الاثنين، 6 يناير 2014

تصورات حول إصلاح عدالة الأحداث - ذ. محمد الإبراهيمي








عرض السيد محمد الإبراهيمي
رئيس غرفة الجنايات الإستئنافية لمحكمة الاستئناف بفاس



لقد درجت كثير من التشريعات الحديثة على تنظيم هيئات خــاصة بمحــاكمة الأحــداث و ذلك مراعاة بالأساس للوضعية المتميزة للحدث كرأسمال إنساني ثمين و قابل مبدئيا من إمكانية إعادة التكييف و التقويم و من ثمة فإنه ينبغي التعامل معه بأقصى ما يمكن من العناية و من المرونة في نفس الوقت و أن المشرع المغربي عالج قضاء الأحداث في المواد من 458 إلى 517 من قــانون المسطرة الجنائية الـجديد و خـصص لـذلك الكـتاب الثــالث تحـت عنوان " القواعد الخاصة بالأحداث".
و بقراءة متأنية للمستجدات التي أوردها المشرع المغربي في موضوع عدالة الأحداث الجانحين يلاحـظ أنها تستند إلى تصور فلسفي حولها ينهل من القيـم الكـبرى لحقـوق الإنسان و ينظر للحدث الـجــانح من زاوية جديدة تماما من حيث الحقوق التي يتعين عــليه التمتع بهـا و الضمـانات الموضوعية و المسطرية المطلوبة في قضـاء الأحــداث و كذا التدابير المرافـقـة و المصاحبة على مستويات العلاج و التهذيب فضلا عن تأسيسها لموضوع التخطيط لمعالجة الظاهرة.
و من خلال ذلك يتجلى بكــل وضوح أن القانون الجـديد لا يهدف إلى معاقبة الأحداث الجانحين و إنما يرمي إلى وقايتهم و حمايتهم من الجريمة أولا و إصلاح سلوكهم لإعادة إدماجهم في المجتمع ثانيا حيث نـص على نوعــين من التدابير لحمــايتهم و هما تدابيــر الحراسة المـؤقتة و تدابير الحماية أو التهذيب و ذلك في المادتين 471 و 481 من قانون المسطرة الجنائية حددت في أربع إجراءات مهمة هي تسليم الحدث الجـانح لأبويه أو وضعه بمركز الملاحــظــة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة أو معهد معد للتربية أو التكوين المهني مع تكليف مندوبين للحرية المحروسة أو متطوعين بذلك بتتبع و مراقبة الحدث المعني بالأمر و رفع تقرير عنه إلى الجهة القضائية المختصة إلى أن يبلغ الــحـدث 18 سنة كــاملة، و خول المشرع المغربي لهيآت الحكم المختصة بقضايا الأحداث أن تحكم بهذه التدابير كما نص على ذلك في المواد 475 – 480 – 481 – 482 – 486 – 493 من ق.م.ج.
و لقد أنشئت لهذه الغــاية عــــدة مؤسسات ذات مواصفــات خاصة لإيواء الأحـداث الجـانحين و العناية بهم بعيدا عن أنظمة السجون تسمى مؤسسات حماية الطفولة و أنـدية العمل الاجتماعي موزعة على جميع جهات محاكم المملكة.
و إني أرى حسب التجارب العملية في مجال قضاء الأحداث و على ضوء المقتضيات القانونية الجديدة أن ما جاء به المشرع من تدابير وقائية لحماية الحدث الجانح هي أمثل الطرق لتصريف قضايا الأحداث بواسطة أجهزة عدالة متمرسة تحسن التعامل معها الغاية منها تحقيق المصلحة الفضلى للحدث غير أن ضرورة تفعيلها يتطلب ما يلي:

أولا: زيارة و تفقد قاضي الأحداث لمراكز حماية الطفولة

تعتبر زيارة المؤسسة السجنية و أيضا المؤسسة الإصلاحية المدخل الأساسي للوقوف على مجريات الوقائع، و وضع المراكز القانونية داخل فضاء هذين المؤسستين، و تتضح من خلاله معالم التقيد بالضوابط القانونية المنظمة للحياة داخل الفضاء المذكور، و في هذا الصدد أوجب المشرع المغربي على قاضي الأحداث وفقا للمادة 473 من ق.م.ج زيارة جميع المؤسسات و الجهات التي تتعاون مع قضاء الأحداث (الإصلاحيات و السجون) في تنفيذ العقوبات و التدابير الموقعة على هؤلاء الأحداث مرة على الأقل كل شهر.
إن الغاية من هذه الرقابة هو التحقق من مدى احترام السلطات القائمة على تسيير هذه المؤسسات لأحكام التشريعات النافذة فيما يتعلق بمباشرة أعمال التنفيذ و إبلاغ السلطات المشرفة على هذه المؤسسات و الملاحظات التي تلفت نظر تلك السلطات إليها.
و بصورة أوضح، إن السلطة الممنوحة للقضاء على هذا النحو لا تعدو أن تكون من قبيل الرقابة القضائية على شرعية التنفيذ، لضمان عدم اعتقال الحدث دون حق، أو بقاء المحكوم عليه الحدث بعقوبة سالبة للحرية بعد انقضاء مـدة حـكـمه في الـمــؤسسة السـجنية أو الإصلاحية، أو سجنه في مكان غير مخصص للأحداث، و عدم احترام الإدارة فصله عن الـرشداء، فضلا عن عدم ضمان توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية و الثقافية، و التأكد من أن ظروف العمل داخل المؤسسات تتوافق مع وضعية الحدث.
و تتيح زيـــارة قـــاضي الأحـداث للمراكـز المذكورة بصفة خاصة فرصة اللـقاء مع المودعين و الاستماع إلى شكاياتهم، سواء أكانوا مودعين احتياطيا أو محكومين نهائـيا.
و يمكنه القيام بذلك حتى بالنسبة للأحداث المودعين من طرف محاكم خارج دائرة نفوذه بعد الإطلاع على ملفاتهم طبعا.
و حتى يكون لهذا الإشراف فعاليته و دوره في تحقيق الهدف منه، فإنه سيكون من حق القاضي إصدار التعليمات لإدارة هذه المراكز بما تكفل حسن تنفيذ الأحكام و التدابير الموقعة على الحدث.
إن زيارة قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث لمراكز رعاية الطفولة التي رسم المشرع معالمها من خلال النصوص، تظل في الواقع شكلية إذ يؤكد بعض المساعدين التربويين العاملين بمؤسسات حماية الطفولة عدم تفعيل قضاء الأحداث لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 473 من ق.م.ج، و حتى ما إذا بوشرت تكون ذات طابع روتيني دون جدوى، و لا يمكن معها أن تتحقق الأغراض المتوخاة منها كما أرادها المشرع، و هذا يعزى في تقديرنا في جانب كبير منه إلى اشتغال قضاة الأحداث و كثرة الأعباء الملقاة على عاتقهم، الأمر الذي يجعلهم في كثير من الأحيان يعزفون عن ممارسة هذه الرقابة مع أن لها دورا هاما في إقدام قاضي الأحداث تلقائيا على تغيير التدبير في حق الحدث إن أمكن ذلك.

ثانيا: ضرورة الإقدام تلقائيا على تغيير التدبير المتخذ في حق الأحداث كلما اقتضى الأمر ذلك

إذا كانت صلاحية القاضي تنتهي فور صدور الحكم في النزاع، لأنه لا رقابة للقاضي على الأحكام التي يصدرها، و لا مجال لتعليل الحكم من قبله حتى و لو غير قناعته بشأنه.
غير أن المهمة العلاجية المنوطة بقضاء الأحداث توجب عدم ابتعاد القاضي عن المرحلة التنفيذية للتدبير الذي قرره بحق الحدث، الأمر الذي يتطلب من قاضي الأحداث عدم تحديد مدة التدبير مسبقا حتى يبقي هذا التدبير قابلا للتكيف مع متطلبات العلاج وفقا لما تنص عليه المواثيق الدولية، الأمر الذي حدا بأغلب التشريعات الحديثة إلى إفساح المجال أمام قاضي الأحداث و هو يتابع مراحل تنفيذ التدبير المتخذ، إن اتضح له أن هذا التدبير غير ملائم لحالة الحدث في نوعه، أو مدته أمكنه تبديله بآخر أو تعديل مدته أو نظامه. و لهذا نص المشرع المغربي في المادة 501 من ق.م.ج على أنه يمكن لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث في حالة عرض النزاع على محكمة الاستئناف في أية مرحلة من المراحل أن يعيد النظر في التدابير التي تم اتخاذها طبقا لمقتضيات المادة 481 من ق.م.ج. أما إذا تعلق الأمر بحدث في وضعية صعبة فإنه طبقا للمادة 516 من ق.م.ج يمكن لقاضي الأحداث أن يأمر في كل وقت بإلغاء التدابير أو تغييرها إذا اقتضت مصلحة الـحدث ذلك.
يتضح من خلال المادتين بان المشرع المغربي، خول قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث جواز إعادة النظر في التدابير الصادرة بشأن الحدث سواء أكان جانحا أم في وضعية صعبة، و بالتالي له أن يعدل الحكم إما تلقائيا بحسب ما يتوفر عليه من معطيات خاصة بالحدث و بعائلته و محيطه، و بمدى تأثير الإجراء المتخذ عليه. كما يمكن لأيهما اتخاذ هذا الإجراء بطلب من النيابة العامة إذا رأت ضرورة ذلك، وفق ما تقتضيه مصلحة الحدث أو بناء عــــلى ملتمس من الـحدث أو أبـويه أو الــوصي علــيـه أو المقدم عليه أو حاضنه أو كــافـله أو الشخـص أو المؤسسة المكلف برعايته، أو بناء على ملتمس النيابة العامة فقط إذا تعلق الأمر بحدث في وضعية صعبة، و يشترط لتقديم هذا الطلب ممن خول لهم التشريع ذلك أن تمر مدة ثلاثة اشهر على الأقل على تنفيذ المقرر الصادر بإيداع الحدث خارج أسرته، و أن تثبت أهليته لتربية الطفل و حسن سيرته.
و هذا التغيير قد يتخذ عدة صور، كأن يخفف من شدة التدبير، و يرمي إلى إرجاعه إلى أسرتـه، و أحـيـانـا إذا ثبت للقاضي أن خطورة الحدث ما تزال قائمة، و حـــاجته إلى الـتهذيب و العلاج مستمرة بعد انقضاء الفترة المحددة في الحكم، يمكنه أن يطالب باستمرار التدبير إلى حين بلوغه سن الثامنة عشرة، طالما بقيت الخطورة باعـتـبارها عــلته، كما يمكنه أن يشددها و ذلك باستبدال تدبير الحماية بعقوبة سجنية، بناء على طلب من المساعد التربوي الموجود بالمؤسسة، لأن هذا الأخير هو أدرى بمصلحة الأحداث، و على قاضي الأحداث أو المستشار تعليل ذلك وفق مقتضيات المادة 481 من ق.م.ج.
إن قيام قاضي الأحداث أو المستشـار المكلف بالأحداث بدوره المنوط من أجل تــغيير أو تبديل الأحكام الصادرة بشأن الأحداث، تستوجب وجود أطر تربوية و باحثات اجتماعيات تتعاون معه من أجل تتبع و مراقبة الحدث، سواء خضع لتدبير الحرية المحروسة، أو كان داخل المؤسسات الإصلاحية، و بما أنه يعتمد في تغييره لهذه التدابير أو تمديدها بناء على التقارير التي يتقدم بها هؤلاء، فإن واقع الأمر يبين أن هذه التقارير قد لا تتضمن أو لا تحتوي على مقتضيات توضح مدى تحسن سلوك الأحداث أو تعثره، كما أن مندوب الحرية المحروسة نفسه لا يقوم بعمله على أحسن وجه، إذ لا يقوم بتتبع الحدث و مراقبته طول تلك المدة، الأمر الذي يدفعه في الغالب إلى العود إلى الإجرام، بحيث لا ينبه المندوب القاضي بتغير وضعه سواء نحو الأفضل أو الأسـوء. ناهيك عن مشاكل الفرار، حيث لا يستطيع القاضي تتبع وضعية الحدث، بل تثقل كاهل القاضي ملفات تتعلق بنفس الأحداث الذين اتخذت في حقهم قرارات الإيداع و فروا من المراكز المودعين بها، و أعيدت محاكمتهم و تكرر فرارهم لعدة مرات فيجد قاضـي الأحــداث أو المستشار المكلف بالأحداث نفسه يدور في حلقة مفرغة.
هذه هي الإشكاليات التي تواجه قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث عند إشرافه على تنفيذ هذه التدابير.

ثالثا: ضـرورة حرص قـاضي النيابة العامة على تتبع تنـفيذ القـرارات و الأوامر المتخذة في حق الأحداث

إن الوظيفة التي تؤديها النيابة العامة باعتبارها حارسة للمصلحة العامة تنطوي على مسؤولية اجتماعية كبيرة و هي حماية النظام الاجتماعي و إعادة تهذيب المجرم و كذا الحدث الجانح.
بهذه المبادئ عهد المشرع المغربي كغيره من التشريعات للنيابة العامة كمؤسسة قضائية بإقــامـة الـــدعوى العمومية و ممارستها و مراقبتها بعد ذلك إلى حين صدور الـحكــم و تنفيذه في حق المتهم الحدث بواسطة قضاة نيابة عامة مكلـفين بالأحداث طبـقـا للمــادة 467 من ق.م.ج و الذين يمكنهم تتبع الحدث خلال مرحلة التنفيذ بما يلي:
زيارة جميع المؤسسات و مراكز الملاحظة و إعادة التربية و تفقد وضعية الأحداث المودعين بها.
زيارة المؤسسات السجنية قصد الإطلاع على أحوال الأحداث المودعين بها و إعداد تقارير دورية عن أعمال المؤسسات المكلفة برعاية الطفولة.
مراقبة إجراءات تنفـيذ تـــدابـيـر اـلحماية و التهذيب و إعـداد تقارير عـن مردوديتهــا و نجـاعـتـهـا و اقتراح البدائل الممكنة لتغييرها.
رابعا: تفعيل السلطة التقديرية لقاضي الأحداث في اختيار التدبير الملائم لمصلحة الأحداث.
عامل المشرع المغربي كمثيله من التشريعات، أو كما أقره الفقه الإسلامي، الحدث المنحرف ذكرا كان أم أنثى الذي لم يتم سن التمييز، أو الذي أتمه و لم يبلغ سن الرشد الجنائي وفق خطة تنطوي على محاولة تهذيبه و تأهيله لحياة شريفة عن طريق اتخاذ بعض التدابير، فالعقوبات بالمعنى الصحيح لا تصلح عادة في علاج الأحداث في هذه السن، بل إنها ادعى في كثير من الأحيان إلى تثبيت نزعة الإجرام في نفوسهم بدلا من انتزاعها منهم، و ذلك بفعل العدوى من مخالطة مجرمين في السجون وقد ترك للقاضي أن يختار من هذه التدابير التي توقع على الأحــــداث في هذه الـسن ما يتفـق و سن الـحدث و درجة إدراكـه و حـالته الـبـدنية و الخــلقـيـة و الباعث على الجريمة و الظروف التي يعيش فيها، فبالنسبة للصغير الذي لم يبلغ اثنتي عشرة عــاما فـنـظـرا لانعدام تمييزه، لا يجب على القاضي أن يوقع عليه العــقـوبات الـجنائية و التدابير التي تنطوي على تقييد الحرية. في حين إذا أتم الحدث الثانية عشرة من العمر، و لم يستكمل الثامنة عشرة يمكن للقاضي أن يتخذ في حقه إما تدابير الحماية و التهذيب المقررة في الفصل 481 من ق.م.ج، و إما العقوبات المخففة المقررة في الفصل 482 من نفس القانون، لازدياد إدراكه لماهية أفعاله و نتائـجه.
باستـقـــراء تـلك التــدابـيــر، سواء أكـانت مؤقتة وفق ما تنص عليه المادة 471 من ق.م.ج، أو عادية حسب المادة 481 من ق.م.ج يمكن تصنيفها إلى تدابير وقائية تهذيبية تهدف على إبقاء الحدث في وسطه الطبيعي، أو إلى تدابير إصلاحية سالبة للحرية تبعده عن وسطه الـطـبـيعي، و إن كانت في مجملها تهدف إلى إصلاح الحدث، سواء أكان منحرفا أم معرضا للانحراف.
السلطة التقديرية لقاضي الأحداث لاتخاذ تدابير وقائية
إن الغـــايـــة من تــدابير الـحمــاية أو الوقاية، هي إبــقاء الـطـفل في محيطه العــائلي و الاجتماعي إذا كان صالحا أو وضعه في بيئة عائلية بديلة، و من هذه التدابير ما لا يتخذها القاضي إلا إذا كانت تلك الجريمة أقل خطورة كتدبير التسليم و التوبيخ، بينما يمكنه أن يتخذ تدبير الحرية المحروسة كيفما كان نوع الجريمة.
تدابير حمائية تتلاءم و الجريمة الأقل خطورة
إن المشــرع المغربي عندما حدد مجموعة من التدابير الحمائية، راعى في تلك شـــدة و خطورة الفعل الانحرافي و أيضا سن الحدث، فالقاضي له إذن السلطة التقديرية لاختيار ما يراه ملائما لسن الحدث، و طبيعة الفعل الانحرافين و ظروفه. و من تم فتدبير التوبيخ لا يتخذه القاضي إلا في حق الحدث الذي لم يبلغ اثنتي عشرة سنة و ارتكب مخالفة، في حين إذا تجاوز عمره اثنتي عشرة سنة وارتكب الجنح و الجنايات يمكن أن يتخذ في حقه تدبير التسليم.
فحسب المشرع المغربي فإن تدبير التوبيخ لا ينحصر في المخالفات فقط، بل يشمل كذلك حتى الجنح بحيث ينص القاضي على ذلك صراحة في حكمه و يوبخ الحدث بالإضافة إلى تدابير أخرى تنضاف إليه في الفصل 481 من ق.م.ج. فالمشرع المغربي أحسن صنعا عندما قرر التوبيخ في الجرائم البسيطة كالمخالفات، ذلك أن هذه الجرائم لبساطتها لا تدل على نزعة شريرة لدى الصغير فيكفي التوبيخ جزاء لها، إذا كانت الأسرة متماسكة و صالحة اجتماعيا.
و كثيرا مـا قــد يعمد قــاضي الأحداث إلى إرفاق التوبيخ بتدبير آخر أو تعويضه بعقوبة مالية، - و كثيرة هي الأحكام التي تؤكد ذلك -
أما تدبير التسليم فقيد المشرع القاضي عند اتخاذه إجراء التسليم في حق الحدث الذي ارتكب جنحة أو مخالفة طبقا للمادة 481 من ق.م.ج، أو في حق الحدث المعرض للانحراف حسب المادة 512 من ق.م.ج بعدة قيود تعتبر في حقيقة الأمر من ضمانات المحاكمة العادلة للحدث، كمراعاته عند تسليمه للحدث الترتيب الإلزامي الوارد في المادتين 471 و 481 من نفس القانون، و الحكم به لمدة معينة من غير أن يتجاوز التاريخ الذي يبلغ فيه الحدث سن ثمانية عشرة، و إلزامه لمتسلم الحدث بعدة التزامات.
معايير اختيار قاضي الأحداث للتدبير المناسب
بالرجوع للتشريع المغربي، نجد أن المشرع قد حسم الأمر بالنسبة للمخالفات، إذ لا يمكن للقاضي الحكم على الحدث إلا بتدبير التوبيخ أو الغرامة المنصوص عليها قانونا، نظرا لكون هذه المخالفات غير خطيرة، في حين ترك للقضاء السلطة التقديرية لاختيار أي تدبير إذا تعلق الأمر بالجنح و الجنايات، بحيث إن القاضي في إطار سلطته التقديرية يمكنه اتخاذ أي تدبير من التدابير المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية و تطبيقه على الحدث بغض النظر عن نوعية الجريمة التي اقترفها. و لذلك فليس هناك ما يعيب قانونا حكم القاضي أو المحكمة القاضي بإخضاع حدث اقترف جناية لنظام الحرية المحروسة.
و مهما يكن فإن طبيعة الجريمة و حدها لا يمكن أن تبرر اعتماد تدبير دون آخر بل إن شخصية الجاني تحتل مركز الصدارة في تشكيل قناعته، هذا ما سنحاول التطرق إليه في الفقرة الموالية.
·       مراعاة القاضي لشخصية الجانح
سبق القول بأن اتخاذ القاضي للتدبير لا يعتمد فقط على خطورة الجريمة، التي تعتبر في الواقع دليلا من الدلائل لتحليل شخصيته، بل يجب مراعاة شخصية الجانح، و ظروفه الاجتماعية التي ألقت به في براثن الجريمة، حيث أن نوعية الجريمة المقترفة قد تدل على خطورة الجاني.
النظر إلى محيطه الاجتماعي من جهة ثانية، و مدى مشاركة الأسرة في تفعيل هذا التدبير فإذا كانت أسرته تتميز بالاستقرار و تميل إلى الاهتمام به، فالقاضي يرى في هذه الأثناء حتى و إن ارتكب الحدث جناية، تطبيق هذا التدبير في حقه، بدل إيداعه في مؤسسة سجنية. في حين إذا اتضح بأن الأسرة غير مؤهلة لذلك، فإنه من غير المعقول إخضاعه لنظام الحرية المحروسة.
·      حالة تعدد الجرائم: إن تعدد الجرائم قد تساعده في الكشف عن درجة الكثافة الإجرامية التي يحملها الحدث.
·      السوابق القضائية: تدل السوابق القضائية على احتراف الحدث للجريمــة، و هو ما يعني خطورة حالته و تهديده للسلم الاجتماعي.
·      الوسائل المستعملة في الجرائم: إذا ما أقدم الحدث على استعمال وسائل خطيرة في الجريمة كالسلاح مثلا، فإن ذلك يعني قدرته على تهديد الأمن العام، ذلك أن حيازته لهذه الوسائل أولا، و استعمالها ثانيا لا يترك مجالا للشك في خطورته.
تعتبر هذه بعض المعايير المحددة للشخصية الجانحة حسب بعض الفقهاء
خامسا: عدم الإيداع في السجن إلا كآخر ملاذ لمصلحة الحدث
إن المشرع المغربي عند توقيعه الجزاء على الحدث كمثيله من التشريعات أخذ بعين الاعتبار درجة مسؤوليته مع مراعاة سنه، و أيضا خطورة الفعل الإجرامي، حيث أن هناك بعض الفئات من الأحداث لا تجدي معها التدابير الوقائية نفعا مما يضطر معها القاضي إلى توقيع عقوبة مخفضة تنفذ بداخل المؤسسات السجنية، إلا أنه قبل توقيع هذه العقوبة يجب عليه مراعاة حدود تخفيض تلك العقوبة.
إن تفعيل مقتضيات قانون المسطرة الجنائية في اتجاه تحقيق المصلحة الفضلى للحدث يتطلب ما يلي:
1.     تخصص القضاة في مجال الأحداث بحيث يكونون مؤهلين علما و خبرة بشؤونهم.
2.     تأهيل و تكوين مساعدي قضاة الأحداث
إن تأهيل الحدث و إعادة إدماجه يرتكز بالأساس على معرفة جيدة من الأطر التربوية بأصول علم النفس و علم الاجتماع.
3.  إحداث هيئة قضائية تتكون كلها من قضاة مكلفين بالأحداث ينظرون فقط في قضايا الأحداث و إن ذلك يفرض تركيبة قضائية مختلفة يعتبر فيها وجود المرأة ضروريا.
4.      إحداث غرفة بالمجلس الأعلى خاصة بالنظر في قضايا الأحداث من أجل توحيد العمل القضائي في هذا المجال.
5.     إحداث مدونة خاصة بقضاء الأحداث.





المحور الأول: دور القاضي في تتبع الحدث

لبيان دور القاضي في تتبع الحدث من خلال النقط المحددة في الكتاب ينبغي أولا بيان الغاية التي ينشدها المشرع من إعطاء هذا الدور الحيوي للقاضي، فالغاية المتوخاة من سن قواعد خاصة بالأحداث أعلن عنها المشرع في ديباجة قانون المسطرة الجنائية في النقطة السادسة المتعلقة بالتوجهات الكبرى لحماية الأحداث وهي حماية الأحداث الجانحين وتقويم سلوكهم بقصد إعادة إدماجهم في المجتمع ووسع من مجال هذه الحماية لتشمل كلا من ضحية الجريمة والأحداث في وضعية صعبة.
وعليه فإن المشرع اهتم بالجانب الوقائي المتمثل في حماية الحدث من الانحراف كوسيلة وقائية، كما اهتم بالجانب العلاجي وهو تأهيل الحدث وإعادة إدماجه في المجتمع إذا ما تعرض للانحراف.
ولتحقيق هذه الغاية نص المشرع على مجموعة من التدابير والإجراءات. وتمشيا مع النقط المحددة في الكتاب فإنه سيتم الحديث حصرا عن النقط المذكورة.
أولا: ضرورة تفعيل دور قاضي الأحداث في زيارة وتفقد الأحداث المودعين بمركز حماية الطفولة:
هذا الإجراء يجد سنده القانوني في المادة 473 من قانون المسطرة الجنائية وبالضبط في فقرتها الأخيرة والتي تنص على أنه يجب على قاضي الأحداث أن يقوم بتفقد الأحداث المعتقلين وكذا الأحداث المودعين بالمراكز والمؤسسات المخصصة لاستقبال الأحداث والمشار إليها في المادتين: 471 و 481 مرة كل شهر على الأقل.
فبناء على هذه المادة يتبين أنه على قاضي الأحداث أن ينظم زيارات إلى الأحداث في مختلف المؤسسات المذكورة بغرض الإطلاع على أحوالهم وتفقدهم والوقوف على مختلف البرامج التربوية وسير أعمالها ومدى نجاعتها وملاءمتها.
وهنا لابد من طرح السؤال التالي هل يتم تفعيل هذا الإجراء أم لا؟.
نعتقد أن هذا المقتضى يختلف مدى تفعيله بين محكمة وأخرى بالنظر لبعد المراكز أو قربها من المحكمة وخاصة فيما يتعلق باحترام مدة الشهر المنصوص عليها في القانون، ولتفعيل هذا الإجراء ينبغي أن يوضع سجل لهذه الزيارات على غرار السجل الخاص بتفقد المعتقلين احتياطيا من طرف قاضي التحقيق وتضمن به كافة الملاحظات التي تظهر للقاضي عند الزيارة، والإشارة إلى تنبيه المسؤولين بالمؤسسات التربوية إليها ليتم التأكد من أخذها بعين الاعتبار في الزيارات اللاحقة.
 وتفقد الأحداث يستوجب بالضرورة أن يتوفر قاضي الأحداث على جذاذة خاصة بكل حدث تحتوي على المعلومات الكافية عن شخصيته وقضيته ونوعية التدابير المتخذة في حقه وتطورها  حتى يمكنه أن يستفسر المسؤولين بالمركز عن مدى التطور الحاصل في العلاج التربوي ليتخذ على ضوء ذلك ما يراه مناسبا وفق ما جاء في النقطة الثانية.
ثانيا: ضرورة الإقدام تلقائيا على تغيير التدبير المتخذ في حق الأحداث كلما اقتضى الأمر ذالك:
هذه النقطة تجد سندها القانوني في المادة 501 من قانون المسطرة الجنائية. فمادام أن الهدف من اتخاذ التدابير المنصوص عليها قانونا سواء في إطار المادة 471 أو المادة 481 من قانون المسطرة الجنائية هو تقويم انحراف الحدث الجانح، فإن عمل القاضي ينبغي أن لا ينتهي بإصدار حكم باتخاذ تدبير معين ويطوي الملف معتبرا أن مهمته قد انتهت. بل على العكس من ذلك ينبغي أن يبقى الملف مفتوحا و يتتبع القاضي تنفيذ التدابير المتخذة للتأكد من مدى فعاليتها في تقويم الحدث. ولا تنتهي مهمته إلا ببلوغ الهدف المنشوذ وهو تأهيل الحدث وإعادة إدماجه في المجتمع أو بلوغه سن الرشد الجنائي. فالتتبع هو الذي يحقق الفعالية ويضمن النتيجة. فمادام أن العمل التربوي هو عمل ينصب على الإنسان وعلى محيطه فإن التدابير المتخذة تكون ذات فعالية نسبية ولهذا على القاضي أن يتدخل لتغيير التدبير بتدبير آخر قد يظهر أكثر ملاءمة كلما ظهر له بأن التدبير الأول غير ناجح. وينبغي أن يبادر قاضي الأحداث لاتخاذه تلقائيا ولا يكون في حاجة لانتظار تقديم طلب بذلك، إلا أنه مع الأسف هذا المقتضى غير مفعل. فالقضاة عادة ما ينتظرون تقديم طلبات في الموضوع من أولياء الأحداث أو المسؤولين بالمؤسسات التربوية دون أخذ المبادرة تلقائيا.
وحتى يقوم القاضي بهذا الدور ينبغي أن يكون على اتصال دائم بالمربين والمسؤولين التربويين بشأن الأحداث عن طريق التقارير أو حتى بالاتصال المباشر. فهذا التواصل هو الذي يمكن من إيجاد الحلول واتخاذ التدابير المناسبة في الوقت المناسب.
ولأهمية مبدأ التتبع وضمانا للنهوض به فإن المشرع خرج عن قواعد الاختصاص المحلي العادية.
ثالثا: اختصاص قاضي المكان في تتبع الأحداث المودعين في دائرة نفوذه
 أعطى المشرع الصلاحية لقاضي الأحداث لتتبع حالة الأحداث المودعين في المؤسسات التربوية في دائرة نفوذه ولو كانوا وافدين من محاكم أخرى بعيدة بحيث يقوم هذا القاضي بتفويض من القضاة المكلفين بقضاياهم بالبث في دعاوى تغيير التدبير بل وأعطاه في حالة الاستعجال صلاحية اتخاذ كل تدبير مؤقت في مصلحة الحدث بناء على ملتمس النيابة العامة وإشعار القاضي أو الهيئة المكلفة بقضية الحدث وفق ما تنص عليه المادة 503 من قانون المسطرة الجنائية.
نعتقد أن هذا المقتضى يفعله بصفة أساسية المسؤولون بالمؤسسات التربوية حيث يتقدمون بملتمسات في الموضوع إلى قضاة الأحداث والمستشارين المكلفين بالأحداث.
كل هذه النقط التي تمت الإشارة إليها أعلاه ينبغي للنيابة العامة أن يكون لها دور أساسي فيها وهو ما يقودنا للحديث في النقطة الرابعة من هذا المحور.
رابعا: ضرورة حرص قاضي النيابة العامة على تتبع تنفيذ القرارات والأوامر المتخذ في حق الأحداث
 هذا المقتضى يجد سنده في الفصول: 467 – 485 - 40 و 49 من قانون المسطرة الجنائية.
فالمشرع نص على وجوب تكليف قاض بالنيابة العامة لتتبع قضايا الأحداث، كما أوجب في المادتين: 40 و 49 المشار إليهما أعلاه على النيابة العامة السهر على تنفيذ أوامر وقرارات قضاة الأحداث والمستشارين المكلفين بالأحداث والهيئات القضائية الأخرى المكلفة بالأحداث.
ونعتقد أن هذه المقتضيات غير مفعلة بالشكل اللازم، فإذا كان أعضاء النيابة العامة يتفقدون المعتقلين الاحتياطيين فإنهم ناذرا ما يتفقدون الأحداث بالمؤسسات التربوية وإذا ما زاروها فإن هذه الزيارة تكون شكلية فقط ولا تهتم بالعمل التربوي العلاجي المتخذ في حق هؤلاء الأحداث وأخذ الملاحظات اللازمة التي يمكن أن تتبلور في صورة ملتمسات لقاضي الأحداث من أجل تغيير التدابير المتخذة إذا ما تبين أنها عديمة الفعالية، فغالبا ما تكتفي النيابة العامة بإبداء ملاحظاتها بمناسبة عرض الملفات كطرف في القضية فقط، وليس كمعنية بتحقيق الهدف الذي توخاه المشرع وهو تأهيل الحدث وإعادة إدماجه، فحتى في حالة الاستعجال التي يعطيها القانون فيها التحرك وتقديم ملتمساتها بتغيير التدبير بالنسبة للأحداث الوافدين من محاكم خارج نفوذ قاضي الأحداث فإنها لا تستعملها تلقائيا، وإنما تتحرك عادة بناء على ملتمس من أولياء الحدث أو المسؤولين بالمؤسسات التربوية.
إن عمل القاضي في تتبع الحدث وفق ما تم رصد بعض مظاهره أعلاه من أجل بلوغ الهدف الذي ينشده المشرع والمتمثل في تأهيل الحدث وعلاجه سترشد فيه القاضي بمجموعة من المبادئ وأهمها على الإطلاق موضوع المحور التالي.
المحور الثاني: مبدأ الحرص على تحقيق المصلحة الفضلى للحدث

هذا المبدأ نصت عليه القاعدة رقم 17 من قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث المعروفة بقواعد بيكين المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 40/33 المؤرخ في: 29/11/1985 ونصت عليها صراحة المادة 474 من ق.م.ج في فقرتها الرابعة عند حديثها عن اختيار التدابير من طرف القاضي. والمقصود بمصلحة الحدث الفضلى هو تحقيق الغاية التي يرمي إليها المشرع من سن القواعد الخاصة بالأحداث وفق ما تم تحديده في بداية هذه الورقة والمتمثلة في علاج الحدث وضمان نموه وإعادة تأهيله، فأي تدبير من شأنه أن يحقق هذه الغاية يكون هو التدبير الذي يراعي مصلحة الحدث الفضلى، وعليه لا يمكن القول بتاتا أن مصلحة الحدث تكمن في إيداعه بالمركز أو في تسليمه لأوليائه.
 فمصلحة الحدث تختلف من حالة إلى أخرى وتحكمه مجموعة من الظروف التي تترك لتقدير القاضي عند اتخاذه التدبير.  و هذا الأمر يقود إلى الحديث عن السلطة التقديرية لقاضي الأحداث في اختيار التدبير الملائم لمصلحة الحدث وهو موضوع النقطة الأولى في هذا المحور.
أولا: السلطة التقديرية لقاضي الأحداث في اختيار التدبير.
تعني السلطة التقديرية الصلاحيات التي لقاضي الأحداث في اتخاذ التدبير الملائم للحدث أو تغييره بما يضمن نموه السليم وتأهيله وإعادة إدماجه، وهذه الصلاحية لا تعني أن القاضي بإمكانه اتخاذ ما يراه في حق الحدث دون قيد أو شرط بل عليه أن يتقيد في ممارسة هذه السلطات بالأبحاث والاقتراحات المقدمة إليه من طرف ذوي الخبرة والاختصاص.
وهنا تظهر أهمية التقارير التي تقدم إلى قاضي الأحداث من طرف المربين ومندوبي الحرية المحروسة والباحثات الاجتماعيات فهؤلاء وغيرهم من ذوي الاختصاص هم الذين يساعدون القاضي في بلورة قناعته لاستعمال سلطته التقديرية بما يحقق مصلحة الحدث الفضلى. فهذا المنظور ينبني على قيام علاقة جدلية بين القاضي ومختلف المتدخلين في العملية التربوية ومن ثمة ينبغي أن يكون التعاون وثيقا بين الطرفين لتحقيق مصلحة الحدث.

ومن الناحية العملية نعتقد بأن هذه الممارسة لم ترق إلى المستوى المطلوب فبالرجوع إلى مجموعة من الأحكام يتبين أنها تتخذ مجموعة من التدابير في حق الأحداث دون أن تبرز السبب الذي جعل القاضي يتخذ تدبيرا دون آخر، وإن كانت في بعض الأحيان تشير إلى المصلحة الفضلى للحدث إلا أنها لا تربطها بطبيعة التدبير المتخذ والغاية المتوخاة منه. حيث ينتقل القاضي مباشرة من إثبات المسؤولية إلى الحكم بالتدبير دون أن يبين السبب الذي جعله يتخذ هذا التدبير بالذات بالرغم من أنه يكون متوفرا على بعض العناصر التي تجعله يتخذ تدبيرا دون آخر من خلال البحث الاجتماعي وتقرير السلوك.
ومن ثمة ينبغي التأكيد على أن طبيعة الجريمة ليس لها أي تأثير في اتخاذ تدبير دون آخر وإنما شخصية الحدث وظروفه الاجتماعية هي التي لها الدور الأساسي في تكوين القناعة في اتخاذ التدبير المناسب.
والسلطة التقدير للقاضي لا تقتصر على اختيار التدابير الملائمة المنصوص عليها في المادتين: 471 و 481 من قانون المسطرة الجنائية، وإنما تنصرف إلى إيقاع العقوبة الحبسية أو السجنية وهو ما يقودنا إلى الحديث في النقطة الثانية من المحور الثاني.
ثانيا: مبدأ عدم اللجوء إلى الإيداع في السجن إلا كملاذ أخير لمصلحة الحدث:
هذا المبدأ نصت عليه القاعدة 17 كذلك من قواعد بكين ويجد سنده القانوني في المواد: 473 – 482 و 493 من قانون المسطرة الجنائية. فهذه النصوص تمنع إيداع الحدث دون 12 سنة السجن ولو بصفة مؤقتة ومهما كان نوع الجريمة، أما الأحداث من 12 إلى 18 سنة فإن المشرع جعل إيداعهم بالسجن استثناء ولم يسمح به إلا إذا تبين أنه ضروري أو استحال اتخاذ أي تدبير آخر. وقد ألزمت المادة 482 المذكورة قاضي الأحداث عند اختياره للحكم بعقوبة بدل تدبير الحماية والتهذيب في حق الحدث أن يعلل مقرره بخصوص هذه النقطة. و المشرع إنما أوجب تعليل العقوبة تعليلا خاصا على خلاف اتخاذ التدابير لسبب بسيط وهو أن التدابير هي بطبيعتها تربوية على خلاف العقوبة. والمقصود بالتعليل الخاص ليس هو الاكتفاء بالإشارة إلى أن المحكمة ارتأت أو قررت معاقبة الحدث بعقوبة حبسية أو سجنية وإنما عليها أن تبرز في حيثياتها الدواعي والأسباب التي جعلتها تلجأ إلى العقوبة الحبسية والمحددة في المادة 473 من ق.م.ج والمتمثلة في أنه ضروري أو يستحيل اتخاذ أي تدبير آخر. ومن الناحية العملية وبالإطلاع على مجموعة من الأحكام يتبين أنه لا يتم التقيد بهذه المبادئ فيتم الاكتفاء في التعليل بأن المحكمة قررت معاقبة الحدث بعقوبة حبسية أو سجنية دون أن تبرر اللجوء إليها وهو ما يعتبر في الواقع نقصا في التعليل، فالإيداع في السجن يجب عند الحكم به أن يراعي بدوره مصلحة الحدث كما إذا كان مثلا الحدث كثير الفرار ولا يستجيب للعمل التربوي أو أن بقاءه بالمؤسسة التربوية أو مع والديه فيه خطر على صحته أو حياته.
وفي الختام ومن خلال ملاحظاتنا تبين لنا أن العمل القضائي لم يرق بعد إلى مستوى المبادئ التي قررها المشرع في التعامل مع الأحداث سواء في اتخاذ التدابير أو تتبعها وهذا الحكم القيمي الذي هو نسبي بطبيعة الحال لا يرجع سببه للقاضي فقط وإنما لظروف عمله فمبدأ التخصص مثلا الذي هو عماد النهوض بالقواعد الخاصة بالأحداث غير مفعل ذلك أن قضاء الأحداث عادة ما يضاف إلى أعباء أخرى على القاضي مما تضيع معه الغاية التي يتوخاها المشرع.
 وعليه فإن قاضي الأحداث والمستشار المكلف بالأحداث يجب أن يكون متفرغا لهذا العمل إذا ما أريد له أن ينجح في تحقيق الهدف الذي ينشده المشرع. هذا فضلا عن أن قضاة الأحداث لم يتلقوا أي تكوين خاص للتعامل مع الأحداث، الشيء الذي يجعلهم يحاولون تطبيق النصوص دون معرفة الأهداف من تطبيقها، فيكون هم القاضي هو تحصين حكمه من الخطأ القانوني دون اعتبار إلى أن الغاية هي تأهيل الحدث وتحصينه من العود إلى الإجرام.
والخلاصة: فإن تفعيل مقتضيات قانون المسطرة الجنائية في اتجاه تحقيق المصلحة الفضلى للحدث يتطلب ما يلي:
1 – تخصص القضاة في مجال الأحداث بحيث يكونون مؤهلين علما وخبرة بشؤونهم.
2 – تأهيل وتكوين مساعدي قضاة الأحداث
إن تأهيل الحدث وإعادة إدماجه يرتكز بالأساس على معرفة جيدة من الأطر التربوية بأصول علم النفس وعلم الاجتماع.
3 – إحداث هيئة قضائية تتكون كلها من قضاة مكلفين بالأحداث ينظرون فقط في قضايا الأحداث وإن ذلك يفرض تركيبة قضائية مختلفة يعتبر فيها وجود المرأة ضروريا.
4 – إحداث غرفة بالمجلس الأعلى خاصة بالنظر في قضايا الأحداث من أجل توحيد العمل القضائي في هذا المجال.
5 – إحداث مدونة خاصة بقضاء الأحداث.
وتقبلوا فائق الاحترام والتقدير.

 
  المجلة الإلكترونية لندوات محاكم فاس - العدد 7 أكتوبر 2008 - ص: 11-24


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم