الاثنين، 10 مارس 2014

أوجه قصور حماية الطفولة بالمغرب


من إعداد : رضوان بورشوق
باحث بسلك الدكتوراه تخصص القانون العام
كلية العلوم القانونية جامعة المولى إسماعيل مكناس


أوجه قصور حماية الطفولة بالمغرب
مقدمة

لقد وعى المغرب بأهمية ضمان وصون حقوق الطفل منذ أواخر القرن الماضي أو ما يسمى بعشرية هرولة بلدان العالم الثالث للتصديق على اتفاقيات حقوق الإنسان، وعمل المغرب في هذا الإطار للانضمام و المصادقة على الاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل، حيث يعتبر من أوائل الدول الموقعة على اتفاقية حقوق الطفل لسنة  1989 وذلك في اليوم الأول الذي فتح فيه التوقيع و بالتحديد في  26 يناير 1990 وسارع للمصادقة عليها بعد ذلك في 14 يونيو 1993، موردا تحفظا وحيدا متعلق بالمادة 14 الخاصة بحرية الوجدان و العقيدة لدى الطفل، وفي نفس السياق صادق المغرب في  4 دجنبر 2003 على البرتوكولين الاختياريين المتعلقين على التوالي ببيع الأطفال و استغلالهم في المواد الإباحية و منع إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، و باعتبار المغرب عضو في منظمة العمل الدولية فقد عمل على الالتزام بمجموعة من الاتفاقيات التي تتناول موضوع تشغيل الأطفال مثل الاتفاقية رقم 138 الخاصة بالحد الأدنى لسن التشغيل، والاتفاقية رقم 182 الخاصة بحظر تشغيل الأطفال في الأعمال السيئة، كما  عبر المغرب ما من مرة عن التزامه الضمني بالمعايير الدولية المتعلقة بالأحداث الجانحين، مثل قواعد الأمم المتحدة النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث المعروفة اختصارا بقواعد بكين، و قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم.

         ولم يتوقف اهتمام المغرب بحقوق الطفل عند هذا الحد بل أدرك أن المصادقة و الالتزام الأخلاقي بالمواثيق الدولية تستتبعه خطوات أخرى على الصعيد الوطني، تبتدئ بالملائمة التشريعية و تمتد إلى ضمان الحقوق على المستوى العملي بواسطة هيئات و آليات مؤسساتية هدفها تكريس و احترام حقوق الطفل.

ونظرا للوضعية المقلقة لأطفال المغرب على مستوى العديد من الواجهات، فقد أولت الحكومات المتعاقبة اهتماما بالغا لتجاوز المشاكل المرتبطة بضمان حق الطفل في الحياة و التعليم و الحماية عبر اعتماد برامج  و استراتيجيات قطاعية و أخرى حكومية، وتتضافر جهود الهيئات الحكومية مع جهود مجموعة من المؤسسات الرسمية التي تتدخل لتقديم الرعاية و التأهيل والإدماج الاجتماعي خاصة للأطفال الذين يعانون من ظروف صعبة، ويساعد هذه الآليات فاعل جديد أتبث قدرته على ملئ الفراغ الذي تركته الهيئات الرسمية، و أصبح يشكل دعامة أساسية في عملية النهوض بحقوق الطفل بالمغرب و هو المجتمع المدني.
رغم كل هذه الاستراتجيات و السياسات التي تعتمدها الهيئات المهتمة بالطفولة ورغم نشاط الفعاليات المدنية في سبيل توفير الحد الأدنى من الحماية                و الرعاية،  إلا أن الواقع ينضح بالعديد من التحديات التي تأزم وضعية الأطفال،             و المرتبطة أساسا بمحدودية  الحق في البقاء و النماء  و الحماية، فما هي إذن أهم أوجه قصور حماية الطفولة بالمغرب ؟

المحور الأول:  توسع دائرة الأطفال في وضعية صعبة.

إن مفهوم الطفل في وضعية صعبة من المفاهيم المطاطية والتي يمكن أن تشمل مجموعة من الأطفال الذين يعيشون ظروف غير عادية، أو يعانون من مشاكل مقارنة بغيرهم من الأطفال ([1])، كأطفال الشوارع والأطفال المعاقين والأحداث المخالفين للقانون.

أولا: الأطفال المهملون وأطفال الشوارع.

لا يختلف اثنان في كون ظاهرة الأطفال المهملين وأطفال الشوارع أصبحت تزداد بشكل كبير ومقلق، وهذا ما يؤدي إلى توسيع دائرة الأطفال في وضعية صعبة.
فالأطفال المهملون أو المحرومون من الأسرة، هم أطفال متخلى عنهم يولدون لآباء وأمهات مجهولين أو غير مرتبطين بزواج شرعي ([2])، فإما ينبذون أطفالهم ويتخلون عنهم بشكل أو بآخر، أو يعيش الأطفال في كنفهم ولكن في وضعية صعبة بحيث يصبحون في هذه الحالة في حاجة ماسة لمساعدات الدولة والسلطات العامة .
ويمكن القول بأن هذه الظاهرة ترتبط بشكل أساسي بمجموعة من العوامل التي تؤججها، كالأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الطابع العام لجهاز الضبط الاجتماعي من قيم وأخلاق وأعراف وتقاليد ([3])، والتي تحكم المجتمع فينظر إلى الطفل المهمل على أنه وصمة عار، باعتبار أن أغلب الأطفال المهملين هم نتيجة علاقة غير شرعية لما يعرف بالأمهات العازبات والآتي يعشن ظروفا صعبة يتصارع فيها ما هو اقتصادي بما هو اجتماعي وقيمي مما يؤدي بأغلبيتهن للتخلي عن أبنائهن.
وتشير المعطيات إلى أن أغلب حالات التخلي عن الأطفال تتم بالمستشفيات والمصحات الخاصة، بينما تتم حالات أخرى في الشارع ، و بحسب دراسة أنجزت من قبل "مغرب الأمهات العازبات" سنة 2008 فإن 153 طفل يوميا يولدون خارج مؤسسات الزواج يتم التخلي عن 24 منهم كمعدل يومي ([4])، وأشارت دراسة أخرى قامت بها "العصبة المغربية لحماية الطفولة" حول ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم إلى أن عددهم بلغ سنة 2008 حوالي 4554  طفل ، أي ما يعادل 1,3   % من مجموع الولادات في تلك السنة، وقد يكون العدد أكثر من ذلك خصوصا في السنوات الأخيرة.
وعلى الرغم من تعقد ظاهرة الأطفال المهملين ومساسها ليس بحقوق الطفل فحسب ولكن بكيان المجتمع ككل، فإن غياب أرقام رسمية لهذه الظاهرة يعكس ضعف الاهتمام بهذه الفئة من قبل الفعاليات الرسمية، على عكس الفعاليات المدنية والتي تبذل مجهودات كبيرة رغم شح الإمكانيات.
كذلك فموضوع الرعاية البديلة للأطفال المهملين، لم ينل الاهتمام المطلوب من طرف المسؤولين المغاربة، مما أدى في فترات سابقة إلى فراغ تشريعي تم تداركه سنة 1993، بإصدار ظهير بمثابة قانون رقم 165-93-1 المتعلق بالأطفال المهملين، وقد تم تعديله في 13 يونيو 2002 حيث تضمن حماية أفضل نسبيا للطفل المهمل .
وكثيرا ما يتحول الأطفال المهملين في حالة عدم وجود الرعاية و الحماية من طرف الأسرة و المجتمع إلى مشروع ناجح لأطفال الشوارع و والذي يعتبر مصطلحا يطلق على تسميات عدة منها: المهمش، غير المكيف، ولد الزنقة، مشرد، متسول ([5])، وقد عرفت منظمة اليونيسيف طفل الشارع على أنه كل طفل يقل عمره عن سبعة عشر عاما ولا يلقى دعما ولا رعاية مادية أو عاطفية ونفسية من عائلته ([6]).
ويعتبر الطلاق والفقر والظروف المعيشية المزرية والقسوة في تربية الطفل، وتخلي الآباء عن وظيفتهما التربوية من العوامل الرئيسية والمساهمة في انتشار ظاهرة أطفال الشوارع، حيث تشير الدراسات إلى أن 90 % من أطفال الشوارع لديهم على الأقل أب وأم، لكن تخلي أمهاتهم عنهم وغياب أبائهم عن أسرهم وعدم التكفل بهم ماديا ومعنويا من العوامل التي تساعد على تشردهم، وتفيد الدراسات والبحوث الاجتماعية أن المشاكل الأسرية المتمثلة في وفاة أحد الأبوين أو كليهما أو انفصال الزوجين أو تعدد الزوجات أو الخيانة الزوجية قد تدفع الأسر للتخلي عن مسؤوليتها في التربية والرعاية المادية والمعنوية مما يدفع الأبناء إلى إغراءات الشارع.
وعلى مستوى المغرب تعرف معظم كبريات المدن تزايد مطردا في أعداد الأطفال المشردين، واستنادا إلى مصادر مختلفة رسمية وغير رسمية يمكن تحديد هذه الفئة بالآلاف، والملاحظ أن جل الأطفال المشردين ينحدرون من أسر معوزة وآباء  غالبا أميون وأزواج افتقدوا التآلف والحب والحنان ([7])، فتجد الأطفال في مواقف السيارات، وقرب المطاعم، وعلى الأرصفة وفي الحدائق، لا ملجأ لهم ولا مسكن، فهم يتخذون بعض الأماكن والحدائق المهجورة مكانا للمبيت، مفترشين الأرض وملتحفين السماء، ويعيش معظم هؤلاء عن طريق السرقة أو التسول أو من خلال تقديم خدمات بسيطة مثل تنظيف زجاج السيارات أو بيع المناديل أو مسح الأحذية.
وقد كشف الباحث الاجتماعي المغربي شكيب جسوس في دراسة أشرف عليها حول ظاهرة أطفال الشوارع في المغرب عن وجود ما يزيد عن 30 ألف طفل وطفلة يعيشون بشوارع المغرب دون مأوى يضمهم ([8])، وهذا ما يفسر في نظرنا عجز مراكز الإيواء والاستقبال عن استيعاب هذا العدد الكبير.
ومهما كانت الأرقام والتقديرات لأعداد أطفال الشوارع فالواقع يوضح أنها في منحى تصاعدي، وهذا ما يخلف نتائج خطيرة ليس فقط على المجتمع بل على الأطفال كذلك، حيث يتعرضون للانحراف والاستغلال بكافة أشكاله الجنسي والاقتصادي... هذا دون إغفال التأثيرات الصحية  و النفسية نظرا للوسط الذي يأوي هؤلاء الأطفال ألا وهو الشارع و الذي لا يستطيع أن يوفر الحماية المطلوبة لهم.

  ثانيا:  الأطفال المعاقين بالمغرب.

المعاق حسب تعريف منظمة الأمم المتحدة هو "كل شخص لا يستطيع أن يكفل لنفسه كليا أو جزئيا ضروريات الحياة الفردية أو الاجتماعية نتيجة نقص فطري في قواه العقلية أو الجسدية ([9])، أما المشرع المغربي فقد عرف المعاق في القانون 07/92 المتعلق بالحماية الاجتماعية للأطفال المعاقين بأنه كل شخص يوجد في عجز دائم أو ظرفي ناجم عن نقص أو عاهة تمنعه من الأنشطة الأساسية، و بناءا على هذين التعريفين فالإعاقة إما أصلية منذ الولادة أو مكتسبة في مرحلة من العمر، و تتعدد أشكال الإعاقة تبعا لدرجتها و نسبة انتشارها، و يبقى التصنيف الأكثر شيوعا هو المستند على ظهور العجز، مثل الإعاقة الجسدية و الحسية والعقلية.
وقد صدرت مجموعة من البيانات والمواثيق والتوصيات الدولية المهتمة بالإنسان المعاق، توجت سنة 2006 بالاتفاقية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، ولا شك أن من أبرز أولويات الدول هو العمل على ملائمة تشريعاتها الداخلية مع المواثيق الدولية، وذلك من أجل وضع سياسة تشريعية ملائمة تحدد آليات وتدابير من شأنها تمكين الشخص المعاق من الاستفادة الفعلية من حقه في التعليم والتكوين والشغل.
وفي هذا الصدد ومن خلال قراءة في القوانين المغربية نجد أن المنظومة التشريعية الوطنية لم تخص الإنسان المعاق بقوانين تنظم وضعيته كمعاق باستثناء القانون 05/81 الخاص بالرعاية الاجتماعية للمكفوفين وضعاف البصر، إضافة إلى القانون رقم 07/92 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للمعاقين بل خضع المعاق مثله مثل جميع المواطنين للأحكام العامة والتشريع المطبق على كامل الأفراد مثل مدونة الأسرة و القانون المدني...
 ولربط الموضوع بالمعطى العددي، فقد كشف بحث ميداني حول الإعاقة الذي أنجز سنة 2004 من طرف وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن أن عدد الأشخاص المعاقين في المغرب بلغ مليون و530 ألف شخص بنسبة % 5,2 من مجموع السكان، وهذا خلافا للتوقعات التي تشير إلى أن النسبة في حدود 10 % من السكان، حسب توقعات منظمة الصحة العالمية التي ترى أن 10 % من ساكنة كل بلد تعاني من  الإعاقة ([10]) .
ويعاني الأطفال المعاقين بالمغرب من العديد من الصعوبات يمكن إجمالها فيما يلي([11]):

1-على مستوى المقاربة الموجهة للأطفال المعاقين:
  • غياب رؤية و مقاربة شمولية و مندمجة لدى الفاعلين في مجال الإعاقة في ظل تواجد مبادرات أحادية الجانب.
  • ضعف إشراك الفاعلين الجمعويين و الخبراء المهتمين بمجال الإعاقة عند تسطير الإستراتيجيات و البرامج  القطاعية .
  • تعدد القطاعات المعنية بالإعاقة سواء الرسمية منها و المدنية وهذا ما يخلق نوعا من التشتت و التيه فيما يخص الجهود و الاستراتيجيات الهادفة لتحسين وضعية هذه الفئة.
                 2- على المستوى التشريعي :
  • ضعف الترسانة القانونية المتعلقة بمجال الإعاقة و عدم تفعيلها.
  • ارتباط إصدار و تفعيل القوانين المتعلقة بالإعاقة بمجالات تدخل قطاعات ومؤسسات أخرى يرهن فعالية هذه القوانين.
      3- على مستوى التربية و التكوين:
  • عدم التعاطي و التكفل المسؤول و الهادف لموضوع التربية و تعليم الأطفال حاملي الإعاقة من طرف القطاع الحكومي الوصي، مما اضطر وزارة التضامن إلى تجاوز اختصاصاتها و تحمل عبء التكفل بنفقات تمدرس الأطفال المعاقين إعاقة عميقة بالمراكز المتخصصة.
  • ارتفاع تكلفة تمدرس الأطفال و الخدمات المرتبطة بها (ترويض النطق، الترويض الطبي و النفسي ...) مما يحول دون استفادة شريحة واسعة من الأطفال خصوصا المنحدرين من أسر فقيرة ، من الخدمات التربوية و التعليمية اللازمة خصوصا وأن أغلب المراكز التي تقدم الخدمات للأطفال المعاقين ليست تابعة للدولة.
  • انحصار التعليم الموجه للأطفال الحاملين للإعاقة المتوسطة و الخفيفة في السلك الأساسي، دون حقهم في الحصول على الشهادات الأخرى بسبب عدم إدراج الأقسام المدمجة في الخريطة المدرسية.
  • ضعف البرامج التعليمية و الموضوعات التكوينية الموجهة للأطفال المعاقين.
  • تمركز أغلب المراكز المتخصصة لتعليم المعاقين في المدن الكبرى .
  •  
  • طغيان الإجراءات المسطرية المعقدة التي تحد من إمكانية ولوج المعاقين للتكوين المهني.
4- على مستوى الرعاية الصحية :
  • ضعف الرعاية الصحية الموجهة للأطفال المعاقين.
  • قلة المراكز المتخصصة في تقديم الرعاية الطبية للأطفال المعاقين، و تمركزها في المدن الكبرى.
  • معاناة فئة عريضة من الأطفال المعاقين من غياب تأمين صحي يغطي احتياجاتهم الخاصة، فحسب وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، فشخص واحدا فقط من كل مئة شخص معاق، يتوفر على تأمين يغطي التكاليف الطبية المرتبطة بإعاقته بشكل كامل.
           وعلى أي فهناك مجهودات تبذلها الفعاليات الرسمية في شتى المناحي المرتبطة بقضايا الإعاقة بشكل عام والأطفال المعاقين بشكل خاص، لكنها تبقى محتشمة ولا تصل في كثير من الأحيان إلى الحد الأدنى من الرعاية للحاملين لواحد من صنوف الإعاقة العقلية والجسدية أو الحسية ([12]).
وفي ظل غياب شبه تام للدراسات والأبحاث في مجالات الإعاقة وعدم توفر معطيات محينة لعدد الأطفال المعاقين بالمغرب، وكذا غياب خطة عمل وطنية متكاملة في مجال إدماج المعاق في الحياة العامة، دخل المجتمع المدني هذا المجال وساهم بشكل كبير بالإسهام بخبرته ومواهبه في العمل التنموي وتقديم الرعاية اللازمة لفئة الأطفال المعاقين، رغم ذلك فمشكلة الإعاقة لازالت تحتاج في حقيقة الأمر إلى المزيد من الجهود حتى يمكن التعرف على حجمها الحقيقي، ومن تم علاجها على أساس من الدراسة العلمية والتخطيط السليم .

ثالثا: الأطفال المخالفون للقانون.

شكلت الجريمة ومازالت إحدى القضايا الرئيسية في كثير من بقاع العالم باعتبارها ظاهرة إنسانية واجتماعية، ([13]) ويظل جنوح الأحداث واقعا مفضوحا لا تنفع معه كل محاولات الإخفاء والتلميع. فالشوارع مملوءة بمشاهد العطب الاجتماعي، أطفال في عمر الزهور يتسولون ويمارسون أفعالا جانحة ([14]).
فالحدث المنحرف أو الجانح أو المخالف للقانون على تعدد التسميات هو كل حدث يرتكب في سن معينة، فعلا لو أتاه البالغ يقع تحت طائلة العقاب والقانون، والمشرع المغربي لم يحدد سنا أدنى لعدم الملاحقة، ويبقى الأحداث الذين دون سن الرشد الجنائي عرضة للتدخل القضاء لاتخاذ تدابير الحماية ([15]).
و المغرب ليس استثناء عن هذه الظاهرة فقد عرفها منذ الفترة الاستعمارية بسبب بطش المستعمر والسجن والجوع، فما كان لأطفال ذلك الزمان سوى الانتقام عن طريق ارتكاب الجرائم.
ورغم تغير الظروف والزمان فظاهرة جنوح الأحداث لازالت منتشرة، بل وزادت عما كانت عليه في السابق بسبب مجموعة من العوامل المتداخلة مثل غياب الرقابة الأسرية و عدم استطاعة المدرسة تأدية دورها في التنشئة السليمة للأطفال، كما تلعب الظروف الاقتصادية و البيئة المحيطة دورا هاما في انحراف الأحداث ، ويمكن إضافة عامل أخر بدأ يتقوى في الآونة الأخيرة و هو غلبة الهاجس الأمني لدى السلطات فيما يخص تصرفات الأطفال، وقد تزكى هذا الطرح من خلال القضية الأخيرة المتعلقة بمتابعة ثلاث قاصرين بالناضور بتهمة الإخلال العلني بالحياء عن طريق نشر صور في أوضاع معينة، في حين كان يجب الاعتماد على مقاربة تربوية في التعامل مع طيش هؤلاء الأطفال.
وقد كشف وزير الشباب والرياضة عن معطيات مخيفة بخصوص جنوح الأحداث بالمغرب، وقال أن حوالي 6000 جانح سنويا يلجون مختلف الإصلاحيات و مراكز الحماية، رغم أن القدرة الاستيعابية لا تتعدى 2075 نزيل، مما يعني أن الإصلاحيات العشرون المتوفرة بما فيها خمس مراكز مخصصة للإناث تستقبل ما يفوق قدرتها بثلاث مرات،  ويمثل الأطفال البالغون من العمر ما بين 12 و 18 سنة 85.2  من الأطفال المودعين ، فيما يمثل الأطفال دون 12 سنة 14.8  % ، بينما هناك حالات لبعض الرضع يعشن مع أمهاتهم الجانحات، ويمثل الذكور63 % من مجموع المودعين بالمؤسسات الخاصة بالأطفال المخالفين للقانون بينما تشكل الإناث 37 من المجموع([16]).
           وما يمكن استخلاصه من هذا الأرقام هو أنها لا تتناول إلا الأحداث الذين يقعون تحت أيدي الشرطة ويقدمون للمحاكم وتصدر في حقهم أحكام بالإيداع في المؤسسات الخاصة ، دون الذين لا يقع عليهم القبض، أو الذين تسوى أمورهم داخل الإطار العائلي عن طريق الصلح و الترضيات، كذلك لا تشمل الإحصائيات الموقوفين الذين يطلق سراحهم، مما يعني أن الرقم الحقيقي للأحداث المنحرفين مهول ومخجل ويندر بأبشع العواقب إن لم تتضافر جهود جميع الفاعلين للحد على الأقل من هذه الظاهرة.
وللإشارة فالمغرب أدخل تعديلات على قانون المسطرة الجنائية، فقد كان سن الرشد الجنائي سابقا هو 16 سنة، أما الآن فقد أصبح هو 18 سنة طبقا للمادة 458 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك تماشيا مع مقتضيات المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل، كما نصت نفس المادة على أن الأحداث البالغين لأقل من 12 سنة غير مسؤولين جنائيا لانعدام التمييز، وأن البالغين من العمر ما بين 12 و18 سنة هم مسؤولون مسؤولية ناقصة لعدم اكتمال التمييز ([17]).
إن التعاطي مع موجة الإجرام لدى الأطفال لازالت تخضع للهاجس الأمني بدل اعتماد مقاربات تنموية و تربوية و إصلاحية أكثر نجاعة وفعالية، تروم تجفيف منابع صنع الجريمة بشكل عام وجنوح الأحداث بشكل خاص، وهي كما حددها الباحث السوسيولوجي والأستاذ عبد الرحيم العطري في ثالوث: الفقر والتهميش والحرمان.

المحور الثاني:الاستغلال السوسيواقتصادي للأطفال

تعاني فئة عريضة من الأطفال بالمغرب شتى أنواع الاستغلال و سوء المعاملة، و يتجلى ذلك من خلال تشغيل الأطفال و العنف الذي يعتبر الاستغلال الجنسي أحد صوره.

أولا: تشغيل الأطفال بالمغرب.

يعد موضوع تشغيل الأطفال من المواضيع المعقدة وذلك لأنه يصعب في الواقع تعريف تشغيل الأطفال، وتحديد حجمه بطريقة واضحة، وإذا كان تشغيل الأطفال بمثابة ظاهرة اجتماعية لها جذور قديمة، فإن هذه الظاهرة قد أخذت تتنامى تحت تأثير العولمة  و الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها العديد من بلدان العالم، الشيء الذي أدى إلى ظهور عدة أنواع وأشكال من الشغل، مثل الشغل المؤقت والشغل المستقل والشغل المؤدى في إطار المساهمة في الاقتصاد العائلي .
وتذكر العديد من الإحصائيات الدولية أن حوالي 25 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 سنة يعملون في سوق الشغل، في مختلف القارات خاصة في القارة الأسيوية حيث يوجد أكبر عدد من الأطفال العاملين.
ولا تختلف هذه الظاهرة في المغرب عن باقي بلدان العالم بوجه عام والبلدان النامية بشكل خاص، بحيث أصبحت مقلقة لأنها تمس بشريحة كبيرة على اعتبار أن للظاهرة انعكاسات خطيرة على الطفل والأسرة والمجتمع([18])، وبلغة الأرقام فالإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004 أشار إلى أن عدد الأطفال المشغلين في المغرب والذين تقل أعمارهم عن 15 عاما بلغ 177085 طفلا غير أن ما لم يأخذ به هذا الإحصاء بعين الاعتبار هو عدد الأطفال الذين يقومون بأعمال منزلية أو أعمال بدون أجر أو أعمال في إطار المساعدة العائلية، وهذا ما يبرر الفرق بين نسبة الأطفال المشغلين بحسب هذا الإحصاء ومقارنتها بالنتائج التي خلص لها البحث الوطني حول التشغيل المنجز سنة 2000، بحيث أشار إلى أن عدد الأطفال الذين يعملون والذين تتراوح أعمارهم بين 7 و14 عاما يقدر ب 600 ألف طفل.
وقد أفادت مذكرة إخبارية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط سنة 2013  ، عن انخفاض معدل الأطفال المشغلين بنسبة 7.8  % ما بين 1999 و 2012، وأشارت نفس المذكرة إلى القطاعات التي يشتغل فيها الأطفال، حيت نجد أن الأطفال المشتغلين في الزراعة بالوسط القروي يشكلون النسبة المهمة، بحيث يعمل الأطفال في الحقول إلى جانب آبائهم سواء تعلق الأمر بالحرث أو الزرع أو التنقية و وضع الأسمدة و كذا الاعتناء بالمواشي و علفها و جلب الحطب و الماء إضافة إلى أشغال أخرى أوقات فراغهم، و هذا ما يعرضهم لأمراض خطيرة نتيجة الإرهاق و التأثر بالمواد الكيماوية المسمومة ، و تعد هذه اليد العاملة غير مكلفة لدى الآباء بقدر ما تساهم اقتصاديا في مالية الأسرة، أما النوع الآخر فإنه يعمل في حقول كمأجورين لدى ملاكيها مقابل أجر زهيد و قد يمتد العمل من السادسة صباحا إلى السادسة مساء .
أما في الوسط الحضري فيعتبر  قطاع الصناعة و الخدمات أهم القطاعات المشغلة للأطفال بما فيها قطاع الصناعة التقليدية، ويشتغل أغلب الأطفال بدون أجرة بدعوى أنه يتعلم حرفة أو يتسلمها الأب باتفاق مع المشغل دون علم الطفل، وأهم الصناعات التي يحترفونها صناعة الأدوات النحاسية و الخشبية و الخزفية والبعض منهم في دباغة الجلود كما هو الشأن في الرباط ، فاس ، مراكش ، الصويرة ، آسفي و قد يكون عاملا لدى ميكانيكي أو مصلحا للسيارات و العجلات  .
وإذا كانت الصورة تتضح بشكل جزئي بالنسبة لعمل الأطفال في العديد من المجالات المنظمة، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لظروف عملهم في مجال الخدمة المنزلية، نظرا لأن طبيعة هذا العمل تتم داخل البيوت، والتي يعترف لها الدستور بالخصوصية والحرمة ويقيد إجراءات تفتيشها بمساطر تسمح لرب البيت "المشغل" ترتيب إن لم نقل تزيف الأوضاع داخل بيته ([19])، ولهذا يبقى هذا النوع من عمل الأطفال غير مشمول من طرف النظام الإحصائي الوطني.
رغم ذلك هناك أرقام صادرة عن منظمة اليونيسيف في المغرب تقدر عدد الطفلات الخادمات بها بين 66 و88 ألف طفلة خادمة بنسبة تقارب 15 % من الأطفال العاملين بالمغرب.
وإذا كنا نعترف بأن الظروف الاجتماعية وتطور نمط الحياة، قد فرضا على المرأة ولوج مجال الشغل خارج بيت الأسرة، لتضطر شريحة مهمة من الأسر المغربية للاستعانة بخادمات البيوت، فإن غياب إطار قانوني بقوانين ناجعة و إجراءات مسطرية فعالة للحد من معاناة هذه الفئة، تظل أمرا مثيرا للقلق وموضوع تقارير من منظمات حقوقية.
             حيث انعكس هذا الموضوع على المادة الإعلامية، و برزت معطيات تؤكد اشتغال الخادمات في ظروف قاسية جدا، بحيث يتعرضن للاستغلال المادي و الجسدي و الجنسي أحيانا، فبين الفينة و الأخرى تطل علينا صفحات الجرائد عن تعذيب طفلة لحد الموت هناك، و اغتصاب أخرى في مكان أخر.
وإذا حالف الحظ تلك الطفلات في عدم تعرضهم للمعاملة  القاسية ، فهن مع ذلك يبقين محرومات من أبسط حقوقهن الإنسانية والمهنية، كحقهن في الأجر والعطلة الأسبوعية والراحة والحماية الاجتماعية، ناهيك عن حقهم الأساسي و هو التعليم.
و أمام هذا الواقع البئيس تحركت الآلة المدنية في المغرب وذلك عبر تأسيس ائتلاف وطني من أجل حظر تشغيل الطفلات كخادمات في المنازل، ويضم هذا الائتلاف في طياته العديد من الجمعيات التي تنشط كل واحدة منها في مجال مختلف بين المتابعة القانونية و تتبع العمل الميداني، وتؤكد الأرقام الصادرة عن هذا الائتلاف أن عدد الطفلات الخادمات يبلغ 30 ألف طفلة، وتؤكد نفس المعطيات أن عدادا كبيرا من المشغلين يعرفون الأحكام القانونية التي تحظر تشغيل الأطفال دون 15 سنة، وأن أغلبيتهم  يتمتعون بمستوى مادي مريح يسمح لهم بتشغيل أشخاص تفوق أعمارهم 16 سنة، و المفارقة الغريبة التي وقف عندها هذا الائتلاف هو أغلب  المشغلين لهم مستوى تعليمي عالي و معرفة كاملة بحقوق الطفل.
        وإذا كانت آفة تشغيل الأطفال تنخر المجتمع المغربي بشكل جلي فإننا نرصد بالمقابل جهود لا يجب تبخيسها من طرف المشرع، فعلى مستوى الحماية القانونية نرصد رفع سن التشغيل إلى 15 سنة ([20]) بعدما كان محددا في 12 سنة، كما عمل المشرع المغربي على حماية الأطفال دون الثامنة عشر من العمل في المقالع والأشغال الجوفية أو التي تفوق طاقتهم وتشكل خطرا على صحتهم، كذلك يمنع قانون الفنان الصادر في 19 يونيو 2003 تشغيل الأطفال دون سن 18 سنة ممثلا أو مشخصا في العروض العمومية دون إذن مكتوب من طرف مفتش الشغل أو إشعار للسلطة الحكومية المكلفة بالثقافة .
وبعد إلحاح المنظمات الدولية والوطنية بخصوص موضوع الخادمات الصغيرات في المنازل، قام المشرع المغربي بإصدار القانون رقم 12/19 الخاص بالعاملين المنزليين والذي صادقت عليه الحكومة في ماي 2013 الذي يمنع تشغيل الطفلات أقل من 15 سنة، والذي ينتظر منه أن يمنح الحماية المفقودة للطفلات المغربيات العاملات في المنازل.
إن تشغيل الأطفال بالمغرب يعد إشكالية اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية              و ديمغرافية٬ و يعتبر نتيجة حتمية وطبيعية للهدر والعزوف والفشل المدرسي وكذلك التفكك الأسري والعوامل الاجتماعية والثقافية، مما يجبر الطفل على التخلي عن الدوافع والأنشطة المرتبطة والمصاحبة لطفولته من لعب وتعليم وتنمية لقدراته الإبداعية ليلتحق بعالم الكبار قبل الأوان، لدى من المفروض وضع العديد من الآليات من أجل حماية الطفولة ومحاربة كل أشكال الاستغلال التي تستهدف هذه الفئة لأغراض سوسيو- اقتصادية ومالية٬ وردع الانتهاكات التي تتم معاينتها في هذا المجال٬ والتي نرى أنها لن تعطي أكلها بدون فرض إجبارية التعليم و استكمال التمدرس كمدخل أساسي لمحاربة هذه الظاهرة.

ثانيا: العنف والاستغلال الجنسي للأطفال.

لقد خصصت اتفاقيات حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة ستة مواد ([21]) لموضوع العنف ضد الأطفال، نظرا لخطورة الموضوع وبهدف إثارة انتباه المجموعة الدولية إلى مآسي الملايين من الأطفال عبر العالم.
وتعرف المنظمة العالمية للصحة العنف، ضمن التقرير العالمي حول العنف والصحة لسنة 2002، بأنه "الاستعمال العمدي للسلطة أو القوة الجسدية أو التهديد باستعمالها من طرف إنسان ضد نفسه أو ضد شخص أخر أو مجموعة أو جماعة، مما يؤدي أو يحتمل أن يؤدي إلى إحداث جروح أو إلى إحداث أضرار نفسية أو عاهات أو عجز" ([22]).
ويتخذ العنف أشكالا متعددة مثل)[23](:
- اعتداءات جسدية: الضرب، الجرح، التعذيب، العقوبات البدنية.
- اعتداءات نفسية: من شتم وتعنيف وسب وضغط معنوي.
- اعتداءات جنسية: كالتحرش الجنسي والاغتصاب واللمس وزنا المحارم وأفلام الأطفال الخليعة .
ويتعرض الأطفال لجميع أشكال العنف سواء السابق ذكرها أو غيرها وذلك نظرا لكون الأطفال أضعف المخلوقات وأكثرها انسياقا وثقة في الكبار، وتشير العديد من الدلائل إلى كون الأطفال يشكلون أكبر ضحايا العنف والاعتداءات الجسدية والنفسية والتي تكون لها عواقب وخيمة في شخصيتهم وسلوكهم وقدراتهم على البقاء أحياء والاندماج في المجتمع بشكل طبيعي .
وبخصوص المغرب نستنتج انتشار العنف بجميع أشكاله في مختلف الأوساط والمستويات في بلادنا، فنجد العنف الممارس داخل الأسر والذي لا يخضع لأي مراقبة نظرا لطبيعته، والذي يعكس عقلية بعض الآباء والأمهات والأقارب الذين ينظرون مثلا إلى العقاب البدني باعتباره أسلوبا تربويا ناجحا ، نفس الأمر ينطبق على العنف الممارس داخل المؤسسات التعليمية في المغرب حيث مازالت بعض الأطر التربوية تعتقد أن العقاب البدني للتلاميذ وسيلة للتلقين ولحث التلاميذ على الاجتهاد، وهذا ما يتنافى حاليا مع المفاهيم الحديثة في التربية والتهذيب، مع العلم أن هناك عدة مذكرات صادرة عن وزارة التربية الوطنية، تحدد المسؤوليات - الجنائية والمدنية والإدارية - الملقاة على الأطر التربوية في حالة لجوئهم إلى العقوبات البدنية أو إلى أي شكل من أشكال العنف، مثل المذكرة الوزارية الخاصة بالعنف داخل المؤسسات التعليمية رقم 99/807 والصادرة بتاريخ 23 شتنبر 1999 .
وللإشارة فالعنف الممارس في المؤسسات التعليمية يتخذ عدة أشكال مثل الاعتداء الجسدي والعنف النفسي وفرض الرأي بصفة تسلطية وكبت حرية التعبير، وهذا ما يخلق ردة فعل ضد المدرسين والمربين من طرف الأطفال وأوليائهم وهو ما نرصده حاليا من تنامي ظاهرة العنف ضد الأطر التربوية والتعليمية.
وفي جانب أخر أوضحت المعطيات الميدانية التي قامت بها وزارة العدل، أن نسبة العنف ضد الأطفال الواردة على مختلف الدوائر القضائية تسجل ارتفاعا ملحوظا، ففي سنة 2011 تم رصد 7397 قضية عنف كان ضحيتها  طفل توبع فيها 4429 شخصا، مقابل 6818 قضية سجلت سنة 2010، بحيث بلغت نسبة الارتفاع في عدد القضايا 8,49 %، و7,18 % في عدد المتابعين ([24]).
كذلك تشير المعطيات الصادرة عن مركز الاستماع التابع للمرصد الوطني لحقوق الطفل ما بين 2000 و 2008 أن نسبة حالات الاعتداء البدني على الأطفال الواردة على  المركز احتلت الرتبة الأولى بنسبة 60 % من مجموع الحالات .
وبالنسبة للتعامل القضائي مع هذا النوع من القضايا فيتبين أنه ليس هناك تعامل صارم مع المتورطين في مثل هذه الجرائم الخطيرة وأحيانا نلمس تساهلا غير مفهوم مع المجرمين الذين لا يتورع بعض القضاة عن متابعتهم في حالة سراح أو إصدار أحكام مخففة وأحيانا أحكام بالبراءة.
ويبقى الاستغلال الجنسي من أبشع ما يتعرض له الطفل ويشكل تهديدا وحشيا لسلامته البدنية والذهنية نظرا لما تتركه هذه الممارسات من تأثيرات هدامة على نفسيته وتوازنه العاطفي، الأمر الذي يخلق منه طفلا معقدا ذو مزاج ميال الانتقام والإجرام ([25])
والاستغلال الجنسي للأطفال ليس وليد اليوم و ليس محصورا في نطاق جغرافي محدد بل تعتبر هذه الآفة  قديمة ، لكنها عرفت انتشارا في نهاية القرن العشرين و بداية القرن الواحد و العشرين خاصة في الدول التي يتفشى فيها الثالوت الخطير (الفقر و الأمية و الجهل) و ضعف الحصانة الدينية و الأخلاقية([26])،  و المغرب بدوره يعرف انتشارا للاستغلال الجنسي للأطفال و باعتراف السلطات العامة، و لو أنها ترفض القول بأنها ظاهرة و تعتبرها مجرد حالات فردية و منفصلة لا ترقى لكي تكون إشكالا مهيكلا  له أبعاده الخطيرة.
ويتخذ الاستغلال الجنسي للأطفال بالمغرب عدة أشكال يبتدئ كمرحلة أولى بالتحرش الجنسي و ينتقل إلى هتك العرض سواء بعنف أو بدونه و يمكن أن يتطور للاغتصاب، وغالبا ما يتم الاعتداء الجنسي على الأطفال من طرف  المحيط الاجتماعي و العائلي للأطفال أو ممن يملكون سلطة مادية أو معنوية أو رمزية على الأطفال، بحيث  تعكس الحالات الواردة على مراكز الاستماع التابعة للمرصد الوطني لحقوق الطفل سنة 2009 أن 58 %  من المعتدين على الأطفال جنسيا ينتمون إلى الوسط الذي يعيش فيه الأطفال الضحايا، حيث يمثل الأقارب و الجيران 35 % و الأباء 12 % ، المربين 8 %  و يمثل القاصرون 3 % من المعتدي، وتشكل الإناث النسبة الهامة من الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء الجنسي بنسبة 71.5 % ، بينما يشكل الذكور 28.5 % منهم([27]).
 وقد سجلت وزارة العدل في سنة 2011 حوالي 2045 قضية مرتبطة بالاستغلال الجنسي للأطفال توزعت ما بين اغتصاب وتسهيل الدعارة للقاصرين والاستغلال الجنسي لغرض الربح ([28]).
وتعتبر هذه الأرقام على خطورتها بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة باعتبار أن القضايا المتعلقة بالعنف الجنسي ضد الأطفال يجرى التستر والسكوت عليها، لأنها تدخل في إطار الطابو وثقافة العيب، فالأطفال يتعرضون للضغوط والترهيب والتهديد، وكذلك فأسرهم لا يستطيعون التبليغ عن الأفعال الشنيعة التي يتعرض لها أطفالهم إلى السلطات المعنية لفضح المجرمين وكسر جدار الصمت ومتابعة ومقاضاة المجرمين إلا بعد ارتباط الاستغلال بجريمة العنف أو القتل.
وبعدما كان الاستغلال الجنسي للأطفال  بالمغرب محصورا على معتدين مغاربة عرفت الآونة الأخيرة بروز العديد من القضايا التي كان المعتدون فيها أجانب، وتشير بعض التقارير الوطنية ازدياد حجم الاستغلال الجنسي للأطفال من قبل الأجانب خاصة في المدينة السياحية الأولى مراكش، وذهب الباحثون و المهتمون إلى أنه من بين العوامل المساهمة في استفحال هذه الآفة يكمن في كساد سوق الجنس الأسيوية بعد كارثة تسونامي و توجيه هواة اللذة الجنسية بوصلتهم نحو المغرب خصوصا و أن تلك الظرفية تزامنت مع مراهنة المغرب على تطوير القطاع السياحي في أفق جلب 10 ملايين سائح.
ويمكن القول كذلك أن من بين الأسباب الأخرى لارتفاع أعداد الأطفال المستغلين جنسيا يكمن في عدم قدرة السلطات القضائية في التعامل بحزم مع المعتدين على الأطفال على الرغم من أن الترسانة القانونية تتضمن عقوبات كفيلة بردعهم في حال تطبيقها، لكن الملاحظ أنه ولو تم التعامل بحزم و إصدار عقوبات قاسية، فإن الواقع أوضح بشكل جلي أن حماية الطفل من الاستغلال الجنسي يحتل أخر اهتمامات المسئولين، و قد تأكد هذا بالفعل في الضجة الأخيرة التي كان بطلها البيدوفيل([29]) الإسباني دانيال كالفان الذي لم يقضي سوى سنتين من عقوبته المحددة في 30 سنة إثر اغتصابه ل 12 طفل بحيث استفاد من العفو.
إن المتتبع للمشهد العام الخاص بالعنف و الاستغلال الجنسي للأطفال بالمغرب يقر بوجود ترسانة قانونية كفيلة بحماية الطفل من العنف وذلك باعتراف تقرير المقررة الخاصة المعنية بمسألة بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية لسنة 2000، لكن الإشكال مرتبط بالعديد من الأسباب والتي تبقى الممارسة القضائية أحدها، وتبقى أهم الخلاصات في هذا الإطار هو أن العنف ضد الأطفال كطريقة للتربية والتنظيم الاجتماعي يعتبر مقبولا في الثقافة المحلية ([30])، فهو في الواقع يشمل جميع مكونات المجتمع ابتداء من الأسرة وحتى الشرطة مرورا بالمدرسة وصولا إلى الشارع، ومن أجل الوقاية من العنف ضد الأطفال لابد من تعزيز الوعي الأبوي والأسري عبر برامج التحسيس والإرشاد، وتوعيتهم كذلك بتأثير العنف على الأطفال والشباب، كما لا ننسى واجب السلطات العامة في تقليص الهشاشة الاجتماعية وتحسين الولوج للخدمات الاجتماعية والعمل على جودتها كبوابة للحد من جميع الآثار السلبية المرتبطة بقضايا الطفولة.
 
 
الهوامش

[1] - تنص المادة 515 من قانون المسطرة الجنائية على أن الطفل في وضعية صعبة هو: "كل طفل أقل من 16 سنة كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو تربيته معرضة للخطر بسبب:
* اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق في الإجرام.
* تمرده على سلطة أبوية أو حاضنه، أو الوصي عليه، أو المقدم، أو كافله، أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته.
* اعتياده الهروب من المؤسسة التي يتابع دراسته أو تكوينه.
* عدم توفره على مكان صالح يستقر فيه.
[2] - راجع المادة 1 من القانون 01-15 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين.
[3] - عائشة التاج، الأطفال المتخلى عنهم أية رعاية اجتماعية، سلسلة الأسرة والطفل والتحولات المجتمعية، منشورات الشعلة،الطبعة الأولى 2002، ص : 57.
[4]- 24 رضيعا يتم التخلي عنهم يوميا من قبل أمهاتهم، مقال منشور في الجريدة الالكترونية لكم:                                   
                                              
www.lakome.com/html/84                                                        
[5] - أنيسة بريغت عسوس، واقع أطفال الشوارع، مجلة إضافات"المجلة العربية لعلم الاجتماع"، العدد 7 السنة 2009، ص: 107.
[6] - أنيسة بريغت عسوس، مرجع سابق، ص: 107.
[7] - أمحمد أغربي، الطفولة المشردة بين مسؤولية الأسرة والمجتمع، مجلة المعيار، العدد 41، يونيو 2009، ص: 172.
[8] - الموقع الالكتروني لقناة العربية:                 www.alarabiya.net/articles/2012/05/16/214501.html
 
[9] - نجوى علي عتيقة، حقوق الطفل في القانون الدولي، دار المستقبل العربي، القاهرة 1999، ص: 124.
10 - حماد صابر، الطفولة المعاقة، آليات الإدماج في المحيط الاقتصادي والاجتماعي، مجلة القانون والاقتصاد، العدد 20، فاس 2003، ص: 11.

11- هشام معروف، تشخيص وضعية الأشخاص المعاقين بالمغرب، مقال بجريدة هسبريس الاكترونية:

http://hespress.com/opinions/68350.htm                                                                            

 
[12] - حماد صابر، الطفولة المعاقة، آليات الإدماج في المحيط الاقتصادي والاجتماعي، مرجع سابق، ص: 11.
[13] - محمد العروصي، الحدث الجانح بين التدابير التهذيبية والعقوبة، مجلة الملف، العدد 9، يونيو 2012، ص: 15.
[14] - سمير الشمال، دور مراكز حماية الطفولة في إعادة إدماج الحدث الجانح "مركز عبد العزيز بن إدريس لحماية الطفولة بفاس نموذجا" بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في قضاء الأحداث، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس،2006-2007 ، ص: 18.
[15] - أحمد بن عيجة، لمحة حول الحدث الجانح في القانون المغربي، مجلة الإشعاع، العدد 21، يونيو 2000، ص: 37.
[16] - تقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان ، الأطفال في مراكز الحماية : طفولة في خطر" من أجل سياسة مندمجة لحماية الطفل ،2013 ، ص 37-38.
[17] - قانون المسطرة الجنائية، وفق آخر التعديلات المدخلة بالقوانين رقم 10.36 و35.11 الصادرة في إطار مخطط إصلاح القضاء، مطبعة النجاح الجديدة، ص: 164-165.
[18] - بشرى العلوي، مقاربة تشغيل الأطفال بين مدونة الشغل والمواثيق الدولية، مجلة المحاكم المغربية، عدد 107، مارس-أبريل 2007، ص: 48.
[19] - سميرة بن يوسف، الخادمة المنزلية الصغيرة، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، جامعة محمد الخامس أكدال الرباط، 2009-2010، ص: 3.
[20] - أنظر المادة 14 من مدونة الشغل.
[21] - المواد هي 19-32-33-34-36-37
[22] - La violence à l’égard des enfants au Maroc. Publié par le fonds des Nations Unies pour l’enfant, 2007, page 13
[23] - ميشيل مونسيو، سوء معاملة الأطفال و آليات التحمل، مجلة للطفل حقوق، عدد مزدوج 5-6 يونيو 2002، ص:27.
[24] - قضايا العنف ضد الأطفال خلال سنة 2011، مديرية الشؤون الجنائية والعفو، مصلحة رصد الجريمة، وزارة العدل، ص: 1.
[25] - عبد الباسط خالدي، حماية الطفولة المهددة في التشريع التونسي، مجلة القضاء والتشريع، العدد 8 السنة 49 أكتوبر       2007 ، ص 107.
[26] - نجاة الكص، جريمة الاعتداء والاستغلال الجنسي على الأطفال بالمغرب،نشر في جريدة الصحراء المغربية يوم 12-07-2011 ، الموقع الإلكتروني مغرس:                      http://www.maghress.com/almaghribia/135408


 
[27] - الأطفال ضحايا سوء المعاملة والاستغلال الجنســي مقتضيات الحماية والسلامـة وأسئلة الإستراتيجية، منشورات المرصد الوطني لحقوق الطفل، ص : 7.
[28] - قضايا العنف ضد الأطفال خلال سنة 2011، وزارة العدل.
[29] - هو الشخص الذي يمارس الجنس على الأطفال و الصغار و القاصرين والذي يحب التحرش بالأطفال و أجسامهم.
[30] - La violence à l’égard des enfants au Maroc, op-cit, P. 47
 
عن موقع marocdroit

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم