السبت، 14 ديسمبر 2013

تنظيم العلاقات المالية بين الزوجين في إطار مدونة ألأسرة المغربية والقضاء الأروبي



إن تنظيم العلاقة المالية بين الزوجين عند انحلال الرابطة الزوجية تختلف باختلاف مرجعية النظام القانوني السائد في كل دولة وفلسفتها للرابطة الزوجية، الأمر الذي يجعل العلاقات المالية ذات العنصر الأجنبي محل لتنازع القوانين.
ذلك أن المشرع المغربي ورغم المستجد الذي نص عليه في المادة 49 من مدونة الأسرة على أنه يجوز للزوجين في إطار تدبير الأموال التي ستكسب أثناء قيام الزوجية الاتفاق على استثمارها وتوزيعها، بحيث يتراضيان في بداية حياتهما الزوجية على الطريقة التي يروها ناجعة لاستثمار أموالهما, ويحددان أيضا نصيب هما, من الأموال التي تمت اكتسابها خلال الحياة الزوجية أو عند انتهائها بالوفاة أو الطلاق.
(استجابت هذه المادة للواقع المعيش للأسرة المغربية و عالجت مسألة حق استفادة الزوجة من الأموال المكونة خلال الحياة الزوجية والتي ساهمت في تكوينها، عند وقوع الطلاق، معتمدة في ذلك علة مقاصد الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، الذي تبلور في عدة فتاوي ونوازل حكم فيها القضاء عملا بقواعد الإنصاف والعدالة والقسط، حيث ساير العمل القضائي الحديث هذا التراث الفقهي في العديد من الأحكام الصادرة من مختلف درجات المحاكم المغربية ففي قرار صادر بتاريخ 28-11-1987 تحت عدد 44. للمجلس الأعلى اعتبر أن "الاستفادة التي تحصل للزوجة إذا تبت أن ما استفاد له ناتج عن عملهما المشترك، تجعل الكد والسعاية ثابتين للزوجة وتستحق بذلك نسبة من الثروة خلال الحياة الزوجية.)
 وتجد هذه المادة سندها فيما يصطلح عليه فقها وقانونا، من تصرفات تدخل في نطاق مبدأ سلطان الإرادة, التي تخول لكل شخص تدبير شؤونه وإدارة أمواله، والتصرف فيها بالشكل الذي يراه ملائما من غير أن يخالف القواعد الآمرة في ذلك.
فانه و رغم ما تضمنته هذه المادة من مقتضيات إلا أنها جاءت لتؤكد من جديد، ما كان عليه الوضع في ظل مدونة الأحوال الشخصية، و أن الذمة المالية لكل واحد من الزوجين تظل مستقلة عن الآخر يتصرف فيها كيف شاء .
فالأصل هو استقلال كل شخص بذمته المالية، الأمر الذي يعني أن الزوج المغربي في إطار الطلاق الاتفاقي يقوم بتنفيذ ما التزم به من تدبير لأموال المكتسبة خلال قيام الزوجية وفق مبدأ انفصال الذمة المالية للزوجين ، وفي حالة عدم وجود اتفاق مسبق بينهما, فإنهما يخضعان للقواعد العامة في الإثبات حسب ما نص ت عليه المادة 49.
على انه في حالة الاتفاق على تدبير أموالهما المشتركة, ليس هناك ما يمنع الطرفين من تنفيذ الاتفاق حول قسمة الأموال التي اكتسبت أثناء قيام الزوجية أو إعادة قسمتها، ما دام أن المشرع المغربي عمل على توسيع مجال الإرادة في مدونة الأسرة , وإن كانت المادة 49 من مدونة الأسرة لم تعترف بحق الزوجة في الكد والسعاية كما نادى به العديد من فقهاء المالكية في المغرب.
ذلك أن المشرع المغربي كل ما سمح به هو إمكانية الزوجين، إبرام عقد مستقل بينهما، يتوافقان فيه على الطريقة التي سيتم بها تدبير الأموال التي سيتم اكتسابها.
 والواقع أنه سمح بتصرف هو أصلا مباح شرعا وقانونا ويجوز القيام به من غير التنصيص عليه مادامت هذه التصرفات لا تمس النظام العام المغربي ولا مقاصد وغايات عقد الزواج وليس من الشروط المنافية له.
 كما أن هذا التصرف ينبثق من استقلال كل واحد من الزوجين بذمته المالية، وهذا على خلاف ما ذهب إليه المشرع التونسي الذي أجاز للزوجين اختيار نظام الاشتراك في الأملاك عند إبرام عقد الزواج أو بتاريخ لاحق.
وهو نظام اختياري يهدف إلى جعل عقار أو جملة من العقارات ملكا مشتركا بين الزوجين متى كانت من متعلقات العائلة بل ذهب أبعد من ذلك عندما نص في الفصل 2 انه إذا صرح الزوجان بأنهما يختاران نظام الاشتراك في الأملاك فإنهما يخضعان إلى أحكام هذا القانون , كما يحق لهما الاتفاق على توسيع نطاق الاشتراك بشرط التنصيص على ذلك صراحة بالعقد.
وبهذا منح القانون التونسي للزوجين الحرية التامة في اختيار النظام المالي الذي يرغبان في الخضوع إليه , واعتبر الزواج المبرم دون تنصيص على رأي الزوجين في نظام الأملاك الزوجية, بمثابة اختيار لنظام التفرقة في الأملاك..
وإن كان الأشكال يطرح في حالة كون الزوجين يحملان معا ا لجنسية المغربية واختار الخضوع إلى قانون الموطن المشترك، أو في الحالة التي يكون أحد الزوجين أجنبيا، أو يتوفران على ازدواجية في الجنسية. لأن النظام السائد في الدول الغربية هو مبدأ شيوع الأموال بين الزوجين ما لم يتفق الأطراف على استعباده، فالقانون الفرنسي يترك حرية للزوجين في الاختيار بين  :
- نظام الفصل في الأموال الذي يقوم على الفصل الاتفاقي للأموال، و ا ن كان الزوجين يشتركان في واجب المساعدة والنفقة وما تتطلبه مصروفات البيت وما يتم اقتناؤه, بعد الزواج مما يستلزم عند إنهاء العلاقة الزوجية تنظيم العلاقة المالية على أساس أنها قائمة على الاشتراك في الأموال فيما اقتناه الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية.
- نظام الاشتراك في الأموال وهو إما نظام اشتراك قانوني، المتبع فيما لم يختر الزوجان نظام آخر في العقد أو الاشتراك الاتفاقي إذ يتم الاتفاق على تعديل نظام الاشتراك القانوني وتمديده ليشمل كل الأموال المنقولة والعقارية التي يملكانها من تاريخ إبرام الزواج.
كما أن القانون البلجيكي يستلزم من الزوجين في حالة الطلاق الاتفاقي، القيام بالتسوية الاتفاقية، وتوزيع جميع الممتلكات المشتركة وتوثيق هذه الحقوق المتفق عليها بشكل دقيق في متن الاتفاق الأولي أو في عقد مستقل، وقد منح المشرع البلجيكي الحرية لإرادة الزوجين فيما يقررانه، مما سيسمح للمغاربة المقيمين في بلجيكا, اختيار القانون الوطني المغربي في ما يخص تدبير أموالهما المشتركة.
 إلا أن الضمانات التي يقررها التقنين البلجيكي للزوجين مقارنة مع التشريع المغربي تجعل الزوجين يرغبان في الخضوع للقانون البلجيكي الذي يوجب عل هما في حالة وجود عقارات مشتركة اللجوء إلى جرد الممتلكات, من قبل الموثق, الذي يجب عليه القيام باتخاذ جميع الإجراءات التي ينص عليها القانون.
وإن كان قانون وجود العقارات يتدخل من أجل الحد من اتفاق الأطراف وحماية الطرف المتضرر، فإن الأمر لا يثير ا شكالا إذا كان موقع هذه الممتلكات في موطنها المشترك.
 وعلى خلاف ذلك عندما يكون موقع بعض الممتلكات في المغرب، فقد يلجأ أحد الزوجين إلى التدليس أو الغبن, خاصة وأن المشرع المغربي لا يعترف بحق المرأة في أن تمتلك حصة من الممتلكات مساوية لحصة الزوج عند انتهاء الرابطة الزوجية، وحتى عندما تكون هذه الحقوق القانونية ثابتة للمرأة باتفاق مسبق، وتقوم المحاكم بإنفاذها، فإن الرجل هو الذي يدير الممتلكات التي تملكها المرأة أثناء الزواج أو عند الطلاق.
و أمام غياب نص تشريعي في القانون المغربي يوفر لها هذه الحماية, نجد أن التشريع البلجيكي يفرض للنظام المالي في قانون الطلاق حماية خاصة، إذ يتعرض طرف العلاقة الزوجية الذي تحايل على القانون, في شخص الخبير العقاري في حالة تعيينه أو الموثق,   بإخفاء بعض الممتلكات عن الآخر إلى عقوبات جنائية سالبة للحرية، أو مادية بالإضافة إلى العقوبات المدنية كحرمانه من الأموال التي قام بإخفائها.
أما في حالة غياب اتفاق مسبق بين الزوجين خلال الحياة الزوجية، فإنه حسب المادة 49 من قانون الأسرة يكون التركيز موجها بدرجة أكبر عند تقسيم ممتلكات الزوجية إلى المساهمات المالية في الملكية المكتسبة أثناء الزواج، بينما ينتقص من قدر الإسهامات الأخرى، مثل تربية الأطفال ورعاية الأقرباء وأداء الواجبات المنزلية، وهذه الإسهامات ذات الطابع غير مالي التي تقدمها الزوجة، كثيرا ما تمكن الزوج من كسب الدخل ومن زيادة الأصول المالية، الأمر الذي يجعل المرأة المغربية تفضل اختيار الخضوع لقانون الإقامة على القانون الوطني المغربي
 مما يستوجب من المشرع المغربي القيام ب تدارك النقص التشريعي وحماية الأموال المكتسبة أثناء الحياة الزوجية , وإعطاء الإسهامات المالية وغير المالية نفس الوزن، عند غياب اتفاق مسبق بين الزوجين، والعمل على توفير النصوص القانونية، التي تضمن الحماية من التدليس أو التحايل الذي يقوم به أحد طرفي العلاقة الزوجية والإقتداء بال نهج الذي سار عليه التشريع البلجيكي من خلال فرض عقوبات مدنية وجنائية عند الاقتضاء.  


                                                                    تم بحمد الله
                                                                        منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم