الخميس، 6 يونيو 2013

أهمية مجلس العائلة على ضوء مدونة الأسرة، و المرسوم المنظم له.

أهمية مجلس العائلة على ضوء مدونة الأسرة 
و المرسوم المنظم له
                      محمد أوراغ   
منتدب قضائي باستئنافية الناظور
 تقديم :
    ان الاهتمام الكبير بشؤون الأسرة وتنظيم أدق  جزئياتها وتفاصيلها شكل عبر عقود من الزمن مجالا خصبا للنقاش وتبادل الرؤى وتجاذبته مختلف مكونات المجتمع المغربي ، والنتيجة الحتمية لهذا الاهتمام تجسد في التغييرات التي عرفتها مدونة الأسرة بحيث تعد بحق حدث تاريخي هام في المنظومة القانونية المغربية تكرس الحماية القانونية والقضائية لمؤسسة الأسرة المغربية الخلية الأولى للمجتمع مؤسسة على مبادىء العدل والإنصاف والمساواة في إطار التفاعل واستيعاب التحولات المستجدة التي تطرأ على المجتمع المغربي .
فمدونة الأسرة وفضلا عن حمولتها القانونية النوعية ، فإنها تؤسس لقواعد بناء المجتمع الديموقراطي الحداثي المنفتح على عصره والمتشبت بمقومات هويته الإسلامية وفق المنهج الإصلاحي القويم الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لتحقيق المزيد من المكاسب على درب جعل المرأة والرجل شقائق في حقوق وواجبات الإنسان والمواطنة المسؤولة .
ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن مدونة الأسرة تسعى جاهدة على لم شتات الأسرة في قالب متضامن ومتآزر، بمعنى آخر أنها تعمل في إطار الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك والتشرذم ، وذلك يتضح جليا من خلال تكريس مبدأ المراقبة القضائية لإنهاء العلاقة الزوجية في جميع مظاهرها وكذلك عن طريق تفعيل آليات مسطرة الصلح في جل مراحل العلاقة الزوجية وقبل فك عصمتها وما يترتب عن ذلك من أثار : فمجلس العائلة يشكل قطب الرحى في مسطرة الصلح وآلية أساسية ومهمة تتوجب تفعيلها إلى جانب القاضي والحكمين .
فالمشرع لم يحدد اللجوء إلى مؤسسة من مؤسسات الصلح بعينها دون الأخرى ولم يرتب أفضلية في ذلك ، وإنما أعطى للقضاء كامل الصلاحية في اختيار أي مؤسسة للصلح دون أي قيد أو شرط وتوسع في ذلك على أبعد الحدود وفتح المجال لكل من يراه مؤهلا لإصلاح ذات البين وترك عملية الصلح ورأب الصدع عامة وفضفاضة بالمادة 113  من المدونة والغاية من ذلك منح القضاء الحرية التامة فالغرض والهدف محمود هو الإصلاح وإنقاد الأسرة ، وهكذا نصت المدونة في المادة 82 الفقرة الثانية : " للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين ، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما " .
وقد نصت المادة 251 من مدونة الأسرة في الفقرة الثانية على إحداث مجلس للعائلة تناط به مهمة مساعدة القضاء في اختصاصاته المتعلقة بشؤون الأسرة ، ويحدد تكوينه ومهامه بمقتضى نص تنظيمي ، وفعلا فقد صـــدر مرسوم رقم 88/04/2 في 25 من ربيع الآخر 1425 الموافق 14 يونيو 2004 بشأن تكوين مجلس العائلة وتحديد مهامه الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5223 بتاريخ 21 يونيو 2004  ناسخا بذلك مقتضيات المرسوم رقم 2.94.31 بتاريخ 23 رجب 1425 الموافق 26 دجنبر 1994  فكيف يتشكل مجلس العائلة ؟ وما هي مهامه ومجال اختصاصه حسب المرسوم المنظم له وعلى ضوء مدونة الأسرة ؟
المبحث الأول : تكوين مجلس العائلة
    انـــــــه من خلال المادة الأولى من المرسوم رقم 02.04.88 يستفاد منها أنه جعل مجلس العائلة يتكون : من القاضي رئيسا ، الأب والأم أو الوصي أو المقدم ، أربعة أعضاء يعينهم في مجلس العائلة من بين الأقارب أو الأصهار بالتساوي بين جهة الأب وجهة الأم ، أو جهة الزوج حسب الأحوال وفي حالة ما إذا تعذر تشكيلهم من الجهتين معا أمكن تكوين مجلس العائلة من جهة واحدة سواء تعلق الأمر بجهة الأب أو جهة الأم .
وكمقارنة لهذه المادة بالمادة الأولى من المرسوم عدد 2.94.31 الذي تم نسخه يلاحظ أنه تم الاحتفاظ بنفس التركيبة دون أي تغيير يذكر ما عدا إحلال عبارة رئيس مجلس العائلة في المرسوم الجديد بدل القاضي .
 وتجدر الإشارة إلى أن اختيار هؤلاء الأعضاء يراعى فيه درجة القرابة ومكان إقامتهم وسنهم ومؤهلاتهم وعلاقتهم بالأسرة ومدى استعدادهم للعناية بشؤونها وحرصهم على مصلحتها على أن يكون هؤلاء الأعضاء كاملي الأهلية حسب المادة الثانية من المرسوم وكلها شروط منطقية وضرورية نظرا للدور الهام المتوخى أن يلعبه هذا المجلس قصد تذويب بوادر الشقاق والعمل على إرجاع الروح والمياه إلى مجاريها الطبيعية للأسرة المعنية ومساعدة القضاء من أجل اتخاذ قرارات صائبة في صالح  جمع شمل الأسرة والحفاظ على كيانها ، غير أن المشرع لم يبين بشكل جلي ما المقصود بعبارة المؤهلات ؟ فهل تعني المؤهلات الثقافية أم المادية أو البدنية ... ؟
وأعتقد أن هذه العبارة تنصرف إلى المؤهلات الثقافية ما دام أنه تم النص صراحة على كمال أهلية أعضاء مجلس العائلة ، فالمستوى الثقافي تترتب عنه الحكمة والتبصر والروية في الإدلاء برأي استشاري يلقي أثرا أو وقع حسن في نفسية أطراف العلاقة الزوجية ، وأن تقدير ذلك في نهاية المطاف يعود إلى السلطة التقديرية للقاضي رئس مجلس العائلة في اختيار أعضاء أكفاء يحرصون على مصلحة الأسرة .
وأن هذه المادة الثانية من المرسوم الجديد لا تختلف كثيرا على ما هو وارد بالمادة الثانية من المرسوم القديم الذي تم نسخه ما عدا ما يتعلق بالتدقيق في العبارة باستعمال الرئيس بدل القاضي كما تم توضيحه سابقا .
كما أن للرئيس الصلاحية في تغيير أي عضو من أعضاء مجلس العائلة عند الاقتضاء حسب المادة الثالثة من المرسوم  وذلك لن يتم إلا في إطار مراعاة مصلحة الأسرة والتقيد بما يقتضيه ذلك ، والمشرع في هذا الصدد لم يخرج عن ما هو مسطر سابقا في المرسوم السابق لسنة 1994 .
وقد بين المرسوم الجديد في المادة الرابعة كيفية الدعوة إلى انعقاد المجلس ولمن يحق له طلب  ذلك كلما دعت الضرورة لذلك ، وهكذا يتضح بأن مجلس العائلة لا ينعقد بشكل تلقائي وإنما بناء على طلب مقدم إما من طرف الأم ، أو القاصر أو المحجور أو بمبادرة من الرئيس أو بناء على طلب أحد أعضائه الآخرين ، والمستجد في هذه المادة يتمثل في إعطاء الحق للمحجور بطلب اجتماع مجلس العائلة ، وهو ما لم يكن منصوص عليه في المرسوم القديم .
ويعمل الرئيس على استدعاء أعضاء المجلس قبل التاريخ المحدد للاجتماع مع بيان موضوع الاجتماع ويوم وساعة ومكان انعقاده حسبما تقتضيه الفقرة الثانية من المادة الرابعة ، غير أن المشرع في هذه الفقرة أغفل تحديد الأجل الذي يمكن توجيه فيه الاستدعاء داخله وحبذا لو تم الاقتصار على الأجل الذي كان منصوص عليه في المرسوم القديم لسنة 1994 والمحدد في ثمانية أيام على الأقل والنص عليه قصد تفادي ضياع الوقت والعمل على إصلاح ذات البين والسهر على شؤون الأسرة داخل ظرف وجيز .
وقد منحت المادة الخامسة من المرسوم الجديد في حالة تعذر حضور أعضاء المجلس إنابة غيرهم من الأقارب أو الأصهار للقيام بنفس الصلاحيات المخولة لهم قانونا وذلك شريطة الحصول على إذن من رئيس المجلس .
وأعتقد انه لن يتم ذلك إلا بناء على تقديم طلب إلى رئيس مجلس العائلة وتسجيل موافقته على الطلب والإذن بالنيابة ، إلا أن ذلك يجب أن يتم داخل أجل معقول ومراعاة لمقتضيات المادة الثانية من المرسوم السابق الإشارة  إليها .
وما يتمخض من نتائج اجتماع مجلس العائلة يحرر في محضر رسمي يحرره كاتب الضبط الذي يحضر الاجتماع في سجل خاص ، ويوقع مباشرة عند انعقاد الاجتماع من طرف الرئيس والأعضاء ، ويشار إلى امتناع هؤلاء عند الاقتضاء أو إلى وجود مانع من التوقيع حسب ما تنص عليه المادة السادسة ، والتي أغفلت الإشارة إلى توقيع كاتب الضبط عن المحضر فهل يعد معفيا من التوقيع ؟ ما دام ان النص صريح ولم يكلفه بذلك ، إلا أنه من المستحسن أن يذيل بتوقيع كاتب الضبط باعتبار حضوره لكل ما راج في الاجتماع وتدوين ذلك بكل صدق وأمانة وأن هذا التوقيع لن ينقص من القيمة القانونية للمحضر وإنما يكرسها اكثر .
والمستجد في هذه المادة يتمثل في الإشارة إلى وجود مانع يحول دون التوقيع وهو ما لم يكن منصوص عليه في المادة السادسة من المرسوم رقم 2.94.31 .
المبحث الثاني : مهام ومجال اختصاصات مجلس العائلة .
    مما لا شك فيه فإن مهام ونطاق مجال اختصاص مجلس العائلة لا تنحصر فقط في التحكيم لإصلاح ذات البين ، خاصة حينما يتهدد صرح الأسرة بالانهيار وسيتحكم الشقاق الذي يفضي إلى العصف بعش الزوجية المفروض فيه أن يقوم على أسس مستقرة ومتينة على وجه الدوام ، ولن يتم اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو بالتطليق  إلا استثناء وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين ، لما في ذلك من تفكيك الأسرة والأضرار بالأطفال حسب المادة 70
من مدونة الأسرة ، وإنما لمجلس العائلة أن يبدي رأيه في كل ماله صلة وعلاقة بشؤون الأسرة حسب المادة السابعة من المرسوم رقم 2.04.88 .
ففي إطار تفعيل مسطرة الصلح والحفاظ على تماسك الأسرة من خلال إقرار سلم اجتماعي في الخلية الأسرية ، التي تشكل الأساس لإصلاح المجتمع والحفاظ على تآزرها واستقرارها باعتبارها مؤسسة اجتماعية لها دور أساسي وفعال في تنمية المجتمع ، ومن تم وجب حمايتها والاعتناء بها عن طريق إقرار الكثير من القواعد القانونية والقضائية والتدابير الإجرائية التي تساعد على استمرارها وتضمن حقوق أفرادها ، وتقر علاقات متوازنة وسليمة ، فإصلاح المجتمع يمر بشكل حتمي من خلال إصلاح أحوال الأسرة وإرساء أسس حمايتها عن طريق تنظيم العلاقات الأسرية في إطار قانوني يحقق العدل والإنصاف والكرامة الإنسانية لكل مكوناتها .
وقد حثت المدونة على نهج أسلوب الإصلاح وإرساء أجواء التفاهم والحوار حول ما يعيق الأسرة ويكدر صفوها  واعتماد إحدى قنوات الصلح المتمثلة في ثلاث مؤسسات دون تمييز بعضها عن البعض أو الاستغناء عن أحدها وهي : القاضي ، الحكمين ، مجلس العائلة ، وذلك في المواد 82 ، 89 ، 94 ، 95 ، 96 ، 113 ، 114 251 والمادة 268 التي نصت على أنه يحدد القاضي المكلف بشؤون القاصرين بعد استشارة مجلس العائلة عند الاقتضاء ، المصاريف والتعويضات المترتبة عن تسيير أموال المحجور .
وتجدر الإشارة إلى أن مهام مجلس العائلة لا تعدو أن تكون مجرد مهام استشارية تصب في خانة خدمة مصلحة الأسرة وهو ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة السابعة من المرسوم الجديد ، إضافة إلى إبداء الرأي في كل ما له علاقة بشؤون الأسرة ، وهو مقتضى جديد تضمنته هذه المادة خلاف ما كان منصوص عليه في المادة السابعة من المرسوم القديم لسنة 1994 والذي حددت نطاق إبداء الرأي الاختصاصات المسندة للقاضي في الزواج وإغلال ميثاقه النفقة ، الأهلية والنيابة الشرعية والمساطير المتعلقة بالأحوال الشخصية المنصوص عليها في ق م م من قبل مجلس العائلة .
وقد أغفلت المادة السابعة من المرسوم الجديد رقم 02.04.88 الإشارة إلى المساطر الخاصة المتعلقة بالأسرة والواردة بقانون المسطرة المدنية وأنها اكتفت بالتطرق إلى إبداء الرأي في كل ماله علاقة بشؤون الأسرة .
وأشارت المادة الثامنة من المرسوم إلى صرف النظر عن استشارة مجلس العائلة بعد استنفاذ جميع الوسائل لتكوينه دون ذكر لكلمة الرئيس عكس ما تنص عليه نفس المادة من المرسوم الذي تم نسخه حيث تشير إلى أنه يصرف القاضي النظر عن استشارة مجلس العائلة بعد استنفاذ جميع الوسائل لتكوينه .
ومن نافلة القول أن مجلس العائلة يعد آلية مهمة في إطار مسطرة الصلح ويلعب دورا مهما لمساعدة القضاء في إيجاد الحلول وإبداء الحلول وإبداء الرأي قصد إنقاذ الأسرة ولم شملها في إطار المقتضيات القانونية والأنظمة المعمول بها ، ولهذا يتوجب تفعيل النصوص وإعطاء لها المعنى الحقيقي الذي توخاه المشرع وذلك من الناحية العملية والتطبيقية واللجوء إلى نهج مسطرة الصلح من خلال مجلس العائلة ، وهذه هي المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتق القضاء ، والتي عليه أن يعالجها بما يتطلبه الأمر من دراية وحكمة للوصول إلى تحقيق هدف المشرع وتطبيق روح النص تطبيقا سليما ، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق قضاء مؤهل وقادر على ترجمة فلسفة هذا القانون إلى واقع ، وهو ما يحتم على القاضي التفتح على المجتمع وقضاياه والتشبع بثقافة حقوق الإنسان ومبادئ المساواة والعدل والإنصاف ، فبالإضافة إلى معرفته القانونية وخبرته القضائية يجب أن يتوفر على رصيد معرفي وعلى خلفية ثقافية تجعله على اطلاع بأحوال الناس والمجتمع ، وتمكينه من القيام بدور طبيب اجتماعي يعالج أمراضا اجتماعية وهو بصدد تطبيق النص على النازلة لتوفير السلم ، وإعادة الطمأنينة إلى أطراف العلاقة الزوجية وإيجاد الحل المناسب الذي يحافظ على تماسك الأسرة ولم شملها ويرضي الأطراف عن طريق نشر ثقافة التصالح والإصلاح والحوار والتفاهم والتسامح وتقريب وجهات النظر لتذويب الخلافات والأحقاد ، ويتجلى ذلك من خلال ممارسة مساطر الصلح والوساطة في قضايا التعدد والمراجعة والطلاق والتطليق والحضانة ، وتقدير النفقة واختيار السكن ، إذ يكون الدور اجتماعيا أكثر منه قضائيا للحكم في إطار المقبول باعتماد الحل الذي يحقق مصلحة الجميع .
المراجــــــــع :
-         مدونة الأسرة القانون رقم 70.03 .
-         مرسوم رقم 2.04.88 الصادر في 25 من ربيع الآخر 1425 الموافق 04.06.14 .
-         مرسوم رقم 2.94.31 بتاريخ 23 من رجب 1415 الموافق 1994.12.26 .
-         الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة العدد 5 شتنبر 2004 الصادر عن المعهد العالي للقضاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم