الاثنين، 3 يونيو 2013

دور كتابة الضبط في مسطرة الصلح الأسري

Rôle de greffe dans la conciliation en matière familiale
إعـــداد : ذ.حمادي الطاهري
منتدب قضائي من الدرجة الثانية
Tahirihamadi@yahoo.fr


مقدمـــــة :
يعتبر جهاز كتابة الضبط العمود الفقري لمختلف المؤسسات القضائية، فهو يحتل الدور الأساس في مختلف الدعاوى سواء كانت مدنية أسرية، جنائية، تجارية أو إدارية.
 فملفات القضايا تولد بين يديها في صندوق المحكمة، وتنمو وتتطور تحت مراقبتها ومتابعتها بعد أن تتولى تنظيم إجراءاتها المسطرية والسهرعلى تبليغها وتنفيذها، عبر غرف وشعب تنظيمية.
ولعله وضمن الحديث عن القضاء الأسري في علاقته بجهاز كتابة الضبط، والأهمية البالغة التي أولاها المشرع للقانون رقم: 70.03 بمثابة مدونة الأسرة منذ صدور الظهير الشريف رقم: 1.04.22 بتاريخ 3/2/2004 لتنفيذه، وبإستحضار الدور المنوط بهذه المدونة في الحفاظ على توازن الأسرة المغربية القائمة على المسؤولية المشتركة، وحرص المشرع على إشاعة ثقافة المودة والمساواة والعدل وحقوق الإنسان وحماية النواة الأساسية للمجتمع، من التشتت والضياع، في ظل هذا الحديث تبرز وبقوة مسطرة الصلح في القضاء الأسري ودور جهاز كتابة الضبط في ذلك.
ـ فكيف يتم تطبيق مسطرة الصلح في القضاء الأسري؟
ـ وما هي الإشكاليات المسطرية والواقعية المثارة في الموضوع؟
ـ وما هو موقع كتابة الضبط من التفعيل المطلوب للمسطرة وتطويرها؟
ـ وما هي الآليات المعتمدة والحلول المقترحة الكفيلة لتحقيق النتائج المتوخاة من هذه المسطرة؟




                                 التصميـــــــم
الصلح الأسري : الماهية والدلالة
         *الصلح الأسري: لغة وإصلاحا
         *الصلح الأسري: المرجعية الثقافية
         *الصلح الأسري: المرجعية القانونية
أهمية الصلح الأسري
آليات الصلح الأسري
مركزية كتابة الضبط في مسطرة الصلح الأسري
مسطرة الصلح: المعطيات الواقعية والإشكاليات التطبيقية المثارة
مسطرة الصلح الأسري: الحلول والمستنتجات


الصلح الأسري: المفهوم والدلالة           
الصلح لغة : التوفيق ، وهو اسم للمصالحة، وقطع للمنازعة.
وفي الاصطلاح: عقد به يرفع النزاع، وتقطع الخصومة بين المتصالحين بتراضيهما. وقيل عقد يتوصل به إلى التوفيق بين متنازعين في حق، وضع لرفع المنازعة بعد وقوعها بالتراضي.
وزاد المالكية على هذا المدلول مدلولا وقائيا فأضافوا:  العمل على رفع المنازعة قبل وقوعها، فجاء في تعريف ابن عرفة للصلح: أنه انتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه.
والصلح الأسري هوالتوفيق بين الزوجين خاصة، أو بين أفراد الأسرة عامة، وقطع المنازعة بينهما بتراضيهما والإصلاح ذات البين بينهما، حفاظا على تماسك الأسرة، وتفاديا لتشتتها بالطلاق أو الهجر أو الإهمال، وما يترتب عن ذلك من ضياع لحقوق الطرفين و من إهمال للأطفال.

الصلح الأسري: المرجعية الثقافية والدينية
الصلح من التقاليد الراسخة في التراث الثقافي والديني بالمجتمع المغربي، بحيث كان "مقدم الجماعة " أو مقدم القبيلة " يقوم بدور الوسيط في حل النزاعات الأسرية والتجارية والفلاحية التي تنشأ بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين أفراد القبيلة.
 وقد جاءت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية صريحة في الترغيب في الصلح والحث عليه.
 قال الله تبارك وتعالى: ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون)  سورة الحجرات الآية 10
( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) سورة الأنفال الآية :1
( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا، والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح، وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) سورة النساء 127
( لاخير من كثير من نجواكم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نوتيه أجرا عظيما) سورة النساء الآية 113
وعن أبي داوود الترمذي بإسناده إلى أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة  قالوا بلى يارسول الله، قال إصلاح ذات البين. قال وفساد ذات البين هي الحالقة" قال الترمذي حديث حسن وصحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب : ألا أدلك على تجارة ؟ قال بلى يارسول الله . قال: تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا .

الصلح الأسري المرجعية القانونية:
عمد المشرع المغربي إلى تبني مبدأ الصلح بشكل عام في مجموعة من القوانين من بينها قانون المسطرة الجنائية الجديد حسب المادة 41 من ق.م.ج كآلة حديثة وحضارية لاستبدال العقوبة السالبة للحرية ولفض النزاع في تحريك الدعوى العمومية وذلك قصد : تخفيف العبء عل المحاكم وتحقيق السرعة في البث في القضايا وتطويق النزاعات القائمة، ويكمن الصلح بين الأطراف في مراجعة قد يقوم بها الأطراف أنفسهم بمحض إرادتهم أو باقتراح من النيابة العامة، ومن شأن هذا الإجراء توطيد العلاقات الإنسانية بدل إقامة الدعوى العمومية التي قد تنتهي بإدانة أحد الأطراف .
أما الصلح الأسري فقد اعتمده المشرع المغربي ضمن مدونة الأسرة كآلية حضارية لفض النزاعات بين الزوجين وحماية الأسرة وتربية النسل على التسامح وتجاوز الأخطاء والتخلي عن دوافع الانتقام والقصاص في السلوك الإنساني.
 ونظرا لأهمية مسطرة الصلح الأسري وإصلاح ذات البين بين الزوجين فإن مدونة الأسرة كإطار قانوني ومرجعي أولت هذا الموضوع أهمية كبرى، حيث أفردت موادا خاصة لمسطرة الصلح وإلزامية سلك هذه المسطرة في دعاوى الطلاق والتطليق.
فقد أوجبت المادة 81 من مدونة الأسرة استدعاء المحكمة للزوجين للقيام بمحاولة الصلح مع الحرص على سلامة الإجراءات المتعلقة بالتبليغ لحضور جلسة الصلح، كما أكدت أنه يمكن للمحكمة الاستعانة بالنيابة العامة للوصول إلى الحقيقة في حالة تبين فيها أن عنوان الزوجة مجهول.
ونصت المادة 82 من مدونة الأسرة على أن المحكمة يجب أن تسلك كل الإجراءات لإصلاح ذات البين بين  الزوجين، بما في ذلك إنتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا للقيام بذلك، وأنه في حالة وجود أطفال فإنه المحكمة تقوم بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما.
أما المادة 95 من مدونة الأسرة فقد حددت الدور المنوط بالحكمين في البحث عن أسباب الخلاف بين الزوجين وببذل الجهود لإنهاء النزاع، وفي حالة تفوقهما في الإصلاح بين الزوجين يتم تحرير تقرير بذلك يوقعه الحكمان ويسلم إلى المحكمة للمصادقة عليه.
وتعرض المادة 96 من مدونة الأسرة أنه بإمكان المحكمة إجراء بحث إضافي بالوسيلة التي تراها مناسبة.
كما أن الدليل العملي الصادر عن وزارة العدل أشار إلى كون جلسات الصلح تعقد بغرفة المشورة، ويتم تعيين الحكمين من بين أفراد أسرة الزوجين، وعلى المحكمة أن تتحقق مسبقا من كون هاذين الحكمين من ذوي المروءة والحكمة ولهما تأثير إيجابي على الزوجين.
 المادة 81: تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الصلح.
إذا توصل الزوج شخصيا بالاستدعاء ولم يحضر اعتبر ذلك منه تراجعا عن طلبه.
إذا توصلت الزوجة شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر، ولم تقدم ملاحظات مكتوبة، أخطرتها المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر سيتم البث في الملف.
إذا تبين أن عنوان الزوجة مجهول، استعانت المحكمة بالنيابة العامة للوصول إلى الحقيقة، وإذا تبت تحايل الزوج ، طبقت عليه العقوبة المنصوص عليها ف المادة 361 من القانون الجنائي بطلب من الزوجة .
المادة 82:"عند حضور الطرفين تجري المناقشات بغرفة المشورة، بما في ذلك الاستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في الاستماع إليه.
للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات، بما فيها انتداب حكمين أم مجلس العائلة، أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لاتقل عن ثلاثين يوما.
إذا تم الإصلاح بين الزوجين حرر به محضر وتم الإشهاد به من طرف المحكمة.
المادة 95: يقوم الحكمان أو من في حكمهما بإستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين وبذل جهدهما لإنهاء النزاع.
إذا توصل الحكمان إلى الإصلاح بين الزوجين، حررا مضمونه في تقرير من ثلاث نسخ يوقعها الحكمان والزوجان ويرفعانها إلى المحكمة التي تسلم لكل واحد من الزوجين نسخة منه، وتحفظ الثالثة بالملف ويتم إشهاد على ذلك من طرف المحكمة.

أهمية الصلح الأسري:
باستحضار الجانب الثقافي للمجتمع المغربي والجانب القانوني من خلال مدونة الأسرة، تتبين أهمية الصلح الأسري كآلية مسطرية لإصلاح ذات البين بين الزوجين، والحفاظ على تماسك الأسرة وتفادي انتشار ظاهرة الطلاق التي أصبحت في ارتفاع مستمر، وما يترتب عن ذلك من تشرد وإهمال للأطفال.
إنها آلية قضائية لإنقاذ الأسرة من التشتت والضياع، لكنها في نفس الوقت "استمارة " تكشف عمق الأزمة التي تعيشها الأسر المغربية في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وما شهده المغرب خلال العقود الأخيرة.
إن موضوع الصلح الأسري يساعد في الحقيقة على تشخيص الوضعية التي آلت إليها الأسر المغربية ويطرح سؤالا عريضا حول كيفية الحفاظ على هذه النواة المجتمعية وفك ألغازها.

آليات مسطرة الصلح الأسري:
تقوم مسطرة الصلح الأسري حسب المادتي: 81 و 82 من مدونة الأسرة وفق الآليات التالية:
ـ تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الصلح، وهو إجراء يقوم به جهاز كتابة الضبط.
ـ تجري المناقشات بغرفة المشورة ويتم الإستماع إلى الشهود أو من ترى المحكمة فائدة في الإستماع إليــه.
ـ تقوم المحكمة بإنتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين.
ـ في حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما.
ـ في حالة الصلح يتم تحرير محضر بذلك ويتم الإشهاد به من طرف المحكمة.

مركزية جهاز كتابة الضبط في مسطرة الصلح الأسري:
بالرغم من كون المشرع أوكل مهمة الصلح الأسري للمحكمة (القاضي المقرر) كما هو واضح من المواد: 81،82،94،95،96 من قانون مدونة الأسرة، إلا أن دور جهاز كتابة الضبط في هذه المهمة يبقى حاضرا بحكم الحالات التالية:
1 ـ إن جهاز كتابة الضبط هو أول من يضع يده على القضايا الأسرية، من خلال علاقته المباشرة مع المتقاضين والوافدين على أقسام الأسرة.
 وقد يجد أفراد هذا الجهاز أنفسهم تلقائيا،وبدون خطة عمل سابقة، منهمكين في إصلاح ذات البين بين الزوجين، في مكاتب الإستقبال والإرشادات، أو في صندوق المخصص لإستخلاص الرسوم القضائية أو ضمن الغرف الخاصة لقضايا الطلاق والتطليق.
2 ـ إن جهاز كتابة الضبط شريك أساسي في مسطرة الصلح وفق توجيهات المحكمة، وحسب ما تقتضيه مدونة الأسرة. فهو الذي يستدعي الزوجين لمحاولة الصلح، وهو الذي يدون وبدقة في محاضر الجلسات كل ما جاء على لسان الزوجين أو الشهود أو الحكمين أو أفراد مجلس العائلة، وكل ماراج خلال المناقشات بغرفة المشورة.
وبهذا يكون جهاز كتابة الضبط في حالة إطلاع تام على موضوع الصلح، مشارك فيه، ومتتبع لمراحله، إنه الشاهد على جميع الأطراف والحاضر في كل اللحظات التي تمر منها مسطرة الصلح، حتى في اللحظات الخارجة عن الحيز الزمني المخصص للجلسات.
ورغم كونه ( الكاتب الصامت) و ( الملاحظ الأبكم) خلال الجلسات، إلا أنه يعتبر العنصر المحوري في عملية الصلح الأسري ، لكونه يرى الأمور من زوايا مختلفة، فهو القادر على جمع مفردات هذه العملية، والمتمكن من تتبع جميع مراحلها، والمتنبئ بنتائجها، والمؤهل لفك رموزها.
3 ـ عرفت أقسام الأسرة بالمغرب بعض التجارب الخاصة والمتعلقة بدور كتابة الضبط في مسطرة الصلح الأسري، وقد أخذت هذه التجارب، كما هو شأن تجربة قسم قضاء الأسرة بالرباط ( خلال سنتي 2006 ـ 2008) طابعا نظاما رغم غياب السند القانوني، بحيث تم تشكيل لجنة متطوعة متكونة من ثلاث أفراد روعي في اختيارهم الكفاءة الجمعوية والتجربة الاجتماعية والقانونية، وتم اعتماد سجل غير نظامي خاص بذلك، قصد تدوين كل المعلومات الصادرة عن الزوجين ضمن لقاءات تعد خصيصا لذلك، وبعد أن يتم تشخيص الأزمة والوقوف على نقط الإختلاف، تبدأ عملية المصالحة والتوجيه.
وقد حققت هذه التجربة نتائج مرضية رغم إكراهات العمل بأقسام الأسرة، وبالرغم من إفتقاد هذه المبادرات للسند القانوني لكتابة الضبط في عمل قد يكون محفوفا بالمخاطر والإنزلاقات، وقد تختلط فيه الأدوار بين ما هو إداري يدخل في إختصاصه وبين ما هو إجتماعي تقوم به كتابة الضبط من منطلق خيري وإحساني.
وبالرغم من صعوبة تقييم هذا الدور التلقائي والعفوي الذي تقوم به مؤسسة كتابة الضبط في مجال الصلح الأسري، إلا أنه ومن خلال المعاينة الواقعية والتجربة الميدانية، يمكن القول أن هناك نتائج جد إيجابية يتم تحقيقها على هذا المستوى.


مسطرة الصلح الأسري: المعطيات الواقعية والإشكاليات التطبيقية المثارة

بالرغم من أن المشرع جعل مسطرة الصلح الأسري مسطرة إجبارية في دعاوى الطلاق والتطليق، إلا أنه وبإستحضار الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل والمتعلقة بقضايا الطلاق والتطليق، نجد أن مقتضيات الصلح الأسري ظلت نتائجه هزيلة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب.
 فحسب الإحصائيات المتعلقة بالأربع سنوات الأولى من عمر تطبيق مدونة الأسرة: شكلت نسبة الصلح بين الزوجين في دعاوى الطلاق والتطليق السدس1/6 من مجموع الأحكام القاضية بالطلاق والتطليق.
وفي حالة التطليق المعروضة على المحاكم ناهزت نسبة الصلح 6244 حالة من أصل 66958 حالة أي بنسبة 3.9 في المائة.
أما في حالة التطليق للشقاق فقد بلغت نسبة الصلح 5847 من أصل 58237 حالة.
وبالنسبة لقضايا الطلاق نجد نسبة الصلح تصل إلى 8512 حالة من أصل 27904 حالة طلاق.
وإنطلاقا من المعطيات الإحصائية وإعتمادا على التجربة الميدانية لكتابة الضبط في تتبع مسطرة الصلح الأسري، تكون تلك المعطيات وهذه المتابعات قد أبانت عن مجموعة من الإكراهات والإشكاليات نجملها فيما يلي:
1 ـ ظلت نتائج الصلح الأسري ضعيفة ونسبة الطلاق والتطليق في إرتفاع مستمر، كما أكدت ذلك الإحصائيات التي أعلنت عنها وزارة العدل يوم 10أكتوبر 2008، والتي تبين أن هناك إرتفاعا غير مسبوق في حالات الطلاق منذ تبني مسطرة (التطليق للشقاق)، هذه المسطرة التي أصبحت الحل المناسب لعدد من كبير من النساء والرجال سواء لإنهاء ميثاق الزوجية، بعد أن كانت عملية التطليق تتطلب سلك مساطر جد معقدة، غالبا ما تجد فيها المرأة صعوبة في إثبات الضرر، وقد ينتهي الأمر بتقديم تنازلات عن الحقوق مقابل الحصول على الطلاق.
فحسب إحصائيات 2007 نجد 21328 حالة تطليق للشقاق أي بزيادة 44 في المائة عن سنة 2006 مقابل 9983 حالة فقط سنة 2005.
2 – تراجع دور المؤسسات التقليدية والمرجعية في القيام بالصلح الأسري، بحيث تجد المحكمة صعوبة في اختيار الحكمين المناسبين للقيام بهذه المهمة النبيلة أحسن القيام، كما أنه وفي كثير من الأحيان يكون أفراد الأسرة متسببين بشكل أو بآخر في النزاع القائم بين الزوجين، مما يجعل تدخلهم تكريسا للخلاف وتعميق للنزاع وليس الصلح.
كما أن المشرع لم يحدد الشروط التي يجب أن يتوفر عليها الحكمان( العدل والإستقامة، التجربة الاجتماعية  والأسرية، معرفة القراءة والكتابة ، توفرالثقافة القانوية ..)
مما يتعذر معه القيام بالمطلوب وتنفيذ طلبات المحكمة، وإنجاز التقارير الثلاثة التي نصت عليها مسطرة الصلح.
3 - إنه وفي كثير من الحالات، وعند التشخيص الموضوعي لطبيعة المشكل القائم بين الزوجين، تظهر بقوة أن هذه المشاكل لا يمكن للحكمين معالجتها، وليس في وسعهم إيجاد حلول لها، وإنما تخرج عن قدراتهم التكوينية وكفاءاتهم العلمية.
بحيث تفرز مسطرة الصلح الأسري ظواهراجتماعية، تكون هي الأسباب الحقيقية للنزاع القائم بين الزوجين:( الفقر، البطالة، ظاهرة العنف الأسري، تناول المخدرات، مشاكل جنسية، الدعارة، الإدمان على القمار، سوء التدبير المنزلي، غياب التواصل، سوء التعامل مع الأطفال....).
إن عملية الصلح الأسري في الحقيقة تكشف لنا عن طبيعة المشاكل التي تعيشها الأسرة المغربية، وعن كونها بنيوية ومعقدة يرتبط بعضها ببعض، ولا يمكن معالجتها في لقاء أو لقائين ضمن جلسة داخل المحكمة أو جلستين.
4 - كثرة الملفات وتراكمها بأقسام الأسرة تجعل مسطرة الصلح الأسري عمليا مسطرة شكلية، بحيث لا تستطيع هذه المسطرة بلوغ الهدف الأساسي من إقرارها، وهو التخفيف من حدة الطلاق، وذلك بعد أن أصبحت وضمن زخم الملفات وكثرتها إجراء شكليا، ولم يتم إعتمادها كمرحلة أساسية من مراحل التقاضي بشروطها ومستلزماتها.
5 – إن إجراء الصلح الأسري يتطلب تكوينا خاصا بالعاملين في المجال، من قضاة وكتابة الضبط، تكوين يراعي طبيعة الإشكاليات التي يفرزها النزاع القائم بين الزوجين، والآليات المنهجية التي ينبغي إعتمادها لتحليل ومعالجة هذه الإشكالات التي قد تكون نفسية أو إجتماعية أو قانونية أو تربوية أو دينية...
6 ـ إن مسطرة الصلح لا تنتهي بانتهاء إجراءات الطلاق، وإنما يجب أن تراعي الجانب المتعلق بالأبناء في حالة وجودهم، وذلك بوضع آليات ضمن عملية الصلح للحفاظ على الأطفال، في ظروف سليمة ومناسبة، وجعلهم في منآى عن النزاعات المستمرة بين الأبوين.

مسطرة الصلح الأسري: الحلول والمستنتجات
منها ماهو عام، يرتبط بموضوع الصلح الأسري داخل المجتمع وبتفاعل لمؤسساته، ومنها ماهو خاص يدخل في إختصاصات القضاء الأسري، ويرتبط مباشرة بتفعيل الإجراءات المتعلقة بمسطرة الصلح الأسري كمسطرة قانونية، ويمكن أن نجمل هذه الحلول والمستنتجات فيما يلي:
1 ـ اعتماد الأسلوب الوقائي، وإشراك فعاليات المجتمع المدني في الصلح والإرشاد الأسريين بشكل عام، وذلك خارج إطار المحاكم الأسرية، وقبل أن يتم لجوء الطرفين المتنازعين إلى القضاء، ويمكن أن يباشر هذا الأسلوب الوقائي والمتعلق بالتوجيه والإرشاد والتوعية ضمن مؤسسات حكومية: كوزارة التنمية الإجتماعية والأسرية أو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أو بإشراك للمجالس العلمية ومؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في قضايا الأسرة.
2 ـ تفعيل دور مؤسسة(الوسيط) في الصلح الأسري: وذلك بتأهيل الوسيط الإجتماعي أوالوسيط الأسري وجعله قادرا على القيام بمهة الصلح الأسري قبل أن يلجأ الطرفين المتنازعين إلى المحاكم.
3 ـ إعتماد مكاتب خاصة بالصلح والإرشاد الأسري، يشرف عليها موظف من جهاز كتابة الضبط، تحال عليه الملفات قصد تنسيق عملية الصلح، إما مباشرة بين الطرفين المتنازعين، أو بحضور أحد أفراد مجلس العائلة، أو بحضور الحكمين، حسب ما تمليه المصلحة في ذلك.
 ويمكن لهذا الكاتب المنسق، أن يستعين بذوي الخبرة من مختلف التخصصات: النفسية والاجتماعية والأسرية والدينية والقانونية وفق ما تفرزه مرحلة تشخيص المشكل بين الطرفين، وحسب طبيعة المشكل القائم، ويمكنه السهر على إعداد تقرير مفصل يرفع إلى المحكمة حول نتائج محاولة الصلح، التي يفترض أن يكون قد ساهم فيها جميع المتدخلين المعنيين في حيز زمني معقول، لبسط المشكل والبحث عن الحلول المناسبة.
ويمكن في هذا المقترح الاستناد على المادة 82 من مدونة الأسرة التي تقضي بأن للمحكمة أن تقوم لتحقيق الصلح بكل الإجراءات، بما في ذلك اللجوء إلى من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين، ولعل كاتب الضبط مؤهل لذلك.
4 ـ تفعيل صندوق (التكافل الاجتماعي) والبحث عن موارد قارة لهذا الصندوق، حتى يتم تفادي العديد من المشاكل الناجمة عن الـتأخير الحاصل في تنفيذ قضايا النفقة، وما يترب عن ذلك من نزاعات أسرية جوهرها يتعلق بالجانب المادي ولا يمكن حلها بالحوار والنقاش. 
5 ـ إعتماد شهادة الكفاءة التكوينية لفائدة الراغبين في الزواج، وذلك بجعل هذه الشهادة إجبارية ضمن الوثائق المطلوبة من أجل الحصول على الإذن بالزواج والإشهاد عليه، ويمكن أن تسلم هذه الشهادة من مؤسسات حكومية تعنى بقضايا الأسرة، بعد أن يتم خضوع طالبها لتكوين مبسط وجذاب حول ماهية الزواج ومتطلباته الإجتماعية والقانونية والنفسية، ويمكن إستثمار هذا التكوين من أجل تمرير جميع الخطابات والرسائل التوجيهية المتعلقة بالأسرة المغريبة، كتنظيم الأسرة والتدبير المنزلي، والوقاية من بعض الأمراض الجنسية.
6 ـ نهج أسلوب المتابعة والتقييم لحالات النزاعات الأسرية الحادة والمفرطة، وذلك بإستدعاء يوجه إلى الطرفين لمعرفة وضعيتهم ورصد تطور حالتهم، أو للحد من النزاعات وتسويتها بالتراضي خاصة عند وجود أطفال، ويمكن لمكتب الصلح والإرشاد الأسري أن يقوم بذلك بتنسيق مع النيابة العامة بقسم قضاء الأسرة.


                         

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم