الأحد، 4 مايو 2014

ق الأسرة المغربي أمام القضاء الأوربي - أية إمكانية للتطبيق؟ منيـــر شعـيـبــي - دبلوم د.ع. م.






المقدمــة:
لقد أدت التحولات التي شهدها العالم خلال العشريات الأربع للقرن الماضي والتي تلت الحرب العالمية الثانية إلى بروز طاقة هائلة للهجرة الدولية اتسمت بأحادية التوجه من البلدان الفقيرة إلى الدول المتقدمة؛ وبمنظر جغرافي من دول الجنوب إلى دول الشمال؛ ولم تكن هذه الهجرة سوى نتيجة لعوامل كثيرة تمثلت أساسا في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي كان يعيشها الفرد داخل مجتمعه؛ الأمر الذي دفعه إلى التفكير في مغادرة وطنه بحثا عن ظروف عيش أفضل؛ وبديل مرضي للوضع الذي كان يعيشه؛ وهي عوامل زاد في تدعيمها عولمة النظام الاقتصادي وتطور وسائل الاتصال بشكل سهل على هذا المواطن في البلدان المتخلفة معرفة الآخر ومقارنة ظروف معيشته؛ وكيفية احترام حقوقه وكرامته لدرجة جعلته يعيش حلم الوصول إلى هذا الآخر كيفما كانت الصعوبات التي سوف تواجهه[1].
ويعد المغرب من الدول التي عرفت هجرة مهمة نحو الأقطار الأوربية منذ عهد الحماية وبداية الاستقلال؛ وهي هجرة تنامت بشكل كبير في الفترات الأخيرة؛ حيث تشكل الجالية المغربية اليوم في أوربا أهم رابط اجتماعي ما بين الاتحاد الأوربي والمغرب على المستوى البشري؛ إذ يعيش هناك أكثر من 2185894 مهاجر مغربي[2]؛ ولا يقتصر الأمر على المستوى البشري بل إن هذه الجالية تلعب دورا مهما على المستوى الاقتصادي والثقافي؛ فاقتصاديا تقوم بدعم الدخل القومي للمغرب واستثماره وذلك بتحويل العملة الصعبة الأجنبية سنويا؛ أما على المستوى الثقافي فتعد جسرا مهما في هذا المجال؛ ومحورا رئيسيا على المستوى السياسي في اتفاقية الشراكة التي وقعها المغرب ودول الاتحاد الأوربي في نونبر 1995[3] .
 أما بالنسبة للجانب الأوربي المستقبل للهجرة، فيمكن القول بأن الهجرة وحتى السرية منها لعبت دورا مهما في بناء وتطوير الاقتصاد الأوربي؛ ليس فقط في القطاعات التي يعزف الأوربيون عن الاشتغال فيها بالنظر لما تتطلبه من جهد جسدي؛ وإنما أيضا في المجالات التقنية المتخصصة بفعل تغير السمة المميزة للهجرة من هجرة غير مؤهلة إلى ما أصبح يعرف بهجرة الأدمغة.
  عموما إذا كانت ظاهرة الهجرة كظاهرة إنسانية وطبيعية قد استطاعت إلى حد ما تحقيق نوع من الرفاهية والاستقرار الاقتصادي للمهاجرين المغاربة في بلدان إقامتهم؛ فإنها بالمقابل ساهمت إلى حد كبير في احتدام النزاعات بشأن تطبيق القوانين الشخصية في مجال الأحوال الشخصية سيما عندما يتعلق الأمر بالنزاعات الدولية الخاصة التي تربط بين بلدين يسود احدهما نظام قانوني علماني يجعل من عهود ومواثيق حقوق الإنسان الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة مرجعيته المتبناة في صياغة القوانين الأسرية؛ وبين نظام قانوني ديني يكرس نظريات أسرية مستوحاة من الفقه الإسلامي كما هو الشأن في العلاقة بين المغرب وأوربا.
ويكمن أساس هذا الاختلاف والتنازع بين القوانين في كون مسائل الأحوال الشخصية تعتبر خزانا لخصوصيات كل شعب؛ وميدانا خصبا يكشف عن تنازع الحضارات والثقافات وكذا الاختلافات في السياسات التشريعية للدول؛ حيث رفضت بلدان الاستقبال الكثير من المؤسسات القانونية الإسلامية واعتبرتها متعارضة مع نظامها العام؛ كما أن البلدان الإسلامية ومنها المغرب ترفض بدورها الاعتراف بأي حق اكتسب بناءا على قواعد تلك البلدان من قبل رعاياها نظرا لما ترى فيها بدورها من تعارض مع نظامها العام.
ولعل السبب في ذلك راجع بالدرجة الأولى إلى الرهان الدائر بين رغبة البلدان الإسلامية في ضمان احترام هوية وثقافة رعاياها المستمدة في أغلبها من قواعد الفقه الإسلامي؛ ورغبة البلدان الأوربية المستقبلة في استيعاب هذه الجالية وجعلها تنصهر بسهولة في جسمها وحضارتها[4] .
لذلك وأمام هذا الوضع، فقد راهن المغرب لعقود طوال من أجل ضمان تطبيق القانون المغربي للأحوال الشخصية من قبل الجالية المغربية؛ والحفاظ من تم على وحدة النظام القانوني الذي يحكم الأسرة المغربية بالمهجر على قواعد الإسناد المنصوص عليها في الأنظمة القانونية لبعض بلدان أوربا الغربية والتي تسند الاختصاص في مجال الأحوال الشخصية للقانون الوطني للشخص انطلاقا من المبدأ المعمول به دوليا في هذا الصدد؛ وهو مبدأ شخصية القوانين.
كما عمل المغرب من أجل بلوغ هذه الأهداف إلى السعي نحو إبرام اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول المستقبلة للجالية المغربية كوسيلة ناجعة للتقليص من حجم النزاعات المثارة بشأن تطبيق القوانين الشخصية كما هو الشأن بالنسبة للاتفاقية المغربية الفرنسية بشأن حالة الأشخاص والأسرة والتعاون القضائي ل 10 غشت 1981.
غير أنه بالرغم من ذلك، فإن صعوبة التوفيق بين القانون المغربي للأحوال الشخصية والقوانين الأسرية الأوربية جعلت من القضاء الأوربي حين يصل التصادم مدى لا يمكن معه التعايش أو استقبال بعض المؤسسات يستبعد القانون المغربي للأحوال الشخصية؛ إذ يتراوح عموما موقف الاجتهادات القضائية الأجنبية فيما يخص تفعيل مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية المغربية بين الاستبعاد الكلي والجزئي لها؛ الأمر الذي يوحي بأن قاعدة التنازع التي توصي بتطبيق القانون الوطني توجد في مأزق؛ ولعل السبب في ذلك راجع بالدرجة الأولى لعدة أسباب نذكر منها ما يلي:
* الإستراتيجية التي تنهجها معظم الدول الأوربية في مقاربتها لظاهرة الهجرة والتي تعتمد في مجموعها مقاربة شبه موحدة مناطها إدماج واستيعاب الأجنبي بصرف النظر عن دينه وقيمه الخاصة؛ وإخضاعه لقيم وقوانين المجتمع الأوربي الذي يعمل ويقيم فيه؛ وقد عملت لتحقيق هذه الإستراتيجية؛ من جهة على قطع كل صلة بين المهاجر المغربي ووطنه الأصلي بما في ذلك حقه في الخضوع لقانونه الوطني في مجال أحواله الشخصية عن طريق تمديد مقتضيات قانون جنسية بلد الإقامة ليشمل كل من ولد فوق الأراضي الأوربية؛ وتفعيل مسطرة التجنيس بالنسبة للجيل الأول كما هو الشأن مثلا بالنسبة لمقتضيات الفصلين 8 و9 من قانون 19 نونبر 1984 الخاص بالجنسية الهولندية، والذي يربط إمكانية الحصول على هذه الأخيرة بضرورة اندماج المهاجر المغربي في المجتمع الهولندي، الأمر الذي كان له تأثير في أوساط الجالية المغربية المقيمة في هذا البلد؛ حيث بلغ عدد المغاربة الذين حصلوا على الجنسية الهولندية سنة 1990 أي بعد مرور ست سنوات على صدور هذا القانون حوالي 19400 مهاجر، أي ما يعادل 11 % من نسبة الجالية المغربية المقيمة بهولندا[5] .
ومن جهة أخرى العمل على تطوير ضوابط الإسناد بطريقة يتم فيها إسناد الاختصاص في مجال الأحوال الشخصية ما أمكن لقوانين بلد الإقامة، كما هو الشأن بالنسبة لضابط الموطن أو الإقامة الاعتيادية؛ ومؤخرا ضابط الإرادة والمصلحة الفضلى للطفل؛ وذلك في مقابل التقليص من نطاق ضابط الجنسية كوسيلة لاستبعاد القانون المغربي للأحوال الشخصية من حلبة المنافسة .
* عولمة حقوق الإنسان ولبرلتها على الصعيد الدولي من خلال سيادة مفهوم الحرية الشخصية للأفراد ومبدأ المساواة في التعامل، بحيث أصبح من الصعب جدا على أية دولة أن تتذرع بخصوصيتها بهدف عدم احترام المقتضيات الناظمة لحقوق الإنسان[6] ؛ هذا فضلا عن التأثير الذي أحدثته المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان على القضاء الأوربي بطريقة جعلت هذا الأخير يصيغ تقنية جديدة لاستبعاد القوانين ذات المصدر الإسلامي، ومنها القانون المغربي للأحوال الشخصية؛ وذلك من قبيل الدفع بالنظام العام الأوربي الذي يرتكز على الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان بملاحقها الإحدى عشر؛ وخاصة البرتوكول رقم 7 الملحق بها والمؤرخ في 22 دجنبر 1984 الذي يكرس المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات التي تنشأ عند الزواج؛ وأثناء سريانه؛ ولدى انحلاله.
من هذا المنطلق؛ واعتبارا لكون مدونة الأحوال الشخصية السابقة لسنة 1957 مع ما أدخل عليها من تعديلات سنة 1993 لم تكن قادرة على ضمان حماية كافية وملائمة لمعالجة مختلف الاشكالات القانونية الأسرية للجالية المغربية المقيمة بالمهجر؛ حيث كانت النتيجة هي وجود حالات وأوضاع شاذة تعيشها الأسرة المغربية المهاجرة، من ذلك زواج قانوني معترف به في بلد الإقامة وغير معترف به في بلد الأصل؛ وطلاق قانوني في موطن الهجرة ولكن لا أثر له في موطن الأصل.... وهناك نساء تم طلاقهن طبقا لقانون بلد الإقامة لحصولهن على الجنسية، أو طبقا لضابط الإرادة أو الموطن وتزوجن من جديد برجل آخر؛ لكن لما دخلن إلى المغرب تمت مطالبتهن بالرجوع إلى بيت الزوجية من طرف الزوج الأول لأنهن حسب قانون بلد الأصل لازلن في عصمته؛ ناهيك عن مشاكل النسب والنفقة والحضانة وحق الزيارة[7] .
وكذا اعتبارا لمصادقة المملكة المغربية خلال العقود الأخيرة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وخصوصا اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة[8]  واتفاقية حقوق الطفل[9]  من جهة؛ واستجابة للتوجهات السياسية والاقتصادية المعبرة عن رغبة المغرب في الانضمام للاتحاد الأوربي؛ وعن اضطراره تحت ضغط الانفتاح الاقتصادي العالمي الجديد إلى ضرورة ملائمة أنظمة وقوانينه لذلك، حيث نصت المادة 52 من اتفاقية الشراكة التي تربط المغرب بالاتحاد الأوربي على أن من بين أهداف هذه الشراكة مساعدة المغرب على تقريب تشريعاته من تشريع الاتحاد في جميع المجالات، بل إن المادة الثانية من هذه الاتفاقية تنص على: " أن احترام المبادئ الديمقراطية والحقوق الأساسية للإنسان كما هي منصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تعتبر عنصرا أساسيا في هذا الاتفاق"[10] من جهة أخرى.
اعتبارا لكل ذلك كان من المنتظر أن تواكب هذه التطورات تحولات تهم التشريعات المنظمة للأحوال الشخصية وشؤون الأسرة لتكون في مستوى التطلعات وقادرة على مواكبة وثيرتها المتسارعة في ظل مقاربة ثنائية تحافظ وتزاوج بين روح الانفتاح والتسامح، وبين التأكيد على التشبث بجذور الأصالة المستمدة روافدها من الإسلام كمكون حضاري ومصدر تشريعي أساسي لا محيد عنه، ويتعلق الأمر بصدور القانون رقم 03 – 70 الذي يهم تنظيم قانون الأسرة بالمغرب[11].
هذا القانون الذي حاول من خلاله المشرع المغربي تنظيم وضعية الأسرة المغربية ليس فقط داخل أرض الوطن، بل حتى تلك المقيمة بالخارج، حيث تم التنصيص ولأول مرة على أحكام جديدة تهم هذه الشريحة من المواطنين التي لم تكن النصوص المعمول بها في ظل مدونة الأحوال الشخصية السابقة تتلائم مع أوضاعها ولا تسايرها، وقد همت هذه التعديلات بصفة أساسية ما يتعلق بإبرام عقد الزواج وانحلاله من خلال السماح لهم بإبرام عقد زواجهم طبقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد الإقامة وتكريس مبدأ الإرادة في إنهاء العلاقة الزوجية فضلا عن توسيع أسباب طلب التطليق من طرف الزوجة؛ ثم ما يتعلق بتنفيذ الأحكام الأجنبية من خلال إدخال نوع من المرونة على النظام العام المغربي عند النظر في طلبات منح الصيغة التنفيذية للأحكام الصادرة في حق الجالية المغربية بالخارج، وهي تعديلات من شأنها تعزيز القدرة التنافسية للقانون المغربي للأحوال الشخصية عند نظره في النزاعات الأسرية التي تهم الجالية المغربية، فهل فعلا الأمر كذلك؟
من هذا المنطلق جاء اختيار هذا الموضوع، وهو اختيار لم يكن من قبيل الصدفة وإنما جاء نتيجة لتظافر عدة اعتبارات منها ما هو ذاتي ومنها ما هو موضوعي:
وهكذا فبخصوص الاعتبارات الموضوعية فإنها تنبع من الأهمية التي يكتسيها هذا الموضوع والتي نجملها فيما يلي:
* ارتفاع نسبة الأسر المغربية المتواجدة بالخارج مما يستوجب إثارة الانتباه إلى واقع هذه الأسر سيما في ظل التحولات العميقة التي عرفها القانون المغربي المنظم لشؤون الأسرة.
* رصد  تطور العمل القضائي الأوربي في كيفية تعامله مع القانون الوطني المنظم للروابط العائلية للجالية المغربية ومحاولة توجيهه نحو التفاعل الإيجابي معه بما يخدم مصالح المهاجر المغربي ويمكن من تسوية وضعيته الاجتماعية والقانونية.
* مدى القصور الذي يشوب الحلول المعتمدة على مستوى الروابط الأسرية عبر الوطنية، الأمر الذي يستوجب تقييم أهمية المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة من جهة في معالجة المشاكل القانونية والاجتماعية التي تعاني منها الأسرة المغربية في بلاد المهجر في ظل التحولات الطارئة التي تعرفها ضوابط الإسناد، ومن جهة أخرى مدى قدرتها في مواجهة الصراع الإيديولوجي والحضاري الشرس بين الثقافات بحكم سياسة العولمة التي ما فتئت تعمل على تعميم النهج الحضاري الغربي في مجال حقوق الإنسان على مختلف المجتمعات الإنسانية.
أما بالنسبة للاعتبارات الذاتية فيمكن إجمالها في النقط التالية:
* جدة الموضوع والتي تتضح من خلال ندرة الكتابات والاجتهادات القضائية الصادرة في ظل مدونة الأسرة، حيث أن هذا الموضوع إذا كان قد حضي بقدر لا يستهان  به من الدراسة في ظل مدونة الأحوال الشخصية السابقة، والذي تجسد على الصعيد العلمي في عدد وجودة الدراسات الأكاديمية المنجزة بهذا الخصوص سواء من طرف الباحثين الأجانب أو المغاربة؛ فإنه لم يحض بمثل ذلك في ظل القانون الجديد للأسرة الذي لم يمر على صدوره سوى سنتين؛ لذلك يبقى هذا الموضوع يحتاج للمزيد من الدراسة والبحث بالنظر لما يطرحه من إشكالات متعددة تتأرجح ما بين عالمية حقوق الإنسان وتطور حقوق الأسرة.
* الرغبة في الوقوف على أحوال الجالية المغربية من حيث نظام أحوالها الشخصية؛ ومن تم وضع اليد على المعاناة التي تواجهها بسبب التمفصل بين قوانين متنافرة يعتمد بعضها مرجعية دينية في مجال الروابط العائلية؛ وأخرى قائمة على الفكر العلماني الذي لا يؤمن إلا بثقافة الحرية والمساواة التامة بين الجنسين.
* ثم أخيرا الرغبة في المساهمة في البحث عن خيارات مناسبة لتدعيم مكانة قانون الأسرة المغربي في حكم الأحوال الشخصية للجالية المغربية بالمهجر.
إذا ثبت ذلك؛ وفي إطار احترام الضابط الزماني والمكاني الذي يفرضه مجال البحث العلمي نشير إلى أن هذه الدراسة لن تقتصر فقط على تناول المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة، بل سنعمد بين الفينة والأخرى إلى إجراء نوع من المقارنة بين هاته المستجدات وما كان سائدا في ظل مدونة الأحوال الشخصية، حيث سننطلق من الانتقادات التي كانت توجه لهذه الأخيرة لمعرفة مدى قدرة الجديد الذي جاءت به مدونة الأسرة في كسب اعتراف السلطات القضائية الأجنبية، ولتحقيق هذه الغاية فقد استعملنا عند صياغة عنوان هذا البحث مصطلح قانون الأسرة، وليس مدونة الأسرة أو مدونة الأحوال الشخصية على اعتبار أن مصطلح قانون الأسرة شامل للمدونتين معا.
كما أنه ولما كان من غير الممكن أن نتناول واقع الأسرة المغربية ومن خلاله وضعية قانون الأسرة المغربي في جل الأنظمة القضائية الأوربية فإننا سنركز على بعض النماذج القضائية لبعض الدول الأوربية التي تستقطب نسبة مهمة من الجالية المغربية، وذلك بالنظر لما يوجد بين هذه النماذج والقانون المغربي من اختلافات جوهرية راجعة لعدم تماثل مرجعيتها الإيديولوجية والثقافية والدينية والأخلاقية.
من هذا المنطلق واعتمادا على ما مر بنا يمكن صياغة الإشكالية التي يروم هذا الموضوع بحثها على الشكل التالي:
ما مدى إمكانية تطبيق قانون الأسرة المغربي في صيغته الجديدة من طرف القضاء الأوربي على الروابط الأسرية للجالية المغربية سيما في ظل التحولات التي تعرفها الأنظمة القانونية الأسرية الغربية؛ إن على مستوى تطور ضوابط الإسناد؛ أو على مستوى تكريس مفاهيم الحرية والمساواة في صلب القواعد المنظمة للروابط الأسرية والتي أضحت تشكل جزءا من النظام العام الأوربي؟
إن تحليل هذه الإشكالية لن يتأتى إلا من خلال المزاوجة بين أمرين اثنين: البحث أولا في مكانة ووضعية قانون الأسرة المغربي أمام القضاء الأجنبي والأوربي على الخصوص من خلال الوقوف على كيفية تعامل هذا الأخير مع القانون المغربي للأحوال الشخصية سواء على مستوى محاكم الموضوع أو محاكم النقض سيما بعد التعديلات المهمة التي طرأت على هذا الأخير بصدور مدونة الأسرة، ثم ثانيا استجلاء مختلف العراقيل التي تضعها بلدان الاستقبال في وجه تطبيق القانون المغربي للأحوال الشخصية خاصة ما يتعلق منها بتطور مفهوم النظام العام في الدول الأوربية وبروز ضوابط إسناد جديدة في مجال الروابط الأسرية عبر الوطنية لنخلص في الأخير إلى تقديم بعض الاقتراحات التي من شانها تدعيم مكانة قانون الأسرة المغربي أمام القضاء الأوربي.
وعليه فقد ارتأينا تقسيم موضوع هذا البحث إلى قسمين رئيسيين:
القسم الأول: إمكانية تطبيق قانون الأسرة المغربي على الروابط الأسرة للجالية المغربية بالمهجر.
القسم الثاني: مثبطات تطبيق قانون الأسرة المغربي من طرف القضاء الأوربي وآليات تجاوزها.



[1] - إبراهيم زعيم: الزواج المختلط، ضوابطه وإشكالياته؛ مجلة المحاكم المغربية العدد 96 السنة 2002 ص 40.
[2] - هذا دون احتساب الرقم الأسود الذي تشكله نسبة المهاجرين المغاربة المقيمين فوق الأراضي الأوربية بطريقة غير شرعية، وتتركز الهجرة المغربية بصفة خاصة في فرنسا؛ بلجيكا: 241859، هولندا 276655 وذلك حسب إحصائيات مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج.
[3] - هند هاني: الحماية الدولية للمهاجرين العرب؛ حالة المهاجرين المغاربة نموذجا، مجلة المستقبل العربي العدد 274 السنة 2001، ص 122.
[4] - خالد برجاوي: نظام الأحوال الشخصية للجالية المغربية في دول المغرب العربي؛ دراسة في إطار القانون الدولي الخاص المغاربي رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص؛ جامعة محمد الخامس؛ كلية الحقوق أكدال الرباط، 1993 / 1994 ص6.
[5] - جميلة أحيدة: نظام الأحوال الشخصية للجالية المغربية بالأراضي المنخفضة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق أكدال الرباط 1994 / 1995 ص 68 – 69.
[6] - إدريس بلماحي: " مكانة الاتفاقيات الدولية من زاوية القانون الدولي"؛ مداخلة في ندوة علمية حول " الاتفاقيات الدولية والقانون الداخلي من خلال الاجتهادات القضائية"، نظمت بالرباط من طرف وزارة حقوق الإنسان بتاريخ 19 – 20 – 21 اكتوبر 2002؛ من منشورات مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان، ؛ مطبعة فضالة المحمدية، الطبعة الأولى، دجنبر 2002، ص 15.
[7] - زهور الحر: مدونة الأسرة وقضايا الجالية المغربية المهاجرة، الاتحاد الاشتراكي، الأربعاء 28 يناير 2004  منشورات ملفات : طارق بن زياد: مدونة الأسرة، ضمان حقوق المرأة" الرباط 2004.
[8] -  صادق عليها المغرب بتاريخ 21 يونيو 1993، ونشرت بالجريدة الرسمية عدد 4866 بتاريخ 18 يناير 2001، ص 266.
[9] - صادق عليها المغرب كذلك بتاريخ 21 يونيو 1993، ونشرت بالجريدة الرسمية عدد 4440 بتاريخ 19 دجنبر 1996، ص 2847.
[10] - الحسن الوزاني الشاهدي:" الاتفاقيات الدولية والقانون الداخلي المغربي في مجال حقوق الإنسان"؛ مداخلة في ندوة علمية حول " الاتفاقيات الدولية والقانون الداخلي من خلال الاجتهادات القضائية"، نظمت بالرباط من طرف الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان بتاريخ 19 – 20 – 21 أكتوبر 2002، من منشورات مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان، ، مطبعة فضالة المحمدية، الطبعة الأولى، دجنبر 2002 ص 108.
[11] - تم ذلك بموجب الظهير الشريف رقم 22 . 04 . 1 الصادر بتاريخ 12 ذي الحجة 1424، الموافق 3 فبراير 2004 بتنفيذ القانون رقم 03 – 70 بمثابة مدونة الأسرة، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 5184 بتاريخ 5 فبراير 2004 ، ص418.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم