الاثنين، 30 سبتمبر 2013

الطـلاق التعـسفي بين الشـريعة والقـانـون - بحث محكم - الجزء 1




الطـلاق التعـسفي
بين الشـريعة والقـانـون

الدكتور
مجيد علي العبيدي
كلية العلوم الاسلامية / جامعة بغداد


الخبير اللغوي
أ.م.د. رميض مطر


 مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإسلامية ، العدد 3 ، المجلد 1 ، سنة 2009








المقدمة
    من اجل استمرار الحياة، وبقاء النوع الإنساني، شرع الله I الزواج، يجتمع فيه الرجل والمرأة، ويتعاونان على بناء الأسرة، فهي النواة الرئيسة للمجتمع، فكلما كانت الأسرة قوية مترابطة وأفرادها متفاهمون فيما بينهم، كان المجتمع قوياً ومتماسكاً ورصيناً، لذلك أخذت الشرائع السماوية، والقوانين الوضيعة، والعادات البشرية على عاتقها، وضع قواعد متينة واسس راسخة، لإقامة هذا البنيان رجاء دوامه واستمراره بطريقه سليمة، والشريعة الإسلامية كغيرها من الشرائع، أكدت على إقامة هذا البنيان، ووضعت الأسس اللازمة والسليمة له، فدعت أفرادها إلى الزواج المبكر، فقال e : (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فانه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فانه له وجاء))[1].
    كما دعا إلى اختيار الزوج الصالح  فقال r : (( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنْكِحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير))[2].
    وقال: (( تنكح المرأة لأربع، لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فأظفر بذات الدين تربت يداك ))[3].
    والله I رتب على الزواج السكن النفسي والمودة والرحمة، فقال : }                           {[4].
    والعلاقة الزوجية في الإسلام علاقة مقدسة، قائمة على التقوى والمعاشرة الحسنة، يقول الله تعالى : }                                     {[5]،  ويقول : }                       {[6]، ويقول الرسول r : (( اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وان لكم عليهن ألا يوطئهن فرشكم أحدا تكرهونه، فان فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ))[7] ، ولكن على الرغم من هذه الأهمية والخطورة للزواج، فانه قد لا يحضى بالنجاح، فقد يخون البصر ويخدع الشعور في اختيار شريك الحياة، فالاقتران قد يُبنى على اختيار خاطئ … فتكشف الأيام أثناء الحياة الزوجية لكل منهما مالا يرتضيه الآخر من طباع وخلق، أو قد يطرأ بعد الزواج أمر خارج عن إدارتهما، فيكدر صفو الحياة الزوجية، فينقلب أساس كيانهما إلى معول هدام، فينقلب الحب إلى البغض، والوئام إلى الشقاء، والمودة والسكينة إلى الفوضى، وليس من الحكمة إرغام طرف على قبول استمرار هذا الكيان الهش، الذي يزيد يوما بعد يوم من تفاقم المشاكل التي قد تؤدي بهما أو بأحدهما إلى سلوك إجرامي أو انحراف خلقي، لهذا أصبح الطلاق أمراً ضروريا لجأت إليه الأمم، وأقرته الشرائع السماوية، وأخذت به القوانين الوضعية .
    والإسلام اقر الطلاق إذا وصلت الحياة الزوجية إلى طريق مسدود، وشرع له من الآداب والتعاليم التي تحقق مصلحة الأسرة والأمة بشكل يكون بعيدا عن التعسف والظلم، ووضع له شروطا، وحدد له حدودا، وفرض على إرادة الزوج قيودا بحيث لن يتمكن من أن يعتبره عملا كيفيا يقدم عليه متى شاء ولأي سبب أراد[8].
    وقد أجمع الفقهاء[9] على أن من حق الرجل أن يطلق زوجته، إذا كان لديه سبب وجيه لإيقاع الطلاق، من اجل إنهاء الحياة الزوجية التي لامناص من إنهائها، بسبب الشقاء والخلاف وسوء العشرة وتنافر الطباع وغيرها من الأسباب التي تعكر صفو الحياة الزوجية
    ولكن منح هذا الحق للرجل ليس على إطلاقه، بل يقيد بالضرورة القصوى والحاجة الملحة التي يكون فيها الطلاق وحل الحياة الزوجية خير من استمرارها.
    وبناء على هذا فان الزوج الذي يطلق زوجته دون ضرورة قصوى أو حاجة ملحة فانه يكون قد ارتكب فعلا محرما ويكون قد تعسف في استعمال حقه الذي منحه الله I إياه، وألحق الأذى والضرر المادي والمعنوي بالزوجة التي وقع عليها الطلاق ينبغي ان تعوض عنه.
    ولما كان الطلاق التعسفي الذي ليس له ما يبرره مرضا اجتماعيا خطيرا يؤدي إلى خراب البيوت وتمزق الأسر وتشرد الأولاد وددت أن اكتب بحثا فيه تحت عنوان (( التعويض عن الطلاق التعسفي بين الشريعة والقانون ))، لكي يعرف كل من الرجل والمرأة ماله وما عليه فيما لو وقع مثل هذا الطلاق لا قدر الله .
    وقد ارتأيت أن تكون خطة البحث من مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة.
    تضمن التمهيد معنى الطلاق  لغة وشرعا وقانونا ومدى مشروعيته، وتضمن الفصل الأول ثلاثة مباحث، المبحث الأول عن إساءة استعمال الحق في الشريعة والقانون، والمبحث الثاني عن الأصل في الطلاق هل هو الإباحة أم الحضر؟ والمبحث الثالث عن فكرة الطلاق التعسفي في القانون .
    أما الفصل الثاني فقد تضمن ثلاثة مباحث أيضاً، المبحث الأول عن مشروعية التعويض فقها وقانونا، والمبحث الثاني عن شروط استحقاق التعويض، والمبحث الثالث عن إثبات التعسف وكيفية تقدير التعويض.
    أما الخاتمة فقد كانت مخصصة للنتائج التي توصلت إليها، فان أصبت فذلك بفضل الله ومنّه وكرمه، وان أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، والله الموفق، وهو حسبي عليه توكلت واليه أنيب.

التمهيد

    قبل الدخول في تفاصيل موضوع الطلاق التعسفي لابد من تبيين معنى الطلاق لغة وشرعا وقانونا، والدليل على مشروعيته في مطلبين :-

المطلب الأول : معنى الطلاق لغة وشرعا وقانونا  
    الطلاق لغة : هو الترك والإرسال والتخلية، ويقال الطلاق هو: رفع القيد الحسي أو المعنوي، يقال : نعجة طالق إذا كانت مخلاة وحدها، أي إنها مرسلة، ويقال بغير طالق أي بغير قيد ويقال : أطلقت الأسير إذا حللت إساره وخليت عنه[10]، وطلاق المرأة يكون بمعنيين:-
    احدهما : حل عقدة النكاح .
    والآخر : بمعنى الترك والإرسال[11].
    وشرعا : هو رفع قيد النكاح بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه في الحال أو في المال[12].
    والطلاق نوعان هما :-
    رجعي : وهو الطلاق الذي يوقعه الزوج على زوجته أولا أو ثانيا، ويكون له حق إرجاع زوجته فيه ما دامت في العدة من غير استئذانها ودون حاجة إلى عقد جديد[13].
    وبائن : وهو الطلاق الذي لا يملك فيه الزوج أن يرجع زوجته إلا بعقد ومهر جديدين.
    والبائن بالتطليقة الأولى والثانية بينونة صغرى، يحل لزوجها إعادتها بعقد جديد دون الحاجة إلى أي إجراء آخر[14].
والبائن بالتطليقة الثالثة بينونة كبرى، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، ثم يفارقها بسبب من الأسباب، وتنتهي عدتها، وبعد ذلك إذا أراد الزوج الأول أن ينكحها فلا مانع من ذلك إذا كان بعقد ومهر جديدين[15] .
    وقانونا : هو رفع قيد الزواج بايقاع من الزوج او الزوجة اذا وكلت به او فوضت، او من القاضي[16] .

المطلب الثاني : مشروعية الطلاق

    ثبتت مشروعية الطلاق في القرآن والسنة والإجماع مع اختلاف في إباحته او تقييده، فقد جاءت في القران الكريم عدة آيات تتحدث عن الطلاق منها قوله تعالى : }               {[17].
    وقوله : }           {[18].
    وقوله : }              {[19].
    وقوله }                        {[20].
    وقوله : }                              {[21].
    وكذلك جاءت السنة النبوية المشرفة، القولية والعملية والتقريرية تضفي المشروعية على الطلاق في الحالات التي يكون فيها الطلاق ضرورة فمن السنة القولية قوله r : (( ابغض الحلال عند الله الطلاق ))[22].
ومن السنة العملية انه r طلق زوجته حفصة [23] بنت عمر[24] رضي الله عنهما ثم راجعها[25].
    كذلك اقر رسول الله r كثيرا من الصحابة على طلاق زوجاتهم، من ذلك ان عبد الله[26] بن عمر y طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله r ، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله r عن ذلك،  فقال رسول الله r  : (( مرة فليراجعها ثم  ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ان شاء امسك بعد وان شاء طلق قبل ان يمس، فتلك العدة التي امر الله ان تطلق النساء ))[27]
    واجمع الفقهاء وفي مختلف العصور على  جواز الطلاق .
    والعبرة دالة على جوازه، فانه ربما فسدت العشرة بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة وضررا محضا مجردا بإلزام الزوج النفقة والسكن وحبس المرأة مع سوء العشرة والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك تشريع ما يزيل النكاح لتزول المفسدة الحاصلة منه[28].











الفصل الأول
الطلاق التعسفي

    ان الادعاء بان الشريعة الإسلامية تبيح الطلاق للرجل لمجرد رغبته في الخلاص من الزوجة ولا يترتب عليه أية آثار سوى التي حددها الشارع من نفقة العدة والمتعة والصداق والمؤخر ان وجد، بحجة ان الطلاق يعود إلى المطلق بمنفعة شخصية، وهي التخلص من زواج لا يجد فيه مودة ولا رحمة ادعاء غير صحيح على علاته،  لا في القران ولا في السنة حيث اوجب القران الكريم والسنة النبوية معاشرة الأزواج بالحسنى يقول تعالى : }     {[29] ويقول الرسول r : (( استوصوا بالنساء خيراً،  فانهن خلقن من ضلع اعوج،  وان اعوج ما في الضلع أعلاه،  فان ذهبت تقيمه كسرته،  وان تركته لم يزل اعوج،  فاستوصوا بالنساء خيراً ))[30] ، ويقول في حديث آخر : ((استوصوا بالنساء خيراً،  فأنهن عوان عندكم )) [31]، ولم تتساهل الشريعة الإسلامية في إيقاع الطلاق بدون سبب،  وان كثيرا من الفقهاء قالوا بحرمته[32]، لأنه ضرر بنفس المطلق وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه،  فكان حراما كإتلاف المال، ولقوله r: (( لا ضرر و لا ضرر ))[33].
    وحق الطلاق كسائر الحقوق مقيد بعدم الإضرار بالغير عند استعماله، فلا يجوز لصاحب الحق استعمال حقه وقت ما شاء او بدون حاجة او وجه حق واذا ما استعمل الحق،  في غير ذلك فانه يطلق عليه تعبير إساءة استعمال الحق،  او التعسف في استعمال الحق،  وهذا ما نحاول طرحه في المبحث الأول من هذا الفصل في مطلبين خصص الأول لنظرية إساءة استعمال الحق في الشريعة الإسلامية،  والثاني في إساءة استعمال الحق في القانون .
    اما المبحث فكان عن الأصل في الطلاق،  هل هو الإباحة أو الحضر في مطلبين، ثم يأتي بعد ذلك المبحث الثالث لنتناول فيه مفهوم الطلاق التعسفي فقها وقانونا وشروطه وبعض صوره في مطلبين كذلك .

المبحث الأول : التعسف في استعمال الحق

    لمعرفة معنى التعسف في استعمال الحق بصورة عامة والتعسف في استعمال حق الطلاق بصورة خاصة، لابد من إلقاء نظرة موجزة على نظرية استعمال الحق،  حيث ان كل نظام قانوني يعترف بموجبه بحقوق معينة للإفراد،  ينبغي ان لا يتجاوزوها ويستعملوها في الحدود المرسومة لها،  تجاوز هذه الحدود عند استعماله لحقه يعد متجاوزاً او متعسفاً او مسيئاً في استعمال حقه،  وقد اخذ القانون العراقي بفكر الإساءة او التعسف باستعمال الحق،  حيث تطرقت المادة السادسة والسابعة من القانون العراقي  المدني رقم 40 لسنه 1951 إلى ذلك .

المطلب الأول : تعريف الحق لغة واصطلاحاً
    الحق لغة: خلاف الباطل، وحق الشيء يحق إذا ثبت ووجب، ويطلق الحق على المال والملك والموجود الثابت، والحق اسم من أسماء الله تعالى، وقيل من صفاته، ويأتي الحق بمعنى النصيب واليقين، وحقوق العقار مرافقه[34] .
    واصطلاحاً : لم يهتم الفقهاء القدامى بتعريف الحق مع كثرة استعمالهم لمفرداته، ولعل السبب في ذلك إنهم رأوه واضحاً فاستغنوا عن تعريفه [35]، وقد حاول بعض الفقهاء المعاصرون وضع تعريف للحق .
    فعرفه الشيخ علي الخفيف :( بانه مصلحة مستحقة شرعاً )[36].
    وعرفه فهمي أبو سنة :( بانه ماثبت في الشرع للانسان أو لله تعالى على الغير)[37].
    وعرفه الشيخ مصطفى الزرقا ( بانه اختصاص يقر به الشرع سلطه أو تكليفاً)[38].
ويأتي الحق بمعنيين:-
           الأول : هو الحكم المطابق للواقع .
           والثاني : هو الواجب الثابت وهو قسمان حق الله وحق العبد .
    فأما حق الله فهو ما يتعلق به النفع العام للعالم، وينسب إلى الله تعالى لعظيم خطره وشمول نفعه كالحدود والكفارات.
    وأما حق العبد فهو ما يتعلق به مصلحة خاصة له كحرمة ماله[39] .
والمراد بالحق عند فقهاء الشريعة مايستحقه الرجل [40] .
 المطلب الثاني : استعمال الحق في الفقه الإسلامي

    مما لا جدال فيه إن أهم مظاهر النشاط الإنساني هو استعمال الحقوق، والله سبحانه وتعالى لم يخلق البشر عبثا، وليتصرفوا كما يحلو لهم في شتى الاتجاهات دون أن يحدها حد،}               {[41]، بل خلقه لغاية، وهي عبادته سبحانه وتعالى وحده، قال تعالى: }              { [42]، وانه مجزي على تصرفاته }                           { [43]، و }                 ﭱﭲ   { [44]، وقد بين لهم الله سبحانه وتعالى السبيل السوي الذي يجب سلوكه، وشرع الشرائع التي تحقق مصالحهم في الدنيا والآخرة، فكل تصرف للانسان موافق للشرع هو عبادة، وكل تصرف مخالف للشروع هو معصية، فالشرع حاكم على جميع تصرفات الإنسان، يقول الشاطبي ( جرت الأحكام الشرعية في أفعال المكلفين على الإطلاق ، فلا عمل يفرض ولا حركة ولا سكون إلا والشريعة عليه حاكما أفرادا وجماعات )[45] .
    وقد قسم العلماء الحكم إلى قسمين، تكليفي ووضعي، ويقسم الحكم التكليفي إلى الإيجاب والندب والحرمة والكراهة والاباحة، اما الحكم الوضعي : فهو ما وضعه الشارع معرفا لحكمه بالإثبات او النفي، ويفيد تعلق شيء بشيء آخر، وأقسامه السبب والشرط والمانع، حيث  
    توجد الأحكام بوجود الأسباب وتتوقف على تحقق الشروط وتنتفي بوجود الموانع [46] .
وترتيب الحقوق على اسبابها مرجعه الى خطاب الوضع ، اما حمايتها فترجع الى خطاب التكليف ، فحق المعاشرة الزوجية سببه وجود عقد النكاح ، اما النكاح نفسه فقد يكون واجبا او مندوبا او حراما او مكروها او مباحا [47] ، وكذلك الطلاق والبيع وغيرها من العقود .
والاصل في استعمال الحق هو الاباحة ، لان فيه مصلحة ، فيكون استعماله على اصل الاباحة ما لم يرد دليل بخلافه ، وهذه الاباحة تستفاد من ترتيب الشارع لهذه الحقوق على اسبابها وحمايتها[48].
  فلصاحب الحق ان يستعمله ولا يستعمله حسب مشيئته ، وله ان يتمتع بكافة المكنات التي يمنحه اياها حقه على أي وجه شاء ما لم يقم الدليل على الحظر .
ولا ينبغي ان يفهم مما تقدم ، ان الشريعة الاسلامية تميل الى اطلاق الحقوق بل العكس من ذلك ، فان القيود على استعمال الحقوق كثيرة ، والرقابة على ذلك دقيقة وشاملة ، فلا يوجد حق مطلق بل الحقوق مقيدة ، وفي مقدمة هذا التقييد ما يرجع الى التعسف في استعمال الحق.
    وهناك مسوغات كثيرة لتقييد استعمال الحق في الشريعة الاسلامية فالمقاصد والنتائج والطرق والرجوع الى مصدر الحق كلها مسوغات لتقييد الحقوق فالحقوق منحة من الله تعالى، هو الذي منحها ، وهو الذي يقيدها كيف يشاء ومقاصد الشارع من منح الحقوق له اثره الواضح في تقييد استعمالها حيث يتقيد صاحب الحق بالا يقصد في استعماله ما يناقض تلك المقاصد .
    ومن الاسس التي يستند اليها في تقييد الحقوق كون الانسان خليفة الله في ارضه ، قال تعالى :  }                                 {[49]، فيجب على الخليفة التزام مقاصد من استخلفه فيما استخلفه فيه ، وقائما مقامه يجري احكامه ومقاصده مجاريها [50] .
    ومما يستند اليه من تقييد في الشريعة الاسلامية مبدا العدل المطلق في الفقه الاسلامي ، فالاسلام لا يقف عند مظاهر العدالة وظواهر المصلحة فقط ، بل يتعدى ذلك الى استعمال الحقوق واعتبار نتائج الافعال .
    فاستعمال الحق مرتبط كذلك بالناحية الخلقية التي لها اعتبارها في تقدير سلامة استعمال الحق او انحرافه .
    ولا شك ان تقييد الحقوق يترتب عليه حماية المجتمع من مخاطر استعمالها استعمالا قاسيا، او استعمالا اهوجا ، ولكن الشريعة لا تغالي في تقييدها الى حد يعدمها او يشلها ، ولا تضحي بشخصية الفرد ، وانما حفظت للفرد كيانه وتمتعه بحقوقه بشكل معتدل ، كما اعطت للمجتمع منزلته وربطت ما بين الفرد والمجتمع بامتن الروابط [51] .


المطلب الثالث : التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي

    أولا: تعريف العسف لغة واصطلاحا .
    العسف لغة هو : أن ياخذ المسافر على غير طريق ولا جادة ولا عدل ، فنقل إلى الظلم ، يقال : عسف السلطان أي ظلم ، والعسوف الظلوم ، والعسف ركوب الأمر بلا تدبر ولا روية ، واعتسفه ركبه بالظلم .[52]
   أما العسف اصطلاحا : فلم يستعمل الفقهاء القدامى لفظ التعسف في كتبهم وان كانت حقيقته كثيرة التداول بينهم ، وغالبا ما كانوا يعبرون عن التعسف بالتعنت .
    وقد حاول بعض العلماء المعاصرين تعريف التعسف ، فعرفه فهمي أبو سنة بانه ( استعمال الإنسان لحقه على وجه غير مشروع )[53].
    وعرفه فتحي الدريني بانه ( مناقضة قصد الشارع في تصرف مأذون فيه شرعا بحسب الأصول ) [54]والتعريفان لايختلفان من حيث المضمون .
    ثانيا : أساس مفهوم التعسف في الشريعة الإسلامية .
    يقوم أساس مفهوم التعسف في الشريعة الإسلامية على حديثين شريفين وردا عن رسول الله (r) يمثل الحديث الأول الأساس ألقصدي والحديث الثاني الأساس المادي وهما :
  1-  قوله (r) :(( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ))[55] ، أي حكم الاعمال بالنيات وذلك من حيث صحتها او اباحتها [56]، واثر النية لا يقتصر على العبادات ، بل يجري في العبادات والمعاملات [57]، فالنية مهيمنة على جميع الافعال ، يقول الشاطبي: ان المقاصد ارواح الاعمال [58]، فالنية قد تخرج المباح عن حكمه حيث ان التعسف اخراج الاستعمال المباح عن اباحته ، او عن جوازه ومشروعيته ، يقول ابن رجب : ( فالعمل في نفسه ، صلاحه وفساده واباحته بحسب النية العاملة عليه )[59].
       والنية او القصد امر داخلي لايمكن الوقوف عليه ، اذ ان الله سبحانه وتعالى وحده مطلع على السرائر ، وذلك يقتضي ان يكون اثرها في الاعمال اخروية ، بخلاف الاحكام الدنيوية التي تقوم على الظاهر ولكن قد تصاحب النية دلالات وامارات تشير اليها ، وهنا وقع خلاف بين الفقهاء في بناء الاحكام القضائية على المقاصد ، ومرجع ذلك تعارض امرين بالغي الاهمية :
   اولهما : ما يجب من استقرار في المعاملات وبناء الاحكام على اسس ثابتة بعيدة عن التجوز والافتراض والتفسيرات الخاطئة .
  والثاني : الحرص على تحقيق مقاصد الشارع التي توخاها في شرع احكامه ، ومنع التلاعب والتحايل الى اهدارها .
   وكلا الامرين جدير بالاعتبار ويجب الحرص على التوفيق بينهما وعدم التفريط باحدهما ويمكن القول بانه ما من مذهب الا وراء المقاصد في الاحكام القضائية ، والى اعتبار المقاصد في الافعال ترجع الكثير من احوال التعسف ، كالحيل الممنوعة ، او أي استعمال للحق مصحوب بقصد شئ[60].
    2-      قوله (r) : (( لا ضرر ولا ضرار )) [61]، وهذا يعني ان كل ادخال ضرر على الغير ممنوع الا ما دل الشرع على اباحته ، أي ما كان ادخاله بحق ، وضابط ذلك كما ذكره الغزالي ( الا يحب لاخيه الا ما يحب لنفسه ، فكل ما لو عومل به شق عليه ، وثقل على قلبه، فينبغي ان لا يعامل به غيره )[62].
وقد جاء في شرح الحديث ان النبي (r) نهى ان يتعمد احدهما الاضرار بصاحبه وعن ان يقصدا ذلك جميعا[63].
    وهل بين الضرر والضرار فرق ؟ اختلف العلماء في ذلك ، فمنهم من قال : هما بمعنى واحد ، وترديد اللفظ في الحديث على وجه التاكيد .
    وقيل : ان المراد بالضرر ان يدخل على غيره ضررا بما ينتفع هو به ، وبالضرار ان يدخل على غيره ضررا بلا منفعة له .
    وقيل : المقصود بالضرر ، ابتداء الفعل ، أي يضر بمن لا يضر به ، وبالضرار ، ان يكون يقصد المقابلة ، أي بمن اضر به على وجه غير جائز[64].
    ومن القواعد التي يبنى عليها منع التعسف في استعمال الحق قاعدة سد الذرائع والحيل الممنوعة ، فقد بين الشاطبي ( ان النظر في مالات الافعال معتبر ومقصود شرعا ، فيمنع من يتوصل بما هو مصلحة الى ما هو مفسدة ، وكذلك الحيل الممنوعة حيث يقصد بالعمل الجائز ظاهرا ابطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر الى حكم اخر ، فان ذلك كله خرم لقواعد الشريعة )[65] ، وهذا يظهر عمق الشريعة الاسلامية في نظرتها الى استعمال الحقوق ، وعدم اقتصارها على ظواهر الاحوال والوقوف عند الافعال مجردة عن نتائجها ، وهذا له صلة وثيقة بالتعسف في استعمال الحق .
    اضافة الى ذلك نجد ان الاخلاق لها صلة وثيقة بمنع التعسف في استعمال الحق ، فالانسان المؤمن سيمتنع عن ذلك التعسف خوفا من عقاب يوم الدين ، بل لا يتجاوز ذلك الى مرتبة الاحسان والتسامح في استعماله لحقوقه ، طمعا في مرضاة الله سبحانه وتعالى والفوز بالجنة ، والامثلة على منع التعسف في الحديث والفقه كثيرة وفي مختلف ابواب الفقه ومن اشهرها ما ورد عن سمرة بن جندب انه كانت له عضد من نخل في حائط من الانصار ، قال: ومع الرجل اهله ، قال فكان سمرة يدخل الى نخله فيتاذى به ويشق عليه ، فطلب ان يبيعه فابى ، فطلب اليه ان يناقله فابى ، فاتي النبي (r) فذكر ذلك له ن فطلب اليه النبي (r) ان يبيعه فابى فطلب ان يناقله فابى ، قال فهبه له ولك كذا وكذا امرا رغبه فيه فابى ، فقال : انت مضار ، فقال رسول الله (r) للأنصاري : اذهب فاقلع نخله)[66] ، فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على منع صاحب الحق من ممارسة حقه اذا كان فيه ضرر للآخرين ، فالرسول (r) امر الأنصاري بقلع نخل سمرة ، لان سمرة رفض كل الحلول والاقتراحات التي تدفع ضرره عن صاحب البستان الأنصاري .

المطلب الرابع : معايير التعسف في استعمال الحق
   
    يراد بمعايير التعسف : الضوابط التي يعرف بواسطتها توفر الوصف التعسفي في استعمال الحق ، وتوجد عدة معايير يعرف بها هذا الاستعمال للحق بانه تعسفي ام لا ؟ اهمها:
    اولا : مناقضة قصد الشارع ، فكل عمل اباحه الشرع ، قصد من ورائه مصلحة ما ، تعود على الانسان في الدنيا او في الاخرة او فيهما معا ، وطلب من الانسان ان يكون قصده  موافق لقصد الشارع في ذلك ، فاذا ابتغى الانسان في عمل ما ، غير ما شرع له ، فانه قد ناقض قصد الشارع ، وكل من ناقض قصد الشارع فعمله باطل [67]، وعلى سبيل المثال ، شرع الله تعالى النكاح لاعفاف الانسان ولانجاب الولد ، ولانشاء اسرة دائمة ، ومما يناقض هذا القصد نكاح المحلل : وهو من ينكح امراة لغرض تحليلها لمطلقها ، فلذلك نكاح المحلل حرام بنص حديث الرسول (r) عندما قال : (( الا اخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلا يا رسول الله ، قال : هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له ))[68] ، فالرسول لعن المحلل والمحلل له ، واللعن لايكون الا على ذنب كبير .
    ومعنى التعسف في هذا النكاح مناقضة قصد الشارع في استدامة النكاح وما تستلزمه من حدوث نكاح الزوج الاخر وتطليقه بصورة طبيعية ، وليس بكيفية مصطنعة ، وهكذا كل من استعمل حقه بنقيض قصد الشارع يعد متعسفا .
    ثانيا : قصد الاضرار ، وهذا المعيار اساسه قوله (r) : (( انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى )[69] ، وقوله (r) : (( لاضرر ولا ضرار ))[70] ، فاي عمل كان القصد منه الاضرار بالغير يعد حراما ، وقد يكفي القصد وحده لترتيب الجزاء الاخروي عليه اما المنع القضائي فانه لا بد من حصول الضرر فعلا .
    ولاشك ان استعمال الحق بقصد الاضرار هو اكثر صور التعسف قبحا ، واجدرها بالمنع، فقد يستعمل الشخص حقه لا بقصد التشفي واشباع الاحقاد فقط ، بل قد يتخذ ذلك وسيلة الى غرض ابعد ، كمن يضار زوجته في استعماله لحقوق الزوجية ليجبرها على الافتداء بمالها[71]، والتطبيقات الفقهية لهذا المعيار كثيرة جدا منها اضافة الى المثال السابق ، ابطال الوصية اذا قصد بها الاضرار بالورثة[72]، ومنها توريث مطلقة المريض مرض الموت لانه يحتمل ان زوجها طلقها اضرارا بها[73]، وغير ذلك .
    ثالثا : انعدام المصلحة الجدية المشروعة في استعمال الحق ، ويعد هذا المعيار وسيلة للكشف عن قصد الاضرار الذي يخفى ويتعذر اثباته في اكثر الاحوال ، فيتخذ انعدام المصلحة قرينة على وجود ذلك القصد ، فاي حق استعمل فيما لا فائدة فيه للفاعل ، وفيه اضرار بالاخرين يعد تعسفا ، وكذلك يعد متعسفا من امتنع عن بذل ما يحتاجه الغير دون وجود منفعة تعود عليه من هذا المنع .
    ومن الامثلة على ذلك عدم اجابة طالب القسمة الى طلبه اذا كان لا ينتفع بها ، واعتباره متعنتا أي متعسفا[74].
    ومنها عدم جواز منع المالك جاره ان ينتفع بملكه اذا لم يكن فيه ضرر عليه كوضع خشبة على جداره او امرار الماء في ارضه[75]، وغير ذلك.
    رابعا : عدم الحيطة والتبصر ، او الاستعمال غير المعتاد ، ينصب هذا المعيار على الطريقة التي يمارس بها استعمال الحق وكيفية هذا الاستعمال منظورا في ذلك الى ما يمكن ان ينجم عن الاستعمال من اضرار تصيب الغير ، وقد عبر عنه الامام الشاطبي بترك النظر المامور به ، ومثل لذلك في حالة اداء الفعل الى المفسدة قطعا عادة ، بحفر بئر خلف باب الدار في الظلام ، بحيث بقع الداخل فيه لامحالة ، وفي حالة ادائه اليها غالبا ، ببيع السلاح من اهل الحرب والعنب من الخمار ، فالفاعل اما انه مقصر في النظر المامور به لعواقب فعله ، واما قصد نفس الاضرار ، وكلاهما ممنوع ، فيلزم ان يكون هذا الفعل ممنوع ، ولو حصل ضرر بسببه يعد متعديا بفعله ، ويضمن ضمان المتعدي[76]، ومثل الحافظ ابن رجب لذلك بمن يؤجج نارا في ملكه في يوم عاصف فيحترق ما يليه ، فانه متعد بذلك وعليه الضمان[77]، لانه استعمل حقه استعمالا غير معتاد .
    خامسا : عدم التوازن بين المصالح المتعارضة والترجيح بينها .
    قد يستعمل صاحب الحق حقه لتحقيق غرض صحيح ، وبطريقة سليمة ، ومن غير ان يصحبه قصد سيئ ، ولكن الاضرار التي تصيب الغير لا توازن بالمصلحة التي يجنيها صاحب الحق من ذلك الاستعمال ، بل تربو عليه ربا خطير ، ففي هذه الحالة لو استعمل حقه يعد متعسفا ، ويمنع من استعماله ، وذلك استنادا إلى قوله (r) : (( لا ضرر ولا ضرار))[78]، حيث الضرر يزال وان حدث نتيجة استعمال حق .
    وهذا المعيار ينظر فيه إلى آثار هذا الاستعمال ، وعدم التوازن فيها بين المصالح المتعارضة ، فينظر في كل حالة إلى مبلغ الضرر الذي يصيب الغير بالنسبة إلى المنافع التي يجنيها صاحب الحق من استعماله ، فان رجحت كفة تلك الأضرار على هذه المنافع رجحانا كبيرا فانه يمنع صاحبه من التمسك باستعماله ، وإلا فلا ، فمن غصب خشبة ووضعها في بناءه فان كانت قيمة البناء أكثر ، فانه يملكها بالقيمة ، ولا يحق لصاحب الخشبة المطالبة بها بذاتها[79].
    وتوجد عدة قواعد تتعلق بهذا المعيار كقاعدة ( الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف )[80] ، وقاعدة ( إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بتحمل أخفهما )[81] ، و ( يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام )[82].
    والأمثلة على ذلك كثيرة ، منها بيع طعام المحتكر جبرا عليه عند الحاجة ، والحجر على المفتي الماجن ، ونزع ملك الشخص إذا اضطر الناس إليه لتوسيع طريق أو مسجد أو غير ذلك[83].

المطلب الخامس : إساءة استعمال الحق في القانون
    القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 المعدل استمد أحكام نظرية التعسف في استعمال الحق من أحكام الشريعة الإسلامية[84]، فقد خصت المادة السادسة منه على مبدأ هام هو: ( الجواز الشرعي ينافي الضمان) فمن استعمل حقه استعمالا جائزاً لم يضمن ما ينشأ عن ذلك من ضرر، ولكن المادة السابعة قيدت هذا المبدأ بوجوب عدم التعسف في استعمال الحق، فنصت على ما يلي :-
من استعمل حقه استعمالاً غير جائز وجب عليه الضمان، ويصبح استعمال الحق غير جائز في الأحوال التالية :-
   ‌أ-                  إذا لم يقصد بهذا الاستعمال سوى الإضرار بالغير.
      ‌ب-            إذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها قليلة الأهمية، بحيث لا تتناسب مطلقاً مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها .
      ‌ج-            اذا كانت المصالح التي يرمي هذا الاستعمال إلى تحقيقها غير مشروعة، فصاحب الحق طالما استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا تترتب عليه أية مسؤولية [85] وبغير ذلك يلزم صاحب الحق الضمان، وهذه النص عد استعمال الحق غير مشروع في الحالات الآتية[86]:-

أولاً :- قصد الإضرار بالغير، فإذا كانت نية الإضرار هي التي دفعت صاحب الحق لاستعماله بحيث يكون الإضرار بالغير هو الهدف الوحيد الذي يرمي إلى تحقيقه، وان حصل صاحب الحق على بعض المنافع العرضية فانه لا يمنع من توفر النية، وهذا المعيار هو معيار شخصي يستخلص من خلال نية وقصد صاحب الحق في الإضرار بالغير، ويتمتع القاضي في القضية بسلطة تقديرية واسعة في استخلاص نية الإضرار بالغير من عدمه .

ثانياً :- رجحان الضرر عن المصلحة، ويعد كذلك صاحب الحق متعسفا في استعمال الحق اذا كانت المنفعة او المصلحة التي حصل عليها نتيجة الاستعمال اقل بكثير، بحيث لا تتناسب مع الضرر الذي سببه للغير، ولغرض التحقيق من ذلك لابد من إجراء موازنة بين الضرر والفائدة والترجيح بينهم، وهذا المعيار موضوعي يستند على الوقائع المعروضة.

ثالثاً :- عدم مشروعية المصلحة، ويتحقق هذا المعيار اذا كانت المصلحة المراد تحقيقها غير مشروعة، وهذا كذلك معيار موضوعي، يستند على الوقائع المعروضة  
    وبناء على ما تقدم واستنادا إلى فكرة التعسف في إساءة استعمال الحق اخذ المشرع العراقي في قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 وفي المادة (39/3) منه بفكرة التعسف في استعمال حق الطلاق واعد الزوج الذي يطلق زوجته دون سبب متعسفا في التعامل مع حق الطلاق، ويترتب عليه حق التعويض عن الضرر الذي أصاب مطلقته من جراء ذلك، ويتناسب هذا التعويض مع حالة الزوج المالية ودرجة التعسف .

المبحث الثاني : هل الأصل في الطلاق الإباحة أم الحُرمة

    اختلف الفقهاء في حكم الطلاق، وهل الأصل فيه الإباحة ام الحُرمة ؟ ، فيرى البعض ان الأصل في الطلاق الإباحة، ويرى البعض الآخر ان الأصل فيه الحُرمة، ولا يباح الا لعذر مشروع ووجود مصلحة تستوجب إيقاعه، هذه الآراء سنبحثها في مطلبين:-

المطلب الأول : القول بان الأصل في الطلاق الإباحة

    الإباحة تعني رفع الحرج عن الفعل والترك [87] بمعنى ان الإنسان المكلف مخير بين فعل الشيء وتركه، وأصحاب هذا الاتجاه [88] قالوا ان الله I جعل الطلاق بيد الرجل وذلك لان من فطرة الرجل انه هو الذي يطلب المرأة ويخطبها، اما المرأة فلا تطلب ولا تخطب بفطرتها، والرأي في الترك فطريا يكون لمن له الرأي في الطلب، وكذلك تترتب على الطلاق تبعات مالية كنفقة الأولاد وتسديد نفقات العدة والزواج الجديد وغير ذلك، فكل هذه التبعات المالية تحمل الزوج على التردد وضبط النفس وتدبر الأمر قبل الإقدام على الطلاق .
    وكذلك المرأة بحكم خلقتها الطبيعية أكثر انفعالاً واندفاعاً من الرجل بالعوارض والظروف التي تواجهها في الحياة، فلو منحت حق الطلاق وحدها لأساءت التصرف به، لانها قد لا تبالي بكثير من النتائج وهي في ثوراتها وغضبها [89] فمن حق الرجل ان يمارس هذا الحق بملء إرادته وحده متى شاء، دون ان تترتب عليه أية مسؤولية، ولا يجوز فرض الرقابة عليه فيما يفعل، وبالتالي فان الرجل المطلق وفق هذا الاتجاه لا يلزم بالتعويض طالما انه استعمل حقا منحه الله تعالى اياه، واستدلوا على ذلك بالقران والسنة وعمل الصحابة والإجماع والقياس .
      فمن القران قوله تعالى : }                              { [90] ، قالوا : ان نفي الجناح، أي الإثم عن الطلاق، يعني إباحته[91].
    ومن السنة فعله  rفقد ورد عنه r انه طلق زوجته حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ثم أرجعها [92]، فاقدامه r على الطلاق دليل إباحته، لانه معصوم لا يقدم على فعل الحرام[93].
    ومن عمل الصحابة رضي الله عنهم، طلاق ابن عمر لزوجته[94]، وطلاق عبد الرحمن بن عوف[95] لزوجته تماضر[96]، وغيرهما كثير، فما كان في زمن النبي r يعد من اقراره r ، واقراره دليل على إباحته، وما كان منه، بعد وفاته يعد من عمل الصحابة، وعمل الصحابة حجة فيما لا مجال للرأي فيه [97]، لانه لا بد لهم من موقف ولا موقف لهم الا لرسول الله r ، وكذلك الإجماع [98] فقد اجمع المسلمون منذ بدء الإسلام إلى يومنا هذا على مشروعية الطلاق عند الحاجة .
    وكذلك القياس، فالطلاق إزالة ملك حل التمتع بالزوجة بطريقة الإسقاط، فيكون مباحا في الأصل كالإعتاق[99] .
    والقضاء سار في بعض الدول الإسلامية بهذا الاتجاه، عندما اعتبر حق الطلاق من الحقوق المطلقة للزوج، لا يتحمل فيه أية تبعة أو ضمان فيما لو طلق زوجته، ولو بدون سبب، لانه يستعمل حقا من حقوقه[100] .

 المطلب الثاني : القول بان الأصل في الطلاق الحُرمة ديانة
    الحُرمة تعني ان من يقوم بهذا العمل يستحق العقاب [101] من الله تعالى يوم القيامة، فأصحاب هذه الاتجاه يرون ان الأصل في الطلاق الحُرمة وهذه الحُرمة ديانة، فالزوج ابتداء يملك حق الطلاق ولكنه اذا طلق زوجته دون سبب فانه يكون آثماً عند الله سبحانه وتعالى، ولكن القاضي لا يستطيع منعه من ايقاعه او يتدخل فيه، اذ قد يشعر الزوج في قرارة نفسه بعدم الميل لزوجته، وهذا جانب نفسي متروك لضمير الزوج ووجدانه،  فالقاضي لا يملك ان يتدخل لمعرفة الأسباب حرصا على سمعة الأسرة، ولاسيما ما يمس المطلقة من هتك أسرار لا يجوز التعرض لها ولا يجوز للغير معرفتها والاطلاع عليها.
    فالأصل اذن وفق ما تقدم ان الطلاق حرام ولا يباح إلا لحاجة، وهذه الحاجة تختلف نسبيا، من زوج لآخر، فقد تكون نفسية او مرضية او أي دافع آخر لا يستطيع الزوج معه بالاستمرار في الحياة الزوجية، وقد تكون هذه الحاجة من ما يجب ستره وكتمانه ولا يجوز إعلانه بين الناس او عرضه أمام أنظار القضاة، لذلك متى وجدت هذه الحاجة، ووقع الطلاق على اساسها، فليس من الصواب فرض التعويض على الزوج المطلق [102]، واستدل أصحاب هذا الاتجاه [103] بالقران والسنة:-
    فمن القران قوله تعالى : }                                    { [104]، وقوله تعالى : }                                     { [105]، فالطلاق دون حاجة او ضرورة بغي وظلم وعدوان، وهو يخالف امر المعاشرة بالمعروف، وقوله تعالى : }                           { [106]، والطلاق كفران بهذه النعمة، والكفران بالنعمة حرام، فالطلاق حرام .
    ومن السنة قوله r (( ايما امرأة سألت زوجها طلاق من غير بأسٍ فحرام عليها رائحة الجنة))[107] ، وجاء في الأثر : (( تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز منه العرش))[108].
    فهذه الأحاديث وغيرها تنهي عن الطلاق بغير سبب، والنهي يدل على التحريم[109]، وكذلك تبين عاقبة من تسأل زوجها طلاقها من غير سبب، الا وهي الحرمان من رائحة الجنة، وهذه العاقبة لا تكون الا لمن يعمل محرماً، اذن الطلاق محرم .
    والذي يتتبع آيات أحكام الطلاق في القران الكريم فانها تدعوا إلى الحذر والتروي وعدم  التسرع في ايقاع الطلاق وانه اذا وقع دونما حاجة تدعو اليه فهو اما حرام واما مكروه .
    وسنة الرسول r توصي بما اوصى به القران الكريم، وتؤكد على ان الطلاق عمل غير محتسب عند الله تعالى، وانها تقيد الطلاق بحالة وجود حاجة داعية اليه، فالطلاق دون حاجة او ضرورة ظلم وبغي وعدوان وكفران لنعمت الزواج، فالزواج شرع لمصلحه الفرد والأسرة والمجتمع وبقاء النوع الانساني، وفي الطلاق إبطال لهذة المصلحة، والإبطال مفسد والمفسدة أساس كل محظور .
        يقول الكاساني [110] وهو في معرض استدلاله على حظر الطلاق بالمعقول: ( واما المعقول فمن وجوه : احدها ان النكاح عقد مصلحة، لكونه وسيله إلى مصالح الدين والدنيا، والطلاق ابطال له، وابطال المصلحة مفسدة وقد قال تعالى :}       {[111]، والثاني : ان النكاح عقد مسنون، بل هو واجب، فكان الطلاق قطعاً للسنة وتفويتا للواجب، فكان الاصل هو الحظر والكراهة، الا انه رخص للتأديب او للتخلص )[112] .

الرأي الراجح
    بعد عرض آراء الفقهاء في حكم الطلاق في نفسه هل هو مباح ام محظور وعرض ادلة كل من الطرفين يميل الباحث إلى الراي القائل بان الطلاق محظور، وذلك لسلامة ادلته، ولان ادلة من قال بالاباحة لم تسلم من الاعتراضات فقوله تعالى }                  { تدل على نفي الجناح في حالة تطليق الزوجة قبل المساس، او عدم الفرض، لها فالدليل خاص لا يثبت به حكم عام، وكذلك السنة النبوية تقيدها بحالة وجود حاجة داعية إلى الطلاق .
    اما بالنسبة لطلاق النبي r والصحابة الكرام y فلم يثبت انه كان بدون سبب وعدم العلم بالسبب لا يستلزم عدمه في الواقع[113]، اما دعوى الإجماع فغير مسلمة،  فهذا الإمام ابن تميمة [114] يقول ( ولولا ان الحاجة داعية إلى الطلاق لكان الدليل يقتضى تحريمه كما دلت عليه الآثار والأصول )[115].
    ويقول صاحب الجوهرة النيرة [116] : ( الأصل في الطلاق الحظر، لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية)[117] ،  ويقول الغزالي[118]:( وانما يكون مباحا اذا لم يكن فيه إيذاء بالباطل ومهما طلقها فقد اذاها ولا يباح ايذاء الغير الا بجناية من جانبها او بضرورة من جانبه )[119].   
ويقول صاحب الروضة الندية [120] ( وهو جائز ينص الكتاب ومتواتر السنة وإجماع المسلمين ولكنه يكره مع عدم الحاجة )[121] .
    فكل هذه الأقوال تنقض القول بان إجماع المسلمين من عصر الرسول r إلى يومنا هذا على إباحة الطلاق، فالإجماع حاصل اذا كان بسبب اما اذا كان بدون سبب فحرام او مكروه على الأقل .
    اما القياس على الإعتاق فلا يصح، لان الإعتاق فيه مصلحه وفوائد عامه وخاصة، لذلك شجع الاسلام عليه [122] وسهل طريقه، وجعل بعض الكفارات لا بد من اعتاق رقبة[123]، بخلاف الطلاق فانه لا يخلوا من ضرر ما، اذا لم يكن لحاجة، ومن تتبع آيات أحكام الطلاق يتبين له الطلاق دون حاجة حرام او مكروه كراهة تحريمية، وقد جاءت السنة النبوية مؤكدة لما جاء في القران الكريم ومبينة بان الطلاق عمل غير محبوب عند الله سبحانه وتعالى اذا لم يكن لضرورة داعية اليه، يقول الرسول :r (( ابغض الحلال عند الله الطلاق)) [124]، فاذا اوقع الرجل الطلاق على زوجته دون حاجة ماسة او سبب معقول فالزوج يكون قد وقع في المحظور، ويتحمل تبعة عمله بتعويض مطلقته عما اصابها من ضرر، وهذا التعويض مبني على اساس إساءة استعمال حق الطلاق، حتى يجبر خاطر الزوجة المطلقة عن الم الحزن والفراق الذي سببه لها الطلاق، بالإضافة إلى ما يصيبها من سمعة اجتماعية سيئة ونظرة مزرية، وكذلك ما يترتب على الطلاق من سوء الحالة النفسية خصوصا اذا كان الطلاق دون سبب .  

المبحث الثالث : فكرى الطلاق التعسفي في القانون العراقي
  
    ذكرت سابقا ان القانون العراقي استمد أحكامه من الشريعة الإسلامية، ولما كانت الشريعة الإسلامية تحرم الطلاق لمجرد رغبة الزوج في الخلاص من الزوجية،  وانها أوجبت معاشرة الأزواج بالحسنى، وعدم التساهل في أمور الطلاق بدون حاجة ملحة او ضرورة، او دون سبب او سوء تصرف من جانب الزوجة، فانه يكون آثماً عند الله تعالى، ويترتب في ذمته حق الزوجة في تعويضها ماليا[125] لجبر خاطرها عن الحزن والاسى الناجم عن الطلاق، اضافة لحقوقها الشرعية الاخرى الثابتة، حيث ان التعويض المالي او ما يسمى بالمتعة في الفقه الاسلامي لا يمنع استحقاق المطلقة لحقوقها الاخرى المترتبة على عقد الزواج[126]، كنفقة العدة ومؤجل المهر وحق السكنى في دار الزوجية[127]، لذلك سنحاول تحديد فكرة الطلاق التعسفي وشروطه وصوره المستمدة من التطبيقات القضائية في مطلبين،  المطلب الاول خصص لتحديد فكرة الطلاق التعسفي وشروطه والثاني لبعض صور الطلاق التعسفي المستنبطة من التطبيقات القضائية في محاكم الاحوال الشخصية.   

المطلب الأول : تحديد فكرة الطلاق التعسفي وشروطه

    سبق وان ذكرنا ان معنى الطلاق شرعا هو رفع قيد الزواج في الحال او المال بلفظ مخصوص او ما يقوم مقامه،  فيحرم الزوج المطلق من المتمتع بزوجته اذا كان الطلاق بائنا، حيث يترتب على الطلاق البائن حل عقدة الزواج في الحال، اما اذا كان الطلاق رجعيا فيترتب عليه حل عقدة النكاح في المال، حيث يجوز للزوج ان يراجع زوجته اثناء فترة العدة الشرعية سواء كان الرجوع برضا الزوجة او بدونه، ولكن اذا انتهت العدة دون مراجعة الزوج لزوجته فالطلاق الرجعي ينقلب إلى طلاق بائن بينونة صغرى ما لم يكن مكملا للثلاث، اما اذا كان مكملا للثلاث فيكون بائناً بينونة كبرى .
    اما الطلاق التعسفي : فهو الطلاق الذي يقع من الزوج بالمفهوم العام للطلاق ولكن ايقاعه بدون سبب معقول او مبرر، وبدون سوء تصرف من الزوجة وبدون طلبها او رضاها، وانما يقع لمجرد قصد الاضرار بالزوجة، ففي هذه الحالة يعد الزوج متعسفا في استعمال حق الطلاق ويتحمل النتائج المترتبة علية شرعا وقانونا.
    وقانون الاحوال الشخصية العراقي المرقم 188 لسنة 1959 المعدل اخذ بفكرة التعسف في استعمال حق الطلاق وذلك في القانون رقم 51 لسنة 1985 قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية حيث جاء في الاسباب الموجبة لتشريعه (انه حماية للزوجة المطلقة من تعسف زوجها من ايقاع الطلاق لما يلحق بها من ضرر ينجم عن هذا الطلاق دون سبب من الزوجة، اذ يعد الزوج في هذه الاحوال متعسفا في استعمال حق الطلاق، وهذا التعسف او الاساءة في استعمال الحق يجيز للقضاء التدخل من اجل حماية الزوجة التي اصابها الضرر، وتعويضها عن ذلك باعتبار ان حق الطلاق يخضع لاشراف القضاء ) .
    وقد أورد القانون المذكور حالة التعسف في استعمال حق الطلاق إذ جاء في القانون المادة 39/3 منه ( اذا طلق الزوج زوجته وتبين للمحكمة ان الزوج متعسف في طلاقها، وان الزوجة أصابها ضرر من جراء ذلك، تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها بتعويض يتناسب وحالته المادية ودرجة تعسفه يقدر جملة على ان لا يتجاوز نفقتها لمدة سنتين علاوة على حقوقها الثابتة الأخرى).
    يفهم من هذا النص، ان المشرع للقانون وضع بعض الضوابط والمعايير لتحديد حالة التعسف، وحسب سلطة المحكمة التقديرية وما يظهر لها من خلال وقائع الدعوى المنظورة، واشترط إصابة الزوجة بالضرر بسبب الطلاق، وان يحكم لها بالتعويض بناء على طلب الزوجة المطلقة .
    وقد أخذت بعض القوانين العربية [128] بهذه الفكرة من حيث التعسف والتعويض، ووضعت بعض الأسس والمعايير الدالة على التعسف في استعمال حق الطلاق، وتحديد مدى استحقاق المطلقة للتعويض، واغلب هذه المعايير متفق عليها بين البلاد العربية التي اخذت بفكرة الطلاق التعسفي مع بعض الاختلافات الطفيفة في تحديد مقدار التعويض الذي تستحقه المطلقة وكيفية تقديره وتسديده ، ومن خلال ما تقدم يمكن ان تظهر لنا بعض المعايير والأسس التي يمكن الركون اليها لاعتبار الطلاق الواقع تعسفيا من عدمه وهي :ـ
       1-            ان يقع الطلاق من قبل الزوج دون سبب مبرر او ضرورة .
       2-            ان لا يكون وقوعه بسبب سوء تصرف الزوجة .
       3-            ان لا يكون بطلبها او رضاها .
       4-            ان تصاب الزوجة المطلقة بضرر من جراء هذا الطلاق .
    فهذه المعايير اذا توفرت بدعوى طلاق فان الزوج يكون متعسفا في استعمال حق الطلاق.
    ونرى ان القانون العراقي والأردني والسوري متفقه على ان المطلق يكون متعسفا اذا توفرت المعايير أعلاه سواء كان الطلاق قبل الدخول او بعده وهذا ماذهب اليه الظاهرية [129] الذين استندوا على عموم قوله تعالى }             {[130].
    بينما فرق مشروع الأحوال الشخصية العربي الموحد بين المدخول بها وغير المدخول بها، فقد جاء في الفقرة أ من المادة 97/ ب ما نصه (تستحق المطلقة المدخول بها المتعة حسب يسر المطلقة ) . وكذلك قانون الأحوال الشخصية المصري فجعلا طلاق المدخول بها فقط طلاقا تعسفيا اما غير المدخول بها فلا يعد مطلقها متعسفا وان توافرت الشروط اللازمة لذلك .
    ويميل الباحث إلى ما ذهب اليه القانون العراقي والأردني والسوري لأنه قد تصاب الزوجة المطلقة غير المدخول بها بالضرر نفسه الذي تصاب به المطلقة المدخول بها وقد يكون ضرراً ماديا او أدبياً يؤثر على سمعة وشرف الزوجة التي تطلق قبل الدخول بها دون سبب مقنع مما يؤدي إلى تشويه سمعتها بل قد يكون ضرر طلاق الغير مدخول بها اشد من ضرر طلاق المدخول بها في بعض الأحيان.

المطلب الثاني : صور الطلاق التعسفي

    علمنا مما سبق أنّ اغلب التشريعات العربية ومنها قانون الأحوال الشخصية العراقي ذكرت المعايير التي يمكن الاستئناس بها لتحديد ما اذا كان الطلاق قد استعمل بتعسف ام لا؟ ، وبناء على ذلك لا يمكن تحديد صور او حالات الطلاق التعسفي على سبيل الحصر، لان في ذلك صعوبة تكمن في اختلاف الأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية من بلد لآخر، بل حتى في البلد الواحد ومن زمان لآخر ومن شخص لآخر، إذ يختلف مفهوم التعسف في إيقاع الطلاق بالنسبة لشخصين وان كانا يقيمان في البلد ذاته وفي الفترة الزمنية ذاتها بحسب اختلاف النشأة الاجتماعية لكل منهما، فمن الأشخاص من يعد مجرد خروج زوجته خارج البيت من غير اذنه او خروجها من دون حجاب اهانة له ولمشاعره، ومساساً بعقيدته الدينية والأخلاقية، فيكون ذلك مدعاة إلى إيقاع الطلاق على زوجته، فمن وجهة نظره لم يتعسف في إيقاع الطلاق بل كان لابد منه، بينما تكون مثل تلك التصرفات بالنسبة لأشخاص آخرين حالات اعتيادية، فهي لا تثير مشاعرهم ولا يعدونها اهانة لهم وفق نشأتهم الاجتماعية وعاداتهم الأخلاقية، فاذا وقع الطلاق من احدهم يعد متعسفا فيه لذلك لا يمكننا ان نذكر جميع صور الطلاق التعسفي على سبيل الحصر ولكن من الممكن ان نذكر بعض الصور من خلال التطبيقات القضائية لنص الفقرة الثالثة من المادة التاسعة والثلاثين من قانون الأحوال الشخصية العراقي ومنها :-
1- دعاوي تصديق الطلاق الواقع خارج المحكمة، فعندما يقوم الزوج بايقاع الطلاق على زوجته خارج المحكمة، سواء امام رجل الدين او الشهود او بدونهم، وسواء كانت الزوجة حاضرة مجلس القضاء ام لا، يقع الطلاق دون موافقة الزوجة وليس بناء على طلبها، وتصاب بالضرر المادي او الأدبي من جراءه، فعندما تقام دعوى أمام محاكم الأحوال الشخصية لتصديق الطلاق من قبل الزوجة او الزوج فالمحكمة في مثل هذه الحالات تفترض تعسف الزوج في استعمال حق الطلاق ما لم يثبت الزوج ان الطلاق وقع بناء على سبب يبرر إيقاعه، فاذا اثبت ذلك السبب للمحكمة واقتنعت به فستنفي عن الزوج حالة التعسف.
    وان اعتبار الطلاق الواقع خارج المحكمة طلاقا تعسفيا ليس قاعدة عامة، فهو وان صح في بعض الحالات [131] فقد لا يصح في الحالات الأخرى [132]، فليس كل طلاق خارج المحكمة هو طلاق تعسفي، فقد يطلق الزوج زوجته خارج المحكمة ولديه من الأسباب ما يكفي لإيقاع الطلاق على زوجته، ولكنه يرى ان مصلحة الأطفال وسمعته تقتضي ان لا يطرح الموضوع على القضاء، حتى لا تطرح أسباب الطلاق، خاصة ان بعض الأسباب تتعلق بالقيم الأخلاقية التي يتوجب كتمانها وعدم الكشف عنها حفاظا على كرامة الإنسان .
2- إصرار الزوج على الطلاق، فقد يحصل ان يقيم الزوج دعوى الطلاق، امام المحكمة المختصة، وعند التحقيق يظهر ان الزوج هو المقصر، ولكنه يصر على الطلاق رغم ذلك بواسطة المحكمة خصوصا وان الزوجة ترفض الطلاق او التفريق[133].
3- مفاجأة الزوج للمحكمة وإيقاعه الطلاق، فقد يحصل ان تنظر المحكمة في دعوى الطلاق وخلال الإجراءات وقبل ان تتم المحكمة تحقيقاتها حول الدعوى يقوم الزوج بمفاجأة المحكمة فيطلق زوجته سواء كانت حاضرة في المجلس ام لا، خصوصا وان الزوجة ترفض الطلاق او التفريق[134].
    ولعل احدا يسأل فيما لو كانت الزوجة مفوضة بتطليق نفسها من زوجها اثناء انعقاد الزواج وطلقت نفسها من زوجها دون أسباب بل لمجرد رغبتها في الخلاص منه والإضرار به، وانه لم يوافق على ذلك، فهل يمكن تصور التعسف باستعمال حق الطلاق من جانب الزوجة المفروضة تطليق نفسها؟
    ان نص الماده 39/3 احوال شخصية قيد حالة التعسف باستعمال حق الطلاق على الزوج فقط فذكرت ( اذا طلق الزوج زوجته ...)، فالنص تطرق إلى التعسف الصادر من جانب الزوج رغم ان القانون ذاته اعطى للزوجة حق تطليق زوجها اذا كانت مفوضة به موكلة من قبل زوجها[135].
    وهناك من يرى[136] وجوب شمول الزوجة ايضا بالتعسف في استعمال حق الطلاق اذا كانت موكلة به او مفروضة، واساءت استعماله بتطليق نفسها من زوجها دون سبب او مصلحة جدية، وانما فقط بقصد الاضرار بالزوج فعليها تحمل التعويض ايضا، لانه اساس استعمال الحق .
    ولكن هذا الرأي مرجوح لانه وان لم يكن هناك مانع من شمول الزوجة بهذا التعسف بناء على اساءة استعمال الحق اذا كان الاستعمال بقصد الاضرار فقط، و لكن قد تكون مصلحة الزوجة في الفراق عن زوجها اجدى وانفع من استمرار الزواج، بالاضافة إلى ان الزوج عندما يفوض زوجته تطليق نفسها منه متى شاءت يكون على علم بان زوجته قد تلجأ إلى هذا الحق المكتسب لخلاص منه، بناء على التفويض او التوكيل ولو بدون موافقة الزوج .
الفصل الثاني
التعويض عن الطلاق التعسفي

    عندما يقع الطلاق تترتب عليه جملة من الاثار منها نفقة العدة والمهر المؤخر واجرة الحضانة والرضاعة وغير ذلك، ينفرد الطلاق التعسفي بميزة استحقاق الزوجة المطلقة التعويض المالي اضافة لحقوقها الاخرى الثابتة وفي هذا الفصل سنحاول ان نتحدث عن مشروعية التعويض شرعا وقانونا وعن شروط استحقاقه وعن اثبات التعسف ودرجته وكيفية تقدير التعويض كل في مبحث .

المبحث الأول : مشروعية التعويض شرعا وقانونا
    سنتناول في هذا المبحث مشروعية التعويض عن الطلاق التعسفي شرعا وقانونا في مطلبين :-

المطلب الأول : مشروعية التعويض - المتعة - في الشريعة الإسلامية

    شرع الله I الطلاق للتخلص من رابطة الزواج اذا كانت هذه الرابطة غير ممكنة الاستمرار، وان الخلاف قد استفحل بينهما، ولا يمكن ان يعيش الزوجان تحت سقف واحد، وقد يقع الطلاق بدون اسباب مبررة فيكون الزوج متعسفاً ويلزم بالتعويض للزوجة، هذا التعويض يسمى في الفقه الاسلامي (متعة).
    والمتعة : هي ما يعطيه الزوج لمطلقته ليجبر بذلك الالم الذي حصل لها بسبب الفراق[137]، وهي بمثابة تعويض عما يلحق الزوجة من ضرر، ولغرض الترفيه عنها بسبب الآلام التي أصابتها . 
    والمتعة مشروعة في الإسلام والدليل على مشروعيتها من القران قوله تعالى }            {[138]، فهذه الآية الكريمة عامة توجب المتعة لكل مطلقة بنى بها ام لا، سمى لها صداقا ام لم يسم [139]، وهنالك آيات أخرى توجب المتعة لبعض المطلقات كقوله تعالى }                                                             {[140]، وقوله تعالى }                                                  {[141]، فهاتان الآيتان تنصان على وجوب العدة للمطلقة الغير مدخول بها، وقال بعض اهل العلم[142]: ان الآية الأولى }       { نسخت الآية الثانية }      { .
    واما الدليل على مشروعيتها من السُنة ففعله r فقد ورد عن ابي اسيد [143] t قال: خرجنا مع النبي r حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط ، حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا بينهما، فقال النبي r : (( اجلسوا ها هنا، ودخل وقد اتي بالجونية فنزلت في بيت من نخل في بيت اميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها النبي r قال : هبي نفسك لي، قالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ؟ فاهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت: اعوذ بالله منك، فقال: قد عذت بمعاذ، ثم خرج، فقال يا أبا أسيد اكسها رازقيتين))[144].
    وكذلك فعل الصحابة والتابعين y اجمعين، فقد متع الحسن[145] بن علي بن ابي طالب t زوجته عائشة الخثعمية حين طلقها بعشرة الاف درهم[146]، ومتع شريح[147] t بخمس مئة درهم [148]، وهل المتعة للمطلقة واجب او مندوب اختلف الفقهاء في ذلك حسب نوع المطلقة وكما يأتي :-
           1-       المطلقة قبل الدخول وقد سمي لها مهرا فيجب لها نصف المهر لقوله تعالى }                                                                    ﯿ            {[149].
           2-       المطلقة قبل الدخول ولم يسم لها مهرا، او كانت لها التسمية فاسدة كأن يكون المهر خمرا او خنزيرا، ذهب جمهور الفقهاء - الحنيفة والشافعية والحنابلة - إلى وجوب المتعة لها، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى }                                                              { [150] فقوله ( ) امر، والأمر للوجوب، وكلمة (عَلَى) للإيجاب، وقوله }         { تقتضي الثبوت، وليس في ألفاظ الإيجاب كلمة اوكد من قولنا حق عليه، لان الحقية تقتضي الثبوت، وعلى كلمة اثبات والزام، والجمع بينهما يقتضي التأكيد .
    وكذلك استدلوا بان المتعة انما هي بدل الواجب الذي هو نصف مهر المثل، وبدل الواجب واجب، والدليل على ان المتعة تجب بدل عن نصف المهر، ان بدل الشيء ما يجب بسبب الاصل عند عدمه، كالتيمم مع الوضوء ، والمتعة تجب بالسبب الذي يجب به المهر، وهو النكاح لا الطلاق، لان الطلاق مسقط للحقوق لا موجب لها، لكن عند الطلاق يسقط نصف المهر فتجب المتعة بدلا عن نصفه[151].      
    وذهب الامام مالك إلى استحباب المتعة لكل مطلقة واستدل بان الله تعالى قيد المتعة بالمتقي والمحسن فقال }       { ، و }             { ، والواجب لا يختلف فيه المحسن والمتقي وغيرهما، فدل على انها ليست واجبة، وكذلك قوله }      { ، يدل على انها على سبيل الاحسان والفضل، والاحسان ليسا بواجبين [152]، واجيب بان المندوب كذلك لا يختلف فيه المحسن والمتقي عن غيرهما، ثم الايجاب عن المحسن والمتقي لا ينفي الايجاب على غيرهما، الا ترى انه سبحانه وتعالى اخبر ان القران هدى للمتقين، ثم لم ينف ان يكون هدى للناس كلهم[153] .    
           3-      المطلقة بعد الدخول او المطلقة قبل الدخول وقد سمي لها مهر، المتعة لها مستحبة عند الحنيفة، وظاهر مذهب الامام احمد، واستدلوا على رأيهم بان المتعة وجبت بالنكاح بدلا عن البضع اما بدلا عن نصف المهر او ابتداء، فاذا استحق المسمى او مهر المثل بعد الدخول فلا تجب لها المتعة، بل تستحب، لانه لو وجبت المتعة لادى إلى ان يكون لملك واحد بدلان، وإلى الجمع بين البدل والاصل في حالة واحدة وهذا ممتنع .
    ولان المطلقة قبل الدخول في نكاح فيه تسمية للمهر لا تجب لها المتعة ، فالمطلقة بعد الدخول اولى، لان الاولى تستحق بعض المهر، والثانية تستحق كل المهر، فا ستحقاق بعض المهر لما منع عن استحقاق المتعة فاستحقاق الكل اولى[154] .
    اما الامام الشافعي في الجديد ورواية عن الامام احمد فقالوا بوجوب المتعة بعد الدخول، وذلك لعموم قوله تعالى }        
    {، فقد جعل الله سبحانه وتعالى للمطلقات متاع بلام الملك عاما الا انه خصص منه المطلقة قبل الدخول في نكاح فيه تسمية للمهر، فبقيت المطلقة قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه للمهر والمطلقة بعد الدخول .
ولقوله تعالى }            { [155] كان ذلك في نساء دخل بهن ولان ما حصل لها من المهر بدل الوطئ وبقي الابتذال بغير بدل فوجبت لها المتعة كالمفوضة قبل الدخول .
    وفي القديم يرى عدم وجوب المتعة، لانها مطلقة من نكاح لم يخل من عوض، فلم تجب لها المتعة، كالمسمى لها قبل الدخول[156].
    اما الظاهرية فيرون وجوب المتعة على كل مطلق واحدة ، او اثنين ، او ثلاثا ، وطئها ، او لم يطاها ، فرض لها صداقها ام لم يفرض لها شيئا ، ويجبره الحاكم على ذلك ، احب ام كره، ولايسقط التمتع عن المطلق مراجعته اياها في العدة لاموته ولاموتها، واستدلوا بقوله تعالى }           {      وقوله }                                       {   ، قالوا ان الله سبحانه وتعالى عم كل مطلقة ولم يخص واوجبه حقا لها على كل متقِ يخاف الله تعالى [157].


المطلب الثاني : الأساس القانوني للتعويض

    قبل بيان الأساس القانوني للتعويض عن الطلاق التعسفي، من الضروري ان نبين مصادر الالتزام في القانون المدني العراقي، المتمثلة بالعقد والإرادة المنفردة والعمل غير المشروع والكسب دون سبب والقانون، وان هذه المصادر نشأت اما عن العمل القانوني ( التصرف ) او الواقعة القانونية [158]، والقانون كمصدر مباشر للالتزامات لا يلزم اخذه اعتباطا، وانما هو مبني على الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، فتقوم على مبدأ الضمان الاجتماعي[159]، مثل التزام النفقة بين الأهل والأقارب والأصول والفروع، وكذلك التعويض عن الطلاق التعسفي وغيرها من الالتزامات القانونية ومن ذلك نجد ان التعويض عن الطلاق التعسفي هو مسؤولية قانونية أي التزام مصدره القانون وفقا لفكرة إساءة استعمال الحق[160] وليس التزاما عقائديا ناتجا عن إخلال الزوج بعقد الزواج .
    والتعويض الذي تستحقه الزوجة وفقا لاحكام المادة 39/3 من قانون الاحوال الشخصية هو تعويض مادي يتناسب وحاله الزوج المالية ودرجه تعسفه في ايقاع الطلاق، وهو لايتعارض مع الحقوق الشرعية الاخرى للمطلقة ويفرض التعويض بمبلغ لايتجاوز نفقة الزوجة لمدة سنتين، والتعويض من حيث النص جاء مطلقا ليشمل نوعي الاذى المادي والمعنوي الذي لحق بالزوجة، لان المطلق يجري على اطلاقه ما لم يقيد بنص .
    وكذلك يشمل المطلقة مطلقا سواء كان الطلاق قبل الدخول ام بعده، تطبيقا لقاعدة (المطلق يجري على اطلاقه ما لم يرد ما يقيده نصاً او دلالةً)[161] فان النص يشمل كلتا الحالتين قبل الدخول وبعده اذا اصيبت المطلقة بضرر من جراء الطلاق التعسفي، وان حدوث الطلاق قبل الدخول او بعده يمكن ان يؤخذ بنظر الاعتبار عند تقدير التعويض.
    ورب سائل يسال هنا هل يجوز التعويض عينيا للزوجة المطلقة طلاقا تعسفيا ام ان التعويض يجب ان يكون نقدا ؟ فلو ان الزوجة المطلقة طلبت سيارة او بيتا كتعويض لها عن الاضرار التي لحقتها عن الطلاق التعسفي، فهل يلبى طلبها ؟ نرى من خلال النص المتعلق بالموضوع انه ذكر التعويض وربطه بحالة الزوج المالية يسرا وعسرا ويقدر جملة لايتجاوز نفقة الزوجة لمدة سنتين، والمعروف ان النفقة تحسب على اساس المبالغ النقدية كما جرى عليه القضاء العراقي الشرعي، وليس على اساس التعويض العيني، مع العلم ان الشريعة الاسلامية لا مانع لديها من ان يكون التعويض اشياء عينية، كما مر معنا عندما امر الرسول r احد اصحابه ان يمتع زوجته المطلقة بثوبين رازقيين .    

المبحث الثاني : شروط استحقاق التعويض

    لكي تستحق الزوجة التعويض عن الطلاق التعسفي لا بد من توفر كافة الشروط التي حددتها المادة 39/3 احوال شخصية بعد اقتناع القاضي بتعسف الزوج، ومن اجل معرفة هذه الشروط من المناسب ان نذكر نص المادة 39/3 ، فقد نصت على ( اذا طلق الزوج زوجته وتبين ان الزوج متعسف في طلاقها، وان الزوجة اصابها ضرر من جراء ذلك، تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها بتعوض يتناسب وحالته المادية ودرجة تعسفه، يقدر جملة على ان لا يتجاوز نفقتها لمدة سنتين، علاوة على حقوقها الثابتة الأخرى ) .
    فمن خلال قراءة هذا النص نستطيع ان نقول ان شروط استحقاق التعويض هي:-
       1-            ان يكون الزوج قد تعسف في ايقاع الطلاق على زوجته وقد ذكرنا حالات التعسف في مطلب تحديد فكرة الطلاق التعسفي وشروطه .
    وتقدير التعسف من عدمه يخضع لسلطة المحكمة التقديرية [162]، ويتبين لها ذلك من خلال وقائع الدعوى، فاذا تبين للمحكمة ما يبرر للزوج الطلاق شرعا او عرفاً[163] فلا تحكم بتعسف الزوج في الطلاق، وعلى المحكمة ان تجري تحقيقاتها وتسمع البينات عن جدية الاسباب التي دعت إلى ايقاع الطلاق، وبناء على ذلك تقدر حالة وجود التعسف من عدمه، وليس للمحكمة ان تصدر حكمها دون الخوض في اسباب الطلاق وتعده تعسفا وتلزم الزوج بالتعويض عنه[164]، فمحكمة الموضوع ومن خلال تحقيقاتها فيما يعرض تتوصل إلى تحديد التعسف ودرجته فيما يتعلق بالطلاق الواقع خارج المحكمة[165]، وحالة اصرار الزوج على الطلاق، ومفاجئته للمحكمة بإيقاعه على الزوجة أثناء المرافعة [166]، ففي هذه الحالات لا يفسح المجال الكافي للمحكمة لإكمال تحقيقاتها بشأن الاسباب المبرره للطلاق، ومدى جديتها وصلاحيتها في ايقاع الطلاق، وبالتالي فالمحكمة ملتزمة بتثبيت وقوع الطلاق الصادر من الزوج اذا توفرت اركانه الشرعية، سواء كان خارج المحكمة او امامها، لان الطلاق من مسائل الحلال والحرام التي لا يجوز تجاهلها وصرف النظر عنها، لا من المحكمة ولا من اطراف الدعوى، فاذا ثبت الطلاق بناء على ما تقدم فانه يكون طلاقا تعسفيا وفقا لقناعة المحكمة.
    وينطبق وصف التعسف ايضا اذا لم تطلب الزوجة الطلاق و رفضته تمسكا منها بالحياة الزوجية،  او اذا كانت غائبة عن مجلس الطلاق ،  كل ذلك يعد تعسفا ما لم يكن سوء تصرف من جانب الزوجة ساعد على حدوث الطلاق[167].
       2-            ان تصاب الزوجة المطلقة بضرر من جراء هذا الطلاق، والضرر ورد في النص بنوعيه المادي والأدبي، فغالبا ما تفقد الزوجة المطلقة معيلها، خصوصا اذا كانت ربة بيت، او تركت وظيفتها لغرض ادارة شؤون الأسرة وتربية الاطفال، وغير ذلك من الواجبات الملقاة على عاتقها .
    واما جانب الضرر الادبي فيتمثل في تدهور الحالة النفسية للمطلقة تعسفا، وان نظرة المجتمع لها نظرة دونية .
    وحسنا فعل المشرع العراقي عندما أطلق التعويض عن نوعي الضرر، ولا سيما اذا ما علمنا من قضايا الطلاق المعروضة أمام القضاء ان غالبية الأزواج يطلقون زوجاتهم وهم متعسفون فيه، ويقع الظلم عليهن، لان الطلاق يقع لأتفه الأسباب دون مراعاة لحرمة الرابطة الزوجية التي شرعها الله تعالى لعباده، ونتيجة لذلك ذهب ويذهب الكثير من النساء اللواتي يقعن في دائرة البؤس والفاقة والعوز والحرمان وفقدان المعيل، واللاتي يكون من بينهن المحتاجة وكبيرة السن .
    ومسألة الضرر والتحقيق من وجوده امر تستقل به المحكمة بمفردها، ولا تعرض الامر على خبراء لمعرفة ما اذا كانت الزوجة أصيبت بالضرر ام لا ؟[168].
    وقد تجسد ذلك في قرار محكمة التمييز المرقم 1458/ شخصية /1988 في 2/2/1988 في قضية تتلخص وقائعها بان المدعية (س) ادعت لدى محكمة الأحوال الشخصية في الناصرية، بان المدعى عليه (م) مطلقها وحيث انه كان متعسفا في طلاقها، فقد طلبت من المحكمة الحكم عليه بتعويض يتناسب ودرجة تعسفه، فأصدرت المحكمة المذكورة بتاريخ 27/10/1987وعدد 1929/ش/1986 حكما حضوريا يقضي برد دعوى المدعية حيث لا يعتبر كل طلاق خارج المحكمة تعسفا والضرر متحقق فيه، ثم طلبت المدعية تمييز الحكم، قررت محكمة التمييز   ( .... وجد ان المحكمة ردت دعوى المدعية بحجة انه لم يتضح لدى المحكمة انه أصابها ضرر من جراء قيام المدعى عليه بطلاقها، وقد فات المحكمة ان تلاحظ بأنها لم تتحقق عن التعسف ودرجته والضرر الذي أصاب الزوجة من عدمه، كل ذلك على ضوء الفقرة الثالثة من المادة التاسعة والثلاثين من قانون الأحوال الشخصية مما اخل بصحة حكمها المميز ) .
    وما دام التعويض يدور وجودا وعدما مع الضرر الذي يصيب المطلقة تعسفا، فما الحكم لو تعسف الزوج بالطلاق وكان الطلاق رجعيا، وخلال فترة العدة الشرعية راجع الزوج وعادت الحياة الزوجية، فهل تستحق التعويض ام لا؟ ، في ذلك رأيان لفقهاء القانون[169] : -
    الأول : يقول لما كان من حق الزوج الرجوع بزوجته أثناء فترة العدة وإعادتها إلى بيت الزوجية سواء جبرا عليها او برضاها، لذا فان حق الرجعة اعطاه الله تعالى للزوج فقط يستخدمه بإرادته، واذا تمت الرجعة الصحيحة فمعنى ذلك ان حكم الطلاق يسقط ، وكل ما بني عليه يسقط أيضاً، ومنها التعويض، ويجري هذا الحكم نفسه اذا اقام الزوج دعوى مطاوعة أثناء العدة، لانها بحكم الرجعة، فالمطالبة تسقط أيضاً في هذه الحالة .
    الثاني : يقول ان المطلقة تستحق التعويض ولو اعيدت إلى عصمة زوجها خلال فترة العدة بناء على رجعة الزوج بها، لان اساس المسؤولية في التعويض قانوني وليس عقد الزواج، فالتعويض يتحقق لانه الزام قانوني مرهون بتوفر شروطه المبنية على فكرة اساءة استعمال الحق التي تلزم الزوج بالتعويض لتسببه بالضرر لزوجته المطلقة، إذ إنَّ الطلاق حق كسائر الحقوق اذا استعمل بتعسف واحدث ضررا وجب التعويض على المتضرر .
    وقد ايد هذا الاتجاه قضاء محكمة التمييز حيث جازت الحكم للزوجة بالتعويض عن الطلاق التعسفي، ولو اعيدت الزوجة خلال فترة العدة الشرعية[170]، لان الرجوع لا يزيل الضرر الذي اصاب الزوجة، مثل الاضرار النفسية والاجتماعية ونقصان عدد الطلقات، وان التعويض ليس كالنفقة تسقط باعادة الزوجة إلى دار الزوجية .
    بينما نجد قرارات تمييز اخرى تؤيد الرأي الاول القائل بعدم تعويض الزوجة المطلقة طلاقا تعسفيا اذا اعيدت إلى عصمة زوجها في حالة الطلاق الرجعي وخلال فترة العدة الشرعية [171] .
    والرأي الثاني هو الراجح والله اعلم، لان الضرر يصيب الزوجة بمجرد طلاقها دون سبب منها، وهذا يؤثر على حالتها النفسية والاجتماعية المتمثلة بالحزن والاسى على حياتها الزوجية ونقصان عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته، اضافة إلى فعل الزوج يدخل تحت اطار اساءة استعمال الحق، وبناء عليه فالزوجة تستحق التعويض ولو اعيدت إلى دار الزوجية خلال فترة العدة الشرعية للطلاق الرجعي، وان أثر الرجعة يقتصر على استئناف الحياة الزوجية اثناء العدة، وكذلك لإطلاق الآية }وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ{ وعدم تقيدها لنوع معين من المطلقات .
3- الزوجة المطلقة تستحق التعويض بناء على طلبها او من ينوب عنها قانونا، والطلب يقع اما على شكل دعوى حادثة متقابلة ضمن الدعوى الاصلية، او دعوى مستقلة اذا لم تطلبه في الدعوى الاصلية [172]، ويجوز تقديم طلب التعويض من الطلاق التعسفي في الدعوى الاعتراضية [173] اذا كان حكم الطلاق قد صدر بحق الزوجة غيابيا، فالمحكمة تتحقق من طلب المعترضة على الحكم الغيابي حول وجود التعسف من عدمه، وقد تمضي مدة الاعتراض على الحكم الغيابي دون وقوع الاعتراض من الزوجة على حكم الطلاق الغيابي فلها اقامة دعوى المطالبة بالتعويض بصورة مستقلة، حيث لا يجوز تفسير غياب الزوجة في الدعوى الاصلية قبولا منها بالطلاق، او انها متنازلة عن حقها في التعويض، اما اذا تنازلت الزوجة او من ينوب عنها قانونا عن حقوقها الشرعية والقانونية وبضمنها التعويض، وصدر الحكم بتأييد الطلاق بين المتداعيين، فليس لها بعد ذلك المطالبة به بدعوى مستقلة، لانها اسقطت حقها فيه، والساقط لا يعود[174] ولكنها اذا عدلت عن تنازلها قبل صدور الحكم في الدعوى فلا يعتد بتنازلها، ويجوز لها طلب التعويض بدعوى مستقلة[175]، ومن الملاحظ ان مفهوم المخالفة[176] لنص المادة 39/3 من قانون الاحوال الشخصية انه اذا لم تطلب الزوجة او وكيلها التعويض عن الطلاق التعسفي فليس للمحكمة ان تحكم من تلقاء نفسها .
    وكذلك لم يحدد النص المدة التي تستطيع الزوجة خلالها اقامة دعوى مستقلة، بالتعويض اذا لم تطلبه في الدعوى الاصلية، ويفهم من هذا ان مدة المطالبة تخضع للتقادم الطويل .
    ويرى الباحث في هذا المجال ضرورة تحديد مدة المطالبة بالتعويض بدعوى مستقلة، كأن تكون سنة واحدة، تبدا من اليوم الذي يلي علم الزوجة او تبليغها بحكم الطلاق، فيجوز لها خلال هذه السنة ان تقيم دعوى مستقلة للمطالبة بالتعويض عن الطلاق التعسفي، كي لا تبقى الحقوق معلقة بين الزوجين المطلقين فترة طويلة وكذلك لبيان مدى جدية الضرر الذي اصاب الزوجة المطلقة وحاجتها الفعلية لمبلغ التعويض، إذ إنَّ مرور مدة طويلة دون ان تقام خلالها دعوى المطالبة بالتعويض قرينة على عدم تضرر الزوجة من الطلاق.

                                   المبحث الثالث : إثبات التعسف و كيفية تقدير التعويض

    ذكرنا ان الأصل في الطلاق انه محظور الا لحاجة او لسبب يدعو له، لذلك يقع على عاتق المطلق الإثبات فيما يخص وجود أسباب دعته للطلاق، لكي ينفي صفة التعسف عنه، فان لم يستطع ذلك يكون متعسفا في إيقاع الطلاق، ومن ثم تشرع المحكمة في كيفية التعويض لكي تصدر حكمها النهائي بصدد ذلك سواء كان في دعوى الطلاق الأصلية ام بدعوى مستقلة، والتعويض لا يقدر جزافا بل يستند على بعض المعايير التي يستند عليها الخبراء عند التقدير وسأبين كل ذلك في مطلبين.

المطلب الأول : إثبات التعسف ودرجته
   
    لقد ذكرنا سابقا المعاير التي يكون فيها الطلاق تعسفيا، والتي هي باختصار انعدام المصلحة المشروعة، وتوفر نية الاضرار بالغير، والاستعمال غير الاعتيادي الذي ينافي الغرض الاجتماعي منه، وهذه المعايير هي التي يعتمد عليها في إثبات التعسف من عدمه، وقد ذكرت هذه المعايير في القانون المدني العراقي المتعلقة بنظرية التعسف في استعمال الحق، المستمدة من أحكام الفقه الإسلامي، وكرسها في المادتين السادسة والسابعة منه، ونص فيها على الحالات التي يصبح فيها استعمال الحق غير جائز، ويوجب التعويض للمتضرر من هذا الاستعمال، وجاء في قانون الأحوال الشخصية وفي المادة 39/3 منه تعبير تعسف الزوج في استعمال حق الطلاق، ولما كان الاصل في الطلاق المنع الا لحاجة او سبب يبرره، فان من يدعي توفر اسباب الطلاق فعليه اثبات ذلك، وعند ثبوت الأسباب وصلاحيتها لايقاع الطلاق ينتفي معها تعسف الزوج، إذ إنَّ التعسف مفترض من جانب الزوج اذا لم تكن لديه اسباب دعته لايقاع الطلاق، وعلى الزوجة اثبات الضرر الذي اصابها، وبالتالي يلزم الزوج بالتعويض، كما ان للمحكمه ان تستخلص من وقائع الدعوى وتقرير الباحث الاجتماعي والبينات الشخصية المستمعة فيما اذا كان الزوج متعسفا ام لا ، حيث لا يمكن اعتباره متعسفا اذا اشتركت الزوجة معه بالتقصير، فقد يكون تقصيرها وسوء سلوكها هو السبب الرئيسي لايقاع الطلاق[177] واثبات التعسف من عدمه يكون بكافة طرق الاثبات[178].
    اما اثبات عدم التعسف فيقع على عاتق الزوج المطلق[179]، فاذا ثبت للمحكمة وجود الاسباب الداعية لايقاع الطلاق انتفت عنه صفة التعسف، وللمحكمة سلطة تقديرية واسعة للتثبت من وجود التعسف، والضرر الذي يصيب المطلقة من خلال ما يُعرَض عليها في الدعوى[180]، حيث ان مسالة وجود التعسف من عدمه هي مسالة قانونية تختص بها المحكمة ولا يرجع في ذلك إلى الخبراء ولا إلى اطراف الدعوى.
    اما درجة التعسف فيصل اليها من ملاحظة نسبة التقصير من كلاهما، او ان خطا احدهما يستغرق خطا الثاني، او ان احدهم غير مقصر مطلقا والاخر هو المقصر، ويريد الطلاق بصورة او بأخرى، ويؤخذ بنظر الاعتبار درجة التعسف عند تقدير التعويض حسب نص المادة 39/3 أحوال شخصية .

المطلب الثاني : كيفية تقدير التعويض

    ورد في المادة 39/3 المتعلقة بموضوع التعسف في الطلاق بعض المعايير التي تساعد على تقدير التعويض عند تحقق شروط استحقاقه وهذه المعايير هي:-
1- ان يتناسب التعويض وحالة الزوج المالية يسرا وعسرا، ومن خلال ما يمتلكه من اموال منقولة والموارد الاخرى كالراتب مثلا، ويقع عبء اثبات يسر حالة الزوج على عاتق الزوجة بكافة طرق الاثبات بما في ذلك الشهادة [181]، اما حالة الزوجة المادية ومكانتها الاجتماعية فليس لها أي تأثير سلبي او ايجابي عند تقدير التعويض لها، لان النص المذكور اوجب ان يكون التناسب مع حالة الزوج المادية دون سواها.
    اما فقهاء الشريعة فلهم في ذلك ثلاثة آراء :-
الاول : يتوافق مع القانون وهو ان المعتبر هو حال الرجل في يساره واعساره واليه  ذهب الامام ابو يوسف والامام احمد وبعض الشافعية لقوله تعالى }                     { فقد جعل المتعة على قدر حال الزوج في اليسار والاعسار.
الثاني : المعتبر حال المرأه في يسارها واعسارها، وهذا رأي بعض الشافعية، وذلك لان المتعة بدل بضعها فيعتبر بحالها.
الثالث : المعتبر حالهما، لان الله سبحانه وتعالى اعتبر في المتعة شيئين:-
    احدهما : حال الرجل في يساره واعساره بقوله تعالى }               { .
    والثاني : ان يكون مع ذلك بالمعروف، فلو اعتبرنا حال الرجل دون حالها عسى ان لايكون بالمعروف، لانه يقتضي انه لو تزوج رجل امرأتين احداهما شريفة والاخرى دنيئة ثم طلقهما، قبل الدخول بهما ولم يسمِ لهما ان يستويا في المتعة باعتبار حال الرجل، وهذا منكر في عادات الناس لا معروف فيكون خلاف النص[182].
2- ان يتناسب التعويض مع درجة تعسف الزوج في ايقاع الطلاق، وهذا المعيار نصت علية المادة 39/3 احوال شخصية، بحيث يتناسب التعويض مع درجة تعسف الزوج، فالتعسف مسألة نسبية تختلف من حالة لأخرى وحسب التقصير من كل من الزوجين .
3- ان يقدر التعويض جملة بما لا يتجاوز نفقة الزوجة مدة سنتين، أي ان مبلغ التعويض يقدر دفعة واحدة وليس أقساطاً [183]، ويكون مبلغاً لا يزيد في مجموعه على مبلغ نفقة الزوجة سنتين، فيجوز ان يقدر التعويض اقل من سنتين مع بيان الاسباب[184] .
4- يقدر التعويض باتفاق الطرفين او بواسطة الخبراء .
    ان تقدير مبلغ التعويض لكي يصدر الحكم بناء عليه يتم اما باتفاق الطرفين المتداعيين في حالة حضورهما [185]، اذا عرض الزوج مبلغا للتعويض ووافقت عليه الزوجة، او العكس تطلب الزوجة مبلغا ويوافق عليه الزوج، او يتم الاتفاق عليه بواسطة وكيلهما [186]، واذا لم يقدر التعويض بالاتفاق فعلى المحكمة ان تقرر تقديره عن طريق الخبراء، اذ ليس للمحكمة ان تقدر مباشرة[187]، حيث تكلف المحكمة الطرفين بالاتفاق على خبير قضائي لتقدير التعويض، فاذا لم يتفقا على ذلك وتركا الامر للمحكمة فيتم تعيين احد الخبراء القضائيين المسجليين في جدول خبراء المحكمة، او من خارج الجدول مع بيان اسباب ذلك، وفي هذه الحالة تحلفه المحكمة اليمين بان يؤدي خبرته بنزاهة وحياد، ثم يسمح له بالاطلاع على اضبارة الدعوى ليتسنى له معرفة حالة الزوج المالية وموارده، ليقوم بتقدير التعويض استنادا عليها، ويقدم خبرته للمحكمة اما بصورة شفوية او تحريرية، تتضمن مبلغ التعويض الذي حدده والاسس التي استند عليها، فاذا لم يعترض عليه الطرفان[188] واقتنعت المحكمة بانه مناسب للطرفين فيعتمد التقدير كسبب من اسباب الحكم[189]، واذا اعترض احد الطرفيين على التقدير فله ان يطلب انتخاب ثلاثة خبراء، وان اجابة الطلب او عدمه متروك لسلطة المحكمة اذا رات ان الاعتراض لم يكن مبرره سوى اطالة امد النزاع، واذا صدر الحكم بالتعويض بناء على تقدير الخبير في دعوى الطلاق الاصلية، وطعن في الفقرة الحكمية الخاصة بتصديق الطلاق فقط ، ثم اعيد الحكم منقوضا فليس للمحكمة اعادة تقدير التعويض مرة اخرى بعد نظر الدعوى المنقوضة لعدم مساس قرار النقض به [190] .
    وهناك بعض الاسس التي لم يرد ذكرها في نص المادة 39/3 والتي افرزتها التطبيقات القضائية باعتبارها من الاسس التي تعتمد عليها ايضا في تقدير التعويض، ومنها حجم الضرر الذي اصاب الزوجة وتأثيره فيها، وكذلك مدة الحياة الزوجية وعدد الاطفال وعمر الزوجة، وهل ان الطلاق قبل الدخول أم بعده  .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم