السبت، 30 نوفمبر 2013

مساواة الحقوق الدينية والواجبات الإسلامية بين الذكر والأنثى



 من كتاب " المرأة.. ماضيها وحاضرها"
 
منصور الرفاعي عبيد
 
 إن الإسلام ينظر إلى المرأة على أنها "إنسان", وهذه الكلمة وردت في اللغة العربية على أنها للذكر والأنثى... وقد وردت كلمة "إنسان" في القرآن أكثر من خمس وستين مرة, في حين لم ترد كلمة "إنسانة" ولا مرة واحدة, وهذا من باب التأكيد على أن الإسلام بصفة خاطب الإنسان بصفة عامة, حتى لا يستشعر أحد أن الإسلام وضع فرقاً بين الذكر والأنثى, حيث إن كل ما تضمنه الإسلام من عقائد, وعبادات, وأخلاق, ومعاملات, تتعلق بالإنسان - أي بكل فرد - وإن كان هناك بعض الاختلافات في التطبيق فذلك بحسب التكوين الجسماني لكل من الرجل والمرأة.. وعلى هذا الأساس, فإنه ليس هناك مشكلة للمرأة في ظل تطبيق النظم الدينية والأسس الإسلامية. ثم إنه لم يرد في القرآن أو السنة النبوية إشارة إلى مشكلة خاصة بالرجل أو المرأة وعاش المجتمع الإسلامي في هذا المناخ الكريم ولم تظهر أي إشارة إلى ما يسمى بالمشكلة, إلى أن خضع الشرق لسيطرة الغرب فطرح هذه المشكلة ليجر المجتمع الإسلامي إلى دوامة من المشاكل, خاصة ما أثاره من موضوع الميراث, وحق العمل, والمساواة فيه, وتنظيم الأسرة, وغير ذلك من المشاكل التي خطط لها الاستعمار وأعداء الإسلام بمهارة ودقة, ومع ذلك فكلها لها حلول واضحة لا لبس فيها ولا غموض. 
 
وإذا كان الغرب الآن يطرح قضية المساواة بين الرجل والمرأة, ومعاملتهما على قدم المساواة, فإننا نقول: إن هذا يتنافى مع تعاليم الإسلام, حيث خلق الله الذكر والأنثى وهما متساويان في الحقوق الدينية والواجبات الإسلامية, أما الوظائف الاجتماعية فإن الله منح كل نوع خصائص يتميز بها عن النوع الآخر, وكل نوع له وظائف مكلف بها تتفق والخصائص التي بنى الله عليها جسمه وتكوينه, فقد خص الله المرأة برسالة الأمومة, وخص الرجل برسالة الأبوة, ثم إن كل نوع له فضائل وخصائص لا ينبغي أن يتمنى أحدهما ما للآخر, لأن العلاقة تكاملية بين الاثنين وليست علاقة تصارعية. وإذا كانت المرأة لها استثناءات من حيث الشهادة والميراث وغير ذلك فهي مُسببة, ولها شروطها وقواعدها المقررة في كتب الفقه وشروح السنة النبوية. لهذا نقول للعالم: ليس عندنا مشكلة للمرأة أو صراع بين الجنسين, وأنهما جميعاً من نفس واحدة.
 
وصدق الله العظيم إذ يقول في أول سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}, ويقول سبحانه وتعالى في السورة نفسها: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.

والإسلام منح المرأة نصيبها من الحياة الكريمة عندما أشرق نوره وأسفر عن جو المشرق بالحياة الطيبة, وبالأمل المشحون بالخير, وبالأسلوب العظيم المتسم بالأدب والاحترام في الحياة الجديدة. ذلك حكم للحقيقة وللتاريخ, وليس لعاطفة الدين. ثم إن طبيعة المرأة الكامنة في نفسها إن وفقت إلى من يتعهدها ويصلح شأنها ويزيل العوائق من أمامها كانت سبيل الكمال والنهوض بالأمة, إذ هي الخير كل الخير, وهي الأستاذة الكبيرة للأجيال... وإن هي منيت بمن يموه لها الباطل ويزين لها الشر ويغويها ويدفع بها إلى الفساد والانحراف, انعكست آيتها, وانتكست حالتها, وأهدرت كرامتها. وإن هي تركت وأمرها وخليت وسبيلها كان شأنها كشأن دقائق الكنوز في قفر الأرض, تتحول الأزمنة وتتبدل الأمم وهي على حالها, لا خير فيها, ولا أثر لها, لذلك طرح المصلحون سؤالاً: أي طرق التربية أصلح للمرأة وأثر في حياتها؟ وكانت الإجابة: الدين.... فهو الكفيل بإصلاح حال المرأة.

لقد نهض الإسلام بالمرأة ورفع من شأنها, وكان أثرها في تكوين الرجال وتصريف حوادثه أشبه ما يكون بأثر الغدير الهادئ الفياض في زهر الحدائق والبساتين. وتعالوا بنا نطالع صفحة من تاريخنا الذي نعتز به ونطرب له, فسنجد أن المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها سجلت أروع الصفحات بعظائم الأمور مع مشاركتها للرجل في سياسة الأمة, وولاية الأمر, وجد العمل, ومختلف شئون الحياة.. وكانت مع ذلك تستقبل بعواطف فياضة, يظهر أثر ذلك في قلبها الخفاق الذي يفهم ويعي ويدرك الأمور بذكاء وشفافية.
لقد رفع الله مكانة المرأة إلى المنزلة السامية ليكل إليها أشرف منازل الحياة, لأنها أستاذة الأساتذة في التربية والتنشئة, والتعليم والتوجيه, لذلك فهي ليست بالمخلوق الضعيف, فلقد احتملت على مر العصور الكثير من عَنَت الأيام, وظلم الأهل والعشيرة, وتكبر الرجل وتجبره, ومشقة الحمل, ووصب الوضع, وسهر الليل بجوار الطفل, وما تعانيه من قيام بحقوقه ورعايته بنفس رضية, وعاطفة جياشة, وقلب عطوف, لذلك فهي دعامة الكون الذي لا يزال ناهضاً قوياً, ما نهضت هي به, فإن هي ضعفت وتخاذلت تهاوت عُمُده, وتصدع بنيانه, ومن هنا قيل عنها:

                                الأم مدرسة إذا أعددتها          أعددت شعباً طيب الأعراق

كانت المرأة شريكة في حياة الرجل, فقد أوصى الأصمعي من يريد الزواج بقوله: "إذا هممت بالزواج وأخذت في الاختيار فإياك أن يغلبك هواك على عقلك, فتؤثر بريق الجمال العاري من الكمال على كريم الخلال, وشريف الخصال, فأنت تختار شريكة العمر, وعشيرة الدهر, ولست تختار اليوم لتتحلل غداً, وإذاً فمن الخير تغليب العقل على الهوى. فمن صواب الرأي استعمال الأناة والتؤدة إلى أن تظفر بذات الدين والخلق فتؤثرها بالاختيار على غيرها من سائر النساء. وفي ذلك السعادة الزوجية التي لا تكلفك من أمرها عسراً, ولا تطلب ما لا قدرة عليه, ترضى بالمقسوم وتكون معك الأيام, ولا تكون الأيام عليك... لا تتشكَّى ولا تتسخَّط, إن وجدت حمدت, وإن لم تجد صبرت... تملأ دارها أمناً ورضى واطمئناناً... زوجها منها في يسر ومسرة, وولدها معها في خير. هي خير النساء جميعاً".

ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: "النساء ثلاثة: هيِّنة ليِّنة مسلمة, تعين أهلها على العيش ولا تعين العيش على أهلها.. والثانية وعاء للولد, ولودٌ تنجب... والثالثة: غُلٌّ يضعه الله في عنق من يشاء".

وسئل خالد بن صفوان: أي الزوجات أفضل؟؟؟ قال: "التي تطيع زوجها, وتلزم بيتها... إذا غضبت حلمت, وإذا ضحكت تبسَّمت, وإن صنعت شيئاً جوَّدت, وإن قالت صدقت... العزيزة في قومها, الذليلة في نفسها, الودود الولود التي كل أمرها محمود".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم