مقدمـــــة
عرفت المنظومة القانونية المغربية في السنوات الأخيرة
العديد من الإصلاحات و التعديلات التي أدخلت على نصوصها ، بهدف
جعلها مواكبة و مستوعبة للتحولات الهيكلة العميقة التي عرفها المجتمع المغربي
على جميع المستويات ، و ملائمة مع المواثيق و الاتفاقيات الدولية التي
وقع و صادق عليها المغرب و التزم دستوريا باحترامها .
و في سياق هذه الاعتبارات الوطنية و الدولية صدر
قانون 03-70 بمثابة مدونة الأسرة ، الذي عرف قبل ميلاده مخاضا عسيرا
بدأ أساسا بإعلان خطة إدمـاج المرأة في التنمية و ما ترتب عنه من ردود
فعل متباينـة تتراوح بين التأييد و الرفض ، و انتهى بتعيين جلالة الملك للجنة
استشارية كلفت بمراجعة مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية ، مما جعل من مدونة
الأسرة حسب العديـد من الباحثيـن و المهتمين القانونيين و الحقوقيين وطنيا و دوليا ، حدثا قانونيا و حقوقيا تاريخيا ببلادنا ، بالنظر للإصلاحات الهامة التي تضمنتها مقتضياتها ،
و التي حرص المشرع من خلالها على تنظيم الروابط الأسرية وفق ما يقتضيه حماية الأسرة و ضمان استقرارها و استمراريتها ، انطلاقا من كفالة حقوق جميع أفرادها كما يدل على ذلك الشعار الذي صدرت في ظله و المتمثل في : » حماية المرأة ، صيانة كرامة الرجـل ، احترام حقوق الطفـل « .
و لعل من المستجدات الهامة التي جاءت بها مدونة
الأسرة ، تنظيمها للقواعد الشكل إلى جانب قواعد الموضوع ، خاصة في
المسائل المرتبطة بالزواج و انحلالـه ، حيث أصبحت خاضعة لإشراف و رقابة
القضاء في إطار ما يمكن أن يصطلح عليه بالبعد القضائي لمدونة الأسرة ( La
judiciarisation du code de la famille ) كما يتجلى ذلك بوضوح في أحكام التطليق ، حيث عمد المشرع من خلال المدونة إلى التوسيع من أسبابه ، بإضافة سبب جديد لم يكن موجودا
في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ، و يتعلق الأمر بالشقاق كما تنص على ذلك المواد من 94 إلى 97 المعنونة *" بالتطليق بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق
"* ، ذلك أنه في حالة وجود نزاع بين الزوجين يخشى
منه الشقاق يمكن لهما أو لأحدهما اللجوء إلى القضاء لطلب حله ، وفق المسطرة
المنصوص عليها في المواد المشار إليها و التي يطلق عليها طبق للمدونة بمسطرة
الشقاق .
أهمية الموضوع و دوافع اختياره
تعتبر مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المدونة مسطرة
خاصة ذات بعد وقائي و علاجي الهدف منها تسوية و تصفية النزاعات
الزوجية ،حيث خول المشرع من خلالها للزوجين أو
أحدهما إمكانية أخذ مبادرة اللجوء إلى القضاء ، لطلب حل كل نزاع قائم بينهما يخاف أن يتطور و يصبح شقاقا يتعذر معه إيجاد حل له
غير
الحكم بينهما بالتفريق عن طريق التطليق ، بناء على
الأسباب المبررة لذلك ، كما خول للمحكمة بمقتضى النص القانوني سلطة
الإثـارة التقائية لتطبيق مسطرة الشقـاق ، كحل للخلاف
القائم بين الزوجين حول مسألة التعدد لذلك فان التنصيص و الإحالة عليها يعتبر من المكاسب الهامة التي جاءت
بها
مدونة الأسرة ، حيث حافظ المشرع من خلالها على الثوابت
المؤسسة للمرجعية الإسلامية ، كما جعل من تماسك الأسرة المغربية
و استقرارها الهدف الأسمى من سنها ، خاصة عندما
جعل تطبيقها يخضع لرقابة إشراف قضاء الأسرة ، الذي يعتبر جهازا قضائيا جديدا في التنظيم القضاء المغربي، فعندما يلجأ الزوجين
أو أحدهما إلى المحكمة لحل نزاع بينهما يخاف من الشقاق يتعين على المحكمة المختصة و
كما يستفاد ذلك من النصوص القانونية المنظمة لهذه المسطرة ، السعي أقصى ما يمكن لإنقاذ العلاقة الزوجية من الانحلال ، من خلال القيام بكل الإجراءات الضرورية لاستقصاء أسباب النزاع
و محاولة بصلاح ذات البين بين الزوجين المتخاصمين
، بما في ذلك الاستماع إلى الشهود ، و انتداب الحكمين ، و تعيين مجلس
العائلة ، و غير ذلك مما تـرى فيه فائـدة في هذا الشـأن ، انسجاما مع
المنهج الإسلامـي المتكامـل بخصوص تسويـة النزاعـات الزوجيـة ، مصداقا لقولـه تعالـى : ) و
إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ، إن يريدا إصلاحـا يوفـق لله بينهما ، إن الله
كان عليما خبيـرا ) و قوله عز وجل :) فلا جناح
عليهما أن يصلحا بينهما صلحا و الصلح خيـر ) و قوله سبحانه ( فاتقوا
الله و أصلحوا ذات بينكم
( فالتطليق طبقا لمدونة
الأسرة أصبح حلا استثنائيا للخلافات الزوجية ، حيث لا يجوز للقضاء اللجوء إليه إلا بعد استنفاذ كل الإجراءات المشار إليها ،
و ذلك في حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين ،
لما في ذلك من تفكيك للأسرة و الإضرار بالأطفال ( المادة 70 )
من هـذا المنطلـق فـان موضوع *" مسطرة الشقاق
في ضوء مدونة الأسرة و العمل القضائي "* يكتسي أهمية بالغة من الناحيتين
النظرية و العملية ، فأهميته النظرية تكمن في الحمولة القانونية للمقتضيات
المنظمة لهذه المسطرة ، وبذلك فهي تحتاج إلى دراستها و تحليلها قصد استجلاء الغموض
عنها من خلال إبراز إيجابياتها و سلبياتها ، خاصة و أنها
تعتبر من مستجدات مدونة الأسرة، أما أهميتها العملية فترجع إلى كون المشرع أسند تطبيقها
لقضاء الأسرة ، مما يبرر الحاجة إلى مقاربة كيفية تعامله
معها على مستوى الممارسة القضائية .
الإشكاليـــة التي يثيرهـــا الموضوع
باستقرائنا للمقتضيات
المنظمة لمسطرة الشقاق ( المواد 94-97 ) و تلك التي تحيل عليها ( المواد 45-100-120-124 ) يتضح جليا أن الإشكالية الأساسية التي يثيرها التطبيق
القضائي لمسطرة الشقاق تتمثل في مدى التوفيق بين هاجس الحفاظ على استقرار الأسرة و الاستجابة لحق طلب التطليق بما يقتضيه ذلك من حماية حقوق جميع أفرادها ، بحيث تتفرع عن هذه الإشكالية التساؤلات التالية :
- ما المقصود بالشقاق الذي يعطي للزوجين حق طلب التطليق ؟
- ما هي الحالات التي يحق فيها اللجوء إلى مسطرة الشقاق ؟
- كيف يتعامل قضاء الأسرة مع طلبات تطبيق مسطرة الشقاق ؟
- إلى أي حد يمكن لقضاء الأسرة ضمان احترام الحقوق موضوع الحماية عند
تفعيله لمسطرة الشقاق ؟
خطـــــة البحـــــث
نظرا لكون مسطرة الشقاق ترمي إلى معالجة الصعوبات التي تواجهها الحياة الزوجية ، فان معالجتها في ضوء مدونة الأسرة و العمل القضائي تقتضي اعتماد اختيار منهجي على مستوى التحليل من خلال التعرض في القسم الأول إلى تسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق ، حيث أبرزنا فيه الضوابط و الإجراءات القانونية الواجب مراعاتها من طرف القضاء في هذا الإطار ، أما القسم الثاني فقد خصصناه للحديث عن الآثار المترتبة عن تصفية تلك النزاعات من خلال
ضرورة حرص القضاء على حماية الحقوق موضوع الحماية
في مسطرة الشقاق
. و بذلك يكون تصميم
هذا البحث كآتي :
القسم الأول : تسوية النزاعات الزوجية في دعاوي
الشقاق
القسم الثاني : آثار التطليق للشقاق على حقوق أفراد
الأسرة
*و الله الموفق*
إضغط على الرابط لقراءة كامل البحث :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك
وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).
صدق الله مولانا الكريم