الجمعة، 13 سبتمبر 2013

مسطرة الشقاق في مدونة الاسرة و العمل القضائي المغربي - بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة





مقدمـــــة

عرفت المنظومة القانونية المغربية في السنوات الأخيرة العديد من الإصلاحات و التعديلات التي أدخلت على نصوصها ، بهدف جعلها مواكبة و مستوعبة للتحولات الهيكلة العميقة التي عرفها المجتمع المغربي على جميع المستويات ، و ملائمة مع المواثيق و الاتفاقيات الدولية التي وقع و صادق عليها المغرب و التزم دستوريا باحترامها .
و في سياق هذه الاعتبارات الوطنية و الدولية صدر قانون 03-70 بمثابة مدونة الأسرة ، الذي عرف قبل ميلاده مخاضا عسيرا بدأ أساسا بإعلان خطة إدمـاج المرأة في التنمية و ما ترتب عنه من ردود فعل متباينـة تتراوح بين التأييد و الرفض ، و انتهى بتعيين جلالة الملك للجنة استشارية كلفت بمراجعة مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية ، مما جعل من مدونة الأسرة حسب العديـد من الباحثيـن و المهتمين القانونيين و الحقوقيين وطنيا و دوليا ، حدثا قانونيا و حقوقيا تاريخيا ببلادنا ، بالنظر للإصلاحات الهامة التي تضمنتها مقتضياتها ، و التي حرص المشرع من خلالها على تنظيم الروابط الأسرية وفق ما يقتضيه حماية الأسرة و ضمان استقرارها و استمراريتها ، انطلاقا من كفالة حقوق جميع أفرادها كما يدل على ذلك الشعار الذي صدرت في ظله و المتمثل في : » حماية المرأة ، صيانة كرامة الرجـل ، احترام حقوق الطفـل « .
و لعل من المستجدات الهامة التي جاءت بها مدونة الأسرة ، تنظيمها للقواعد الشكل إلى جانب قواعد الموضوع ، خاصة في المسائل المرتبطة بالزواج و انحلالـه ، حيث أصبحت خاضعة لإشراف و رقابة القضاء في إطار ما يمكن أن يصطلح عليه بالبعد القضائي لمدونة الأسرة (  La judiciarisation du code de la famille )  كما يتجلى ذلك بوضوح في أحكام التطليق ، حيث عمد المشرع من خلال المدونة إلى التوسيع من أسبابه ، بإضافة سبب جديد لم يكن موجودا في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ، و يتعلق الأمر بالشقاق كما تنص على ذلك المواد من 94 إلى 97 المعنونة  *" بالتطليق بطلب من أحد الزوجين بسبب الشقاق "* ، ذلك أنه في حالة وجود نزاع بين الزوجين يخشى منه الشقاق يمكن لهما أو لأحدهما اللجوء إلى القضاء لطلب حله ، وفق المسطرة المنصوص عليها في المواد المشار إليها و التي يطلق عليها طبق للمدونة بمسطرة الشقاق .
أهمية الموضوع و دوافع اختياره
تعتبر مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المدونة مسطرة خاصة ذات بعد وقائي و علاجي الهدف منها تسوية و تصفية النزاعات الزوجية ،حيث خول المشرع من خلالها للزوجين أو أحدهما إمكانية أخذ مبادرة اللجوء إلى القضاء ، لطلب حل كل نزاع قائم بينهما يخاف أن يتطور و يصبح شقاقا يتعذر معه إيجاد حل له غير الحكم بينهما بالتفريق عن طريق التطليق ، بناء على الأسباب المبررة لذلك ، كما خول للمحكمة بمقتضى النص القانوني سلطة الإثـارة التقائية لتطبيق مسطرة الشقـاق ، كحل للخلاف القائم بين الزوجين حول مسألة التعدد لذلك فان التنصيص و الإحالة عليها يعتبر من المكاسب الهامة التي جاءت بها مدونة الأسرة ، حيث حافظ المشرع من خلالها على الثوابت المؤسسة للمرجعية الإسلامية ، كما جعل من تماسك الأسرة المغربية و استقرارها الهدف الأسمى من سنها ، خاصة عندما جعل تطبيقها يخضع لرقابة إشراف قضاء الأسرة ، الذي يعتبر جهازا قضائيا جديدا في التنظيم القضاء المغربي،  فعندما يلجأ الزوجين أو أحدهما إلى المحكمة لحل نزاع بينهما يخاف من الشقاق يتعين على المحكمة المختصة و كما يستفاد ذلك من النصوص القانونية المنظمة لهذه المسطرة ، السعي أقصى ما يمكن لإنقاذ العلاقة الزوجية من الانحلال ، من خلال القيام بكل الإجراءات الضرورية لاستقصاء أسباب النزاع و محاولة بصلاح ذات البين بين الزوجين المتخاصمين ، بما في ذلك الاستماع إلى الشهود ، و انتداب الحكمين ، و تعيين مجلس العائلة ، و غير ذلك مما تـرى فيه فائـدة في هذا الشـأن ، انسجاما مع المنهج الإسلامـي المتكامـل بخصوص تسويـة النزاعـات الزوجيـة ، مصداقا لقولـه تعالـى : ) و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ، إن يريدا إصلاحـا يوفـق لله بينهما ، إن الله كان عليما خبيـرا ) و قوله عز وجل :) فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا و الصلح خيـر ) و قوله سبحانه ( فاتقوا الله و أصلحوا ذات بينكم ( فالتطليق طبقا لمدونة الأسرة أصبح حلا استثنائيا للخلافات الزوجية ، حيث لا يجوز للقضاء اللجوء إليه إلا بعد استنفاذ كل الإجراءات المشار إليها ، و ذلك في حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين ، لما في ذلك من تفكيك للأسرة و الإضرار بالأطفال ( المادة 70 )
من هـذا المنطلـق فـان موضوع *" مسطرة الشقاق في ضوء مدونة الأسرة و العمل القضائي "* يكتسي أهمية بالغة من الناحيتين النظرية و العملية ، فأهميته النظرية تكمن في الحمولة القانونية للمقتضيات المنظمة لهذه المسطرة ، وبذلك فهي تحتاج إلى دراستها و تحليلها قصد استجلاء الغموض عنها من خلال إبراز إيجابياتها و سلبياتها ، خاصة و أنها تعتبر من مستجدات مدونة الأسرة، أما أهميتها العملية فترجع إلى كون المشرع أسند تطبيقها لقضاء الأسرة ، مما يبرر الحاجة إلى مقاربة كيفية تعامله معها على مستوى الممارسة القضائية .
الإشكاليـــة التي يثيرهـــا الموضوع
    باستقرائنا للمقتضيات المنظمة لمسطرة الشقاق ( المواد 94-97 ) و تلك التي تحيل عليها ( المواد 45-100-120-124 ) يتضح جليا أن الإشكالية الأساسية التي يثيرها  التطبيق القضائي لمسطرة الشقاق تتمثل في مدى التوفيق بين هاجس الحفاظ على استقرار الأسرة و الاستجابة لحق طلب التطليق بما يقتضيه ذلك من حماية حقوق جميع أفرادها ، بحيث تتفرع عن هذه الإشكالية التساؤلات التالية :
-         ما المقصود بالشقاق الذي يعطي للزوجين حق طلب التطليق ؟
-         ما هي الحالات التي يحق فيها اللجوء إلى مسطرة الشقاق ؟
-         كيف يتعامل قضاء الأسرة مع طلبات تطبيق مسطرة الشقاق ؟
-   إلى أي حد يمكن لقضاء الأسرة ضمان احترام الحقوق موضوع الحماية عند
تفعيله لمسطرة الشقاق ؟

خطـــــة البحـــــث
 نظرا لكون مسطرة الشقاق ترمي إلى معالجة الصعوبات التي تواجهها الحياة الزوجية ، فان معالجتها في ضوء مدونة الأسرة و العمل القضائي تقتضي اعتماد اختيار منهجي على مستوى التحليل من خلال التعرض في القسم الأول إلى تسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق ، حيث أبرزنا فيه الضوابط و الإجراءات القانونية الواجب مراعاتها من طرف القضاء في هذا الإطار ، أما القسم الثاني فقد خصصناه للحديث عن الآثار المترتبة عن تصفية تلك النزاعات من خلال ضرورة حرص القضاء على حماية الحقوق موضوع الحماية في مسطرة الشقاق . و بذلك يكون تصميم هذا البحث كآتي :
القسم الأول : تسوية النزاعات الزوجية في دعاوي الشقاق
القسم الثاني : آثار التطليق للشقاق على حقوق أفراد الأسرة
*و الله الموفق*
إضغط على الرابط لقراءة كامل البحث  :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم