الخميس، 10 أكتوبر 2013

دور البصمة الوراثية في ﺇثبات النسب باﻹقرار


اعداد:  كريمة مغات
باحثة في صف الدكتوراة بكلية الحقوق جامعة سطات


ﺇذا كان النسب، يثبت بالفراش الصحيح، وما يلحق به، وكذا بشهادة العدلين، وبينة السماعﻔﺈنه يثبت كذلك باﻹقرار. وﺇذا كان الفراش، ليس طريقا من طرق ﺇثباته فحسب، بل يعتبر سببا منشئا له. ﻔﺈن اﻹقرار هو أمر كاشف له، يظهر أن النسبكان ثابتا من وقت الحمل بسبب الفراش الصحيح أو مايلحق به.

 ﺇن البحث في هذا الموضوعلن يرتبط بعرض وصفي لأحكام اﻹقراركوسيلة ﺇثبات في النسب. حيث المراجع الفقهية والقانونية العامة والخاصة مستفيضة في الأمر، ولا حاجة إلى التكرار.وﺇنما سندرس أحكام اﻹقرارفي ﺇطار ماله علاقة بدور البصمة الوراثية، في ﺇثبات النسب. من حيث كيف يمكن للبصمة الوراثية، أن يتحقق لها دور،في ﺇثبات النسب باﻹقرار.
                                
أولا: مفهوم اﻹقراربالنسب وطبيعته

1ـاﻹقرار لغة: هو اﻹذعان للحق، واﻹعتراف به، فيقال أقر بالحق اعترف به(1)               

2ـاﻹقرارشرعا: اﻹخبارعن ثبوت حق للغير، على نفس المقر.

وقد عرف الأحناف اﻹقرار، بأنه ﺇخبارعن ثبوت الحق، لا ﺇنشاء له. فالمقر، يخبر بالحق لغيره، ولا ينشئ ذلك الحق. لذلك، ﻓﺈن حكم اﻹقرار عند الأحناف، هو ظهور الحق، الذي أقر به المقر، لا ﺇثباته ابتداء. حيث ﺇن اﻹقرار، لايكون سببا لمدلوله، وﺇنما هو دليل، يقوم اﻹستحقاق عليه، في زمن سابق. ﺇذ اﻹقرار، ﺇخبار بأمر، وليس ﺇنشاء لحق. (2)

3ـاﻹقرار بالنسب: هو أن يقر شخص، ببنوته لشخص آخر، مجهول النسب. (3 )

وقد جاء في تعريف ﻟﻹستلحاق، في نطاق المذهب المالكي، مايلي: «ﺇقرار ذكر مكلف، أنه أب لمجهول، ﺇن لم يكذبه عقل، لصغره، أو عادة ».(4 )
حيث يتبين، من تعريف اﻹستلحاق في عرف الفقهاء، أنه عبارة عن ﺇقرار، واﻹقرار في الفقه، هواﻹعتراف بما يوجب حقا على قائله بشرطه.
 
 
4ـطبيعة اﻹقرار بالنسب

إن ماهية «اﻹقرار»عند الفقهاء، هي «ﺇخبار»، ويتفق في ذلك مع «الدعوى»، أو «اﻹدعاء»، ومع  «الشهادة» بالمفهوم الفقهي، فكلاهما أيضا «ﺇخبار». فالعبارات الثلاث: اﻹقرار، والدعوى، والشهادة، تشترك في هذا المعنى، ﺇلا أنها تفترق في مدى الأثر، أو الحكم، أو النفع، المترتب على كل عبارة من هذه العبارات على حدة. والمعيار في التمييز بينها، هو أنه ﺇذا كان هذا الأثر، قاصرا على المخبر أي قائل الخبر فهو ﺇقرار، وﺇن لم يقتصر أثره على قائله، بل يتعداه ﺇلى غيره، فيميز بين ما ﺇذا كان له نفع، فيما أخبر به فيسمى دعوى، أو لم يكن له نفع فيه، فهو شهادة.(5)

وعليه، وانطلاقا من التحليل السابق، لعبارة «ﺇقرار»،الواردة في تعريف اﻹستلحاق، يقع التساؤل عن طبيعته، حيث للرد عن هذا التساؤل، ﻓﺈن الأمر يقتضي أولا النظر ﺇلى علاقة اﻹستلحاق، بكل من طرفيها، ﻓﺈذا نظرنا ﺇلى اﻹستلحاق من ناحية الولد المستلحَق، نجد أن هذا التصرف، (أياﻹستلحاق) لصالحه،لأنه يثبت له نسبا وأبا معروفا بعدما كان مجهولا بدلا من أن يبقى محروما منه، مع مايترتب على هذا الحرمان، من مضار بالنسبة له. فاﻹستلحاق بذلك، يعتبر ﺇقرارا لفائدة الولد، وتترتب نتائجه، بمجرد صدوره من المقر، ﺇذا توفرت الشروط الأخرى، المقررة في صحة اﻹستلحاق. لكن ﺇذا نظرنا ﺇلى اﻹستلحاق، من جانب المستلحِق، نجد أن هذا التصرف، الصادر عنه، يرتب له هو اﻵخر مصلحة، تتمثل في تحقق أبوته للولد المستلحَق والفوز بضمه ﺇليه. ومادام هذا اﻹقرار يرتب مصلحة للمقر، فهو من هذه الوجهة «ادعاء» وليس ﺇقرارا، لأنه من المقرر فقها، أن من شروط اﻹقرار أن لايرتب مصلحة، أو فائدة للمقر، وﺇلااعتبر«ادعاءا». ومن القواعد العامة في الدعاوى، أن اﻹدعاء، يجب ﺇثباته، فلا يحكم لصاحبه بمجرده، وﺇلايرفض قوله بقاعدة «البينة على المدعي»، فهو الذي يتحمل عبء ﺇثبات ما يدعيه،ﺇلا أن هذه القاعدة، لاتطبق في ادعاء شخص، أبوته لولد، بل يصدق في قوله، لمجرد هذا اﻹدعاء، وذلك خلافا للقاعدة المذكورة.

ﺇذن، يستخلص من كل ذلك، أن «اﻹستلحاق » ذو طبيعة مزدوجة، فهو من جهة «إقرار»، ومن جهة أخرى «ادعاء»، مصدق صاحبه، دون ﺇثبات، على خلاف القاعدة العامة، التي توجب عدم تصديق اﻹدعاء، ﺇلا باﻹثبات. والتساؤل يثور، عن اﻹعتبارات التي جعلت المستلحِق يصدق فيادعائههذا، وذلك استثناءا من قاعدة «البينة على المدعي»، حيث ﺇنه من استقراء أقوال الفقهاء،نجد أنه يستند ﺇلى اعتبارات، في تعليلهم لهذا اﻹستثناء، منها:

– أن اﻹستلحاق، تقرر فيه تغليب جانب «اﻹقرر»، على جانب «اﻹدعاء»، لما في ذلك من مصلحة معتبرة شرعا، خاصة بالنسبة للولد، المقر به، لأنه كشف عن نسبه، بعدما كان مجهولا، فمصلحته
تقتضي، أن لايبقى دون نسب.

– أن الشرع، متشوف ﺇلى حفظ الأنساب، وستر الأعراض، ولهذه الغاية، أخذ بالنادر، وطرح الغالب، في كثير من الصور، المتعلقة بموضوع النسب، والتي من بينها هذه الصورة.(6)

ثانيا: شروط الإقرار بالنسب

سيتم باقتضاب، تناولشروط اﻹقرار بالنسب، على صعيد الفقه اﻹسلامي، في إطار المذاهب الأربعة، وﻜﺫا في نطاق مدونة الأسرة.

1ـ شروط الإقرار بالنسب في الفقه الإسلامي:

في المذهب المالكي:

في مذهب الإمام مالك، يشترط لصحة الإقرار، كسبب للحوق النسب، وﺫلك، انطلاقا من النصوص الفقهية، الآتي ذكرها، ومن تعريف الإقرار، المتقدم ذكره، الشروط التالية:

ـ أن يكون المقر هو الأب:

في نطاق ﻫذا المذهب، ينحصر من يثبت النسب بإقراره، في الأب وحده، دون غيره من الأقارب. ويقول الشيخ خليل في ﻫذا الشأن: « إنما يستلحق الأب مجهول النسب » ويقول شارحه، ومنهم الشيخ الحطاب:« أتى بأداة الحصر، لينبه أن اﻹستلحاق، لا يصح إلا من أب فقط، وﻫذا هو المشهور، وخرج بأداة الحصر، استلحاق الأم » قال ابن عرفة :« واستلحاق الأم لغو».(7)
من خلال ما ﺫكر، يتضح أن الأم، لا يقبل منها اﻹستلحاق في المذهب المالكي، أي الإقرار بولد، كما لا يقبل من باقي الأقارب، في المشهور من ﻫذا المذهب.

ـ أن يكون الولد المقر به مجهول النسب:

ينصرف ﻫذا الشرط، إلى معنى كون الولد، لا يكون له نسب، معروف، وثابت، لشخص آخر، غير المقر. ﻟذلك لا يستلحق معلوم النسب،(8) أما الولد مقطوع النسب، كولد الزنا، فاستلحاق الزاني لولده من الزنا، أمر مختلف فيه، بين فقهاء المسلمين على قولين، حيث ذهب الجمهور،ﺇلى عدم صحة استلحاق الزاني لولده من الزنا، رجح ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما، صحة استلحاق الزاني ﻹبنه من الزنا، وبالتالي ثبوت نسبه منه.

ـأن لا يكذب المقر عقل أو عادة:
 
ﻫذا الشرط، يعني عدم وجود قرائن قوية، تجعل الإقرار غير صحيح. ومثلوا ﻠذلك، بوجود فارق في السن، بين المقر، وبين المقر به. بحيث لا يتصور عقلا، ولادته منه، كما ﺇﺫا كان ﻫذا الفارق بينهما في السن، ست سنوات.  

ـ أن لايتضمن الإقرار، تحميل النسب، على غير المقر.
في المذهب الشافعي:

 أما في نطاق مذهب الإمام الشافعي، فيقبل الإقرار من:
أـالأب، بنفس الشروط المشار إليها في المذهب المالكي، مع إضافة شرط آخر، وهو تصديق الولد،إذا كان بالغا. ولا يكتفي في تصديقه، أن يكون مميزا، كما هو الشأن عند الحنفية،ﺍﻠذين يكتفون بتصديق الولد المميز. وأن يكون عاقلا، لاعتبار تصديقه، وإلا فلا يتطلب ﻫذا التصديق.

بـالأقارب الآخرين من غير الأب، كالإخوة، والأعمام، وأبناء الأعمام، بالشروط التي يشترطها في إقرار اﻹبن، مع إضافة شروط أخرى.

في المذهب الحنفي:

 إن الأشخاص،ﺍﻠذين يثبت النسب بإقرارهم، في إطار مذهب أبي حنيفة، هم:
أـ الأب، الذي يقر بولده.
بـ اﻹبن، الذي يقر بوالده، أو بأمه.
جـ الأم، التي تقر بولدها.
دـ البنت، التي تقر بأبيها، أو بأمها.
فيقبل في ﻫذا المذهب من هؤلاء، الإقرار بالنسب، أي إقرار الأصل بالفرع، والفرع بالأصل.
ـ يجب أن يكون الشخص المقر به، مجهول النسب.

ـيجب أن يكون الإقرار، محتملا للصدق، بحيث يمكن عقلا، أو عادة، أن ينسب الولد المقر به، إلى المقر، بمعنى، أن لاتكون هناك قرائن قوية، على ﻜذبه.

ـ تصديق المقر به، للمقرفي إقراره،إذا كان مميزا، دون اشتراط بلوغه.(9)

في المذهب الحنبلي:

المذهب الحنبلي، يماثل المذهب الشافعي، فيما يخص الأشخاص ﺍﻠذين يثبت النسب بإقرارهم، وكذلك فيما يخص شروط ﻫذا الإقرار، مع اختلاف بسيط، في بعض التفاصيل الخاصة بالبنت والأم، وباقي ذوي الفروض. ويستزاد على ذلك، ما يضيفه ابن قدامة ـ وهو من المذهب الحنبلي ـ من شرط، يتعلق بإقرار الأب، وهو ألا تكون هناك منازعة، في ﻫذا الإقرار، من طرف الغير. (10)
           
2ـشروط الإقرار بالنسب في مدونة الأسرة:

تتحدد الشروط، التي أقرتها مدونة الأسرة، فيما يتعلق بالإقرار بالنسب، في المادة 160 كالآتي:
« يثبت النسب، ﺒﺈقرار الأب، ببنوة المقر به، ولو في مرض الموت، وفق الشروط اﻵتية:
1 ـ أن يكون الأب المقر عاقلا.
2 ـ ألا يكون الولد المقر به، معلوم النسب.
3 ـ أن لايكذب المستلحق ـ بكسر الحاء ـ عقل أو عادة.
4 ـ أن يوافق المستلحق ـ بفتح الحاء ـ ﺇذا كان راشدا حين اﻹستلحاق، وﺇذا استلحق، قبل أن يبلغ سن الرشد، فله الحق، في أن يرفع دعوى نفي النسب، عند بلوغه سن الرشد.

ﺇذا عين المستلحق الأم، أمكنها اﻹعتراض، بنفي النسب عنها، أواﻹدلاء، بما يثبت عدم صحة اﻹستلحاق.
لكل من له مصلحة، أن يطعن في صحة توفر شروط اﻹستلحاق المذكورة، مادام المستلحق حيا ».

يتضح من ﻫذه المادة، أن شروط الإقرار بالنسب، التي ﺃﺨذت بها مدونة الأسرة، قد اقتبستها من مذاهب الفقه الإسلامي الأربعة، دون التقيد في ذلك، بالمذهب المالكي، وما دام أنه قد تمت الإشارة، إلى شروط الإقرار بالنسب، أواﻹستلحاق، في المذاهب الأربعة، فسيتم استبعاد، إعادة التفصيل فيها، من خلال مدونة الأسرة،ﻟﻹكتفاء ببعض اﻹيضاحات، كاﻵتي:
ـ يتميز المذهب المالكي، بأن استلحاق الولد فيه، هو أمر خاص بالأب، دون غيره من الأقارب، كالأم أو الجد. غير أن المشرع، في مدونة الأسرة، قدﺃﺨذ بإقرار الأم بالنسب، حسب ما ورد في المادة 147 من مدونة الأسرة، والتي جاء فيها:
  تثبت البنوة بالنسبة للأم، عن طريق:

إقرار الأم، طبقا لنفس الشروط المنصوص عليها في المادة 160، وهي المادة المتعلقة بشروط اﻹستلحاق، الصادر عن الأب.
ـ إن الشرط المتعلق، بألا يكون الولد، معلوم النسب. يبدو أن المقصود به، هو نفس العبارة الواردة في الفقه، وهو أن يكون الولد، مجهول النسب، حيث يخرج ﺒﻫذﻩ العبارة، الحالات التالية:
أـ كون الولد، ثابت النسب من غير المقر، أي أن أباه معروف، وهو غير المقر، سواء ثبت ذلك بالفراش، أوالشبهة. أما إذا كان ثابتا بالإقرار، فالأمر في ﻫذه الحالة يتعلق بإقرارين، صادرين من شخصين، والقول بصحة أحدهما، دون الآخر، يرجع لاختصاص المحكمة، التي لها الفصل، في ﻫذه المنازعة
بـ كون الولد، ممنوعا شرعا إلحاقه بالمقر، كالولد الذي يأتي نتيجة علاقة غير شرعية، بين المقر وبين المرأة التي ولدته،ـ أي ناتج عن الزناـ ويعبر الفقهاء عنه، بكونه مقطوع النسب، لأن الشرع، قطع نسبه عن الزاني،ﻭﻫذا قول الجمهور. مع الإشارة، إلى أن هناك اتجاها آخر في الفقه، خاصة في المذهب الحنفي، يرى جواز استلحاق الزاني، ولده من الزنا،إذا توفرت شروط معينة، وقد أيد ﻫذا اﻹتجاه، بعض الفقهاء من العصر الحديث.(11)
ـ إن تصديق الولد المقر به، للمقر، في إقراره إذا كان راشدا، هو شرط غير معتمد، لصحة اﻹستلحاق في المذهب المالكي، خلافا للمذاهب الفقهية الأخرى، والتي تشترط ﻫذا التصديق،إذا كان الولد مميزا، أو بالغا. أما في فقه المالكية، فلا يشترط التصديق مطلقا، بل يصح الإقرار، ولو أنكر الولد، وهو عكس ما سارت عليه مدونة الأسرة، التي تبنت موقف الجمهور، من خلال المادة 160.(12)
 
ثانيا: ظنية الإقرار وفعالية اﻹستعانة بالتحليل الجيني في ﺇثبات النسب

قد يحدث في الواقع، أن يغادر الزوج، بيت الزوجية، لسبب قانوني كالطلاق، أو بدون سبب شرعي، ﺇلى مكان آخر مجهول، وقد تكون الزوجة حاملا منه، أو تكون قد وضعت وليدا، لم يسجله بعد في كناش الحالة المدنية، ﺇلى غير ذلك من الأسباب، والحالات، التي يتجلى فيها بوضوح، أن الولد للفراش. أي نشأ تبعا لعقد نكاح صحيح، أو فاسد، أو من وطئ بشبهةـ مادام أن كل هذه الحالات تلحق بالزواج الصحيح من حيث ثبوت النسبـ وبعدما يتضح أن الأب، لم ينف الولد عنه، ولم يكن هناك ما يدعو الأب، لعدم اﻹعتراف بولده، سوى، أن هناك ظروفا، جعلت الزوج، يغادر بيت الزوجية، أو المدينة، أو حتى البلد، قبل أن يسجل إبنه، في كناش الحالة المدنية، فيصبح الولد، مجهول النسب. ونفس المشكل يطرح، حين ينفي الزوج ولده، عن طريق اللعان، كيدا بزوجته، وﺇضرارا بالولد. (13)
لذلك كله، اعتمد الفقهاء اﻹستلحاق أو اﻹقرار، كوسيلة شرعية ﻹثبات النسب الشرعي، كما أخذ به المشرع، ونظمه بالمواد، 160، 161، 162 مدونة الأسرة.
 ونجد له تطبيقات كثيرة، في اﻹجتهاد القضائي، منها:
ـ " ﺇقرار الأب بالبنوة، يعمل به في لحوق النسب، وهذه القاعدة، مؤسسة على الأصول العامة في مذهب اﻹمام مالك …"(14)
 ـ " النسب يثبت باﻹقرار، كما يثبت بالفراش أو البينة، ولو بنكاح فاسد، أو بشبهة، وتترتب عنه جميع نتائج القرابة، وتستحق معه النفقة، والتوارث …" (15).
وبعد اﻹطلاع، على النظام الشرعي، والقانوني ﻟﻹقرار، كوسيلة من وسائل ﺇثبات النسب، يتضح أن البصمة الوراثية، يبرز لها دور مهم، في ﺇثبات النسب باﻹقرار، لأن هذا الأخير، يعتبر كذلكوسيلة ظنية لاتفيد القطع واليقين، في اﻹثبات.(16)
نستشهد ونعلل بصحة هذا القول، أن ظنية اﻹقرار، كانت أمرا معلوما لدى الفقهاء، حيث كانوا يدركون جيدا، أن اﻹقرار بالنسب، لايفيد الصدق دائما، من المقر، أي أن هناك احتمالية، في مطابقته للواقع، فالقول المعتبر مثلا في الفقه الحنفي، المعمول به، أن النسب، يثبت بالدعوة، من غير أن يبين المقر، وجه النسب، سواء أكان المقر صادقا في الواقع، أم كاذبا، فيكون عليه ﺇثم ادعائه، حيث استقر الأحناف، على أن النسب يثبت باﻹقرار،ولو كان كذبا.(17)وبذلك، يظهر أنهم كانوا يعلمون، بأن اﻹقرار قد يفيد الصدق، وقد يفيد الكذب من المقر، أي أنه ظني، لايفيد القطع دائما، وكانوا يرجحون صدق المقر، احتياطا منهم في ثبوت النسب، وعدم ضياع الولد.
   ﺇضافةﺇلى أنه، ﺇذا كان ﺇقرار الأب، بنسب ابنه له، يترتب عنه، ثبوت النسب، ﻓﺈن ذلك يتوقف، على شروط محددة، يجب أن تتوافر فيه، ورد النص عليها، ضمن مقتضيات المادة 160 من مدونة الأسرة.
حيث يتضح، بالتدقيق في ﻫذه الشروط، أن من المؤشرات الظنية ﻟﻹقرار، في ﺇثبات النسب، مايتعلق باشتراط، ألا يكذب المستلحق عقل، أو عادة، حيث يبدو، أن ﻫذا الشرط، هو من الشروط المتفق عليها فقها، ويعبر عنه البعض، بكون الولد، محتمل الثبوت من نسب المقر، فلا يكذبه الحس، أو العقل في الظاهر.ومما يكذبه العقل، كون الأب المقر، أصغر من الولد المقر به، أو أن بينهما فارقا بسيطا في السن، بحيث يستحيل  للمقر به عقلا، أن يكون ﺇبنا للمقر. ومما تكذبه العادة، أن يقر رجل، بنسب ولد، من بلد، أو مكان، لم يسبق له أن أقام به، أو زاره، أو أن يثبت، بأن الرجل المقر، لم يسبق له على اﻹطلاق، أن تزوج، أو أنه خصي، أو مجبوب، أوعنين، من زمن متقدم، على زمن بدء الحمل، بالولد المقر به.(18)فهذا الشرط ﺇنما حدد، لضبط صدق المقر، من كذبه، والقطع في احتمالية ﺇقراره، لظنية هذا الأخير، حيث يتوقف، قبول ﺇثبات النسب باﻹقرار، على عدم معارضته الدليل الحسي، والبصمة الوراثية، بعد ثبوت حقيقتها العلمية، تعد حكما حسيا، لكونها شاهدة حقيقية، يجب ألا تعارضها سائر الأدلة، وهي بذلك، في حكم الشرط، لصحة الأخذ باﻹقرار.
 
فعلى الرغم، من أن اﻹقرار، يعد سيد الأدلة، ﺇلا أن هناك من الحالات، التي لا يتفق فيها ﺇقرار الشخص، مع ما يتوافر من أدلة، وكثيرا ما ترد المحكمة، مثل هذا النوع من اﻹقرار:
" ﺇن محكمة اﻹستئناف، بنت حكمها، بنفي نسب الولد، على أن عقد الزواج، لم تمض عليه المدة الشرعية، الكافية للحوق الولد، وأن ﺇقرار الزوج ببنوته، بتسجيله في دفتر الحالة المدنية، يعتبر ﺇقرارا، غير صحيح، لتصادمه، مع ازدياد الولد، قبل المدة المعتبرة شرعا "(19)
 " ﺇن اﻹقرار بالبنوة، يخضع لقواعد الفقه الإسلامي، وليس ﻟﻹقرار، الوارد، في ظهير اﻹلتزامات والعقود.
ﺇن الولد المزداد قبل ﺇبرام عقد النكاح، لايمكن لحوق نسبه ﺇلى الزوج، ولو أقر ببنوته، وكان من مائه، لأن ﺇبن الزنى، لايصح اﻹقرار ببنوته. "(20)
وعليه، يتضح أن اﻹقرار، يعد من المؤشرات التخمينية، والتي لا يمكن قياسها، فكما لايمكن قياس درجة الصدق، وقوة اﻹيمان، ﻓﺈنه لايمكن قياس اﻹقرار، في ﺇثبات النسب. لاسيما،أنه يكون مبنيا  في بعض الحالات،على محاباة، أو ﺇكراه، أو لدرأ ضرر. لذلك، يمكن القول،ﺇن اﻹقرار،مبني على غلبة الظن، مع احتمال عدم تطابقه مع الواقع، لذا، يمكن أن يكون باطلا. فقد لايكون الأب صادقا في ﺇقراره، لسبب ما، أي أن ﺇقراره، قد لايكون مطابقا للواقع، بخلاف الأمر عليه في البصمة الوراثية، فهي كدليل مادي، تكون مطابقة للواقع، ولا تقبل العود، ولا اﻹنكار.
لذلك، ﻓﺈن دور البصمة الوراثية في ﺇثبات النسب باﻹقرار، ﺇنما يتمثل في الكشف عن صدق المقر من عدمه، حيث ﺇن كشف التحليل الجيني، يبين في حالة مطابقة الصفات الوراثية للأب، مع الصفات الوراثية ﻟﻹبن، صدق ﺇقرار الأب، وبالتالي ثبوت نسب الولد باﻹقرار. ويكشف ﺇن انتفت المطابقة، عدم صدق الأب، وأن ﺇقراره، مخالف للواقع، ما يستلزم نفي الولد عنه.
لذلك،يستخلص من كل ما سبق،أنه يجب أن تكون البصمة الوراثية، موازية ﻟﻹقرار، فتصدقه، أو تنفيه، وبهذا يكون لها دور، وقيمة ملموسة، في ﺇثبات النسب باﻹقرار.(21)
 

الهوامش
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الجوهري: الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية، دار العلم، بيروت، 1979،  الجزء2، ص 790.
(2)أحمد نصر الجندي: المرجع السابق، ص 34.
(3)ممدوح عزمي: دعاوى ثبوت الزوجية، ثبوت النسب، م.س، ص70.
(4) أحمد الصاوي: بلغة السالك لأقرب المسالك، دار الفكر، بيروت، ت.ط.غ، المجلد الثاني، ص 180–181.
(5)المرجع السابق: ص 176.
(6)  محمد أكديد:اﻹستلحاق في الفقه والقانون، الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة، دار السلام، الرباط،2004،ع5، ص37–38.
(7) الحطاب: مواهب الجليل شرح مختصر خليل، دار المعرفة، ت.و.م.ط.غ.م، 5/239.
(8) الحطاب: م.س، 5/238.
(9)  محمد أكديد:م.س، ص 43 ،44.
(10) المرجع السابق: ص 46.
(11) المرجع السابق: ص48 – 49.
(12) المرجع السابق: ص53.
(13)خالد بنيس: مدونة الأحوال الشخصية، الولادة ونتائجها، بابل للطباعة والنشر،الرباط،1989، ص 89. ﺇن الحالات التي توجب اﻹقرار، أمر نادر الوقوع، لأن أغلب الأشخاص المجهولي النسب اليوم، هم من بين من يطلق عليهم بأولاد السفاح، الذين نشأوا عن علاقة غير شرعية. خالد بنيس: م.س، ص 90.
(14) قرار المجلس الأعلى عدد 12، بتاريخ 29 أكتوبر، 1962 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 65، ص 108.
(15) قرار المجلس الأعلى عدد 435، الصادر بغرفتين، بتاريخ 22 شتنبر 2004 ، الملف الشرعي 235/ 1/ 2002.
(16) يوسف وهابي: المرجع السابق،ص 25.
(17)ممدوح عزمي: م.س، ص 83.
(18)خالد بنيس: م. س، ص98. محمد أكديد: م.س، ص47.
(19)قرار عدد 1045، بتاريخ 10 /9 /91، ملف الأحوال الشخصية والميراث 6355/ 87، غير منشور، ورد ذكره في اﻹجتهاد القضائي في مدونة الأحوال الشخصية 1995 ، ط 1، ﺇدريس بلمحجوب، ص 61–62.
(20)قرار المجلس الأعلى عدد 446، بتاريخ 30/ 3 /1983، في الملف عدد 54758، منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 48،  ص 77.
(21)ﺇبراهيم أحمد عثمان: م.س، ص17.محمد فريد الشافعي: م.س، ص28.
 عن : MarocDroit.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم