الأحد، 1 ديسمبر 2013

الحضانة و النفقة في القانون المغربي --



تقديم:

قطع المشرع المغربي أشواطا مهمة في إعادة الهيكلة مضمونا وصياغة لمدونة الأحوال الشخصية انطلاقا من مدونة 1959 مرورا بتعديات 1993، ووصولا إلى مدونة الأسرة الجديدة، حيث نلمس بشكل جلي أن المشرع المغربي حاول أن يخلق الانسجام بين طبيعة المجتمع المغربي ذو المرجعية الإسلامية والمتشبعة بالعادات والتقاليد وكذا التزام المغرب على المستوى الدولي وخاصة الاتفاقيات الدولية التي انضم إليها المغرب وأصبح ملتزما اتجاهها.

فالانتقال من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة ليس انتقال شكليا بل جوهريا استهدف حماية الأسرة برمتها. فالمشرع المغربي لا يجب أن يبقى مكتفيا بما جاء في مقتضيات هذه المدونة، بل يجب أن يواكب كل التعديلات والمستجدات وأن يحاول تطبيقها ومسايرتها، حفاظا على الأسرة وتحصينا للمقومات الاجتماعية والثوابت الخلفية لبنية وجوهر كل مجتمع.

ومما تجب ملاحظته حول هذه المدونة أنها أتقلت كاهل القضاء بحيث أصبح لهذا الأخير دورا أساسيا في مجمل مراحلها ابتداء من الخطبة، ومرورا بالزواج ووصلا إلى انحلال ميثاق الزوجية.

هذا وأهم ما ورد في المدونة من إصلاحات جوهرية خلاف ما ورد في مدونة الأحوال الشخصية نجد:

تبني صياغة حديثة بدل المفاهيم القديمة التي تعتبرها مدونة الأسرة تمس بكرامة المرأة وإنسانيتها وجعل مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين.

ثم جعل الولاية حقا للمرأة الرشيدة، تمارسها حسب اختيارها ومصلحتها.

بالإضافة إلى تبسيط إجراءات الزواج للأشخاص المقيمين بالخارج إلى غير ذلك من التعديلات. إلا أن ما يهم منها ما يتعلق بالحضانة والنفقة بحكم أنهما مكونان يؤسسان كيان الأسرة الاجتماعي والقانوني. خصوصا إذا علمنا أن الحضانة تؤثر إما بالإيجاب أو السلب على استقرار وحسن تربية المحضون (الطفل) وخصوصا عند انحلال ميثاق الزوجين.

الشيء الذي تترتب عليه ضرورة الحرص على توفير الرعاية اللازمة والملائمة للطفل وذلك من خلال وجود إطار قانوني محكم ينظم أحكام الحضانة وهو ما نلمسه من خلال أحكام الأسرة والمنصوص عليه في المواد من 163 إلى 186 من م. أ. هذا من جهة.

ومن جهة ثانية لا تقل النفقة أهمية عن الحضانة داخل الهيكل القانوني لمدونة الأسرة، حيث جاءت هي الأخرى بمجموعة من المقتضيات التي تصب في صالح الأطراف المستفيدة منها ( الزوجة والآباء، والأبناء بالإضافة إلى الالتزام بالنفقة ) والتي نصت عليها المواد من 187 إلى 205 من مدونة الأسرة.

وعموما إذا كانت المدونة الجديدة قامت على أساس مجموعة من المستجدات، وموازاة مع عدة إشكالات مرتبطة بها، فإن هذه الأخيرة لا يمكن أن تفعل إلا من خلال ضوابط اجتماعية وقانونية وحتى سياسية في بعض الأحيان.

وهذا ما سنعالجه من خلال المبحثين، حيث سنخصص الأول منه لأهم الإشكالات التي تطرحها المستجدات المتعلقة بالحضانة ودور القضاء في التعامل معها، ونخصص المبحث الثاني لقراءة للنفقة.


المبحث الأول:

أهم الإشكاليات التي تطرحها المستجدات المتعلقة بالحضانة ودور القضاء في التعامل معها.



من المتفق عليه أن الطفل يحتاج لرعاية خاصة من الأبوين نظرا لدورهما الفعال في تكوين نفسية وشخصية هذا المولود.

فغياب أحدهما يؤثر لا محالة سلبا على استقراره وحسن تربيته. خاصة عند انحلال ميثاق الزوجية لأي سبب من الأسباب. الشيء الذي يترتب عليه ضرورة الحرص على توفير الرعاية اللازمة والملائمة من أجل نشأة هذا الطفل.

وذلك من خلال وجود إطار قانوني محكم ينظم أحكام الحضانة خاصة عند انحلال ميثاق الزوجية وهو ما نلمسه من خلال أحكام مدونة الأسرة وخصوصا ما جاءت به من مستجدات على مستوى الأحكام المتعلقة بالحضانة هذه الأخيرة التي حاول المشرع المغربي من خلالها أن يكون منسجما مع إتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 نونبر 1989 والتي دخلت حيز التنفيذ على المستوى الدولي بتاريخ 2 شتنبر 1990. وإن تحفظ على ما جاءت به المادة 14 من هذه الإتفاقية والمتعلقة بالحرية الدينية لطفل[1].

لكن وإن كان المشرع المغربي قد نجح من خلال هذه المستجدات في تحقيق الانسجام المنشود فإنه رغم ذلك وضع نفسه عرضة لمجموعة من الانتقادات خاصة فيما يتعلق بعدم التوفيق بين إلتزامات المغرب علي المستوى الدولي وكذا المرجعية الإسلامية التي تفرض الرجوع إلى أحد المذاهب الفقهية السائدة في العالم الإسلامي وهذا ما يتضح بشكل جلي على سبيل المثال عند رجوعنا إلى معظم المذاهب الفقهية السائدة نجدها لم تجعل أب المحضون يتبع أمه في إستحقاق الحضانة[2] ونتيجة لذلك أفرز لنا هذا الوضع مجموعة من التساؤلات والإشكاليات خصوصا على مستوى مستجدات الحضانة (المطلب الأول) والتي أصبح القضاء يعاني عند مواجهتها، الشيء الذي يدفعنا للبحث عن السبيل الذي سلكه القضاء عند تعامله مع ما تطرحه مستجدات الحضانة من إشكاليات (مطلب ثاني).



المطلب الأول : مستجدات المتعلقة بالحضانة وأهم ما أفرزته من إشكاليات.

قبل الحديث عن مستجدات الحضانة وكذا الإشكاليات التي تطرحها، نود التوقف أولا عند الحضانة من حيث تعريفها وأهميتها وسندها الشرعي.

والفرق بينها وبين النفقة والولاية

وعليه فإننا سنقسم هذا المطلب إلى محورين:

نخصص المحور الأول لتعريف الحضانة والمحور الثاني لمستجدات الحضانة وما تطرحه من إشكاليات.



المحور الأول: الحضانة تعريفها وأهميتها وسندها الشرعي.

أولا: تعريف الحضانة.

الحضانة لغة: من الحضن وهو الصدر مما دون الإبط وحضن الشيء جعله في حضنه أي ضمه إلى صدره. وحضن الطائر بيضه حضنا وحضانا: ضمه تحت جناحيه. والحضانة (بالفتح والكسر) إسمه منه.

الحضانة فقها: كما عرفها الفقيه المالكي ابن عرفة هي : حفظ الولد في نفسه ومؤونة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسده.

فالحضانة إذن هي : المحافظة على الطفل من كل ما يضره والقيام بلوازمه إلى أن يستغني عن خدمات النساء.

الحضانة قانونا: حسب (المادة 163) من مدونة الأسرة فهي "حفظ الولد مما قد يضره والقيام بتربيته ومصالحه" والملاحظ أن كلا التعريفين الفقهي والقانوني متقاربان. إلى حد كبير.


ثانيا: أهمية الحضانة:

لقد شرع الله سبحانه وتعالى الزواج ليتعاون الزوجان على تربيته أولادهم وتوفير حاجيتهم المادية وغيرها. وتأمين الخدمات الضرورية لهم. فإن انتهت الزوجية فإن حضانة الأولاد تفرض على النساء القريبات لهؤلاء الأولاد من أم وجدة وأخت وغيرهن كما هو معروف من أن النساء أقدر من الرجال على القيام بهذه المهمة. و تنتقل الحضانة إلى الرجال إلا عند عدم وجود النساء القريبات. وتكمن أهمية الحضانة في كون الإنسان يولد صغيرا عاجزا عن العناية بنفسه محتاجا إلى غيره متوقف على من يطعمه ويكسوه ويؤويه. وطبيعة هذه الاحتياجات هي التي جعلت من النساء الأصلح لتأدية مهمة الحضانة، حيث يقول ابن رشد "وهي واجبة إجماعا –أي الحضانة- لأن تركها تضييعا للولد لأنه خلق ضعيفا يفتقر لكافل يربيه حتى يقوم بنفسه فهو فرض كفاية إن قام به قائم سقط على الباقين".



ثالثا: السند الشرعي للحضانة:

لقد أجمع كافة الفقهاء على أن السند الشرعي للحضانة، يتمثل فيما رواه عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: "يا رسول الله إن ابن كان بطني له وعاء وثدي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال لها رسول الله "ص" أنت أحق به ما لم تنكحي". (رواه أحمد وأبو داوود وصححه الحاكم).

ويبدو جليا من خلال الحديث أن الأم أحق بحضانة ولدها إذا أراد الأب انتزاعه، منها فقد ذكرت هذه المرأة صفات اختصت تقتضي استحقاقها وأولويتها بحضانة ولدها وأقرها الرسول "ص" على ذلك وحكم له. وهو نفس الحكم الذي حكم به صحابة الرسول الكرام أبو بكر وعمر ، وهو ما يفسر أن الحكم لا خلاف.

ومما يستنتج كذلك من هذا الحديث أن حق الحضانة يسقط عن الأم مباشرة بعد زواجها وهو نفس ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.

رابعا: الفرق بين الحضانة والنفقة والولاية.

سبب التطرق إلى هذه التفرقة هو الحيلولة دون الوقوع في الخلط بين الحضانة والنفقة والولاية.

فالحضانة: كما سبق التطرق إلى ذلك هي القيام بلوازم الطفل من أكل وشرب وتنظيف وهي من لوازم النساء إلى حين استغناء الصغير عنهن وبعدها ترجع إلى الرجال.

أما النفقة: فهي إنفاق الأب عن أولاده القاصرين إلى حين بلوغهم سن الرشد أو إتمام الخامسة والعشرين لمن يتابع دراسته، وبالنسبة للبنت إلى حين وجوب نفقتها على زوجها، ويستمر إنفاق الأب على أولاده المصابين بإعاقة والعاجزين عن الكسب (المادة 128 من مدونة الأسرة).

أما الولاية: هي تدبير شؤون القاصر أو المحجور ومراقبة أحواله، وهي تكون أصلا للأب في حياته ولوصيه إن ترك وصيا أو للمقدم أو القاضي في حالة وفاة الأب والذي لم يترك وصيا وهو ما يعرف بحالة الإهمال، وهي إما ولاية عن النفس أو ولاية عن المال.

فالولاية عن النفس: هي السلطة التي يعطيها السلطة للأب أو الوصي أو المقدم، لمراقبة القاصر وتوجيهه ومن ضمنها ولاية الزواج بالنسبة للبنت.

الولاية على المال: هي السلطة التي يعطيها الشرع للأب أو وصيه أو المقدم في حالة وفاة الأب لإدارة أموال القاصر وتدبيرها إلى أن يبلغ سن الرشد.



المحور الثاني: مستجدات الحضانة والإشكالات المرتبطة بها.

أولا: مستجدات الحضانة.

تناول المشرع المغربي أحكام الحضانة في القانون 30-70 والمسمى بمدونة الأسرة في الكتاب الثالث المخصص للولادة ونتائجها. وقسمه إلى ثلاث أقسام، القسم الأول منه للبنوة والنسب، والقسم الثاني للحضانة والقسم الثالث للنفقة.

ثم بوب القسم الخاص بالحضانة إلى أربعة أبواب، الباب الأول للأحكام العام والباب الثاني لمستحقي الحضانة وترتيبهم، والباب الثالث لشروط استحقاق الحضانة وأسباب سقوطها والباب الرابع لزيارة المحضون.

وإذا ما قارنا بين المدونة القديمة والجديدة نجد أن مدونة الأسرة أكثر مواد وتقسيما وتبويبا من مدونة الأحوال الشخصية.

وبالنسبة للمستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة فإننا سنتناولها في عناوين جزئية على الشكل التالي:

1: التعريف .

إحتفظ المشرع بتعريف الحضانة في(المادة 163) كما ورد في المدونة القديمة مع إضافة فقرة ثانية عبارة عن شرح وتوضيح وتفصيل لما أجمل في التعريف ونص هذه الفقرة:" على الحاضن أن يقوم قدر المستطاع بكل الإجراءات اللازمة لحفظ المحضون وسلامته في جسمه ونفسه والقيام بمصالحه في حالة غيبة النائب الشرعي وفي حالة الضرورة إذا خيف ضياع مصالح المحضون ".

2: التنازل عن الحضانة أو عدم توفر شروطها.

تحدث المشرع في المادة (165) عن حالتين:

الحالة الأولى: إذا لم يوجد بين مستحقي الحضانة من يقبله.

الحالة الثانية: إذا لم تتوفر الشروط في مستحقي الحضانة.

في هاتين الحالتين فإن من يعنيه الأمر ممن له المصلحة من الأقارب أو النيابة العامة لهما الحق في رفع دعوى إلى المحكمة لتختار من تراه مناسبا للقيام بالحضانة إما : من أقارب المحضون أو من غيرهم أو إحدى المؤسسات المؤهلة لذالك .

3: مدة الحضانة .

وهي أهم تعديل مستجد جاءت به مدونة الأسرة فيما يخص الحضانة فقد قامالمشرع في الفصل (166) بتوحيد مدة الحضانة بالنسبة للذكر والأنثى ورفعها إلى سن الرشد القانوني وهو (18) سنة حسب المدونة الجديدة بعد أن كان (12) سنة لذكر و 15 سنة للأنثى في مدونة الأحوال الشخصية.

كما قام أيضا بتوحيد ورفع سن اختيار المحضون لحاضنه من أحد أقاربه بشروط هي:

- عدم وجود أبويه.

- ألا يتعارض ذالك مع مصلحته.

- و أن يوافق نائبه الشرعي.

- وفي حالة عدم الموافقة يمكن رفع دعوى إلى القاضي ليبت وفق مصلحة القاصر.

4: تكاليف سكنى المحضون.

قررت المادة (168) من مدونة الأسرة مجموعة من التدابير الضرورية لضمان استمرار سكنى المحضون وهي تدابير جديدة لا أثر لها في المدونة القديمة وهي:

- تكاليف سكنى المحضون مستقلة في تقديره عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرها.

- يجب على الأب أن يهيئ لأولاده محلا لسكناهم ويؤدي مبلغ كرائه ‘ذا كان مكتريا حسب تقدير المحكمة لأجرة الكراء.

- لا يفرغ المحضون من بيت الزوجية إلا بعد أن تنفيذ الأب للحكم الخاص بسكنى المحضون أي بعد أن يوفر السكن للمحضون .

- يجب على المحكمة في الحكم الذي تصدره في هذا الشأن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان استمرار تنفيذ الحكم الخاص بتوفير سكنى المحضون من قبل الأب المحكوم عليه.

5: إعادة النظر في الحضانة لمصلحة المحضون .

أجاز المشرع للمحكمة أن تعيد النظر في الحضانة إذا كان ذالك في مصلحة المحضون حسب ما ورد في الفقرة الثانية من المادة (170) و المادة (186).

6: مستحقو الحضانة وترتيبهم .

تعتبر المادة (171) من مدونة الأسرة من أهم المستجدات التي جاءت بتعديل بالغ الأهمية ، مخالفة بذالك ما تضمنه الفصل (99) من مدونة الأحوال الشخصية و التي كان ترتيب مستحقي الحضانة حسبه على الشكل التالي :

الأم- ثم أمها- ثم أم أمها- ثم أخت أمها الشقيقة – ثم التي لأمها- ثم للأب – ثم....إلخ.

في حين نجد أن المادة (171) من مدونة الأسرة جعلت الأب في المرتبة الثانية من بعد الأم وجعلت بعده أم الأم واعتبر باقي الأقارب سواء من جهة الأم أو من جهة الأب في مرتبة واحدة ، يخضعون لسلطة التقديرية للمحكمة حيث تكون الحضانة هنا بناءا على طلب يتقدم به أحد الأقارب ، فتكون للمحكمة السلطة التقديرية في قبوله أو رفضه.


7: الاستعانة بمساعدة اجتماعية لضمان السكن اللائق للمحضون.

إمعانا من المشرع في توفير السكن اللائق للمحضون أسند إلى المحكمة في (المادة172) الحق في الاستعانة بمساعدة اجتماعية تقوم بزيارة السكن المخصص للمحضون وإنجاز تقرير حول ما يوفره من الحاجيات الضرورية المادية والمعنوية للمحضون.



8: شروط استحقاق الحضانة.

المادة (173) من مدونة الأسرة عدلت الفصل (98) من القانون القديم وأضافت إليه بعض الشروط الأخرى وهي:

- الرشد القانوني لغير الأبوين (عبر عنه الفصل 98 بالعقل و البلوغ).

- عدم زواج طالبة الحضانة غلا في الحالات المنصوص عليها في المادتين(174 و 175) .


9: أسباب سقوط الحضانة المستحدثة.

من أسباب سقوط الحضانة حسب مدونة الأسرة نجد:

أ‌- إذا وقع تغيير في وضعية الحاضن خيف منه إلحاق الضرر بالمحضون سقطت الحضانة وانتقلت إلى غيره (الفقرة الأخيرة من المادة 173)

ب‌- زواج الحاضنة الأم إلا في الأحوال الآتية :

- إذا كان المحضون صغيرا لم يتجاوز سبع أو يلحقه ضرر من فراقها

- إذا كان بالمحضون علة أو عاهة تجعل حضانته مستعصية على غير الأم.

- إذا كان زوجها قريبا محرما أو نائبا شرعيا للمحضون.

وحسب الفقرة الأخيرة من (175) أعلاه فإن تكاليف سكن المحضون وأجرة الحضانة تسقط عن الأب في حالة زواج الأم الحاضنة ولا يبقى على الأب إلا نفقة المحضون.


10: وجوب إخطار النيابة العامة بكل الأخطار التي تحدق بالمحضون.

حسب (المادة177) من مدونة الأسرة فإنه يتعين على الأب و أم المحضون والأقارب وغيرهم إخطار النيابة العامة بكل الأضرار التي يتعرض لها المحضون لتقوم بواجبها بما في ذالك إسقاط الحضانة.


11: منع السفر بالمحضون إلى الخارج.

أقرت المادة(179) انه يمكن للمحكمة أن تقرر منع السفر بالمحضون إلى خارج المغرب دون موافقة نائبه الشرعي إما بناءا:

- على طلب النيابة العامة.

- أو طلب من النائب الشرعي للمحضون.

وتتولى النيابة العامة تبليغ هذا القرار إلى الجهات المختصة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه.



12:إجراءات تنظيم زيارة المحضون.

قررت (المادة 184) من مدونة الأسرة أنه في حالة إخلال أو تحايل أحد الأطراف على تنفيذ الإنفاق المنظم للزيارة المحضون فإنه يؤدي إلى إسقاط حق الحضانة عن المتحايل.

كما قررت المادة 185 أنه في حالة وفاة أحد والدي المحضون فإنه يحل محله أبواه في حق الزيارة.



ثانيا: أهم إشكاليات مستجدات مدونة الأسرة المتعلقة بالحضانة.

بعد أن تطرقنا لمجمل القضايا المستجدة التي جاءت بها مدونة الأسرة في موضوع الحضانة ، كان من اللازم علينا أن نقوم بمحاولة لرصد أهم الإشكاليات التي تطرحها هذه المستجدات والتي تعترض طريق العمل القضائي ، فكان السبيل هو القيام بجرد ليس لكافة الإشكاليات وإنما لأهمها و التي طرحتها المستجدات السابقة الذكر على مر الست سنوات من وجودها، على أن نتطرق في المطلب الثاني لدور العمل القضائي في مواجهة هذه الإشكاليات.

وعليه فإننا سنحاول رصد هذه الإشكاليات من خلال عناوين جزئية على الشكل التالي:

1- سكنى المحضون الرضيع:

إذا كان من أهم مستجدات مدونة الأسرة في موضوع الحضانة تلك المتعلقة بفصل تكاليف سكنى المحضون وجعلها مستقلة عن النفقة وأجرة الحضانة ، وإذا كان الأب مطالب بتوفير محلا لسكنى للمحضون ، فإن الإشكال المثار هنا هو هل يدخل الرضيع في مرحلة الرضاع ضمن خانة المحضون الواجب توفير السكن له خصوصا وأن الجدال في هذه الحالة يثار حول ما مدى حاجة الرضيع لسكن خلال فترة الرضاع.

2- زواج الأم الحاضنة وأثره على تكاليف سكنى المحضون وأجرة الحضانة.

إذا كانت المادة 175 من مدونة الأسرة تعفي الأب من تكاليف سكنى المحضون وكذا من أجرة الحضانة في حالة زواج الأم الحاضنة فإن التساؤل يثار هنا هو هل يعفى الأب في الحالة التي يتم اختيار الأم من طرف المحضون بعد بلوغه سن الاختيار.

3- تنازل الأب عن حقه في الحضانة.

كذالك فإن من أهم الإشكاليات التي تطرحها لنا الأحكام المتعلقة بالحضانة . الحالة التي يتنازل فيها الأب عن حقه في الحضانة لفائدة الأم بعد الطلاق ، ثم يتبين بعد ذالك وجود سبب من أسباب سقوط الحضانة عن الأم كزواجها من أجنبي مثلا

فالإشكال هنا هو هل تنتقل الحضانة إلى الأب أو يعتبر التنازل بمثابة مانع ناتج عن التزام قانوني يحول دون استحقاق الأب للحضانة

4- سقوط الحضانة عن الأم واختيارها من طرف المحضون

وفي نفس سياق الإشكال السابق فإن التساؤل يثار من جديد في الحالة التي يسقط حق الحضانة عن الأم بعد أن تتزوج بغير محرم لكن يتم في نفس الوقت أو قبله أو بعده اختيارها من طرف المحضون البالغ سن الإختيار كحاضنة يستمر في العيش تحت رعاية حضانتها.فهل تسقط الحضانة عن الأم أم يحول اختيارها من قبل المحضون دون ذالك؟

وكذالك يمكن أن نتساءل عن كيف يمكن للأب ان يباشر حقه في الحضانة إذا سقطت عن الأم بعد زواجها ، فهل يباشر حقه مباشرة بعد ثبوت واقعة الزواج أم يكون مقيدا برفع دعوى قضائية من أجل استخلاص هو له أصلا بقوة القانون

5- إثبات ضرر المحضونة من جراء نقل الحضانة.

إن سقوط حف الحضانة عن الأم بعد زواجها ينقل مباشرة الحضانة للأب شريطة أن يكون المحضون تجاوز 7 سنوات باستثناء إذا تبين أن المحضون لحقه ضرر من جراء هذا الانتقال في حق الحضانة لكن الإشكال هنا هو كيف يمكن إثبات هذا الضرر وما هي الوسائل الإثباتية التي يمكن الاعتماد عليها خصوصا وأن الحديث هنا على احتمال فقط.

هذه مجموعة لأهم الإشكاليات التي تطرحها مستجدات مدونة الأسرة فيما يتعلق بأحكام الحضانة ، والتي لم يكن ممكننا لنا استخلاصها لولا أنها اعترضت سير عمل القضاء ، خاصة وأن الملاحظ هو خضوع معظم هذه المستجدات لمراقبة وتتبع القضاء لها ، باعتباره المسئول عن تنزيل هذه المستجدات إلى أرض الواقع وهذا ما يجعل مسؤولية القضاء جسيمة وعظيمة جدا.

وعليه فإننا سنتطرق في المطلب الثاني إلى نفس الإشكاليات السابقة الذكر لكن هذه المرة من خلال قراءة للعمل القضائي وكيف تعامل معها، محاولين القيام بجرد لأهم القرارات والأحكام القضائية التي عالجت هذه الإشكاليات.



المطلب الثاني: قراءة للعمل القضائي بخصوص الإشكاليات المتعلقة بمستجدات الحضانة:

لقد واجه القضاء المغربي مجموعة من المشاكل والصعوبات بعد صدور مدونة الأسرة. وخصوصا خلال المرحلة الانتقالية من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة. حيث أصدر المجلس الأعلى مجموعة من القرارات[10] المتعلقة بالفصل بين المدد قبل وبعد صدور مدونة الأسرة. وكذا كيفية احتساب المدد والنفقة وأجرة الحضانة بين مدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة.

رغم تعدد الإشكاليات المتعلقة بأحكام الحضانة القضائي من خلال مجموعة لأهم القرارات والأحكام الصادرة سواء عن المجلس الأعلى أو المحاكم الاستئنافية للمملكة، وسنحترم نفس النهج والمنوال الذي اخترنا للاشتغال على أساسه في المحور السابق.

وعليه فإن قراءتنا للعمل القضائي ستكون على شكل محاور منفصلة عن بعض نخصص كل محور لإشكال معين وكيف عالجه القضاء.



أولا: سكنى المحضون الرضيع:

لقد سبق الإشارة إلى أن توفير الأب السكن للمحضون الرضيع يعد من أبرز الإشكاليات التي واجهت العمل القضائي.

حيث أن ما يثار حول هذه المسألة هو هل يكون الرضيع محتاجا للمسكن خلال فترة رضاع. وهل يمكن للحاضنة سواء كانت أم أو غير أم المطالبة بتكاليف سكنى الرضيع المحضون. برجوع إلى القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالجديدة نجد أنها أقرت صراحة أن مسكن الرضيع المحضون في مدة الرضاع هو حجر أمه. وأنه لا حق للحاضنة – سواء أما أو غير ذلك- في تكاليف سكنى الرضيع المحضون.



ثانيا: زواج الأم الحاضنة وآثاره:

سنتطرق في هذا المحور إلى أهم الإشكاليات التي يطرحها زواج الأم الحاضنة وما يخلفه من أثار.

الإشكال الأول:

هذا الإشكال متعلق بالحالة التي تتزوج فيها الحاضنة بالأجنبي ويكون المحضون لم يبلغ بعد سن سبع سنوات حيث يظل تحت حضانة أمه.

وإذا كانت المادة 175 من مدونة الأسرة تعفي الأب في هذه الحالة من تكاليف سكنى المحضون فهل يعفى كذلك من أجرأة الحضانة.

بالرجوع إلى المادة 175 نفسها نجد أنها تقر صراحة على أن زواج الأم التي تتوفر على أحد الأسباب التي لا تسقط عنها حق الحضانة يعفي الأب من تكاليف السكنى وكذا أجرة الحضانة.

وهو ما ذهب إليه أحد قرارات المجلس الأعلى عندما أقر على أن"أنه بمقتضى المادة 175 من مدونة الأسرة الساري المفعول اعتبارا من 05/02/2004 فإن زواج الأم الحاضنة يعفي الأب من تكاليف سكنى المحضون وأجرة الحضانة والمحكمة لما قضت بأجرة حضانة المطلوبة في الطعن عن المدة اللاحقة لدخول مدونة الأسرة حيز التطبيق تكون قد خرقت القانون مما يعرض قرارها للنقض الجزئي بهذا الخصوص...".

الإشكال الثاني:

تعتبر الحالة التي تتزوج الحاضنة الأم أو غير الأم من أجنبي ليس من المحارم. الشيء الذي يعتبر من موجبات سقوط حق الحضانة عنها إذا لم يوجب أحد الاستثناءات الواردة في المادة 175 لكن الإشكال الوارد هنا هو الحالة التي يكون فيها الأب قد تنازل عن حق الحضانة قبل ذلك فهل هذا الزواج ينقل حق الحضانة إلى الأب مباشرة بعد سقوطها عن الأم أم أن تنازل الأب يحول دون ذلك.

وبرجوعنا إلى العمل القضائي قصد رصد التوجه الذي سلكه بخصوص هذا الإشكال نجد أن القرار الصادر عن الغرفة الشرعية للمجلس الأعلى ذهب إلى اعتبار أن زواج المطلقة بأجنبي لا يسقط الحضانة عنها إذا كان هناك تنازل من الأب عن حقه في الحضانة وأن تنازل الأب عن حضانة أبنائه لمطلقته يلزمه ولو تزوجت بأجنبي.

الإشكال الثالث:

ومن بين الإشكاليات التي يطرحها زواج الأم من أجنبي والذي يوجب سقوط حق الحضانة عنها. الحالة التي يتم اختيارها من قبل المحضون البالغ سن الاختيار من أجل أن يستمر تحت حضانتها، وكما سبق الإشارة إلى ذلك فهل نطبق مقتضيات المادة 175 وبالتالي نسقط حق الحضانة عن الأم، أم أن القضاء يرضخ لرغبة المحضون في اختيار أمه كحاضنة له.

وبرجوعنا إلى العمل القضائي نجد القرار الصادر عن الغرفة الشرعية للمجلس الأعلى بتاريخ 31/05/2006 ذهب إلى الإقرار ببقاء الحضانة للأم وأن بلوغ المحضون سن الاختيار لا يسقط حضانة أمه إن اختار الاستمرار في حضانتها ولو تزوجت بغير محرم.

الإشكال الرابع:

ومن بين الإشكالات المثار حول زواج الأم من أجنبي هي هل يكون الأب مطالبا برفع دعوى قضائية لطلب حق الحضانة بعد سقوطها عن الأم؟ أم أنه يباشرها مباشرة بعد حصول الزواج بالأجنبي؟

ولقد أجاب المجلس الأعلى عن هذا التساؤل معتمدا في توجهه بخصوص هذا الإشكال على الفقه وعلى القانون. بحيث جاء في القرار الصادر عن الغرفة الشرعية والمؤرخ في 28/07/2004 ما يلي: "تكون الحاضنة قد أسقطت حقها في الحضانة بزواجها بأجنبي وعلى الأب أن يطالب بحقه في الحضانة قبل مرور السنة التي نص عليها الفصل 106 (المادة 176 من م. أ)، إلا أنه يمكن للأب أن يبادر إلى استعمال حقه هذا قبل مرور السنة بدون دعوى قضائية. لأن الأصل كما يقول الشيخ الخليل " من قدر على شيء فله أخذه إن يكن عقوبة أو من فتنة و رذيلة" وهذه المسألة تعرف عند الفقهاء بمسألة الظفر بمعنى أن الإنسان إذا كان له حق عند غيره وقدر على أخذه فإنه يجوز له أخذه منه. وهذا ما قام به الطاعن عندما أخذ حقه قبل مرور سنة، باعتبار أن المطلوبة قد أسقطت حضانتها باختيارها".

الإشكال الخامس:

تنتقل حضانة المحضون الذي تجاوز سبع سنوات مباشرة إلى الأب بعد زواج الأم بأجنبي، لكن هذه القاعدة يوجد استثناء وارد عليها، وهو الحالة التي يثبت فيها ضرر لحق المحضون من جراء انتقال الحضانة من الأم إلى الأب.

لكن الإشكال المطروح هنا هو هل يعتبر إثبات ذلك كافيا لبقاء الحضانة عند الأم خصوصا وأننا نتحدث هنا عن احتمال يصعب إثباته، وهذا هو نفس ما ذهب إليه المجلس الأعلى في أحد قراراته حين اعتبر أن الضرر الذي لحق المحضون من جراء انتقال الحضانة مجرد احتمال لم تستطع الطالبة إثباته مما أدى إلى رفض الطلب، وتأييد الحكم الذي أسقط عنها حق الحضانة.



المبحث الثاني: قراءة في النفقة على ضوء مدونة الأسرة.

موضوع النفقة موضوع هام ذو أثر بالغ في استقرار الأسرة التي تشكل القضايا المرتبطة بنزاعات النفقة ما يزيد عن 60% من قضايا الأحوال الشخصية المعروضة على المحاكم وإذا كانت طلبات الإنفاق وطلبات التطليق لعدم الإنفاق تشكل الوجه السافر في خصومات النفقة، فإن هناك دعاوى تستتر تحت أوصاف أخرى وهي في عمقها مرتبطة بموضوع النفقة، كما هو الشأن في دعاوى التطليق للغيبة وأيضا في دعاوى التطليق للضرر وقد يكون موضوع النفقة سببا للانحراف وعاملا من عوامل تقويض بنيان الأسرة.

وإذا لم يكن في الإمكان الإحاطة بجميع جوانب هذا الموضوع الهام في ظرف وجيز فلا أقل من أن نشير إلى أبرز التساؤلات التي يمكن استعراضها في مطلبين بعد التمهيد لذلك بتعريف النفقة.



المطلب الأول: الضوابط السوسيولوجية والقانونية للنفقة.

المطلب الثاني: مستجدات النفقة وأهم الإشكالات المرتبطة بها.



تعريف النفقة:

النفقة لغة هي اسم الإنفاق ويطلق على ما يؤمن الإنسان به نفسه وذويه، واصطلاحا إخراج الشخص مالا ينفق به على من تجب عليه نفقته وتشمل المأكل والملبس والمسكن، كما تطلق على المال الذي يدفعه الإنسان لمن يعوله ومن هو مكلف شرعا بإعالته، وتشمل النفقة كذلك وكما سبق الذكر الطعام والسكن والملبس والتمريض وغير ذلك .

ودليل وجوب النفقة الزوجية موجود في الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب فيتجلي ذلك من خلال قوله تعالى: وأنفقوا في سبيل الله" وقال عز وجل: "وأنفقوا مما رزقناكم". ومن السنة الأحاديث كثيرة، منها قوله "ص" في خطبة حجة الوداع، اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم ولا يملكن لأنفسهن شيئا، ولهن عليكم كسوتهن ورزقهن بالمعروف".

أما الإجماع فقد أجمع علماء الأمة على أن النفقة والكسوة واجبتان للزوجة على زوجها.



المطلب الأول: الضوابط السوسيولوجية والقانونية للنفقة.

تعتبر النفقة اللبنة الأساسية التي يقوم عليها كل كيان أسري، مما جعلها تلعب دورا اجتماعيا وتحكمها ضوابط قانونية، جاء بها المشرع من خلال مقتضيات قانون مدونة الأسرة، والذي خصص لها الثاني والثالث والرابع من القسم الثالث من مدونة الأسرة وحدد في كل باب فئة معينة فشكل دعامة لتكون محط التزام بالنفقة من طرف الزوج.

وهذا ما سنتطرق إليه من خلال ثلاث محاور، حيث خصص الأول من النفقة الزوجية والثاني لنفقة الأقارب والمحور والثالث والأخير خصصناه للإلتزام بالنفقة.

أولا: نفقة الزوجة من الناحية الموضوعية.

تجب النفقة على الزوج انطلاقا من الحكم التعبدي المنصوص عليه بالكتاب والسنة والإجماع ، يقول عز وجل " ولينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ".

وقد روي عن أبي داود عن معاوية القشيري قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما تقول في نسائنا؟ قال : أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكسون..."

وقد عزا الفقهاء سبب إنفاق الزوج على زوجته ما تضعه بين يدي زوجها من استمتاع ولماله عليها من حقوق الاحتباس والطاعة ، ويتحقق الاحتباس المبرر للنفقة حسب التقسيم الفقهي المجرد دعوة الزوجة زوجها إلى نقلها بيته بعد إبرام العقد.

وبالتالي أصبح كل من الاحتباس والاستمتاع والطاعة في ظل الظروف المستجدة قابل للنقد.

فمؤسسة الزواج على ركن الإمتاع وقد يتداخل مفهوم الطاعة والاحتباس بمفهوم الاستمتاع الشيء الذي جعل طاعة الزوجة مرتبطة بالنفقة ، ومع مرور الوقت تنقلب الطاعة إلى خضوع وتحرم على أساسه الزوجة من إنسانيتها وحقها في المساكنة الزوجية بالمعروف عملا بقوله تعالى " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " الآية 6 من سورة الأعراف.

وإذا كان المذهب المالكي لا مكان فيه للحديث عن إمكانية إلزام الزوجة بالإنفاق على الزوج كما لا يقول أيضا بسقوط نفقة الزوجة التي تمارس حرفة أو مهنة، يرى الفقه الحنفي الذي استلهمته مدونة الأسرة سقوطها.

ومن الناحية القانونية فلا جدال أن نفقة الزوجة لا تغني في مجال المبادئ الفقهية إلى نفقة الزوج على الزوجة والذي تنص عليه المادة 194 من م أ " تجب نفقة الزوجة لمجرد البناء ، وكذا إذا دعته للبناء بعد ن يكون قد عقد عليها " وقد اتفقت جل المذاهب الفقهية على وجوب نفقة الزوجة على زوجها ومن ذلك جاءت المادة 199 من مدونة الأسرة في أسباب الثالث فيما يتعلق بالنفقة على الأولاد والتي نصت على انه " إذا عجز الأب كليا أو جزئيا عن الإنفاق على أولاده ، وكانت الأم موسرة وجب عليها النفقة بمقدار ما عجز عنه الأب ، وينتج عن ذلك عدم سماع دعوى الزوجة ( التطليق )إذا تزوجت الرجل وهي عالمة بأنه عاجز عن الإنفاق عليها.

وبذلك فقد استجاب المشرع المغربي بشكل فعلي للاتفاقية الدولية التي صادق عليها والمبرمة بنيويورك بتاريخ 16 دجنبر 1966 والتي تنص على المساواة بين الرجال والنساء حسب ما ورد في الفصل 23 منها " على الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية اتخاذ الخطوات المناسبة لتامين المساواة في الحقوق والمسؤوليات عند الزواج وأثناء قيامه وعند فسخه"

إن هذه المادة (199) قد فتحت الباب أمام الزوج المعسر لرفع دعوى ضد زوجته لمطالبتها بالإنفاق إمعانا من المدونة في إقرار المساواة أمام الواجبات بالقدر الذي يتم فيه التساوي في الحقوق.

ولقد جاء في قرار المجلس الأعلى الصادر بتاريخ 29 نونبر 1983 ، إن النفقة مفهوم لا تجب إلا بزواج صحيح شرعا ، فان كان فاسدا فلا نفقة للزوجة لان الواجب حينئذ الافتراق لا المعاشرة ، ويكون الزواج الفاسد إذا توفرت فيه شروط موانع الزواج التي تنقسم حسب ما جاء في المادة 35 إلى موانع مؤيدة وموانع مؤقتة.

أ – وجوب النفقة.

تنص المادة 194 من مدونة الآسرة " تجب نفقة الزوجة لمجرد البناء، وكذا إذا دعته للبناء بعد ن يكون قد عقد عليها ".

إن هذه المادة لا تختلف في جوهرها عن مقتضيات الفصل 117 من مدونة الأحوال الشخصية الذي استعمل مفهوم الدخول والمستوحى أصلا من قول الإمام مالك الذي يقول " لا تجب النفقة على الزوجة حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول وهي مما توطأ وهو بالغ. وهو مفهوم (الدخول) مختلف عن المفهوم الحنبلي المستعمل في مكونة الأسرة (البناء) وبذلك فقد تكررت نفس أحكام الفصل 117 حيث تستحق الزوجة النفقة بالبناء أو بالدعوة إليه من طرفها. وتشترط المادة 194 أن يكون قد تم العقد على الزوجة ويعتبر رفض الزوج للدخول دافعا لرفع دعوى النفقة وقد اعتبر المجلس في الملف الاجتماعي عدد 69 بتاريخ 08 ماي 1970 أن المطالبة القضائية بحقوق الزوجة عبر الدعوى للدخول موجبة للنفقة ابتداء من تاريخ المطالبة بالدخول.

وفعلا فقد عرضت على المحاكم بالمغرب عدة قضايا في هذا الشأن قضت بالنفقة بمجرد المطالبة بالدخول، وما يعاب على هذه (المادة 194) كما وقع مع الفصل 177 من م.أح. ش. هو إغفال ما يستفاد من رأي المالكية القائل: بأن الزوجة تستحق الصداق كاملا بعد مرور سنة ابتداء من تاريخ العقد وإن لم يمسها الزوج، وبذلك كان لزاما على المشرع أن ينص في المادة 194 على فترة معينة (سنة حسب الإمام المالك) تحسبا لانحلال الزوجية.

وعموما فالمدونة في المادة 194 ومدونة أح ش في الفصل 177 قد أخذتا بالمذهب الظاهري الذي يقول: بوجوب النفقة بمجرد العقد عليه، بل إن عقد الزواج عندهم هو سبب النفقة.

يتبع


ب‌- إثبات النفقة وتنفيذها.

ترفع الزوجة دعوى النفقة في حالتين:

الحالة الأولى: إذا كانت الزوجة في بيت الزوجية.

الحالة الثانية: إذا كانت الزوجة بمنزل والديها مع أبناءها في حالة إثبات النفقة.

وقد استقر القضاء المغرب على اعتبار إقرار الزوج باليمين ثثابت في حالة قيام الزوجية، وقد جاء القرار الصادر في 26 غشت 1978 بمجلة المجلس الأعلى أنه " في حالة قيام الزوجية، القول قول الزوج الحاضر مدعي الإنفاق بيمينه".

أما الحالة الثانية ومع استحالة إثبات الزوج إدعائه الإنفاق على الزوجة بمنزل والديها، فقد اعتبر القضاء القول قول الزوجة مع يمينها، وقد جاء ذلك في القرار الصادر بتاريخ 04 فبراير 1978 الذي يقول: " مادام الزوجة تطالب بالنفقة كانت بمنزل والديها مع أبناءها ولم يثبت الزوج ادعائه الإنفاق فإن القول قولها مع يمينها".

أما بالنسبة لتنفيذ الحكم بالنفقة فإنه يثير عدة مشاكل، حيث يصعب في بعض الأحيان استخلاصها، والمشرع في مدونة الأسرة أعطى للمحكمة كما نصت على ذلك المادة 191 من م. أ. صلاحية تحديد وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة ، وما يجب أن يتمتع به هذا النوع من الأحكام من طابع خاص نظرا للدور المعيشي للنفقة وما تقتضيه من طابع الاستعجال، فقد نصت على الدور الأساسي للمحكمة في تحديد وسائل تنفيذ الحكم الصادر عنها بالنفقة وبتكاليف السكن على أموال المحكوم عليه منقولا كان أو عقارا، أو الأمر باقتطاع قدر النفقة من منبع الريع كمبلغ الكراء أو الأجر الذي يتقاضاه الملزم من الدولة أو المقاولة.

وبالتالي يبقى الملتزم بالنفقة (الزوج) ملزما بها لزوجته بمقتضى منطوق الحكم الصادر في القضية إلى حين سقوط النفقة شرعا عنه أو إلى حين صدور حكم جديد يقضي بأداء النفقة بتقديم جديد حسب الأحوال والمتغيرات.



ج‌- مشمولات النفقة وتقديرها.

نصت المادة 189 من م أعلى ما يلي: تشمل النفقة الغذاء والكسوة والعلاج، وما يعتبر من الضروريات والتعليم للأولاد ومع مراعاة أحكام المادة 168.

وقد أضافت إعادة 168 اعتبار السكن من حق المحضون عندما اعتبرت تكاليف سكن المحضون مستقلة في تقديرها على النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما.

إن هذه المادة نصت صراحة على إخراج تكاليف سكن المحضون من مشمولات النفقة وأجرة الحضانة وغيرها وأوجبت أن تكون مستقلة في تقديرها عن هذه الالتزامات.

أما بخصوص تقديم النفقة في المحكمة تعتمد في هذه الحالة على تصريح كل من الزوج والزوجة المدعم بالحجج والوثائق.

وإذا كانت القاعدة الفقهية تعتمد في تقدير النفقة على الوضعية المادية للزوج انطلاقا من قوله تعالى " لينفق ذو سعة من سعته " فالمذهب المالكي قد راعى حالة الزوجة ، وقد جاء في المادة 189 في جانب مشمولات النفقة وتقديرها ما يلي " تشمل النفقة الغذاء والكسوة والعلاج ، وما يعتبر من الضروريات والتعليم للأولاد.."

مع مراعاة أن يكون السكن مستقلا عن النفقة ويراعي في تقدم كل ذلك ، التوسط ودخل الملزم بالنفقة أو حال مستحقها ، ومستوى الأسعار والأعراف والعادات السائدة في الوسط الذي تفرض فيه النفقة ، وفي هذا الباب قرر المجلس الأعلى عدد رقم 83 بتاريخ 11/02/1980 ما يلي:" حيث أن الفصل 119 من مدونة الأحوال الشخصية ألزم عند تقديم نفقة الزوجة مراعاة المحكمة لسلطتها التقديرية شرط بيان ما يبرره طبقا لمقتضيات الفصل المذكور.

ثانيا: دائرة وجوب النفقة بالقرابة.

خصص المشرع الفرع الثاني من القسم الثالث من مدونة الأسرة لنفقة الأبوين في مادتين هما 203 و 204 ، حيث تنص المادة الأولى على أنه توزع نفقة الإباء على الأبناء عند تعدد الأولاد بحسب يسر الأولاد لابحسب إرثهم ، وتعتبر النفقة بين الموضوعات التي تثير نقاشات عميقة بالقضاء الأسري نظراً لطابعها المرتبط بالواقع الإجتماعي والإقتصادي للمتقاضين، وبين اتساع دائرة وجوب النفقة. مما يجعــلها النواة المستقطبة لوجهة نظر المشرع، الشيء الذي يجعل الملزم بالنفقة بين مطرقة نفقة الزوجة و الأولاد من جهة، وسندان نفقة الأقارب و نفقة نفسه من جهة ثانية، فكيف يتصرف الملزم بالنفقة في حالة اجتماع الأطراف المستحقة للنفقة وهو لايملك إلا نفقة نفسه ؟.

وفي هذا الصدد قرر المجلس الأعلى عدد رقم 122 الصادر بتاريخ 1977/09/27 منشور بمجلة المحاماة عدد 88 ص 115 و ما يليها أنه: (بمقتضى الفصلين 121 و 130 من مدونة الأسرة فإن النفقة الواجبة للأقارب تنقسم من حيث وقت استحقاقها إلى ثلاث أنواع : الأولى نفقة الزوجة، وتستحق من تاريخ الإمساك عن أدائها ولا تسقط بمضي المدة، و الثانية نفقة الأبوين، وتستحق من تاريخ الإدعاء و الثالثة نفقة الأولاد على الأب أو الأم الغنية عند عجز الأب و تستحق من تاريخ الامتناع عن أدائها عند طلبها حسب المادة 200 من مدونة الأسرة.

ولذالك فإن الحكم المطعون فيه لم يكن على صواب حيث اعتبر إمساك طالب النقض عن النفقة امتناعها من أدائها و حين قضى على الأب بالنفقة عن مدة سالفة دون أن يثبت أن تلك النفقة طلبت منه فامتنع عن أدائها. و يكون بذالك قد خرق الفصل المشار إليه، الذي يكتسي صبغة النظام العام.

مما يجب الإشارة إليه أن مفهوم النفقة و نظراً لمرونته وطبيعة دخل المتقاضين تجعل أمر التعامل مع النص أمراً قد يضر بمصالح الملزم بالنفقة من باب عجزه عن نفقة نفسه.تنص المادة 188 على أنه ( لا يجب على الإنسان نفقة غيره إلا بعد أن يكون له مقدار نفقة نفسه.)

و تطبيقاً للمبدأ في الشريعة، وهو إذا اجتمع ضرران ارتكب أخفهما فكيف لمن له مقدار نفقة نفسه أن نلزمه بالنفقة على الغير في وجوهها الثلاث: الزوجية و القرابة و الالتزام ، المادة (187).

وقد نصت المادة 138 من مدونة الأسرة أن الأب يبقى ملزماً بنفقة أبنائه إلى حين بلوغ الابن لسن الرشد وحصول البنت على عمل توفر منه دخلها، أو انتقالها إلى بيت زوجها و بالتالي فإن المشرع من خلال هذه المسألة خرج عن مبدأ المساواة بين الذكر و الأنثى في سن الرشد فيما يخص النفقة و أرجع السبب في ذالك إلى حالات تفرضها الطبيعة و الأعراف و العادات و التقاليد.

كما استفردت مدونة الأسرة عن باقي القوانين التي تطرقت لقضايا الأسرة بالتنصيص على نفقة الأولاد المعاقين والعاجزين عن الكسب حيث تسقط عن الأب بوفاته المادة 198 من م.ا .

ثالثا : الالتزام بالنفقة.

الالتزام من الأسباب الثلاثة الموجبة للنفقة وقد نصت عليه المادة 205 من مدونة الأسرة وهذه المادة هي نفسها نص الفصل 131 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة.

وبالنسبة للملتزم بالنفقة ووفقاً لمبدأ (من التزم بشيء لزمه) على أن من التزم بنفقة الغير صغيرا كان أو كبيراً لمدة محددة لزمه ما التزم به ولا يسقط عنه إلا بالعجز أو الوفاة .

و الأصل في الالتزام ، قوله تعالى : ( يأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود ) الأية 1 صورة المائدة

وهذا النص يفيد أن عقد الإنسان وتعهده الذي باشره بإرادته الحرة ملزم بنتائجه و أثاره الشرعية.

كما أشار الفقهاء إلى أركان الالتزام، وهي أربعة: الملتزم و الملتزم له والملتزم به والصيغة. فالملتزم يشترط فيه ان يكون أهلا للتبرع وهو المكلف الذي لا حصر عليه و الملتزم له هو من يصح أن يملك، فيصح الالتزام للحمل ولمن سيوجد. والملتزم به هوكل ما فيه منفعة .أما الصيغة ، فهي اللفظ أو ما يقوم مقامه من إشارة أو نحوها، تدل على إلتزام الشخص نفسه ما التزمه.

وتجدر الإشارة إلى أن نفقة الالتزام يجب الأخذ فيها بالقاعدة الفقهية القائلة( من التزم بما لا يلزمه قيد حياته )، دون أن ينتقل الالتزام لغيره من الخلف الخاص أو العام بعد وفاته.

و إذا كانت نفقة الالتزام يترتب عنها دين في ذمة الملتزم فإنه من باب الأولى أن يكون لهذا الأخير ما ينفق به على نفسه و زوجته و أولاده وأبويه إبتداء، حتى ما إذا كان موسراً وبقى له فضل بعد ذالك فإنه يكون ملزما بما التزم به وإلا فلا

وقد يكون الإلتزام مشروط بمدة محددة أو غير محددة فإذا كانت محددة فالملتزم يبقى مقيداً بالنفقة إلى حين انتهائها، أما إذا كانت غير محددة ووقع الخلاف و النزاع بين الملتزم والملتزم به ، فإن المحكمة تعتمد في تحديدها على العرف

وما يجري به العمل في هذا الشأن، وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط مايلي ( إن التعهد الذي يقطعه على نفسه الأب الطبيعي بأن يتكفل بحاجيات الطفل لا يرجع سببه إلى رابطة البنوة التي تجمعه بهذا الطفل بل إلى التزام طبيعي متفرغ عن واجب يفرضه الضمير، إن هذا الإلتزام ليس غير مشروع ولا هو يخالف الآداب العامة .قرار رقم 4155 بتاريخ 28 فبراير 1950، منشورفي قرارات محكمة الإستئناف 1949 .

و عموما فإن الإلتزام بالنفقة يبقى سبباً من الأسباب الثلاثة الواجبة على الزوج القيام بها إلا أن الإشكال يطرح في حالة إعسار الزوج، هل يبقى متحملا للنفقة أم تسقط عنه ؟

هنا نص الشرع في الفصل 123 من م .ا.ش.على أن نفقة الزوجين تسقط في الحالات التالية:

· بوفاة الزوج

· الإبراء منها

خروج المطلقة مرجعيا من بيت عدتها بدون عذر ولا رضى زوجها على اعتبار أن نشوز الزوجة لا يسقط نفقتها إلا إذا حكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية وامتنعت حسب ما جاء في المادة 195 .

وقد نجد في العديد من تشريعات الدول العربية تنصيصا على سقوط نفقة الزوجة بمجرد النشوز إلا في حالة الحمل لكونها تحمل من زوجها جنبناً.

إن النفقة دين لا يسقط بالتقادم وقد وصفه ذ. محمد الكشبور بكونه لا يمكن أن يكون موضوعه محلا لعقد الصلح .

وبذالك جاء المشرع في المادة 119 التي تنص، لايجوز الخلع بشيء تعلق بحق الأطفال أو بنفقتهم إذا كانت الأم .معسرة، وقد احتوت المادة 119ما اهتم به المنشور الوزاري عدد 5/61 الصادر بتاريخ6يناير 1961 في موضوع التزام بنفقة الأولاد

وقد تطرق ذ. أحمد الخمليشي إلى أسباب سقوط النفقة فأخلص إلى أنه (إذا كانت النفقة تجب من الدخول أو الدعوى إليه إلى الوفاة أو الطلاق البائن بالنسبة لغير الحامل ، و إلى أن تضع الحمل أو انتهاء عدة الطلاق الرجعي، فقد تحدث أسباب تسقطها خلال فترة الوجوب السالف الذكر، أو توقف أدائها دون أن تسقط من ذمة الزوج .

ويمكن حصر أسباب سقوط النفقة عن الزوج في حالة إعساره، فقد جاء في المادة 199 ما يفيد وجوب النفقة على الزوجة بمقدار ما عجز عنه الأب حفاظا على مصلحة الأطفال من الضياع ، وتنص المادة على أنه إذا عجز الأب كلياً أو جزئياً في الإنفاق على أولاده، وكانت الأم موسرة، وجبت عليها النفقة بمقدار ما عجز عنه الأب و تصبح الزوجة إثر هذا النص الجديد معرضة لأن يطبق عليها حكم إهمال الأسرة بموجب ما جاء في المادة 202 التي تنص على أن كل توقف ممن تجب عليه نفقة الأولاد عن الأداء في مدة أقصاه شهر دون عذر مقبول تطق عليه أحكام إهمال الأسرة المنصوص عليها في المادة 202 من م.أ. والمنصوص على عقوبتها في الفصول من 479 إلى 483 من القانون الجنائي. وعلى كل حال تبقى م.أ المغربية بالرغم من نقائصها تشكل حدثا قانونيا بارزا بحكم المستجدات التي جاءت بها وخصوصا بما يتعلق بموضوع النفقة وما صاحبتها من إشكالات مثيرة للجدل في بعض الأحيان، والتي قد لا تتناسب والبنية الاجتماعية للمجتمع المغربي، والتي سوف سنتطرق إليها من خلال المطلب الثاني. فما هي هذه المستجدات؟ وما هي أهم الإشكالات المرتبطة بها؟



المطلب الثاني : النفقة بين العمل و النص .

غني عن التذكير كون مدونة الأسرة من جهة النفقة عرفت مجموعة من التحولات في شقها الموضوعي التي تمت وفق مجموعة من المعايير و المفاهيم الحديثة، وهي تحولات فرضت معالمها مجموعة من المتغيرات الراهنة. واعتبار لهذا المعطى ، فقد كان من المنتظر بل من المحتم أن تواكب هذه التطورات الجذرية تحولات أخرى موازية تهم الترسانة التشريعية الوطنية ، بما فيها تلك المنظمة للأحوال الشخصية و شؤون الأسرة ، لتكون هذه الأخيرة في مستوى التطلعات و قادرة على مواكبة وثيرتها المتسارعة في ظل مقاربة ثنائية تحافظ و تزاوج لمبدأ بين روح الانفتاح و التسامح و الحداثة ، وبين التأكيد على التشبث بجذور الأصالة التراثية المستمدة روافدها من الإسلام كمكون حضاري و مصدر تشريعي أساسي لا محيد أو غنى عنه.[7]

و هو الأمر الذي جعل تحليلنا و قراءة النفقة في مدونة الأسرة من الجهة العملية كيف تتم في (الفقرة الأولى)، لنجعل بعض مستجدات الأسرة في (الفقرة الثانية) في الشق الموضوعي .



الفقرة الأولى: الإطار العملي ( نموذج قضاء الأسرة بسلا).

على غرار أي مولود تشريعي جديد فإن الإطار العام لهذا القانون يجعلنا في مواجهة مباشرة لجملة من التساؤلات المشروعة و الهادفة في مبتغاها إلى أم محاولة رصد أو بالأحرى الإحاطة بالتركيبة العملية بخصوص التوقعات المنتظرة رصدها على المستوى الميداني.

وعلى ضوء هذه الاعتبارات ، فإن إجراء مقاربة و مطابقة بين العمل والنص يلزمنا بدراسة خاصة للنفقة من حيث الميدان ليعطينا تساؤلات يمكن إجمالها فيما يلي :

- كيف تتم معالجة ملفات النفقة داخل القضاء ؟

- آليات المعتمدة داخل هذه المؤسسة ؟



أ ) التنظيم الهيكلي لقسم قضاء الأسرة بسلا :

يشمل قضاء الأسرة عدة شعب برمز لها من رقم 1 إلى 5 على النحو التالي :

رمز 1 يقصد به شعبة الأحوال الشخصية و الميراث، تترأسها السيدة بشرى أعجابو بصفتها منتدبة قضائية إقليمية ، وتنظر هذه الشعبة في قضايا :

- تذييل الصيغة التنفيذية

- النفقة وتوسعة الأعياد ( قضاء جماعي)

- ثبوت الزوجية

- إسقاط النفقة

- الكد و السعاية

- التحجير

- ثبوت النسب و النفي

- إسقاط الحضانة

- ....الخ


أما الرمز 2 يمثل به شعبة النفقة (قضاء فردي )، والممثلة من طرف السيدة لطيفة العثماني، بصفتها منتدبة قضائية إقليمية . فهذه الشعبة تختص بـ :

- مسك سجل النفقة

- تضمين الأحكام بالسجل العام

- الإحصاءات

- الاستقبال و التوجيه

- مسك سجل أداء اليمين

- فتح ملفات الجديدة المتعلقة بالنفقة و تقييدها

- سجل المراقبة في الأحكام التي تعاد

أما رمز 3 تعني شعبة شؤون القاصرين

رمز 5 شعبة التطليق

رمز 6 شعبة الطلاق

وشعبة الكفالة و التنفيذ و التبليغ و المساعدة الاجتماعية فهم لا يدخلون ضمن الترقيم السالف الذكر.

كما تمثل السيدة فوزية الجوهري بصفتها منتدبة قضائية إقليمية رئيسة مصلحة كتابة الضبط لتنسيق بين هذه الشعب الإدارية.
من خلال تحليل بعض المعطيات على أرض الواقع يتبين واضحا أن هناك تكدس في ملفات التي لم يبت فيها وبطئ الأحكام ، وهذا ما يجرنا إلى الفقرة الثانية لمعرفة الأسباب و ما هي مكامن الخلل في النظرية التشريعية المؤطرة ، وهل في محدودية هذه المقتضيات و عدم قدرتها على الإحاطة الشمولية بجميع الحالات و المستجدات المعروضة على أنظار مؤسسة القضاء المغربي ؟ أم أن الخلل يكمن في عدم تفعيل نصية هذه المقتضيات ؟ .


الفقرة الثانية : قراءة لبعض مستجدات المدونة الأسرة الموضوعية :

لاستجلاء أهم المقتضيات الجديدة في موضوع النفقة نوضحها، ثم نناقش المشاكل التي تطرحها، و التي أيضا قد تكون سببا في تكديس ملفات أمام القضاء، وعليه نلخصها فيما يلي:

- التنصيص على افتراض الملاءة في الملزم بالنفقة، حتى يثبت العكس .

- بيان المصادر التي يقع بها التأكد من حقيقة العناصر المعتمدة في تقدير النفقة.

- سقوط نفقة الزوجة الممتنعة من الرجوع لبيت الزوجية رغم صدور حكم عليها بالرجوع إليه بدلا من إمكانية إيقافها عليها.

- استمرار نفقة المطلقة الرجعية و لو غادرت البيت الذي تعتد فيه دون عذر و لا موافقة المطلق. ولا يسقط إلا حقها في السكنى .

- التنصيص على أحقية المطلقة البائنة في السكن أثناء العدة. وإذا كانت حاملا، وجبت لها النفقة بجميع مشمولاتها حتى تضع حملها، حيث تنتهي العدة.

- تعديل المقتضى بوجوب نفقة الأم الموسرة على أولادها عند عجز الأب جزئيا.

- اعتبار نفقة الأولاد واجبة على الأب من تاريخ التوقف ، لا من تاريخ الإمتناع.



خاتــمة:

لقد حاولنا من خلال هذا البحث المتواضع أن نقوم بدراسة تحليلية لمستجدات كل من الحضانة والنفقة وذالك من خلال رصد لأهم الإشكاليات التي تطرحها ، دون أن نغفل دور القضاء في تفعيلها على مستوى الواقع مستدلين بأهم القرارات والأحكام القضائية في الموضوع.

وإذا كان كل من أحكام الحضانة والنفقة يتميزون بطابع سوسيولوجي ، يؤثر بشكل أو بآخر على المجتمع سواء في الحاضر أو المستقبل، خصوصا وأنها تتعلق بالطفل والمرأة والأسرة بشكل عام، فإن الواقع اليومي أثبت أن محنة الطفل والأسرة لا تكمن في النصوص القانونية أو الشرعية –رغم أهميتها- بقدر ما تكمن في المسطرة والتطبيق الذي يطرح إشكالا على المستوى القضاء من حيث نزاهته واستقامته و كفاءته ودرايته الشرعية والقانونية في موضوع الأسرة وملابساته وكذا في انعدام قضاء أسري مؤهل ماديا وبشريا ومسطريا لتوفير كل شروط العدل والإنصاف مع السرعة في البت في القضايا التي هي من اختصاصه والتعجيل في تنفيذها .وأيضا على مستوى الثقافة السائدة في المجتمع والتي تحتاج إلى جهد كبير لإعادة تشكيلها وفق الإسلام والقيم الإنسانية النبيلة في التعامل مع المرأة والأسرة بل وفي التعامل مع كل مكونات الكون، ولذالك ألح كثير من الخبراء والمهتمين على أن تجسيد إيجابيات مدونة الأسرة وتطبيقها بشكل جيد رهين بالتقاء إرادة المشرع وإرادة القضاء على حد تعبير الدكتور عبد الهادي بوطالب .

وعموما فإن نصوص مدونة الأسرة رغم ما بدل فيها من جهد جبار يشكر لأهله ، فإن معظم مقتضياتها جاءت تتأرجح بين الجيد والمقبول والمرجوح. لكن تبقى الممارسة القضائية هي الكفيلة بإبراز ما ينبغي مراجعته وتعديله عند الاقتضاء.

 منقول -

هناك تعليقان (2):


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم