلاقاتهما الزوجيَّة  ..  بل سيؤثر ذلك على عملهما خارج البيت ، وسوف لن يُرضي كلٌّ منهما متطلبات العمل بشكل من الأشكال !! .
  فهما لا لنفسيهما أرضيا ! ، ولا لولديهما رعيا ! ، ولا في عمليهما خارج البيت أحسنا ! ..        
       إذن ما الحل ؟؟ .

















المبحث الثاني
في
الحل العقلي لموضوع تقسيم العمل بين الزوجين

   الحل القويم ، والأساس المتين لهذا الموضوع البالغ الأهميَّة ، وللأسباب التي بيَّناها قبلاً ، يتطلب التفصيل ، وتوزيع الاختصاصات .. مع عدم الإنكار لوجود استثناءات لكلِّ ما سنذكر ، فالقاعدة هي : حكم أغلبي ، وليس كما قيل هي حكمٌ مستغرق .
  وسيتطلب منَّا البحث من أجل المعالجة ، الكلام عنه في فروعٍ ثمان ..

الفرع الأول
في
ما يتحمَّله الرجل من مهام ..

  بحكم القوَّة البدنيَّة التي أُعطيها الرجل ، والضمانات التي يتمتع بها من صعوبة الاعتداء الخُلُقي عليه ، إن لم يصل إلى الاستحالة في  أحيانٍ كثيرة  .. لكلِّ هذا وذاك ، ستكون الأعمال الخارجيَّة أليق ما تكون به دونها .
  ولهذا كان على الرجل أنَّ  يتحمل مصاعب الحياة وقسوتها ، وقسوة وظلم كثيرٍ من الرجال أمثاله ! ، إذ لا يقدر على ردِّ أذاهم إلاَّ من كان مثلهم ، وقديماّ قيل : [ إنَّ الحديد بالحديد يُفلح ][27] ! .
   وسنرى الرجل حينئذٍ يخرج متحملاً قرِّ الشتاء ، وحمَّارة القيظ ، ووعورة الجبال ، ووحل الأنهار والأهوار ، وامتطاء صهوة السابحات في الجوِّ ، والماخرات عُباب المحيطات ، وقسوة البعد عن الأهل والديار ، ووطأة مقارعة العدوِّ ومجالدته ومجاهدته ، وخطورة السير في الليالي المدلهمَّات الحالكات ، ووطأة الوحدة ووحشتها فيما يتطلب ذلك ، وسيتحمل التزاحم والتدافع في أعمالٍ أخرى تتطلب ذاك .. ! .
  فهو سيكسب القوت والعيش .. بقوَّته البدنيَّة ، وبتأهله الجسماني الذي أودعه الله U فيه ، وبما فُطر عليه بأصل الخلقة الإلهيَّة !.ولا أظنُّ أحداً تصل به الغفلة إلى حدِّ حسبانه أنَّ كلَّ الأعمال هي أعمالٌ مكتبيَّة ووظائف إداريَّة فقط!. 
 إنَّ هذا الرجل المتعب بهذه التكاليف المتشعبة ، سيكون مسروراً جداً حين يأتي بثمار تعبه وكدِّه ليضعه بين يدي زوجه ، وأُمُّ ولده ، وحافظة غيبته ، والتي تدخل على قلبه السرور بنظرته ، ولا شك فإنَّه سيكون رضيَّ النفس بما يهديـه لها من غير منَّةٍ ، وليحفظ لها كرامتها ، وكبرياءها ، ويبقيها في عليائها ، وفي موفور كرامتها ! .
*******
الفرع الثاني
في
ما تتحمله المرأة من مهام في الأسرة ..

    للمـرأة دورٌ في الحياة يفوق دور الرجل في انعكاساته على مستقبل الأسرة ، وفي المجتمع بعامة ، فهي الأم ، والمرضعة ، والمربية ، والحارس اليقظ لبيت الزوجيَّة ، وعلى مواقفها تتوقف نتائج عظيمة  تتعلق باستقرار الأسرة ودوام وظيفتها الاجتماعيَّة ..
    وعليه فإنّ مسؤوليتها فـي إدارة أغلب شؤون البيت ، هي مسؤوليّة متميِّزة ، ويُنتظر منها وضع السياسة التربويَّة والأخلاقيَّة للأسرة ، كما يُنتظر منها أن تكون الظهير القوي لزوجها ، وهي المعين الوحيد له عند عودته إلى بيته في تبديد تعبه ومعاناته خارج الدار ..
  وعلى المرأة أن تُبعد عن نفسها فكرة [ خدمة الغير] عند تعاملها مع زوجـها ، بـل عليها أن تضع في حسبانهـا فكرة [ المشاركة ] ، وفكــرة [ توزيع الاختصاصات ] .
  وتضع نصب عينيها .. أنَّها اقترنت بهذا الرجل بمحض إرادتها ، بل افتراض كون ذلك الاقتران كان نابعاً عن حبٍّ يجب أن يدوم ، وللحبيب مكانةٌ ليس يعرفها إلاَّ المحبون ، وكما قالوا : [ كلُّ ما يفعل المحبوب محبوب ] ، فلا يُنتظر من المحبِّ أن يتعامل بمفهوم [ الربح والخسارة ] ، أو مفهوم الامتهان حين تُلبى طلباته ! .
   إنَّ تضحية المرأة - ونحن نسميها تضحيةً وليست واجباً ! - لزوجها ، وحبيبها ، وأبي ولدها ، لم يكن لقاء دريهمات تأخذها وتنتهي العلاقة عند ذلك الحدّ ! ، وهذا واضحٌ حينما تعمل لغيره .
   كما لم يكن عملها له مجرد [ خوفٍ ] منه ، كالذي تعمله للغير في حالة الإجبار السلطوي أو الحكومي - مثلاً - ، أو إكراه متجبرٍ ، أو متسلط .
   إنّ الفكـرتين المتقدمتين مرفوضتان ، بـل يُفترض قيام : المودة ، والرحمة ، والمحبة .. وهذه كلِّها لا تنتظر أجراً ، ولا تُبنى علـى فكرة الخوف ! ، وهذا هو الذي يوافق طبائع الأشياء ، مؤيَّداً بما ورد في القرآن العظيم .. حين يقول :
( ومن آياته أنْ جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودَّةً ورحمةً * إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون ) [28].
ولن نشك لحظةً أنَّ المرأة من القوم المتفكرين .. ولها تقدير وتمييز بين المتشابهات والمتقاربات ، والقدرة على الفصل بين المتباينات ، فلن تكون بحاجةٍ لغير التذكير .. وكلٌّ يحتاجه ذكراً أم أُنثى ! .
  على المـرأة أن تميِّز بين قيامها بخدمـة من لا تربطها بــه غير رابطة [ الأجر ] ، وبين القيام بواجبات بيتها وأولادها ، فيجرها أمر البدل القليل للتضحيَّة بالنفع الكثير المتعلق بحياتها اليوميَّة .. وحياة من يُفترض أنّهم أعزِّ من عندها في الدنيا .. مع الوالدين .

*******

الفرع الثالث
في
تعليم المرأة .. !

  لا تُحرم المرأة من حقِّها في التعليم ، وغالب الحال أنَّها تبدأ به قبل ارتباطها بزوج ، فهو مسؤوليَّة الأبوين ، ويُبحث هذا الموضوع على هذا الأساس ، لا أساس كونه من مواضيع ما بعد الزواج ! .
  وإذا افترضنا أنَّها تريد المواصلة الدراسيَّة بعد الزواج ، فهذا ستبحثه مع زوجها باعتباره من الأمور الداخلة في المشاركة الأسريَّة ، ومهام رسم السياسة المشتركة للأُسرة ، ويمكنها أن تضع شروطها في هذا الشأن عندما يكون الأمر في نطاق المباحثة والمفاوضة بين الزوجين .. أو أسرتيهما ! ، ولها الحقُّ أن تشترط من الشروط ما لا يتعارض ومقتضى عقد النكاح ، كلُّ ما في الأمر أنَّها قد تجهل حقوقها ! ، وليس هذا ذنب الإسلام .. بل هو ذنب الأعراف التي يتعارفها الناس ، وكثيراً ما لا يكون لها من أصلٍ شرعيِّ ، أو وجهٍ من وجوه المقبوليَّة الفقهيَّة .. إذن ما ذنب الإسلام ؟؟ !.
  على أنَّ مسألة التعليم تلك مـن المسائل التي تحتاج إلى تفصيلٍ يقتضيه المقام ، فقد يكون طلبها للعلم واجباً شرعيَّاً ، إذا تعيَّنت معرفتها لتلك الأحكام في اتِّخاذ السبل اللازمة لتحقيق مصالح العائلة ، والسير بها وفق مقتضى الحكم الشرعي اللازم لها .
  وقد يتعيَّن الوجوب العيني لأسبابٍ أخرى ، كضرورة معرفتها بأمورٍ تلزمها الظروف الحياتيَّة السائدة في فترةٍ ما ، كفترات الحروب ، أو انتشار الأوبئة .. أو احتمال حدوث ظروفٍ طارئةٍ متوقعة ، تملي اتِّخاذ الاحتياطات الضروريَّة لحفظ الحياة ، أو حفظ النفس ، أو حفظ المال ، أو حفظ العرض .. الخ .
  كما قد يكون هذا الطلب للعلم مفروضاً فرضاً كفائيَّاً  ، في أمور لا يمكن لغير المرأة أن تقوم بها مع وجودها كالطب النٍسوي ، أو التعليم النسوي .. وغير ذلك كثير ، وقد بيَّناه في رسالتنا [ مشايخ بلخ من الحنفيَّة ] المطبوعة في بغداد / 1978 .
  كما يحسن ألاَّ يخلو المجتمع من دارساتٍ ، وبالشروط الشرعيَّة ، في كلِّ الاختصاصات الموجودة في تلك الفترة الزمنيَّة المعيَّنة ، وذلك لأجل درء اتِّهامات أعداء الإسلام التي يُشيعونها عن الإسلام والمسلمين .. من : مصادرتهم للحقوق الأساسيَّة للمرأة ، ومنها حقِّ التعلم ! .
  وعلى كلِّ حال ، إذا كانت تلتزم بالإسلام منهجاً حياتيَّاً ، فإنَّ هذا الموضوع سوف يدخل في اختصاصات وليِّ الأمر ، ويصبح أمراً تنظيميَّاً ، تتولى تنظيم شأنه الدولة ، كإلزاميَّة التعليم في فترة عمريَّةٍ معيَّنةٍ ، أو لمرحلةٍ دراسيَّةٍ معيَّنةٍ .. وبالنسبة لكلِّ قطَّاعات المجتمع .. والنساء منهنَّ .
  فيجب ألاَّ  تُخلط الأُمور خلطاً غير مبررٍ ، من تحميل الإسلام أخطاء الأعراف ، وتحميل الأزواج ما هو في حقيقته مسؤوليَّة الآباء ! ، فلا بدَّ أن تكون المعالجة مختلفةٌ ، ومنطلقاتها مختلفة ، ولا يُحملُّ جانبٌ ما يجب أن يتحمله جانب آخر  !! .
*******

الفرع الرابع
في
عمل المرأة حالة الضرورة .. !

  فقد تحتاج الأُمَّة .. وقد تحتاج البلاد إلى جهودٍ نسائيَّةٍ خاصَّة ، في أعمال لا يُحسنها غيرهنَّ ، أو أنَّهن أحسن أداءً ، وأنفع فعلاً ، ونتائج عملهنَّ يوفر مبالغ جمَّةً .. أو .. أو  .. . فلا يُترك الكـلُّ لمصلحة الجزء ! . فهذه مصلحةٌ عامَّةٌ ، مقابل مصلحةٍ خاصَّةٍ .. هي مصلحة الزوج فقط ، فحينئذٍ لا بُدَّ أن تفضِّل المصلحة العامَّة على الخاصَّة ، وفي هذا مندوحة من الشرع في قواعده المتَّفق على الأخذ بها في هذه الأحوال .. مثل[29] :
[ درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المنافع ]  و ..
[ إذا تعارضت مفسدتان روعيت أعظمهما ضرراً ، ويُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ]   و ..
[ الضرر يُزال ]   و ..
[ الضرورة تقدَّر بقدرها ]   و ..
[ الحاجة تنزَّل منزلة الضرورة عامَّةً كانت أم خاصَّة ]  .
*******
  إنّ كلَّ ما تقدَّم تُراعى فيه المتغيرات التي تستجد في كلِّ زمن ، بل وفي كلِّ بقعةٍ من البقاع ! ، وهذا فقهٌ دقيق لا تنقطع الحادة له أبداً ما دامت السماوات والأرض ، وبتلك الموائمة استطاع الفقهاء العظام ، وفي أدوار التأريخ المتعاقبة أن يجعلوا الناس في قربٍ دائمٍ من الأحكام الشرعيَّة ، معدم المصادمة مع الواقع المفروض ، دون التفريط بالأُسس والقواعد الشرعيَّة المتَّفق عليها ..
  ولعل العمل الفقهي ما زال مراعياً لمثل هذا بتوفيقٍ ملحوظ ، ولذلك تغيَّرت بعض القناعات التي لم تكن لتصدم مع الأصول والقواعد ، بل نستطيع القول أنَّ كثيراً مما كان يُسمَّى مشكلةً في هذا المجال أو ذاك قد أصبح محلولاً ومقبولاً من المجتمع الإسلامي بعامَّة ، ومن المجتمع الفقهي بخاصَّة ! .
  وعلى هذا فينبغي ألاَّ ننساق خلف الذين ما زالوا يُكررون شُبهاً أصبحت اليوم في عداد الأمور التأريخية ! .
على أنَّ هذا الأمر يتَّسع ولا يضيق .. فليعلم ~~
********
الفرع الخامس
في
كسب المرأة ..

 لا نشكُّ لحظةً أنَّ الإسلام قد أعطى المرأة ذمةً ماليَّةً مستقلةً ، فهي تتملك ، وترث ، وتورث ، أي أنَّ لها مالاً ، وتهب ، وتتهب ، وتتبرع ، وتتعامل بشتى المعاملات الجائزة للرجل .. سواءً بسواء .
إذن .. هي لم تُمنع المرأة من الكسب والعمل ، على ألاَّ  تُفرط بواجباتها الأخرى .. فمن المعلوم :
[ أنَّ كلَّ امرئ نفقته من ماله إلاَّ المرأة فنفقتها من مال زوجها ] .
  كما أنَّ المرأة غالباً لا تُطالب بنفقة أقاربها الفقراء والمحتاجين ، لأن المطالبة تكون للرجال الكاسبين أولاً ، وغالباً ما يكفون في هذا الباب ، لكونها غير كاسبة أصلاً ، اللهم إلاَّ إذا كانت ذا مالٍ ، وليس في الرجال من يستطيع القيام بنفقة المحتاج ! .
  إنَّ حقِّ المرأة في الكسب يجب أن تُراعى فيها القيود التي سبق بيانها في الفرع السابق ، فيجب ألاَّ تفرط الزوجة بواجبات زوجها وولدها ما دامت غير مطالبة بالإنفاق شرعاً .
  نعم .. إذا كان إهمالها لما ورثت من مالٍ مثلاً ، يضرُّ بالمصلحة العامَّة ، وعموم الثروة في البلاد ، والتي يحرص الشارع الحكيم على الحفاظ عليه ، لأنَّ له [ وظيفة اجتماعيَّةٍ ]  كما يقـول القانونيون ولا تأباه الأحكام الشرعيَّة ، فلا ننظر لمصلحتها الخاصَّة فقط ، بل لمصلحة المجتمع الذي له حقٌّ في هذا المال ، فلا نرضى بإهمالها لمالها لأسبابٍ قد تُقنعها ولا تقنعنا ، وبالتالي قد يصل الأمر إلى حدِّ إجبار وليِّ الأمر لهذه المرأة على رعاية أموالها ، لما في ذلك من نفعٍ عام .
  وفي كلِّ الأحوال .. فإنَّ القواعد الفقهيَّة الكليَّة التي أشرنا إليها في الفرع السابق ، تطبَّق هنا كما طُّبقت هناك ! .
  نعم .. قد تستطيع أن تستعين بالوكلاء والأعوان ، لكي لا تُفرِّ ط بالواجبات الأساسيَّة ، لكن في غير الأساسيَة يمكنها حلِّ الأمر [ بالمشاركة ] التي قررناها في مدارسة أمور الأسرة .. ووضع الموازنات الدقيقة لقيام هذه المرأة بواجبها الذي لا يُستعاض عنه بغيرها .

*******
الفرع السادس
في
الذمَّة الماليَّة للمرأة ..

  تطرقنا في الفرع السابق إلى هذا الأمر ، لكي نقرِّر أنَّ المرأة لها الحقُّ في العمل لصيانة أموالها ، ولا يمكن أن تكون لها أموال إذا لم تكن لها ذمَّةٌ ماليَّة.
  والذمَّة الماليَّة : هي وصف اعتباري يفترضه الشارع الحكيم في الأفراد ، وقد يفترضها في غيرهم على تفصيلٍ فيه ، يكون معه الفرد صالحاً لثبوت الحقوق له وعليه .
  وهي قد تُطابق هنا [ أهليَّة الوجوب ] : وهي صلاحيَّة الإنسان لثبوت الحقوق المشروعة له وعليه .
وهي تثبت للفرد في بطن اُمِّه ، لكنَّها تكون ناقصةً ، ففي تلك المرحلة تثبت الحقوق له فقط ، فيرث .. ويُوهب له .. ويوقف عليه .. ، ويُحجز له من الميراث نصيبٌ .. على تفصيلٍ يُعرف في موضعه . وتكمل هذه الأهليَّة بالولادة للجنين حيَّاً .
 على ألاَّ يغيب عن الذهن [ أهليَّة الأداء ] التي هي : صلاحيَّة الإنسان لاستعمال الحقوق المنوحة له شرعاً . وهي تتعلق بصحـة العبارة ، وتسـمّى [ التصرفات القوليَّة ] ، ولكلِّ جزئيَّةٍ من هذه الأمور تفصيلات لسنا في سبيل استيفاء الكلام فيها ، لخروجه عن المقصود[30] .
  فيفهم من ذلك عدم التفريق بين الرجل والمرأة في إثبات تلك الحقوق ، إذن .. لا تُفترض لها الأهليَّة إذا لم يكن بها حاجة لاستعمالها ، وسيكون ذلك تناقضاً لا يقبله العقلاء ، ولا يمكن أن يصدر عن منظِّمٍ يتصدَّى لتنظيم المجتمعات من البشر ، فضلاً عن الشارع السماوي الحكيم ! .
  نعم .. لو كان مثل ذلك موجوداً لبيَّنه الشارع الحكيم من غير ما حاجة لعدم البيان ! .. ألا ترى معي أنَّ الشارع الحكيم أوضح بصراحةٍ : عدم أحقيَّة المرأة في التطليق ما لم تشترط في عقد الزواج .. أو تُفوَّض ذلك ، وبيَّن أنَّ النسب يكون للأب دونما حاجةٍ للتعميةِ وشبهها .. وهكذا ! .
  ولا يخفى أنَّ المرأة ترث زوجها لو مات قبلها ، ومن المندوبات أن يُتحف الزوج زوجه بالهدايا .. فإنَّها تُديم المودة ، فكيف يجوز له ذلك ، ولها .. لو لم تكن لها [ ذمَّة ماليّة ] ؟؟ ! .
*******
الفرع السابع
في
استقلال شخصيَّة المرأة الإجتماعيَّة عن الزوج .. !

 من المعلوم أنَّ المرأة كائن حيٌّ يحمي حقوقه الشرع ، ولا يعني زواجها قط أنّها ستكون اسماً يُذكر في الأسماء فقط ! ، أو أنَّها ستتحول إلى عرضٍ يستمتع به الزوج فقط !! .
  ولا أظنُّ أنَّ زوجاً يحترم نفسـه ، ويرى لنفسه موقعاً في الكون وهذا الوجود ، يرضى لنفسه أن يتزوج مجرد [ آلةً ] .. بل كثيراً ما يشكو الرجال من عدم اهتمام النساء بهم ، أو عدم مشاركتهم فيما هم فيه من أمورٍ تحتاج لمشاركة الرأي ، أو المشاركة العاطفيَّة لتخفيف وطأة الكثير من الضغوط التي يتعرض لها في حياته ، وتحتاج إلى المشاركة !! .
  فالمرأة إذن .. تبقى ذات شخصيَّةٍ اجتماعيَّةٍ ، وتبقى لها الصلة بوالديها ، ولا يعني زواجها انقطاع صلتها بالأهل ، ولا بالمجتمع ، ولا بكثيرٍ من الخصوصيَّات التي تفرضها الجبِّلة البشريَّة ، وأصل الخلقة الإنسانيَّة .
  ولهذا لا تُلغى علاقات المرأة الإجتماعيَّة التي لا شائبة فيها ، ولها حقِّ المشاركات الإجتماعيَّة ، والنشاطات المقبولة غير المُفرطة في إبعادها عن واجباتها الأُسريَّة .. فتزور ، وتُزار ، وتُهدي ، ويُهدى إليها .. الخ .
  ولا يغيب عـن الذهن أنَّ الرجل له ذات الحقوق ، وبنفس القيود .. وتـبقى [ المشاركة في وضع السياسة الأُسريَّة ] بين الزوج والزوجة ، هو الفيصل في إبعاد نقاط التشنُّج ، وأسباب التفريط بحقِّ كلٍّ من كلٍّ !! .


*******
الفرع الثامن
في
الكلمة الفصل في الإدارة الأُسريَّة .. !

  بعد هذا النقاش العقلي البحت الذي دلَّنا  ومن غير انفعالٍ   ، وأوصلنا  ومن غير تحيُّزٍ ، إلى نتائج معقولة ومرضيَّةٍ ، يحق لنا أن نتساءل .. إذا قررنا وجوب المشاركة في اتِّخاذ القرارات الأسريَّة ، فقد تنجم أمورٌ يختلف فيها الزوجان ، والاختلاف أصل طبيعة بني البشر ، لما يتمتَّع به كلٌّ منهما من خصوصيَّةٍ يفرضها الاستقلال العقلي لكلٍّ منهما …
     فيا تُرى لمن تكون الكلمة النهائيَّة ؟ .
  لعل الإجابة على هذا السؤال هو مقصود هذه الدراسة أصلاً ، وهو الذي يُثير كثيراً من التعقيد الذي يستغله المستغلون !! .
   إنَّ كلَّ عملٍ يشترك فيه اثنان فما فوق  ، لا بدَّ أن يُوضع له منهاج ، يُوضح فيه صلاحيات وواجبات كلِّ طرفٍ من الأطراف المشاركة في ذلك العمل ، ونجد في الأكثر رئيساً يُحسـن إدارة الاجتماعـات في العمل المشترك ، ويتولى الأمور التنظيميَّة ، وتكـون كلمته الفصل في حالة الاختلاف ، و يكون رأيه هو المرجح لإحدى الكفتين عند تعادل الآراء .
      فهل يمكن  إجراء مثل ذلك في الأسرة ؟؟ .
  والجواب / يمكن القول إنَّ الأسرة إذا اختلفت حول شئ من الأشياء والأعمال السابق ذكرها ، فالغالب أنَّ اختلافها يكون في بدء تكوينها ، وهي في هذه الفترة لا يتعدى عددها اثنين ، ولا تتكون إلاَّ من عنصرين ، وهذه حالة تُساعد كثيراّ ، بل تجعل الأمر ميسوراً في معالجة حالات الاختلاف ، فالأمر لا يعدو وجهاً من وجهين .. وهذا أيسر من حالة تعدد الأطراف !  .     
  وكما قلنا مراراً ، فإنَّ الأصل أنَّ الأُمور تسير بمشاورة الطرفين ، وفي حالة الاختلاف لا بدَّ أن يرجح الجانب الذي فيه الرئيس..رئيس أيِّ عمل ! .
     فمن هو الرئيس في الأسرة ؟ .
  إنَّ الرئيس لا بدَّ  أن يكون أكثر الطرفين خبرةً ، وأكثرهما تضحيةً ، وأكثرهما تقديماً وعطاءً .. ليكون لحيازة الكلمة الأخيرة ما يبرره ! .
  ولقد توصلنا في النقاش الهادئ إلى أنَّ الرجل هو الأكثر تضحيةً .. والأكثر تقديماً ن وقد ارتضى هو نفسه ذلك ، وقبل به عن قناعةٍ ورضا ‍ ، لكونه يُناسب تكوينه الجسماني ، ولفرط محبته لزوجته وحرصه عليها ، وصوناً لها عمَّا لا يليق بها .
  إذن الكلمة في حالة الاختلاف ستكون له ، لما سلكناه من طريقٍ يُلاحظ الترابط التام بين الأحكام ، وترتب بعضها على البعض الآخر .. فإن أُخذت مجزأةً ، دون مراعاة الترابط المنطقي ، والابتناء المتسلسل ، كانت النتائج غير مستقرة ، ولا متوائمة ‍ .
  وإذا لاحظنا أمر الخبرة التي يجب مراعاتها .. فهذه ستختلف في كلٍّ منهما ، إذ كلٌّ منهما هو خبيرٌ بجانبٍ .. جاهلٌ بالجانب الآخر ‍ .
  فالمرأة .. فيما عدا ما تنفرد بخبرته .. سوف لن ترضى إلاَّ أن تكون الكلمة النهائيَّة ، فيما احتاجا إليه لمثلها ، إلاَّ أن تكون للرجل .. شعوراً منها بكمال تضحيته في تحمُّل المسؤوليَّة الكاملـة في القرارات التي يتَّخذها لوحده ، ويتحمل تبعة تنفيذها ، وما يترتب عليها من نفقات‍ ‍‍‍‍.
  ولا يُنكر أنَّها قد تتحمل المسؤوليَّة مثله في قرارات أخرى تنفرد هي بخبرتها فيها ، وتنقص الخبرة الرجل فيها ! .
  إنَّ هذا الوضع الجميل المبني على .. التفاهم ، والمشاركة ، والوقوف عند حدود ما يُحسنه كلٌّ منهما ، ومعرفة المدى الذي ينتهي به حقُّه ، ستجعل ركني الأسرة الركينين .. في تفاهمٍ تامٍّ ، وفي سيطرةٍ عاليةٍ على مصادر ظهور الحساسيات والتشنجات غير المرضيَّة ، والتي يُريد لها الأعداء أن تظهر ، لتخريب العوائل والأسر الإسلاميَّة ، والتأكيد على فكرة [ الصراع ] ، وعلى فكرة التناقضات التي ابتدعوها .. حين أصروا على : عداء المعلم للتلميذ !، والإبن للأب ! ، والحكام للرعيَّة ! ، والجديد للقديم ! ، وأخيراً .. الرجل للمرأة !! .  
  في حين يُصرُّ الإسلام على بناءٍ لا يتزعزع ، وأسسٌٍ متانتها لا تُدفع ، في ذات الوقت نجد أنَّ مقتضى عمل من ذكرنا ما هو إلاَّ بنيانٌ على شفا جرُفٍ هارٍ !! .


*******












الفصل الثاني
في
موقف الشريعة من المسؤوليَّة في الأسرة ..!
وموقف الأديان المعروفة في العراق .. !

  بعد النقاش العقلي الهادئ حول توزيع المهام ضمن الأسرة ، فإنَّه يحقُّ لنا أن نقف على موقف الشريعة الإسلاميَّة ، ولنتساءل هل أنَّ الشريعة عالجت هذه المسألة على وفق ما أوصلنا إليه النظر العقلي السليم ؟؟ .
  قبل الإجابة لا بدَّ أن نستعرض تلك المعالجات أولاً ، ثم نقوم بتقييمها على وفق الموازين التي جرى الاتِّفاق عليها ..
ونعالج هذا في مبحثين  ..

المبحث الأول
في
معالجة الشريعة لإدارة الأسرة ..!

  لا بدَّ لكلِّ متصدٍّ للدراسات الشرعيَّة أن يعرف بعض المسلَّمات ، والتي أشرنا إلى الكثير منها في المبحث التمهيدي .. فينبغي استذكاره هنا ، ولا بدَّ من التمييز بين : الأحكام الشرعيَّة .. والأقوال  الفقهية ..  .
  إنَّ عمومات كثيرٍ من الخطابات الشرعيَّة  الواردة في كلام الله U أولاً  ، ثم في كلام رسوله الكريم e تبعاً وتتميماً ، تترك مجالاً رحباً للمجتهدين لبيان آرائهم ، بفهـم لتلك الخطابات على وفق أصولٍ محدَّدةٍ تكفـل ببيانها [ علم أصول الفقه ] ، وليس هناك من كلامٍ يُقال اعتباطاً أو من غير ضوابط ! .
  إنَّ هذه الطريقة ستؤدي إلى فهمٍ متعدد .. هو الذي سيسمى  بالآراء الفقهيَّة ، وسيبلغ عددها ذات العدد الذي يبلغه عدد المجتهدين أنفسهم ! .
  وقد يكون للمجتهد رأيان .. رأي قديم ، ورأيٌ أحدث ، في حالة بلوغه من المعلومات الدينيَّة أو الدنيويَّة ، ما يدعوه لمثل هذا التغيير ! .
  كلُّ ذلك سيُوسع علينا الأمر ، ويُعيننا على اختيار رأيٍ نراه مناسباً لزماننا .. أو لحاجتنا .. أو للضرورة .. أو لعموم البلوى .. أو للمصلحة ... الخ ،
وهذا أسلوبٌ وصل إليه الإسلام ليجعله مواكباً لكلِّ وقت .. ولكلِّ فرد ! .
  وفي مقابل هذا نجد الرأي القطعي الذي لا يحتمل اجتهاداً قط ، بل هو ثابتٌ مهما تغيَّرت الظروف .. كلُّ ما في الأمر أننا يجب أن نُدلل على معقوليَّة هذا الحكم ، ونبيِّن مبررات ثبوته ! ، ولهذا قالوا:[ لا اجتهادَ في مورد النص ] ! ، وهذا مبدأ مقرٌّ في الفقه القانوني كإقراره في الفقه والشريعة الغرَّاء ، فمن قبل ذاك فليقبل هذا .. ومن رفض هذا فليرفض ذاك أيضاً ، وإلاَّ خرج القائل عن الموضوعيَّة .. وعن الاستقامة المطلوبة في الأمر كلِّه ، أي الاطِّراد في قاعدةٍ رتيبةٍ تعمُّ وتتكرر .. ولا تتخلف ! .
********
   بعد هذا التقرير البيِّن ننتقل إلى النقطة المهمَّة في هذا الموضوع .. ألا وهـي : [ مسألة القِوامة ] ! ، فالله U قد جعلها للرجل في قوله تعالى :
  ( الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعضٍ ونما أنفقوا من أموالهم .. )[31] .
 فما معنى القوامة ؟ ، وما معقوليَّة فرضها للرجل دون المرأة ، وما حدودها ؟   وهذا ما نتكلم عنه في فروعٍ سبع ..


الفرع لأول
في
معنى القِوامة ..!

  يقول تعالى : ( الرجال قوَّامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتاتٍ حافظاتٍ للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشُوزهنَّ فعظوهنَّ واهجروهنَّ في المضاجع واضربوهنَّ فإنْ أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلا إنَّ الله كان عليَّاً كبيراً )[32] النساء / 34  .
  فالقوامة وردت في نصٍ قرآنيٍ ، وهو قطعيِّ الثبوت بلا ريب ، وهو قطعيِّ المعنى .. في إعطاء [ القوامة ] للرجل على المرأة ، مع قطعيَّة العلَّة التي ذكرها القرآن في النص ، وهذا النص على العلَّة من الأمور التي لا توصف بالكثرة بحالٍ ! .
  فعلى هذا يكون موضوع [ القِوامة ] محسومٌ من وجهة النظر الإسلاميَّة ، بناءً على ما قررناه بالنسبة لأسلوب الخطاب الشرعي ، مع عدم ممنوعيَّة البحث في سعتها ومداها ، وهذا ما سنفعله إن شاء الله  U .
  فالقوامة في المعنى اللغوي .. هي : القيام على الأمر أو المال ، أو ولاية الأمر.[33]
وقام بالأمر : إذا جدَّ في الأمر ، وتجلَّد فيه .
وقِوام الأمر : نظامه ، وعماده ، وملاكه .. الذي يقوم به[34].
  وفي الآية تعني القِوامة : أنَّ للرجال عليهنَّ قيام الولاء والسياسة [35] .
 فالمعنى اللغوي هو المراد أصلاً من هذا التعبير ، وهو عينه المعنى الشرعي .. فيكون المراد من [ القِوامة ] :
  القيام بأمر البيت والعائلة ، والولاية عليه في الإنفاق ، والولاية عليه في سياسته .. فالمرأة هي عماد البيت ، وهي ركن الأسرة الركين ،  فتكون مشمولةً بهذه الولاية ، والتي سنرى سعتها وحدودها لاحقاً .
*******
الفرع الثاني
في
علة إعطاء [ القِوامة ] للرجل ... !

  العلة هي : الوصف الظاهر المنضبط الذي جعله الشارع الحكيم علامةً على وجود الحكم ، وانتفاؤه علامةً على انتفائه .
فالحكم هو : إعطاء [ القِوامة ] للرجل .
  والعلَّة كما ورد في النص هي : بما فضل الله U بعضهم على بعضٍ ، أي الرجال على النساء ، وبما أنفقوا من أموالهم ، أي أموال الرجال على النساء .
  فالله U لم يترك هذا الحكم بلا تعليلٍ ، ليدخل في عداد الأحكام التعبديَّة الصرفة والتي لا تعلل في أصل فرضيَّتها ، فهذا مؤشر لنا في جواز البحث العقلي لبيان وجه المقبوليَّة .. والمعقوليَّة ، أليس الأمر معللاً ؟؟ .
  وإذا أردنا أنْ نحلل هذه العلَّة القطعيَّة .. سنجدها مناطةً بأمرٍ ذا شقين :  كسبيٌّ …  ووهبيٌّ .
 فالوهبي هو: تفضيل الرجال على النساء بأصل الخلقة .. وهذا ما لا دخل للإنسان فيه ، لكن يلزمنا معرفة وجه هذا التفضيل فقط ، وهل هو واقعٌ فعلاً؟. 
  والكسبي هو : إناطة واجب الإنفاق في الأسرة وعليها بالرجل ، وذلك بحكم الشرع ، ويتوقف على إرادته بالإلتزام وعدمه ، وحينئذٍ تتعلق بعض الأحكام التي لا تسلبه حقَّ [ القوامة ] ، لأن الشقِّ الثاني لا مدخل لإرادتيهما فيه ! .
  وسبيل الوصول إلى القول بجعل ما ذكر في النص علّةً هو : أنَّ [ الباء ] في النص سببيَّة ، والمعنى .. الرجال قوَّامون على النساء [ بسبب ] ...  ، وهذا السبب مركبٌ من شقيَّن ، أحدهما مقدور ، والأخر عكسه ! . فالمقدور كسبـيٌّ ، وغيره وهبيٌّ .
  فإذا حصل أحد طرفي العائلة على أحد شقَّي العلَّة ، فإنَّ الشقَّ الآخر لا يدخل في مقدوره ! .
  إذن .. لا تغيير في مسألة [ القِوامة ] قط ، وإلى يوم القيامة ! ، وذلك لأن المعلول يدور مع علَّته الكاملة وجوداً وعدماً ، وليس مع بعضها ، ولا مع شقِّها ! .
*******
الفرع الثالث
في
وجه التفضيل بأصل الخِلقة للرجل .. !

للتفضيل الخِلقي وجوهٌ  :
الوجه الأول /  الصفات الخِلقية التي أُودعت في الرجل دون المرأة .
الوجه الثاني / زيادة تكليف الرجل من الشارع الحكيم .. مع عدم تكليف النساء بها ، واختصاص الرجل ببعض الأحكام .
 والوجه الثاني بلا ريب  يُبنى على الوجه الأول وهو : التفضيل الخِلقي ! .
  إنَّ هذا التفضيل نجده في أمور :
     الأمر الأول / قوَّته البدنيَّة .. وهذا أمر لا نزاع فيه ، بل لا يحتاج إلى برهان ! .
     الأمر الثاني /  استعداده الفطري للاعتناء بمهمات الأمور .. فإذا حصل العكس عندها وعنده من الاهتمام وعدمه ، فما ذلك إلاَّ استثناء ، وكما هو معلوم .. [ أنَّ  العبرة للغالب ] .
    إنَّ العالم الغربي الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام المرأة لخير مثال على ما قررناه ، فواقع المرأة هناك برهان قاطع على صحة ما جعلناه نتيجةً مسبقةً ، فلا نجد من النساء ممن يعتنين .. بالسياسة ، والاقتصاد ، والاختراعات ، ومشاكل العالم المتنوِّعة ... إلاَّ عدداً قليلاً جداً ، بالنظر لنسبتهن العددية بالنسبة للرجال، ولو عممنا هذا إلى العالم كلِّه .. لكانت النسبة أقل !! .
    الأمر الثالث / اختصاصه بالنبوَّات وتبليغ الرســالات ، فليس هناك من
 [ نبيَّةٍ ] من النساء ! ، اللهم إلاَّ ما ورد عن بعض اليهود ، وهذا مما لا يُعوَّل عليه .
      الأمر الرابع / تكوينه الجسماني .. حيث لا يتأذى من أغلاطه المتعلِّقة بالعلاقات المحرَّمة أحدٌ !! .
      الأمر الخامس / تكوينه الجسماني الذي لا يُعيقه عن العمل في فترات دوريَّةٍ كالمرأة في العادة الشهريَّة ، أمَّا المرض فاحتمالاته يستويان بها من غير رجحان لأحدٍ على الآخر !! .
  الأمر السادس / اختصاصه بإقامة ببعض الشعائر الدينيَّة الجماعيَّة .. كالإمامة ، والخطابة .
  الأمر السابع / اختصاصه ببعض أعمال السلطة العامة دونها .. كرئاسة الدولة ، والقضاء ..على تفصيلٍ فيه .
*******
  إنَّ التفضيل الخِلقي لم يختص بالرجل دون المرأة .. فقد فضِّلت المرأة بأُمور غير منكورة ، لكن الشارع الحكيم لم يجعل لذلك تأثيراً في القِوامة ! .. بل جعل لها تأثيراتٍ أخرى سنراها ـ إن شاء الله  U  .                         


*******
الفرع الرابع
كون المساواة ضَّارة بالمرأة .. !

  إنَّ المساواة هي خلاف الطبيعة البشريَّة ، للفروق الظاهرة بين نوعي بني البشر ... ولهذا فإنَّ المساواة ستَّضرُ  بأحدهما لا محالة ، ولمَّا كان الرجل لا يُطالب بالمساواة ! ، بل هو راضٍ بأفضليَّتها فيما حازت أفضليَّته عليه ، فالبحث لا بدَّ  أن سيكون من جهة ضررها في حالة المساواة .
فمن أبرز ذلك ما توضيحه .. هو الآتي :
إنَّ الأحكام التكليفيَّة للإنسان قد أناطها الشارع الحكيم [ بكمال العقل ] ، ولذلك قالوا [ العقل مناط التكليف ] ، ويُقصد به العقل الكامل ، بدليل إيرادهم أحكاماً لناقصي العقل ، أو لناقصي الأهليَّة عموماً .
  والعقل أمرٌ  خفيٌّ غير ظاهر ، ومتفاوتٌ غير منضبط .. فليست هناك وسيلةٌ ما.. ولحدِّ هذه اللحظة لقياس تمام العقل ، أو القدرة العقليَّة ، وذلك نظراً لاختلافهم في ماهيَّة العقل أصلاً ، ولذلك الموضوع مناسبة أُخرى ، وكثيراً ما نجد صغيراً في العمر حكيماً في تصرفه ، ونجد شيخاً كبيراً نزقاً في تصرُّفه!.
 فالعمُر إذن ليس دليلاً على القدرة العقليَّة أصلاً ، فسيتفاوت الأمر  حينئذٍ ، والأحكام لا تُناط بالمختلف ولا بالمتفاوت ! .
  ولمَّا لم يكن هناك اتِّفاقٌ على معنى العقل ، فليس هناك من وسيلة لظهور كماله ، لعدم تحديد ذاته أصلاً ! .
  ولهذا فقد انتقل الشارع الحكيم .. من :
 المتفاوت إلى المنضبط .
 ومن الخفيِّ إلى الظاهر .
حين جعل الظواهر البدنيَّة دليلاً على كمال العقل ، نظراَ لظهورها ، ونظراً لانضباطها ، فجعل الشارع الحكيم [ القدرة على النكاح ] هي دليل اكتمال العقل ، وذلك بقوله تعالى : ( وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم .. ) [36].
  فجعل  الباري U [ القدرة على النكاح ] هو دلالة اكتمال العقل ، حيث يُستفاد ذلك من قوله : { .. حتى إذا بلغوا النكاح } .. أي : القدرة عليه ، وإلاَّ فإنَّ النكاح لا يُبلغ ! .
   إنَّ بلوغ النكاح للمرأة هو القدرة على مباشرته من غير ضرر ، فجعل الله U  [ الحيض ] في المرأة دليلاً على اكتمال عقلها .
  وإنَّ بلوغ النكاح للرجل هو القدرة على مباشرته من غير ضرر ، فجعل الله U [ الإنزال ] في الرجل دليلاً على اكتمال عقله .
فانتقل من الخفيِّ .. إلى الظاهر ، ومن المتفاوت .. إلى المنضبط ، وهذا يصدق أيضاً على [ المشقة ] ، وفصلنا ما يتعلق بها في كتابنا [ مصطلحات رمضانيَّة ] .
  ومن الملاحظ أنَّ المرأة في البلاد معتدلة الحرارة .. [ تبلغ ] قبل الرجل ، فقد تحيض في سنِّ [ 9 ] التاسعة وما بعدها ، وإن تأخرت إلى سنِ [ 15 ] الخامسة عشرة ، فيُقام السن [ العمر ] مقام الظواهر ، وتعتبر بالغة ! .. وقد يختلف الأمر من بلدٍ إلى بلدٍ ، وبحسب طبيعة تلك البلاد .
  كما أنَّ الرجل في مثل تلك البلاد يبلغ في سنِّ [ 12 ] الثانية عشرة ، وإن تأخر فتعتبر سن [ 18 ] الثامنة عشرة سناً  قصوى للبلوغ بالنسبة له ! .                  
  لكن القوانين المدنيَّة العربيَّة خالفت الأمور الشرعيَّة ، والوقائع الطبعيَّة .. في أمور :
 أولها / أنَّها سوَّت بين البلوغ  والرشد ، واعتبرتهما شيئاً واحداً !! ، ولكلا نوعي بني البشر: الذكر والأنثى في آن واحد !، وأسمته سنِّ [ بلوغ الرشد ]!،  وفي ذلك من المخالفات الشرعيَّة ، والمخالفات الطبعيَّة ، ما شاء الله U .. ، إذ أنَّهما مختلفان تماماً . .
  فالبلوغ هو : القدرة على النكاح ، كما مرَّ .
  والرشد هو : حسن التصرف في المال ! ! .
 فهما أمران مختلفان تمـام الاختـلاف ، وما ينبغي لأحدهما قد لا ينبغي للآخر  ، وأحكام كلِّ منهما تختلف عن الأخرى .
  ثانياً / لجأت القوانين إلى السنِّ [ العمر ] ابتداءً ، مع أنَّ السنَّ هو الاستثناء لمن لم تظهر عليه العوارض الجسديَّة ! .
  ثالثاً / سوَّت القوانين بين الرجل والمرأة في السن الذي أسمته [ سن بلوغ الرشد ] ! ، وهي سنِّ الثامنة عشرة ! .
والذي يهمنا هنا هو الحالة الثالثة .. فهل هذه التسوية كسباً للمرأة ؟؟ ! .
الجواب / كلا فهي الخاسرة بهذه التسوية ، ووضعها في ظل الأحكام الشرعيَّة التي ميَّزت بين كلٍّ من الرجل والمرأة ، هو أحسن بل أميز منه في ظل [ المساواة ] ! .
  فلقد عرفنا سابقاً أنَّ المرأة تبلغ قبل الرجل في كلِّ الأحوال .. الأصليَّة ، والاستثنائيَّة ، ومعنى هذا أنَّها سوف .. :
   1. تحصل على حقوقها السياسيَّة قبل الرجل ، فتكون :
 ناخبةً ، ومنتخبةً ، قبله بمدَّةٍ لا تقلُّ عن [ 3 ] ثلاث سنوات ، وقد تزيد إلى الست [ 6 ] سنوات ، ويُدرك هذا ممَّا قررناه من سنِّ بلوغ أحدهما .. بالظواهر ، أم بالسنِّ .
  2. تستطيع أن تزوَّج نفسها قبله  ، وبنفس الفارق من المدَّة . وهذا الاحتمال مبنيٌّ على خصوص مذهب الإمام الأعظم t ، وعلى مذهب غيره في حالة ما إذا عضل الوليُّ فقط ، فتنتزع ولايته .. على خلافٍ فيمن يتولاها بعده ، ولسنا في مقام التفصيل لهذه المسألة .
  3. سوف تبقى تحت [ إكراهٍ قانوني ] لمدَّة تتراوح من : ثلاث .. إلى ست سنوات ، وذلك بالعيش مع من لا تُحب ، إذا كان قد زوجها من الأولياء غير الأب والجدِّ . لأن لها الحقُّ في اختيار نفسها عند البلوغ ! .
    إنّ الشريعة الغرَّاء حين راعت الاختلاف الخِلقي بين الرجل والمرأة ، فما ذلك إلاَّ لمصلحتيهما ، وليس انحيازاً للرجل !! ، وما دوافع هذا الانحياز من مشرِّع يرعى الجميع من غير تمييز ، بل ليست له مصلحةٌ في ذلك قط ، ولهذا ستكون تشريعاته  وأحكامه بلا ريب موضوعيَّة .
   أمَّا إذا تغيرت الأمور ، وصار الحال إلى العواطف من غير تحليلٍ لنتائج كلِّ احتمال ، فإنَّ المرأة التي يُدافعون عن حقوقها !! ، ستكون هي المغبونة ، فهل هي مجرد نزوةٍ يُراد لها أن تُقال ، ويرددها الجهَّال من غير رويَّة ؟؟ ! .
يقول تعالى : ( فأقِم وجهك للدين فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدِّن القيِّم ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون ) [37].             
*******
الفرع الخامس
في حدود القوامة .. !

  بعد أن تقرر كون [ القِوامة ] حقاً للرجل دون المرأة ، فمن حقِّنا أن نتساءل  بعدئذٍ عن حدود تلك القوامة ؟ .         
  فإذا كان أصل القِوامة قد تقرر بالنص ، وليس فيه موضعٌ للاجتهاد ، فإنَّ حدودها تحتاج لمثل هذا الاجتهاد بلا أدنى شك ، حيث ترك النص ذلك لنا من غير تفصيل ، ولهذا اعتنى الفقهاء ببيان ذلك ، وتحديده .. .
  ولا يغيب عن الذهن ما سبق بيانه في التمهيد من التفرقة بين : الحكم الشرعي .. والحكم الفقهي ، ومدى لزوميَّة كلٍّ منهما .. فليرجع إليه ! .
  ويجب ألاَّ يغيب عن الذهن أنَّ الحقوق الزوجيَّة ، يمكن تنويعها إلى : حقوق خالصة للمرأة ..  وحقوقٍ مشتركة .. فليس الأمر مقتصراً على حقوق الرجل فقط في [ القوامة ] ! .
 ونبحث الحقوق الزوجيَّة في ثلاث نقاط ..                

[ النقطة الأولى /  حقوق المرأة ]

   فإذا كانت حقوق المرأة تتعدد تعدداً قد يصعب حصره بهذه العجالة .. من ذلك :
    1. حقَّها في الإنفاق عليها من الزوج من يوم إبرام العقد ، حتّى ولو كانت في بيت أبويها ، ما لم يُطالبها بالانتقال إلى بيت الزوجيَّة ، ورفضها ذلك من غير ما سببٍ ! .
    2. وحقِّها في معاشرتها ، وألاَّ يُطيل مدة فراقه لها ، إلاَّ لسبب قاهر ! .
    3. وحقِّها في التعليم ، وذلك بحسب الحاجة الشرعيَّة والواقعيَّة ،  وبحسب أحوال الزمان .
    4. وحقِّها في الخروج لرؤية مصالحها .. إذا كانت دائنةً ، أو مدينةً ، ولم يتيسر لها من يقوم لها بما ينبغي عليها ! .
    5. وحقِّها في ألاَّ تعمل في الدار بأمور الخدمة ، وعلى الزوج أن يوفر لها من يقوم لها بذلك ! ، فإن تطوعت فذلك من تمام البرِّ بزوجها ، ومن تمام حُسن معاشرته .
    6. وحقِّها في  الخروج لرؤية والديها أو أحدهم ، على تفصيلٍ فيه .
    7. وحقِّها في ألاَّ  ينتقل بها زوجها إلى غير موطن إقامتها ، إلاَّ إذا تعينَّ الانتقال سبباً للكسب ، بالنسبة للرجل ، ولم يكن له مندوحةٌ عنه ! .
   8. وحقِّها في الخروج إلى الحج ، ولو من غير رضاه ، وذلك في حجَّة الفريضة ! .
    9. وحقِّها في العمل إذا تعيَّن ذلك العمل لسببٍ خاص بها ، أو بالأمر الواقع في تلك البقعة ، أو ذلك الزمن .. كعملها [ قابلة ] ، أو[ طبيبة للنساء ] ، أو [ مدرِّسة لهنَّ ] .. وغير ذلك ! .
 10. وحقِّها في طلب فسخ عقد النكاح من القاضي .. لأسباب ، منها :   
           أ . عدم الإنفاق .. وعدم وجود مالٍ ظاهر يمكنها الإنفاق منه  بإذن القاضي ، وعدم وجود من تستدين منه .
           ب . سجن الزوج ، أو غيبته المنقطعة .. .
           ج . وللضرر بأنواعه .
           د . و للمرض ..
11. حقِّها في طلب المخالعة .
12. حقّها في تطليق نفسها في حالة اشتراطها العصمة لنفسها بالعقد ، أو حتى بعده ! .           
[ النقطة الثانية / حقوق الزوج ]

     مقابل كلِّ الحقوق التي ذكرناها ، والتي شُرِّعت لمصلحة المرأة ، فإنَّ حقاً واحداً فقط شُرِّع لمصلحة الزوج ! ، ألا  وهو حقِّ [ القوامة ] ! .
   نعم .. يتضمَّن هذا الحقِّ من جملة ما يتضمن .. [ حق الطلاق ] ، وما يترتب لها من حقوقٍ عند مباشرته منه .. كاستحقاق المهر المؤجل ، ونفقة العدَّة .
                     [ حدود قوامة الرجل ]
  إنَّ قوامة الرجل هي أشبه ما تكون  بـ [ .. قيام الولاة على الرعيَّة بالأمر والنهي ، ونحو ذلك ][38].
     فليس مستهجناً لدى العقلاء أن يكون هناك وليَّاً للأمر في الأمَّة ، وحتى القائلين بإمكان انعدام الحاجة إلى الحاكم في المجتمع في فترةٍ من الفترات ، فإنَّهم قد تراجعوا في تطبيقاتهم بما يؤدي إلى عكس ما قرر وه في هذه القضيَّة بالذات ! ، مما يؤكد كذب المُدَّعى بخصوص هذه المسألة بالذات ! ، وقد رأينا أنَّ الدولة ألغت الفكر القائم على مثل هذه المقولات ، ولم يستطع ذلك الفكر الوصول إلى إلغاء الدولة !! .
   ولا يأبى العقلاء أيضاً أوامر أولياء الأمور المرضيَّة المقبولة المعقولة ، ولا يمكن لهم ادِّعاء الحق في ردِّ أوامرهم ، بحجة عدم مشاركة كلِّ أحد .. وفي كلِّ موضوع !! ، اللهم إلاَّ إذا كان المأمور به يُعدُّ معصيةً في ذاته فحينئذٍ [ لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ] ، وهذا مما لا يختلف باختلاف الآراء .
   قد يكون اختيار الكافَّة لذلك الحاكم وقبولهم به ، هو الذي يخوِّله صلاحيَّة اتِّخاذ القرارات بعدئذٍ باسمهم ، وانسحاب ذلك عليهم .
قد يقول قائل .. إنَّ هذا التشبيه بعيد ! .
      قلت /  بل هو الأقرب من القريب ، فلا تختلف [ سياسة الأسرة ] عـن [ سياسة الدولة ]  بحالٍ من الأحوال ، اللهم إلاَّ ما فيه خصوصيَّة لهذه .. أو تلك من ناحية : الأهميّة ، والتأثير ، والسعة ،  وكثرة المتغيرات والثوابت.
  فكلاهما يحتاج إلى سياسةٍ وضرورة اتِّخاذ قرارٍ  في ضوء أمورٍ عديدةٍ ، يتشاور فيها صاحب القرار مع من يلزم مشاورتهم ، أو  من  يرتأي صاحب الشأن .. مشاورتهم ، ثم تكون له الكلمة الفصل وفق الأسس المقررة ، والمصلحة التي يلزمه مراعاتها ..     .
    فلماذا نسلم إذن ونحن ملايين من البشر لقرار رجلٍ واحد في أكبر الأمور أهميَّة .. ولا تُسلم إمرأةٌ واحدةٌ لقرار رجل واحد في أقل الأمور أهميَّة .. ؟؟ .
 إنَّ نقض هذا يستدعي نقض ذاك .. وضرورة ذاك استدعت ضرورة هذا ، وبعكسه سيحصل التهارج ، والتدافع فيما لا جدوى منه ! .
  ويجب ألاَّ يحسبنَّ أحدنا أنَّ ضرر القرار المرتبك في الأسرة أمرٌ يسير! ، فإنَّ الأمة ما هي إلاَّ مجموعة أُسرٍ ، إذا صلُحت صلُحت الأمة كلُّها .

[ النقطة الثالثة / الحقوق المشتركة ]

  ولعل وضع الزوجة هو عين ما ذكرنا ، فقبولها بالزوج زوجاً .. يعني أنَّها تعلم ما يترتب على مثل هذا القبول ، فنتائج العقود جعليَّة ، أي تترتب إلزاماً ولو نفى المتعاقدان ذلك ، كمن باع داراً وقال للمشتري يجب ألاَّ تسكنها .
  كذلك المرأة .. فإنَّ النتائج المترتبة على تعاقدها بعقد النكاح ، سوف يرتب للزوج حقوقاً ، كما يُرتب لها حقوقاً أيضاً ، فهي لا تستطيع دفع ما يترتب له ، ولا يستطيع هو أن يدفع ما يترتب لها ! .
********
الفرع السادس
  إساءة  استعمال الحقِّ .. ! 

  وقبل أن نفصِّل القول في حدود [ القِوامة ] ، يجب أن نشير أنَّه لا ينبغي للرجل أن يُسخر هذه الصلاحيَّة : لمصلحة ذاتيَّةٍ  بحتةٍ ، أو للنفع المادي لشخصه عن طريق هذه الصلاحيَّة ، أو يجعلها وسيلةً للتسلط .. الخ .
  ويقول الفقهاء عن الرجل الذي يظلم زوجته .. بأنَّه : [ يُوعظ ، فإن لم ينتهِ يُوجع عقوبةً زجراً له عن الظلم ][39] .                                                                                                                   

*******


الفرع السابع
  عناصــر القِوامــة  
يفصل الكاتبون القِوامة وينوِعون  عناصرها ،  إلى أنواع الحقوق التالية :
           1. حقِّ الطاعة .  
           2. حقِّ القرار في البيت .    
           3. حقِّ التأديب .           
  ونتكلم عن كلِّ حقٍّ منفرداً ..
               
[ الحقِّ الأول  / حقِّ الطاعة ]

  مما لا خلاف فيه أنَّ أول حقٍّ من حقوق رئيس الدولة على رعيَّته .. هو  : [  الطاعة ] فيما لا يُغضب الله U ، إذ : { لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق }[40].
   وما يُغضب الله U قد تكفلت ببيانه الأحكام الشرعيَّة ، والأحكام الفقهيَّة ، وهو في العرف القانوني السائد :[ النصوص التشريعيَّة ] من : قوانين ، وأنظمة ، وتعليمات ، وما يُسمَّى [ باللوائح ] في العرف القانوني لبعض الدول.
  وفي نطاق الأسرة ،  فإنَّ المبدأ ذاته يسود .. هو طاعة الزوجة لزوجها في كلِّ ما عدا ما يُغضب الرب واجبٌ ، وذلك للاعتبارات التي تقدمت ، وطاعة إحداهنَّ لزوجها فيما لا معصية فيه ، مدعاة لجزيل الأجر والثواب ، وفي تعويضٌ لهنَّ عن فوات الأسباب الأخرى التي فيها نوالاً للأجر، كالجهاد الذي لا يُفرض في حقِّهنَّ إلاَّ في حالة النفير العام .. وغيره ، كما ورد في الحديث الشريف : { إنَّ امرأةً قالت :
يا رسول الله .. أنا وافدة النساء إليك ، ثم ذكرت ما للرجال في الجهاد والغنيمة .. ثم قالت :
فما لنا من ذلك ؟ .
فقال لها رسول الله e  : أبلغي من لقيتِ من النساء ، أنَّ طاعة الزوج ، واعترافاً بحقِّه ، يعدل ذلك ، وقليلٌ منكنَّ مَنْ يفعلنه }[41].   

[ حدود الطاعة ]
   لهذه الطاعة التي قرَّرها رسول الله e حدودٌ لا يتعداها الزوج بحال ، فلا يعني أنَّ الزوج مطلق التصرف  من غير ضابطٍ في هذا الباب ! ، فينفتحُ بابٌ لا نهاية له ، وقد يؤول إلى التعسف ، والمصادرة بغير وجه حقٍّ  حقوق الزوجة التي أقرها لها الإسلام .
   لقد عدَّد الفقهاء صوراً لحقِّ المرأة في عدم طاعة الزوج فيما لا حقَّ له فيه من الأوامر والقرارات ، ومنها :
  1. حقّها في منع نفسها إذا لم يُوفِّها صداقها .  
2.حقّها في الخروج لحجَّة الفريضة ، ولو  لم يأذن بذلك . وعند الحنابلة تستأذن زوجها في حجَّة الفريضة على وجه الاستحباب ، وقال معظمهم : تستأذنه ، ويأذن لها وجوباً[42].
3. وعند الأحناف خاصَّة ، على الزوج أن يُخدِمها [أي : يجعل لها خادمة] .
  4.  وعندهم .. حقَها في ألا يجعلها تخرج من الستر لحاجةٍ ! .
  5. وحقَّها في أن يُعلِّمها ما تحتاج إليه من الأحكام الشرعيَّة ، ولا يحوجها إلى السؤال من غيره إذا كان عالمــاً ، فإن كان جاهلاً  يسأل لها هو العلماء ويُفيدها بالجواب ! ، فإن لم يتسن أن يفعل ذلك ، تخرج هي للسؤال بمقدار الضرورة .
  6. وحقّها في أن يُطعمها من الحلال .
  7. وحقّها في أن يُسكنها في الحلال ، ومن الحلال .
  8. وحقّها في ألاَّ يظلمها بمنعها من حقوقها الواجبة لها شرعاً .
  9. وأن يتحمل تطاولها في الكلام ، فإنَّه لا يَحسُنُ بالرجل أن يتخاصم مع امرأةٍ ![43].
لكن :  على المرأة أن تُجيبه :
  1. إذا دعاها إلى فراشه ، ولا يحقُّ لها عدم طاعته إلاَّ لمانع شرعي ، من : حيضٍ ، أو نفاس ، أو صوم الفريضة ، أو حمل يُصيبه أذى بالمقاربة ، إذا أخبر بذلك الحاذق من الأطبَّاء ، وكذلك لا تُجيبه من غير موضع الحرث .. وهو الموضع المخصوص ! .
  2. وتُجيبه إلى الزينة .. ليستغني بالحلال عن الحرام .
أمَّا .. الطبخ ، والخبز ، والغسل ، وغيرها ، فإنَّها لا تُجبر عليه قضاءً ، وعليها القيام بذلك ديانةً  ، أي : الأولى القيام به ، فإن لم تفعل ، فلا عقاب عليها في الدنيا ! ، وقد يؤاخذها الله U في الآخرة ، ولا أجر لها فيما تعمل إلاَّ حال القيام بذلك .

[ الحقِّ الثاني  / حقِّ القرار في البيت ]

    لما كانت المرأة غير مكلَّفةٌ بالكسب ، لأن نفقتها على زوجها ، وإن كان فقيراً ، فخروجها من غير حاجة  ، أو ضرورةٍ ، كالذي سبق بيانه من حدودهما ، سوف لن يجلب لها إلاَّ الضرر.
   نعم .. تخرج معه ، أو بعلمه ، ووفق ما يتَّفقان عليه من ضوابط في هذا الباب ، وحسب ما تتسعه الأعراف ، وتُمليه الحاجة .
  إنَّ خروجها من غير ضرورةٍ ما يُكثر قالة السوء ، ويجعل تعلَّق المرأة ببيتها ضعيفاً ، ويزداد ذلك الضعف بمرور الأيام ، حتى لتغدو كالضيفة في بيتها !!، لتعلِّق قلبها بما هو خارجه !.. وكلُّ ذلك يعطل الحكمة التي تكلمنا عنها في البدء ، من تقسيم العمل ووظائفهما العائليَّة بما يليق بكلٍّ منهما . 
         على أنَّها :
   1. تستأذنه في الخروج .. بحسب أعراف كلِّ بلدٍ ، وفي كلِّ زمنٍ من الأزمان .
  2. وتخرج لرؤية أهلها .. حسب التفصيل المارِّ ذكره .
 3. ولا يحرمها الزوج من نزهةٍ مشروعةٍ ، أو ترويحٍ مقبول ، أو رؤية آثار الأقوام السالفين من أجل العبرة التي حضَّ القرآن عليها ، وتستوي مع الرجل في حاجها لذلك ! .
   وكلُّ هذا بالشروط الشرعيَّة .. من : مصاحبة المَحْرَم ، وعدم الإنكشاف على الغرباء ، ولئلا يصبح ذلك ديدناً يُذهب بواجباتها تُجاه زوجها ، ويجعلها تُفرِّط بها .
   4. ولا تُمنع من بعض ما أصبح بحكم الضروريَّات ، كمراجعة مدارس أولادها ، طمعاً في تلافي ما قد يُصيبهم من ضرر التأخر في الدراسة ، أو بعض المضايقات التي تحصل لهم .. وغير ذلك ، أو حضور مجالس الآباء والأُمهات التي تُعتبر في مثل عصورنا ضرورةٌ تُمليها المحافظة على مصالح الأبناء ، وهذا من بعض حقوقهم على آبائهم .
   على أنَّ كلَّ ما تقدم يُترك للأعراف والأحوال ، وما يتسعه الزمان من ذلك من غير مذمَّةٍ لها أو لزوجها ، من الأُمور التي لا تُصادم نصاً ، ولا تخرق إجماعاً ، وتتسعها الأحكام . مع ضرورة اتِّفاقهما ابتداءً على كلِّ ذلك .. أو التفاهم اللاحق فيما لم يجرِ الاتِّفاق عليه ، وفي ما لا يُغضب الله U .


[ الحقِّ الثالث /  حقِّ التأديب ]
  لما كان الرجل بأصل خلقته أكثر توقاً لما يسمى الآن [ بالجنس ] ، أي : المضاجعة .. والمباعلة ، وهو أكثر ميلاً إلى زوجته إذا كانت ذات زينةٍ ، ولها اعتناء بنفسها ، فكثيراً ما يكون هذا الأمر غير مهمٍّ لديها ، ولعلَّها لا تُعطيه بعد الزواج خاصَّة الأهميَّة التي كانت تُعطيها له قبل الزواج ، إذ هي بعده  لا تُعطي لهذا الأمر ما يستحقُّ ، وخاصَّةً أمام زوجها ، بل تراها تهتَم به إذا كانت خارج البيت فقط !! .
    فالرجل إذن له :
  1. حقُّ تأديب امرأته على ترك الزينة .
  2. وحقُّ تأديبها إذا لم تُجبه عند دعوتها إلى فراشه .
  وذينك الأمرين أحصن له من أن يقع في الحرام ، وهو أنفع لها ، لئلا يُفكر الزوج بزواجٍ جديد ، تفقد معه تفردها به ، أو قد يجرُّه إلى التفكير بهجرها .. بل بطلاقها ! .
  ومن تحصيل الحاصل ، أنَّ قيام  الحاجة لدى الرجل لقضاء وطره قد يكون آنيَّاً ، فمن مصلحة المرأة أن تُجيبه فـي الحال ، وعلى الحال الذي اشتهاها فيه !! .
 إنَّ غفلة النساء غالباً عن هذه الناحية ،  هي سبب غالب مشاكل الأزواج ، وتشنجهم ، فعدم مراعاة المرأة لهذا الحقِّ  .
  
                        [ مراحل التأديب ]

  إنَّ المرأة التي تخرج عن طاعة زوجها فيما أمرها فيه من غير معصية ، أو ينبغي قيامها به ولو من غير  طلبٍ ، وهو ما يُعطي للرجل حقَّ التأديب .. فإنَّ هذا الحقَّ يتدرج صعوداً .. كالآتي :
            أولاً / العظة :  وتكون بالكلمة الطيِّبة ،  وبيان ما له من حقوق عليها ، بل ينبغي  له أن يُبينّ  ما لها من حقوق ، وكونه لم يُقصِّر في حقٍّ من حقوقها ،  فما بالها تتخلف عن الواجبات ؟؟! . مثل حلِّ استمتاعه بها ، كحقٍّ من حقوق العقد الجعليَّة التي تترتب بمجرد العقد ، ولا تتوقف على موافقة أحدهما ، بل عدم الموافقة خروجٌ عن مقتضاه ، وسببٌ للمؤاخذة الأُخروية ! . والمرأة العاقلة تتلافى أسباب كلِّ ما تحصل بسببه الشروخ في العائلة ، بل قد يضطر الزوج للتعدد .. أو أيِّ إجراءٍ آخر لا  يصبُّ في رضاها !! .
        ثانياً / الهجر في المضاجع :  ولعل هذا الإجراء أبلغ من سابقه ، ولا يتمُّ هذا الإجراء في حالة امتناع المرأة عن المضاجعة ، أو تقصيرها في ذلك ، أو في الزينة ، لأن الهجر متحقِّقٌ أصلاً ، فيحتاج إلى إجراءٍ أقسى .. وهو الذي سيأتي لاحقاً .
  ويمكن تحديد الحالات التي يلجأ بها الزوج للهجر، بعد العظة طبعاً ، هي:
           أ. طلبه منها القيام بالواجبات الشرعيَّة..إذا كانت متهاونةً في أدائها .. وكذلك كالصلاة ، والصيام ، وأداء الزكاة ، وصلة الرحم ، وغير ذلك .
           ب. في حالة خروجها من غير إذنه ، أو خلافاً لإذنه . ولا يغيب ما سبق بيانه عن مدى حقِّها في الخروج  ، والتي يتلخص حقَّها فيه في ثمانية أمور هي : 
              الأول /  زيارة الأبوين .
               الثاني / وعيادتهما .
              الثالث / وتعزيتهما .. أو أحدهما .
              الرابع / زيارة المحارم .
               الخامس / الخروج لعملها الذي ينبغي عدم انقطاعه في المجتمع فهو  فرض كفائي .. كعملها [ قابلة ] أو ما هو ضروري بدرجة ما ذكرنا .
              السادس /  وكذلك إذا كان لها على الغير حقٌّ .. أو عليها للآخرين حقٌّ .
               السابع / أو خروجها للحجِّ .  
وزاد بعضهم :
              الثامن / الخروج لطلب العلم ، إذا لم يستطع الزوج  إجابتها عمَّا تسأل من غير زينةٍ ، أو تبرجٍ ، أو اختلاط غير مشروع[44] .
           ج. إدخالها مَنْ يكره إلى بيته .
           د. أيِّ عملٍ يُخالف : الشرع ، أو العرف ، أو الآداب .. كماخصمة الجيران ، أو ايذاءها  أولادهما  ، أو تفريطها بمصالح زوجها .. الخ ، وهذا أمرٌ يتسع ولا يضيق .
  إنَّ الهجر نوعٌ من أنواع الاحتجاج الصامت المؤدب ، ورسالة مفهومة لأولي الألباب ، فإنَّ صبر الرجل عن مقاربة امرأته ، وصبره في الابتعاد عنها .. لا شك محدود ! ، فحينما يُطاول في ذلك ، فلا شك هو لأمرٍ أصعب على نفسه من الابتعاد عنه ! .
  إنَّ على المرأة أن تتنبه إلى هذا الأسلوب اللطيف لتنتبه لما يشكو منه الزوج .. فتتلافاه ، أو تعاتبه فيكون سبباً  لتلافي ما يكون قد حصل من جهته وأدى إلى انزعاجها ! ، فأثرَّ ذلك على تصرفِّها معه مما عدَّه هو مفرِّطاً بحقِّه ! .
   إنَّ في نوم الرجل في غير فراش المرأة ، هو  كناية عن إمكانه النوم في غير فراشها .. كالنوم مع زوجةٍ أخرى ! . ما دام الشارع الحكيم قد إذن له في ذلك ! .
   فإذا كانت المرأة حريصةً على : نفسها .. وبيتها .. وأولادها  ، كما أنَّ حلمها .. تبعد نظرها ، لا بدَّ أن يوقف الأمور عند حدٍّ معين ، و [ الحليم  من  الإشارة  يفهم ] ! ، وبعكسه فـ [ على نفسها جنت براقش ] ! ، وهي  وليس غيرها .. التي تكون قد دفعته إلى أيَّةِ نتيجةٍ وخيمة ! .
    الثالث /الضـرب : فإذا لم تُجدِ مع المرأة عظتها ، ولا هجرها في المضجع ، وكان فعلها هو السبب في الفـرقة والخلاف ، كادِّعاء الحيض كذباً عند إرادة الزوج مقاربتها ، أو منعها نفسها ولو بغير هذا العذر، فلا بدَّ  حينئذ من تنبيهٍ أقوى ، واتِّخاذ إجراء أشد ، وليس بعد كلِّ الذي ذكرنا إلاَّ ..
ا
[ الحقِّ الثالث / الضرب ]

   إنَّ الضرب التأديبي أو قل التنبيهي ، هو غير الضـرب العقابي ، فلا بـدَّ إذن أن يكون غير مبرِّحٍ ، وكلُّ ما في الأمر هو أن تشعر المرأة أنَّ هنالك رجلاً قويَّاً  يستطيع محاسبتها ، ويُعاقب عن بعض هفواتها ، فإنَّها سوف تحسب للأمر حسابه ، ولا تُفْرِط في تفريطها !! .
 ولعلنا لا نُجانب الحقيقة ، بل هي عينها ، أنَّ كثيراً من النساء يُعجبهنَّ ويُرضيهنَّ أن يكون أزواجهنَّ أقوياء ، فهذه سنَّة الله U في خلقه ، وهو سنَّة من سنن الحياة لكثيرٍ منهنَّ ، وهي فطرةٌ فُطر ت كثيرٌ من النساء عليها ، إن لم نقل أجمعهنَّ ! .
  على أنَّ الضرب هو أهون من هدم البيوت ، وأيَّةُ وسيلةٍ تعيَّنت سبيلاً لحفظ ما هو أهم ، فإنَّها تكون واجبةً ، فـ :
[ إذا تعارضت مفسدتان روعيت أعظمهما ضرراً ، ويُدفع الضرر الأشدُّ بتحمل الضرر الأخف ] .
  فضرب المرأة بعد الهجر والعظة ، ضررٌ خاص ، مقابل ضررٍ عام يحلِّ بالبيت وما يعنيه من : أُلفةٍ ، ومودةٍ ، وكونه لبنةً أساسيَّةً في المجتمع ،  وقد يُهدم بنشوزها ، وتحدث الفرقة ، ويُشرَّد الأطفال ! .
  ولا يغيب عن أذهاننا بقيَّة القواعد في هذا المضمار .. مثل[45] :
[ يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ] .
   كما لا ننسى بأنَّ [ آخر الدواء الكيِّ  ] ..  واللجوء لمثل هذا الأسلوب ضرورة ، و [ الضرورة تُقدَّر بقدرها ] ،فلا يجوز أنْ يُجاوز في الضرب حدَّ التأديب ، فليس بعد مجاوزته إلاَّ العقوبة ، والعقوبات زواجرٌ  ، فهي من حقِّ وليِّ الأمر [ الحاكم ] دون غيره ، وتخرج عن حدِّ التأديب .
   إنَّ التأديب  تنبيهٌ وتوجيه ، وليس هو عقوبةٌ من العقوبات ، مثل : تأديب الوالد لولده ، وتأديب السيِّد لعبده .. فأُبيح لهما ذلك لوفور شفقتهما ، وظهور رحمتهما .. وكذا الزوج .
  ويجب أنْ نستذكر  في هذا المقام ، أنَّ [ الجواز ] هو غير [ الوجوب ]  ، كما أنَّ الوصول إلى هذه النتيجة بفعلها لا بفعله .
  علـى أنَّ كرام الناس ، وذوي الهيئات نرى أنَّ عندهم .. [ يُتحمل أذى النساء ، والصبر عليهنَّ  أفضل من ضربهنَّ إلاَّ لداعٍ قويٍّ  ][46].
 ومن الدواعي أنَّ بعض الناس [ إذا أمن العقوبة أساء الأدب ] ،   وقد ورد عن الرسول الكريم e : 
   { كان الرجال نُهُوا عن ضرب النساء ، ثم شكوهنَّ إلى رسول الله e ، فخلَّى بينه وبين ضربهنَّ .. ثم قال u : ولن يضرب خِياركم }[47].                     
  إنَّ هذا الجواز الذي أشرنا إليه .. بل هو جوازٌ مقيَّد ، كما رأينا وسنرى ، ما هو إلاَّ طريقٌ احتياطيٌّ فتحه الشارع الحكيم لكي لا تضيق معالجاته عن استيعاب كلِّ الحالات ، فمن لم يحتج إليه فذلك خير ، لكن لو اقتصرت الأساليب على ما دون الضرب ، فحينما لا تُجْدِ نفعاَ ، يكون اللجوء إلى الطلاق مباشرةً ،  أو إلى الخلع ، أو التفريق بأنواعه .. وكلُّ ذلك أشدُّ من الضرب المبرِّح ، فما قولك إذا كان المشرَّع هو الذي شرَّع الضرب غير المبرِّح ؟؟ !! . كما أنَّه لا يكون إلاَّ لضرورة طارئةٍ ، وفيه تحقيق مصلحةٍ  دوام العشرة ، ودفع مفسدة  هدم الأسرة ! ، ومن المعلوم[48] :
 [ إنَّ درء المفاسد مقدَّم على جلب المنافع ].   و..  
 [ إذا تعارضت مفسدتان روعيت أعظمهما ضررا ، ويُدفع الضرر الأشد بتحمل الضرر الأخف ] .  و..  
[ يُتحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد ] .  و..
[ يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ] .
  ولا يُنسينا المقام قولاً يستلزمه ،  وهو .. أنَّ ذلك كلِّه لا يجوز إلاَّ إذا قام الزوج بالواجبات التي رتَّبها عليه الشرع ، أو التي التزمها بالعقد ، فالقِوامة تُرتب واجباتٍ وليست هي حقوقٌ فقط ، بل الأصل بها القيام بالحقوق التي للزوجة أولاً !. ولقد سبق لنا بيان ذلك ، أمَّا إذا عضل الرجل ، أو قصَّر .. سقطت حقوقه التي ترتبت له أصلاً مقابل الواجبات التي ألزمه بها الشرع ، فإذا فوَّتها فاتت حقوقه .
  فإذا لم يَفِها مهرها ، جاز لها أن تمنع نفسها ، وبالتالي فإنَّ الأسباب التي تُعطيه حقِّ القــوامة غير قائمة ! ، فليتنبه لــهذا وشبهه .
 وكذلك الحال في حالة عدم الإنفاق رغم إيفائه للمهر .
 كما أنَّ طاعتها لا تكون فيما فيه معصية ، فإن أبت طاعته في المعصية فلا يعني سقوط حقوقها ، ولا  استحقاقها للتأديب ! ،  فمثلاً .. لو أراد الزوج ممارسة [ الدياثة ][49]بحقِّها ، فذلك ليس مانعاً لطاعتها إيَّاه فقط ، بل موجبٌ لتمردها عليه ، ويوجب عليه من وليِّ الأمر عقابان :
   عقابٌ على محاولة إيذائها وامتهانها ، وعقابٌ على إشاعته الفاحشة .
   ولا يفوتنا أن نذكر أنَّها إذا لم تُطعه بسبب تركه إيَّاها أربعة أشهر في الفراش من غير سبب ،  أو لغير لتأديب ، فلا يستطيع تأديبها على عدم الطاعة ، إذ التقصير بسببه دونها ! .
   ولا بدَّ من كلمةٍ أخيرةٍ وهي .. أنَّ امتناع المرأة عن مضاجعة زوجها من غير سببٍ معقولٍ مبرَر  مما أدَّى به إلى تأديبها ، هو أهون من أفعالٍ أخرى قد تدخل في عداد الأفعال الجرميَّة التي تستوجب حدَّاً أو تعزيراً ، إذ أنّّ المرأة تصبر .. والرجل لا يصبر ! ، فتكون هي المسببة لذلك ، فتأثم إثماً غليظاً ، وإن لم يكن بالإمكان تحويل عقوبة الدنيا عليها ! ، وقاعدة :
[ الوقاية من الجريمة ]  التي ما هي في حقيقتها إلاَّ دليل سدِّ الذرائع ، فذلك  كلُّه  يوجب فرض ذلك العقاب على الزوجة ، بل هو أهون الشرين ، والقاعدة تقول : [ يُختار أهون الشرين ][50].
   ونلاحظ في حالة امتناعها عنه من غير وجه حقٍّ ، أنَّ التأديب سينتقل من : [ العظة ] إلى [ الضرب ] مباشرةً دون المرور بـ [ الهجر في المضاجع ] ، إذ أنَّه هو السبب ، فلا يكون السبب مسَبَبَاً  في آن واحد ! .
    وإذا كانت الشريعة الغرَّاء قد راعت للمرأة حقوقها  في :
         1. حقِّ الكبيرة في تزويج نفسها .
         2. وحقِّها في التزوج من الكفء .
         3. وحقّها في اختيار نفسها بعد البلوغ ، إذا زوَّجها غير الأبِّ أو الجدِّ من الأولياء .
        4. وحقِّها في عدم دمج ذمتِّها الماليَّة بعد الزواج بذمَّة الزوج .
        5. وحقِّها في أخذ مهرها كاملاً قبل الإنتقال لبيت الزوجيَّة .
       6. وحقِّها في كون الرجل هو المسؤول عن الإنفاق دونها ، ومن يوم إبرام العقد .
     7. حقِّها في البلوغ قبل الرجل ، لأن الشرع العلامات الجسديَّة علامةً على البلوغ ، وتظهر العلامات فيها من حيضٍ أو إنزالٍ ، قبل ظهورها فيه  من إنزالٍ أو احتلامٍ .
   8. حقِّها في ميراث أهلها ، فلا يقطع الزواج صلتها بهم .
   9. حقِّها في ميراث زوجها .
 10. حقِّها في عدم إجبارها على الخدمة في البيت .
 11. حقِّها في اشتراط العصمة لنفسها ، بالعقد وبعده .
 12. حقِّها في مطالبة الرجل بالوفاء بالتزاماته التي رتَّبها عقد النكاح 00 كالمعاشرة الزوجيَّة ، والإنفاق عليها ، وعدم الهجر بلا مبررٍ شرعيٍّ ، والشكوى إلى وليِّ الأمر إذا جار ، أو تعسف في استعمال حقِّه الشرعي .
13. حقِّها في طلب التفريق 00 لأسابٍ عديدةٍ لا مجال لشرحها .
14. حقِّها في طلب المخالعة .
بعد هذا كلِّه 00 فليس مستغرباً إذا ما رتَّب الشارع الحكيم عليها حقوقاً لا تتعارض مع المنطق ، ولا مع العقل السليم  ،  فالمعلوم من القواعد الفقهيَّة الكليَّة 00 أنَّ[51] :
[ الغُرم بالغُنم ] .  و ..
[ النعمة بقدر النقمة ] . و ..
[ النقمة بقدر النعمة ] .
  بل إنَّ قاعدة توازن التبعات ، والتي تستنبط من كثيرٍ من الأحكام والقواعد ، تدعو لمثل هذا ، ألم يقل الله U :
  ( والسماء رفعها ووضع الميزان ، ألاَّ تطغوا في الميزان  !! ألاَّ تطغوا في الميزان ! وأقيموا الوزن بالقسط ولا تُخسروا الميزان ) [52].      
   بل إنَّ هذه القاعدة قد استقامت في كلِّ الإلتزامات المتبادلة ، وعقد النكاح منها ، فلا بدَّ من أن تتوازن حقوق وتبعات البيِّعين ، وهكذا في كلِّ عقدٍ ، فما بال النكاح تُثار حوله الشبهات ؟؟ !! .
   لقد استقامت أمور العائلة المسلمة لآمادٍ طويلةٍ ، وأينعت ثمار الأحكام التي بيَّناها ، ولولا استقرار العائلة ما تقدم المسلمون في عصورهم الخالية في علومهم وحضارتهم 00 وكلُّ منصفٍ يعلم أنَّ الحياة عموماً ليست حقوقاً لوحدها ، وليست واجباتٍ صرفة .

********












المبحث الثاني
في
المقارنة مع موقف الأديان الأخرى من المرأة في الأسرة .. !

      نلاحظ أنَّ الكلام في العالم الإسلامي يُدار بين النساء على أنَّهن هنَّ المظلومات اللواتي اغتصبت حقوقهنَّ !! ، دون الالتفات إلى حقوق غيرها ، أو تذكيرها بواجبات نفسها ! ، وهذا أمرٌ ملفتٌ للنظر حقاً ، يستدعي المناقشة والتعقيب 00 فنقول :
       1. إنَّ حصر إطار المطالبة بالحقوق المزعومة ، أو الدراسة وإثارة الشبهات تبعاً لذلك ، أو الكلام عن المركز القانوني والأخلاقي للمرأة 00  في الشريعة دون غيرها  ، ليس له وجهٌ يبرر هذا الاقتصار ، وذلك : 
               أ. لأن في كلِّ بلدٍ  نساءٌ من أديان  متعدِّدة ، والعلاقة الوطنيَّة يجب أن تكون متوازنة ، بل ما تنص عليه الدساتير يوجب عدم ترك الأُخريات في وضعهنَّ ، دون محاولة تحسين أوضاعهنَّ ، بل دون محاولة دراستها . ففي بعض البلدان هناك : اليهوديَّة ، والنصرانيَّة ، والصابئيَّة ، واليزيديَّة .
          فتلك أديانٌ معترفٌ بها بموجب قوانين تلك البلاد ، فالأحرى أن تتسع دراساتهم المزعومة، التي هي في حقيقتها محاولة تسقُّط الهنات في الشريعة الغرَّاء ، لكنْ 00 هيهات ، وقد جعل الله U لهذه الأمَّة العلماء الذين ينافحون بالحقِّ عن الحقِّ ، أقول الأحرى أن تتسع دراسات الدارسين ، ولا تقتصر على المرأة المسلمة في هذا البلد أو ذاك ! .
            ب. ولأننا إذا افترضنا حسن النيَّة في تلك الدراسات ، فإنَّ استئثار المرأة المسلمة دون غيرها بهذا الاهتمام ، وكذلك استئثارها بالدراسات المتتاليَّة 00 يوحي بوجود مشاكل تشريعيَّة وفقهيَّة  في الأحكام الخاصَّة بالمرأة في الشريعة الغرَّاء !.
   إنَّ الحقيقة هي غير ذلك 00 فنحن لا نُنكر وجود مشاكل تطبيقيَّة ، كما هو الشأن في كلِّ الأديان ، مع أنَّ لهذه المشاكل لها أسبابها سنعرِّج عليها لاحقاً .
   إنَّ وضع المرأة المسلمة فقهاً وتشريعاً أفضل من النساء الأُخريات من غير المسلمات بأكثر من الكثير ، وسنعرِّج على بعض ذلك التفاوت لاحقاً بإذنه .
   إنَّ هذا الاقتصار في بحث شؤون المرأة المسلمة من النساء دون غيرها ، هو خلاف ونصَّت عليه كافَّة الدساتير الحديثة ، من أنَّ الجميع متساوون في الحقوق والواجبات ، وهذا أنَّ النساء مساوون للرجال أمام القانون ، ومن بابٍ أولى أنَّهنَّ متساويات مع بعضهنَّ ! ، من ذلك نص المادة [ 19 ] من الدستور العراقي النافذ التي تقول : [ العراقيُّون متساوون في الحقوق والواجبات ] .
   إنَّ الاقتصار الذي ألمعنا إليه سيجعلنا مميِّزين أشدَّ التمييز بين النساء والنساء !! ، وليس بين الرجال والنساء .
   ولعمري .. هذه حالةٌ تدعو إلى منتهى التأمُّل والتفكير ! ، فمثل هذه البحوث التي يُروِّج لها البعض باستمرار  تجعلهم هم أنفسهم متَّهمين لا بعدم المساواة بين الرجال والنساء ، بل بين النساء والنساء ! ، وهذا من أغرب الغرائب !! .  
            د. على أنَّ السعي لتحسين التشريعات التي تنظِّم شؤون المرأة المسلمة ، مع بقاء المرأة غير المسلمة تُراوح في محلِّها ، سيجعل الهوَّة سحيقةً وعميقةً ، وستُتَّهم الأكثرية ، وهم المسلمون ، بالاستحواذ على الامتيازات ونسيان الأقليَّات !! .         
   أليس من حسن تضامن النساء أنفسهنَّ وتعاضدهنَّ ، أن تتريث المرأة المسلمة التي حصلت على حقوقٍ متقدِّمةٍ ، وتمدَّ يد المساعدة والمعاضدة للمرأة غير المسلمة لتلحق بها ، وتسير الاثنتان جنباً إلى جنبٍ ؟؟ ! .
    و أليس من حسن التضامن والتعاضد أنَّهن كلما أردن أن يحصلنَّ على نفعٍ جديد أنْ يبحثنه جنباً إلى جنب في كلِّ الأديان المعترف بها في هذا البلد أو ذاك ، وتطبيقاً للنصوص الدستوريَّة التي وضعت لحمايتهنَّ ؟؟ ! . 
   إنَّ المرأة إذا جارت على المرأة سامحتها ،  بل وسامحت نفسها !! ، ولكنَّها لُقِّنت أن تنحى باللائمة على الرجل فقط ، حتّى ولو كانت هي طرفٌ في علاقةٍ لا تظهر إلاَّ بهما معاً ! .
   أنظر إلى حالة تعدد الزوجات ، فقد وضعت أغلب القوانين السائدة في بلاد الإسلام قيوداً .. وقلنا لا بأس ، ما دام الأمر مباحاً فإنَّه يجوز لوليِّ الأمر أنْ : يُحجِّر المباح [ يمنعه ] ، أو يُقيِّده بقيود ، أو يُوجبه على الأُمَّة أو بعضها . لكن في حالة المخالفة ألا ينبغي أن ينال المخالف أيَّاً كان جزاء المخالفة ، إن وٌضع لها جزاء وعقاب ؟ ، لكنَّنا نجد القوانين السائدة في بلاد الإسلام تضع عقوباتٍ على الرجل فقط في حالة التعدد دون إذن القاضي ، وتتناسى المرأة التي ساعدته على تحقيق مأربه ، فعقد النكاح ما هو إلاَّ عقدٌ تبادلي ، فكونه عقداً فإنَّه لا يظهر إلاَّ بإرادتين .. فلم يقع العقاب على إحدى الإرادتين دون الأخرى ؟ ؟ ، أليس هذا تمييزاً للنساء على الرجال ، وما طالبـن إلاَّ بالمساواة !! . ثم انتفاعهما هو واحدٌ لأنَّ العقد عقدٌ تبادليٌّ ، يُرتِّب التزاماتٍ على الطرفين .. وحقوقاً لهما ..  .
   إنَّ المرأة إذا جارت سامحت نفسها .. وسامحت بنات نوعها ! ، ولكنَّها في نفس الوقت تنحى باللائمة فيما اقترفت ، على غيرها .. وليس أمامها إلاَّ الرجل !! سواءٌ أكانت مؤاخذتها له  بحقٍّ أم بدونه !  .
   إنَّ التعدد أمرٌ استثنائي في شريعتنا ، وذلك قد بيَّنا ذلك في التمهيد ، فالعقد الثاني الذي يحصل به التعدد للرجل ، هو [ عقدٌ ] بلا ريب ، والعقد تلتقي فيه إرادتان ، والإرادتان لا بدَّ أن تكون إحداهما إرادة إمرأة ! ، فزواج الجنس الواحد محرَّمٌ في شريعتنا بلا خلاف ! ، فإذا اعتبرنا أنَّ أحد المتعاقدين أصيلاً والآخر شريكاً ، فللشريك في قوانين العقوبات عقوبة الفاعل الأصلي ،  ثم لمَ ترضَ المرأة بمشاركة الرجل في ظلمه إن كان ظلماً ، ثم تريد أن تُعفى من المساءلة والمؤاخذة ؟؟ ! .
  إنَّ ظلم الرجل يمكنه تبريره بأنه لا يعدُّه ظلماً .. لكن ما وجه تبرير ظلم المرأة ؟؟ .
  فإن قالت  : هو ليس بظلمٍ ، فلم الملاحقة الشديدة للرجل ؟؟ ! .
  وإن كان العكس فالملاحقة لكليهما ، وإلاَّ كان تمييزاً لا مبرر له .. وما أصدق مَنْ قال :
     والظلم من شيم النفوس فإن تجد    ذا عــفَّةٍ فلعلـَّةٍ لا يـظلم
بل إنَّ ظلم المرأة ينبغي أن يكون أشدٌّ وقعاً .. فالشاعر يقول :
وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً         على النفس من وقع الحسام المهنَّد
3.  تعزيزاً لما تقدَّم أورد من الكتب المقدَّسة للأديان المعترف بها في بعض البلاد العربيَّة ، وهو العراق ، وسننظر ما هو  وضع المرأة فيها ؟ ..
 في فروعٍ أربع ..
الفرع الأول
وضع المرأة في الديانة الصابئية .. !

  والديانة الصابئية من الأديان القديمة جداً ، ومن تعاليمهم الحاجة الدائمة للإرتماس في الماء ، ولذلك سمُّوا [ المغتسلة ] ، و [ المصطبغة ] !! ، وكثروا في بلاد النهرين ، ثم في بلاد [ عربستان ] في جنوبي بلاد إيران الحاليَّة ، وفي بعض بلاد [ البنجاب ] قبلاً ، ولا أظن لهم وجودٌ الآن هناك الآن ، كما توزع عددٌ كبيرٌ منهم في بلاد الله U الواسعة بعد تيسر المواصلات في العصر الحديث ، وتنور أبناء الطائفة بالدراسة ، حتى حداهم ذلك إلى الهجرة في البلاد المختلفة . والمعروفون الآن هم [ الصابئة المندائيين  ] .
    يقول غضبان رومي الناشئ - وهو صابئيٌّ مندائيٌّ - : [ والطلاق في دين الصابئي المندائي فرقةٌ بين الزوجين إذ يجوز لأحدهما العودة إلى الثاني دون عقدٍ مجدَّد .. ][53].
   أقول / إنَّ كثيراً مما قاله المؤلف قد تابعته بنفسي مع رئيس الطائفة في العراق  فأيَّده ، وسأُشير إليه لاحقاً .
   كما يمكن القول .. أنَّ طلاقهم هو كالافتراق البدني عند النصارى ، وليس طلاقاً بالمعنى المعروف .
   ثم يُردف قائلاً : [ ..  فالزوجة باقيةٌ على عصمة الرجل إلى أن تتزوج من غيره ، وتُعاقب المطلقة في آخرتها إذا تزوجت بطوقٍ من نار في عنقها ! ، كما أنَّ أطفالها المنجبين من الزوج الثاني لا يُقبلون ، ولا يُعدُّون بدرجةٍ دينيَّةٍ كأبناء غير المطلقة  ]  ! .  
   فحقُّ المرأة في الافتراق مسلوبٌ مهما كانت الأسباب ، وحقِّها في طلب الطلاق .. أو المخالعة كذلك ! ، وعليها أن تبقى بعد الفرقة ، ولبقيَّة عمرها بلا زواجٍ جديد !! .
  أليس في هذا سلباً لكثيرٍ من الحقوق التي تتمتع بها المرأة المسلمة من أول تشريع هذا الدين ، وليس بعد مطالبةٍ ، أو كفاحٍ مرير.. كما يقولون ؟؟ ! .
  بل إنَّ التشريعات القانونيَّة للمسلمين قد تجاوزت مثل ذلك ومنذ زمنٍ بعيد .
من ناحيةٍ أخرى فإنَّ شكلية العقد في الدين المندائي ، تجعله بعيداً كلَّ البعد عن الرضائية في العقد ، كما يُشترط في العقود عندهم حضور الكهَّان ، مع إجراء المراسيم الطويلة جداً ، مما يسلب المرأة الصابئيَّة كثيراً من الفرص ، وهو اشدُّ من [ الولاية ] التي يشترطها المسلمون في  الأنكحة .. وإنَّ تلك الإجراءات والشكليَّات قد شاهدت طرفـاً منها بنفسي ، وقد زادت على الساعتين !! ، وتعبت من المتابعة ، ويتطلب عقد النكاح : خلع الثياب العادية ولبس اللباس الديني لكليهما ، ويتطلب الارتماس في الماء لعدِّة مرات ، وأن يكون تبديل الملابس والارتماس بمعرفة الكهَّان في الأولى ، وبواسطتهم في الثانية . ويتطلب كذلك بناء كوخٍ من القصب توضع فيه بعض المأكولات في آنيةٍ مصنوعةٍ من الطين بأيدي الزوجين ، ومن ضمنها خبزٌ يكونا قد صنعاه بأيديهما أيضاً !! ، ويُطعم كلاً منهما الآخر بيده ، والكهَّان تقرأ ! ، وتُخلط الملابس في سلَّةٍ واحدةٍ ، ويجلس العروسان وقد أسند كلٌّ منهما ظهره إلى الآخر ، ثم يضرب الكاهن رأس أحدهما بالآخر من الخلف!! و00 و00 الخ .
   ولعلَّ من أبشع الإجراءات هو خضوع الفتاة [ لفحصٍ ] قبل إجراء مراسيم العقد الديني ، ولأجل التأكد من بكارتها ! ، فإذا ظهرت أنَّها [ بهيرة ] ، أي : شريفة ، يقوم الرئيس الديني [ الكنزفرة ] بإجراءات العقد التي تبدأ بتغيير اللابس ، ولبس الملابس الدينيَّة [ رستا ] ، ثم العماد المتكرر في الماء الجاري  صيفاً وشتاءً !!.. ثم بقيَّة الإجراءات الطويلة جداً ! .
   وفي هذا منتهى الامتهان للمرأة ، وهو أمر خلاف الأصل المفترض .. وهو طهارة النساء ، وهذا لا شك هو القواعد الفقهيَّة والقانونيَّة ، وكلاهما يفترض : [ أنَّ الأصل براءة الذمة ]  .
    وهو اتِّهامٌ للمرأة لا يقوم على دليل ، وتطالب المسكينة بإثبات العكس لدفع هذا الإتِّهام !! ، في حين لا يُنظر إليها كذلك في شريعتنا المقدَّسة .
   وهذا الإجراء لا يمكن اتِّخاذه بحقِّ الرجل ! ، لعدم إمكان معرفة [ فسقه ]  و[ عُهْره ] .. فكان أفضل حالاً منها في كلِّ الأحوال ! ، فأين المطالبون بالمساواة  ؟! .
    ومساوئ ومخاطر ذلك الفحص تكلم عنه [ غضبان رومي ] في كتابه بإسهاب ، وبيَّن ما يترتب على هذا الفحص من مشاكل ومن نتائج خطيرة ، تؤدي في غالب الأحيان إلى المشاكل .
   ولا بدَّ من إجراء هذه الفحوص في المعابد ! ، ولا تقبل أقوال المستشفيات .   
   ثم يتناقض هؤلاء مع أنفسهم ، ويتظاهرون بغير ما يعتقدون ، إذ يُجرون عقودهم في المحاكم الشرعيَّة الإسلاميَّة ! ، ويقول المؤلف المذكور : [ إنَّ العقد الذي تُجريه لهما المحكمة الشرعيَّة ، وتُعطيهما بموجبه إذن عقد النكاح ، لا قيمـة لها من الوجهة الدينيَّة ، إنّما يُعتير عقداً مدنيَّاً فقط لثبوت مقدار المهر .. ] !! ، وفي هذا ازدواجيَّةً رهيبةً لا يرتضيها أيَّ قانونٍ في الأرض ، بل لا يقبله أيُّ قانونيٌّ  يفهم مهمته ، ولا أيَّة دولةٍ مهما كانت ! .
   ويقول أيضاً : [ تعتبر العروس بعد عقد الزواج الديني ثيِّباً ، سواءٌ اقترب منها أو لم يقترب ، أو حتى إذا تُوفي فجأةً ] !! .
   وفي كلِّ ما تقدَّم تفويتًٌ لمصالح المرأة تفويتاً تُصاب به بشتى الأضرار ، منها عدم أحقيَّتها في الزواج ثانيَّةً ! .. 
   ويُعتبر الـزواج في هذا الدين [ تنجيساً  ] للزوجين .. يقول المؤلف المذكور : [ يجب أن يُعيد الزوج والزوجة عمادهما بعد اليوم السابع لتزول منهما خطيئة النجاسة ! ][54].
   إنَّ هذه النظرة لعقد الزواج ، وجعله سبباً للنجاسة الدينيَّة ، أمر يصعب تصوُّره في الذهن ! .
  أمَّا الميراث فلم يبحثه ذلك المندائي ، وإنَّ ديناً ينظر للمرأة كما سبق بيانه ، حريٌّ به ألاَّ يوَّرثها .. ولكنَّهم التجأوا إلى شريعتنا ظاهراً في هذه المسألة أيضاً ، ولم يُطبِّقوا من ذلك شيئاً ! .



*******

الفرع الثاني
في
وضع المرأة في الديانة النصرانيَّة

    كلنا يعلم أنَّ المرأة النصرانيَّة لا تستطيع أن تطلب الطلاق ، ولا التفريق ، إلاَّ بسبب الزنا .. وُيحكم عليها أبديَّاً بالعيش مع من شاءت الأقدار أن يكون زوجاً لها !! .
   ففي إنجيل [ متَّى ] / الإصحاح الخامس ، يُنسب  لسيِّدنا المسيح عليه وعلى نبيِّنا السلام : [ وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق ، وأنا أقول لكم .. أنَّ من طلق امرأته إلاَّ لعلة الزنا ، يجعلها تزني ، ومن يتزوج مطلقةً فإنَّه يزني ] .
   وفي رسالة [ بولص ] الرسول الأولى إلى أهل [ كورنثوس ] ، وفي الإصحاح السابع منها ، يقول : [ .. وأمَّا المتزوجون فـأوصيهم لا أنا بل الرب ، ألاَّ تُفارق المرأة رجلها ، وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة ، أو لتصالح رجلها ، ولا يترك الرجل امرأته .. ] ! . 
   قلت / إذن قد تلجأ المرأة للتخلص من زوجها العاتي ، الذي نفرت منه نفسها ، أو أُكرهت على الزواج به ، أو كان سئ الخلق ، أو لا يُنفق على زوجته .. أقول قد تلجأ تلك المرأة إلى الزنا ، أو ادِّعاءه - في الأقل - ، وهما أمران أحلاهما مرٌّ ، لا لشئٍ إلاَّ لتحصل على أبسط حقٍّ من حقوقها !! ، فالدواء أشدُّ من الداء وأمرُّ  ، وكما قيل : [ كالمستجير من الرمضاء بالنار ] . وأشدُّ كلِّ الأُمور أن يتَّهمها الزوج حتى يستطيع تطليقها !! .
   وهب أنَّها حصلت على الطلاق بمثل هذه الطرق ، فسوف تعيش بقيَّة عمرها من غير زواج !!،
   فإن أخطأت في الزواج من رجلٍ كشفت الأيام سوءه ، فإنَّها فرصتها الأولى والأخيرة !! .
    أمَّا السلطة التي للرجل عند النصارى ،  فهي سلطة مطلقة ، ونجدها في الرسالة التي نوهنا بها قبلاً .. يقول [ بولص ] الرسول :
[ ليس للمرأة تسلطٌ على جسدها بل للرجل .. ] !! .
   أمَّا عدم الترغيب في الزواج ، فذلك أمرٌ مشهورٌ وثابت في كتبهم المقدَّسة ، وهو خلاف سنَّة الحياة ، وخلاف الفطرة التي فطر الله U الناس عليها .. وهو يسلب المرأةَ حقَّاً كبيراً من حقوقها وهو حقِّ الاقتران برجل ، ولكنَّها كيف ستجده ؟ ، فسيفقدها ذلك سبباً من أسباب إحصانها وعفَّتها ، وهو إضرارٌ بها في كلِّ الأحوال ! .
   ولا أُريد أن أُطيل في نقل النصوص ، فهي معلومة مشهورة ، ولو ناقشنا كلَّ ما ورد عندهم لطال بنا المقام إطالةً مملَّة .. وأقل ما يُقال في ذلك أنَّه منتهى الإهدار لإنسانيَّة المرأة ، ولمكانتها ، وأدَّى بها إلى التهرب من الزواج عندهم ، وكذا يفعل الرجل لأنّ ليس له الخيار بعد الارتباط بالعلاقة الزوجيَّة ، لذلك فضَّل كلٌّ منهما المعيشة بلا ارتباط الزوجيَّة ، وكثرت عندهم العلاقات غير المشروعة !! ، فهم يقضون وطرهم ممن شاء أحدهم ، ويستطيع الافتراق بدون إجراءات ، وبدون لعنةٍ دينيَّةٍ !! ، وأدى هذا النظام إلى كثرة اللقطاء ، وكثرة العلاقات الجنسيَّة المحرَّمة عند كلِّ الأديان على الإطلاق !! .
   لقد انقلبت الموازين عندهم ، وجرَّ إلى مساوئ جمَّةٍ ..  منها :
8.     كثرة اللقطاء .
8.      شيوع الفاحشة .
8.      تفشِّي الأمراض .. وما [ الأيدز ] إلاَّ أكبر برهان على ما نقول .
8.      تفكك العائلة ، بل قل انعدامها في كثيرٍ من الأحيان .
8.      كثرة الجرائم للتخلص من الأزواج والزوجات .
          6. وارتكاب الجرائم من اللقطاء تعبيراً عن حنقهم ، و تمردهم على مجتمعهم الذي أتى بهم على هذه الصورة السيِّئة من الضياع ، ومجهوليَّة النسب .
          7. اللجوء إلى المخدَّرات للهرب من الواقع غير المرضي .
          8. ضعف التربية الأخلاقيَّة بسبب فقد العائلة .
    وكلِّ ما تقدَّم ينعكس سلباً على عموم المجتمع ، وعلى عموم ما يمكن تسميته بالمسألة الأخلاقيَّة ، والمسألة الإجتماعية .
  فلينظر أحدنا إلى مساوئ حكمٍ واحدٍ لم يجرِ على وفق السنن الكونيَّة ، وعلى وفق الطبائع البشريَّة ، وما يتركه من آثارٍ جمَّة .. فهذا هو حكم الله U ، فانظر إلى آثار حكم غيره ؟ ! ، ونحن لا نشكّ أنَّ هذه النصرانيَّة ما هي إلاَّ المحرَّفة ، وحكم الإسلام هو حكم الله U ، وتبين لك ما بينهما من بونٍ .. فالحمد لله ربِّ العالمين .
*******
الفرع الثالث
في
وضع المرأة في الديانة اليهوديَّة

 في الديانة اليهوديَّة ينزع الزواج الرجل من أهله ، والمرأة من أهلها ، ويقطع ما بين كلٍّ منهما وأهله . وهذا خلاف سنَّة الحياة ، وسنن الكون ، وفطرة الإنسان .
   تقول التوراة في الفصل الثاني عشر من سفر التكوين : [ فقال آدم : هذه المرأة عظمٌ من عظامي ، ولحمٌ من لحمي ، وهذه تُسمى إمرأةً لأنَّها من امرئٍ أُخذت ، ولـذلك يترك الرجل أُمَّه وأباه ، ويلزم امرأته ، فيصيران جسداً واحداً ] !! .
  هذه الفكرة - مع الأسف الشديد - قد تسربَّت إلى نسائنا ، فتداولنها من غير معرفةِ أصلها اليهودي ، فنجد المتأثرات بمثل هذا ينتسبنَ إلى أزواجهنَّ ، ويمحين ذكر : أُصولهنَّ .. وعشيرتهنَّ .. وآبائهنَّ .. وأُمَّهاتهنَّ ، وأولئك كانوا السبب في وجودها ، لكن مع ذلك تنتسب إلى الزوج تطبيقاً للفكرة التوراتيَّة !.
   فضلاً عن هذا فهي تُذيب شخصيَّتها ، وكيانها ، ووجودها .. بمحض إرادتها ، لا بل قل بتأثير أولئك الكفار ، ثم تأتي لتطالب بحقوقٍ موهومةٍ ، ضيَّعتها هي بنفسها .. ، ثمَّ اتَّهمت الإسلام بما وضعت به نفسها ، وأخذت تجأر إلى الله U مطالبةً بالإنصاف !! .
  لو فعل الرجل بها الذي تفعله بنفسها ، أو طلب تخليِّها عن ذاتها ، أو أصلها .. لكان الذي كان !! .
  ومن جهةٍ ثالثةٍ .. وتطبيقاً لهذه الفكر ة ، فإنَّ النساء يفتخرن بتسمية إحداهنَّ لنفسها بـ [ عقيلة فلان ] !! ،
  ولعمري هذا معنىً لا ترتضيه المرأة لنفسها لو علمت معناه تماماً  ، ولكنَّها قبلته تقليداً ! ..
  فإنَّ : [ الفعيل ] بمعنى [ المفعول ] ، مثل [ القتيل ] بمعنى [ المقتول ] .. فـ  [ العقيلة ] بمعنى [ المعقولة ] .
والمعقولة : هي الناقة التي ربطت قوائمها حتى لا تهرب ! . أين هذا من لفظ القرآن الكريم حين سمَّاها : [ الحليلة ] ، وذلك بقوله تعالى :
 ( .. وحلائل أبنائكم ..)[55] .
والحليلة هي : التي تحلُّ لرجلٍ واحدٍ معيَّنٍ فقط ، بعد أن كانت محرَّمةً على كلِّ الرجال ! , وتبقى كذلك .. ما عدا زوجها .
  أمَّا الأحكام الأخرى في الشريعة الموسويَّة فهي كثيرة ، وفيها من الأحكام التي تخصُّ النساء ما لا نجده في أديانٍ أخرى ، ولعل بعض أحكامها يُطبِّقه النصارى ، لأنَّها الجزء المتمم في كتابهم المقدَّس ، إذ يُسمونها [ العهد القديم أو العتيق ] ، والإنجيل يسمونه [ العهد الجديد ].
   فمن الأحكام التي في التوراة المسماة بالعهد الجديد عند النصارى ، والذي يستحقِّ التوقف .. ما يلي : جواز زواج ابن الأخت من العمَّة !! .
  ففي سفر الخروج / الفصل السادس :
[ فاتَّخذ عمرام يوكابد عمَّته زوجةً له ، فولدت له هرون وموسى .. ] .
ب. جعلت المرأة الحائض والنفساء نجسةً بذاتها ، فلا يجوز لمسها .. وفي هذا ما في من العسر الشديد . فورد في سفر الأحبار / الفصل الخامس عشر :
[ وأيِّ امرأةٍ كان بها سيلان ، بأن يسيل دمٌ من جسدها ، فلتقم سبعة أيام في طمثها ، وكلُّ من لمسها يكون نجساً إلى المغيب ، وجميع ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجساً  ،  وكلُّ من لمس مضجعها يغسل ثيابه ، ويرتحض بالماء ويكون نجساً إلى المغيب .. وإيِّ [ كذا ] امرأةٍ سال دمها أياماً كثيرةً في غير وقت طمثها أو بعقبه ، فلتكن جميع أيام سيلان نجاستها ، كما في أيام طمثها أنَّها نجسة … ، وفي اليوم الثامن تأخذ أوزين[56] [ كذا ] أو فرخي حمام ، وتأتي بهما إلى الكاهن إلى باب خباء المَحضَر ، فيعمل لها الكاهن أحدهما ذبيحة خطاء - كذا - ، والأخرى محرقة ، ويُكفِّر عنها الكاهن سيلان أيام نجاستها أمام الرب .. ] ! .
  فهل تُعامل المرأة في الإسلام هكذا ؟؟ ! .
  ج. من غريب أوضاع المرأة في العهد القديم [ التوراة ] ، ما ورد في : سفر تثنية الاشتراع/ الفصل الثاني والعشرون :
[ إذا تزوَّج رجلٌ بامرأةٍ ودخل بها  ثم أبغضها ، فنسب إليها ما يوجب الكلام فيها وأذاع عنها سمعةً قبيحةً ، فقال : إنِّي اتَّخذت هذه المرأة ، فلما دنوت منها لم أجد لها عُذْرةً ، يأخذ الفتاة أبوها وأُمَّها ويُخرجان علامة عُذرة الفتاة إلى شيوخ المدينة إلى الباب ويقول أبوها …….... و يُغرِّمونه مائة من الفضة ، ويدفعونها إلى أبي الفتاة ، لإذاعته سمعةً قبيحةً على بكرٍ من إسرائيل ، وتكون له زوجةً ، ولا يستطيع أحدٌ أن يُطلقها طول عمره !!.
 وإن كان الأمر صحيحاً ولم تكن وُجدت للفتاة عُذرةٌ ، فليخرجوا الفتاة إلى بيت أبيها ، ويرجمها جميع أهل مدينتها بالحجارة حتى تموت ، لأنَّها صنعت قباحةً في إسرائيل .. ] !! .
   د. أمَّا ما ورد في سفر تثنية الاشتراع / الفصل الرابع والعشرون .. ففيه :
[ أنَّ المطلقة من زوجٍ إذا تزوجت بعد الطلاق غيره ، وطلَّقها فلا تعود لزوجها الأول ] !! .
  هـ. ومن غريب أحكام التوراة [ العهد القديم ] ما جاء في سفر تثنية الاشتراع / الفصل الخامس والعشرين :
[ وإذا أقام أخوان معاً ثم مات أحدهما وليس له عقِبٌ ، فلا تصير زوجة الميِّت إلى خارج لرجل أجنبي ، بل أخوه يدخل عليها ويتَّخذها زوجةً له ، ويقيم عقباً لأخيه ، ويكون البِكر الذي تلده منه هو الذي يخلف اسم أخيه الميِّت ، فلا يندرس اسمه في إسرائيل ، فإن لم يرضَ الرجل أن يتزوج امرأة أخيه ، فلتصعد امرأة أخيه بحضرة الشيوخ إلى الدير إلى الشيوخ ، وتقل قد أبى أخو زوجي أن يُقيم لأخيه اسماً في إسرائيل ولم يرضني زوجةً ، فيستدعيه شيوخ مدينته ويكلمونه في ذلك ، فيقف ويقول : إنِّي لا أرضى أن اتَّخذها ، فتقدِم إليه إمرأة أخيه بحضرة الشيوخ وتخلع نعله من رجله وتتفل في وجهه ، وتُجيبه قائلةً : هــكذا يُصنع بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه ، فيُدعى في آل إسرائيل بيت المخلوع النعل ] .
   فهل هذه هي حقوق المرأة .. أو التي يُمكن أن نسمِّيها حقَّاً  ؟؟ ! . 
  وأمَّا عن السلطة على المرأة ، فقد صوَّرتها التوراة على أنَّها يجب أن تنقاد بأصل الخِلقة للرجل ، جزاء قيامها بإغوائه إيَّاه في الجنس!!، يقول سفر التكوين / الفصل الثالث :
[ وقال - أي الله - للمرأة لأكثرنَّ مشقات حملك بالألم ، تلدين البنين وإلى بعلك تنقاد أشواقك ، وهو يسود عليكِ ] !! .
   ز.  أمَّا الميراث .. وعـدم انفصال ذمتِّها عن ذمَّته ، ففـي التوراة تـؤول أموال المرأة في [ اليوبيل  ] إلى زوجها .
  وبسبب الميراث لا تتزوج من غير عشيرتها ، أي : السبط الذي تنتسب إليه من أبناء بني إسرائيل ، حتى لا يتحول الميراث !! .
   ففي سفر العدد / الفصل السادس والثلاثون الآتي :
[ وهنَّ سيصرنَّ نساءً لأحد أسباط بني إسرائيل ، فيسقط ميراثهنَّ من ميراث آبائنا ، ويزاد على ميراث السبط الذي يتزوجنَّ منه فينتقص سهم ميراثنا ، وإذا حان اليوبيل لبني إسرائيل يُزاد ميراثهنَّ على ميراث السبط الذي يتزوجهنَّ ،  فأمر موسى بني إسرائيل عن أمر الرب وقال : بالصواب تكلَّم سبط بني يُوسف ، هذا ما أمر به الرب .. فليتزوجن بما حسن لديهنَّ ، لكن يجب أن يكون من عشيرة سبط أبيهنَّ ، حتى لا يتحوَّل ميراث بني إسرائيل من سبطٍ إلى سبط ! . وكلُّ  بنتٍ ترث ميراثاً من أسباط بني إسرائيل فلتكن زوجةً لواحدٍ من عشيرة سبط آبائها ، لكي يرث بنو إسرائيل كلٌّ منهم ميراث آبائه]!.
   أقول / فأين حقوق المرأة في هذا الدين ؟؟ ، ولمَ لمْ يُطالب المطالبون بحقوق المرأة الإسرائيليَّة اليهوديَّة  ؟؟ ، أم هي شنشنةٌ أعرفها من أخزم ! ، حين يتكلمون عن حقوق المرأة في الإسلام ؟ ! .


*******
الفرع الرابع
في
وضع المرأة في الديانة اليزيديَّة

  وهؤلاء قومٌ كانوا على ملَّة الإسلام ، وعلى طريقة العارف بالله الصوفيِّ الزاهد [ عدِّي بن مسافر ] ، ثم انحرفوا عن الطريق السويِّ بعد وفاته t ، وفي عقائدهم كتبٌ ومؤلفات ، وهم - بحسب كثرتهم – يوجدون في  :
 العراق ، سوريَّة ، أذربيجان بقسميها: الروسي ، والإيراني ، أرمينيا ، جورجيا.
   إنَّ في زواج المرأة عندهم سننٌ وتقاليد .. وأهم ما يفرزه الزواج هو : سلطة الزوج على زوجته ، فإذا دخلت المرأة عتبة دار زوجها عند الزفاف ، ضربها بحجارةٍ صغيرةٍ إشعاراً لها بسلطته عليها ، وتنقطع علاقتها بأبيها ، فلا ترثه لأن الزواج في نظرهم بيعٌ ! . ولا ترث زوجها المتوفى بل تعود إلى بيت أبيها لتخدمه ، ويُزوِّجها أبوها بمن شاء لقاء البدل ، ولها أن تفتدي نفسها بما يقابل المهر الذي يُدفع لأبيها ! ، لأنَّها في نظرهم كالبستان التي تُعطى بالعُشر ! ، ويأكلون من ثمارها ! .
   وإذا امتنعت المرأة المترملة عن الزواج انصرافاً منها لأبنائها ، فوليُّها يأخذ مهرها من الأولاد !! .
  وإذا تزوَّجت ولم يحصل الانسجام بينها وبين زوجها ، تعود المرأة إلى بيت أبيها ويُعيد الأب المهر للزوج ! ، وإن لم يستطع الوفاء بذلك فينتظر الزوج إلى حين زواجها مرةً أخرى ليأخذ مهره ! .
  ومن لا وليَّ لها من النساء فوليُّها [ المير.. أي : أمير الشيخان ، وهو أمير الطائفة ] ! .
  إنَّ اليزيديَّة طبقاتٍ لا يتزوج من هو من طبقةٍ من هو من طبقةٍ أخرى !! .
  ويُمكِّن رجال اليزيديَّة شيوخهم من زوجاتهم ومحارمهم ، ويستحلون ذلك ويعتقدونه[57] !! .

*******












الخاتمة
   بعد هذا الاستعراض السريع لأوضاع أصنافٍ من النساء المساكنات لنساء المسلمين في بلدانهنَّ وديارهنَّ ، أخذناهنَّ مثالاً وأُنموذجاً .. وإلاَّ فهناك : المرأة :  البوذيَّة ، والمجوسيَّة ، والهندوكيَّة ، والدرزيَّة ، والنصيريَّة ، والكاكائيَّة ، والشبكيَّة  ، والصارليَّة ، والبهائيَّة ، و الوثنيَّة ،  و.. و.. الخ ، وهؤلاء يُساكنَّ المسلمين في ديارٍ أخرى ، واخترنا من يكثر وجودهنَّ في بلادنا .. العراق ، وبعضهنَّ ينتسبن إلى أديانٍ سماويةٍ .
   لقد كانت مقارنتنا قائمةً على ما ورد في كتب هؤلاء المقدَّسة ، أو ما شاع وعرف عنهم ، حتى أنَّهم لا يُنكرونه ! ، ولم تكن مقارنتنا مستوفيةً لكلِّ أحكام المرأة .. بل بالقدر الذي يتعلق به البحث ، وباختصارٍ شديد ، وإلاَّ فستجد العجب العُجاب ! ، وتركنا باقي الأمور لمظَّانِّها ، ولمن يحتاجها   .
   وبعد هذا سنجد أنَّ المرأة المسلمة من أحسن النساء أحكاماً على الإطلاق ، ومن غير استثناء ، وهي في الواقع التشريعي القانوني القائم أحسن ، بما لا مقارنة فيه ، ووضعٍ لا يُدانيه وضع مثيلاتها من الأديان الأخرى وحتى السماويَّة منها .
   فالأولى أن نطالب بإزالة الحيف عن أولئك [ المواطنات ] المسكينات ، وواجب المواطنة والإنسانيَّة تُلزمنا بأنْ نُطالب لهنَّ بحقوقهنَّ من رجال الدين في أديانهنَّ ، الذين لهم السلطة والتسلُّط في أديانهم ، ولكي نحقِّق المساواة بين المرأة والمرأة وعلى الأقل في الوطن الواحد .
   ولا بدَّ لأبناء المسامين أن يعرفوا ما في الأديان الأخرى ، ولا يبقون في دفاعٍ مستمرٍ ، وخوفٍ ، ووجلٍ ، مما لا يوجل منه ، بل عليهم أن يتعلَّموا ، ويُعلِّموا أولادهم أحكام التي فيها رفعة المرأة في الإسلام - ولنا في ذلك بحثٌ كامل - ، وأن يعرفوا أوجه التبريرات العقلانيَّة لبعض ما يُثار في وجه هذه الشريعة من بعض أحكام النساء ، ولو عرفوا الإجابة لكان دفاعهم بحرارة لا تتوقف على مجرد التعاطف مع الدين الذي يؤمن به أحدهم ، وليكن شعارهم :         [ الهجوم أفضل وسيلة للدفاع ] ! .
  نعم .. لا ننكر وجود بعض الإساءات في التطبيق لدى المسلمين ، أو الانحراف في العلاقة الزوجيَّة عن مهيعها السليم والرشيد ، ويجب معالجتها بالتوعية من ذوي الاختصاص - وليس من الوعَّاظ - ، لأجل :
    توضيح الدرب ، والجادة الصحيحة في التعامل بين النساء والرجال ، ووسائل حلِّ الإشكاليات التي تحدث بينهم ، ولا ننتظر وقوع الفرقة والخلاف لنبدأ التدخل بطلبٍ منهما ، أو من أحدهما !. 
   فالمـرأة التي استعانت بشيخٍ عند وقوع الطلاق ، أو الخلاف .. ينبغي لها أن تستعين به في أوائل حياتها الزوجيَّة ، لتتعرف على حقوقها ، وحقوق زوجها ، وقبل وقوع الذي يُكدِّر العلاقة ، بل قد لا تقوم علاقةٌ أصلاً حين يُكره الأهل المرأة على الزواج بمن لا ترضى ، فهذا جهلٌ في التطبيق ، وليس نقصاً ، أو خللاً في الأحكام !! .
  إنَّ التشريعات القانونيَّة .. والتشريعات السماوية .. فالأحكام مهما سمت ، والتشريعات مهما تكاملت وارتفعت ، لا بدَّ لها من دوافع لترسخ في النفوس وبالتالي يحسنُ تطبيقها ، ويشتدُ التمسك بها .. ولعلَّ مما يؤدي لكلِّ هذا هو ..
[ الدافع الذاتي ] ، والذي لا يتحقق إلاَّ بتفهم الأحكام ومعرفة حِكمها ، وبالتالي يعرف أحدهم كيف يردُّ الشُبه ، ويقتنع هو قبل غيره بالأحكام .
   وإذا كان المختصون من دارسي الشريعة والقانون ، يفرِّقون بين : بين حسن القاعدة  ، وسوء تطبيقها ، ولا يسحبون سوء التطبيق إلى القاعدة ذاتها .
   فإنَّ من المنطقيِّ جداً أن تُحاور عـوائل سعيدة ، وتنقل تجربتها إلى الآخرين ، لا  أن يكون الحكم من خلال تطبيقٍ سئٍ في عوائل لا يصح تسمية ما يجري فيها على انَّه إسلاميٌّ .
   ولعل لوسائل الإعلام الأثر الأهم في إشاعة ما يُشاع في مثل عصورنا ، بما تنقله الأفلام  والمسلسلات من تطبيقاتٍ سيئةٍ تلصق بالإسلام .. ويُبرأ منها المسلمون !! . وكثيراً ما يكون الموجه للناس الممثلون ، والقائمون على الإخراج الذي يسمُّونه [ فنيَّاً ] ، وأغلب هؤلاء من غير المسلمين ، وغالباً ما يدور نقاشٌ مع الممثلات اللاتي خرجن على عوائلهنَّ  ومجتمعهـنَّ ، ويصورون أفعالهنَّ على أنّه منتهى الجرأة ، أو منتهى ما يجب أن تصل إليه المرأة في الخروج على المجتمعات الملتزمة ! .
  إنَّ من المنطقيِّ جـداً أن تعالـج مسألة جنوح المرأة وعملهـا في الملاهي
و [ الكباريهات ] ، أو في الرقيق الأبيض ، حين يمتهن كرامتها بعض الرجال برضاها .. ! ولأجل بعض المبالغ التافهة من المال ! ، وكلُّ هذا يتمُّ علناً وتحت غطاءٍ قانونيٍّ ! ، فهل أراد الإسلام ذلك أيضاً ؟؟ ! .
  وإنَّ من المنطقيِّ جداً أن تُعالج مسألة إغراء الفتيات اللاتي لـم يُجربن الحياة ، وصونهنَّ من الشباب الغِر ، ومن هؤلاء الشباب اللذين يلاحقون الفتيات في معاهد العلم ، ومنعطفات مرورهنَّ إليها ! ، حتى لقد أصبح في العرف أنَّ كلَّ مـن تحمل كتاباً فهي مؤهلةٌ للصعود فـي سيَّارة كائنٍ من يكون ، بل تستَّرت المومسات بحمل الكتب والوقوف في الشوارع  !!   .
  أليس كلُّ ما تقدَّم وكثير غيره أولى بمتابعة [ الاتِّحادات النسويَّة ]  والمنظمات المشتغلة بمثل هذا ؟؟ ، وعدم الاكتفاء بالصراخ والعويل على مستقبل المرأة التي ضيَّعوها هم دون غيرهم ، فما يجب فعله تركوه ! ، وما لا غبار عليه أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها بعدُ !! .
   إنَّ الوضع التشريعي القانوني في غالب بلاد الإسلام للنساء على أحسن ما يـرام ، وافتعال هذه المواضيع معلوم الدوافع .. فما هو إلاَّ تشويهٌ للإسلام أولاً ، ثـم توفير الغطاء لما في الأديان والطوائف الأخرى من امتِّهانٍ للمـرأة ، فهم قد نجحوا في الأمرين إلى حدٍّ بعيدٍ ..
    فهل يتنبَّه المسلمون لكلِّ هذا ؟؟ .
*******
  إنَّ المرأة .. هي العِرض الذي يُدافع عنه الرجال بأرواحهم ومهجهم الغالية ، ويبذلون دونهنَّ الأعزَّ - وهي الأرواح - فداءً للحرمات والأعراض ، فمن يُضحي بكلِّ ذلك ، ويؤمَّل ذلك منه دوماً ، لا يُتَّهم بشتى الاتِّهامات ، وتُخلق معه الفجوة المفتعلة ، وما ذلك إلاَّ لكي يجعلوا المرأة مجرّدةً عن الحماية ليخلوا لهم جوُّ إخراجها عن طريق الاستقامة ، وبث روح التذمر فيها من غير ما مبررٍ معقول .. فلم يقل الرجل للمرأة يوماً ما : لن أدافع عنكِ ، ولن أدفع عنك أذى الأعداء الذين يُداهمون البلاد ، وتُبذل فيه المهج ، ولن أدفعهم عن شرفكِ .. ما لم تُشاركي معي في الحروب !! .
   إنَّ النزاع الموهوم  الذي ادُّعي قيامه بين الرجل والمرأة ، ما هو إلاَّ من الأفكار اليهوديَّة التي تُشاع وتُصدَّر ، ولا يعملون هم بها .. ولقد صوَّروا كلَّ أحداث التأريخ على أنَّها صراعٌ في صراع ، بل حتى مدُّوا هذا إلى ما حدث بين أنبيائهم !! ، وعنهم شاعت فكرة الصراع ، التي يُريدون منها لنا : عيشاً نكَدا ، وقلقاً ، وخوفاً ، وتربُّصاً ، وتوجساً .. ، وعنهم انتشرت فكرة جعل الكون كلَّه صراعاً في صراع ..  :
          صراع الطبقات ! .
          صراع الآباء مع الأبناء ! .
          صراع السلطة مع الرعيَّة ! .
          صراع الطلبة مع الأساتذة ! .
          صراع القديم مع الحديث ! .
          صراع الأديان بعضها مع البعض ! .
          صراع الطوائف ! .
         صراع القوميَّات ! .
          صراعٌ .. في صراع .. ولكنَّهم متوائمون ملتئمون مع أنفسهم ومصالحهم !! ، لكن تُحشَّى عقول أبناء المسلمين بما لا يفعلوه هم ! .
 إنَّ الإسلام يقوم في أسسه العامة ، فيما عدا الصراع الفكري الذي لا مهادنة فيه ، يقوم على :
  المودة ، والرحمة ، والألفة ، والتضامن ، والطاعة ، والمناصحة ، والمعاونة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والتعاون على البرِّ والتقوى ، والبعد عمَّا نهى عنه الشرع .. والنصوص في ذلك متوافرة ، لا نريد الإطالة بنقلها ، ونورد ما نحن بصدده .. من ذلك قوله تعالى :
  ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودَّةً ورحمةً .. )[58].
   فالله U يريد لنا : وُدَّاً .. وهدوءً في الحياة .. ، وهم يريدون : نزاعاً مستمراً ، وخصاماً في .. العائلة .. وفي المجتمع برمته .. ! بدعاوى : ظلم المرأة وتأخرها ! .
  فمن أحرى بالتصديق :
   الذين يُحرِّفون الكلِم عن مواضعه ، والذين خرجوا على الأنبياء ، وكفروا بربِّ الأرباب ، وأشركوا ما ليس لهم به علمٌ ..
  أم : الله الواحد القهَّار .. ؟؟ ! .
*******
  هم يصرفوننا عن أحوال نسائهم في أديانهم ، بل وأحوالهم كلِّها .. وفيها العجب العجاب ! .
فهلاَّ تنبه المسلمون لهذا ولكثيرٍ مثله .
وهلاَّ اتَّبعوا بعض أساليب علماء الأمَّة المصونة عن الخطأ عند الاجتماع ، حيث يقول المصطفى e : { لا تجتمع أمَّتي على ضلالة } .
وهذا حمَّاد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة t يقول : [ إذا وردت عليك مسألة معظلة فاجعلها سؤالاً على صاحبها ] ! .
 وعن أبي حنيفة t : [ .. فقال لي الربيع الحاجب في دار المنصور ـ وكان يُعاديني ـ : إنَّ أمير المؤمنين يأمرنا بقتل الرجل ، فهل يحلًّ لنا ذلك .. ولا ندري ما سببه ؟ .
   قلت : يا أبا العباس ، إنَّ أمير المؤمنين يأمر بالحقِّ أم بالباطل ؟ .
    قال : بالحقِّ .
   قلت : أنفذ الحقَّ حيث كان ! .
ثم قال الإمام أبو حنيفة t : وكان أراد الربيع أن يُوثقني فربطته ! ][59] .
   أمَّا من كان إمَّعةً ، أو كان ضعيفاً في العلم ، قليل البضاعة ، فيصدِّق ما يُقال له ، ويقبل ما يُضخُّ له من سئ المعلومات  ، وقبيح الأوصاف لدينه .. بل حتى لنفسه ، وهو لا يُميِّز بين النافع والضار ، وإنْ ميَّز عجز عن الحجة ، وتقاعس عن طلبها ! .
   فعلينا الاستفادة من مناهج علمائنا وسبلهم في ردِّ الباطل والمتطاول ، وذكرنا من سبيلهم في التمهيد شيئاً ، وها نحن قد أوردنا في ختام البحث شيئاً آخر .. وما بينهما ممَّا بينَّاه الكثير الكثير الذي ينفع بإذن الله U .. فهل نحن فاعلون ؟
   نأمل ..
        وندعو ..
     والله كفيل بالاستجابة .. وهو يقول الحقَّ ، ويهدي إلى سواء السبيل ..
والحمد لله ربِّ العالمين ~~

العراق / الأعظميَّة                                     الدكتور
محلَّة 314 / زقاق 88 / دار 41           محمـد محـروس المـدرس
هاتف / 4225253 و 4228669                     الأعظمــي
الفهرس

الصفحة                      الموضوع
ــــ               ـــــــــــ
 2                    الإهداء
3                     المقدمة
12                   التمهيد      
  25               الفصل الأول / في المناقشات العقليَّة لمسؤولية الأسرة - ويتضمن مبحثين .
  25                  المبحث الأول / ويتضمن ثلاث فروع .
  25                           الفرع الأول / خروج المرأة للعمل .
29                             الفرع الثاني / خروج الرجل للعمل .
 33                          الفرع الثالث / خروجهما معاً للعمل .
  35                المبحث الثاني / ويتضمن ثمان فروع .
  35                       الفرع الأول / مهام الرجل في الأسرة .
  36                       الفرع الثاني / مهام المرأة في الأسرة .
  38                       الفرع الثالث   / تعليم المرأة .
  40                       الفرع الرابع   / عمل المرأة حالة الضرورة .
  41                       الفرع الخامس / كسب المرأة .
  43                       الفرع السادس / الذمة الماليَّة للمرأة .
44                       الفرع السابع  / استقلال شخصيَّة المرأة .
  45                       الفرع الثامـن / لمن الكلمة الفاصلة في الأسرة ؟ .
  48             الفصل الثاني /           ويتضمن مبحثين .
 48                 المبحث الأول / ويتضمن سبعة فروع .   
 50                        الفرع الأول / معنى القِوامة .
 51                        الفرع الثاني / علة إعطاء القوامة للرجل .
 52                        الفرع الثالث / وجه تفضيل الرجل .
 54                        الفرع الرابع / كون المساواة ضارَّة بالمرأة .
 57                        الفرع الخامس / حدود القوامة .
 58                              النقطة الأولى .
  59                              النقطة الثانية .     
 61                               النقطة الثالثة .
 61                     الفرع السادس / إساءة استعمال الحق .
 62                     الفرع السابع /  عناصر القِوامة . 
 62                             الحق الأول .
 64                             الحق الثاني .
 69                             الحق الثالث .
 75                المبحث الثاني / ويتضمن أربعة فروع .
 78                   الفرع الأول / وضع المرأة في الديانة الصابئيَّة .
 82                   الفرع الثاني / وضع المرأة في الديانة النصرانيَّة .
 84                   الفرع الثالث / وضع المرأة في الديانة اليهودية .
85                   الفرع الرابع / وضع المرأة في الديانة اليزيدية .
 91            الخاتمــــــــــــــة .       


























[ كتب وبحوث للمؤلف ]
1. مشايخ بلخ من الحنفية وما انفردوا به من المسائل الفقهية / طبعته وزارة الأوقاف العراقية .
2. الشخصية الإسلامية وموقعها بين النظم والعقائد / الطبعة الأولى - دار البشير / عمان ، والطبعة الثانية - دار [ الراشدون ] - الموصل .
3. رفع أكف الضَّراعة لجمع كلمة أهل السنة والجماعة / طبع على الآلة مع التصوير.
4. الزكاة ومصرف [ في سبيل الله ]  والدعوة الإسلامية ، وتأسيس البنوك الإسلامية / مقدَّم إلى المجمع الفقهي الهندي ـ طبع على الآلة مع التصوير.
5. المرة والتكرار في نصوص الأوامر الشرعية / مستل من مجلة المجمع العلمي العراقي لسنة 1997.
6. نثار العقول في علم الأصول / مطبوع على الآلة مع التصوير.
7. كشف اللثام وبلغ المرام في قوله تعالى : [ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ] .
8. العقل والنفس والروح / مخطوط .
9. مكانة الحرب العربي في الإسلام / مخطوط .
10. البهرة من الفرق الإسماعيلية / مخطوط.
11. الخوارق في الشريعة الإسلامية [ بحث في الباراسايكولوجيا الإسلامية ] / مخطوط .
12. الصحوة الإسلامية والدعوة الإسلامية  / مخطوط [ مقدّم لؤتمر الدعة في لكنهؤ ] .
13. بيع الحقوق والمنافع / مخطوط [ مقدَّم للمجمع الفقهي الهندي ] .
14. قراءة قانونية في سورة يوسف / مطبوع  .
15. توازن التبعات في الشريعة الإسلامية / مخطوط .
16. الإيضاح والبيان الظهوري على التسهيل الضروري لمسائل القدوري / طبع في  بغداد عام 1999 .
17. شرح وصية الإمام الأعظم لتلميذه القــاضي أبي يوسـف ، في [ آداب العالم والمتعلم ] / مخطوط .
18. التصوف في الإسلام / مخطوط .
19. بين الإسلام وأمثلة العوام في دار السلام / مخطوط .
20. المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / مخطوط .
21. مصطلحات رمضانية / طبع في بغداد [ أحاديث في الراديو ، ومسلسل تلفزيوني ].
22. أسماء القران في القران / مخطوط [ أحاديث من الراديو ].
23. كليات القرآن الكريم / مخطوط .        
24. المسؤوليات الإدارية في الأسرة المسلمة / وهو هذا الكتاب  .
25. التحصين ضد الجريمة في الشريعة الإسلامية /  مقدم الي الندوة المشتركة بين وزارة الداخلية ومنتدى الإمام أبي حنيفة t / تحت الطبع .
26. مبادءات ومتابعات / مجموعة مقالات صحفية في شتى العلوم .
27. نقد قانون الأحوال الشخصية العراقي / مخطوط .
28. العامي الفصيح / مخطوط .
29. عظمة التشريع الإسلامي / مخطوط .
30. الشركات في الفقه الحنفي / مخطوط .
31. ظهور الفضل والمنَّة في بعض مسائل الأجنَّة [ نقل الدم ، نقل الأعضاء ، التكرير -الاستنساخ - ، الإجهاض ] / مخطوط .
32. أفضليَّة المرأة في التشريع الإسلامي / مخطوط .
33. المنهجيَّة البحثيَّة الإسلامية / مخطوط .
34. الأعظميَّة .. وآل العلقبند / مخطوط . 
35. المتَّفق لفظاً والمختلف صُقعاً أو معنىً / مخطوط .
36. شرح غريب الألفاظ المتداولة / مخطوط .
37. مقالات ومقدمات كتب ومحاضرات وتعقيبات في مواضع شتى .


















[ المؤلف في سطور ]
ـ  هو ..  محمد محروس بن عبد اللطيف بن مصطفى بن الشيخ عبد الغني مدرس الحضرتين والوفائيَّة بن الشيخ محمد المدرس فيما ذكر بن الشيخ مصطفى نائب الشرع ببغداد والمدرس فيما ذكر بن الشيخ أحمد نائب الشرع والمدرس فيما ذكر بن الوليِّ الكامل والعلاَّمة الكبير الشيخ مصطفى العلقبند الكبير مفتي الحنفيَّة ببغداد المحميَّة ومؤسس الطريقة العلقبندية العليَّة الطائي الأعظمي الحنفي، المعروفة عائلته بآل المدرس لتدريسهم في الحضرتين : الأعظمية الحنفيَّة .. و القادرية الكيلانيَّة .. وفي المدرسة الوفائية الدينيَّة  .
ـ ولـد في الأعظمية 1360 هـ  الموافق 1941 م ، درس على علماء بغداد الشيوخ  الأجلاء  : محمد القزلجي ، عبد القادر الخطيب ، نجم الدين الواعظ  ،  أمجد الزهاوي  ، محمد فؤاد الآلوسي [ و أختص به في المدرسة المرجانية  إلى حين وفاته فيها ساجداً بين العشائين سنة 1963] ، والدكتور عبد الكريم زيدان  ،  وأخيراً على العلامة عبد الكريم محمد المدرس  [ متع المسلمين بحياته ]  . 
ـ   تلقى على علماء مصر الأجلاء الشيوخ الأفاضل : محمد أبو زهرة ، محمد سلام مدكور ، محمد الزفزاف  ،  أحمـد هريدي - مفتي الجمهورية - ، محمد أحمد فرج السنهوري ، زكريا البّري ، زكريا البرديسي ،  علي الخفيف ،  واختص أخيراً بالشيخ عبد الغني عبد الخالق المشرف على رسالته للدكتوراه وعنوانها :
[ مشايخ بلخ من الحنفيَّة وما انفردوا به من المسائل الفقهيَّة ]  .
ـ حاز بكالوريوس الحقوق من بغداد سنة 1962 م   .
ـ وحاز دبلوم الشريعة من حقوق القاهرة سنة 1967 .
ـ و ماجستير الفقه المقارن من كلية الشريعة و القانون بالأزهر سنة 1968 .
ـ والدكتوراه بذات  الاختصاص ، سنة 1977 .
ـ عمل : محامياً ، و مدير ناحية ، و مديراً للمدارس الدينية العراقيَّة في الأوقاف ، ومشاوراً قانونياً لها ، ومديراً للدراسات الإسلامية فيها ، ورأس أول بعثة حج عراقية عليا إلى الديار المقدَّسة سنة 1975.
ـ ثم درّس في كليّات : الإمام الأعظم ، والقانون ، والشرطة ، والتراث الجامعة ، وفي القسم العالي في ندوة العلماء في لكنهؤ / الهند .
ـ عضو دائم في المجمع الفقهي في ا لهند .
ـ رأس منتدى الإمام أبي حنيفة في مدينة الأعظميَّة .. لسنوات عديدة .
ـ خأأاشارك في مؤتمرات علميّة وفقهيّة في :  العراق .. والهند .. والحجاز .. وبلاد الشام .
ـ مدرس المدرسة الوفائيَّة الدينيَّة ببغداد .






















الفهرس

الصفحة                      الموضوع
ــــ               ـــــــــــ
   2                  الإهداء
3                                                    المقدِّمة
12                 التمهيد   
  25               الفصل الأول / في المناقشات العقليَّة لمسؤولية الأسرة - ويتضمن مبحثين .
  25                  المبحث الأول / ويتضمن ثلاث فروع .
  29                       الفرع الأول / خروج المرأة للعمل .
31                                                                         الفرع الثاني / خروج الرجل للعمل .
 33                       الفرع الثالث / خروجهما معاً للعمل .
  35                المبحث الثاني / ويتضمن ثمان فروع .
  35                       الفرع الأول / مهام الرجل في الأسرة .
  36                       الفرع الثاني / مهام المرأة في الأسرة .
  38                       الفرع الثالث   / تعليم المرأة .
  40                       الفرع الرابع   / عمل المرأة حالة الضرورة .
  41                       الفرع الخامس / كسب المرأة .
  43                       الفرع السادس / الذمة الماليَّة للمرأة .
44                       الفرع السابع  / استقلال شخصيَّة المرأة .
  45                       الفرع الثامـن / لمن الكلمة الفاصلة في الأسرة ؟ .
  48             الفصل الثاني /           ويتضمن مبحثين .
 48                 المبحث الأول / ويتضمن سبعة فروع .   
 50                        الفرع الأول / معنى القِوامة .
 51                        الفرع الثاني / علة إعطاء القوامة للرجل .
 52                        الفرع الثالث / وجه تفضيل الرجل .
 54                        الفرع الرابع / كون المساواة ضارَّة بالمرأة .
 57                        الفرع الخامس / حدود القوامة .
 58                              النقطة الأولى .
  59                              النقطة الثانية .     
 61                               النقطة الثالثة .
 61                     الفرع السادس / إساءة استعمال الحق .
 62                     الفرع السابع /  عناصر القِوامة . 
 62                             الحق الأول .
 64                             الحق الثاني .
 69                             الحق الثالث .
 75                المبحث الثاني / ويتضمن أربعة فروع .
 78                   الفرع الأول / وضع المرأة في الديانة الصابئيَّة .
 82                   الفرع الثاني / وضع المرأة في الديانة النصرانيَّة .
 84                   الفرع الثالث / وضع المرأة في الديانة اليهوديَّة .
        · الفرع الرابع / وضع المرأة في الديانة اليزيدية .
 91            الخاتمــــــــــــــة .       




[ كتب وبحوث للمؤلف ]

1. مشايخ بلخ من الحنفية وما انفردوا به من المسائل الفقهية / طبعته وزارة الأوقاف العراقية .
2. الشخصية الإسلامية وموقعها بين النظم والعقائد / الطبعة الأولى - دار البشير / عمان ، والطبعة الثانية - دار [ الراشدون ] - الموصل .
3. رفع أكف الضَّراعة لجمع كلمة أهل السنة والجماعة / طبع على الآلة مع التصوير.
4. الزكاة ومصرف [ في سبيل الله ]  والدعوة الإسلامية ، وتأسيس البنوك الإسلامية / مقدَّم إلى المجمع الفقهي الهندي ـ طبع على الآلة مع التصوير.
5. المرة والتكرار في نصوص الأوامر الشرعية / مستل من مجلة المجمع العلمي العراقي لسنة 1997.
6. نثار العقول في علم الأصول / مطبوع على الآلة مع التصوير.
7. كشف اللثام وبلغ المرام في قوله تعالى : [ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ] .
8. العقل والنفس والروح / مخطوط .
9. مكانة الحرب العربي في الإسلام / مخطوط .
10. البهرة من الفرق الإسماعيلية / مخطوط.
11. الخوارق في الشريعة الإسلامية [ بحث في الباراسايكولوجيا الإسلامية ] / مخطوط .
12. الصحوة الإسلامية والدعوة الإسلامية  / مخطوط [ مقدّم لؤتمر الدعة في لكنهؤ ] .
13. بيع الحقوق والمنافع / مخطوط [ مقدَّم للمجمع الفقهي الهندي ] .
14. قراءة قانونية في سورة يوسف / مطبوع  .
15. توازن التبعات في الشريعة الإسلامية / مخطوط .
16. الإيضاح والبيان الظهوري على التسهيل الضروري لمسائل القدوري / طبع في  بغداد عام 1999 .
17. شرح وصية الإمام الأعظم لتلميذه القــاضي أبي يوسـف ، في [ آداب العالم والمتعلم ] / مخطوط .
18. التصوف في الإسلام / مخطوط .
19. بين الإسلام وأمثلة العوام في دار السلام / مخطوط .
20. المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية / مخطوط .
21. مصطلحات رمضانية / طبع في بغداد [ أحاديث في الراديو ، ومسلسل تلفزيوني ].
22. أسماء القران في القران / مخطوط [ أحاديث من الراديو ].
23. كليات القرآن الكريم / مخطوط .        
24. المسؤوليات الإدارية في الأسرة المسلمة / وهو هذا الكتاب  .
25. التحصين ضد الجريمة في الشريعة الإسلامية /  مقدم الي الندوة المشتركة بين وزارة الداخلية ومنتدى الإمام أبي حنيفة t / تحت الطبع .
26. مبادءات ومتابعات / مجموعة مقالات صحفية في شتى العلوم .
27. نقد قانون الأحوال الشخصية العراقي / مخطوط .
28. العامي الفصيح / مخطوط .
29. عظمة التشريع الإسلامي / مخطوط .
30. الشركات في الفقه الحنفي / مخطوط .
31. ظهور الفضل والمنَّة في بعض مسائل الأجنَّة [ نقل الدم ، نقل الأعضاء ، التكرير -الاستنساخ - ، الإجهاض ] / مخطوط .
32. أفضليَّة المرأة في التشريع الإسلامي / مخطوط .
33. المنهجيَّة البحثيَّة الإسلامية / مخطوط .
34. الأعظميَّة .. وآل العلقبند / مخطوط . 
35. مقالات ومقدمات كتب ومحاضرات وتعقيبات في مواضع شتى .













المؤلف في سطور

  هو ..  محمد محروس بن عبد اللطيف بن مصطفى بن الشيخ عبد الغني مدرس الحضرتين والوفائيَّة بن الشيخ محمد المدرس فيما ذكر بن الشيخ مصطفى نائب الشرع ببغداد والمدرس فيما ذكر بن الشيخ أحمد نائب الشرع والمدرس فيما ذكر بن الوليِّ الكامل والعلاَّمة الكبير الشيخ مصطفى العلقبند الكبير مفتي الحنفيَّة ببغداد المحميَّة ومؤسس الطريقة العلقبندية العليَّة الطائي الأعظمي الحنفي، المعروفة عائلته بآل المدرس لتدريسهم في الحضرتين : الأعظمية الحنفيَّة .. و القادرية الكيلانيَّة ، وفي المدرسة الوفائية الدينيَّة  .
 ولد في الأعظمية 1360 هـ  الموافق 1941 م ، درس على علماء بغداد الشيوخ  الأجلاء  : محمد القزلجي ، عبد القادر الخطيب ، نجم الدين الواعظ  ،  أمجد الزهاوي  ، محمد فؤاد الآلوسي [ و أختص به في المدرسة المرجانية  إلى حين وفاته فيها ساجداً بين العشائين سنة 1963] ، والدكتور عبد الكريم زيدان  ،  وأخيراً على العلامة عبد الكريم محمد المدرس  [ متع المسلمين بحياته ]  . 
   تلقى على علماء مصر الأجلاء الشيوخ الأفاضل : محمد أبو زهرة ، محمد سلام مدكور ، محمد الزفزاف  ،  أحمد هريدي - مفتي الجمهورية - ، محمد أحمد فرج السنهوري ، زكريا البّري ، زكريا البرديسي ،  علي الخفيف ،  واختص أخيراً بالشيخ عبد الغني عبد الخالق المشرف على رسالته للدكتوراه وعنوانها :
[ مشايخ بلخ من الحنفيَّة وما انفردوا به من المسائل الفقهيَّة ]  .
 حاز بكالوريوس الحقوق من بغداد سنة 2691 م   .
 وحاز دبلوم الشريعة من حقوق القاهرة سنة 1967 ، و ماجستير الفقه المقارن من كلية الشريعة و القانون بالأزهر سنة 1968،  والدكتوراه بذات  الاختصاص ، سنة 1977 .
عمل محامياً ، و مدير ناحية ، و مديراً للمدارس الدينية العراقيَّة في الأوقاف ، ومشاوراً قانونياً لها ، ومديراً للدراسات الإسلامية فيها ، ورأس أول بعثة عراقية عليا إلى الحج سنة 1975.
   ثم درّس في كليّات : الإمام الأعظم ، والقانون ، والشرطة ، والتراث الجامعة ، وفي القسم العالي في ندوة العلماء في لكنهؤ / الهند .
  عضو دائم في المجمع الفقهي في الهند .
  رأس منتدى الإمام أبي حنيفة في مدينة الأعظميَّة .. لسنوات عديدة .
 خأأا شارك في مؤتمرات علميّة وفقهيّة في :  العراق .. والهند .. والحجاز .. وبلاد الشام . 



[1] غافر / 51 إلى 52 .
[2] النساء / 174 إلى 175 .
[3] الأمين الأولى من الأمانة ، والثانية من الأمان .. بمعنى المأمون ، كالقتيل بمعنى المقتول .
[4] البقرة / 73 .
[5] البقرة / 242 .
[6] البقرة / 266 .
[7] الملك / 10 .
[8] علقوا : أحبوا .
[9] إشارة لقوله تعالى ( فأمَّا الذين شُقُوا ففي النار لهم فيها زفيرٌ وشهيق ) هود / 106 ، وقوله تعالى : إذا اُلقُوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور ) الملك / 7 ، وقوله تعالى : ( لهم فيها زفيرٌ وهم لا يسمعون ) الأنبياء / 100 ، وقوله تعالى : ( وإذا رأتهم من مكانٍ بعيدٍ سمعوا لها تغيُّظاً وزفيراً ) الفرقان / 12 .
[10] البقرة / 75 .
[11] هي : المناهج والطرق .
[12] الجهالة : السفاهة ، وقلة التدبير ، وسوء الرأي .
[13] النحل / 125 .
[14] الدينار الشرعي : هو مثقال شرعي ، والمثقال الشرعي ـ بحسب تحقيقات أصحاب الخبرة ـ هو :
[  625 ,4 ] غراماً ، وهو يقرب من المثقال السائد في التعامل في العراق اليوم . راجع : النقود والمكاييل الإسلامية للمنّاوي ، والمقاييس والمكاييل الإسلامية للمستشرق هانتز الألماني ، العقد المنير في تحقيق الدراهم والدنانير للمازندراني الشيعي .
[15] المادة [ 58 ] من مجلة الأحكام ، والقواعد للبركتي /  70  ،  والأشباه والنظائر / 123 .
[16] تأريخ الدولة العثمانيَّة العليَّة لمحمد فريد / 79 و 179 و 253 و 256 و 298 .
17 تقرير عالي باشا المشار إليه ، درر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر - 1/ 31 و 416 و 417 و 560 ، الفتاوى الهنديَّة  – 4 / 117 إلى 118 ، رد المحتار على الدر المختار – 4 / 95 , 507 ، رسالة أدب المفتي [ مجموعة البركتي ] – 576 ، رسالتنا للدكتوراه [ مشايخ بلخ من الحنفيَّة وما انفردوا به من المسائل الفقهيَّة ] – 2 / 833 .
18 راجع تقرير الصدر الأعظم عالي باشا المطبوع في صدر المجلة ، الأشباه / 230 .
19 الأشباه – 105 ، المجلة – م 16 ، البركتي – 54 .




[20] الاختيار – 2 / 88  ،  الأشباه – 108 ، المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي – 359 , 416 . 
[21] مجلة الفاروق الفصليَّة الصادرة عن الجامعة الفاروقيَّة / كراتشي ـ العدد 31 السنة 8 ربيع الأول 1413 / 1992.
[22] المنتقى للذهبي – 359 .
[23] فصلت / 46 .
[24] الملك / 14 .
[25] كشف الخفا ومزيل الإلباس للعجلوني – 1/ 343 .. الحديث 1095 .
[26] المرجع السابق – 2 / 326 .
[27] مثل عربي قديم – راجع مجمع الأمثال للميداني .
[28] الروم / 21 .
[29] راجع : الأشباه والنظائر لإبن نُجيم  ، ومجلة الأحكام العدليَّة .
[30] راجع : كشف الأسرار على المنار للنسفي .. وحاشية نور الأنوار لملا جيون .. وقمر الأقمار للكنوي – الجزء الثاني .
[31] النساء / 34 .
[32] النساء / 34 .
[33] المعجم الوسيط – 2 / 768 .
[34] كليَّات أبي البقاء الكفوي – مادة [ القوم ] .
[35] مجمع البحرين ومطلع النيرين للطريحي النجفي – مادة [ قَوَمَ ] .
[36] النساء / 6 .
[37] الروم / 30 .
[38] الاختيار – المرجع السابق .
[39] الاختيار – 3 / 167 .
[40] إسناده صحيح كما في التيسير شرح الجامع الصغير للمنَّاوي – 2 / 501 .
[42] القواعد لإبن رجب الحنبلي – 2 / 38 .
[43] الدرر المباحة للنحلاوي الشامي – 118 .
[44] الدرر المباحة [ المرجع السابق ] – 109 .
[45] راجع : الأشباه والنظائر ، ومجلة الأحكام العدليَّة [ قسم القواعد العامة ] ، والقوانين المدنيَّة العربيَّة [ القواعد الغامة ] .
[46] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني لإمام أبي الثناء محمود شهاب الدين الآلوسي الحنفي – 5 / 25 .
[48] راجع الأشباه والنظائر ، ومجلة الأحكام العدليَّة [ قسم القواعد الغامة ] .
[49]  داث : إذا فقد الغيرة والخجل ، وتديَّث فلان : قاد على أهله ، والدَّيُّوث من الرجال : القوَّاد على أهله
[ المعجم الوسيط – 1 / 306 ] .
[50] الأشباه والنظائر ، مجلة الأحكام .
[51] المرجعين السابقين .
[52] الرحمن / 6 إلى 8 .
[53] الصابئة المندائيون لغضبان رومي الناشئ / 166 .
[54] المرجع السابق – 179 .
[55] النساء / 23 .
[56] يقصد أوزتين ! .
[57] اليزيديَّة للمحامي عباس العزاوي ، واليزيديون في حاضرهم ماضيهم لعبد الرزاق الحسني .
[58] الروم / 21 .
[59] مفتاح السعادة لطاش كوبري زادة  ـ 2 / 184 . و مناقب الإمام أبي حنيفة للذهبي / 16 . وأخبار أبي حنيفة للصيمري / 61 إلى 62 ] .