الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

العيب الشخصي وأثره في عقد النكاح - دراسة مقارنة - الجزء1




العيب الشخصي وأثره في عقد النكاح
دراسة مقارنة


دكتور/ محمد عبد ربه محمد السبحي
المدرس بقسم الفقه المقارن
بكلية الشريعة والقانون بطنطا

بحث منشور بمجلة
كلية الشريعة والقانون بطنطا


الجزء الثاني
العدد العاشر

المقدمة
الحمد لله الذي جعل الشريعة الإسلامية مبرأة من العيوب، وجعل الحق والعدل سائدين في جميع ربوع العقود، فأضحت الأنموذجية للشريعة الإسلامية صفة لازمة.
والصلاة والسلام على من اجتباه ربه واصطفاه، وبجميع المحامد حلاه، فأصبح خير النبيين بغير محاباة، وأصحابه الذين ترسموا خطاه، واتبعوا هداه وسمعوا قوله، وحفظوا سنته، وأجهدوا أنفسهم في حفظ الأحكام، حتى أدوها إلينا وافرة المعاني وافية المرام،
 وعلى من جاء بعدهم ممن بحثوا ونقبوا ونظروا واجتهدوا، وأصلوا وفرعوا، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين."سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إلا مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ"([1]).
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت إذا شئت جعلت الحزن سهلاً، فاجعله برحمتك يا رب العالمين.
)رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا ولا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنَا وارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِين َ(([2])
وبعد، فإن الزواج من الأمور التي شرعها الله تعالى، لأفراد البشر، به يبقي النوع الإنساني على الوجه الأكمل.
وقد حرصت الشريعة الإسلامية على أن تكون علاقة الزوجين موسومة بالألفة والمحبة والرحمة، نرى ذلك واضحاً في نصوص الشريعة الإسلامية، في القرآن الكريم، والسنة النبوية، فنجد الله تبارك وتعالى يمن علينا في الكتاب الكريم بأن خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل بيننا وبينهن المحبة والرحمة، قال سبحانه وتعالى: )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون َ( ([3]).
ونجد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يأمر الرجل إذا أراد أن يتزوج أن ينظر –قبل الإقدام على عقد الزواج- إلى من يريد خطبتها، لأنه إذا نظر إليها فأعجبته، كان ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى حصول المحبة والألفة بينهما بعد الزواج، فتتحقق الثمار المقصودة من الزواج من إحصان النفس، والسكن والمحبة والرحمة، فقد روى عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة، فقال النبي(صلى الله عليه وسلم): "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"([4]).
مما سبق يتبين لنا مدى حرص الشريعة الإسلامية على أن تكون العلاقة بين الزوجين أساسها الألفة والمحبة، فإذا وجد أحد الزوجين بالآخر عيباً يمنعه من الاستمتاع لم يكن يعلم به قبل إقدامه على عقد الزواج، فقد يؤدي ذلك –غالباً- إلى فوات الألفة والمحبة التي تحرص شريعة الإسلام على أن تكون علاقة الزوجين مبينة عليها.
وسأذكر في هذا البحث أراء الفقهاء –رضي الله عنهم- في العيوب التي تمنع الاستمتاع بين الزوجين سواء كانت خاصة بالرجل أو المرأة أو مشتركة بينهما، وما يترتب على هذه العيوب من آثار من الفرقة وغير ذلك من الأحكام، وقد سرت في كتابة هذا البحث على منهج علمي كما يلي:
1-    أعرض المسألة التي أريد أن أتناولها بالبحث والدراسة.
2-  أذكر ما اتفق عليه الفقهاء في هذه المسألة إن كان هناك اتفاق وأذكر دليل الاتفاقية ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
3-    أحرر محل الخلاف بين الفقهاء في المسألة وأذكر عدد المذاهب فيها حسب اتفاقهم واختلافهم.
4-    أجمع أصحاب كل رأي في مذهب واحد مع ذكر أصحاب هذه الآراء.
5-  أذكر أدلة كل مذهب وأناقش هذه الأدلة إن وجدت لها مناقشة أو استطعت أن أناقشها ثم أجيب عما يمكن الإجابة عليه من هذه المناقشات.
6-    أختار الرأي الراجح في المسألة إذا ظهر لي رجحانه لسلامة دليله أو تحقيقه مصلحة أو دفعه مفسدة.
7-    أعمد إلى ضرب الأمثلة في المواطن التي أرى أنها في حاجة إلى إيضاح.
8-  أعتمد في تقرير الأحكام على المصادر القديمة، أما المصادر الحديثة في الفقه فقد استخدمتها استئناساً أو تقوية أو لبيان فكرة جديدة في مسألة من المسائل.
9-  أستقي آراء كل مذهب من كتبه الأصلية المعتمدة، فلم أذكر رأي أي مذهب من كتب المذاهب الأخرى، حتى ولو كانت هذه الكتب مقارنة، وهذا طبقاً لقواعد البحث العلمي السليم.
10 – أرجع إلى أمهات كتب التفسير والحديث الشريف وأصول الفقه واللغة، إذا لزم الأمر لبيان شيء  
     في هذا البحث.
11 – أخرج الآيات والأحاديث الواردة في بحثي هذا من كتب السنة المعتمدة.
وقد قمت بتقسيم هذا البحث كما يلي:

خطة البحث
ويشتمل على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة:
أما التمهيد: في تعريف النكاح، ودليل مشروعيته، وحكمه.
وذلك في مبحثين:
-        المبحث الأول: تعريف النكاح ودليل مشروعيته.
-        المبحث الثاني: في حكم النكاح.
وأما الفصل الأول: في العيوب المثبتة للخيار.
وذلك في عدة مباحث:
-        المبحث الأول: في العيوب المختصة بالرجل.
-        المبحث الثاني: في العيوب المختصة بالمرأة.
-        المبحث الثالث: في العيوب المشتركة بين الزوجين.
وأما الفصل الثاني: في خيار العيب في عقد النكاح.
وذلك في عدة مباحث :
-        المبحث الأول: في ثبوت الخيار بالعيب.
-        المبحث الثاني: هل العيوب التي يثبت بها الخيار محصورة؟
-        المبحث الثالث: من الذي يثبت له الخيار، ووقته وانتهاؤه.
-        المبحث الرابع: نوع الفرقة، ومن يملكها.
-        المبحث الخامس: اختلاف الزوجين في وجود العيب والعلم به.
-        المبحث السادس: شروط ثبوت الخيار.
وأما الفصل الثالث: ففي الآثار المترتبة على الفرقة بين الزوجين بالعيوب.
وذلك في عدة مباحث:
-        المبحث الأول: في حكم المهر بعد الفرقة بالعيب.
-        المبحث الثاني: في رجوع الزوج بالمهر على من غره.
-        المبحث الثالث: في المتعة للمفارقة زوجها بعيب ومقدارها.
-        المبحث الرابع: في عدة المعيبة.
-        المبحث الخامس: في حكم النفقة للمرأة بعد الفرقة بالعيب.
أما الخاتمة: فقد تضمنت أهم النتائج التي تم التوصل إليها من خلال البحث.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
                                                                                    البــاحـــث






التمهيــد
في تعريف النكاح، ودليل مشروعيته، وحكمه


وذلك في مبحثين:
-        المبحث الأول : تعريف النكاح، ودليل مشروعيته.
-        المبحث الثاني: في حكم النكاح.








المبحث الأول
تعريف النكاح، ودليل مشروعيته


وذلك في مطلبين:
-        المبحث الأول : تعريف النكاح.
-        المبحث الثاني: دليل مشروعيته.

المبحث الأول
تعريف النكـــــاح
أولاً: تعريفه لغة([5]):
النكاح لغة الضم والجمع، ومنه تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض، ويطلق النكاح على الزواج الذي هو اقتران أحد الشيئين بالآخر وازدواجهما.
وقد استعملت كلمة النكاح في كل من الوطء والعقد لأنه سببه، ومن هنا اختلف الفقهاء في أيهما يكون حقيقة وأيهما يكون مجازاً، أو أنه حقيقة فيهما على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه حقيقة في العقد والوطء جميعاً، لأن كلمة النكاح ورد استعمالها في كل من الوطء والعقد، والأصل في الاستعمال الحقيقة فتكون حقيقة فيهما على سبيل الاشتراك اللفظي، كلفظ العين وبه قال بعض أصحاب أبي حنيفة وغيرهم من الظاهرية ووجه ثالث للشافعية وبعض الحنابلة([6]).
الثاني: أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد، وذلك لأن الاستعمال اللغوي ورد بذلك فقد قال(صلى الله عليه وسلم):" تناكحوا تكاثروا" وفي رواية"تناسلوا". وبه قال جمهور الحنفية وهو وجه للشافعية([7]).
الثالث: أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء، وذلك لكثرة وروده في الكتاب والسنة بمعنى العقد فيكون حقيقة فيه مجازاً في غيره وهو الوطء، وبه قال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة والشيعة والزيدية([8]).
-        وقد نوقش أصحاب الرأي الأول بأن الاشتراك اللفظي خلاف الأصل فلا يصار إليه.
-    ولما كان كلا القولين الثاني والثالث يعتمد في دليله على الاستعمال اللغوي، وقد ورد كلا الاستعمالين في اللغة إلا أن ما كثر واشتهر استعمال كلمة النكاح لغة في العقد دون الوطء، فيحمل ما كثر فيه واشتهر على الحقيقة، وما كان قليلاً فيه على المجاز.
-    وبهذا يترجح لدينا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء، ويكون المقصود به شرعاً عقد التزويج، وعند إطلاقه ينصرف إلى العقد ما لم يصرف عنه بدليل([9]).
ثانياً: تعريف النكاح اصطلاحاً:
فقد عرفه الفقهاء بتعريفات كثرة مختلفة الألفاظ إلا أنها متحدة المعاني –وهي في جملتها لا تخرج عن أن النكاح هو: عقد وضعه الشارع ليفيد حل استمتاع كل من الزوج والزوجة بالآخر على الوجه المشروع بألفاظ وشرائط مخصوصة([10]).
 المطلب الثاني
دليــل مشروعيتــــه
أما دليل مشروعيته:
اتفق العلماء على مشروعيته النكاح([11]) واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما الكتاب:
فبقوله تعالى: ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ فَإنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )([12]).
وقوله تبارك وتعالى:(و أَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإمَائِكُمْ إن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)([13]).
 وجه الدلالة من الآيتين:
إن الله سبحانه وتعالى أمرنا في هاتين الآيتين بالزواج ولا يكون الأمر إلا على ما كان مشروعاً.
أما السنة: فأحاديث كثيرة منها:
1-  ما رواه عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال، قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم):"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة([14]) فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"([15]).متفق عليه([16]).
وجه الدلالة من الحديث:
أن الرسول(صلى الله عليه وسلم) أمر من يستطيع الزواج أن يقدم عليه، وخص الشباب بالذكر في الحديث لأنهم مظنة الشهوة والانحراف، ولا يكون الأمر كذلك إلا على مشروع.
2-  ما رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- عن النبي(صلى الله عليه وسلم) أنه قال:"تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"([17]).
وجه الدلالة من الحديث:
هو أن النبي(صلى الله عليه وسلم) عدد الصفات التي من أجلها يرغب الرجال في النساء، ثم خص صفة من هذه الصفات وأمر من يريد الزواج أن يتجه إليها وهي ذات الدين حتى لا يندم بعد ذلك، والأمر دليل المشروعية.
-        أما الإجماع:
فقد أجمعت الأمة سلفاً وخلفاً على مشروعية النكاح ولم يخالف في ذلك أحد فكان إجماعا([18]).
-        وأما المعقول:
فهو حاجة الناس الماسة إليه إذ أنه سبيل إلى عفة الفرج وإشباع العواطف وحفظ الأنساب من الاختلاط وبه يحقق الإنسان رغبته في استمرار ذكره بعد موته عن طريق الولد، كما أن فيه راحة نفسية، وإن لم تتحقق هذه الأمور السابقة عن طريق مشروع لاتجه الإنسان إلى إشباع هذه الرغبات عن طريق محظور شرعاً، كما أن في الزواج استمراراً لعمارة الكون عن طريق منظم ليس فيه إهدار لإنسانية البشر فيتدرجون في مدارج الرقي والكمال بالتناسب الشريف القوي، لأن الزنا لا يحفظ هذا النوع من الانقراض، وإن حفظه ففي حياة وضيعة مفككة الأوصال يلفظها كل مجتمع سليم([19]).

المبحث الثاني
حكـــم النكـــاح
اتفق الفقهاء على مشروعية النكاح، ثم اختلفوا بعد ذلك في أصل حكمه على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: الأصل في النكاح أنه مندوب، وبه قال جمهور الفقهاء من الحنفية([20]). والمالكية والحنابلة وبعض أصحاب الشافعي([21]).
الرأي الثاني: أنه واجب، وبه قال الظاهرية وأحمد في رواية([22]).
الرأي الثالث: أنه مباح، وبه قال الشافعي([23]).
الأدلـــــــة
استدل أصحاب الرأي الأول وهم الجمهور على أن الأصل في النكاح أنه مندوب بالكتاب والسنة:
أما في الكتاب:
فقوله تعالى: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاع َ)([24]).
وجه الدلالة من الآية:
أن الله سبحانه وتعالى حين أمر بالنكاح علقه على الاستطابة والواجب لا يوقف على الاستطابة، ثم قال تعالى مثنى وثلاث ورباع، ويجب ذلك باتفاق، فدل على أن المراد بالأمر الندب لا الوجوب.
وأما من السنة فبأحاديث منها:
1 – قول النبي(صلى الله عليه وسلم): "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"([25]).
وجه الدلالة من الحديث:
إن قول النبي(صلى الله عليه وسلم) فليتزوج أمر والأمر للوجوب، ولكنه مصروف عن ظاهره لقول الله تبارك وتعالى:( فَإنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)([26]). والتسري غير واجب إجماعاً فيكون النكاح كذلك ليس بواجب.
2 – أن بعض الصحابة –رضوان الله عليهم- قد ترك النكاح، ولو كان النكاح واجباً ما تركه أحد منهم، وقد علم النبي(صلى الله عليه وسلم) ذلك منهم ولم ينكره عليهم فلو كان النكاح واجباً لأنكره(صلى الله عليه وسلم)([27]).
واستدل أصحاب الرأي الثاني القائلين بوجوب النكاح بما يلي:
1-  أن الأوامر المطلقة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة تحمل على الوجوب، لأنه الأصل ولا يصرف عنه إلا بقرينة، ولا قرينة هنا فدل على أنه للوجوب.
ويرد على ذلك: بأن الأمر الوارد في كتاب الله وسنة نبيه(صلى الله عليه وسلم) مصروف عن الوجوب إلى الندب بقرينة ما تقدم ذكره في أدلة الرأي الأول.
2 – إن الامتناع عن الزنا واجب ولا يتوصل غليه إلا بالنكاح، وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به يكون واجباً([28]).
ويرد على ذلك أيضاً: بأن هذا الدليل خارج عن محل النزاع، لأن النزاع في حكم أصل النكاح ولو تعين النكاح طريق إلى الامتناع عن الزنا فلا خلاف في وجوبه.
-        واستدل أصحاب الرأي الثالث القائلين بأنه مباح بالكتاب والمعقول:
أما الكتاب فمنه:
1 – قوله تعالى:(وأُحِلَّ لَكُم مَّا ورَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِين)([29]).
وجه الدلالة من الآية:
أن الله تعالى ذكر في هذه الآية لفظ الإحلال تعبيراً عن إجازة نكاح غير المحرمات والحلال والمباح من الأسماء المترادفة، كما أن لفظ لكم يستعمل في المباحات، فدل ذلك على أن النكاح مباح.
ويرد على ذلك: بأنه من المسلم أن المراد بلفظ الإحلال الإباحة، ولكنه لا يسلم أن هذا يدل على إباحة أصل النكاح، حيث ذكرت بعض أنواع المحرمات، ثم قال الله تعالى بعدها:(وأُحِلَّ لَكُم مَّا ورَاءَ ذَلِكُمْ)، فتكون الإباحة هنا إباحة اختيار من نريد الزواج بها من غير المحرمات، وليس المراد أن الأصل في النكاح هو الإباحة([30]). 
2 – وقوله تعالى ما دحا نبيه يحيى -عليه السلام- بقوله تعالى:(سَيِّداً وحَصُوراً ونَبِياً مِّنَ الصَّالِحِينَ)([31]).
والحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليه، ولو كان النكاح واجباً لما استحق يحيى عليه السلام المدح بتركه، فترك الواجب يذم عليه ولا يمدح([32]).
ويرد على ذلك: بأن الاستدلال بالآية على المدعي متوقف على تفسير الحصور بمن عنده القدرة على إتيان النساء ولا يأتيهن، وليس هذا متعين في تفسير الحصور، فكما يطلق الحصور على هذا المعنى يطلق كذلك على الممنوع من النساء أو من لا يشتهيهن ولا يقربهن وعلى المجبوب([33]).
ولو سلمنا أن المقصود بالحصور هو من لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك، فلعل ذلك في شريعة يحيى –عليه السلام- وقد نسخ في شريعتنا، ومع تطرق الاحتمال يسقط الاستدلال.
أما المعقول: فهو أن قضاء الشهوة إيصال النفع إلى نفس الإنسان، ولا يجب على الإنسان إيصال النفع إلى نفسه بل يكون ذلك مباحاً كالأكل والشرب ونحوهما.
ويرد على ذلك: بأنه قياس مع الفارق فلا يصح، لأن النكاح عبادة أو في معناه، والعبادة إذا أمر بها فأقل درجات هذا الأمر الندب.
الرأي الراجح: وبعد فإنه مما سبق أن الرأي الراجح هو رأي جمهور الفقهاء وهم القائلون بأن الأصل في النكاح أنه مندوب لسلامة أدلته، وضعف دليل المخالف، والله أعلم.
- وبعد أن ثبت لنا أن الأصل في النكاح هو الندب، فإنه قد تعتريه الأحكام الأربعة الأخرى:
1-    فيكون واجباً: في حق من كان قادراً على مئونته وخاف الوقوع في الزنا إن لم يتزوج.
2-    ويكون مندوباً: في حق من كان قادراً على النكاح آمناً على نفسه من الوقوع في الزنا إن لم يتزوج.
3-  ويكون حراماً: في حق من أمن على نفسه من الزنا وكان الزواج يؤدي بيقين إلى محرم من ظلم للزوجة كعدم الإنفاق عليها.
4-    ويكون مكروهاً: في حق من أمن على نفسه الوقوع في الزنا ولكنه يخشى من أن يظلم زوجته.
5-    ويكون مباحاً: عند من استوت لديه الدواعي والموانع([34]).








الفصل الأول
العيوب المثبتة للخيار


ويشتمل هذا الفصل على ثلاثة مباحث:
-        المبحث الأول : العيوب الخاصة بالرجل.
-        المبحث الثاني: العيوب الخاصة بالمرآة.
-        المبحث الثالث: العيوب المشتركة بين الزوجين.

المبحث الأول
العيوب الخاصة بالرجل
ذكر الفقهاء أن العيوب المختصة بالرجل هي: الجب، والعنة، والاعتراض، والخصاء، وسوف أتحدث عن كل عيب من هذه العيوب بالتفصيل فيما يلي:
أولاً: الجب([35]):
اتفق الفقهاء القائلون بثبوت الخيار بالعيب على أن جب عضو التناسل من العيوب التي يثبت بها الخيار للمرأة، لأن الجب يتعذر معه الوطء وهو من أهم مقاصد النكاح([36]).
- ثم اختلفوا بعد ذلك في معنى المجبوب على رأيين:
الرأي الأول: أن المجبوب مقطوع الذكر كله، أو لم يبق منه إلا ما دون الحشفة، بحيث لا يتمكن من الجماع، فإن بقي من الذكر جزء يمكن إيلاجه قدر الحشفة فلا يثبت حق التفريق للزوجة، وبه قال جمهور الفقهاء([37]).
الرأي الثاني: أن المجبوب هو من قطع ذكره وأنثياه (أي خصيتاه)، فإذا ثبت أن الزوج كان مجبوباً ثبت للمرأة حق الخيار، وذلك لأنه فات عليها التمتع المقصود من الزواج وهو الوطء، وإن بقي لها استمتاع بطريق آخر كالنظر واللمس وغير ذلك، إلا أن ذلك ليس هو المقصود من النكاح لذاته، وبه قال المالكية([38]).
- ولم يفرق فقهاء الشافعية في الأصح عندهم وجمهور الحنابلة([39]) في ثبوت الخيار بالجب بين حدوثه قبل الوطء أو بعده، لأن جب الزوج بعد الوطء يحدث ضرراً للزوجة، ولا يتمكن الزوج من وطء زوجته بعد ذلك.
- أما فقهاء المالكية([40]) فقد خالفوا في ذلك ففرقوا بين حدوث الجب قبل الوطء وبين حدوثه بعده، فأثبتوا للمرأة الخيار إذا حدث الجب قبل الوطء وأسقطوا الخيار إذا حدث الجب بعد الوطء، ولو حدث الوطء مرة واحدة سواء كان الجب بفعلها أو لا.
- وإذا ثبت الخيار للمرأة بجب زوجها وطلبت التفريق فإن القاضي يجيبها إلى طلبها فور ثبوت ذلك، لأنه لا فائدة في تأجيل المجبوب لفقدانه آلته، ولا يرجى عودها مرة ثانية.
ثانياً: العنة:
بضم العين وفتح النون المشددة عيب من العيوب التي تثبت الخيار للزوجة وسوف أتحدث عنها بالتفصيل فيما يلي:
(أ‌)     تعريف العنين:
قال الحنفية([41]): إن العنين هو من لا يقدر على جماع النساء في الفرج خاصة، أو يقدر على جماع المرأة الثيب ولا يقدر على جماع البكر، أو يقدر على جماع غير زوجته، ولا يقدر على جماع زوجته مع وجود الآلة، سواء أكانت الآلة تنتشر أو –لا. وذلك لمانع كأن يكون كبير السن أو مسحوراً أو ضعيفاً في أصل خلقته.
- وقال المالكية([42]): إن العنين هو من صغر ذكره بحيث لا يتمكن من الجماع، أما إذا كان له ذكر غير صغير بيد أنه لا ينتشر، فإن ذلك يسمى عندهم بالاعتراض فيكون ما يسميه المالكية بالاعتراض هو ذاته العنة عند الحنفية والشافعية والحنابلة.
- وقال الشافعية والحنابلة والزيدية([43]): إن العنين هو العاجز عن الوطء في الفرج خاصة، ولو كان قادراً على الوطء في الدبر، وذلك لعدم انتشار الآلة.
ب-هل يثبت الخيار بالعنة؟
اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:
الرأي الأول: أن العنة من العيوب التي تثبت للمرأة الخيار، وبه قال جمهور الفقهاء والإمامية وبعض الزيدية([44]).
الرأي الثاني: أن العنة لا تثبت للمرأة الخيار، وبه قال بعض الزيدية([45]).   
الأدلـــــة
- استدل جمهور الفقهاء على أن العنة من العيوب التي تثبت للمرأة حق الخيار: بإجماع الصحابة على ذلك، وقد حكى هذا الإجماع الإمام الماوردي([46]).
- وبالقياس أيضاً: فإنهم قاسوا العنين على المجبوب بجامع عدم القدرة على الوطء في كل([47]).
- واستدل الزيدية على أن العنة لا تثبت الخيار للمرأة بما يلي:
بما روى أن امرأة رفاعة أتت النبي(صلى الله عليه وسلم) وقالت: يا رسول الله إني كنت تحت رفاعة فطلقني آخر التطليقات الثلاث. وتزوجت عبد الرحمن بن الزبير فو الله ما وجدت منه إلا مثل الهدبة، فتبسم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وقال: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ، لا. حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك([48]).
وجه الدلالة من الحديث:
إن المرأة قد ادعت عنة زوجها ولم يثبت لها رسول الله(صلى الله عليه وسلم) الخيار بذلك، فلو كانت العنة مما يثبت الخيار لخيرها الرسول(صلى الله عليه وسلم).
ويناقش هذا:بأن المرأة لم تطلب من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) التفريق بينها وبين زوجها، ولكن يفهم من كلامها أنها طلبت من النبي(صلى الله عليه وسلم) معرفة مدى حلها لرفاعة، فأخبرها النبي(صلى الله عليه وسلم) أنها لا تحل له حيث أنها لم تذق عسيلة عبد الرحمن بن الزبير ولم يذق عسيلتها.
- والدليل على أنها لم تطلب التفريق بينها وبين زوجها:
ما رواه مالك في الموطأ أن رفاعة طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ثلاث، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فأعرض عنها، فلم يستطع أن يمسها ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها (وهو زوجها الأول) فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) "أتريدين... إلى آخر الحديث. وفي رواية أخرى في الموطأ بلفظ أن عبد الرحمن لم يستطع أن يمسها فطلقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول، فجاءت تستفتي رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فأجابها بأنها لا تحل له([49]).
الرأي الراجح:
وبعد فإنه يتبين لنا أن الرأي الراجح في ذلك هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء بأن العنة تثبت للمرأة حق الخيار لقوة أدلتهم، ويضاف إلى ذلك أن في إلزام المرأة بالعقد مع العجز عن الوطء ضرر بها، والضرر منهي عنه بقوله(صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار"([50]).
جـ - بم تثبت العنة:
تثبت العنة بثلاثة أمور:
الأمر الأول: بالإقرار: فإن أقر الزوج عند الحاكم بأنه عنين فإنه تثبت عنته بهذا الإقرار، لأن الإقرار سيد الأدلة.
الأمر الثاني: بالشهادة على الإقرار: بأن يشهد شاهدان عند الحاكم أنه أقر بأنه عنين فالشهادة تكون على إقرار الزوج بالعنة، أما ثبوت العنة بشهادة الشاهدين على نفس العنة فإنه أمر غير متصور، لأنه لا يجوز للشهود الإطلاع عليه.
الأمر الثالث: اليمين من الزوجة بعد نكول الزوج، أي امتناعه عنها، إذا ادعت الزوجة أن زوجها عنين وأنكر الزوج ذلك، وجهت اليمين إليه فإن حلف صدق في انكاره العنة، وإن نكل وأبى الحلف، فإن القاضي يوجه اليمين إلى الزوجة، لأن الزوجة تعرف أن زوجها عنين بالقرائن والممارسة، ولا ينظر إلى احتمال أن عدم الوطء لكون الزوج يبغض زوجته أو يستحي منها([51]).
- وقيل: إن الزوج إذا نكل عن اليمين قضى عليه بنكول، ولا توجه اليمين إلى الزوجة.
- وبناء على ما سبق فإن دعوى امرأة الصبي والمجنون العنة عليهما لا تسمع عند القاضي، لأن العنة –كما ذكرنا- لا تثبت إلا بإقرار الزوج عند القاضي أو شهادة شاهدين على إقرار الزوج بأنه عنين أو بيمين الزوجة بعد نكول الزوج عن اليمين.
- وأرى إن إثبات العنة خاصة في عصرنا هذا يكون أمره موكولاً إلى الأطباء حيث أصبح بإمكانهم إثبات ذلك بيسر وسهولة.
د- أثر ثبوت العنة:
أولاً : المدة التي يؤجل إليها العنين:
ثبت لنا مما سبق أن العنة تعطي المرأة حق الخيار، فإذا ادعت المرأة عنة زوجها وثبت ذلك عند القاضي، فهل يفرق القاضي بينهما في الحال، أو يضرب له أجلاً معيناً لتثبت فيه العنة؟
اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:
الرأي الأول: أن العنين يؤجل سنة، وبه قال جمهور الفقهاء.
واستدلوا على ذلك: بما رواه الدارقطني بإسناده أن عمر بن الخطاب وابن مسعود والمغيرة بن شعبة (رضي الله عنهم) أجلوا العنين سنة([52]). ولم يثبت أن أحداً من الصحابة خالفهم في ذلك فيكون إجماعا.
الرأي الثاني: أن العنين يؤجل عشرة أشهر، وهو ما نقل عن عبد الله بن نوفل، لكن هذا القول مخالف لإجماع الصحابة (رضي الله عنهم) فإنهم أجلوا العنين سنة([53]).
ويرد على هذا الرأي: بأن عبد الله بن نوفل اختلف فبه هل هو صحابي أو تابعي؟ فهو يحتمل أن يكون تابعياً وعلى ذلك فقد سبقه إجماع الصحابة، فلا يكون خلافه قادحاً في حصول الإجماع، ويحتمل أن يكون صحابياً لكن الخلاف مع الاحتمال لا يكون قادحاً في حصول الإجماع([54]).
- فإذا انتهت السنة المضروبة للزوج ولم يحصل منه وطء رفعت المرأة الأمر ثانية إلى القاضي، فلا يحق لها أن تفسخ بلا رفع إلى القاضي، وذلك لأن مدار الأمر هنا على الدعوى والإقرار والإنكار واليمين، فيحتاج إلى نظر القاضي واجتهاده([55]).
- وإذا انتهت السنة فطلب العنين من القاضي أن يؤجله سنة أخرى فلا يجوز للقاضي أن يستجيب إلى طلبه، إلا إذا رضيت الزوجة، وذلك لأنه قد ثبت لها حق التفريق، فإذا أجله القاضي ثانية فإن في هذا تأخير لحقها فلا يجوز من غير رضا الزوجة، وإذا اتفق الزوجان بعد تمام السنة المضروبة للعنين على أن الزوج قد وصل إليها فإن حقها في الخيار يسقط([56]).
- والحكمة في أن العنين يؤجل سنة هي: أن هذا العجز عن الوطء قد يكون لوجود عنة أو لوجود مرض فيؤجل سنة لكي تمر عليه الفصول الأربعة، فإن كان العجز عن الوطء سببه يبس زال في فصل الرطوبة، وإن كان سببه رطوبة زالت في فصل اليبس، وإن كان من البرودة زال في فصل الحرارة، وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال، فإذا مضت الفصول الأربعة واختلف عليه الأهوية، ومع ذلك بقي على حاله، علمنا أنه خلقة([57]).
ثالثاً: متى تبدأ السنة التي يؤجل إليها العنين؟
بعد أن ذكرنا إن العنين يؤجل سنة فمتى تبدأ هذه السنة، هل تبدأ من يوم الترافع إلى القاضي، أو من يوم الحكم؟
اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:
الرأي الأول:
أن السنة التي تضرب على العنين تبدأ من يوم أن يترافع الزوجان إلى الحاكم ولا يحسب على الزوج ما قبل ذلك، وبه قال الحنفية والحنابلة([58]).
الرأي الثاني:
أن السنة تبدأ من يوم حكم القاضي لا من يوم الترافع، فإن لم يترافعا وتراضياً على التأجيل فمن يوم التراضي، وبه قال المالكية والشافعية([59]).
فإذا مضت السنة ومع ذلك لم يحصل من الزوج وطء، فقد تبين أن العجز عن الوطء إنما كان آفة أصلية ففات الإمساك بالمعروف، الذي أمر الله تعالى به الأزواج، ووجب على الزوج أن يسرح الزوجة بإحسان.

الرأي الراجح:
وأرى أن ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة من أن المدة تبدأ من يوم الترافع إلى الحاكم، لأن إجراءات التقاضي قد تطول، وفي هذا ضرر على الطرف الآخر ورفع الضرر واجب هذا إذا لم ترض الزوجة بعنة زوجها حتى انقضت المدة المضروبة.
أما إذا رضيت الزوجة بعنة زوجها أثناء ضرب المدة:
- فقد قال الحنفية والشافعي في القديم والحنابلة([60]): إن حق المرأة يبطل في طلب الفرقة، وذلك لأن المرأة قد رضيت بالعيب بعد العقد فسقط خيارها كسائر العيوب الأخرى، وكما هو الحكم فيما إذا رضيت به بعد انقضاء المدة.
- وقال المالكية والشافعي في الجديد([61]):إن حق المرأة في طلب الفرقة لا يبطل ولها الحق في طلب الفرقة بعد مضي المدة.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- إن حقها في طلب الفرقة إنما يثبت بعد انقضاء المدة فلا يصح اسقاطه قبل انقضاء المدة. فإذا رضيت بإسقاط حقها قبل أن يثبت فلا يسقط كما إذا أسقط من له حق الشفعة فيها قبل أن يبيع المالك([62]).
ويناقش هذا:
بأن قولهم هذا غير مسلم، لأن العنة التي هي سبب في طلب الفرقة موجودة، وإنما تضرب المدة، كالبينة لا توجد شيئاً وإنما هي وسيلة للعلم بوجود هذا الشيء. وهنا فرق بين إسقاط الشفيع حقه في الشفعة قبل البيع وبين إسقاط المرأة حقها في الخيار بالعنة قبل انتهاء المدة المضروبة، لأن الشفعة سببها البيع والبيع لم يوجد بعد، بخلاف الخيار فسببه العنة وهي موجودة([63]).
2-  إن رضاء المرأة بعنة زوجها أثناء ضرب المدة لا يسقط حقها في طلب الفسخ قياساً على ما لو رضيت بإعسار زوجها بالنفقة، ثم طلبت الفرقة فإنها تجاب إليها بجامع أن كلا من العنة والإعسار سبب يبيح للمرأة طلب التفريق([64]).
ويناقش هذا: من وجهين:
الأول: إنه قياس مع الفارق، وذلك لأن النفقة يتحدد وجوبها كل يوم، فإذا رضيت المرأة بإسقاط ما يجب لها في المستقبل لم يسقط، وذلك لأنها أسقطت حقها قبل وجوبه.
فأسبه إسقاط حق الشفعة قبل البيع بخلاف العنة فإن حقها في الجماع لا يجب تكراره قضاءً عند جمهور الفقهاء([65]).
الثاني:إن إعسار الزوج بالنفقة يرجى أن يعقبه اليسار فترضى الزوجة بالمقام معه وهي راجية ذلك، وأما العنين فإنه إذا رضيت المرأة بعنته فقد رضيت بالعجز عن الوطء من طريق الخلقة وهو معنى جرت العادة فيه ألا يزول([66]).
الرأي الراجح:
وبعد فإن الرأي الراجح في ذلك هو أن المرأة إذا رضيت بعنة زوجها أثناء ضرب المدة، فإن حقها في الخيار يسقط.
ثالثاً: ما المراد بالسنة المضروبة للعنين:
اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:
الأول: إن السنة المضروبة للعنين أصلاً هي سنة هلالية (أي هجرية)([67]) وليست شمسية (أي ميلادية)([68]).
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- قول الله تبارك وتعالى:(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والْحَجّ)([69]).
وجه الدلالة من الآية:
أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لما سئل عما لا يفيد العباد من حكمة ظهور الهلال بمظاهره المتعددة فصرفهم الله سبحانه وتعالى عما لا يفيد العباد من حكمة ظهور الهلال بمظاهره المتعددة فصرفهم الله سبحانه وتعالى عما لا يفيد إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ووجههم بعد هذا إلى أن الأهلة جعلت لمعرفة المواقيت، خاصة ما كان منها بالأحكام الشرعية وضرب الأجل للعنين حكم شرعي فتتعلق معرفته بالهلال([70]).
2 – وقوله تعالى:) إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ)([71]).

وجه الدلالة:
إن الله سبحانه وتعالى بين أن السنة عنده أي في الشرع هي السنة الهلالية، لأنها هي التي تتضمن أربعة أشهر حرم، فوجب أن تتعلق بها الأحكام الشرعية كحول الزكاة وعدة المرأة وضرب الأجل للعنين وما إلى ذلك من الأحكام الشرعية.
3 – الإجماع: فقد أجمع الصحابة (رضوان الله عليهم) أن العنين يؤجل سنة، ولم يحددوا شمسية أو هلالية، فتصرف إلى السنة الهلالية، لأنها هي التي كانت معتبرة في مواقيتهم كحول الزكاة وغيرها([72]).
الثاني:أن العنين يؤجل سنة شمسية، وبه قال الإمام أبو حنيفة وبعض أصحابه([73]).
واستدلوا على ذلك: بأن الفصول الأربعة لا تكتمل إلا بالسنة الشمسية، لأنها تزيد عن السنة القمرية بأيام، فيكون من المحتمل أن تزول العنة في المدة التي يفرق بين السنة الشمسية والسنة القمرية، وعلى ذلك فيكون التأجيل بالسنة الشمسية أولى من السنة القمرية.
-        ويرد على ذلك بالنصوص التي استدل بها أصحاب الرأي الأول.
-        وقد بين العلماء أنه إذا كان ابتداء السنة في أثناء الشهر فإنه يكمل ثلاثين يوماً من الشهر الثالث عشر.
هل يسوى بين العبد والحر في هذه المدة؟
اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:
أولاً: أنه يسوى في ضرب السنة بين الحر والعبد والمسلم والكافر لا فرق بينهما، وذلك لأن هذا أمر طبيعي يوجد في كل إنسان فهو أشبه بالحيض والرضاع، وبه قال جمهور الفقهاء([74]).
الثاني: إن العبد يؤجل ستة أشهر، لأن الأحكام بالنسبة للعبد على النصف من الحر وبه قال الإمام مالك ابن أنس([75]).
-    ولكن الراجح من ذلك والأولى بالاعتبار هو ما ذهب إليه الجمهور، وذلك لأن السنة جعلت لكي يختبر فيها الزوج في فصول السنة الأربعة فقد يكون الدواء نافعاً في فصل دون فصل، وهذا يستوي فيه البشر، لا فرق في ذلك بين حر وعبد ولا مسلم وكافر.
-    وقد بين العلماء أن أيام الحيض وأيام رمضان تحتسب من السنة المضروبة للعنين لوجودها في السنة يقيناً وعادة([76]).
-    وذلك لأن الصحابة –رضوان الله عليهم- قدروا مدة التأجيل بسنة ولم يستثنوا منها أيام الحيض وشهر رمضان مع أنهم يعلمون أن السنة لا تخلو عنها([77]).
 ما الحكم لو مرض الزوجان في أثناء السنة؟
اختلف الفقهاء في احتساب مدة مرض الزوجين من السنة على ثلاثة آراء:
الرأي الأول:أن الأيام التي يمرض فيها الزوج أو الزوجة لا تحتسب من السنة، ويعوض عنها الزوج من الشهر، وبه قال جمهور الحنفية([78])، وذلك لأن السنة قد تخلو عن المرض، وبهذا فارق المرض أيام الحيض وشهر رمضان.
وأما أبو يوسف من الحنفية فقد رويت عنه روايتان:
الأولى: أنه إذا مرض أحد الزوجين مرضاً لا يستطيع الجماع معه فإن كان أقل من نصف شهر، احتسب عليه، وإن كان أكثر من نصف شهر لم يحتسب عليه، وعوض من أيام أخرى، لأن شهر رمضان محسوب عليه، وهو قادر على الجماع في شهر رمضان أثناء الليل وممنوع من الجماع أثناء النهار، فعرفنا من ذلك أن نصف الشهر وما دونه عفو.
والثانية: أن ما فوق الشهر كذلك لا يحتسب من سنته، وأما الشهر وما دونه فإنه يحتسب منها فلا يعوض عنه([79]).
الرأي الثاني: وبه قال المالكية([80])، وعندهم ثلاثة أقوال:
الأول: لابن القاسم، وهو أنه تحتسب على الزوج أيام المرض، سواء كان المرض في بعض السنة أو استغرق جميع السنة، وساء كان يقدر في مرضه هذا على العلاج من هذا المرض أو –لا، فلا يزاد على السنة، بل للزوجة أن تطالب بالفرقة بمجرد أن تنتهي السنة.
الثاني: لابن رشد: وهو أن المرض إن كان شديداً فإنه يجب أن يزاد على السنة بقدر زمن المرض.
الثالث: عن أصبغ: وهو أنه يفرق في الحكم بين ما كان إذا كان المرض قد عم جميع السنة، أو كان في بعضها، فإذا كان المرض قد عم جميع السنة وجب أن تستأنف السنة للزوج، وأما إذا كان المرض في بعضها ولم يستغرقها كلها، فلا يزاد على السنة بقدر زمان المرض([81]).
الرأي الثالث: وبه قال فقهاء الشافعية([82]):
فقد فرقوا بين مرض الزوج ومرض الزوجة، فقالوا: إن كان الزوج هو المريض، فإن هذه الأيام تحتسب عليه من السنة، ولا يعوض عنها، وإذا كانت الزوجة هي المريضة فإن أيام مرضها لا تحتسب من السنة، وذلك لأن عدم الوطء حينئذ يكون بسبب راجع إليها، فهي التي كان مرضها سبباً في عدم الوطء من الزوج.

الرأي الراجح:
وبعد فإنني أرى الراجح في ذلك هو أن المرض إن كان شديداً يمنع الزوج من الوطء سواء كان بالرجل أو المرأة فإنه لا يحتسب من السنة، ويعوض عنه بأيام أخر، وإن كان المرض خفيفاً بحيث لا يمنع من الوطء فإن أيام المرض تحتسب من السنة، وذلك لأن السنة التي تضرب للعنين جعلت ليتحقق فيها من عنته، أو عدمها، فلابد من إعطاء المريض الفرصة الكاملة للتداوي والعلاج، ولا نضيع عليه بعض هذه الفرصة، حيث إن أمر الزواج أمر خطير يجب الاحتياط في فسخه صيانة للزوجين من التفريق.
-    أما إذا غاب الزوج العنين أو غابت زوجته، فإن العلماء قد صرحوا بأن غياب الزوج في نحو سفر أو حج تحتسب عليه هذه المدة فلا يعوض عنها بأيام أخرى، وذلك لأن العجز عن الوطء إنما جاء بفعله هو، وفي إمكانه أن يخرج زوجته معه في الغيبة التي سيغيبها أو الحج، أو يؤخر الغيبة أو الحج إلى حين انتهاء المدة المضروبة له، وأما إذا لم يستطع أن يأخذ زوجته معه فلا تحتسب عليه هذه المدة للعذر.
-    وأما إذا غابت الزوجة فلا تحتسب على الزوج مدة غيابها، وذلك لأن العجز عن الوطء قد جاء من ناحيتها، لا من ناحيته، فيكون ذلك عذراً للزوج فيعوض عن أيام غيبتها([83]).
رابعاً: ما الحكم إذا وطء الزوج العنين زوجته مرة، فهل هذا يسقط حقها في طلب الفرقة أم لا؟
اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أنه لو ثبت أن العنين وطء زوجته ولو مرة واحدة، فإن ذلك يسقط حقها في طل الفرقة، وبه قال جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية([84]) ومن وافقهم.
الرأي الثاني: وفيه تفصيل فقالوا: إذا كان الزوج هو المتسبب في حدوث الاعتراض أي عدم انتشار ذكره بعد أن حدث منه وطء لزوجته فإن زوجته حينئذ لها الحق في طلب التفريق، وأما إذا لم يكن الزوج هو المتسبب في حدوث الاعتراض فهو بلاء نزل بالزوجة فيجب أن تصبر على حاله معها، وبه قال المالكية([85]).  
الرأي الثالث:
أنه إذا ثبت أن العنين وطء زوجته مرة واحدة، فإن ذلك لا يسقط حقها في طلب الفرقة. وبه قال أبو ثور([86]).
الأدلــة
استدل القائلون بأن وطء العنين زوجته ولو مرة واحدة يسقط حقها في طلب الفرقة بأن الزواج يثبت للزوجة حق الوطء مرة، وبوطء الزوج لها يكون حقها قد وصل إليها، فلا يحق لها الخيار في فسخ عقد الزواج، وإنما يثبت لتفويت الحق المستحق للزوجة ولم يوجد هذا التفويت لحقها، كما أن حق المرأة في الوطء مرة يقصد به حقها قضاء، أي لا يحكم القاضي بالتفريق بعده، وأما ما زاد على المرة فهو حقها ديانة أي بينه وبين الله سبحانه وتعالى، فيأثم الزوج إذا تركه متعمداً أي مع قدرته على الإتيان به([87]).
واستدل من قال بأن الوطء مرة لا يسقط حق المرأة في الخيار: بأن الزوج قد عجز عن وطء الزوجة، فيثبت حقها في التفريق قياساً على ما إذا أصبح الرجل بعد حدوث الوطء منه مجبوباً أي مقطوع الذكر، بعد أن حصل منه وطء لزوجته([88]).    
ويناقش هذا:
بأنه قياس مع الفارق إذ المجبوب  قد ينسب الزوجة من وطئه بعد ذلك، وأما العنين فإن رجاء شفائه من العنة موجود.
وأجيب عن ذلك:
بأن أبا ثور قد قاس العنين على المجبوب هنا في أمر معين وهو أن كلا منهما أوصل للزوجة حقها بوطئه إياها مرة، فوجب إعطاء كل منهما حكماً واحداً، ولما كانت زوجة المجبوب لها حق الخيار ولو بعد الوطء فوجب أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لزوجة العنين.
الرأي الراجح:
وبعد فإنني أرى أن ما ذهب إليه أبو ثور هو الراجح، نظراً لأن المرأة خاصة إذا كانت في سن الشباب، فإنه يخشى عليها من الفتنة، فإعطاؤها حق طلب الفرقة خير من إعطائها فرصة الانزلاق في الفاحشة. والله أعلم.
الوطء الذي يخرج الزوج عن العنة:
إن الوطء الذي يدل على أن الزوج ليس عنيناً هو أن يغيب حشفته كلها أي رأس الذكر في موطن الحرث والنسل من الزوجة، وذلك لأن الأحكام المتعلقة بالوطء كثبوت الإحصان للزوجين، ووجوب الغسل وإحلال المطلقة ثلاثاً للزوج الأول ووجوب عقوبة الزنا، ووجوب المهر كاملاً وإفساد الصوم إنما تتعلق بتغيب الحشفة ولا تتعلق بتغييب أقل منها، وإذا كانت الحشفة مقطوعة فإن الوطء المخرج من العنة هو أن يغيب جميع الباقي من الذكر([89]). وذلك لأن الذكر إذا كان سليماً فهناك حد يمكن أن نعتبره وهو الحشفة وأما إذا كان مقطوعاً فإنه لا يوجد هناك حد معين يمكن اعتباره فاعتبر تغيب جميع الباقي.
وقيل إنه يكفي في الإخراج من العنة بالنسبة لمقطوع الحشفة أن يدخل مقدارها وذلك لأن الوطء المخرج من العنة يكون بإدخال الحشفة، فإذا قطعت قام مقدارها مقامها فيكون ما يكفي من مقطوع الذكر مثل ما يكفي من الصحيح([90]). 

قطع ذكر العنين قبل مضي السنة المضروبة له:
إذا طلبت زوجة العنين من القاضي أن يفرق بينها وبين زوجها لعنته فضرب القاضي له سنة لاختباره، ثم قطع ذكر العنين خلال هذه السنة، فللزوجة أن لا تنتظر حتى تنقضي السنة، بل لها فور القطع أن تختار البقاء معه أو الفرقة، وذلك لأن العنين يؤجل سنة للاختبار، وإعطائه فرصة العلاج، وأما المجبوب فميئوس منه فليس في الانتظار فائدة([91]).
وطء العنين زوجته وطئاً محرماً:
ووطء العنين امرأته وطئاً محرماً إما أن يكون لحرمة مكان الوطء كوطئها في دبرها وإما أن يكون لحرمة قربان المرأة في ذلك الوقت كوطئها في حيض أو نفاس.
(أ) ما الحكم إذا استطاع العنين أن يطأ زوجته في دبرها، فهل هذا يخرجه من العنة أو لا؟
اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:
الرأي الأول: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن ذلك لا يخرجه من العنة([92]).
الرأي الثاني: وذهب الإمامية وبعض الحنابلة إلى أن ذلك يخرجه من العنة([93]).
الأدلــة
استدل القائلون بأن وطء المرأة في دبرها غير مخرج من العنة بأن الوطء في الدبر وطء غير معتبر وأن الوطء المعتبر هو ما كان في موطن الحرث والنسل.
بدليل أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاث تطليقات متفرقات، ثم تزوجها آخر ووطئها في دبرها ثم طلقها فإنها لا تحل للأول، كما أن الوطء في الدبر لا تحصل به صفة الإحصان التي يترتب عليها رجم الزاني.
واستدل القائلون بأن وطء المرأة في دبرها مخرج من العنة، بأن الوطء في الدبر أصعب من الوطء في الفرج، فمن قدر على الوطء في الدبر فهو على الوطء في الفرج أقدر([94]).
ويمكن مناقشة هذا:
بأن الإدخال في الدبر وإن كان أشد من الإدخال في الفرج، لكنه قد يكون الزوج ممنوعاً عن الإدخال في الفرج بسبب السحر مثلاً([95])، فلا يكون وطء العنين زوجته في دبرها دليلاً على ذهاب العنة.
(ب) ما حكم وطء العنين امرأته وهي حائض أو نفساء أو محرمة بحج أو عمرة أو صائمة في رمضان؟
إذا وطء العنين زوجته وهي بهذه الصفة فإن ذلك يخرجه من العنة، وذلك لما يأتي:
1-  إن  ذلك الوطء قد حصل في محل الوطء وهو موضع الحرث والنسل فخرج به عن العنة قياساً على وطئها وهي مريضة ويضرها الوطء، فإن ذلك يخرجه عن العنة فيكون الأمر هنا كذلك.
2-  إن حقيقة العنة هي العجز عن الوطء فإذا وجد الوطء في موطن الحرث والنسل فإنه لا يبقى العجز لأن القدرة على الوطء والعجز عنه كل منهما ضد الآخر فإذا وجد أحدهما انتفى الآخر.
وقيل إن هذا الوطء والمرأة على هذه الصفة أي الحيض والنفاس والإحرام بالحج والصيام غير مخرج من العنة، لأن هذا الوطء يحرمه الشرع، فكان أشبه بالوطء في الدبر([96]).
وقد نوقش هذا:
بأنه قياس مع الفارق، فلا يصح إذ الوطء في الدبر لا يعد وطئاً لأنه ليس في محل الوطء بخلاف الوطء في الفرج حال الحيض والنفاس.
الرأي المختار:
وبعد فإنني أرى الرأي المختار هو الذي يقضي بأن وطء العنين زوجته حال أيام حيضها أو إحرامها يخرجه من العنة.
وطء العنين امرأة أخرى غير زوجته:
إذا ثبت أن العنين وطء امرأة أخرى غير زوجته، فهل هذا يكون مخرجاً له من العنة؟
اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:
الرأي الأول: ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن وطء العنين امرأة أخرى غير زوجته لا يخرجه من العنة([97]).
الرأي الثاني:ذهب عمر بن عبد العزيز إلى أن ذلك يخرجه من العنة([98]).
الأدلــة
استدل القائلون بأن وطء العنين امرأة أخرى لا يخرجه من العنة بما يأتي:
1 – إن العنة قد تطرأ على السليم بعد أن يصل إلى امرأة غير زوجته فوجب اعتبار ذلك الاحتمال.
2 – إن كل امرأة لها حكمها المستقل الخاص بها، ولهذا لو ثبت عليه عيب العنة في حق زوجتين أو أكثر فرضيت إحدى الزوجات بالمقام معه، مع وجود هذا العيب سقط حقها وحدها ولا يسقط حق الزوجات الباقيات.
3 – إن فسخ عقد الزواج إنما أبيح لدفع الضرر الحاصل للزوجة بسبب عجز الزوج عن وطئها وهذا العجز عن الوطء قد ثبت في حق هذه المرأة، ولا يزول بوطء غيرها([99]).
واستدل القائلون بأن وطء العنين امرأة أخرى يخرجه من العنة بأن العنة أمر خلقي وجبلي يوجد في الرجل لا يتغير بتغير النساء، والقادر على وطء غيرها وإذا انقضت العنة في حق امرأة لم يبق في حق امرأة أخرى ولا يصح أن يكون الرجل عاجزاً عن وطء امرأة غير عاجز عن وطء أخرى([100]).
ويناقش هذا:
بأن هذا غير مسلم وذلك لأن شهوة الرجل قد تنهض في حق امرأة لفرط حبه لها وشدة ميله إليها أو لكونها مختصة بجمال وجهه ورشاقة جسمها، ولا تنهض في حق أخرى لعدم الميل إليها.
الرأي الراجح:
وبعد فإنني أرى أن ما ذهب إليه الجمهور من وطء العنين امرأة أخرى لا يخرجه من العنة، وهو الراجح إذ الأحكام منوطة بعللها، فإذا وجدت العلة وجد المعلول، فإذا ثبت عدم عنته في حق امرأة لم تعط حق الفسخ وإذا ثبت في حق امرأة أخرى أعطيت حق الفسخ رفعاً للضرر.
وثمرة الخلاف بين الرأيين:
تظهر فيمن تزوج امرأة وطلقها بعد الدخول ثم تزوجها مرة أخرى، ولم يتمكن من الوصول إليها في المرة الثانية فعلى الجمهور يثبت لها حق الفسخ، وعلى الرأي الثاني لا يثبت لها ذلك الحق.
علم الزوجة وقت عقد الزواج بأن زوجها عنين:
اتفق الفقهاء المثبتون للخيار على أن الزوجة إذا علمت بعيب زوجها وقت العقد ثم أقدمت عليه فإن حقها في طلب الفرقة يسقط لرضاها دلالة بإسقاط حقها إلا في العنين فإنها إذا علمت بعنته وقت العقد عليها، كما لو أخبرها بأنه عنين فإن الفقهاء قد اختلفوا في بقاء الخيار للمرأة وعدمه على رأيين:
الرأي الأول: ذهب الحنفية والشافعي في مذهبه القديم والحنابلة إلى أن حق المرأة في الخيار يسقط إذا علمت بعنة زوجها وقت العقد([101]).
الرأي الثاني: ذهب المالكية والشافعي في مذهبه الجديد إلى أن حق المرأة في الخيار لا يسقط إذا علمت عنة زوجها وقت العقد([102]).  
استدل القائلون بسقوط حق المرأة في الخيار إذا علمت عنة زوجها وقت العقد عليها بما يأتي:
1-    إن الزوجة إذا أقدمت على النكاح مع علمها بعنة زوجها كان ذلك رضا منها دلالة، فيسقط حقها في الخيار قياساً على سقوطه في سائر العيوب.
2-  إن الزوجة إذا رضيت بعنة زوجها وقت الزواج يكون ذلك مسقطاً لحقها في الخيار قياساً على ما لو رضيت بعنته، بعد عقد الزواج، أو بعد مضي السنة التي يضربها القاضي له.
3-  إن الزوجة إذا رضيت بالمقام معه بعد علمها بالعيب، ثم طلقها ثم راجعها إلى عصمته لم يثبت لها حق التفريق فكذلك الحكم هنا.
واستدل القائلون بأن حق المرأة في الخيار لا يسقط إذا علمت بعنة زوجها وقت العقد عليها بأن احتمال زوال العنة قائم حيث أن العنة قد تحصل في حق امرأة دون أخرى، وفي زواج دون زواج، فإذا ثبتت العنة بعد الزواج كان لها حق الخيار.
ويناقش هذا:
بأن العنة أم جبلي وخلقي، فاحتمال زوالها بعيد.
الرأي الراجح:
وبعد فإنني أرى أن ما ذهب إليه القائلون بأن حق المرأة في الخيار يسقط إذا علمت بعنة زوجها وقت العقد عليها هو الراجح، وذلك لأن التفرقة بين العنة وغيرها من سائر العيوب أمر لا مبرر له بل إذا كانت الزوجة قد علمت بجب زوجها وقت العقد عليها ورضيته سقط حقها في الخيار، فكان من باب أولى سقوط في الخيار إذا علمت بعنة زوجها وقت العقد عليها، لأن العنين في شفائه رجاء بخلاف المجبوب. أما إذا علمت الزوجة بعد الدخول بأن زوجها عنين فسكتت ثم طالبت بعد ذلك بالتفريق فلها الحق في هذا أو يؤجله القاضي سنة، وذلك لأن سكوتها بعد العقد ليس دليلاً على أنها رضيت بكونه عنيناً لأنه زمن لا تملك المرأة فيه فسخ الزواج والامتناع من أن يستمتع بها فلم يكن سكوتها مسقطاً لحقها وذلك كما إذا سكتت بعد أن يضرب القاضي المدة للعنين وقبل انقضاء هذه المدة([103]).
وكذلك لو سكتت المرأة عن المطالبة بحقها في فسخ الزواج بعد أن انتهت المدة لم يبطل خيارها أيضاً، وذلك لأن الخيار لا يثبت إلا بعد الرفع إلى القاضي وثبوت العجز عن الوطء لا يؤثر السكوت قبله([104]).
اختلاف الزوجين في حصول الوطء من العنين:
إذا اختلف الزوجان في حصول الوطء من الزوج فادعت الزوجة أنه لم يطأها و أنكر هو ذلك، فإما أن تكون الزوجة بكراً وإما أن تكون ثيباً:
(أ) إن كانت الزوجة بكراً:
إن كانت الزوجة بكراً فإما أن يكون هذا الادعاء قبل أن يضرب القاضي للزوج مدة السنة أو بعد أن يضرب القاضي المدة فإن كان الاختلاف قبل أن يضرب القاضي للزوج المدة فإن القاضي يأمر بعرض المرأة على الطبيبات من بني جنسها ما دام ذلك ميسوراً الآن للكشف عليها لإثبات زوال البكارة، أو بقائها وذلك لأن البكارة من الأمور التي لا يطلع عليها الرجال، وشهادة النساء بانفرادهن في هذا الباب مقبولة للضرورة، وتقبل شهادة الواحدة مثل شهادة القابلة على الولادة، فإن شهدن أن بكارتها موجودة فالقول قول الزوجة ويؤجل العنين سنة لاختباره وذلك لأن الوطء عادة يزيل البكارة([105]).
فإن ادعى الزوج أن بكارتها عادت إليها بعد الوطء لأنه لم يبالغ في وطئها فإن قوله هذا لا يقبل، لأن احتمال عودة البكارة بعد أن زالت بالوطء أمر بعيد.
ويكون القول قول الزوجة مع يمينها لأن اليمين تزيل الشك في احتمال عودة البكارة مرة أخرى، وقيل أن الزوجة لا تستحلف لأن الأمور التي يبعد تصديقها ويندر حصولها لا يلتفت إليها.
أما إذا كان الخلاف بين الزوجين بعد ضرب القاضي مدة للعنين، وشهدت الطبيبة ببقاء بكارتها فإنها تنتظر حتى تنتهي المدة المضروبة لزوجها، فإن انقضت المدة المضروبة للزوج وشهدت الطبيبة بأنها مازالت بكراً فإن حق الزوجة في الفرقة يثبت ويفرق بينهما في الحال إذا طلبت الزوجة ذلك، وأما إذا شهدت الطبيبة بزوال بكارتها ، فالقول هنا هو قول الزوج ويسقط حق الزوجة في الخيار([106]).
ولو ادعت المرأة أن زوال بكارتها كان بسبب غير الوطء كإزالتها بإصبعه وبقفزة واسعة، فإنها لا تصدق في ذلك، لأن الظاهر يؤيده ويكذب دعواها، كما أن القاعدة أنه عند الشك فيأمر من الأمور يجب أن يعمل بالأصل، والأصل هنا هو عدم وجوب سبب آخر غير وطء الزوج([107]).  
هذا كله إذا لم يكن لها بينة دعواها، فإن كان لها بينة قضى لها بتلك البينة، وفي هذه الأيام يمكن معرفة السبب الذي أزيلت به البكارة عن طريق عرض الزوجة على أهل الطب الشرعي، وحينئذ تكون شهادتهم هي القول الفصل في هذا الأمر.
(ب) وإن كانت الزوجة ثيباً: وادعت أن زوجها لم يصل إليها بسبب عنته و أنكر الزوج ذلك وادعى أنه وطئها فما الحكم؟
اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة آراء:
الرأي الأول: الحنفية والشافعية والإمامية وأحمد في رواية إلى أن القول قول الزوج مع يمينه، ووافقهم الزيدية إلا أنهم لم يشترطوا يمين الزوج([108]).
 الرأي الثاني:
وذهب بعض الحنابلة إلى أن القول قول المرأة مع يمينها([109]).
الرأي الثالث:
أحمد بن حنبل في رواية ثالثة إلى أنه يخلى بين العنين وزوجته في بيت ويقال له أخرج ماءك على شيء فإن ثبت أن ماءه مني كان القول قوله، وأما إن عجز عن إخراجه فالقول قولها([110]).
الأدلــة
استدل القائلون بأن القول قول الزوج مع يمينه بأن ذلك من الأمور التي لا يمكن ٌقامة البينة عليها، وجانب الرجل هنا أقوى من جانب المرأة وذلك لأنه يدعي سلامة نفسه من العيوب التي تجيز التفريق بينه وبين زوجته، والقاعدة في مثل هذا الأمر أننا نعمل بالأصل، والأصل هنا هو السلامة من العيوب، ودوام الزواج، والسبب عارض فكان القول قول الرجل مع يمينه، لقول النبي(صلى الله عليه وسلم):"لكن اليمين على المدعى عليه".
واستدل القائلون بأن القول قول المرأة بأن الأصل هنا هو عدم حدوث الوطء، فكان القول قول المرأة، لأن قولها يوافق لما هو الأصل هنا.
ويناقش هذا:
بأنه غير مسلم لأن الأصل هو حصول الوطء إذ العنة عارض ونادر.
واستدل القائلون بأنه يأمر بإخراج منيه بعد التخلية بينه وبينها بأن العنين يضعف عن الإنزال، فإذا ثبت أنه أنزل فإننا حينئذ نتبين صدقه فيجب أن نحكم بمقتضاه([111]).
ويناقش هذا:
بأنه غير مسلم، لأن الرجل قد يحصل منه وطء ولا يحصل منه إنزال، وقد يحصل الإنزال من غير وطء، فليس هناك تلازم بين الوطء والإنزال، وذلك لأن ضعف الذكر لا يمنع سلامة الصلب ونزول المني، والرجل السليم القادر على الوطء قد يعجز عن الوطء في بعض الأحوال، وليس كل من عجز عن الوطء في حال من الأحوال يكون عنيناً، وذلك جعلت المدة سنة للعنين.
الرأي الراجح:
مما سبق يتضح أن الرأي الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور من أنه إذا ادعت المرأة عنة زوجها و أنكر هو ذلك، فإن القول قوله مع يمينه وفقاً للقاعدة العامة وهي قبول قول المنكر مع يمينه في سائر الدعاوى، عند عدم البيئة، ونظراً لأن الزوج قد يكون كاذباً فإنه توجه إليه اليمين.
ثالثاً: الخصاء:
تعريفه: ذهب الجمهور إلى أن الخصي هو من ذهبت خصيتاه مع بقاء ذكره([112])، وخالف فيذلك المالكية، فعرفوه بأنه هو من قطع ذكره دون خصيتيه([113])، فيكن تعريفهم هذا على العكس من تعريف الجمهور.
وقد اختلف الفقهاء في اعتبار الخصاء عيباً يثبت به الخيار على رأيين:
الرأي الأول:
وبه قال الحنفية والمالكية والإمامية والحنابلة في غير الراجح وقول مرجوح للشافعية وبعض الزيدية إلى أن الخصاء يعد عيباً يثبت به الخيار، وذلك لأنه عيب منفر لا يطيب معه المقام عادة، كما أنه يذهب أهم مقاصد النكاح وهو الإنجاب([114]).
الرأي الثاني:
وبه قال الشافعية والحنابلة في الراجح عندهما وبعض الزيدية إلى أن الخصاء ليس بعيب يثبت الخيار به، وذلك لأنه عيب يسهل احتماله ولا يمنع من الاستمتاع بالزوجة، بل إن الخصي أقدر على الجماع من غيره، لأنه لا ينول فلا يعتريه الفتور([115]).
وبعد، فإنني أرى أن الخصاء عيب منفر وقد لا يمنع من استمتاع كل من الزوجين بالآخر، إلا أنه يذهب الإنجاب وهو مقصد من أهم مقاصد النكاح، فإذا يثبت للزوجة الخيار به، فإن رضيت بالاستمتاع، واستغنت عن الإنجاب واختارت استمرار الحياة الزوجية، وإن لم تطق عدم الإنجاب اختارت الفسخ وفقاً لما يصيبها من ضرر، وهو حرمانها من الذرية خاصة وأن الزوج كان عالماً بحال نفسه ولم يخبر الزوجة بذلك فكان ضاراً لها.
وذهب الحنفية إلى أن الخصي يأخذ حكم العنين، إذا كان ذكره لا ينتشر أي أنه يؤجل سنة، فإن لم يصل إلى المرأة في خلالها فرق بينهما بطلبها([116]). والله أعلم.

المبحث الثاني
العيوب المختصة بالمرأة

والمراد بالعيوب المختصة بالمرأة هي العيوب التي لا يتناسب ظهورها إلا مع طبيعة المرأة غالباً وأكثر هذه العيوب تكون في موطن الحرث والنسل وهذه العيوب التي تكون في هذا الموضع هي:
1-    الرتق.
2-    القرن.
3-    العفل.
4-    البخر.
5-    الإفضاء.
6-    الإستحاضة.
7-    الزهري.
8-    السيلان.
(1) الرتق:
بفتح الراء والتاء، وهو انسداد مسلك الذكر من بضع المرأة، بحيث لا يمكن معه الجماع، وهذا الانسداد تارة يكون بلحم، وتارة يكون بعظم([117]).
(2) القرن:
بفتح الراء أو سكونها وهو شيء يبرز من فرج المرأة يشبه قرن الشاة، يكون من لحم غالباً، وتارة يكون عظماً([118]).
وقد اتفق المالكية والشافعية والحنابلة والإمامية، وبعض الزيدية إلى أن هذين العيبين يثبتان للرجل حق الخيار في رد المرأة وذلك لأنهما يحولان دون الوطء الذي هو من مقاصد النكاح المعتبرة شرعاً. وقد ألحق الشافعية المرأة ضيقة المنفذ بالرتقاء في الحكم إذا كان الوطء من أي واطئ يؤدي إلى إفضائها([119]).
(3) العفل:
بفتح العين والفاء، هو لحم يبرز من فرج المرأة ولا يسلم غالباً من رشح يشبه أدرة الرجل، بضم الهمزة وسكون الدال أي انتفاخ خصيتي الرجل، وقيل إنه رغوة في الفرج تحدث عند الجماع([120]).
وقد ذهب المالكية والحنابلة وبعض الزيدية إلى أن هذا العيب من العيوب المثبتة للخيار بالنسبة للرجل، وذلك لما يحدثه هذا العيب من نفور في النفس يؤدي إلى عدم استكمال لذة الاستمتاع([121]).
وذهب الشافعية والإمامية إلى أن ذلك ليس بعيب مثبت للخيار لأنه لا يمنع من الوطء([122]).
(4) الإفضاء (أو الفتق كما يسميه الحنابلة):
والإفضاء هو اختلاط مسلكي الذكر والبول، أو بعبارة أخرى أن يكون مسلك البول ومسلك الجماع واحداً، وكذلك إذا اختلط مسلك الذكر والغائط([123]).
 وقد ذهب المالكية والحنابلة والإمامية إلى أن هذا العيب ترد به المرأة لما فيه من ذهاب لذة الاستمتاع([124]).
وذهب الشافعية وبعض الزيدية إلى أن ذلك ليس بعيب يثبت الخيار لأنه لا يمنع من الجماع([125]).
(5) البخر:
وهو أن يكون لفرجها رائحة نتنة تثور عند الوطء([126]).
وقد ذهب المالكية والحنابلة في وجه وبعض الزيدية إلى أن هذا العيب من العيوب المثبتة للخيار، لما فيه من نفور النفس من هذه الرائحة الكريهة التي لا يتحملها معظم الناس.
وخالفهم في ذلك بقية الفقهاء، فلم يعدوا ذلك من العيوب المثبتة للخيار لأنه لا يمنع من الوطء ولإمكان تحمله في كثير من الأحيان([127]).
(6) الاستحاضة:
وهي مجيء الدم للمرأة في غير أيام الدورة الشهرية([128]).
وقد ذهب الحنابلة في أظهر القولين عندهم إلى أن ذلك عيب يثبت للرجل الخيار، لأن الرجل لا يتمكن من جماع المرأة وهي على هذا الحال إلا بضرر في الغالب، وقد تستمر الاستحاضة فترات طويلة، ولا يصبر الرجل على الامتناع عنها فيعطى حق الخيار رفعاً للضرر([129]).
وخالفهم في ذلك سائر الفقهاء فلم يثبتوا للرجل حق الخيار بذلك العيب.

(7) الزهري:
وهو من الأمراض التي اكتشفها العلم الحديث وهو مرض يبدأ بقرحة صغيرة قد تختفي داخل الفم، أو داخل المهبل أو عند الرحم، وهذا بالنسبة للمرأة، وقد تكون ظاهرة على الأعضاء التناسلية أو المناطق المجاورة من الجلد، وتظهر تلك القرحة النحاسية اللون بعد انتقال العدوى بفترة تترواح بين أسبوع وشهرين أو ثلاثة، وتبدو كأنها لا علاقة لها بالاتصال الجنسي السابق، ثم تختفي القرحة تلقائياً دون علاج بعد فترة شهر أو شهرين.
ويبدو المريض سليماً معافى وذلك في الوقت الذي يتمكن فيه (الميكروب) من أنسجته وأعضائه، ويشتد الألم على المريض بالليل خاصة، ويزيد هذا المرض وبالاً في الشيخوخة، وينتهي بالمريض غالباً إلى ملازمته الفراش، فيقع عاجزاً مشلولاً لا يتحكم في حركاته، أو تبوله أو تغوطه وتبدو مفاصله ضعيفة الحركة ويكون قلبه متضخماً سقيماً، وشرايينه متمددة ضعيفة بعضها ضيق مسدود، كما تكون أعضاؤه الداخلية متليفة، ولا ينتهي البلاء عند هذا الحد، بل ينتقل إلى الجنين من أمه المصابة بهذا المرض أثناء الحمل، وذلك من خلال أنسجة المشيمة بالرحم، ويؤدي إلى موت الجنين والإجهاض، ويتكرر ذلك عند كل حمل.
-    وإذا ما ولد طفل للمصابة بالزهري يبدو كأنه عادي، ثم تظهر عليه بعد فترة من الزمن طفحات جلدية تغطي جسده كله، وتتشقق الشفتان، وحول فتحة الأنف وتسقط الأظافر ويتضخم الكبد، ويزداد حجم الرأس، وتتشوه الأسنان، وتلتهب الأعصاب والعينان، وقد ينتهي المرض بفقد الإبصار، وتتورم العظام والجمجمة وتلتهب الأذنان، ويكون الصمم نتيجة ذلك([130]).
-    ويقول أبو الأعلى المودودي في كتابه (الحجاب): يقول طبيب فرنسي يدعى (اليريه): يموت بالزهري وما يتبعه من الأمراض في فرنسا ثلاثون ألف نسمة سنوياً، وهذا المرض –الزهري- هو أفتك الأمراض بعد حمى الرق([131]).
-    ويقول أحمد فائز في كتابه (دستور الأسرة في ظل القرآن): يموت في أمريكا بين ثلاثين وأربعين ألف طفل بمرض الزهري الموروث وحده في كل سنة والوفيات التي تقع بسبب جميع الأمراض –عدا السل- يربو عليها عدد الوفيات الواقعة من مرض الزهري وحده([132]). وهذا المرض يكون نتيجة جريمة الزنا ويكون الجزاء من جنس العمل، لأن المريض ارتكب جريمته بالليل وظلمته، وهو ما جناه الآباء المنحلون.

(8) السيلان:
لا يذكر مرض الزهري إلا ويذكر معه قرينه السيلان وكثيراً ما يلزم (ميكروب) السيلان (ميكروب) الزهري، ويصاب المريض بالاثنين معاً([133]).
-    ويحذو السيلان حذو قرينه الزهري، حيث تتجمع (الميكروبات) في أماكن غير ظاهرة وبخاصة في الجهاز التناسلي للإناث.
-    ويسبب السيلان التهابات مختلفة في الأعضاء التناسلية وقناة مجرى البول والخصيتين في الرجال، والتهاب الرحم والقنوات في النساء، ويصيب أماكن كثيرة من الجسم مسبباً الالتهابات الصديدية في منطقة الحوض والتهابات المفاصل والعيون والقلب وأغشية المخ.
-    ولا ينتقل هذا المرض إلى المولود عن طريق المشيمة كما في الزهري، بل تنتقل العدوى إليه أثناء الولادة من الإفرازات الملوثة من مهبل الأم، فتؤدي إلى التهاب صديدي بالعينين، قد ينتهي إلى العمى إن لم يعالج بجدية منذ الولادة([134]).
-    ويقول أحمد فائز:"أقل ما يقدره المسئولون في مرض السيلان –في أمريكا- أنه قديم أصيب به (60%) من النفوس في سن الشباب (فيهم العزب والمتأهلون) وقد أجمع الماهرون في أمراض النساء على أن (75%) من اللاتي تجرى العملية الجراحية على أعضائهن التناسبية يوجدون متأثرات بمرض السيلان"([135]).
-    ومما سبق يتلخص لنا أن المالكية والشافعية والحنابلة والإمامية وبعض الزيدية اتفقوا على أن الرتق والقرن من العيوب المثبتة للخيار، وأضاف المالكية إلى هذه العيوب العفل والإفضاء والبخر ووافقهم الحنابلة في الإفضاء والعفل، وكذا البخر في وجه، ووافقهم بعض الزيدية في العفل والبخر، ووافقهم الإمامية في الإفضاء، وأضافوا كون المرأة عمياء أو مقعدة، ولم يعتبر الشافعية من هذه العيوب سوى الرتق والقرن.
وأما الحنفية فقد سبق أن عرفنا أن مذهبهم لا يجيز للرجل فسخ النكاح لما في المرأة من عيب مهما كان هذا العيب لامكانه التخلص من الضرر بالطلاق([136]).
وبعد، فإنني أرى أن كل عيب من العيوب السابقة إذا سبب للرجل نفرة شديدة تكدر عليه صفو الاستمتاع أو يمنع مقصود النكاح من الوطء فإنه يثبت الخيار للرجل ولكن إذا طلبت المرأة إعطاءها فرصة لمداواة ما بها من داء. فإنها تؤجل للتداوي مدة يضربها القاضي بناء على تقرير أهل الخبرة وهم الأطباء.
وليس من حق الزوج أن يمنعها من التداوي وردها في الحال لأهلها، بل يلزمه أن يصبر المدة اللازمة لعلاجها فإن انتهت المدة المحددة لعلاجها، ولم يذهب داؤها، فإن الزوج يكون مخيراً بين إبقائها في عصمته أو فسخ نكاحها، ولا يتحمل الزوج نفقات العلاج، لأن عليها أن تمكن زوجها من أن يستمتع بها واستمتاع زوجها متوقف على إزالة ما بها من داء، ولكنه يتحمل نفقتها من طعام وغيره لأنه يتمكن من الاستمتاع بها من وجه آخر غير الوطء ولاحتباسها من أجله، ويشترط في التأجيل للتداوي إذا طلبته المرأة أن يكون شفاؤها مرجواً بلا ضرر يصيبها نتيجة لهذا التداوي، فإن كان يحصل بعد التداوي عيب في المرأة فلا تجاب لما طلبته من التأجيل إلا إذا رضي الزوج بذلك([137]).
وليس للزوج أن يجبر زوجته المعيبة على التداوي أو إجراء عملية جراحية لإزالة ما بها من عيب.
وينبغي لولي الصغيرة أن يعمل على إزالة هذا العيب إذا رأى المصلحة في ذلك لأنه يجب على ولي الصغيرة أن ينظر في مصلحتها لأنها لا تدرك إدراكا كاملاً لمعنى اللذة والشهوة وأن زوجها له حق مفارقتها بهذا العيب، أما البالغة فإنها تدرك ذلك إدراكا كاملاً، ولذا جعل أمرها إليها تقرر ما ترى أن فيه مصلحتها([138]). 

المبحث الثالث
العيوب المشتركة بين الزوجين
وهي العيوب التي يمكن أن تصيب كلا من الرجل والمرأة، وهذه العيوب كما عدها الفقهاء هي:
1-    الجنون.
2-    الجذام.
3-    البرص.
4-    الخنوثة.
5-    العذيطة.
6-    العقم.
7-    بخر الفم.
8-    الباسور.
9-    الناسور.
10- الإيدز
(1) الجنون:
- وهو آفة تصيب العقل فتفقده التمييز مع بقاء الحركة والقوة في سائر أعضاء البدن([139]).
- ويعتبر الصرع نوعاً من أنواع الجنون، وكذا الخبل –بسكون الباء- وهو قلة العقل([140]).
(2) الجذام:
وهو علة تصيب البدن، فيحمر منها العضو المصاب، ثم يسود، ثم ينقطع، أي يتشقق مع الاتصال بالبدن، ثم يتناثر أي يتساقط مع الانفصال عن البدن، وأكثر الأعضاء عرضة للإصابة بهذا المرض هو الوجه([141]).
(3) البرص:
وهو بياض في الجلد يذهب دم الجلد وما تحته من اللحم([142]).
وقد ذهب جمهور العلماء ومنهم المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية إلى أن هذه العيوب الثلاثة مثبتة للخيار، فلكل من الزوجين رد الآخر بأحد هذه العيوب بالرجل، فإن للزوجة حق طلب التفريق بينها وبين زوجها جرياً على مذهبه من أن حق طلب التفريق ثابت للمرأة دون الرجل من دفع الضرر بالطلاق خلافاً للمرأة([143]).
وذهب الشيخان من الحنفية أبو حنيفة وأبو سيف إلى أن هذه العيوب الثلاثة لا تثبت للمرأة حق الفسخ كالرجل([144]).
الأدلــة
استدل القائلون بأن هذه العيوب الثلاث مثبتة للخيار بما يأتي:
1-  ما رواه الدارقطني بسنده إلى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أنه قضى في البرصاء والجذماء والمجنونة إذا دخل بها الزوج فرق بينهما([145]) وإذا كان هذا الأثر يثبت للزوج حق الفسخ بهذه العيوب فلأن يثبت للمرأة ذلك الحق أولى لتمكن الرجل من دفع الضرر بالطلاق دونها.
2-  إن هذه العيوب منفرة غاية التنفير لذوي الطباع السليمة، فيكون ذلك سبباً في عدم قربان الطرف السليم من الآخر المعيب فتختل مقاصد النكاح([146]).
والدليل على أن هذه العيوب منفرة ما روي عن النبي(صلى الله عليه وسلم) أنه فرق من تزوجها ووجد بها برصاً، دون أن يقربها، وكذلك قوله للمجذوم الذي جاء يبايعه وأرسل إليه أن ارجه فقد بايعناك حتى لا يضع يده بيده([147]).
كما أن في الجنون نفرة للنفس ويخشى منه يفضي إلى الجناية على الزوج الآخر بالقتل ونحوه.
واستدل القائلون بأنه لا يفرق بين الزوجين بهذه العيوب بأنها لا تمنع الزوج السليم من الاستمتاع بالزوج المعيب.
وقد نوقش هذا:
بأن هذه الأمراض تسبب للزوج السليم نفرة تمنعه من الاستمتاع بالزوج المصاب بها، وهذا يؤدي إلى اختلال مقصود النكاح، كما أن الزوج السليم يخاف على نفسه أو نسله من أن تنتقل هذه الأمراض إليهم، فصارت هذه العيوب مثل المانع الحسي، الذي يمنع من الوطء فتأخذ حكم الجب والعنة([148]).

الرأي الراجح:
وبعد فإنني أرى أن الرأي الراجح هنا هو إثبات الخيار بهذه العيوب وذلك لعدم إمكان تحملها ولعدم تحقق مقاصد النكاح معها خاصة وأن هذه العيوب منها ما يخشى منه العدوى والانتقال بالوراثة إلى النسل، ومنها ما يخاف معه على النفس.
(4) الخنوثة:
 الخنثى هو من له آلة الرجل والمرأة، أي أعضاء التذكير والتأنيث، أو من ليس له هذا ولا ذاك، ويخرج حدثه من دبره أو من سرته، فإن بال من أحد المخرجين اعتبر به أي إن بال من مخرج الرجال فهو رجل، وإن بال من مخرج النساء فهو أنثى، ويكون في هذه الحالة خنثى غير مشكل، أما إن بال من المخرجين فهو خنثى مشكل، وقيل يعتبر بأكثرهما بولاً، فإن استويا فمشكل([149])، والخلاف هنا في الخنثى غير المشكل، حيث ذهب جمهور العلماء ومنهم المالكية والحنابلة على الراجح من مذهبهم، والإمامية والزيدية وهو أظهر قول الشافعي إلى أن الخنوثة ليست بعيب يثبت به الخيار، وذلك لأنه لا يتنافى مع تحقيق مقاصد النكاح([150]).
وذهب الحنفية وقول الشافعي ووجه للحنابلة إلى أن ذلك عيب يثبت به الخيار، لأن هذا نقص ي}دي إلى النفرة([151]).
الراجح:
وأرى أن هذا ليس بعيب لأنه يخل بمقاصد النكاح وليس فيه ضرر يتضرر به الزوج غير المعيب، كما أنه يمكن إجراء عملية جراحية لإزالة العضو الزائد.
(5)العذيطة:
بفتح العين المهملة أو كسرها وسكون الذال المعجمة وفتح الياء والطاء وهي مرض يؤدي إلى خروج حدث من بول أو غائط عند الجماع، ويقال للرجل المريض بهذا المرض عذيوط بكسر العين وفتح الياء وإسكان الواو ويقال للمرأة المريضة به عذيوط([152]).
وهذا العيب لم يثبت الخيار به سوى المالكية وبعض الزيدية([153])، وثبت الخيار بهذا العيب عندهم إذا تبين أنه كان موجوداً قبل الزواج، فإن تبين أنه قد حدث بعد الزواج فلا يثبت به الخيار.
(6) العقم:
هو عدم القدرة على الإنجاب سواء كان من الرجل أو من المرأة. وقد ذكر الحنابلة أنه ليس بعيب يثبت به الخيار، وذلك لأنه لا يمنع من مقصود النكاح وهو الوطء، كما أنه ليس بمنفر ولا يعرف.
وقد نوقش هذا:
بأنه وإن كان لا يمنع من الوطء إلا أنه يذهب بمقصود آخر من أهم مقاصد النكاح وهو الإنجاب، كما أن الادعاء بأنه لا يعرف مردود بأن العادة جرت بأن تلد الزوجة غير العقيم بعد فترة تلد فيها، في الغالب، فإذا لم يتحقق هذا غلب على الظن عدم إنجابها، ويمكن التأكد من وجود العقم في أي من الزوجين بالكشف الطبي الحديث، فإذا ثبت عقم أحد الزوجين ثبت للآخر حق الخيار([154]).
وهذا ما اختاره وممن ذهب إليه الحسن البصري (رضي الله عنه)([155]).
(7) بخر الفم:
وهو أن يكون للفم رائحة نتنة منفرة.
وقد اختلف الفقهاء في عد ذلك عيباً مثبتاً للخيار، فذهب المالكية في غير المشهور عندهم والحنابلة في وجه وبعض الزيدية إلى أنه عيب يثبت به الخيار لما يسببه من نفرة للزوج الآخر.
وذهب أكثر الفقهاء إلى أن هذا لا يعد عيباً، فلا يثبت به الخيار لأنه محتمل عادة ويمكن تفاديه([156]).
وهذا ما أميل إليه لأن عقد النكاح عظيم الشأن، فلا يجعل عرضة للإنهاء بمثل هذه الأمور التي يمكن تحملها ولو ببعض المشقة كما أنه يمكن التقليل من هذه الرائحة بكثرة غسل الفم واستعمال السواك، ووضع الحلوى التي تميل إليها النفس، وغير ذلك من وسائل تخفيف مثل هذه الرائحة.
(8)،(9) الباسور والناسور:
وهي قروح سيالة تكون حول الدبر.
ذهب بعض الحنابلة إلى أنه يعد من العيوب المثبتة للخيار لما فيه من النفرة([157]).
وذهب جمهور العلماء إلى أنه ليس بعيب مثبت للخيار، وهذا هو المختار لأنه ليس مانعاً من مقصود النكاح وهو الوطء والإنجاب وليس منفراً، ولا بداء مستعصي حيث يمكن إزالته بعد إجراء عملية جراحية، وضرر هذا المرض قاصر على صاحبه فلا تخشى منه العدوى.
(10) الإيدز:
وهو المرض الخطير الذي اكتشف مؤخراً عام 1983م، وهو أخطر مرض عرفته البشرية، لأن العلم لم يتوصل له –حتى الآن- إلى علاج فعال أو حتى لقاح ضده، يقي من يتعرض للفيروس من الإصابة بالمرض، فالمصاب به ينتظره الموت عاجلاً أو آجلاً، فهو يقتل المصاب به من خلال القضاء على فاعلية جهازه المناعي، فيصبح غير قادر على مقاومة الأمراض الأخرى، وأصبح هذا المرض معروفاً لدى الأوساط العلمية العالمية، وقد ظهر بصورة واضحة جلية بين الشواذ جنسياً وهو سريع العدوى عن طريق اللقاء الجنسي، مما أثار الرعب والهلع في قلوب المجتمعات الإباحية المشجعة على الرذيلة، وهذا ما جعل المنصفين منهم ينادون بالتمسك بالفضيلة عن طريق الرجوع إلى الدين والأخلاق([158]).
-    ويلاحظ أن كثرة الإصابات بهذه الأمراض موجودة في بلاد الغرب نتيجة الانحلال الخلقي السائد في مجتمعاتهم، وربما تظهر أمراض أخرى في المستقبل لم تكن معهودة لدى الناس من قبل.
-    ولا عجب أن تظهر مثل هذه الأمراض الغريبة من نوعها فلقد أخبر النبي(صلى الله عليه وسلم) أن الفاحشة (الزنا) عندما تنتشر لابد وأن تكون من نتائجها الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل (كالزهري والسيلان والإيدز) فقد روي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال:"يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا..."([159]).
-        وفي رواية لمالك:"ولا فشاء الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت"([160]).
-    ويوف أعطي فكرة سريعة عن بعض المعلومات العلمية الحديثة المتعلقة بمرض (الإيدز) بدون الدخول في تفاصيل علمية متعمقة تلزم المتخصصين ويصعب فهمها على القارئ العادي.
-    يتسبب مرض الإيدز عن عدوى بفيروس معين يهاجم جهاز المناعة بالجسم في مقتل فيسبب ضعف الدفاعات المناعية عند الإنسان ويعرضه إلى أنواع من العدوى وخطيرة مثل الأمراض السرطانية، ذلك أن فيروس الإيدز يصيب خلايا خاصة في الدم تشارك في الدفاع الطبيعي عن الجسم، الأمر الذي يفقد المريض القدرة على مقاومة الغزاة من كافة الأشكال فتهاجمه البكتريا والفطريات والطفيليات والفيروسات وترتع فيه الخلايا السرطانية ولا تتركه إلا بعد القضاء المبرم عليه([161]).
-    وتتمثل خطورة هذا المرض اللعين في سرعة انتشاره: فقد تسبب هذا المرض في وفاة مليون شخص، وأن مليوني نسمة قد أصيبوا به، وبالنسبة لجمهورية مصر العربية تقول الإحصاءات( أن حالات الإصابة بالإيدز التي جرى تسجيلها بين المصريين منذ عام 1986م حتى يونيو 1992م بلغت 180 إصابة، منهم 45 حالة ظهرت عليها أعراض المرض، وتوفيت منهم 31 حالة، كما يوجد 58 مريضاً بسبب أمراض أخرى"([162]).
طرق العدوى:
ينتقل مرض الإيدز في كل حالة تصل فيها سوائل جسم الشخص المصاب المحتوية على الفيروس إلى دم الشخص السليم أو جهازه التناسلي. ويتحقق ذلك عن طريق اللواط من رجل إلى رجل، ومن امرأة إلى إمراة، ولذلك فإن أكثر المصابين به هم الشواذ جنسياً، كما تنتقل العدوى جنسياً نتيجة لوجود فيروس الإيدز في السائل المنوي، وبإفرازات المهبل، فينتقل المرض من رجل إلى امرأة، أو من امرأة إلى رجل، ومن الم المصابة إلى طفلها قبل الولادة([163]).
وتنتقل العدوى أيضاً عن طريق الدم، وخاصة بالنسبة لمدمني المخدرات بالحقن، وفي حالات نقل الدم خلال العمليات الجراحية أو لمرضى الهيموفيليا (سيلان الدم)([164])، كما ينتقل فيروس الإيدز في حالة استخدام حقنة غير معقمة أو موس الحلاقة([165]).
وتجدر الإشارة هنا إلى قرار مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن من بندر سيري باجوان –بروناي دار السلام من1 إلى 7 محرم 1414هـ الموافق 21 إلى 27 يونيو 1993م- فقد جاء فيه ما نصه:(بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله قرر([166]) ما يلي:
1-  بما أن ارتكاب فاحشتي الزنا واللواط أهم سبب للأمراض الجنسية التي أخطرها الإيدز (متلازمة العون المناعي المكتسب)، فإن محاربة الرذيلة وتوجيه الإعلام والسياحة وجهة صالحة تعتبر عوامل هامة في الوقاية منها، ولا شك أن الالتزام بتعاليم الإسلام الحنيف ومحاربة الرذيلة وإصلاح أجهزة الإعلام ومنع الأفلام والمسلسلات الخليعة، ومراقبة السياحة تعتبر من العوامل الأساسية للوقاية من هذه الأمراض.
-    ويوصي مجلس المجمع الجهات المختصة في الدول الإسلامية باتخاذ كافة التدابير للوقاية من الإيدز ومعاقبة من يقوم بنقل الإيدز إلى غيره متعمداً، كما يوصي حكومة المملكة العربية السعودية بمواصلة تكثيف الجهود لحماية ضيوف الرحمن واتخاذ ما تراه من إجراءات كفيلة بوقايتهم من احتمال الإصابة بمرض الإيدز.
2-  في حالة إصابة أحد الزوجين بهذا المرض، فإن عليه أن يخبر الآخر وأن يتعاون معه في إجراءات الوقاية كافة.
-    ويوصي المجمع بتوفير الرعاية للمصابين بهذا المرض، ويجب على المصاب أو حامل الفيروس أن يتجنب كل وسيلة يعدي بها غيره، كما ينبغي توفير التعليم للأطفال الذين يحملون فيروس الإيدز بالطرق المناسبة.
3-  يوصي مجلس المجمع الأمانة العامة باستكتاب الأطباء والفقهاء في الموضوعات التالية لاستكمال البحث فيها وعرضها في دورات قادمة.
 أ  – عزل حامل فيروس الإيدز ومريضه.
ب  - موقف جهات العمل من المصابين بالإيدز.
جـ- إجهاض المرأة الحامل المصابة بفيروس الإيدز.
 د – إعطاء حق الفسخ لامرأة المصاب بفيروس الإيدز.
هـ- هل الإصابة بمرض الإيدز من قبيل مرض الموت من حيث تصرفات المصاب.
حـ- أثر إصابة الأم بالإيدز على حقها في الحضانة.
 ز – ما الحكم الشرعي فيمن تعمد نقل مرض الإيدز إلى غيره.
 و – تعويض المصابين بفيروس الإيدز عن طريق نقل الدم أو محتويات أو نقل الأعضاء.
 ط – إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج لتجنب مخاطر الأمراض المعدية وأهمها الإيدز([167]). والله أعلم.
- وإنني أوافق على قرارات مجمع الفقه الإسلامي وأطالب بالأخذ بها وخاصة أنها تتمشى مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتحافظ على المجتمع من انتشار الفواحش والأمراض المهلكة وتدفع الضرر عن المسلمين، وخاصة إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج لكلا الزوجين لتجنب خطر نقل الأمراض المعدية والتي تؤدي حتماً إلى الوفاة.






الفصل الثاني
خيار العيب في عقد النكاح


ويتضمن هذا الفصل ستة مباحث:
-        المبحث الأول : ثبوت الخيار بالعيب.
-        المبحث الثاني: هل العيوب التي يثبت به الخيار في عقد النكاح محصورة؟
-        المبحث الثالث: من الذي يثبت له الخيار ووقته.
-        المبحث الرابع : نوع الفرقة ومن يملكها. 
-        المبحث الخامس : اختلاف الزوجين.
-        المبحث السادس : شروط ثبوت الخيار.




المبحث الأول
ثبوت الخيار بالعيب
وفيه مطلبان:
المطلب الأول
ثبوت الخيار بالعيب في حالة ما إذا كان العيب موجوداً قبل الزواج
اتفق الفقهاء على أنه إذا علم أحد الزوجين بوجود عيب في الآخر وقت عقد النكاح أو قبله أو بعده ثم وجد منه رضا بذلك صراحة أو دلالة، كأن دخل الزوج السليم بالزوجة المعيبة أو مكنت الزوجة السليمة الزوج المعيب من وطئها مع علمها بعيبه فلا يحق للمضرور منهما بعد ذلك أن يطلب التفريق لأنه قد رضي بإسقاط حقه، كما لو علم المشتري بعيب في المباع فرضي به، إلا في حالة ما إذا كان الزوج عنيناً عند المالكية والشافعي في الجديد([168]). فقد ذهبا إلى أنه إذا علمت زوجته بعنته قبل عقد الزواج أو بعده ومكنته من أن يجامعها ولم يستطع جماعها فإنه يثبت لها حق طلب التفريق، وذلك لأنها كانت ترجو شفاءه ولم يحصل هذا الشفاء، ولأن العنة تحصل في حق امرأة دون أخرى، فقد يعجز عن وطء امرأة ولا يعجز عن وطء امرأة أخرى([169]).
ثم اختلفوا بعد ذلك في ثبوت الخيار حال عدم العلم بالعيب أو عدم الرضا به على رأيين:
الأول: وبه قال الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وبعض الزيدية والإمامية إلى أنه يثبت الخيار في هذه الحالة([170]).
والثاني: وبه قال الظاهرية إلى أنه لا يثبت لأحد الزوجين الحق في طلب التفريق بأي عيب يثبت في الطرف الآخر([171]).
الأدلــة
استدل القائلون بثبوت خيار العيب في النكاح بالكتاب والسنة والآثار والمعقول:
أما الكتاب: فيقول الله تبارك وتعالى:(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَانٍ)([172]).
وجه الدلالة من هذه الآية:
إن الله تبارك وتعالى أوجب على الزوج في هذه الآية أن يمسك زوجته بالمعروف أو يسرحها بإحسان فلما تعذر الإمساك بالمعروف لوقوع الضرر على الزوج السليم وجب التسريح بإحسان، فإن لم يفعله الزوج ناب القاضي عنه في تنفيذ هذا الواجب.
وأما السنة:
فما رواه ابن ماجه بسنده إلى أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم):"لا ضرر ولا ضرار"([173]).
وجه الدلالة من الحديث:
إن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) نهى في هذا الحديث عن الإضرار ومما لا شك فيه أن استمرار الحياة الزوجية مع زوج مريض بمرض تنفر منه النفوس أو يفوت على الآخر الغرض من العقد ضرر بالغ، فوجب رفعه اختياراً أو قضاء، فدل ذلك على ثبوت خيار العيب في النكاح.
وأما الآثار فمنها:
1-  ما رواه الدارقطني بسنده إلى عمر (رضي الله عنه) أنه قضى بالتفريق في البرصاء والجذماء والمجنونة إذا دخل بها([174]).
2-  وما روي عن عثمان بن عفان(رضي الله عنه) أنه أمر بالفرقة إذا وجدت المرأة أن زوجها لا يقدر على الوطء، وهذا ظاهر في ثبوت حق الفرقة بالعيب في النكاح([175]).
وأما المعقول منه:
أ- أن المعقود عليه في النكاح إباحة الاستمتاع وعيب أحد الزوجين يخل بذلك فكان العقد محتملاً للفسخ قياساً على البيع بجامع أن كلا عقد معاوضة إذ الصداق عوض عن الانتفاع بالبضع([176]).
ويناقش هذا:
بأن قياس النكاح على البيع قياس مع الفارق، فلا يصح لأن النكاح ليس معاوضة محض بعكس البيع معاوضة محض.
ب- إن الله سبحانه وتعالى قد شرع النكاح ليعيش الزوجان في ظل رحمة ومودة وتآلف والعيوب المثبتة للخيار تمنع استمرار الحياة على هذا الوجه المرضي، فينتفي مقصود الزواج، فوجب القول بثبوت الخيار لمن وقع في حقه الضرر.
جـ- إذا كان الله تبارك وتعالى قد أباح المحظور وهو النظر إلى الأجنبية عند خطبتها ليدوم النكاح بائتلافيهما وليعطي الزوجان فرصة عدم الإقدام على الزواج إذا كان بالزوج الآخر عيب ظاهر فلأن يعطى الزوجان حق الرد عند الإطلاع على عيب خفي يسبب له ضرراً أو نفوراً تنتفي معهما المودة والرحمة بين الزوجين أولى لأن ضرر هذه العيوب الخفية أعظم من ضرر العيوب الظاهرة التي يمكن علاجها والتغلب عليها([177]).
واستدل القائلون بأن خيار العيب لا يثبت لأحد من الزوجين بما يأتي:
1 – أن عقد النكاح متى استجمع ما اعتبره الشارع لصحته من أركان وشروط كان صحيحاً لازماً يحرم الله تبارك وتعالى به بشرة المرأة وفرجها على غير زوجها، فمن يفرق بين هذين الزوجين اللذين جمعهما الزواج الصحيح بغير دليل من القرآن أو السنة الثابتة، فقد دخل في زمرة الذين ذمهم الله تبارك وتعالى بقوله:(فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وزَوْجِهِ)([178]).
يناقش هذا:
بأن التفريق بين الزوجين بالعيوب المثبتة للخيار لا يتعارض مع الكتاب والسنة لأن عمومهما يقضي بوجوب إزالة الضرر عمن نزل به بكل وسيلة ممكنة والظاهرية يأخذون بهذه العمومات.
ولا شك أن العيوب المثبتة للخيار تسبب ضرراً للطرف السليم فوجب إزالة ذلك الضرر بالتفريق بينهما قضاءً إذا لم يرض الزوج بطلاق زوجته.
2 – ما رواه البخاري بسنده إلى عائشة (رضي الله عنها) زوج النبي(صلى الله عليه وسلم) قال:"إن امرأة رفاعة أتت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وقالت يا رسول الله إني كنت تحت رفاعة فطلقني آخر التطليقات الثلاث، وتزوجت عبد الرحمن بن الزبير فوالله ما وجدت منه إلا مثل الهدبة([179])،فتبسم رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وقال:"لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة –لا- حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"([180]).
وجه الدلالة من هذا الحديث:
أن النبي(صلى الله عليه وسلم) يثبت للمرأة التي جاءته متضررة الحق في فسخ الزواج بعيب العنة، الذي يفوت به مقصود النكاح فعد جواز التفريق بغير ذلك العيب أولى([181]).
يناقش هذا:
بأن المرأة لم تطلب من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) التفريق بينها وبين زوجها من كلامها أنها طلبت من النبي(صلى الله عليه وسلم) معرفة مدى حله لرفاعة فأخبرها النبي(صلى الله عليه وسلم) أنها لا تحل له حيث إنها لم تذق عسيلة عبد الرحمن بن الزبير ولم يذق عسيلتها، والدليل على أنها لم تطلب التفريق بينها وبين زوجها ما رواه مالك في الموطأ أن رفاعة طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ثلاثاً، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير فأعرض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أتريدين.. إلى آخر الحديث، وفي لفظ آخر في –الموطأ- أن عبد الرحمن لم يستطع أن يمسها فطلقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول فجاءت تستفتي رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فأجابها بأنها لا تحل له([182]).
الرأي الراجح:
مما سبق أرى أن الرأي الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور من ثبوت خيار العيب في عقد النكاح، لما ذكروه من أدلة يضاف إلى ذلك ما رواه مسلم والنسائي عن رجل من آل الشريد يقال له عمرو، قال- كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه رسول الله(صلى الله عليه وسلم) "أن ارجع فقد بايعتك"([183]) ففعله(صلى الله عليه وسلم) مع ما عرف من عادته من مصافحة من بايعه دليل على النفرة من مخالفة من به مثل هذا الداء، فما بالك بالزوجين يساكن كل منهما صاحبه ويخالطه مخالطة تامة فإنها أولى بثبوت الفرقة بذلك العيب، وكل عيب يؤدي إلى النفرة والضرر.
حق الزوجين المعيبين في طلب الفرقة:
ثبت مما سبق أن للزوج السليم حق التفريق بينه وبين الزوج المعيب، فإذا كان الزوجان معيبين فهل يثبت لكل واحد منهما هذا الحق في هذه الحالة أو، لا؟
في هذه الحالة إما أن يكون الزوجان معيبين بعيبين مختلفين كأن يكون الزوج أبرص، والزوجة جذماء، وإما أن يكونا معيبين بعيب مشترك بينهما كأن يكونا أبرصين.
الحالة الأولى: فإن كان الزوجان معيبين بعيبين مختلفين فلكل من الزوجين الخيار في حق طلب التفريق، لوجود السبب الذي يبيحه إلا إذا وجد المجبوب زوجته رتقاء فلا يثبت لأي منهما حق طلب التفريق، وذلك لأن عيب كل منهما ليس هو الذي يمنع صاحبه من الاستمتاع به، وإنما امتنع الاستمتاع لعيب نفسه.
الحالة الثانية: وأما إذا كان الزوجان معيبين بعيب من جنس واحد، فقيل إنه لا خيار لواحد من الزوجين وذلك لأنهما متساويان ولا توجد مزية على الآخر فأشبها الصحيحين.
ويمكن أن يقال في ذلك إن الإنسان قد ينفر ويأنف من عيب غيره ولا يأنف من عيب نفسه، وقيل إنه يثبت لكل من الزوجين الخيار لوجود سببه، ولا يمنع الخيار كونهما متساويين في العيب([184]).
وهذا هو الأولى بالقبول نظراً لأن الأمراض وإن كانت من جنس واحد، فإنها تتفاوت في خطورتها وشدة انتقال العدوى منها.

المطلب الثاني
ثبوت الخيار بالعيب في حالة حدوث العيب بعد الزواج
اختلف الفقهاء فيما إذا حدث العيب بعد عقد الزواج، هل يثبت حق طلب الفرقة للطرف السليم أو، لا؟ على أربعة آراء:
الرأي الأول:
وبه قال الحنفية والإمامية وبعض الحنابلة وبعض الزيدية إلى أنه ليس لأحد من الزوجين حق طلب الفرقة إذا كان العيب قد حدث بعد الزواج([185])، وذلك لأن العيب الذي حدث بعد العقد هو عيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد فكان بذلك شبيهاً بالعيب الحادث بالبيع.
ويناقش هذا:
بأنه قياس مع الفارق، فلا يصح لأن البيع يرد على العين والنكاح بخلافه، بل هو بالإجارة أشبه لأنه يرد على منافع البضع، والإجارة يثبت فيها الخيار بالعيب الحادث فكذا النكاح.
الرأي الثاني:
وبه قال جمهور الحنابلة وبعض الزيدية إلى أنه إذا حدث بأحد الزوجين عيب بعد العقد يثبت الخيار للزوج الآخر([186])، وذلك لأنه عيب في الزوج يثبت الخيار إذا كان مقارناً للعقد فيثبته كذلك إذا كان طارئاً بعد العقد وذلك مثل الإعسار بالنفقة فإن الزوج إذا أعسر بنفقة زوجته أثبت ذلك لها الخيار في التفريق بينها وبين زوجها.
زكما أن الزواج عقد على منافع البضع فحدوث العيب بمنافع البضع يثبت حق طلب التفريق للطرف السليم كما هو الحال في عقد الإجارة.
الرأي الثالث:
وبه قال المالكية إلى التفريق بين العيوب التي تحدث بالرجل والعيوب التي تحدث بالمرأة فقالوا إذا كان العيب قد حدث بالرجل بعد العقد فللزوجة الحق في طلب التفريق بينها وبين زوجها، إذا كان العيب برصاً فاحشاً أو جنوناً أو جذاماً محققاً([187]).وذلك لأنها لا تصبر على معاشرة زوجها وهو على هذا الحال وليست العصمة بيدها فتطلق نفسها من زوجها.
وأما إذا حدث لزوجها جب (أي قطع ذكره وأنثياه) أو (اعتراض) أي عدم القدرة على انتصاب الذكر: أو خصاء (أي قطع ذكره) فإما أن يكون قد وطئها أو –لا.
فإن كان قد وطئها ولو لمرة واحدة فليس لها حق طلب التفريق، ويعد ذلك مصيبة قد نزلت بها إلا إذا كان متسبباً عمداً في تعييب نفسه. وإذا حدث ذلك قبل وطئها فلها حق طلب التفريق بهذه العيوب.
أما إذا كان العيب قد حدث بالزوجة بعد العقد عليها، فليس للزوج الحق في طلب التفريق، ويعد ذلك مصيبة نزلت به فأما أن يرضى بها بهذا العيب أو يطلق لأن عصمة الزواج بيده لا بيدها وهذا هو الراجح عندهم([188]).
الرأي الرابع:
وبه قال الشافعية لإلى التفريق بين حدوث العيب بالرجل وحدوثه بالمرأة:
-    فإذا كان العيب قد حدث بالزوج فللزوجة حق طلب التفريق سواء كان العيب قد حدث قبل الدخول أو بعده إلا في العنة إذا حدثت بعد الدخول بعد أن عرفت قدرته على الوطء فلا يثبت لها الخيار، وإنما أعطيت المرأة حق طلب الفرقة لأن الضرر يحدث بها بحدوث هذا العيب، كما يحدث الضرر بالعيب المقارن للعقد ولا خلاص للمرأة من هذا الزواج إلا بالتفريق، بخلاف الرجل فإن له الحق في طلاق المرأة.
-    ولم تعط الزوجة حق طلب التفريق في العنة بعد الدخول بها بعد أن عرفت قدرته على الوطء وذلك لحصول مقصود الزواج وهو الوطء([189]).
وقد خالف بعض الشافعية فذهبوا إلى أنه ليس للمرأة حق طلب التفريق إذا حدث العيب بعد الدخول.
أما إذا كان العيب قد حدث بالزوجة فللشافعي قولان:
القول الأول:
إنه يثبت الخيار للزوج سواء كان قبل الدخول أو بعده وهذا قوله في الجديد وهو المفتى به وذلك قياساً على العيب الذي يحدث بالزوج فكما يثبت الخيار للزوجة إذا حدث عيب بالزوج بعد العقد سواء كان قبل الدخول أو بعده فكذلك يثبت الخيار للزوج إذا حدث العيب بالزوجة بعد العقد([190]).
القول الثاني:
هو أنه لا يثبت الخيار للزوج لأن للزوج مندوحة بطلاقها بخلاف المرأة([191]).
ويناقش هذا:
بأن الزوجين متساويان في الحكم إذا كان العيب سابقاً على العقد، فيجب أن يتساويا في الحكم أيضاً بعده، كما أن القول بأن الزوج له التخلص من الضرر بالطلاق يترتب عليه ضرر آخر على الزوج إذ أنه يتحمل نصف الصداق إن كان قبل الدخول وكله إذا كان بعده.
وبناءً على ذلك فإن الشافعية يتفقون في القول الراجح عندهم مع جمهور الحنابلة، في ثبوت حق التفريق للزوجين، إذا حدث العيب بعد العقد إلا في العنة.
ويتفق الشافعية في المرجوح عندهم مع المالكية في حالة ما إذا حدث العيب بالزوجة حيث ذهبوا إلى أنه ليس للزوج حق طلب التفريق، إذ له مندوحة بالطلاق.
الرأي الراجح:
وبعد فإنني أرى أن الرأي الراجح هنا هو أن للزوجة حق طلب التفريق إذا حدث بزوجها عيب يثبت بمثله الخيار، إذ لا تستطيع أن ترفع الضرر عنها، إلا بذلك، وقد تخشى على نفسها الفتنة إن ظلت في عصمته، وليس للزوج ذلك الحق، إذ يستطيع التخلص من الضرر بطلاقها أو بالزواج عليها، كما أنه ليس من الوفاء ولا اللائق بالمروءة أن يجعل الرجل المرأة في عصمته فإذا حدثت لها كارثة تجهم لها وتركها خاصة إذا لم يكن لها من ينفق عليها، والله أعلم.

المبحث الثاني
هل العيوب التي يثبت بها الخيار في عقد النكاح محصورة؟
اتفق الفقهاء المثبتون لخيار العيب في النكاح على أنه إذا كان العيب يسيراً لا يخل بالاستمتاع ولا تفوت به مقاصد النكاح، ولا يؤدي إلى نفرة أحد الزوجين من صاحبه، وسهل على الخالي منهما عشرة الآخر مع هذا العيب، فلا يثبت به الخيار وذلك لأن رباط الزوجية مقدس وعقدها لازم، فلا يجوز إعطاء أحد الزوجين حق طلب التفريق إلا بمسوغ قوي([192]).
ثم اختلفوا بعد ذلك في غير هذا من العيوب على رأيين:
الرأي الأول:
وبه قال الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وبعض الشيعة وهم القائلون بثبوت الخيار إلى أن العيوب التي يثبت بها الخيار معلومة على سبيل الحصر، فلا يلحق بها غيرها على خلاف بينهم في عدد تلك العيوب([193]).
الرأي الثاني:
وبه قال ابن القيم والقاضي حسين إلى أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة، أو يسبب ضرراً بالغاً للطرف الآخر يوجب الخيار دون تقييد بعدد معين من العيوب([194]).
الأدلــة
استدل القائلون بحصر العيوب التي يثبت بها الخيار بأن الأحاديث والآثار وردت بعيوب محصورة وقد سبق ذكر هذه الأحاديث والآثار، حين الحديث عن العيوب التي يثبت بها الخيار، سواء كانت مختصة بالرجل، أو بالمرأة أو مشتركة بينهما.
ويناقش هذا:
بأن ورود السنة والآثار بعدد محصور من العيوب التي يثبت بها الخيار، لا ينفي ثبوت الخيار بغيرها من العيوب التي ينفر منها الزوجان ولا يحصل بها مقصود النكاح من المودة والرحمة وخاصة العيوب الحديثة التي لم يذكرها الفقهاء في كتبهم وهي أمراض العصر.
واستدل القائلون بأن خيار العيب يثبت بكل عيب ينفر الزوج الآخر منه ولا يحصل به مقصود النكاح بما يأتي:
1- قياس عقد النكاح على عقد البيع بجامع أن كلا يجب الوفاء بشروطه التي تشترط فيه، ولما كان عقد البيع يثبت فيه الخيار بكل عيب جرت العادة بالسلامة منه فكذلك يكون عقد النكاح فإنه يثبت فيه الخيار بكل عيب جرت العادة بالسلامة منه، بل أن عقد الزواج أولى من عقد البيع في ذلك لأنه قد دلت الأدلة الشرعية على أن الوفاء بشروط عقد النكاح أكبر من الوفاء بشروط عقد البيع ومن ذلك قول النبي(صلى الله عليه وسلم): "إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج"([195]). وكل عيب جرت العادة بأن يكون الإنسان سليماً منه فإن السلامة منه تعد مشروطة عند إطلاق العقد وذلك لأن القواعد الشرعية تقضي بأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً فإذا لم تتحقق السلامة من العيوب التي جرت العادة بالسلامة منها، فإن هذا يعد من التغرير الموجب للغبن وقواعد الشرع تقضي بأن يرفع هذا الغبن ويزال عن المغبون إذا طلب ذلك([196]).
ويناقش هذا:
بأن قياس النكاح على البيع قياس مع الفارق وهو لا يصح إذ أن المقصود في عقد البيع هو المالية ولذلك نجده مبنياً على المساومة والمشاحنة والممارسة بين البائع والمشتري ولهذا كان وجود العيب في المعقود عليه مجيزاً لفسخ العقد وأما النكاح فمبناه على المسامحة والمكارمة، والمسامحة توجب التجاوز عن كثير من العيوب وغض الطرف عنها إلا إذا صرح باشتراط أن يكون أحد الزوجين خالياً عنها فإنه يعلم في هذه الحالة أن للعاقد غرضاً يتعلق باشتراطها.
2 – أن العيوب غير المنصوص عليها تقاس على العيوب المنصوص عليها بجامع أن كلا يسبب نفور الزوج السليم، أو ينافي مقصود النكاح، فكل عيب يؤدي إلى نفور أحد الزوجين من الآخر أو يؤدي إلى نقيض مقصود عقد النكاح يثبت به الخيار خاصة وأن الشارع لم يأت بنص صريح يحدد عيوباً معينة بها، يثبت الخيار، وإنما ورد الشرع بوقائع معينة وذكر فيها الحكم فلم تدل على أن العيوب التي يثبت فيها الخيار محصورة.
الرأي الراجح:
وبعد فإنني أرى أن الرأي الراجح وهو ما ذهب إليه ابن القيم ومن وافقه من أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه أو لا يحصل به مقصود النكاح أو يسبب ضرراً بالغاً للطرف الآخر، يثبت به الخيار وذلك لأن كثيراً من العيوب التي سكت عنها الفقهاء ما هو أولى بثبوت الخيار مما ذكروه كبعض الأمراض المعدية التي لا شفاء منها والمنفرة مثل السل والسرطان وغيرهما من الأمراض التي تنافي مقصود النكاح كبعض أمراض القلب التي تمنع الزوجة من الحمل وغير ذلك ولابد أن تثبت هذه العيوب المنفرة أو المانعة من مقصود النكاح بواسطة أهل الخبرة وهم الأطباء. ويقررون أن هذا المرض يرجى شفاء صاحبه منه أو –لا يحصل الشفاء إلا بعد مدة طويلة يتضرر بمثلها الزوج السليم عادة وذلك جرياً على ما قرره النبي(صلى الله عليه وسلم) في قوله:"لا ضرر ولا ضرار". والله أعلم.
*          *          *

المبحث الثالث
من الذي يثبت له الخيار ووقته
وفيه مطلبان:
المطلب الأول
فيمن يثبت له الخيار
اتفق الفقهاء المثبتون لخيار العيب في النكاح على أن المرأة إذا وجدت بزوجها عيباً من العيوب المثبتة للخيار كان لها أن تطلب التفريق([197])، وذلك لما يأتي:
1– ما رواه أبو داود بسنده إلى ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: طلق عبد يزيد أبو ركانة زوجته أم ركانة ونكح امرأة من مزينة فجاءت إلى النبي(صلى الله عليه وسلم) فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة لشعرة أخذتها من رأسها ففرق بيني وبينه فأخذت النبي(صلى الله عليه وسلم) حمية، وفيه أنه(صلى الله عليه وسلم) قال له "طلقها" ففعل قال راجع امرأتك أم ركانة فقال إني طلقتها ثلاثاً يا رسول الله قال: قد علمت، أرجعها([198]) وتلا قوله تعالى:( ْيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)([199]).
ففي هذا الحديث أن المرأة طلبت من الرسول(صلى الله عليه وسلم) التفريق وأجابها النبي(صلى الله عليه وسلم) لطلبها حيث أمر زوجها بفراقها ولو لم يكن لها ذلك الحق لما أقرها النبي(صلى الله عليه وسلم).
2- ما روي عن عثمان (رضي الله عنه) أنه أمر بالفرقة إذا وجدت المرأة أن زوجها لا يقدر على الوطء([200]).
3- أن الضرر قد وقع بها ولا يمكنها إزالته إذ أمر الطلاق ليس بيدها فوجب القول بجوازها طلبها التفريق إزالة لذلك الضرر.
ثم اختلفوا بعد ذلك فيما إذا وجد الرجل في زوجته عيباً من العيوب المثبتة للخيار هل له حق طلب التفريق كالمرأة أو ليس له سوى الطلاق على رأيين:
الرأي الأول:
وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية إلى أن الرجل([201]) الذي يجد بزوجته عيباً مثبتاً للخيار حق له طلب التفريق.

الرأي الثاني:
وبه قال الحنفية([202]) إلى أنه ليس للرجل سوى الطلاق([203]).
الأدلــة
استدل القائلون بأن للرجل حق طلب التفريق بالعيب المثبت للخيار بالسنة والآثار والمعقول:
أما السنة:
فما رواه ابن ماجه والدارقطني بسنديهما إلى أبي سعيد الدري (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) "لا ضرر ولا ضرار"([204]).
وجه الدلالة من هذا الحديث:
هو أن العيب الذي يجده الرجل في زوجته ضرر واقع به لما يسببه من نفرة وضيق في النفس أو لانتفاء مقاصد النكاح به والضرر يجب أن يزال والرجل وإن كان قادراً على إزالة ذلك الضرر بالطلاق إلا أنه باستعمال حقه في الطلاق يحمل نفسه غرماً لم يتسبب فيه فوجب إعطاؤه حق طلب التفريق تفادياً لهذا الغرم.
أما الأثر:
فما رواه مالك بسنده إلى عمر (رضي الله عنه) أنه قال: (أيما امرأة غربها رجل بها جنون أو جذام أو برص فلها مهرها بما أصاب منها وصداق الرجل على من غره)([205]).
وجه الدلالة من هذا الأثر:
إن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قد أثبت حق الرجل في أن يفارق زوجته إذا وجد بها أحد هذه العيوب، وأن يرجع بالمهر الذي دفعه على من غره، وهذا يدل على أن من لم يكن له علم بالعيب في الزوج الآخر لا يغرم شيئاً. وهذا إنما يكون في الفسخ وإذا كان ذلك قد صح عن عمر فإن ظاهر مثل ذلك لا يكون اجتهاداً بالرأي وإنما يكون عما ثبت بالشرع([206]).
وأما المعقول:
إن المعنى الذي من أجله ثبت الخيار للمرأة بعيب الرجل متحقق عند وجود العيب بالمرأة فيثبت به الخيار للرجل كما ثبت لها الخيار بعيبه بدون فرق.
واستدل القائلون بأنه ليس للرجل حق طلب الفرقة إلا بالطلاق بالسنة والمعقول.

أما السنة:
فما رواه أحمد بن حنبل (رضي الله عنه) عن جميل بن زيد قال: (حدثني شيخ من الأنصار ذكر أنه كانت له صحبة يقال له كعب بن زيد بن كعب، أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) تزوج امرأة من بني غفار فلما دخل عليها فوضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها([207]) بياضاً، فإنجاز عن الفراش ثم قال خذي عليك ثيابك. وفي رواية ألحقي بأهلك ولم يأخذ مما أتاها شيئاً([208]).
وجه الدلالة من الحديث:
إن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لما وجد العيب بزوجته فارقها بالطلاق حيث قال لها:"الحقي بأهلك" وهذا من كنايات الطلاق.
يناقش هذا من وجهين:
الوجه الأول:
إن هذا الحديث رواه جميل بن زيد عن زيد بن كعب عجرة وجميل بن زيد متروك الحديث وزيد بن كعب مجهول فإنه لا يعلم لكعب بن عجرة ولد اسمه زيد، وأيضاً هذا الحديث مرسل والمرسل ضعيف في الاستدلال([209]).
الوجه الثاني:
وعلى فرض صحة الحديث فإن قول النبي(صلى الله عليه وسلم):"الحقي بأهلك" من كنايات الطلاق فتحتمل الفرقة بالطلاق والفرقة بالفسخ وليس هناك ما يرجح أن المراد منها الطلاق وعلى فرض أن المراد به الفرقة بالطلاق فإنه لا خلاف بين العلماء في أن من وجد امرأته معيبة له أن يطلقها فليس في الحديث ما يدل على أنه ليس للرجل سوى الفرقة بالطلاق.
أما المعقول فمنه:
1-  قياس اختلال الاستمتاع بالزوجة المعيبة على فوات الاستمتاع بها إذا ماتت قبل أن يدخل بها بجامع هدم تحقيق الغرض من النكاح في كل فكما لا يسقط المهر بموتها قبل الدخول بها لا يسقط باختلال الاستمتاع بها بعيبها وعدم سقوط المهر يدل على أن الفرقة ليست فسخاً إذ الفسخ يسقط مهر غير المدخول بها([210]).
2-  إن استمتاع الزوج بزوجته ثمرة من ثمرات عقد النكاح، وفوات الثمرة لا يؤثر في عقد الزواج لأن ثمرات عقد الزواج لا يجب أن تراعى كاملة من كل وجه ولهذا لو فات استمتاعه بزوجته لوجود رائحة كريهة بها أو جروح قبيحة فلا يثبت له حق الفسخ الذي يسقط مهرها لأن المستحق للزوج بعقد الزواج هو تمكنه من وطئها وتمكن الزوج من وطئها مع وجود العيب غير ممتنع لجواز أن يطأ الزوج من بها جذام أو برص أو جنون ويتوصل إلى وطء من بها رتق أو قرن بإجراء عملية جراحية في الفرج ما يسده من اللحم أو العظم([211]).
ويناقش هذا:
بأنه من المسلم أن ثمرات الزواج لا يجب تحقيقها كاملة إلا أن الاستمتاع بالمرأة على الوجه المرضي من أهم مقاصد النكاح التي لا يتسامح فيها إلا بالنذر اليسير الذي لا يؤثر على الحياة الزوجية ولكن وجود مثل هذه العيوب التي بها الخيار تضيع المقصود من النكاح كله أو معظمه.
3 – أن الزوج لا يثبت له حق فسخ النكاح بالعيب لإمكانه التخلص من الضرر بالطلاق.
ويناقش هذا:
بأنه وإن كان الرجل يملك التخلص من الضرر بالطلاق إلا أنه يكون بتحمل تبعات الطلاق فيكون قد أضير من هذه الجهة، فوجب إعطاؤه حق الفسخ دفعاً لهذا الضرر.
الرأي الراجح:
وبعد فإنني أرى أن ما ذهب إليه الجمهور من ثبوت حق طلب التفريق، لك من الزوجين بالعيوب المثبتة للخيار هو الراجح، وذلك لما ذكروه من أدلة يضاف إلى ذلك أن حق الخيار ثابت للمرأة إجماعاً  عند القائلين بثبوت خيار العيب، فيكون هذا الحق ثابتاً للرجل أيضاً قياساً على ثبوته للمرأة إذ الأحكام تثبت للجنسين جميعاً. إلا أن يقوم دليل على أن الحكم ثابت في حق أحدهما دون الآخر، وليس هنا دليل على أن الرجل لا يثبت له ذلك الحق بل قام الدليل على ثبوته له كما تقدم.
المطلب الثاني
وقت الخيار وانتهاؤه
أولاً: وقت الخيار:
اختلف الفقهاء في ثبوت حق الخيار وهل هو على التراخي أم على الفور؟([212]) على رأيين:
الرأي الأول:
وبه قال الحنفية وأكثر الحنابلة إلى أن ثبوت خيار العيب في النكاح يكون على التراخي([213]).
الرأي الثاني:
وبه قال المالكية والإمامية والصحيح عند الشافعية وبعض الحنابلة إلى ثبوت الخيار في النكاح يكون على الفور([214]).
الأدلــة
استدل القائلون بأن خيار العيب في النكاح يكون على التراخي بأن الخيار هنا ثبت لدفع ضرر متحقق فكان على التراخي كخيار القصاص.
واستدل القائلون بأن خيار العيب في النكاح يكون على الفور بأن هذا الخيار سببه العيب فيكون على الفور كخيار العيب في المبيع.
ويناقش هذا:
بأنه قياس مع الفارق فلا يصح إذ أن مورد العقد في كل من البيع والنكاح مختلف.
الرأي الراجح:
وبعد فإن ما ذهب إليه القائلون بثبوت خيار العيب في النكاح على التراخي هو الراجح، وذلك لأن الشأن في مثل هذه الأمور أنها تحتاج إلى التروي حتى يتمكن الزوج من اتخاذ القرار الذي فيه صلاح أمره.
وبناءً على هذا يثبت الخيار لصاحب الحق فيه من وقت أن يعلم بالعيب ور يتقيد بمدة محددة فلو سكت ولم يطالب بحقه مدة من الزمن أو طالب ثم سكت لم يسقط حقه في الخيار سواء قبل الرفع إلى القضاء أو بعده، لأن هذا قد يكون رجاء لزوال العيب هذا كله إذا لم يصدر منه رضا صراحة أو دلالة.
ثانياً: انتهاء الخيار:
عرفنا فيما سبق أن الفقهاء قد اختلفوا في وقت الخيار بالنسبة لعقد النكاح، فذهب بعضهم إلى أنه على التراخي، وذهب البعض الآخر إلى أنه على الفور، وثمرة الخلاف بين الرأيين تظهر في وقت انتهائه فمن قال بالتراخي في ثبوت ذلك الخيار ذهب إلى أن هذا الحق يسقط ولا ينتهي إلا بالرضا بالقول، كقوله رضيت بالزوجة على عيبها أو بالفعل كأن يعلم عيبها ومع هذا يقدم على جماعها أو تعلم عيبه وتمكنه من نفسها.
وأما القائلون بالفورية في ثبوت خيار النكاح فقد ذهبوا إلى أن ذلك الخيار ينتهي بمجرد أن يتمكن من الرفع إلى الحاكم وإن لم يرفع وكذا إذا رضي بالعيب بالقول أو بالفعل.
والقائلون بالتراخي والفورية متفقون على أن امرأة العنين لو مكنت زوجها من نفسها راجية زوال العنة فهذا لا يسقط حقها في المطالبة بالفرقة، وإذا ادعى من له الخيار أنه يجهل أن الخيار على الفور أو ادعى أنه لا يعلم أن مثل ذلك العيب يثبت له الخيار صدق في مدعاة مع يمينه([215]).
المبحث الرابع
نوع الفرقة ومن يملكها
وذلك في مطلبين:
المطلب الأول
نوع الفرقـــــة
اختلف الفقهاء في نوع الفرقة التي تكون بسبب العيب في أحد الزوجين هل هي فسخ أو طلاق على رأيين:
الرأي الأول:
وبه قال الشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية إلى أن هذه الفرقة تعد فسخاً للنكاح([216]).
الرأي الثاني:
وبه قال الحنفية والمالكية إلى أن هذه الفرقة تعد طلاقاً بائناً([217]).
الأدلــة
استدل القائلون بان الفرقة بسبب العيب فسخ بما يأتي:
1- أن الفرقة بين الزوجين بسبب العيب تكون باختيار المرأة إذ كان العيب في الرجل أو بسببها إذا كان لعيب فيها([218]).
ويناقش هذا:
بأنه غير مسلم يمكن القول بأن الفرقة إما باختيار الرجل إذا كان العيب بالمرأة أو بسببه إن كان العيب فيه.
2- إن هذا الخيار ثبت بسبب وجود العيب فكان فسخاً كفسخ المشتري للمبيع بسبب وجود العيب فيه.
ويناقش هذا:
بأنه قياس مع الفرق إذ المحل في كل من العقدين مختلف.
واستدل القائلون بأن الفرقة بسبب العيب تعد طلاقاً بائناً بما يأتي:
أ- استدل الحنفية على مذهبهم هذا بأن سبب الفرقة يرجع إلى جهة الرجل لأن الله تعالى قد أوجب عليه الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان واستمرار العشرة مع العيب ليس من الإمساك بالمعروف في شيء فوجب على الزوج التسريح بالإحسان فإذا امتثل وطلق بنفسه كان حسناً، و إلا قام القاضي مقامه في ذلك([219]).
ب- واستدل المالكية على أن الفرقة طلاق بأنها من المختلف فيها بين العلماء والقاعدة عندهم أن ما كان مختلفاً فيه فالفرقة فيه تعد طلاقاً وما كان مجمعاً عليه فالفرقة فيه تعد فسخاً([220]).
الرأي الراجح:
وبعد فإنني أرى أن الفرقة إن كانت بسبب عيب في المرأة فإنها تكون فسخاً، حتى لا يتحمل الزوج توابع الطلاق مع أن الضرر واقع عليه، وأما إن كانت الفرقة بسبب عيب في الزوج فإن الفرقة تكون طلاقاً حتى لا تضار الزوجة بسبب غرور الرجل لها وكتمان العيب عنها.
وأن هذه الفرقة تعد طلاقاً بائناً لأن المقصود من التفريق تخليص الزوجة من زوج لا يتوقع منه إيفاء حقها فكانت الفرقة دفعاً للظلم والضرر، وهذا لا يحصل إلا بالبينونة و إلا راجعها الزوج فلا يحصل المعنى المقصود من التفريق([221]).
وعلى كل حال إذا اتفق الزوجان بعد الفرقة على الاقتران ببعضهما مرة ثانية فإنه يجوز لهما بشرط أن يكون بينهما عقد ومهر جديدان سواء كانت الفرقة فسخاً أو طلاقاً بائناً، وسواء كان العقد على المرأة ثانية في عدتها أو –لا. والله أعلم.
وجوه الاختلاف بين الفرقة بالطلاق والفرقة بالفسخ:
ويجدر بنا قبل أن نترك هذا المطلب أن نبين ما تتفق فيه الفرقة بالفسخ والفرقة بالطلاق وما تختلفان فيه:
تتفق الفرقة بالفسخ والفرقة بالطلاق في أن كلا منهما يرفع حكم الزواج وينهي عقد الزوجية.
ويفترقان فيما يأتي:
1- إن الفرقة بين الزوجين بالطلاق تحتسب من عدد الطلقات الثلاث التي يملكها الزوج على زوجته. وأما الفرقة بالفسخ فلا تحتسب من عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته.
2- إن الفرقة بين الزوجين بالفسخ بعد العقد على الزوجة وقبل الدخول بها لا يوجب على الزوج شيئاً من المهر، وأما الفرقة بينهما بالطلاق بعد العقد عليها وقبل الدخول يوجب على الزوج نصف المهر لقول الله –تبارك وتعالى-:( وإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)([222]).
3- إن الفرقة بالفسخ لابد وأن يكون لها سبب بخلاف الفرقة بالطلاق فإنها لا تحتاج إلى سبب.
4- إن الفرقة بالطلاق يجوز تنجيزها أو تعليقها أما الفرقة بالفسخ فلا تكون إلا منجزة([223]).
5- إن الطلاق يرد على العقد الصحيح فقط إما الفسخ فيرد على العقد الصحيح وغيره([224]).
6- الطلاق يملكه الزوج وحده، وقد ينتقل عن ملكه بوكالة أو تفويض أو قيام حاكم مقامه أما الفسخ فيملكه الزوج أو الزوجة أو غيرهما على حسب السبب الداعي إلى الفسخ.
7- الطلاق بعد الدخول يوجب المسمى من المهر ويوجب العدة أما الفسخ بعد الدخول فيوجب مهر المثل، أي المهر الذي يرغب به الزواج، في مثل هذه المرأة عادة فإن كان قد نقد المسمى وكان أكثر من مهر المثل كان له أن يطالب بالزائد عن مهر المثل.
ويوجب العدة إلا عند الظاهرية([225]) الذين يرون أنه لا عدة على المفسوخ نكاحها. إلا أن يكون الفسخ بسبب خيار العتق فيكون لها عدة في ذلك الفسخ فقط([226]).
وخالف الحنفية وأحمد في رواية فقالوا أن المفسوخ نكاحها بعد الدخول يكون لها المسمى([227]).
8- إن الطلاق ينقسم إلى بائن ورجعي فالبائن هو الذي لا يملك الزوج الرجعة فيه إلا بعقد ومهر جديدين، إذا كانت البينونة صغرى، وبالزواج من آخر إذا كانت البينونة كبرى، والرجعي يملك الزوج فيه مراجعة زوجته ما دامت في العدة، أما الفسخ فنوع واحد وكله لا يملك الزوج الرجعة فيه بل بعضه يجوز للزوج أن يعقد عليها عقداً جديداً كالفرقة بالعيوب وبعضها لا تحل فيه الزوجة أبداً كالفرقة باللعان ولو نكحت زوجاً غيره حسب السبب الموجب للفسخ([228]).
المطلب الثاني
هل يحتاج التفريق بالعيب إلى حكم حاكم؟
اختلف الفقهاء في احتياج التفريق إلى حكم حاكم على رأيين:
الرأي الأول:
وبه قال الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن التفريق لابد فيه من حكم حاكم([229]).
الرأي الثاني:
وبه قال الإمامية والزيدية إلى أن التفريق بالعيب لا يحتاج إلى حكم حاكم بل يجوز أن يوقعه من له حق التفريق من الزوجين([230]).
استدل القائلون بأن التفريق يحتاج إلى حكم حاكم بأن التفريق بين الزوجين بالعيوب مبني على أمر خفي وهو العيب وما يتعلق به ولذا اختلفت الأنظار فيه فتوقف على حكم حاكم لأن حكمه يرفع الخلاف.
واستدل القائلون بأن التفريق بأن التفريق يجوز أن يستقل به من له مصلحة التفريق بالقياس على فسخ عقد البيع بالعيب فإنه يستقل به المتبايعان.
ويناقش هذا:
بأنه قياس مع الفارق فلا يصح وذلك لأن حق الرد في البيع ثابت للمتعاقدين وحدهما فلهما أن يمضياه أو يفسخاه بالعيب، أما النكاح فيترتب على فسخه حق لكل من الزوجين وحق لله تعالى وهذه لا توكل إلى آحاد الأفراد، وإنما يتولاها الحاكم بحكم فيها حسبما يؤديه إليه اجتهاده.
الرأي الراجح:
وبعد فإنني أرى أن ما ذهب إليه الجمهور من أن الفرقة بالعيب بين الزوجين تحتاج إلى حكم حاكم هو الراجح لما ذكروه، يضاف إلى ذلك أن ترك هذا الأمر لآحاد الناس يترتب عليه نزاع بين الزوجين وقد يفتح الباب أمام الكثيرين إلى التفريق بعيوب لا يثبت الخيار بها نظراً لجهل العامة بمثل هذه الأمور، خاصة في زماننا هذا وحكم الحاكم هو الذي يرفع هذا النزاع ويسد ذلك الباب.
من يوقع الفرقة؟
بعد أن اخترت قول الجمهور الذين قالوا إن التفريق بين الزوجين بالعيوب يحتاج إلى حكم حاكم أرى أن أذكر خلاف الفقهاء فيمن يوقع هذه الفرقة، هل يوقعها الحاكم أو يوقعها صاحب الحق بعد أمر الحاكم له. اختلف الفقهاء في ذلك على أربعة مذاهب:
1- ذهب الحنفية الذين يرون أن خيار العيب يثبت للمرأة إلى أن القاضي يعرض على الرجل الطلاق فإن طلق فالأمر ظاهر، وإن أبى فرق القاضي بينهما وذلك لأن الفرقة طلاق والمرأة لا تملكه، وقد نقل عن أبي يوسف أنه جعل اختيار المرأة في حد ذاته فرقة في ظاهر الرواية إذا أبى الرجل الطلاق، ولا حاجة إلى تفريق القاضي، وذلك لأن تخيير القاضي للمرأة تفويض منه أمر الطلاق إليها، فكان اختيارها الفرقة في معنى تفريق القاضي([231]).
2- وذهب المالكية إلى أن الخيار إن كان للرجل بأن كانت المرأة هي المعيبة استقل الرجل بإيقاع الفرقة بعد تخيير القاضي له لأنها طلاق وهو يملكه وإن كان الخيار للمرأة فبعد أن يخيرها القاضي يعرض على الرجل الطلاق فإن طلق فالأمر ظاهر، وإن أبى الطلاق فقيل يطلق القاضي عليه، وقيل يأمره بإيقاع الطلاق ثم يشهد على ذلك وهذا هو الراجح عند كثير من المالكية([232]).
3- وذهب الشافعية إلى أن الخيار إن كان للرجل استقل بإيقاع الفرقة بحضرة القاضي وكذا المرأة إن ثبت لها الخيار، وقيل تحتاج إلى إذن القاضي لها بإيقاع الفرقة([233]).
4- وذهب الحنابلة إلى أن الفرقة تحتاج إلى حكم القاضي وأمرها موكول إلى نظره، فإما أن يخولها إلى من ثبت له حق الفسخ بالعيب أو يتولى هو إيقاعها([234]). فهو مخير بين هذا وذاك بحسب نظره.
الراجح:
وبعد فإنني أرى أن ما ذهب إليه الحنابلة من أن أمر الفرقة موكول إلى القاضي إن شاء أوقعها بنفسه وإن شاء خولها إلى صاحب الحق هو الراجح، وذلك بناءً على ما رجحته سابقاً من أن الفرقة تحتاج إلى حكم الحاكم لما فيها من نظر واجتهاد فهو الذي يقدر العيب ويقدر المدة وغير ذلك مما يتقدم الفسخ فكان أمرها كله موكولاً إليه.والله أعلم.

المبحث الخامس
اختلاف الزوجين
أولاً: اختلاف الزوجين في وجود العيب:
إذا اختلف الزوجان في وجود العيب كأن وجد في جسم أحدهما بياض يحتمل أن يكون بهاقاً ويحتمل أن يكون برصاً واختلفا في كونه برصاً. أو كان بأحدهما علامات الجذام كسقوط شعر الحاجبين واختلفا في كونه جذاماً، فإن المدعي من الزوجين بأن هذا عيب عليه أن يقيم البينة على دعواه، وذلك بإحضار شهادة اثنين من أهل الخبرة بالطب والثقة يشهدان فيها بأن هذا المرض المختلف فيه هو كذا بالتحديد فإذا شهدا بذلك فقد ثبتت دعواه، وإذا لم يشهدا به أو تعذر الحصول على الشهادة توجهت اليمين على المنكر وذلك لقول النبي(صلى الله عليه وسلم):"البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"([235])، وإذا كان الاختلاف في العيوب المختصة بالنساء عرضت المرأة على نساء ثقات ومن أهل الاختصاص كالطبيبة ويجوز قبول شهادة الطبيب أيضاً إذا كان من أهل الاختصاص، ويجوز قبول قول امرأة واحدة في ذلك، فإذا شهدت بما يقول الزوج ثبت العيب في الزوجة، وإذا لم تشهد بما يقوله فقد ثبت قول الزوجة([236]).
ثانياً: اختلاف الزوجين في العلم بالعيب:
إذا علم أحد الزوجين بعيب الآخر وقت العقد أو بعده فرضي به صراحة أو دلالة فليس له الخيار بعد ذلك إلا في عيب العنة فإن بعض العلماء كالشافعية يرى أن المرأة إذا علمت بعنة الزوج قبل العقد عليها فلها الخيار في فسخ الزواج بعد العقد، ويرى البعض الآخر كالحنفية أن المرأة إذا كانت قد تزوجت العنين وهي عالمة بحاله فلا خيار لها، وإن لم تكن عالمة به فلها المطالبة بالفرقة.
أما إذا اختلف الزوجان في العلم بالعيب فادعى أحدهما أن الآخر كان يعلم أن به عيباً معيناً وأنكر الآخر علمه بهذا العيب وليست هناك بينة تشهد لأحدهما فإن القول قول المنكر بيمينه حيث إنه عند الاختلاف أو الشك في وجود شيء أو عدم وجوده يرجع إلى الأصل، والأصل هنا هو عدم وجود العلم بالعيب([237]).

المبحث السادس
شروط ثبوت الخيار
سبق أن عرفنا أن الرأي الراجح هو أن خيار العيب يثبت في عقد النكاح، للزوج السليم، وقد اشترط الفقهاء في ثبوت ذلك الخيار شروطاً أجمل أهمها فيما يلي:
1-  أن يكون العيب مما ينفر منه الزوج السليم أو يكون مانعاً لمقصود النكاح وفقاً لما اخترته سابقاً، من أن العيوب المثبتة للخيار غير محصورة.
2-  ألا يكون الزوج غير المعيب عالماً بعيب الطرف الآخر عند إبرام النكاح، فإن كان عالماً به سقط حقه في الخيار لأن إقدامه على الزواج مع العلم بالعيب يعد رضا به([238])، باستثناء العنة عند الشافعية كما ذكر في المبحث السابق.
3-  ألا يظهر من الزوج غير المعيب عند علمه بعيب الطرف الآخر ما يدل على رضاه بالعيب صراحة أو دلالة، فإن ظهر منه الرضا سقط حقه في الخيار لأن الخيار شرع رعاية لحقه ولا حرج على الإنسان في أن يتنازل عن حقه.
4-    أن ينتظر الزوج المعيب إلى مدة يحكم فيها أهل الخبرة بعدم زوال هذا العيب في المستقبل([239]).
وقد سبق ذكر ذلك عند الحديث عن العيوب المثبتة للخيار.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم