الأربعاء، 11 مارس 2015

" العدل بين الجنسين أبعاد وتطبيقات " أو " وسيلة تحقيق العدل بين الجنسين في الإسلام '' - د/ أحمد الخمليشي.



بحث مقدم بالندوة الثالثة عشر 
" تطور العلوم الفقهية " 
تحت عنوان 
"الفقه الاسلامي : المشترك الإنساني والمصالح " 
التي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان خلال الفترة من 6-9/أفريل/2014


- الدكتور أحمد الخمليشي -

تقديــــــــم:
هذا العنوان المقترح من اللجنة المشرفة على تنظيم الندوة يقع ضمن محور "فقه العدل في الإسلام"، وهي عبارة تنصرف إلى فقه العدل بين الجنسين وفق ما تم تدوينه في مراجع الفقه الإسلامي قديمه وحديثه، كما يمكن تفسيرها بما ينبغي أن ينجز به العدل بين الجنسين في ظل فقه العدل في الإسلام عموما.
وأطلب من المشرفين على تنظيم الندوة السماح لي بتغيير جزئي في العنوان كي يكون:
" وسيلة تحقيق العدل بين الجنسين في الإسلام "
والهدف من هذا التغيير، التنبيه إلى ان الوسيلة المتبعة الآن في هذا التطبيق ـ وفي كل مجالات فقه المعاملات ـ في حاجة إلى المراجعة والتقييم وتعويضها بما يبدو أقرب إلى تحقيق الهدف المرغوب فيه.
ومن أهم مبررات هذه المراجعة:
ـ ان تقرير الأحكام من الفرد يكون معرضا أكثر للخطأ لعدم الانتباه إلى كل الملابسات المؤثرة في مآل الواقعة المبحوث عن حكمها بينما إذا عرضت الآراء المختلفة للمناقشة والتقويم أمكن تفادي كثير من الأخطاء. ([1])
ـ إن الأحكام المتوارثة في الموضوع انتجت في ظل ثقافة وملابسات حياة اجتماعية اندثر الآن الكثير من معالمها.
ـ سنة الله التي ضبطت بها حياة الإنسان على هذه الأرض وهي التطور الدائم في التفاعل مع محيطه الانساني والكوني، الأمر الذي يفرض التغيير المستمر لضبط هذا التفاعل وتنظيم وقائعه الجزئية في ظل القيم والمبادئ الكلية المنضبطة بنصوص الوحي.
إن القراءة البسيطة لما دون في الموضوع تؤكد أن قيمة العدل وفق ما أمر به القرآن في غير ما آية لم تكن تستحضر دائما في تقرير أحكام التعايش بين الجنسين داخل مؤسسة الأسرة، وخارجها في المحيط الاجتماعي لأسباب ترجع إلى ظروف الواقع الذي يفرض تصوراته للتعايش السالف الذكر.
ونعيش اليوم واقعا آخر تغيرت كل ملابساته واتسعت مرافقه، وأصبح من المتعذر على تخصص معرفي واحد، ـ وبالأحرى على الفرد وإن اتسعت معارفه ـ أن يستحضر في كل جزئية من آلاف وآلاف وقائع المرافق المتناثرة عناصر تحقيق العدل ـ أو غيره من قيم الإسلام ـ حالا ومآلا، وهو ما يفرض البحث عن وسيلة ملائمة وقادرة على تنزيل قيمة العدل وتحقيقها في الحياة المعيشة.
لذلك أود تقديم هذا التدخل في ثلاث فقرات:
الفقرة الأولى: الفقه المذهبي المدون.
الفقرة الثانية: الكتابات الحديثة.
الفقرة الثالثة: وسيلة تحقيق العدل بين الجنسين في الاسلام.

الفقرة الأولى: الفقه المذهبي المدون:
إن هذا الفقه في تنظيمه للتعايش بين الجنسين داخل الأسرة وخارجها نشأ في الثقافة التي تلخصها آية:" وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ " ([2])، إنها الثقافة التي كانت تفرض نماذج من العلاقات بين الجنسين ([3]) تركت آثارها واضحة في عدد من الأحكام الفقهية المدونة. صحيح أن هذه الآراء غير مجمع عليها، ومع ذلك فإن حضورها ظاهر في كل المذاهب، وليست مجرد آراء شاذة مهجورة تعلق الأمر بوضعية المرأة داخل الأسرة أو في حياتها الاجتماعية.

أولا: الوضعية داخل الأسرة:
من الأمثلة التي تؤكد ارتباط الأحكام المنظمة لوضعية المرأة داخل الأسرة بالثقافة التي كانت سائدة:



1 ـ منع الزوجة من العمل لغير مصلحة زوجها بأجر أو بدونه:
يقول صاحب المقنع من المذهب الحنبلي:" ولا تملك المرأة إجارة نفسها للرضاع وللخدمة بغير إذن زوجها، وله أن يمنعها من رضاع ولدها إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه ". ([4])
وفي المغنى لابن قدامة:" للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره ومن إرضاع ولد غيرها
إلا أن يضطر إليها، لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان من كل الجهات سوى أوقات الصلاة، والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات فكان له المنع كالخروج من منزله. فإن أرادت إرضاع ولدها منه فكلام الخرقي يحتمل وجهين:
أحدهما: أن له منعها من رضاعه لعموم لفظه وهو قول الشافعي، لأنه يخل باستمتاعه منها فأشبه ما لو كان الولد من غيره.
والثاني: ليس له منعها " ([5]).
وفي شرح رد المحتار على الدر المختار من المذهب الحنفي:" له منعها من الغزل وكل عمل ولو تبرعا لأجنبي، ولو قابلة أو مغسلة لتقدم حقه على فرض الكفاية " ([6]).
ومذهب مالك لا يمنع الزوجة مبدئيا من العمل لصالحها ([7])، ولكنه في ذات الوقت: يخول الزوج صلاحية منعها من الخروج من بيت الزوجية.
في مدونة الإمام مالك:" أرايت امرأة رجل أرادت أن تتجر فأراد زوجها أن يمنعها من ذلك؟ قال مالك ليس له أن يمنعها من التجارة ولكن له أن يمنعها من الخروج " ([8]).
وله منعها من الخروج ولو لأداء شعائر دينية ([9]).
وعملها بأجر أو بدونه داخل البيت يمكن للزوج منعها منه استعمالا لصلاحياته في القوامة ووجوب طاعة الزوجة له، وتقديره لمفهوم النشوز.
يقول الزرقاني عند قول خليل (وله منعها من أكل كالثوم) " والبصل وكذا الفجل كما جزم به في الطراز كما في (الشيخ أحمد الزرقاني) فتردد ابن وهبان فيه قصور ... وله أيضا منعها من فعل ما يوهن جسدها من الصنائع، وله منعها من الغزل إلا أن يقصد به ضررها " ([10])
بل له أن يمنعها من العمل لمجرد الإضرار بها استنادا إلى من يقول من فقهاء المذهب بأن الإضرار بالزوجة واجب دينيا وليس قضائيا.
يقول القرطبي في تفسيره لآية "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" فأمر الله سبحانه بحسن معاشرة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فانه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج ولا يلزمه في القضاء " ([11]).

2 ـ المنع من الخروج من بيت الزوجية ولو لعيادة أبويها أو حضور جنازتهما:
جاء في المقنع مع حاشيته:" وله منعها من الخروج من منزله، فإن مرض بعض محارمها أو مات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه، أي له منعها من الخروج إلى ما لها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما ... لأن حق الزوج واجب
فلا يجوز تركه بما ليس بواجب، فلو خرجت بلا إذنه حرم " ([12]).
وفي الهداية بشرح فتح القدير:" وله أن يمنع والديها وولدها من غيره وأهلها من الدخول عليها، لأن المنزل ملكه فله حق المنع من دخول ملكه ... وقيل لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين، ولا يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة وفي غيرهما من المحارم، التقدير بسنة وهو الصحيح " ([13]).

3 ـ إلزام الزوجة بالعمل لمصحلة الزوج دون مقابل:
تلزم الزوجة بنوعين من العمل، الأول الإشراف على شؤون بيت الزوجية، وما تتحمله من مشاق ناتجة عن العلاقة الزوجية في الحمل والولادة والرضاع.
والنوع الثاني من العمل، الخدمات الملزمة بها للزوج ولبيت الزوجية، والتي يقول الفقه إنها محددة بالمعروف. ويرجع إلى الزوج تقدير الخدمات التي يلزم العرف بها زوجته، والتي يملك إرغامها على القيام بتلك الخدمات عن طريق التأديب والضرب، ولم يشترط أحد من الفقهاء فيما نعلم أن يثبت الزوج أمام القضاء صفة المعروف للخدمات التي امتنعت زوجته من القيام بها قبل أن يستعمل صلاحيته في تأديبها الممنوحة له دون القضاء كما يقول القرطبي في النص الذي نقلناه عنه منذ قليل، والذي رأى فيه ان القياس يقضي بحق الزوج في ضرب زوجته لإرغامها على القيام بالخدمات الداخلة في مفهوم "المعروف" الذي يرجع تقديره في النهاية إلى الزوج نفسه.
وهذه الخدمات بنوعيها لها مردود اقتصادي مباشرا وغير مباشر باستفادة الزوج منها معنويا، ومع ذلك يعتبر كل ما يتوفر من مال أثناء العلاقة الزوجية ملكا للزوج وحده.

4 ـ الزوجة ممنوعة من العمل لنفسها وملزمة بكثير من حاجاتها:
إن النفقة الملزم الزوج بها مع شرط عدم النشوز لا تشمل جميع حاجات الزوجة التي يلزمها الفقه بكثير منها. مثلا: يقول ابن قدامة في المغني:" إذا كان الطيب ما يراد منه للتلذذ والاستمتاع لم يلزمه، لأن الاستمتاع حق له فلا يجب عليه ما يدعوه إليه، ولا يجب عليه شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب لأنه يراد لإصلاح الجسم، فلا يلزمه كما لا يلزم المستأجر بناء
ما يقع من الدار وحفظ أصولها، وكذلك أجرة الحجام والفاصد " ([14])، ونفس العبارة عند الشربيني في مغني المحتاج ([15]).
وتسقط النفقة إذا سجنت أو "مرضت مرضا لا يمكن الانتفاع بها بوجه من الوجوه" ([16]).
ولو كان الزوج "موسرا وهي فقيرة لا يلزمه أن يطعمها مما يأكل بل يندب" ([17]).

5 ـ الزوج خصم وحكم ومنفذ:
حدود الطاعة الواجبة على الزوجة لزوجها موكولة إلى الزوج ذاته، ما دامت صلاحية التأديب المخولة له لم يقل أحد بتوقفها على إثباته أمام القضاء لتصرفات الزوجة المكونة للعصيان والخروج عن "الطاعة".
وكذلك تحديد السلوك الذي يعتبر نشوزا من الزوجة مسند إلى الزوج، فلا وجود ـ فيما نعلم ـ لقول يرى إلزام الزوج بإثبات النشوز أمام القضاء قبل أن يرتب عليه آثاره التي في مقدمتها قطع النفقة والتأديب. فكل ما رأى الزوج في سلوك زوجته ما يعتبره نشوزا وإخلالا بواجب طاعته، حق له ترتيب آثاره عليه مباشرة ومنها قطع النفقة أيا كانت الوضعية المالية للزوجة، أي حتى ولو كانت معدمة وعاجزة عن الكسب. وكذلك التأديب الذي يستعمل الفقه عادة عبارة "الضرب غير المبرح" ولكن عمليا لا وسيلة لمنع الزوج من تجاوز حدود الضرب
غير المبرح، مع العلم بوجود آراء وفتاوى تعتبر الضرب غير ضار بالزوجة ولو كان مبالغا فيه. ([18])
6 ـ الزوج غير ملزم بمعاشرة زوجته بالمعروف:
يقول القرطبي في تفسير آية "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ":" فأمر الله سبحانه بحسن معاشرة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة بينهم وصحبتهم على الكمال، فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش، وهذا واجب على الزوج ولا يلزمه في القضاء " ([19]).

7 ـ مبررات استعمال العنف من الزوج لا رقابة للقضاء عليه:
يقول القرطبي في تفسير آية 34 من سورة النساء " وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ... " :" وإذا ثبت هذا، فاعلم أن الله عز وجل لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحة إلا هنا وفي الحدود العظام، فساوى معصيتهن بأزواجهن بمعصية الكبائر، وولى الأزواج ذلك دون الأئمة وجعله لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات، ائتمانا من الله تعالى للأزواج على النساء. قال المهلب: إنما جوز ضرب النساء من أجل امتناعهن عن أزواجهن في المباضعة واختلف في وجوب ضربها في الخدمة، والقياس يوجب أنه إذا جاز ضربها في المباضعة جاز ضربها في الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف " ([20]).

8 ـ طلاق التعسف لا تعويض عنه أيا كان الضرر اللاحق بالزوجة:
قد تصاب الزوجة بعاهة تعجزها عن العمل نتيجة عملية الولادة أو أثناء القيام بالأعمال المنزلية، للزوج أن يطلقها طلاقا بائنا ليحرمها حتى من نفقة العدة، ولا صلاحية للقضاء في إلزامه بعلاجها أو تعويضها وحتى تمتيعها عند من يرى المتعة غير واجبة.
ولم يتحدث الفقه إطلاقا عن إمكانية التعويض عن الطلاق التعسفي، ولذلك يقول
أبو زهرة رحمه الله:" لا تعويض في الطلاق، وذلك حكم صحيح يتفق مع المبادئ الإسلامية،
وقد أخطأ من حكم بالتعويض لأجل طلاق، ولو كان ثمة شرط يوجب التعويض، إذ يكون الشرط فاسدا فيلغى ... وطبيعة عقد الزواج على ما هو مقرر ثابت لا توجب تعويض الزوجة
إذا طلقت إلا أن يكون لها مؤخر صداق أو تجب المتعة، ولا تعويض يجب للمطلقة " ([21]).
هذه بعض النماذج لما يقرره الفقه من حقوق والتزامات بين الزوجين، وتبدو كافية لإظهار مدى الالتزام بمبدأ العدل بين الجنسين.



ثانيا: الوضعية في الحياة الاجتماعية:
لم تكن الوضعية الاجتماعية للمرأة أحسن من التي كرستها الأحكام المقررة لها داخل الأسرة، وقد لخص المرحوم أبو الأعلى المودودي أحكام النساء في الحياة الاجتماعية بقوله:
" ومن أحكام الإسلام فيما يتعلق بأمر النساء، أن المرأة تساوي الرجل في الكرامة والشرف والاحترام، كما لا فرق بينهما باعتبار الأصل الخلقي ولا باعتبار الأجر والمثوبة في الآخرة، ولكن ليس بنشاطهما ظاهرة واحدة، فالسياسة وإدارة الحكومة والخدمات العسكرية وما إليها من الأعمال لا علاقة لها إلا بالرجال ". ([22])
ويقول في كتابه "تدوين الدستور الإسلامي"([23]) :" المناصب الرئيسية في الدولة
ـ رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية في مجلس الشورى أو إدارة مختلف مصالح الحكومة ـ
لا تفوض إلى النساء، وبناء على ذلك مما يخالف النصوص الصريحة أن تنزل النساء تلك المنزلة في الدولة الإسلامية، أو أن يترك فيه مجال لذلك ".
صحيح إن ما أشرنا إلى أمثلة منه في العلاقات الأسرية، وما قاله الشيخ المودودي في مجال الحياة الاجتماعية ليس مجمعا عليه من الفقه المذهبي المدون، ولكن من المؤكد كذلك أن
تلك الأحكام ليست آراءا شاذة أو مهجورة، ولكنها هي المفتى بها أو على الأقل لها حضور وازن في أغلب المذاهب الفقهية ويطبقها القضاء كليا أو جزئيا في مجمل الدول الاسلامية.

ـــــــــــــــــــــــ

هذه الأمثلة وغيرها كثير من الأحكام الخاصة بالجنسين في المحيطين الأسري والاجتماعي. ألا تبدو مجانبة للعدل الاسلامي؟ أليست نتيجة للتعريف الفج الذي أعطي لميثاق عقد الزواج وتأسيس الأسرة؟ ([24]) وللطلاق كذلك؟ ([25]) هل هي بريئة من النظرة التحقيرية للمرأة التي كانت ثقافة وسلوكا سائدين لدى كل الشعوب والأعراف ولم ينج من التصريح بها بعض المساهمين في إنتاج التراث الاسلامي؟ ([26])

الفقرة الثانية: الكتابات الحديثة:
يصعب تلخيص مواقف هذه الكتابات التي أنتجت منذ أواخر القرن الثالث عشر الهجري في موضوع الوضعية الحقوقية للجنسين داخل الأسرة وخارجها، وفي البحث عن وسائل العلاج للقصور الملاحظ في مواصلة الأمة لبناء مسيرتها الفكرية والحضارية عموما لقد كتب في الموضوع أنتجت أضعاف ما كتب في كل القرون السابقة.
ومع ذلك كانت النتائج محدودة إن لم تكن عكسية إذا لاحظنا ما يجري الآن في معظم المجتمعات الإسلامية من الاقتتال الطائفي، والمذهبي، والعرقي، والقبلي والايديولوجي ... بلغ حد تفجير المساجد على رؤوس المصلين، والتمثيل بالقتلى ...
ويبدو أن هذه الكتابات مكبلة بقيود ثقيلة غير قادرة على تجاوزها والتخلص منها:
قيود داخلية يفرضها الإيمان بالتقليد المذهبي.
وقيود خارجية يمثلها المحيط الاجتماعي الذي يرى في الفقه الاجتهادي صلب الشريعة التي يومن بدوامها وبمقاومة أي تغيير لأحكامها.
ومن أهم عناصر الثقافة التي صنعت القيود المشار إليها:
ـ تلقين الرأي الاجتهادي في أصول الفقه بوصفه كاشفا لحكم الله الأزلي، أو متبوعا بحكمه وفق ما هو معروف لدى المخطئة والمصوبة في الموضوع.
ـ الكتابات المتداولة منذ عشرة قرون حول انتهاء أهلية الاجتهاد وترسيخ التقليد المذهبي
ـ اندماج الآراء الاجتهادية ـ مع اختلافها إلى حد التناقض في حالات غير قليلة ـ بالأحكام الثابتة بنصوص الوحي ووضعهما بوصف واحد وهو "أحكام الشريعة".
ـ التأكيد في مؤسسات التكوين على تلقين ان كل الآراء الاجتهادية مأخوذة من نصوص الشريعة وفق ضوابط التفسير الأصولية. والحال ان هذه الضوابط مع الاختلاف في نسبة مهمة منها:
* ليس لها دور حاسم في تفسير النص ولا يزيد دورها عن الاستئناس بها في التفسير. ويؤكد ذلك ما هو ثابت في كل المذاهب من عدم الالتزام بالضابط الواحد في جميع الأحوال: مثل دلالة صيغتي الأمر والنهي، وقيود الصفة والشرط، والظرف، وأدوات الحصر، والعموم مع المفهوم إلى باقي ضوابط التفسير الأخرى.
* ضوابط التفسير الأصولية جميعها لا تتعدى النصوص التفصيلية ظنية الدلالة أو الثبوت أو هما معا. والأحكام المستندة إلى هذه النصوص قليلة جدا مقارنة مع المعتمد فيها على كليات الشريعة ومقاصدها العليا، سيما في الواقع الذي نعيشه حيث تكاثرت حاجات الفرد ومرافق المجتمع ولا وسيلة لتنظيمها بغير تلك الكليات والمقاصد وبمشاركة كل الفروع المعرفية المتنامية للإنسان.
والكليات والمقاصد كما يقول الشاطبي معان عقلية يشترك جميع العقلاء في فهمها وتنزيلها على الجزئيات وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة طبعا.
ودارس أصول الفقه مع إلمامه بنصوص الشريعة قد تكون له مساهمة متميزة في المساعدة على تنزيل الكليات، ولكن لا يبدو ما يبرر انفراده بهذا التنزيل. فمفاهيم العدل، والظلم والمساواة، والمنكر، واليسر والعسر والمصالح والمفاسد مثلا تدرك عن طريق إدراك الواقع وملابساته والآثار الفعلية حالا ومآلا للحكم المراد تقريره.
ولتأكيد وجود القيود الثقيلة المشار إليها على الكتابات الحديثة نعرض نموذجين منها، لأصحابهما حضور لا ينكره أحد في كتاب الفترة التي توصف بالصحوة.

النموذج الأول:
يقول الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره لآية:" وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ":
" قال الأستاذ الإمام قدس الله روحه: هذه الدرجة التي رفع النساء إليها لم يرفعهن إليها دين سابق ولا شريعة من الشرائع، بل لم تصل إليها أمة من الأمم قبل الإسلام ولا بعده ... " ([27])
وأضاف الشيخ رضا:
" والآية تدل على اعتبار العرف في حقوق كل من الزوجين على الآخر ما لم يحل العرف حراما، أو يحرم حلالا مما عرف بالنص. والعرف يختلف باختلاف الناس والأزمنة. ولكن أكثر فقهاء المذاهب المعروفةيقولون: ان حق الرجل على المرأة ان لا تمنعه من نفسها بغير عذر شرعي، وحقها عليه النفقة والسكنى الخ. وقالوا لا يلزمها عجن ولا خبز ولا طبخ ولا غير ذلك من مصالح بيته أو ماله وملكه. والأقرب إلى هداية الآية ما قاله بعض المحدثين والحنابلة. قال في حاشية المقنع بعد ذكر القول بأنه لا يجب عليها ما ذكر: وقال أبو بكر ابن أبي شيبة والجوزجاني عليها ذلك، واحتجا بقضية علي وفاطمة رضي الله عنهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته بخدمة البيت وعلى علي ما كان خارجا من البيت من عمل. رواه الجوزجاني من طرق. وقد قال عليه السلام " لو كنت آمر أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو ان رجلا أمر امرأته أن تنتقل من جبل أسود إلى جبل أحمر، أو من جبل أحمر إلى جبل أسود لكان نولها (أي حقها) أن تفعل ذلك " رواه بإسناده. قال فهذا طاعة فيما لا منفعة فيه فكيف بمئونة معاشه " ([28])
وختم الشيخ كلامه بالقول: ان " الجاهلين بالمذاهب الفقهية يتهمون رجالها بهضم حقوق النساء وما هي إلا غلبة التقاليد والعادات مع عموم الجهل " ([29]).

النموذج الثاني:
في تفسير نفس الآية يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور:" (بالمعروف) أي لهن حق متلبسا بالمعروف غير المنكر: من مقتضى الفطرة، والآداب والمصالح ونفي الاضرار، ومتابعة الشرع ... " ([30])
وأضاف (بالمعروف) " الباء للملابسة والمراد به الشرع نصا أو قياسا، أو اقتضته المقاصد الشرعية، أو المصلحة العامة التي ليس في الشرع ما يعارضها. والعرب تطلق المعروف على
ما قابل المنكر، أي وللنساء من الحقوق مثل الذي عليهن ملابسا ذلك دائما للوجه غير المنكر شرعا وتحت هذا تفاصيل كبيرة توخذ من الشريعة، وهي مجال لأنظار المجتهدين في مختلف العصور والأقطار. فقول من يرى ان البنت البكر يجبرها أبوها على النكاح قد سلبها حق المماثلة للابن، فدخل ذلك تحت الدرجة؛ وقول من منع جبرها وقال لا تزوج إلا برضاها قد أثبت لها حق المماثلة للذكر. وقول من منع المرأة من التبرع بما زاد على ثلث مالها إلا بإذن زوجها،
قد سلبها حق المماثلة للرجل، وقول من جعلها كالرجل في تبرعها بمالها، قد أثبت لها حق المماثلة للرجل. وقول من جعل للمرأة حق الخيار في فراق زوجها إذا كانت به عاهة، قد جعل لها حق المماثلة، وقول من لم يجعل لها ذلك قد سلبها هذا الحق. وكل ينظر إلى ان ذلك من المعروف
أو من المنكر. وهذا الشأن في كل ما أجمع عليه المسلمون من حقوق الصنفين، وما اختلفوا فيه من تسوية بين الرجل والمرأة أو من تفرقة، كل ذلك منظور فيه إلى تحقيق قوله تعالى (بالمعروف) قطعا أو ظنا " ([31])
وتحدث في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية عن "المساواة" فقال:
ان المساواة " في التشريع أصل لا يتخلف إلا عند وجود مانع، فلا يحتاج إثبات التساوي في التشريع بين الأفراد أو الأصناف على البحث عن موجب المساواة، بل يكتفى بعدم وجود مانع من اعتبار من اعتبار التساوي ولذلك صرح علماء الأمة بأن خطاب القرآن بصيغة التذكير يشمل النساء ولا تحتاج العبارات من الكتاب والسنة في إجراء أحكام الشريعة على النساء إلى تغيير الخطاب من تذكير إلى تأنيث ولا عكس ذلك ...
وموانع المساواة هي العوارض التي إذا تحققت تقتضي إلغاء حكم المساواة لظهور مصلحة راجحة في ذلك الإلغاء أو لظهور مفسدة عند إجراء المساواة "
وأتى بأمثلة لهذه العوارض منها:
" عدم مساواة غير المسلمين من أهل ذمة الإسلام للمسلمين في بعض الحقوق ... ولذلك اتفق العلماء على منع ولاية غير المسلم في كثير من الولايات واختلفوا في بعضها مثل الكتابة والحسابة ... ومثل منع مساواة غير المسلم للمسلم في القصاص له من المسلم، وفي قبول الشهادة على اختلاف بين العلماء في ذلك ... " ([32])
ثم قسم العوارض المانعة من المساواة إلى:
ـ موانع جبلية دائمة مثل منع " مساواة المرأة للرجل فيما تقصر فيه عنه بموجب أصل الخلقة مثل امارة الجيش والخلافة عند جميع العلماء، ومثل القضاء في قول جمهور من علماء الإسلام، وكمنع مساواة الرجل للمرأة في حق كفالة الأبناء الصغار ... "
ـ موانع شرعية " إذ التشريع الحق لا يكون إلا مستندا إلى حكمة وعلة معتبرة ... مثل قاعدة إزالة الضرر فإنها منعت مساواة المرأة الشريفة لغيرها من الأزواج في إلزامها بإرضاع الولد عند مالك، واما أن تعرف هذه الأصول بتتبع الجزئيات المنتشرة في الشريعة مثل اعتبار شهادة المرأة في خصوص الأموال " ([33])
ـ موانع اجتماعية أكثرها " مبني على ما فيه صلاح المجتمع مثل "منع مساواة العبيد للأحرار في قبول الشهادة".
ـ موانع سياسية وتكون غالبا مؤقتة، وقد تكون دائمة مثل "اختصاص قريش بإمامة الأمة" ([34])

تعليـــــــق:
من قراءة النصين أعلاه يبدو عدد من الملاحظات. منها:
ـ الاكتفاء بعبارات غارقة في العمومية منسوبة إلى الشيخ محمد عبده، والمعروف عنه انه انتقد بعض الأحكام الفقهية الخاصة بالمرأة زوجة وعضوا في المجتمع مثل: تعدد الزوجات، وحرمانها من التعليم، ويكاد يكون مؤكدا انه لم يصرح بانتقاد طائفة من الأحكام بضغط من المحيط الذي كان يرى في مناقشة الأحكام الاجتهادية المتوارثة طعنا مباشرا في الشريعة ونصوصها.
وكيف ما كان الأمر فإن الاقتصار على العموميات أسلوب يقتصر عليه كثير من المتناولين لوضعية المرأة في الإسلام وهو لا يفيد شيئا، والمطلوب عرض هذه الوضعية من خلال الأحكام الاجتهادية الجزئية وما إذا كان بعضها على الأقل مطبقا لقيم الشريعة ومقاصدها العليا.
ـ يؤكد الشيخان رضا وابن عاشور ان الشريعة أمرت ببناء حقوق والتزامات الجنسين على "المعروف" الذي "يختلف باختلاف الناس والأزمنة" وهو "غير المنكر من مقتضى الفطرة والآداب والمصالح ونفي الإضرار" وهو "ما تعرفه العقول السالمة المجردة من الانحياز إلى الأهواء
أو العادات ... وذلك هو الحسن وهو ما جاء به الشرع نصا أو قياسا، أو اقتضته المقاصد الشرعية أو المصلحة العامة التي ليس في الشرع ما يعارضها "
لكن في التطبيق:
يغيب اختلاف الناس والأزمنة.
ولا يعترف بوجود عقول سالمة في العصر الحاضر يقبل منها الاجتهاد كما قبل من السابقين وأن تستعمل معايير: المعروف والمنكر، والفطرة، والآداب والمصالح ونفي الإضرار بملابسات الزمان والمكان المعيشين.
ويطغى التقليد والتمسك بآراء وإن كانت واهية السند، أو بينة الفساد.
فالشيخ رضا يرى ان الذين ينتقدون بعض الأحكام الفقهية هم من "الجاهلين بالمذاهب الفقهية" وفي نفس الوقت يقول ان على الزوجة لزوجها خدمة "مصالح بيته أو ماله وملكه" وبدون مقابل، بل اعتمد خبرا واهي السند ([35]) وغريب المتن ليقول بوجوب طاعة الزوجة لزوجها إذا أمرها بالانتقال من جبل أسود إلى جبل أحمر (كناية عن بعد المسافة) ـ رغم ان ذلك لا منفعة له فيه. فأي مبدأ في الشريعة يبيح أن يفرض شخص على آخر عملا شاقا وغير نافع؟
والشيخ ابن عاشور مع تعريفه الواضح للمعروف الذي تدركه العقول السالمة، وتقتضيه المقاصد الشرعية يرى:
ان كل واحد من الرأيين المتناقضين يعتبر تطبيقا للمعروف الذي أمر به القرآن، وإن كان أحدهما شاذا كالتمييز بين "الشريفة" و"الوضيعة" في الإلزام بالإرضاع.
وان كل الأحكام الاجتهادية الجزئية لوضعية المرأة ـ ما اتفق عليه السابقون وما اختلفوا فيه ـ هو تطبيق للمعروف المأمور به، أي ان القلم رفع والصحف جفت، ولا سبيل إلى مناقشة تلك الأحكام، وهذا ما فعله هو رحمه الله فلم يعلق بشيء عما عرضه من أحكام فقهية وإن كان بعضها شاذا ([36])
ونفس المنهج سلكه الشيخ مع مبدأ "المساواة" الذي لا يحتاج تطبيقه إلى استدلال وان الخطاب القرآني يشمل الجنسين وان ورد بصيغة أحدهما، ولكن كل ما قيل فيه سابقا بعدم المساواة يبقى كذلك تعلق الأمر بالاختلاف في الجنس أو في العقيدة، أو فيما قدروه مصلحة اجتماعية أو سياسية، وإن تغيرت الظروف وحدث في الواقع ما لم يعشه القائلون بتلك الآراء. علما بأن هذه الآراء لا تستند إلى نص قطعي الدلالة والثبوت ولذلك فهي غير متفق عليها وأغلبها متعارض ومتعدد وقد يتجاوز فيه التعدد الحد المعقول.
ان الطريقة التي سلكها الشيخان هي السائدة في تناول مفهوم العدل في الإسلام عموما أو بين الجنسين، وتتلخص في عرض القيم والمبادئ النظرية باعتبارها المصدر المباشر لهذا الفقه، مع الحرص على التمسك بالأحكام التفصيلية المدونة في المذهب الذي ينتمي إليه الكاتب،
ولا يخرج عن ذلك إلا نادرا.
وتساق تلك المبادئ للاستدلال على طبيعة فقه المعاملات الداعمة لمراجعة أحكامه من مثل صفة الظنية، ومراعاة المآل، واعتبار مقاصد الشريعة، وتوخي تحقيق المصلحة أو درء المفسدة باعتبارهما علة كل الأحكام وغايتها.
لكن يبدو أن ثقافة التقليد أشد تأثيرا من مجرد مبادئ تتلى باللسان ولا تتجاوزه إلى التحليل واستخلاص النتائج.

الفقرة الثالثة: وسيلة تحقيق العدل بين الجنسين في الاسلام:
في الأمثلة السابقة في الفقرة الأولى ما يكفي لتقدير مدى تحقق العدل بين الجنسين في الأحكام الفقهية المدونة.
وأسلوب الكتابات الحديثة التي تكتفي بالعرض النظري لقيم الشريعة ومقاصدها مع التمسك المطلق بالأحكام التفصيلية في مراجع الفقه المذهبي، يؤخذ عليها ما يواخذ به هذا الفقه نفسه.
وتفاديا لذلك نقترح تغييرا في جهة التقرير وفي طبيعته.

جهة التقرير:
في الفقه المدون أسند التقرير إلى الفرد / المجتهد. ومن عيوب هذا التوجه ما أشرنا إليه من عدم الانتباه إلى كل العناصر المؤثرة على تقرير الحكم الملائم للواقعة موضوع الاجتهاد، ولعل أمثلة تعريف عقد الزواج، وتسوية الامام الرازي رحمه الله بين المرأة والدواب والنبات، تغني عن المزيد من الاستدلال.
لكن إلى جانب هذا السبب المؤيد بأمثلة ناطقة، هناك حقيقة أشد حضورا وهي سنة الله التي فطر عليها الإنسان من التطور الدائم لوعيه بنفسه وبمحيطه الكوني، الأمر الذي يفرض عليه التغيير والتعديل باستمرار للنظم التي يؤدي من خلالها أمانة التكليف التي تحملها. وقد بلغت الآن هذه النظم من التنوع والتعقيد ما يستحيل معه على الفرد أن يلم بمجملها، وأبعد من ذلك الإحاطة بها.
ولعل المثالين الآتيين كافيان لتزكية ما نقول:
في أواخر القرن الثاني الهجري كلف هارون الرشيد أبا يوسف بإنجاز كتاب "الخراج" الذي قال في بدايته " ان أمير المومنين طلب مني أن أضع كتابا جامعا يعمل به في جباية الخراج والعشور والصدقات والجوالي وغير ذلك مما يجب عليه النظر فيه والعمل به ".
وتضمن الكتاب فعلا جميع مؤسسات "الدولة" وكل المجالات التي كانت تمارس فيها صلاحياتها الداخلية منها والخارجية في السلم وفي الحرب. فهل يتصور الآن قيام فرد بتقديم كل ما تحتاجه الدولة الحديثة من تنظيم؟ كما يحتاج اليوم من الأفكار والتخصصات المعرفية للحد من الشطط في السلطة سواء في ما بين المؤسسات الدستورية، أو ممارسة كل مؤسسة منها لاختصاصاتها، وفي كل أنشطة الدولة بل حتى في ممارسة الأفراد لحقوقهم وأداء ما عليهم من الالتزامات والعلاقات فيما بينهم.
أما أبو يوسف ـ مراعاة لواقع زمانه ـ فقد اكتفى في التحذير من الشطط في السلطة والتهاون في أداء الواجب بتخويف "أمير المومنين" من عذاب الآخرة.
ومثال ثان نختار له عقد العمل ([37]) الذي كان عقدا رضائيا يستقل المتعاقدان بتحديد عناصره وآثاره وإنهائه ولم يتدخل الاجتهاد الفقهي إلا في حدود ضيقة جدا تعلق بعضها بوقائع افتراضية لا وجود لها.
بينما الآن كاد العقد يفقد صفة الرضائية. فإلى جانب نقابات العمال ونقابات أرباب العمل تقوم الدولة فيه بدور محوري لما يتطلبه تنظيمه من التوفيق الدقيق بين مصالح كل من مقدم العمل والرأسمال إضافة إلى مصالح المجتمع: الاقتصادية، والأمنية، والصحية والسياسية، وغيرها.
فهل يمكن لفرد تخصص في أصول الفقه أو في غيره من التخصصات المعرفية أن يحيط بكل تلك المصالح، ويحسن التوفيق بينها؟.
ومن ناحية ثانية ثقافة مجتمعاتنا تغيرت كليا عن ثقافة المجتمعات التي أنتج فيها الفقه المدون.
إذا رجعنا إلى كتاب الخراج نجد أن طلبه من هارون الرشيد وإنجازه وتقديمه من
أبي يوسف لم يثر أي اهتمام اجتماعي أو احتجاج على اختيار أبي يوسف دون سواه، فهل يمكن أن يحدث هذا في واحد من مجتمعات القرن الواحد والعشرين الذي نعيش فيه؟
للمجتمع اليوم حضوره في تدبير الشأن العام/المعاملات، ولا سبيل إلى تغييبه، والاكتفاء بتبليغه القرارات للتلقي والتنفيذ.

طبيعة التقرير:
الرأي الاجتهادي باعتباره ترجيحا لأحد معاني النص محتمل الدلالة، أو تنزيلا لكليات الشريعة ومقاصدها على وقائع الحياة الجزئية ـ لا يفيد إلا الظن، ولا خلاف في هذا قديما وحديثا.
إذا أضيف إلى ذلك التغير السريع للواقع وملابساته المؤثرة على علل الأحكام ومآلاتها، يتأكد يقينا ان طبيعة التقرير تفرض أن يبقى قابلا للمراجعة والتعديل وحتى الإلغاء في كل وقت، فمجرد التطبيق قد يظهر عدم صلاحية الحكم، وسرعة تغير ملابسات الواقع تفرض في جميع الأحوال الالتجاء إلى المراجعة وإمكانية التغيير.
إذا تخلينا عن "المجتهد" مقررا للأحكام وعن صفة الدوام للأحكام المقررة فما البديل؟.
البديل باختصار هو:

  1 ـ التمييز بين الرأي وبين الحكم الملزم:
فالرأي اقتناع شخصي يتبناه فرد أو مجموعة أفراد في أية واقعة من وقائع تنظيم المجتمع وعلاقات أفراده وبما أننا نتحدث عن الرأي المعبر عن فهم نصوص الشريعة وتفسيرها فإنه ينبغي أن يعبر عنه بمصطلح "الفقه".
أما الحكم الملزم فهو الذي يتقرر به التزام الجميع بتطبيقه والخضوع له.

  2 ـ إبداء الرأي لا سبيل إلى التحجير فيه على أي فرد:
فمن ناحية، نصوص الكتاب والسنة ما تزال محفوظة باللغة التي وردت بها، ولا وجود
لما يمنع أي مسلم من قراءتها والتعبير عن فهمه لها.
ومن ناحية ثانية لا وسيلة للمنع من إبداء الرأي في ظل وسائل التواصل المتوفرة أمامنا إضافة إلى المفهوم المتمدد لحرية الفرد وحقوقه.

  3 ـ قيمة الرأي مرتبطة بمؤيدات الاقناع المرفقة به:
قبول الرأي أو رفضه لا ينبغي أن يرتبط بشخص القائل به أو بتخصصه المعرفي، وإنما بمدى قوة حجج الاقناع التي اعتمدها، فكما يقال: اعرف الرجال بالحق، ولا تعرف الحق بالرجال.
ان المتمكن حقا من معرفة الشريعة ومن حسن فهمها لا يقدم إلا ما يحقق قيمها ومقاصدها المتوافقة مع فطرة الإنسان " إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم " ([38])
والذي لا يعرفها من أين يأتي له حسن الفهم والتفسير؟
4 ـ الحكم الملزم يسند تقريره إلى المؤسسات التي تنتدبها الأمة ([39]) لذلك وفي حدود الاختصاص الموزع بينها تطبيقا لآية:" وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ".
5 ـ الحكم الملزم الذي تقرره المؤسسة الدستورية المعنية بعد مناقشة كل الآراء المعبر عنها، يبقى قابلا للمراجعة والتعديل كلما ظهر مبررهما.
لعل العقبة الأساسية في تحقيق هذا الاقتراح لهدفه أي العدل بين الجنسين، هو صعوبة تكوين المؤسسة الممارسة فعلا وصدقا للشورى باسم الأمة، ويؤكد ذلك الواقع الذي تعيشه أنظمتنا الدستورية التي فشلت في إيجاد مؤسسات تمثيلية تعبر بصدق عن إرادة الأمة وضميرها.
لكن هذه الصعوبة ليست عرضا ملازما للنظام التمثيلي، وإنما ترجع إلى تراجع التربية على السلوك الأخلاقي والشعور بالمسئولية رغم انهما قمة القيم الدينية.
صحيح ان النظام التمثيلي يعاني في كل العالم من كثير من الأمراض: الولاء الحزبي، غياب الشعور بالمسئولية، ممارسة السياسة بمفهوم الخداع والمداراة ... الخ.
ان الشورى أمر به القرآن ووسائل تحقيقها مسئوليتنا نحن، فعلينا جميعا المساهمة بتقديم الأفكار التي تساعد على إقامة سليمة لها.
ولا سبيل إلى الوصول إلى العدل الإسلامي بين الجنسين أو على الأقل الاقتراب منه خارج نظام الشورى.
فالكتابات التي تكثر من الكلام النظري مع العجز عن الخروج من أسر التقليد وقيوده
لم تقدم شيئا مما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
والدعوات إلى "الاجتهاد المقاصدي" مع كثرتها عمرت حوالي قرن من الزمن أو أكثر دون أن تغير شيئا من الفقه المدون لتعذر تحقق الاعتراف بمن له صلاحية ممارسة هذا الاجتهاد وبنفاذه على الأمة.
وما سمي بالاجتهاد الجماعي كان تحقيقه أقرب إلى الخيال
فالشيخ محمد الطاهر بن عاشور مثلا يرى:
" ان أقل ما يجب على العلماء في هذا العصر ان يبتدئوا به من هذا الغرض العلمي هو أن يسعوا إلى جمع مجمع علمي يحضره أكبر العلماء بالعلوم الشرعية في كل قطر إسلامي على اختلاف مذاهب المسلمين في الأقطار ويبسطوا بينهم حاجات الأمة ويصدروا فيها عن وفاق فيما يتعين عمل الأمة عليه ويعلموا أقطار الإسلام بمقرراتهم فلا أحسب أحدا ينصرف عن اتباعهم.
ويعينوا يومئذ أسماء العلماء الذين يجدونهم قد بلغوا مرتبة الاجتهاد أو قاربوا.
وعلى العلماء أن يقيموا من بينهم أوسعهم علما وأصدقهم نظرا في فهم الشريعة، فيشهدوا لهم بالتأهل للاجتهاد في الشريعة. ويتيعن أن يكونوا قد جمعوا إلى العلم العدالة واتباع الشريعة لتكون أمانة العلم فيهم مستوفاة ولا تتطرق إليهم الريبة في النصح للأمة " ([40])
أما الشيخ يوسف القرضاوي فيؤكد ان " الاجتهاد الجماعي يتمثل في صورة مجمع علمي إسلامي عالمي يضم الكفايات العليا من فقهاء المسلمين في العالم دون نظر إلى إقليمية
أو مذهبية أو جنسية، فإنما يرشح الشخص لعضوية هذا المجمع فقهه وورعه لا ولاؤه لهذه الحكومة أو ذلك النظام، أو قرابته أو قربه من الحاكم أو الزعيم.
يجب أن يتوافر لهذا المجمع كل أسباب الحرية حتى يبدي رأيه بصراحة ويصدر قراره بشجاعة بلا ضغط ولا إرهاب من الحكومات أو من قوى الضغط في المجتمع، يجب أن يتحرر من الضغوط السياسية والاجتماعية معا.
... وإذا اختلفوا كان رأي الأكثرية هو الأرجح ما لم يوجد مرجح آخر له اعتباره شرعا " ([41])
لكن ألا يبدو مستحيلا الوجود الفعلي للشروط التي وضعها الشيخان لتشكيل المجمع ونفاذ مقرراته؟

                                                                                                                الرباط في 4 أبريل 2014
                                                                                                                       أحمد الخمليشي


1


[1]() ـ لو تمت مثلا مناقشة نظام الزواج الذي سماه القرآن "ميثقا غليظا" لتم قطعا تفادي تعريفه بـ "معاوضة البضع بالمال" أو "عقد على مجرد التلذذ بآدمية ..." وما تبع هذه التعريفات من أحكام مجحفة بالمرأة.
ومثل ذلك القول بحق الزوج في ضرب الزوجة لإرغامها على القيام بمصالح بيته وماله بدون مقابل، وإذا مرضت أو أصيبت بعاهة ولو بسبب العمل لصالح الزوج، لم يلزم الأخير بنفقات علاجها.
[2]() ـ سورة النحل الآيتان 58 و59.
[3]() ـ فهذه العلاقات تتكيف قطعا مع تطور الوعي الاجتماعي والوعي الفردي بين بني جنسه، وما تجدد مفهوم "حقوق الإنسان"
إلا مسايرة لذلك التطور الذي هو من سنن الله التي أخضع لها الإنسان طوعا أو كرها، وبوعي أو بدونه.
إن حقوق الفرد تختلف بداهة بين وجوده في مجتمع يومن بأنظمة العبودية، والقوة، وشرعية التملك بالغنيمة والطبقات
ـ بمختلف أشكالها ـ وتبعات الانتساب العشائري والقبلي ... أو في مجتمع اندثرت فيه الأنظمة المشار إليها، واستحدث مكانها مبادئ أخرى للتعايش ونظام الحياة.
يقول القرطبي في تفسيره:" وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهر الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة " وأضاف القرطبي ان ابني عم أوس بن ثابت لما مات منعا زوجته وبناته الثلاث من الإرث، وأخذا كل ما ترك "ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا" فشكتهما زوجته "أم كجة" إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعاهما فأجاباه " يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا، ولا ينكأ عدوا " ـ الجامع لأحكام القرآن ـ 5/46.
[4]() ـ 3/107.
[5]() ـ 7/625.
[6]() ـ 2/656.
[7]() ـ لأن الزوج لا يملك كل منافعها "لأنه ليس له عليها إلا منافع الأشياء الباطنة" شرح الزرقاني على مختصر خليل ـ 7/14.
[8]() ـ 13/72.
[9]() ـ الحطاب على مختصر خليل ـ 3/205، وحاشية العروي على الرسالة ـ 2/399.
[10]() ـ 4/247.
[11]() ـ 5/97.
[12]() ـ 3/106 و107.
[13]() ـ 3/335.
وفي مختصر خليل من مذهب مالك ان الزوج ليس له منع " أبويها وولدها من غيرها أن يدخلوا عليها " ولكنه أضاف انه يقضى لأولادها الصغار بزيارتها يوميا، وللكبار كل جمعة وكذلك للوالدين لكن إن اتهمهما بإفسادها عليه تكون زيارتهما لها "مع أمينة" يعينها هو وتتحمل هي أجرتها. شرح الزرقاني على مختصر خليل ـ 4/248.
[14]() ـ 7/568.
[15]() ـ 3/431.
[16]() ـ 2/656.
[17]() ـ حاشية ابن عابدين 2/646.
[18]() ـ من ذلك فتوى ابن لب الذي ما تزال بعض أحكام القضاء تقضي بفتاويه، فقد أحيلت عليه شهادة عدلين بما عايناه من آثار الضرب على جسد الزوجة بقولهم:
" وقف شهيداه على عين امرأة اسمها فلانة زوجة فلان مشتكية بزوجها المذكور، قائلة انه ضربها ضربا مؤلما أضر بها غاية الضرر، فكشفت عن جسدها فإذا في ظهرها أربع ضربات، وفي ذراعها أثر ضربة، وأخرى في عينها اليمنى، وأخرى
في ركبتها، وأخرى في ساقها الأيمن، وقالت ان بمؤخر جسدها ضربا آخر أكثر مما ذكر وأضر منه ... الخ. فكثر الخوض واللجاج في المسألة وكل واحد من فقهاء الوقت يفتي بما ظهر له أياما كثيرة فرفعت إليه نسخة من رسم شهادة الضرر فقط من غير كتب عليها. =
= فأجاب: الرسم حوله لا يجب به تطليق المرأة المذكورة على زوجها، إذ ليس كل ضرب يكون ضررا. قال ابن حارث ليس الضرب ـ وإن صح إقامة البينة عليه وعلى آثاره الظاهرة ـ بالذي يدل على الضرر. هـ . بنقل ابن سلمون ". النوازل الجديدة الكبرى للمهدي الوزاني ـ 3/452.
[19]() ـ 5/97.
[20]() ـ 5/173.
[21]() ـ كتابه: الأحوال الشخصية. ص 333.
[22]() ـ كتابه:" الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة " ص 161.
[23]() ـ ص 164.
[24]() ـ من مذهب مالك يقول ابن عرفة: الزواج:" عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها " الحطاب على مختصر خليل ـ 3/403.
ومن المذهب الحنفي:
ـ " النكاح معاوضة البضع بالمال " ـ الكاساني في البدائع ـ 2/234.
ـ الزواج " عقد وضع لتمليك منافع البضع " ـ شرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 2/340.
ـ " عقد يفيد ملك المتعة أي حل استمتاع الرجل من امرأة ... كلام الشارح والبدائع يشير إلى ان الحق في التمتع للرجل
لا للمرأة ... نعم له وطؤها جبرا إذا امتنعت بلا مانع شرعي وليس لها إجباره على الوطء بعدما وطئها مرة وإن وجب عليه ديانة أحيانا " ـ حاشية ابن عابدين 2/258 و259.
[25]() ـ مما ورد في تعريفه:
ـ " صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته " ـ مواهب الجليل للحطاب 4/18
ـ تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح " ـ مغني المحتاج للشربيني ـ 3/279
ـ "إزالة حل المحلية" ـ بدائع الكاساني ـ 3/98.
[26]() ـ من ذلك قول الرازي في تفسيره لآية:
" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ":
" قوله "خلق لكم" دليل على ان النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع، كما قال تعالى (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض). وهذا يقتضي أن تكون لا مخلوقة للعبادة والتكليف. فنقول: خلق النساء من النعم علينا، وخلقهن لنا، وتكليفهن لإتمام النعمة علينا لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا وذلك من حيث النقل والحكم والمعنى. أما النقل فهذا وغيره، واما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها، وأما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة، فشابهت الصبي، لكن الصبي
لم يكلف، فكان يناسب أن لا تؤهل المرأة للتكليف، لكن النعمة علينا ما كانت تتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب، فتنقاد للزوج وتمتنع من المحرم، ولولا ذلك لظهر الفساد "
التفسير الكبير ومفاتيح الغيب ـ               /
[27]() ـ تفسير المنار ـ 2/375.
[28]() ـ نفس المرجع ـ 2/378 و379.
[29]() ـ نفس المرجع ـ 2/380.
[30]() ـ تفسير التحرير والتنوير ـ 2/399.
[31]() ـ نفس المرجع ـ 2/400.
[32]() ـ مقاصد الشريعة الإسلامية ص. 165 ـ 167.
[33]() ـ نفس المرجع ص. 169.
[34]() ـ نفس المرجع ص. 170.
[35]() ـ انظر في ذلك مثلا: ابن حزم في المحلى ـ 10/332.
[36]() ـ مثل حرمان المرأة من حق الخيار في حالة اكتشافها بعد العقد عاهة في الزوج تؤثر بشكل خطير على الحياة الزوجية.
[37]() ـ ومثله عقد النقل الذي خصص له ابن عاصم الأندلسي من منظومته "تحفة الحكام" خمسة أبيات بعنوان "كراء الرواحل والسفن". بينما الآن تفرع الموضوع إلى عشرات العقود لكل عقد منها نظامه الخاص الذي يحتاج إنجازه ليس فقط إلى التخصص أو التخصصات المعرفية التي تعنى بمجاله وإنما كذلك إلى عدم مساسه بمصلحة عامة أو خاصة، إضافة إلى ما يتطلبه ذلك من معارف وتجارب الحياة ...
[38]() ـ سورة الإسراء آية 9.
[39]() ـ نقصد بالأمة المجتمع السياسي المتوافق على نظام دستوري تتشكل به "الدولة" الساهرة على وضع ضوابط تنظيم المجتمع وعلى تنفيذها.
[40]() ـ كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية ص. 247.
[41]() ـ كتابه: الاجتهاد في الشريعة الاسلامية ص. 242.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم