الجمعة، 1 مارس 2013

الزواج المختلط: بين شروط النجاح ومسبّبات الفشل


محمد علي الحنشي

لم يعد مشهد إمساك شاب مغربي بيد أجنبية أو شابة مغربية لأجنبي غريبا في الشارع العام، بل أصبح مألوفا وعاديا، بحيث تزايد إقبال الشّباب المغربي على الارتباط بشريك حياة أجنبي، وهذا ما يدلّ على انفتاح المجتمع، ووجوده وسط تيارات ثقافية وفكرية عالمية تساهم في تقبّله لما يسمى بـ"الزواج المختلط".

وتتضارب الآراء حول قبول أو رفض الزواج المختلط، ولكل مبرّراته وقناعاته، وكلّ قصة زواج مختلط تخفي حكاية ارتباط شخصين، ومحاولتهما التغلب على الاختلافات الثقافية والدينية واللغوية، وتقديم تنازلات متبادلة لتمتين أواصر التلاقي والتخلص من عوائق سوء الفهم، فضلا عن الاصطدام بصعوبة الإجراءات القانونية وتعقّدها لتسجيل الزواج في المغرب أو بلد الشريك.
تجربة صعبة لكنها غنية

تُعتَبر كريمة الهلالي، وهي ناشطة ضمن فعّاليات المجتمع المدني، حديثة عهد بتجربة الزواج المختلط، لذلك فذكريات اللقاء والتمهيد لإرساء جسور التواصل مع شريك حياتها، والتوصل إلى الاقتناع المشترك، والشروع في إجراءات الزواج المختلط القانونية لا تزال طرية في ذهنها.

وبدأت حكاية كريمة مع زوجها الهولندي في إسبانيا، وهناك التقيا صدفة، وانطلقت شرارة الإعجاب، ولمّا عادت كريمة إلى المغرب، استمر الاتصال عبر الهاتف والانترنت، وتبادل الزيارات.

وقالت كريمة: «شرع كل منا في اكتشاف ثقافة الآخر، وتكلمنا في مواضيع ثقافية ودينية».

وأضافت: «قبل الارتباط بيننا نسجنا علاقة صداقة بين مسلمة ومسيحي. وفي البداية، اتفقنا على أن نبقى أصدقاء، حتى تنضج علاقتنا. مع العلم أن القانون المغربي لا يسمح لامرأة مغربية مسلمة الزواج من مسيحي إلا بعد إسلامه. فكانت هذه الإشكالية مطروحة، ولم يكن ممكنا أن أفرض عليه أن يغيّر دينه حتى نتزوج، فكان النقاش صعبا بيننا».

وتشير كريمة إلى أن أهم ما استفادت منه في هذه العلاقة، هو أنها بحثت في مجال حوار الثقافات والديانات، وأعطت مراجع لشريكها من أجل قراءتها، لكي يتجردا من العواطف، ويناقشا الأمر موضوعيا. وبعد مرور الأيام، اقتنع باعتناق الإسلام، فارتبطا رسميا.

وتحكي كريمة عن محنتها مع تعقد إجراءات الزواج المختلط في المغرب، بحيث استغرقت الإجراءات أسبوعين، وطُلب منها وثائق رسمية كثيرة في المصالح الإدارية المختصة، واندهشت لعدد المغاربة والمغربيات، المقبلين على الزواج من أجانب.

ولم تخف كريمة وقوع بعض سوء التفاهم الطفيف بينهما في مجال العادات والتقاليد المختلفة في تدبير أمور الحياة اليومية، مثل الأكل وتنظيم الوقت، لكن المهم هو الحوار الذي يبدد جميع المشاكل.
زواج ثقافتين مختلفتين

تمثّل تجربة رشيد بوسبيع، وهو مهندس مغربي، نموذج الزواج المختلط الناجح، فهو قد التقى بزوجته الألمانية في فترة دراسته بألمانيا، ووقع بينهما اتفاق على الزواج، ويسرد رشيد تفاصيل حكايته، وهو سعيد بحياته مع رفيقة دربه، بحيث يقول: «تجربتي في الزواج المختلط عمرها 10 سنوات، وأتمنى لها الدوام، وهي بالنسبة لي ناجحة جدا، لأنها تعتمد على الاحترام والصدق والثقة المتبادلة. وهذه هي القيّم والأسس التي يمكن أن تُنجح كل زواج وفي أي مكان. وبالطبع إن الزواج المختلط هو زواج ثقافتين مختلفتين، ويمكن أن يولّد الكثير من سوء الفهم، لأن الآخر يمكن أن يقوم بأشياء، قد تفهم خطأ، وتنتج عنها مشاكل لا تحمد عقباها، ولكن التريث والحوار يبقيان سيد الموقف».

وبالنسبة لمسألة تنشئة الأولاد، يعتبر رشيد أن علاقته بزوجته مبنية على أسس دينية، لأن شرط إنجاب الأولاد كان بالنسبة له هو اعتناق زوجته للدين الإسلامي، ولكن ليس بالضغط. ولهذا دامت فترة تعرّفها على الإسلام مدة 4 سنوات، لتقتنع باعتناقه، وهذا ما يفسر أن عمر ابنته هو 5 سنوات فقط، ومن ثم، فإنه ليس له شك في حرص زوجته على أن يتم تلقين أبنائهما المبادئ الإسلامية، لأن عدم الاتفاق على هذا الأمر في غالب الأحيان هو سبب فشل الزواج المختلط.

ويعتقد رشيد أن أكثرية تجارب الزواج المختلط فاشلة للأسف، لأن أكثرية الشباب همّهم من هذا الزواج هو الحصول على أوراق الإقامة في بلاد الزوجة الأجنبية، وبذلك يكون مخطط الطلاق بعد الفترة اللازمة للحصول على الإقامة جاهزا قبل عقد الزواج، لكن المشكلة هو أن هؤلاء الشباب يتناسون مشكلة إذا ما حصل إنجاب أطفال في هذه الفترة، فإن المصير هو خراب البيوت، لكنهم يريدون تحميل الطرف الآخر المسؤولية!».
الاختلاف الثقافي لا يشكل عائقا

أسرت المغربية عائشة قلب "باتريك هايني" الباحث السويسري في مجال المجتمعات الإسلامية، وهو يرى في حديث لموقع "باب المتوسط" أن الاختلاف الثقافي أو الديني أو أي اختلاف آخر، لا يُوّلد بالضرورة أشخاص مختلفين، بل هو دعوة إلى التقارب فيما بينهم، لهذا انطلق بمعية عائشة في مخطط زواجهما، رغم تحذيرات أفراد عائلة وأصدقاء الطرفين.

ويضيف باتريك: «وجدنا أنفسنا قريبين من بعضنا، فنحن نوجد داخل عالم قيّم مشتركة ممثل في الكرم وحسن الضيافة والمزاج الرائق ورغبات مشتركة، من قبيل مشاهدة الأفلام الأمريكية وعشق البحر ورقصة "السالسا" الكوبية. لذلك أصبح الاختلاف الثقافي لا يشكل عائقا بالنسبة لنا، لكن تم تذكيرنا به من الخارج من طرف محيطنا، غير أن الاختلاف الثقافي ليس أفقا استراتيجيا يجري انطلاقا منه مسار مشروعنا الصغير لحياتنا المشتركة.

واستطرد قائلا: «أنجبنا طفلة أسميناها ثريا، وهذا الاسم اخترناه ليس لتذكيرها بأصولها العربية، أو رغبة منا بنقل تراث لها، لكن لأنه اسم جميل فقط. ولا نعتقد بوجود صراع حضارات أو حوار حضارات، لكن هناك لذة شقيّة في إبعاد هذه المفاهيم من حياتنا اليومية، وتركها هناك حيث يجب أن تكون، أي في المجال المخصّص لسجالات الفلاسفة في الصالونات ورجال دين. ومنذ 6 سنوات تتواصل تجربتنا بنجاح، ولهذا ستستمر!».

أما إبراهيم الخلطي طالب في معهد الصحافة، فيتصور أن الزواج المختلط في المغرب محكوم بالمنفعة الشخصية والمصلحة، فالشاب أو الشابة التي تُقدم على الزواج من شخص أجنبي تطمح إلى الرقي بوضعها المادي، والاستقرار في بلد أجنبي، وبالتالي الحصول على جنسيته.

وواصل إبراهيم: «شخصيا أعارض بشدة هذا النوع من الزواج لكونه يساهم في طمس هوية الأبناء أو يكرس التشرذم الاجتماعي. ومن جهة أخرى إن الزواج المختلط خاصة من طرف الرجال بأجنبيات يؤدي إلى تضاعف نسب العنوسة في بلادنا».
للخبراء رأي

لكن ما هو رأي المتخصصين في مسألة الزواج المختلط؟

ترى خديجة المضمض المتخصصة في قضايا المرأة والهجرة أن «أطفال الزواج المختلط كانوا يواجهون العديد من المشاكل القانونية والاجتماعية في المغرب، وخاصة عندما تكون الأم مغربية والأب أجنبي، وبالخصوص من بلد لا يمكن أن يقيموا فيه ويعودوا منه مثل فلسطين. وهناك أطفال ولدوا في المغرب، ولم يعرفوا ثقافات أخرى إلا الثقافة المغربية، لذلك فهم يعتبرون مغاربة اجتماعيا، لكن ليس قانونيا».

وقالت المضمض: «لحسن الحظ، أنهى إصلاح المدونة المغربية للجنسية في أبريل 2007 المشكل بمنح المرأة المغربية الحق في نقل جنسيتها لأبنائها من الزواج المختلط».

وأضافت المختصة في شؤون الهجرة والمرأة أن «مشاكل أخرى تطرح بالنسبة للنساء الأجنبيات المتزوجات من مغاربة، خاصة عندما لا يكنّ مسلمات (من قبيل مشكل حضانة الأطفال والميراث...إلخ)».

الارتباط بين قوانين الهوية والاختلاف

يرى عبد الكريم بلحاج أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية الآداب بالرباط أنه «غض النظر عن بعض الحالات الناجحة في فترات وجهات مختلفة، فإن الزواج المختلط بشكل عام يطرح عدة صعوبات على مستوى تدبيره من طرف الشريكين وعلى مستوى إدماج القيم الثقافية التي تتجاذبه، إنْ بين هؤلاء باعتبار الهوية الثقافية المميزة لشخصية ولتاريخ كل منهما، أو في إطار السياق المجتمعي الذي تعاش فيه التجربة الزوجية. وكذلك حينما تكون ذهنية الانتماء للشريكين متباينة في مرجعيتها الثقافية، بحيث تطبع الإدراكات والاتجاهات والنمطية في إنتاج أو إعادة إنتاج نماذج الزواج، وبالتالي فإن ظروف قيام هذا الزواج تختلف بحسب الأشخاص والتجارب والغايات، بحيث أنه غالبا ما تكون بدايات أو مرحلة تأسيس الرابطة بين الرجل والمرأة بمثابة تجربة مؤهلة لتقريب المسافات وبناء الصلة من خلال تحقيق دوافع ذات بعد عاطفي ونفسي أو ذات بعد اجتماعي بين طرفي المعادلة».
مدّ وجزر في العلاقة الزوجية

اعتبر بلحاج أن «الاختلاط كان لا يطرح مشكلات المواءمة والانسجام من الناحية العاطفية والوجدانية، لكن عند إخضاعه لحكم العقل، فإن التوافق بين الشريكين يكون مكلّفا ويتطلّب مجهودات كبيرة. فنجاح أو فشل الزواج المختلط يمكن قياسه بناء على هذه القاعدة التي تعكس طبيعة الأبعاد المؤسسة للعلاقة. وكذلك قياسا إلى اختبار ممارسة الحياة المشتركة، وتكيف الأفراد معها تبرز بعض المواقف التي يعود فيها كل منهما إلى ذاته. فمع الدّوام، يصير نوع من المدّ والجزر مكتسحا لمجال العلاقة الزوجية، مما يجعل الشريكين، وللحفاظ على حدّ معين من التوازن بالنسبة لهذه الأخيرة، يقدمان على تنازلات. وهو المظهر الذي يصبح بمثابة واقع له حسابات وأبعاد عميقة، حينما ينتج عن هذا الزواج أبناء مزدوجي الأصول. في هذه الحالة، يصبح الزواج المختلط هشا في مواجهة التنافر الثقافي الذي يكتسب استمراره في سلوكات وممارسات الأزواج».
خلق أرضية تفاهم وتقديم تنازلات

يرى عبد العالي أوعلي متخصص في مجال الدراسات الثقافية أن الزواج المختلط قد يفشل بسبب صدام ثقافتي الزوجين، وقد ينجح بسبب الاقتراب بينهما، لذلك يتوجب على الزوجين المنتميين لثقافتين مختلفتين خلق أرضية للتفاهم، وتقديم تنازلات لأجل استمرار الحياة الزوجية، لأن الزواج المختلط الرامي إلى تحقيق مصلحة، ينتهي بمجرد انقضاء المصلحة.

وأضاف: «قد يكون هذا الزواج عذابا للطرفين، إن لم يتعاملا بمنطق تقديم التنازلات عند اللزوم واعتماد منهج المرونة في التعامل مع المشاكل، فمحاولة فرض أحد الطرفين قيّمه على الآخر قد تؤدي إلى الصدام، ومن ثم إلى الفراق بينهما. وقد تقع مآسٍ عديدة في إطار الزواج المختلط، مثل هرب أحد الزوجين بالأبناء نحو بلده الأصلية، لكن قد ينصهر أحد الزوجين في ثقافة الآخر حتى تظنه ابنا أصيلا لتلك الثقافة أو ابنة أصيلة لها».

وشدّد أوعلي على أن «الاختلاف على طريقة تربية الأبناء يعد بؤرة انفجار في جدار الحياة الزوجية بسبب رغبة أحد الطرفين تغليب ثقافته على ثقافة الآخر».

طرق حديثة عوض العائلة والقرب الجغرافي

تساهم وكالات الزواج الحديثة التي عوّضت الخاطبة التقليدية في تنامي الزواج المختلط، وتعتبر معظم وكالات الزواج بالمغرب وكالات دولية، وهي تتوفر على مرشحين مغاربة وأجانب من الجنسين، وتعطي أولوية للبلدان الناطقة باللغة الفرنسية، بما أن المغرب بلد يتكلم سكانه الفرنسية. وتتخصص وكالة زواج بالمغرب، وهي فرع لوكالة زواج فرنسية دولية، في الزواج المختلط بين مغربيات وفرنسيين فقط، ووجدت هذه الوكالات في السوق المغربي سوقا خصبا، ودخلته حينما أنجزت دراسة لسوق الزواج المختلط، وتعرّفت على إمكانيات السوق المغربي الكبيرة في هذا المجال. وتصاحب وكالات الزواج المرشّحين، وتساعدهم ليعبّروا عن أنفسهم بشكل أفضل، وتنصحهم بعدم الاهتمام بالجانب المادي فقط، بل التركيز على مسألة الانجذاب للطرف الآخر، قبل الانتقال إلى المسائل الثانوية.

ويقتصر دور معظم الوكالات على ربط العلاقة بين المرشحين للزواج، أما اللقاءات فتتم بينهم، ولا تحضرها، ولا تؤثر فيها. وعندما يفتح الزبون ملفا في وكالة زواج، يطلع على بنك المعطيات، الذي يحتوي على معلومات دقيقة عن الأشخاص (السن والجنس والمهنة والهوايات) وصور لهم (للوجه والجسد بأكمله)، وتستدعي الوكالة الشخص الذي وقع عليه اختياره، وتطلب رأيه، وإذا وافق عليه، تربط بينهما العلاقة.

والجديد الذي أتت به وكالات الزواج أنها تجاوزت الوساطة التقليدية التي تستند على الوسط العائلي والقرب الجغرافي إلى علاقات جديدة، تعتمد على وسائل الاتصال الحديثة.

تجربة صعبة لكنها غنية

تُعتَبر كريمة الهلالي، وهي ناشطة ضمن فعّاليات المجتمع المدني، حديثة عهد بتجربة الزواج المختلط، لذلك فذكريات اللقاء والتمهيد لإرساء جسور التواصل مع شريك حياتها، والتوصل إلى الاقتناع المشترك، والشروع في إجراءات الزواج المختلط القانونية لا تزال طرية في ذهنها.

وبدأت حكاية كريمة مع زوجها الهولندي في إسبانيا، وهناك التقيا صدفة، وانطلقت شرارة الإعجاب، ولمّا عادت كريمة إلى المغرب، استمر الاتصال عبر الهاتف والانترنت، وتبادل الزيارات.

وقالت كريمة: «شرع كل منا في اكتشاف ثقافة الآخر، وتكلمنا في مواضيع ثقافية ودينية».

وأضافت: «قبل الارتباط بيننا نسجنا علاقة صداقة بين مسلمة ومسيحي. وفي البداية، اتفقنا على أن نبقى أصدقاء، حتى تنضج علاقتنا. مع العلم أن القانون المغربي لا يسمح لامرأة مغربية مسلمة الزواج من مسيحي إلا بعد إسلامه. فكانت هذه الإشكالية مطروحة، ولم يكن ممكنا أن أفرض عليه أن يغيّر دينه حتى نتزوج، فكان النقاش صعبا بيننا».

وتشير كريمة إلى أن أهم ما استفادت منه في هذه العلاقة، هو أنها بحثت في مجال حوار الثقافات والديانات، وأعطت مراجع لشريكها من أجل قراءتها، لكي يتجردا من العواطف، ويناقشا الأمر موضوعيا. وبعد مرور الأيام، اقتنع باعتناق الإسلام، فارتبطا رسميا.

وتحكي كريمة عن محنتها مع تعقد إجراءات الزواج المختلط في المغرب، بحيث استغرقت الإجراءات أسبوعين، وطُلب منها وثائق رسمية كثيرة في المصالح الإدارية المختصة، واندهشت لعدد المغاربة والمغربيات، المقبلين على الزواج من أجانب.

ولم تخف كريمة وقوع بعض سوء التفاهم الطفيف بينهما في مجال العادات والتقاليد المختلفة في تدبير أمور الحياة اليومية، مثل الأكل وتنظيم الوقت، لكن المهم هو الحوار الذي يبدد جميع المشاكل.
زواج ثقافتين مختلفتين

تمثّل تجربة رشيد بوسبيع، وهو مهندس مغربي، نموذج الزواج المختلط الناجح، فهو قد التقى بزوجته الألمانية في فترة دراسته بألمانيا، ووقع بينهما اتفاق على الزواج، ويسرد رشيد تفاصيل حكايته، وهو سعيد بحياته مع رفيقة دربه، بحيث يقول: «تجربتي في الزواج المختلط عمرها 10 سنوات، وأتمنى لها الدوام، وهي بالنسبة لي ناجحة جدا، لأنها تعتمد على الاحترام والصدق والثقة المتبادلة. وهذه هي القيّم والأسس التي يمكن أن تُنجح كل زواج وفي أي مكان. وبالطبع إن الزواج المختلط هو زواج ثقافتين مختلفتين، ويمكن أن يولّد الكثير من سوء الفهم، لأن الآخر يمكن أن يقوم بأشياء، قد تفهم خطأ، وتنتج عنها مشاكل لا تحمد عقباها، ولكن التريث والحوار يبقيان سيد الموقف».

وبالنسبة لمسألة تنشئة الأولاد، يعتبر رشيد أن علاقته بزوجته مبنية على أسس دينية، لأن شرط إنجاب الأولاد كان بالنسبة له هو اعتناق زوجته للدين الإسلامي، ولكن ليس بالضغط. ولهذا دامت فترة تعرّفها على الإسلام مدة 4 سنوات، لتقتنع باعتناقه، وهذا ما يفسر أن عمر ابنته هو 5 سنوات فقط، ومن ثم، فإنه ليس له شك في حرص زوجته على أن يتم تلقين أبنائهما المبادئ الإسلامية، لأن عدم الاتفاق على هذا الأمر في غالب الأحيان هو سبب فشل الزواج المختلط.

ويعتقد رشيد أن أكثرية تجارب الزواج المختلط فاشلة للأسف، لأن أكثرية الشباب همّهم من هذا الزواج هو الحصول على أوراق الإقامة في بلاد الزوجة الأجنبية، وبذلك يكون مخطط الطلاق بعد الفترة اللازمة للحصول على الإقامة جاهزا قبل عقد الزواج، لكن المشكلة هو أن هؤلاء الشباب يتناسون مشكلة إذا ما حصل إنجاب أطفال في هذه الفترة، فإن المصير هو خراب البيوت، لكنهم يريدون تحميل الطرف الآخر المسؤولية!».
الاختلاف الثقافي لا يشكل عائقا

أسرت المغربية عائشة قلب "باتريك هايني" الباحث السويسري في مجال المجتمعات الإسلامية، وهو يرى في حديث لموقع "باب المتوسط" أن الاختلاف الثقافي أو الديني أو أي اختلاف آخر، لا يُوّلد بالضرورة أشخاص مختلفين، بل هو دعوة إلى التقارب فيما بينهم، لهذا انطلق بمعية عائشة في مخطط زواجهما، رغم تحذيرات أفراد عائلة وأصدقاء الطرفين.

ويضيف باتريك: «وجدنا أنفسنا قريبين من بعضنا، فنحن نوجد داخل عالم قيّم مشتركة ممثل في الكرم وحسن الضيافة والمزاج الرائق ورغبات مشتركة، من قبيل مشاهدة الأفلام الأمريكية وعشق البحر ورقصة "السالسا" الكوبية. لذلك أصبح الاختلاف الثقافي لا يشكل عائقا بالنسبة لنا، لكن تم تذكيرنا به من الخارج من طرف محيطنا، غير أن الاختلاف الثقافي ليس أفقا استراتيجيا يجري انطلاقا منه مسار مشروعنا الصغير لحياتنا المشتركة.

واستطرد قائلا: «أنجبنا طفلة أسميناها ثريا، وهذا الاسم اخترناه ليس لتذكيرها بأصولها العربية، أو رغبة منا بنقل تراث لها، لكن لأنه اسم جميل فقط. ولا نعتقد بوجود صراع حضارات أو حوار حضارات، لكن هناك لذة شقيّة في إبعاد هذه المفاهيم من حياتنا اليومية، وتركها هناك حيث يجب أن تكون، أي في المجال المخصّص لسجالات الفلاسفة في الصالونات ورجال دين. ومنذ 6 سنوات تتواصل تجربتنا بنجاح، ولهذا ستستمر!».

أما إبراهيم الخلطي طالب في معهد الصحافة، فيتصور أن الزواج المختلط في المغرب محكوم بالمنفعة الشخصية والمصلحة، فالشاب أو الشابة التي تُقدم على الزواج من شخص أجنبي تطمح إلى الرقي بوضعها المادي، والاستقرار في بلد أجنبي، وبالتالي الحصول على جنسيته.

وواصل إبراهيم: «شخصيا أعارض بشدة هذا النوع من الزواج لكونه يساهم في طمس هوية الأبناء أو يكرس التشرذم الاجتماعي. ومن جهة أخرى إن الزواج المختلط خاصة من طرف الرجال بأجنبيات يؤدي إلى تضاعف نسب العنوسة في بلادنا».
للخبراء رأي

لكن ما هو رأي المتخصصين في مسألة الزواج المختلط؟

ترى خديجة المضمض المتخصصة في قضايا المرأة والهجرة أن «أطفال الزواج المختلط كانوا يواجهون العديد من المشاكل القانونية والاجتماعية في المغرب، وخاصة عندما تكون الأم مغربية والأب أجنبي، وبالخصوص من بلد لا يمكن أن يقيموا فيه ويعودوا منه مثل فلسطين. وهناك أطفال ولدوا في المغرب، ولم يعرفوا ثقافات أخرى إلا الثقافة المغربية، لذلك فهم يعتبرون مغاربة اجتماعيا، لكن ليس قانونيا».

وقالت المضمض: «لحسن الحظ، أنهى إصلاح المدونة المغربية للجنسية في أبريل 2007 المشكل بمنح المرأة المغربية الحق في نقل جنسيتها لأبنائها من الزواج المختلط».

وأضافت المختصة في شؤون الهجرة والمرأة أن «مشاكل أخرى تطرح بالنسبة للنساء الأجنبيات المتزوجات من مغاربة، خاصة عندما لا يكنّ مسلمات (من قبيل مشكل حضانة الأطفال والميراث...إلخ)».

الارتباط بين قوانين الهوية والاختلاف

يرى عبد الكريم بلحاج أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية الآداب بالرباط أنه «غض النظر عن بعض الحالات الناجحة في فترات وجهات مختلفة، فإن الزواج المختلط بشكل عام يطرح عدة صعوبات على مستوى تدبيره من طرف الشريكين وعلى مستوى إدماج القيم الثقافية التي تتجاذبه، إنْ بين هؤلاء باعتبار الهوية الثقافية المميزة لشخصية ولتاريخ كل منهما، أو في إطار السياق المجتمعي الذي تعاش فيه التجربة الزوجية. وكذلك حينما تكون ذهنية الانتماء للشريكين متباينة في مرجعيتها الثقافية، بحيث تطبع الإدراكات والاتجاهات والنمطية في إنتاج أو إعادة إنتاج نماذج الزواج، وبالتالي فإن ظروف قيام هذا الزواج تختلف بحسب الأشخاص والتجارب والغايات، بحيث أنه غالبا ما تكون بدايات أو مرحلة تأسيس الرابطة بين الرجل والمرأة بمثابة تجربة مؤهلة لتقريب المسافات وبناء الصلة من خلال تحقيق دوافع ذات بعد عاطفي ونفسي أو ذات بعد اجتماعي بين طرفي المعادلة».
مدّ وجزر في العلاقة الزوجية

اعتبر بلحاج أن «الاختلاط كان لا يطرح مشكلات المواءمة والانسجام من الناحية العاطفية والوجدانية، لكن عند إخضاعه لحكم العقل، فإن التوافق بين الشريكين يكون مكلّفا ويتطلّب مجهودات كبيرة. فنجاح أو فشل الزواج المختلط يمكن قياسه بناء على هذه القاعدة التي تعكس طبيعة الأبعاد المؤسسة للعلاقة. وكذلك قياسا إلى اختبار ممارسة الحياة المشتركة، وتكيف الأفراد معها تبرز بعض المواقف التي يعود فيها كل منهما إلى ذاته. فمع الدّوام، يصير نوع من المدّ والجزر مكتسحا لمجال العلاقة الزوجية، مما يجعل الشريكين، وللحفاظ على حدّ معين من التوازن بالنسبة لهذه الأخيرة، يقدمان على تنازلات. وهو المظهر الذي يصبح بمثابة واقع له حسابات وأبعاد عميقة، حينما ينتج عن هذا الزواج أبناء مزدوجي الأصول. في هذه الحالة، يصبح الزواج المختلط هشا في مواجهة التنافر الثقافي الذي يكتسب استمراره في سلوكات وممارسات الأزواج».
خلق أرضية تفاهم وتقديم تنازلات

يرى عبد العالي أوعلي متخصص في مجال الدراسات الثقافية أن الزواج المختلط قد يفشل بسبب صدام ثقافتي الزوجين، وقد ينجح بسبب الاقتراب بينهما، لذلك يتوجب على الزوجين المنتميين لثقافتين مختلفتين خلق أرضية للتفاهم، وتقديم تنازلات لأجل استمرار الحياة الزوجية، لأن الزواج المختلط الرامي إلى تحقيق مصلحة، ينتهي بمجرد انقضاء المصلحة.

وأضاف: «قد يكون هذا الزواج عذابا للطرفين، إن لم يتعاملا بمنطق تقديم التنازلات عند اللزوم واعتماد منهج المرونة في التعامل مع المشاكل، فمحاولة فرض أحد الطرفين قيّمه على الآخر قد تؤدي إلى الصدام، ومن ثم إلى الفراق بينهما. وقد تقع مآسٍ عديدة في إطار الزواج المختلط، مثل هرب أحد الزوجين بالأبناء نحو بلده الأصلية، لكن قد ينصهر أحد الزوجين في ثقافة الآخر حتى تظنه ابنا أصيلا لتلك الثقافة أو ابنة أصيلة لها».

وشدّد أوعلي على أن «الاختلاف على طريقة تربية الأبناء يعد بؤرة انفجار في جدار الحياة الزوجية بسبب رغبة أحد الطرفين تغليب ثقافته على ثقافة الآخر».

طرق حديثة عوض العائلة والقرب الجغرافي

تساهم وكالات الزواج الحديثة التي عوّضت الخاطبة التقليدية في تنامي الزواج المختلط، وتعتبر معظم وكالات الزواج بالمغرب وكالات دولية، وهي تتوفر على مرشحين مغاربة وأجانب من الجنسين، وتعطي أولوية للبلدان الناطقة باللغة الفرنسية، بما أن المغرب بلد يتكلم سكانه الفرنسية. وتتخصص وكالة زواج بالمغرب، وهي فرع لوكالة زواج فرنسية دولية، في الزواج المختلط بين مغربيات وفرنسيين فقط، ووجدت هذه الوكالات في السوق المغربي سوقا خصبا، ودخلته حينما أنجزت دراسة لسوق الزواج المختلط، وتعرّفت على إمكانيات السوق المغربي الكبيرة في هذا المجال. وتصاحب وكالات الزواج المرشّحين، وتساعدهم ليعبّروا عن أنفسهم بشكل أفضل، وتنصحهم بعدم الاهتمام بالجانب المادي فقط، بل التركيز على مسألة الانجذاب للطرف الآخر، قبل الانتقال إلى المسائل الثانوية.

ويقتصر دور معظم الوكالات على ربط العلاقة بين المرشحين للزواج، أما اللقاءات فتتم بينهم، ولا تحضرها، ولا تؤثر فيها. وعندما يفتح الزبون ملفا في وكالة زواج، يطلع على بنك المعطيات، الذي يحتوي على معلومات دقيقة عن الأشخاص (السن والجنس والمهنة والهوايات) وصور لهم (للوجه والجسد بأكمله)، وتستدعي الوكالة الشخص الذي وقع عليه اختياره، وتطلب رأيه، وإذا وافق عليه، تربط بينهما العلاقة.

والجديد الذي أتت به وكالات الزواج أنها تجاوزت الوساطة التقليدية التي تستند على الوسط العائلي والقرب الجغرافي إلى علاقات جديدة، تعتمد على وسائل الاتصال الحديثة.

(10 يوليو 2008)
http://arabic.babelmed.net

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم