محمد ازعيتر
نائب الكاتبة العامة
أحمد أوبلا: فاعل وناشط جمعوي بمدينة الرباط.
فوزية المامون: ممثلة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان.
الزهرة الخمليشي: أستاذة جامعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل.
رجاء الأندلسي: محامية بهيئة تطوان.
وقد سير هذا النشاط الفاعل الجمعوي الأستاذ وديع المعمري الذي استهل الندوة بالترحيب بمؤطري الندوة، وكذا بالحاضرين الذين أتوا من مختلف أقاليم الجهة، كما بين دواعي اختيار الشبكة لهذا الموضوع الذي يؤرق بال العديد من المهتمين بحقل الطفولة بالمغرب. بعدها أخذت الكلمة باسم الشبكة الجهوية لجمعيات المجتمع المدني بجهة طنجة تطوان الأستاذة رأفت التجكاني نائبة رئيس الشبكة التي رحبت بدورها بالحاضرين ومؤطري الندوة، وقدمت الخطوط العريضة التي سينصب عليها النقاش، والتي ستتناول الموضوع من وجهات نظر متنوعة.
ومما ميز هذه الندوة عرض الأستاذ أحمد أوبلا لشريط فيديو أنجزته جمعية نور للتضامن مع المرأة القروية تضمن مجموعة من النصوص القانونية المهتمة بالمرأة والطفل الواردة في مدونة الأسرة ، وكذا عرض مجموعة من الآثار النفسية والصحية والاجتماعية للزواج المبكر أكدتها شهادات صادمة لمجموعة من الأمهات والفتيات القاصرات اللواتي يعانين من ظاهرة الزواج المبكر بجهة تادلة أزيلال.
وفي بداية مداخلته قدم السيد أحمد أوبلا تعريفا موجزا بالجمعية التي يمثلها، والتي تقوم حاليا بجولات تحسيسية بالآثار السلبية لظاهرة الزواج المبكر على صحة الطفل ونفسيته، بالإضافة إلى إنجاز الجمعية فيلما حول الموضوع.
وقد أكد السيد أحمد أوبلا أن موضوع زواج القاصرات استأثر في الآونة الأخيرة باهتمام الصحافة والجمعيات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، كما أكد أن مدونة الأسرة شكلت قفزة نوعية في هذا الموضوع خصوصا وأنها جاءت بصيغة توافقية بعد مخاض عسير تباينت فيه آراء تيارين وطنيين أحدهما محافظ والآخر حداثي، خصوصا وأن موضوع المرأة غالبا ما يثير إشكالات في ميادين شتى، سواء في السياسة أو التعليم أو الدين… ومما ميز مدونة الأسرة الحالية حسب الأستاذ أوبلا أنها لم تعد تقتصر على المذهب المالكي، بل انفتحت على المذهبين الحنفي والشافعي.
إن زواج الفتاة القاصر دون سن 18 يطرح مجموعة من الإشكالات حسب الأستاذ أوبلا، فمن جهة يتم حرمانها من مجموعة من الحقوق، من بينها: عدم التمتع بحق الانتخاب والتعلم والمرافعة… ومن جهة أخرى فإن رفع الزواج إلى أكثر من سن 16 سنة يمكنه أن يتسبب في مجموعة من المشاكل من أهمها التشجيع على الفساد.
كما أشار الأستاذ أوبلا في مداخلته إلى أنه في كثير من الأحيان يتم التلاعب على النص القانوني بمنح الفتاة القاصر شهادة طبية دون القيام بفحص طبي كامل، بالإضافة إلى أن هذا الفحص الطبي في حد ذاته يعتبر تمييزا في حق الفتاة، كما أن إجراء البحث الاجتماعي الذي تنص عليه المادة 20 من مدونة الأسرة غالبا ما يتم التعامل معه بتساهل كبير، وذلك دون مراعاة الظروف الاجتماعية للفتاة القاصر.
وقد ختم الأستاذ أوبلا مداخلته بالتأكيد على الدور الذي يقوم به المجتمع المدني في التحسيس بهذه الظاهرة، وكذا الأهمية التي بات يخلقها هذا الموضوع عند بعض الفرق البرلمانية.
وفي مداخلتها حول الموضوع، قدمت الأستاذة فوزية المامون ممثلة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان تعريفا لمفهوم الزواج كما جاء في مدونة الأسرة، مع التأكيد على أنه ميثاق تراض بين زوجين وليس فيه أي إكراه لأحدهما، كما أن الغاية منه هي بناء أسرة مستقرة تحت رعاية الزوجين معا. كما أكدت الأستاذة فوزية على أن المادة 19 من مدونة الأسرة تنسجم مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، خصوصا اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل. إلا أن هذه الحمولة الإيجابية لهذا النص لم تسلم من بعض الاستثناءات خصوصا ما ورد في المادة 20 من إذن للقاضي المكلف بالأسرة بتزويج القاصر وذلك بمقرر معلل، وبهذا يكون المشرع قد انتقل من الكونية الحقوقية إلى الخصوصية الاجتماعية المحلية، كما أنه بهذا التنصيص ينتهك المشرع المغربي اتفاقية حقوق الطفل، التي صدق عليها في 1994، كما ينتهك أيضا البروتكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. كما أشارت الأستاذة فوزية كذلك إلى بعض الثغرات الواردة في بعض مواد مدونة الأسرة والتي تتيح إمكانية التحايل والتلاعب بها حسب الأهواء والرغبات، وهذا ما يجعل العديد من الأحكام القضائية في هذا المجال لا تلعب دورا إيجابيا نحو تفعيل بنود المدونة في أفق الحد من ظاهرة الزواج المبكر، وهو موقف تحكمه خلفية ثقافية، على اعتبار أن القضاء لا زال رجوليا بامتياز. وأشارت الأستاذة فوزية كذلك إلى ذكر بعض الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تكمن وراء الظاهرة، ومن بينها على الخصوص: عدم ذهاب الفتاة إلى المدرسة، والعادات والتقاليد التي تشجع على الزواج المبكر، وكذا الفقر وهشاشة الأسرة… كما تطرقت الأستاذة في مداخلتها إلى انتشار ما يعرف بزواج الفاتحة في العديد من المناطق الجبلية النائية (الريف والأطلس)، وكذلك ما يسمى بزواج الرهن أو “الكونترة”، وهو زواج منتشر بكثرة في مناطق قلعة السراغنة وبني ملال والفقيه بنصالح. وبينت الأستاذة فوزية في مداخلتها كذلك بعض أهم أضرار وسلبيات الزواج المبكر سواء منها النفسية أو العضوية أو الاجتماعية.
ومن الخلاصات التي توصلت إليها الأستاذة في ماخلتها دعوتها الدولة المغربية إلى حماية القاصرات من الزواج المبكر الذي يمثل مخالفة للدستور المغربي وللمواثيق الدولية التي صادقت عليها، خاصة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومعاهدة منع الاتجار بالبشر.كما دعت إلى ضرورة العمل على منع هذا الزواج بشكل قانوني باعتباره يمثل خرقا واضحا لحقوق الإنسان، ودعت كذلك إلى ضرورة تعديل المادة 20 من مدونة الأسرة، والعمل على تطبيق الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، واعتبار مصلحة القاصر في متابعة دراستها، وتأهيل مؤسسة قاضي الأسرة المكلف بزواج القاصرين بما يتلاءم مع المسؤولية المنوطة بها، بالإضافة إلى التنصيص على إمكانية الطعن في مقرر القاضي بالإذن بزواج القاصر، ومضاعفة الجهود التحسيسية بالسلبيات المترتبة عن زواج القاصرات.
أما الأستاذة الزهرة الخمليشي الأستاذة الجامعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل فقد ركزت على الدور الذي تلعبه الحركات النسائية في الدفاع عن حقوق الفتاة القاصر، كما تطرقت بدورها إلى المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة الذين يتيحان مجالا واسعا لانتشار زواج القاصرات في المغرب، وهذا ما أكدته العديد من الإحصائيات. ثم قدمت الأستاذة الزهرة الخمليشي مجموعة من التساؤلات التي حيرت مجموعة من الباحثين: لماذا هذا الزواج؟ لمصلحة من؟ هل نحن في مجتمع سوي يسعى إلى تحقيق التقدم والنمو؟ لماذا نحرم الطفلة من مرحلة طفولتها؟
وفي عرضها لأسباب انتشار هذه الظاهرة بالمغرب، رأت أن من أهم أسباب هذا الزواج ارتباطه بمجموعة من العادات والتقاليد المغربية التي تنظر إلى المرأة على أنها ربة بيت قبل كل شيء، وكذا المفهوم الكلاسيكي لشرف العائلة والذي يرتبط بشكل مباشر بشرف الإناث، وخصوصا عندما يتم ربط الشرف بالبكارة، بالإضافة انتشار هذا الزواج في العديد من الأحيان خوفا من العار الذي يمكن أن يلحق الأسرة إذا لم تزوج ابنتها في سن مبكرة، كما أن الفقر والحاجة يلعبان دورا كبيرا في الإسراع بتزويج الفتاة وذلك من أجل التحرر من مسؤوليتها وإعالتها.
ومن الآثار السلبية التي تكون نتيجة حتمية في الكثير من الأحيان لظاهرة زواج القاصرات حسب الأستاذة الزهرة الخمليشي، استغلال الفتاة القاصر بشكل فاحش لافتقارها لمقومات التفاوض، وحرمانها من التربية النفسية الضرورية لجميع الأطفال (حب الأب والأم)، وكذا شعور الفتاة بالعجز نتيجة لعدم تأهيلها للدور الجديد، وهذا ما يؤدي إلى أزمة الثقة في الذات، بالإضافة إلى شعورها بالعزلة والخوف الاجتماعي، وعدم قدرتها على الدخول في علاقات اجتماعية، مما يؤدي إلى معاناتها في صمت. كما أشارت الأستاذة في مداخلتها إلى العديد من الأضرار الجسدية والنفسية الأخرى التي يؤدي إليها هذا الزواج، وهي تتماشى في ذلك مع ما تطرق إليه المتدخلان السابقان.
الأستاذة رجاء الأندلسي المحامية بهيئة تطوان بدورها أشارت إلى أهمية اختيار هذا الموضوع للنقاش خصوصا في ظل تعدد المقاربات التي تناولته. وتساءلت عن مكامن الخلل التي أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة: هل قانون الأسرة هو المسؤول؟ هل الحل مرتبط بتجديد نصوص مدونة الأسرة؟ هل القضاء هو المؤسسة الوحيدة المخول لها تصويب الموضوع؟ هل انتصرت الأعراف والتقاليد على القانون؟ هل تحمل المادة 16 من مدونة الأسرة إمكانية التحايل على القانون؟
وقد بينت الأستاذة رجاء في مداخلتها أن الشرع لم يحدد سن الزواج، وإنما ترك هذا الأمر للإنسان، باعتبار أن الإسلام دين إنساني، وأن النص من الله والفهم من البشر. كما أن الإسلام حدد فترة بلوغ كل من الولد والبنت وذلك بناء على قاعدة “الاحتلام للذكر والحيض للفتاة”، ولكن لا ينبغي استغلال الفهم الخاطئ للدين لتحقيق مجموعة من النزوات والرغبات. إن قبول كل طلبات تزويج القاصرين حسب الأستاذة رجاء الأندلسي يفرغ النص القانوني من محتواه، وهذا ما يجعل زواج القاصرات لم يعد مقبولا إرجاعه للسلطة الوحيدة للقاضي خصوصا وأن عدم قابلية قرار القاضي للطعن يفتح المجال أمام كثرة الأخطاء، وهذا ما جعل العديد من المهتمين يتساءلون: ما جدوى تدخل القاضي ما دام الآباء قابلين ويقومون بكل الحيل للقيام بذلك؟ كما أن الخبرة الطبية التي من المفروض أن يبني عليها القاضي قراره غالبا ما لا يقوم بها ذوي الاختصاص.
إن الإصلاح القانوني كما ورد على لسان الأستاذة رجاء الأندلسي يعد جزءا من الحل، حيث لا يمكن للقانون أن يقوم بدوره كاملا في الحد من ظاهرة زواج القاصرات إذا لم يتعزز بالقاعدة الأخلاقية. كما أن الأزمة ليست أزمة تشريع أو قانون بقدر ما هي أزمة تطبيق وتواصل وفهم، إنها أزمة قيم وأزمة أخلاق. لهذا كان لزاما سد الباب على مصراعيه في وجه كل الراغبين في التحايل على القانون، ولن يتحقق هذا إلا بوجود قضاة متخصصين في مجال قضاء الأسرة، مع ضرورة إجراء تعديل شرعي على المادة 16 من مدونة الأسرة، وإلغاء المادة المتعلقة بزواج القاصر، وكذا تجريم عدم توثيق الزواج، وتوحيد جهود العمل القضائي. وفي انتظار هذا التعديل ينبغي على القضاة التوفيق بين الاستثناء والأصل حتى لا نصبح أمام ظاهرة أمهات في عمر الطفولة.
وفي ختام هذه المداخلات عزز الحاضرون هذه الندوة بمجموعة من الاقتراحات والحلول الناجعة التي بإمكانها الحد من تفاقم ظاهرة زواج القاصرات الذي يؤدي إلى العديد من الآفات الاجتماعية والصحية والاقتصادية.
فوزية المامون: ممثلة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان.
الزهرة الخمليشي: أستاذة جامعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل.
رجاء الأندلسي: محامية بهيئة تطوان.
وقد سير هذا النشاط الفاعل الجمعوي الأستاذ وديع المعمري الذي استهل الندوة بالترحيب بمؤطري الندوة، وكذا بالحاضرين الذين أتوا من مختلف أقاليم الجهة، كما بين دواعي اختيار الشبكة لهذا الموضوع الذي يؤرق بال العديد من المهتمين بحقل الطفولة بالمغرب. بعدها أخذت الكلمة باسم الشبكة الجهوية لجمعيات المجتمع المدني بجهة طنجة تطوان الأستاذة رأفت التجكاني نائبة رئيس الشبكة التي رحبت بدورها بالحاضرين ومؤطري الندوة، وقدمت الخطوط العريضة التي سينصب عليها النقاش، والتي ستتناول الموضوع من وجهات نظر متنوعة.
ومما ميز هذه الندوة عرض الأستاذ أحمد أوبلا لشريط فيديو أنجزته جمعية نور للتضامن مع المرأة القروية تضمن مجموعة من النصوص القانونية المهتمة بالمرأة والطفل الواردة في مدونة الأسرة ، وكذا عرض مجموعة من الآثار النفسية والصحية والاجتماعية للزواج المبكر أكدتها شهادات صادمة لمجموعة من الأمهات والفتيات القاصرات اللواتي يعانين من ظاهرة الزواج المبكر بجهة تادلة أزيلال.
وفي بداية مداخلته قدم السيد أحمد أوبلا تعريفا موجزا بالجمعية التي يمثلها، والتي تقوم حاليا بجولات تحسيسية بالآثار السلبية لظاهرة الزواج المبكر على صحة الطفل ونفسيته، بالإضافة إلى إنجاز الجمعية فيلما حول الموضوع.
وقد أكد السيد أحمد أوبلا أن موضوع زواج القاصرات استأثر في الآونة الأخيرة باهتمام الصحافة والجمعيات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، كما أكد أن مدونة الأسرة شكلت قفزة نوعية في هذا الموضوع خصوصا وأنها جاءت بصيغة توافقية بعد مخاض عسير تباينت فيه آراء تيارين وطنيين أحدهما محافظ والآخر حداثي، خصوصا وأن موضوع المرأة غالبا ما يثير إشكالات في ميادين شتى، سواء في السياسة أو التعليم أو الدين… ومما ميز مدونة الأسرة الحالية حسب الأستاذ أوبلا أنها لم تعد تقتصر على المذهب المالكي، بل انفتحت على المذهبين الحنفي والشافعي.
إن زواج الفتاة القاصر دون سن 18 يطرح مجموعة من الإشكالات حسب الأستاذ أوبلا، فمن جهة يتم حرمانها من مجموعة من الحقوق، من بينها: عدم التمتع بحق الانتخاب والتعلم والمرافعة… ومن جهة أخرى فإن رفع الزواج إلى أكثر من سن 16 سنة يمكنه أن يتسبب في مجموعة من المشاكل من أهمها التشجيع على الفساد.
كما أشار الأستاذ أوبلا في مداخلته إلى أنه في كثير من الأحيان يتم التلاعب على النص القانوني بمنح الفتاة القاصر شهادة طبية دون القيام بفحص طبي كامل، بالإضافة إلى أن هذا الفحص الطبي في حد ذاته يعتبر تمييزا في حق الفتاة، كما أن إجراء البحث الاجتماعي الذي تنص عليه المادة 20 من مدونة الأسرة غالبا ما يتم التعامل معه بتساهل كبير، وذلك دون مراعاة الظروف الاجتماعية للفتاة القاصر.
وقد ختم الأستاذ أوبلا مداخلته بالتأكيد على الدور الذي يقوم به المجتمع المدني في التحسيس بهذه الظاهرة، وكذا الأهمية التي بات يخلقها هذا الموضوع عند بعض الفرق البرلمانية.
وفي مداخلتها حول الموضوع، قدمت الأستاذة فوزية المامون ممثلة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان تعريفا لمفهوم الزواج كما جاء في مدونة الأسرة، مع التأكيد على أنه ميثاق تراض بين زوجين وليس فيه أي إكراه لأحدهما، كما أن الغاية منه هي بناء أسرة مستقرة تحت رعاية الزوجين معا. كما أكدت الأستاذة فوزية على أن المادة 19 من مدونة الأسرة تنسجم مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، خصوصا اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل. إلا أن هذه الحمولة الإيجابية لهذا النص لم تسلم من بعض الاستثناءات خصوصا ما ورد في المادة 20 من إذن للقاضي المكلف بالأسرة بتزويج القاصر وذلك بمقرر معلل، وبهذا يكون المشرع قد انتقل من الكونية الحقوقية إلى الخصوصية الاجتماعية المحلية، كما أنه بهذا التنصيص ينتهك المشرع المغربي اتفاقية حقوق الطفل، التي صدق عليها في 1994، كما ينتهك أيضا البروتكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. كما أشارت الأستاذة فوزية كذلك إلى بعض الثغرات الواردة في بعض مواد مدونة الأسرة والتي تتيح إمكانية التحايل والتلاعب بها حسب الأهواء والرغبات، وهذا ما يجعل العديد من الأحكام القضائية في هذا المجال لا تلعب دورا إيجابيا نحو تفعيل بنود المدونة في أفق الحد من ظاهرة الزواج المبكر، وهو موقف تحكمه خلفية ثقافية، على اعتبار أن القضاء لا زال رجوليا بامتياز. وأشارت الأستاذة فوزية كذلك إلى ذكر بعض الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تكمن وراء الظاهرة، ومن بينها على الخصوص: عدم ذهاب الفتاة إلى المدرسة، والعادات والتقاليد التي تشجع على الزواج المبكر، وكذا الفقر وهشاشة الأسرة… كما تطرقت الأستاذة في مداخلتها إلى انتشار ما يعرف بزواج الفاتحة في العديد من المناطق الجبلية النائية (الريف والأطلس)، وكذلك ما يسمى بزواج الرهن أو “الكونترة”، وهو زواج منتشر بكثرة في مناطق قلعة السراغنة وبني ملال والفقيه بنصالح. وبينت الأستاذة فوزية في مداخلتها كذلك بعض أهم أضرار وسلبيات الزواج المبكر سواء منها النفسية أو العضوية أو الاجتماعية.
ومن الخلاصات التي توصلت إليها الأستاذة في ماخلتها دعوتها الدولة المغربية إلى حماية القاصرات من الزواج المبكر الذي يمثل مخالفة للدستور المغربي وللمواثيق الدولية التي صادقت عليها، خاصة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومعاهدة منع الاتجار بالبشر.كما دعت إلى ضرورة العمل على منع هذا الزواج بشكل قانوني باعتباره يمثل خرقا واضحا لحقوق الإنسان، ودعت كذلك إلى ضرورة تعديل المادة 20 من مدونة الأسرة، والعمل على تطبيق الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، واعتبار مصلحة القاصر في متابعة دراستها، وتأهيل مؤسسة قاضي الأسرة المكلف بزواج القاصرين بما يتلاءم مع المسؤولية المنوطة بها، بالإضافة إلى التنصيص على إمكانية الطعن في مقرر القاضي بالإذن بزواج القاصر، ومضاعفة الجهود التحسيسية بالسلبيات المترتبة عن زواج القاصرات.
أما الأستاذة الزهرة الخمليشي الأستاذة الجامعية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل فقد ركزت على الدور الذي تلعبه الحركات النسائية في الدفاع عن حقوق الفتاة القاصر، كما تطرقت بدورها إلى المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة الذين يتيحان مجالا واسعا لانتشار زواج القاصرات في المغرب، وهذا ما أكدته العديد من الإحصائيات. ثم قدمت الأستاذة الزهرة الخمليشي مجموعة من التساؤلات التي حيرت مجموعة من الباحثين: لماذا هذا الزواج؟ لمصلحة من؟ هل نحن في مجتمع سوي يسعى إلى تحقيق التقدم والنمو؟ لماذا نحرم الطفلة من مرحلة طفولتها؟
وفي عرضها لأسباب انتشار هذه الظاهرة بالمغرب، رأت أن من أهم أسباب هذا الزواج ارتباطه بمجموعة من العادات والتقاليد المغربية التي تنظر إلى المرأة على أنها ربة بيت قبل كل شيء، وكذا المفهوم الكلاسيكي لشرف العائلة والذي يرتبط بشكل مباشر بشرف الإناث، وخصوصا عندما يتم ربط الشرف بالبكارة، بالإضافة انتشار هذا الزواج في العديد من الأحيان خوفا من العار الذي يمكن أن يلحق الأسرة إذا لم تزوج ابنتها في سن مبكرة، كما أن الفقر والحاجة يلعبان دورا كبيرا في الإسراع بتزويج الفتاة وذلك من أجل التحرر من مسؤوليتها وإعالتها.
ومن الآثار السلبية التي تكون نتيجة حتمية في الكثير من الأحيان لظاهرة زواج القاصرات حسب الأستاذة الزهرة الخمليشي، استغلال الفتاة القاصر بشكل فاحش لافتقارها لمقومات التفاوض، وحرمانها من التربية النفسية الضرورية لجميع الأطفال (حب الأب والأم)، وكذا شعور الفتاة بالعجز نتيجة لعدم تأهيلها للدور الجديد، وهذا ما يؤدي إلى أزمة الثقة في الذات، بالإضافة إلى شعورها بالعزلة والخوف الاجتماعي، وعدم قدرتها على الدخول في علاقات اجتماعية، مما يؤدي إلى معاناتها في صمت. كما أشارت الأستاذة في مداخلتها إلى العديد من الأضرار الجسدية والنفسية الأخرى التي يؤدي إليها هذا الزواج، وهي تتماشى في ذلك مع ما تطرق إليه المتدخلان السابقان.
الأستاذة رجاء الأندلسي المحامية بهيئة تطوان بدورها أشارت إلى أهمية اختيار هذا الموضوع للنقاش خصوصا في ظل تعدد المقاربات التي تناولته. وتساءلت عن مكامن الخلل التي أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة: هل قانون الأسرة هو المسؤول؟ هل الحل مرتبط بتجديد نصوص مدونة الأسرة؟ هل القضاء هو المؤسسة الوحيدة المخول لها تصويب الموضوع؟ هل انتصرت الأعراف والتقاليد على القانون؟ هل تحمل المادة 16 من مدونة الأسرة إمكانية التحايل على القانون؟
وقد بينت الأستاذة رجاء في مداخلتها أن الشرع لم يحدد سن الزواج، وإنما ترك هذا الأمر للإنسان، باعتبار أن الإسلام دين إنساني، وأن النص من الله والفهم من البشر. كما أن الإسلام حدد فترة بلوغ كل من الولد والبنت وذلك بناء على قاعدة “الاحتلام للذكر والحيض للفتاة”، ولكن لا ينبغي استغلال الفهم الخاطئ للدين لتحقيق مجموعة من النزوات والرغبات. إن قبول كل طلبات تزويج القاصرين حسب الأستاذة رجاء الأندلسي يفرغ النص القانوني من محتواه، وهذا ما يجعل زواج القاصرات لم يعد مقبولا إرجاعه للسلطة الوحيدة للقاضي خصوصا وأن عدم قابلية قرار القاضي للطعن يفتح المجال أمام كثرة الأخطاء، وهذا ما جعل العديد من المهتمين يتساءلون: ما جدوى تدخل القاضي ما دام الآباء قابلين ويقومون بكل الحيل للقيام بذلك؟ كما أن الخبرة الطبية التي من المفروض أن يبني عليها القاضي قراره غالبا ما لا يقوم بها ذوي الاختصاص.
إن الإصلاح القانوني كما ورد على لسان الأستاذة رجاء الأندلسي يعد جزءا من الحل، حيث لا يمكن للقانون أن يقوم بدوره كاملا في الحد من ظاهرة زواج القاصرات إذا لم يتعزز بالقاعدة الأخلاقية. كما أن الأزمة ليست أزمة تشريع أو قانون بقدر ما هي أزمة تطبيق وتواصل وفهم، إنها أزمة قيم وأزمة أخلاق. لهذا كان لزاما سد الباب على مصراعيه في وجه كل الراغبين في التحايل على القانون، ولن يتحقق هذا إلا بوجود قضاة متخصصين في مجال قضاء الأسرة، مع ضرورة إجراء تعديل شرعي على المادة 16 من مدونة الأسرة، وإلغاء المادة المتعلقة بزواج القاصر، وكذا تجريم عدم توثيق الزواج، وتوحيد جهود العمل القضائي. وفي انتظار هذا التعديل ينبغي على القضاة التوفيق بين الاستثناء والأصل حتى لا نصبح أمام ظاهرة أمهات في عمر الطفولة.
وفي ختام هذه المداخلات عزز الحاضرون هذه الندوة بمجموعة من الاقتراحات والحلول الناجعة التي بإمكانها الحد من تفاقم ظاهرة زواج القاصرات الذي يؤدي إلى العديد من الآفات الاجتماعية والصحية والاقتصادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك
وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).
صدق الله مولانا الكريم