الأحد، 4 مايو 2014

الـزواج المختـلط - الإشكالات القانونية والانعكاسات الاجتماعية - دبلوم الدراسات العليا المعمقة.






مقـــدمة عـــــامــة:
      من آيات الله الكبرى ونعمه العظمى أن خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة.
       وعلى كلمة الله تعالى وشرعه تقوم الأسرة بالرباط المقدس الوثيق الذي رضيه الله لعباده المؤمنين، وفي البيت الذي قام ليجمع الزوجين تتوطد الصلات، صلات البدن والروح، وصلات النفس بالنفس، وصلات السكن والقرار وصلات المودة والرحمة، لقوله تعالى: " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "[1]
     ولأهمية رباط الزوجية في الحياة، فإن الإسلام يحيطه بكل الكفالات التي تجعل منه مجال أمن واستقرار، ومقر طمأنينة وسلام.
      إن الشعور المشترك بين الزوجين يشكل نغما حلوا تسعد به الحياة، وتهب عليه  نسمات الرحمة والسكينة، ويؤتي نتائجه المباركة من خلف صالح يواصل سيره على نهج السلف الصالح، ويتسلم الأمانة ويحافظ عليها بيضاء ساطعة، إلى أن يسلمها هو الأخر لمن يليه وهذه سنة الحياة.
      لكن إذا كان الزواج ينبغي أن يقوم على الاعتبارات السابقة ، فإنه في مجال الزواج المختلط تثور تساؤلات عدة ونلمس ردود أفعال جمة بشأن مشاعر التفاؤل والتشاؤم،التي تنساب ذبذباتها بين الشريكين بأمان حاملة بداخلها رحيق الأمل لاستمرار إيقاع الحياة بكل حب وإخلاص،بعيدا عن الأهواء والمصالح التي تجعل في خبر كان كل علاقة غير متكافئة.
      إن المحك الحقيقي ليس هو نوعية الزواج باعتبار أن الزواج المختلط ليس بديلا أدنى عن الزواج العادي، ولا وجود لزيجة نمطية، لأن جاذبية نجاح زيجات مختلطة تراود كل موغل في دائرتها عن نفسه بسحرها وغموضها ووداعتها وشذاها، وتجبرنا على الانفتاح على الآخر على أساس إنساني ومن ثمة الانتقال من مقام الذم إلى مقام المدح ومن ثنائية الحكم المسبق إلى ثنائية الفهم المتبادل، ومن حد الهزل إلى حد الجد.[2]
      ولما كان الزواج المختلط احدى الروافد التي تتلاقح فيه الحضارات وتتصادم فيما بينها، وباعتباره النموذج الأمثل للعلاقات الدولية الخاصة والميدان الخصب للتنازع بين أنظمة قانونية
علمانية وأنظمة قانونية إسلامية، وأمام ازدياد التعامل بين الدول وتعذر بقاء المجتمعات الوطنية في معزل عن بعضها البعض من الناحية الاقتصادية والاجتماعية[3]، فقد أدى ذلك إلى بروز ثقافة من نوع خاص،ثقافة مجتمع دولي تعرف العلاقات بين عناصره نوعا من الانسجام والتكامل[4]، الذي يؤدي بحكم تداخل المصالح وتصادم الرغبات إلى البحث عن نظام يكفل تطبيق مقتضيات القوانين الأجنبية على الأفراد، بناء على نسق قانوني يعتمد على مجموعة من المفاهيم المرتبطة  بقواعد تنازع القوانين،بحيث لا يتأتى للقضاء الوطني الوصول للحلول الوضعية المقررة لمعالجة النزاعات الخاصة الدولية،إلا إذا كان يتوفر على قاعدة إسناد تعين بالنسبة لكل مجموعة من الروابط القانونية المتوفرة على عنصر أجنبي القانون الواجب تطبيقه.غير أن الأمر ليس بهذه البساطة لأن الأنظمة القانونية غير موحدة في جميع الدول.
      أمام هذا الوضع راهن المقنن المغربي على قواعد الإسناد المنصوص عليها في قوانين بعض بلدان أوربا الغربية والتي تسند الاختصاص في مجال الأحوال الشخصية للقانون الوطني للشخص انطلاقا من المبدأ المعمول به دوليا في هذا الصدد، وهو مبدأ شخصية القوانين،وذلك لضمان تطبيق القانون المغربي للأحوال الشخصية على الجالية المغربية والحفاظ من ثم على النظام القانوني الذي يحكم الأسرة المغربية.غير أن صعوبة التوفيق بين نظام إسلامي وآخر لائكي دفعت القضاء الأجنبي إلى استبعاد الكثير من المؤسسات الإسلامية لاعتبارها مخالفة لنظامه العام الذي يقوم على مبادئ العلمانية والحرية والمساواة، كما أن القاضي المغربي لا يتردد بدوره في رفض مفاهيم ومؤسسات القانون الأجنبي لاعتبارها مخالفة للنظام العام المغربي،الأمر الذي يترجم الرهان الدائر بين دولة الإقامة التي تسعى إلى استيعاب المهاجرين المغاربة وتطويعهم للانصهار بشكل تام في نموذجها الحضاري، وبين البلد الأصلي الذي يرغب في الحفاظ على الهوية والثقافة الأصلية لمواطنيه.
      في ظل هذا المناخ كان لابد من وضع إستراتيجية جديدة على المستوى القانوني تأخذ بالاعتبار المتغيرات الجديدة للأسرة المغربية، وما التزم به المغرب من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وغيرها من المعاهدات التي تتضمن التنصيص على ضرورة احترام حقوق المرأة والطفل،خاصة أن هذه الاتفاقيات تفرض على الدولة تكييف قوانينها الداخلية بما ينسجم مع نصوص وروح هذه الاتفاقيات.
      ووعيا من المشرع المغربي بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه تجاه الجالية المغربية المتواجدة بالخارج، ومواكبة التحولات والتطورات المتسارعة التي همت التشريعات المنظمة للأحوال الشخصية وشؤون الأسرة بالمهجر، فإنه حاول إيجاد تشريع يزاوج بين روح الانفتاح والتسامح وبين التأكيد على التشبث بجذور الأصالة المستمدة روافدها من الإسلام كمكون حضاري ومصدر تشريعي أساسي لا محيد عنه، وفي هذا الخضم صدر قانون 03-70 الذي يهم تنظيم قانون الأسرة بالمغرب.[5]
      وقد حاول المشرع المغربي من خلال هذا القانون تنظيم وضعية الأسرة المغربية بالداخل والخارج،ومن ثم وقع التنصيص لأول مرة على أحكام جديدة تهم الجالية المغربية المقيمة بالخارج تتعلق بإبرام عقد الزواج وانحلاله طبقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد الإقامة، وتكريس مبدأ الإرادة في إنهاء العلاقة الزوجية، فضلا عن توسيع أسباب طلب التطليق من طرف الزوجة، إضافة إلى ما يتعلق بتنفيذ الأحكام الأجنبية من خلال إدخال نوع من المرونة على النظام العام المغربي عند النظر في طلبات منح الصيغة التنفيذية للأحكام الصادرة في حق الجالية المغربية بالخارج.
      وإيمانا من المشرع المغربي بأن المنظومة القانونية الوطنية عاجزة لوحدها عن إيجاد حل سحري للمشاكل الناجمة عن الزواج المختلط و غير كافية لسد الفجوة الكبيرة الناجمة عن تنازع القوانين واختلاف منطلقات كل دولة أثناء وضع تشريعها،بسبب تشبث كل منها بخصوصياتها وبهويتها ، فقد سعى من أجل تفادي ذلك  أو التقليل من آثاره على الأسرة التي يكون احد أطرافها مغربيا إلى إبرام اتفاقيات ثنائية أو جماعية  مع بعض الدول المستقبلة للجالية المغربية كوسيلة ناجعة للتقليص من حجم النزاعات المثارة بشأن القانون الواجب التطبيق، وتقريب وجهات النظر المختلفة وتليين المواقف بصورة تحافظ على خصوصيات كل بلد وهوية وشعور رعاياه[6]، وتطبيق القوانين الشخصية، و تعد الاتفاقية المغربية الفرنسية بشأن حالة الأشخاص والأسرة والتعاون القضائي ل 10غشت 1981 كنموذج للاتفاقيات التي عقدها المغرب مع إحدى الدول الغربية.
   من هذا المنطلق جاء اختيار هذا الموضوع، وهو اختيار لم يكن من قبيل الصدفة، وإنما تضافرت عدة اعتبارات فيما بينها لتخلق لدي الرغبة في الخوض في موضوع شائك ومعقد يتطلب الصبر لسبر أغواره، ولعل أهم هذه الاعتبارات هي:
  1- رصد تطور العمل القضائي الأوربي والمغربي في كيفية تعامله مع الإشكالات المترتبة عن الزواج المختلط.
  2- نتيجة التزايد المستمر لظاهرة الزواج المختلط خاصة في المناطق الشمالية وما ولدته من مشاكل على مستوى العلاقات الأسرية.
  3- محاولة تقريب وتبيان الوجه الحقيقي للزواج المختلط وما يترتب عنه من مشاكل تعصف       بالحياة الأسرية سواء في الداخل أو الخارج.
  4- الرغبة في الوقوف على أحوال أطراف الزيجات المختلطة، من حيث نظام أحوالها الشخصية، ومن ثم وضع اليد على المعاناة التي تواجهها بسبب التمفصل بين قوانين متنافرة، يعتمد بعضها مرجعية دينية في مجال الروابط العائلية، وأخرى قائمة على فكر علماني لا يؤمن إلا بثقافة الحرية والمساواة التامة بين الجنسين.
  5- الرغبة في المساهمة في البحث عن خيارات مناسبة لتدعيم مكانة قانون الأسرة المغربي  في حكم الزيجات المختلطة التي يكون أحد أطرافها مغربيا.
  6- تقييم مستجدات قانون الأسرة في معالجة المشاكل القانونية والاجتماعية الناجمة عن            الزواج المختلط .
  7- ينضاف إلى ما سبق، رغبتي في خوض غمار حقل معرفي يتسم بالحركية والتطور            المستمر وجدال فقهي دائم، وهو القانون الدولي الخاص.
    أما بالنسبة لأهمية الموضوع فهي تبرز للاعتبارات الآتية:
ارتفاع نسب الأسر المغربية المتواجدة بالخارج مما يستوجب إثارة الانتباه إلى واقع هذه  الأسر، والقصور القانوني في معالجة قضاياهم، سيما في ظل التحولات العميقة التي عرفها القانون المغربي المنظم لشؤون الأسرة.
ضرورة حماية الشخصية الوطنية المغربية وتمكينها من الاستقرار الذاتي مع الاندماج     الحضاري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي يفرضه وجودها خارج          أرض الوطن، وذلك بصيانة الأسرة المغربية وتقوية مناعتها باعتبارها ممثل القيم      الحضارية المغربية بالمهجر.
   كما تكمن أهمية هذا الموضوع في كونه يعالج الروابط العائلية للأسرة المغربية داخل الوطن وخارجه.  
وإذا كان من غير الممكن أن أتناول واقع الزواج المختلط الذي يكون أحد أطرافه مغربيا، في جميع الأنظمة القانونية والقضائية الأوربية، فإني سأركز على بعض الدول الأوربية ،  وذلك لسببين:
  1- أن أوربا خاصة الغربية هي أكثر المناطق التي يقصدها المهاجرون المغاربة لكونها تتوفر  على بنيات اجتماعية واقتصادية وثقافية للاستقبال أكثر جدبا وفعالية من تلك التي تتوفر في    مجتمعات أخرى.
  2- كون التنازع بين القوانين الأوربية والقوانين الإسلامية- مثل القانون المغربي­ يشكل تجليا     للتصادم بين القيم الحضارية، وذلك بالنظر لما يوجد بين القوانين من اختلافات جوهرية راجعة لعدم تماثل مرجعياتها الإيديولوجية والثقافية والدينية والأخلاقية.
      من هذا المنطلق واعتمادا على ما مر بنا يمكن صياغة الإشكالية التي يروم هذا الموضوع  بحثها على الشكل التالي:
      إذا كانت مدونة الأسرة قد روعي في تعديلها المواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان من أجل فتح المجال أمامها للتطبيق بأوربا، ومن ثم التخفيف من المشاكل القانونية والاجتماعية الناجمة عن الزواج المختلط.
     لهذا الواقع الجديد يحق لنا أن نتساءل، إلى أي مدى استطاعت مدونة الأسرة المغربية في شكلها الحالي من تخطي العقبات والحواجز القانونية والقضائية التي تضعها دول الاستقبال في وجه تطبيق القانون الوطني على أفراد الجالية المغربية بالخارج؟ سيما في ظل التحولات التي تعرفها الأنظمة القانونية الأسرية المغربية، إن على مستوى تطور ضوابط الإسناد، أو على مستوى تكريس مفاهيم الحرية والمساواة في صلب القواعد المنظمة للروابط الأسرية التي أضحت تشكل جزءا من النظام العام الأوربي؟
     وهل يساعد الزواج المختلط فعلا في تلاقح الحضارات أم على العكس من ذلك يشكل بؤرة   للصدام فيما بينها؟ والى أي درجة انعكس الزواج المختلط على وضعية الجالية المغربية بالخارج؟ فهل كان وسيلة لتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي أم أنه كان معول هدم للهوية والارتباط بالوطن؟  
 والى أي مدى ساعدت الاتفاقيات الدولية الجماعية أو الثنائية في مجال الأحوال الشخصية من  تقليص التباعد بين الأنظمة القانونية الأوربية والنظام القانوني المغربي، والسماح بتذييل الأحكام الأجنبية سواء بالمغرب أو بالدول المستقبلة للجالية المغربية ؟  
      إن الإجابة عن هذه الإشكاليات لن يتأتى إلا من خلال المزاوجة بين أمرين اثنين:
أولهما استجلاء مختلف العراقيل التي تضعها بلدان الاستقبال في وجه تطبيق القانون المغربي للأحوال الشخصية، خاصة ما يتعلق منها بتطور مفهوم النظام العام في الدول الأوربية وبروز ضوابط إسناد جديدة في مجال الروابط الأسرية عبر الوطنية، إضافة إلى محاولة الكشف عن رزمة المشاكل القانونية والاجتماعية التي تحيط بالزواج المختلط.
      ثم ثانيا البحث في مكانة ووضعية قانون الأسرة المغربي أمام القضاء الأجنبي والأوربي على وجه الخصوص، من خلال الوقوف على كيفية تعامل هذا الأخير مع القانون المغربي للأحوال  الشخصية سواء على مستوى محاكم الموضوع أو محاكم النقض سيما بعد التعديلات المهمة التي طرأت على هذا الأخير بعد صدور مدونة الأسرة .
    لنخلص في الأخير إلى تقديم بعض الاقتراحات التي من شأنها تدعيم مكانة قانون الأسرة  المغربي أمام القضاء الأوربي.
   وعليه فقد ارتأينا تقسيم موضوع هذا البحث إلى فصلين رئيسيين:
  
 الفصل الأول: المشاكل القانونية الناتجة عن الزواج المختلط .

 الفصل الثاني: الانعكاسات الاجتماعية للزواج المختلط والحلول المقترحة لتفادي  المشاكل الناجمة عنه.  



 

 - سورة الروم.الآية 20.[1]
1- الحسين والقيد.كلمة ألقاها في أعمال الندوة الدولية المتعلقة بالزواج المختلط في العلاقات الأورو- مغاربية. المجلة المغربية للدراسات                                      الدولية.عدد خاص.أكتوبر 2003. ص . 25
2- محمد التغدويني.الوسيط في القانون الدولي الخاص.الطبعة الأولى.2005.مطبعة فاس بريس.ص.224
3- محمد المرابط . تقييم الاتفاقية الثنائية المغربية الفرنسية-الجانب القانوني والقضائي-.الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء.سلسلة                            لنكسر الصمت.العدد 3 نونبر2001.ص.141
1- القانون رقم 70.03 الصادر بالجريدة الرسمية السنة .93.العدد.5184 في 5 فبراير 2004.
1- عبد الكريم الطالب، دور اتفاقيات الأحوال الشخصية في تنمية التعاون بين دول اتحاد المغرب العربي والإتحاد الأوربي- الزواج والطلاق                          نموذجا- ،مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية،عدد 46، شتنبر/أكتوبر 2002 ، ص.82

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم