الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

حقوق الرجل والمرأة بين الرؤية الإسلامية والرؤية السائدة في ثقافة المجتمع الإسلامي (جـ2) - د/ أحمد الخمليشي

تتمة البحث :

ثانيا – القوامة :
يتميز مجتمع الإنسان بـ "تنظيم" سلوك أفراده في علاقات بعضهم ببعض، ولا يستثنى من ذلك شيء من هذه العلاقات بدءا من التي تخص شخصين اثنين كالزوج والزوجة إلى التي تهم المجتمع كله: الدولة ومؤسساتها.
ولا بديل عن التنظيم إلا الفوضى، والفوضى طريق للفناء وليست دعامة بناء.
ولكن "التنظيم" تتفاوت قواعده في الصرامة والمرونة بسبب طبيعة العلاقات أو المؤسسة المعنية[77]، أو بسبب اختلاف الزمن وتطور مفاهيم التعايش فتندثر أنظمة وتستجد أخرى.[78]
في موضوع "القوامة" التي نناقشها، يبدو أننا نتناوله بنوع من السطحية بإغفال تنوع وتفاوت الأنظمة التي يخضع لها المجتمع الإنساني في مؤسساته والعلاقات بين أفراده، ويبدو ذلك جليا في الاحتجاج بكون القوامة ضرورية لأن إلغاءها يعني الفوضى في سير مؤسسة الأسرة.
وما نراه سليما هو القول بأن مؤسسة الأسرة لا غنى لها عن "تنظيم"، وهذا التنظيم يتعين أن يكون منسجما مع طبيعتها باعتبارها مكونة من زوجين أولا ثم يضاف إليها أطفال. ومركز كل واحد من الزوجين داخلها وكذا الأطفال يتأثر بالمفاهيم العامة للتعايش الاجتماعي والبشري التي تخضع لسنة التطور الحتمية.
ومن هذا المنظور نقول جازمين باختلاف مفهوم القوامة بين نصوص القرآن وبين الثقافة السائدة المشكلة من التفسير الفقهي لتلك النصوص.
فالقرآن الذي أشار إلى القوامة، أخضع مفهومها بنص آمر لـ "المعروف" (وعاشروهن بالمعروف) و"المعروف" يتغير معناه حتما بتغير الواقع الاجتماعي وملابساته.
والتفسير الفقهي للقوامة يمكن القول إنه كان منسجما مع "المعروف" الذي كان قائما وقت ظهور هذا التفسير.
فهو يرى مثلا أن القوامة تخول الزوج حقوق:[79]
                       ·            منع الزوجة من الخروج من بيت الزوجية إلا لعذر.
                       ·            منعها من الخروج لحضور مجلس تعليم أو وليمة[80] أو زيارة والديها[81] أو من أداء شعائر دينية.[82]
                       ·            منعها من العمل ولو داخل البيت[83].
                       ·            استعمال العنف الجسدي مع تطبيق المقولة الشهيرة: "لا يسأل الرجل فيم ضرب أهله".[84]
                       ·            الإضرار بالزوجة وإن كان ممنوعا شرعا، لكن المتضررة لا حق لها في رفع الأمر إلى القضاء.[85]
هذه بعض وليس كل "الحقوق" التي تخولها القوامة للرجل إزاء زوجته في الثقافة المتداولة. فهل هي منسجمة مع "المعروف"[86] الذي أمر به القرآن أكثر من عشرين مرة في الآيات المتعلقة بالأسرة وفي مقدمتها: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)، و(عاشروهن بالمعروف)؟.
فهل هذه هي القوامة التي أشار إليها القرآن ؟!
ثالثا – إنهاء العلاقة الزوجية :
ورد في القرآن أن الزوج يــطـلق (فإن طـلقها فلا جـناح عليهما أن يتراجعا)[87] كما سـمـيت المـرأة مـطــلقة (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)[88]
لكن ما ينبغي استحضاره هو:
1 – أن هذه الصيغ لم يؤسسها القرآن وإنما كانت الصيغة الوحيدة المستعملة في التخاطب تعبيرا عن الممارسة اليومية الفعلية، وهي أن الطلاق يملكه الرجل وحده، يتصرف فيه متى شاء، وكيف شاء، أما المرأة فإنها محل للطلاق، وليست طرفا فيه، وكل ما يمكنها أن تفعل هو أن تؤدي للزوج ما يرضى به ليصرح بطلاقها، وبذلك لم يكن هناك مصطلح آخر غير "مطلق" و"مطلقة" المعبرين عن كون الزوج دائما هو المطلق (باسم الفاعل)، والزوجة مطلقة (باسم المفعول) في جميع الأحوال.
2 – القرآن عندما احتفظ بالمصطلحات المتداولة في موضوع العلاقة الزوجية وإنهائها، أرفق ذلك بقيود.
نكتفي بالإشارة إلى الآيتين الأساسيتين في تشريع الطلاق:
        ·    (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان... تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)[89]
        ·    (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فإذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف)[90]
لعل مما لا يختلف فيه اثنان أن هذه الآيات تقرر بصريح العبارة، الأحكام التالية:
                       ·            الاستمرار في العلاقة الزوجية وإنهاؤها يحكمهما مبدأ "المعروف".[91]
        ·    مبدأ "المعروف" يشكل "حدود الله" التي يبيح بها سبحانه لعباده المتقين دائرة المباح والجائز من بقاء العلاقة الزوجية وإنهائها.
                       ·            المتجاوز لهذه الحدود والدائرة يعتبر "متعديا" و"ظالما".
ومن المؤكد أن تطبيق هذه الأحكام لا يبقى حيفا في علاقات الزوجين وحقوقهما كطرفين في هذه العلاقات، فمن أين أتى الحيف والخلل؟
الحيف آت من التفسير الفقهي الذي أوكل تطبيق "المعروف" إلى الزوج، ومنع القضاء من التدخل لمنع "تجاوزه" للمعروف، بل فرض على القضاء تنفيذ "طلاقه" مهما كان متعسفا فيه، أو "مخالفا للسنة" وبأي صيغة بدا له أن يجريها على لسانه وحتى بصيغة الهزل والفكاهة[92]
وبالمقابل، لا يمكن للمرأة أن تتخلص من العلاقة الزوجية إلا بإرضاء الزوج بمقابل تدفعه له أو بإثباتها أمام القضاء إضراره بها "من غير ذنب ارتكبته".[93]
وسند الفقه فيما ذهب إليه أمران:
الأول: أن الطلاق هو إنهاء الزوج لحقه الذي هو حل التمتع بالمرأة[94] وصاحب الحق حر في أن يتنازل عن حقه ويضع حدا للاستفادة منه في أي وقت شاء وبأي وسيلة أراد.
والثاني: أن ما أمر الله به من المعاشرة بالمعروف، والتسريح بالإحسان أو المفارقة بالمعروف ومنع الإضرار بالزوجة.. كل ذلك المخاطب به هو الزوج، إذا لم يمتثل له كان قد فعل حراما، وفعله المحرم نافذ ولا حق للقضاء في منعه من تصرفاته الحرام وحتى من إعلان بطلانها.[95]
لكن هذا السند المزدوج لا يبدو سليما.
فالقول بأن الطلاق هو مجرد إنهاء لحق أو إزالة لملك تصعب نسبته إلى شريعة الإسلام التي وصفت عقد الزواج بالميثاق الغليظ، وجعلت كلا من الزوجين لباسا للآخر. فكيف نقول "النكاح معاوضة البضع بالمال" بما يترتب عن هذه العبارة من النتائج التي تنزل بالزواج إلى الدرك الأسفل..؟
وكذلك القول بأن المخاطب في أحكام العلاقة بين الزوجين هم الأزواج دون القضاء والأمة، يتناقض مع المبادئ البدهية للشريعة التي منها: حق المظلوم في الالتجاء إلى القضاء والسلطات العامة لرفع الحيف عنه، وعدم اعتراف الشريعة بآثار التصرف المخالف لأحكامها فبالأحرى أن تأمر الأمة بتنفيذ آثاره مثل التصرف الموافق لما أمرت به.
والمعروف الذي أمر به في العلاقة بين الزوجين، اعتبر القرآن تجاوزه ظلما، فكيف لا يكون تنظيم هذا المعروف لتفادي الظلم واجبا على الأمة؟. وقوانينا الحالية تدخلت فعلا في تنظيم أحكام تتعلق بالنظام الأسري ذاته، لم يزد القرآن على الأمر فيها بالمعروف. ومن الأمثلة:
                       ·            نفقة المطلقة المرضع (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف).[96]
فهذا المعروف أسند اليوم تقديره عند الاختلاف إلى السلطة القضائية في جميع قوانين الدول الإسلامية.
        ·    أخذ الولي من أموال اليتيم بالمعروف (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف)[97]، والخطاب هنا موجه إلى الولي مباشرة ومع ذلك تدخلت القوانين فمنعته من استهلاك أي شيء لفائدته من مال اليتيم وإلا اعتبر مرتكبا لخيانة الأمانة، نعم منحته حق طلب أجرة تحددها المحكمة على أساس ما يخصصه من وقت لإدارة مال المحجور عليه.
هذان المثلان يؤكدان –إن احتاج الأمر إلى تأكيد- أن تنظيم العلاقات التي أخضعتها الشريعة لـ"المعروف" أمر واجب، تفاديا للشطط أو التحكم الذي يمكن أن يمارسه طرفا العلاقة أو أحدهما.
ولا ينكر أحد وجود الشطط في ممارسة التمسك بالعلاقة الزوجية، أو إنهائها، لذا نعتقد أن شريعة الإسلام تفرض تنظيم تلك الممارسة بالمعروف المحمود من المجتمع ومن ظروف حياته وملابسات واقعه.
رابعا – الرجعة :
إرجاع الزوج زوجته إلى العلاقة الزوجية في فترة العدة كان تقليدا معلوما يستعمله الزوج إذا أراد دون استشارة المرأة ولا اعتبار لأن يصدر منها القبول أو الرفض.
وأبقت على الرجعة الآيتان 228 و229 من سورة البقرة (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، والآيتان تؤكدان:
                       ·            شرط قصد الإصلاح من الرجعة.
                       ·            أن ممارستها مرتبطة بمبدأ: لهن مثل الذي عليهن بالمعروف.
                       ·            استعمالها وهو الإمساك يجب أن لا يتم إلا "بمعروف".
لكن الفقه اعتبر القيدين الأخيرين أجنبيين عن الرجعة ولا علاقة لهما بها، والقيد الأول وهو قصد الإصلاح رأي لزومه دينيا لا قضائيا.
يقول الطبري: "أما فيما بينه وبين الله تعالى فغير جائز إذا أراد ضرارها بالرجعة لا إصلاح أمرها بمراجعتها. وأما في الحكم فإنه مقضي له عليها بالرجعة.. وإن أراد ضرار المراجعة برجعته فمحكوم له بالرجعة، وإن كان آثما برأيه في فعله ومقدما على ما لم يبحه الله له، والله ولي مجازاته فيما أتى من ذلك، فأما العباد فإنهم غير جائز لهم الحول بينه وبين امرأته"[98]
وفي تفسير القرطبي: "الرجل مندوب إلى المراجعة، ولكن إذا قصد الإصلاح بإصلاح حاله معها وإزالة الوحشة بينهما، فأما إذا قصد الإضرار، وتطويل العدة، والقطع بها عند الخلاص من ربقة النكاح، فمحرم لقوله تعالى (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) ثم من فعل ذلك فالرجعة صحيحة وإن ارتكب النهي وظلم نفسه".[99]
ومما يعلل به الفقه عدم ربط نفاذ الرجعة بينه وبين المراجع وقصده إلى الإصلاح، أن النية أمر داخلي يصعب الاطلاع عليه.
لكن من الواضح أن لا أحد يمكنه أن يقول بربط شرعية الرجعة بالنية المضمرة في ذهن الزوج، لأن هذه النية وإن أمكن الاستدلال عليها بالقرائن فإنها في حد ذاتها لا يتحقق بها إصلاح ولا إضرار.
فالإصلاح –عقلا ومنطقا- لا يكون إلا لشيء فسد، والفاسد هنا هي العلاقة بين الزوجين التي طرد منها الوئام والسكينة وحل محلهما التنافر والخصام اللذان تسببا في الطلاق وتسبب هو بدوره في تعميقهما، والإصلاح يفرض إعادة الوئام وإزالة التنافر، وهو ما لا يتصور بغير قيام الزوجين أو أحدهما بعمل أو تصرف مادي يذيب الخلاف نهائيا أو يضعفه على الأقل بشكل يسمح بمواصلة الحياة الزوجية.
ولذلك، فإن الإصلاح المبرر للرجعة لا يبحث عنه في نية الزوج وما يضمره في سريرته، وإنما في الأعمال والتصرفات الإيجابية التي يقوم بها هو أو الزوجة أو هما معا لإزالة أسباب الخلاف والخصام بينهما.
ومن ناحية ثانية، الإصلاح المطلوب يكون بين الزوجين، فلا يتصور تحققه من غير اتفاقهما عليه وتراضيهما.
كل هذا يؤكد أن الرجعة لا يمكن أن تتحقق بالشرط المقيدة به في كتاب الله إلا إذا رغب فيها الزوجان معا، وبعد أن يزيلا من الطريق أسباب الخلاف الذي أدى بهما إلى الطلاق.
خامسا – عدة المتوفى عنها :
كان من العوائد المتوارثة إحداد المرأة على زوجها المتوفى مدة عام كامل تقضيه جبرا في بيت الزوج لا تلبس ثياب زينة ولا تستعمل طيبا، ولا تمشط ثم "عمدت إلى أشر بيت لها فجلست فيه حتى إذا مرت بها سنة خرجت ثم رمت ببعرة وراءها".[100]
وحدد القرآن عدتها في أربعة أشهر وعشر (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا)[101] دون إشارة إلى أي إحداد أو امتناع عن زينة الحياة العادية.
لكن الرأي السائد في الفقه[102] ذهب إلى أن المتوفى عنها يحرم عليها خلال العدة الخروج من البيت ويجب عليها ترك "الزينة كلها من اللباس والطيب، والحلي، والكحل، والخضاب بالحناء ما دامت في عدتها"[103] ويلزمها ذلك "وإن كانت لا تدرك شيئا لصغرها".[104]
واستند القائلون بالإحداد إلى أن عبارة (يتربصن بأنفسهن) عامة تشمل الامتناع عن الزواج، وعن مغادرة البيت، وعن أدوات الزينة، كما استندوا إلى بعض الآثار التي منها:
        ·    "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة اشهر وعشرا".[105]
        ·    "أن امرأة من قريش جاءت إلى رسول الله r فقالت إن ابنتي توفى عنها زوجها، وقد خافت على عينها وهي تريد الكحل، قال: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول وإنما هي أربعة أشهر وعشر".[106]
لكن يبدو أن التفسير الذي قيل به للآية، واعتماد مثل هذه الآثار غير سليمين من المناقشة، لما يلي:
1 – عبارة (يتربصن بأنفسهن) هي نفسها التي وردت في عدة المطلقات (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) وقد وقع الإجماع على تفسيرها بالامتناع عن الزواج لا غير، ولم يقل أحد بمنع المعتدة من لباس وأدوات الزينة لذلك يبدو إخضاع نفس العبارة لتفسيرين مختلفين غير مقبول.
2 – بالنسبة لأخبار الآحاد المستدل بها، فإنه بصرف النظر عما يمكن أن يثار بشأن السند، يلاحظ على متنها:
أ – وجود أخبار آحاد أخرى معارضة لها، من ذلك ما نقل عن أسماء بنت عميس "قالت لما أصيب جعفر [ ابن أبي طالب ] قال لي رسول الله r تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت"[107]
ب – يمنع الرسول r المتوفى عنها من الكحل لمداواة عينها التي تخاف عليها، والحال أن المرض يعفي من الصيام الذي هو عبادة وركن من أركان الإسلام، فكيف يمنع الإحداد على الزوجة التداوي وإن عرض ذلك صحتها للخطر؟
ج – في كتاب الله ما يقرب من عشرين آية في الوصاية بالوالدين والبرور بهما، وتعليم صيغ الدعاء والاستغفار لهما، وقرن الإحسان إليهما بعبادة الله وعدم الشرك به، ولم يرد شيء من ذلك بالنسبة للزوج، فكيف ينقلب الوضع ويعلو حق الزوج على حقوق الوالدين بتحريم الإحداد عليهما فوق ثلاثة أيام، وفرض الإحداد على الزوج مدة أربعة أشهر وعشرة أيام؟!
د – إذا رجعنا إلى الواقع كما يعيشه الناس نجد:
من ناحية، الحزن على موت الأبوين أعمق وأطول –على الأقل في الأغلبية المطلقة من الأحوال- منه على موت الزوج، بل في حالات غير قليلة لا يثير موت الزوج –أو الزوجة- شيئا من الحزن والأسى، كما إذا كانا متنافرين في حياتهما الزوجية، أو تزوج بثانية وترك الأولى في حالة إهمال، أو طلقها ومات داخل العدة.
ومن ناحية ثانية، من النادر الاستمرار الفعلي للحزن والألم العاطفي على ميت فترة أربعة أشهر وعشر ولو على الوالدين فبالأحرى الزوج.
لذلك يكون فرض الإحداد مدة أربعة أشهر وعشر يعني حمل الزوجة على سلوك المداهنة والنفاق عن طريق مظهر يشعر بالحزن وجرح العاطفة، ومخبر عادي أو مفعم بالحبور والانشراح. فهل نصادف في جميع التكاليف الشرعية مثل هذا أي التكليف بالشكل والمظهر وإن خالفه المضمر والجوهر؟
هـ – إذا كان الإحداد حقا للزوج على زوجته، حزنا منها على فراقه، ومراعاة لحرمة ذكراه، فما هو السبب لسقوط هذا الحق كليا أو جزئيا إذا كانت الزوجة حاملا ولو وضعت حملها بعد ثوان معدودة عقب وفاته؟
أليس كل هذا دليلا مقنعا بأن المتوفى عنها زوجها ليس عليها –كباقي الزوجات- إلا العدة، أي الامتناع عن الزواج إلى أن تضع حملها أو تمضي أربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت غير حامل، مثل المطلقة التي تعتد كذلك بوضع الحمل أو بثلاثة قروء أو بثلاثة أشهر؟
فالمعتدة من طلاق أو وفاة ملزمة بالتربص أي عدم الزواج والوعد به ولم يلزمها القرآن بغير ذلك. والرأي الفقهي الذي يقول بالإحداد طيلة فترة عدة الوفاة يبدو متأثرا بالسلوك الاجتماعي الذي كان ما يزال متمسكا بهذا التقليد الموروث.
خلاصة واستنتاج
مما عرضناه يتأكد أن:
1 - مصطلح "حقوق الإنسان" ليس له دلالة محددة وثابتة لا يغيرها الزمن ولا يبليها القدم، وإنما له دلالة مرنة هي انعكاس لنظام التعايش الاجتماعي الذي تنسجه ثقافة الناس المشكلة من التقاليد والأخلاق والمعتقدات والتصورات الفكرية المختلفة…
وتشمل هذه المرونة حتى ما يعبر عنه بحقوق الإنسان الأساسية كالحرية، وعدم العقاب عن فعل الآخرين.[108]
والنتيجة الحتمية للمرونة هي تغير مضمون المصطلح بتغير أنظمة المجتمع ومكونات ثقافته.
2 - بحكم ارتباط مفهوم حقوق الإنسان بالموروث الثقافي، والسلوك الممارس في المجتمع، لم يكن في إمكان الفقه التخلص من ذلك الارتباط ومن الواقع المحيط به، ويبدو ذلك من:
                                    ·           التعامل المحدود مع كليات الشريعة ومقاصدها في الموضوع.
            ·    الاعتماد شبه الكلي على الأحكام الجزئية، وبالأخص المستندة إلى أخبار آحاد عدد منها منتقد سندا[109] فبالأحرى متنا.
            ·    الاحتفاظ بالمفاهيم التي كانت سائدة لكثير من الألفاظ التي كانت متداولة في مجال علاقات الرجل بالمرأة، كالولاية، والقوامة، والطلاق، والرجعة والتأديب…
            ·    إبعاد كثير من تصرفات الرجل ولاسيما الزوج عن التدخل القضائي وإقرار نفاذها ولو كانت محرمة شرعا، لعلة أن الرجال ائتمنهم الله على النساء وهو وحده الذي يحاسبهم، ولا تدخل للإمام والقاضي فيما يفعلونه وإن أضر بزوجاتهم أو خالف حتى أوامر الله في القرآن.
3 - مما زاد في إظهار عدم التوازن في الالتزامات والحقوق بين الرجل والمرأة داخل الأسرة وخارجها توقفُ الاجتهاد لمدة قرون، والاستمرار في ترديد الآراء التي قيل بها في بداية تأسيس المذاهب الفقهية حتى أصبحت هذه الآراء وما اختلط بها من تقاليد وأعراف هي الشريعة التي لا يجادل فيها إلا الضالون…
4 - الممارسة التشريعية والسلوكية الناتجة عن هذا الوضع الثقافي في المجتمع الإسلامي، يصعب القول بتوافقها مع الرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان التي يحكمها تحقيق المعروف والعدل، ونبذ المنكر والظلم، كما أنها لا تتوافق مع كثير من المعايير الضابطة لحقوق الإنسان في ظل التعايش الاجتماعي الذي نحياه.
5 - ونتيجة حتمية لما سبق، يتعين البحث عن الرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان من خلال نصوص الشريعة الثابتة وكلياتها عن طريق إعادة قراءتها مع استحضار الواقع وملابساته المحلية والعالمية. وقد حاولنا في هذا المقال تقديم أمثلة لنتائج القراءة المرغوب فيها، وبالتأكيد سيقبلها البعض ويرفضها البعض الآخر.
ورجائي من القابلين أن يعضدوها بإتمام ما بدا لهم من نقص في التحليل أو قصور في الاستدلال، ومن الرافضين أن يؤسسوا رفضهم على التحليل الشخصي للنصوص وللواقع الذي تطبق فيه، ولا يكتفوا بالنقل والطعن في كل رأي مخالف بأن الأولين لم يقولوا به، ولذلك فهو شذوذ عن الاجتهاد الذي له قواعده وذووه..
وأخيرا نود إبداء ملاحظة أساسية عن حقوق الإنسان في الرؤية الإسلامية، وهي أن هذه الحقوق مسيجة دائما بالواجبات التي تشكل "حدود الله"  الممنوع تجاوزها، وبذلك تبقى ممارسة الحق دائما في حدود أداء الواجب الذي يضمن به احترام حقوق الآخرين.
وهذه الميزة أخذت تتلاشى في المفهوم المعاصر لحقوق الإنسان الذي يركز على "الحق" دون الاهتمام كثيرا بـ"الواجب" الذي يتعين احترامه في ممارسة الحق، ويمكن أن نعتبر مثلا على ما نقول الاتفاقية الدولية الصادرة عام 1979 حول إلغاء جميع أنواع التمييز ضد المرأة:
فالديباجة وموادها الموضوعية الست عشرة استعملت كلمات:
                                               ·            حق أو حقوق (56) مرة.
                                               ·            مساواة (36) مرة.
                                               ·            مسئولية (7) مرات.
                                               ·            التزام (2) مرتين.
                                               ·            واجب (1) مرة واحدة.
                                               ·            تعاون أو تضامن مثلا لا وجود لهما.
إنها صياغة تؤكد بوضوح مدى التركيز على توجيه الفرد إلى الإلحاح بالمطالبة بما يعتبره من حقوقه، وعدم الشعور بالمسئولية ووجوب احترام ما عليه إزاء الآخرين وهو ما أنتج الثقافة التي أخذت تشجع على أنانية الفرد، والنيل من قيم إنسانية نبيلة وعدم اكتراث بالشعور العام للمجتمع وضميره.
هذا الجانب هو الذي ينبغي إبراز الرؤية الإسلامية إزاءه مساهمة في توجيه تطور حقوق الإنسان إلى الأفضل. والله المستعان وهو الهادي إلى سواء السبيل.



[1] - إن التاريخ أكبر شاهد على تحكم الوعي المشار إليه في مفهوم "حقوق الإنسان" فعندما آمن الفرد والمجتمع مثلا بأنظمة: العبودية، والقوة، والطبقات –بمختلف أشكالها- والعشائر… حددت "حقوق الإنسان" بما يتلاءم مع كل نظام من هذه الأنظمة، والآن تجاوز الوعي الجمعي ذلك، فظهر مفهوم جديد لقضايا حقوق الإنسان.
[2] - أورد القرطبي في تفسيره: "وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهر الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة"؛ وأضاف القرطبي أن ابني عم أوس بن ثابت منعا زوجته وبناته الثلاث من الإرث فشكتهما زوجته إلى رسول الله r الذي دعاهما وأجاباه: "يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا، ولا ينكأ عدوا". الجامع لأحكام القرآن: 5/46.
[3] - سورة النحل، الآيتان 58 و59.
[4] - سورة آل عمران، الآية 195.
[5] - سورة النساء، الآية 124.
[6] - سورة النحل، الآية 97.
[7] - سورة النحل، الآية 111.
[8] - سورة الإسراء، الآيات 13 و14 و15.
[9] - سورة الأحزاب، الآية 72.
[10] - سورة القيامة، الآية 36.
[11] - سورة التوبة، الآية 72.
[12] - سورة البلد، الآيات 8 و9 و10.
[13] - سورة الرحمن، الآية 2.
[14] - سورة العلق، الآيتان 4 و5.
[15] - الآية واضحة في أن "أهلية الزواج" (بلوغ النكاح) تتحقق بالنضج العقلي وإيناس الرشد، ومع ذلك ذهب الرأي السائد في الفقه إلى إجازة تزويج الصغار والأطفال.
[16] - يثار كذلك موضوع القيمة الإثباتية لشهادة المرأة، لكننا نعتقد أن هذه ترجع إلى التفسير الفقهي وليس إلى نصوص القرآن، لذلك نؤخر الكلام عنها إلى الفقرة الثانية.
[17] - يمكن القول إن هذا التعليل يصدق على الموروث الذكر دون الأنثى. وهذا صحيح، ولا ينبغي أن نغفل أولا: أن الملكية كانت أساسا قاصرة على الرجل، ومن النادر أن تخلف المرأة تركة ذات أهمية. وثانيا: أن أبناء المرأة الذكور يستمرون في نفس الأسرة والبيت اللذين توفيت فيهما، فهم امتداد لهذه الأسرة التي اندمجت فيها أمهم، بينما بناتها يتزوجن ويندمجن في أسر أزواجهن.
[18] - بل هذا ما يزال موجودا في مجتمعات إسلامية بعد أكثر من أربعة عشر قرنا من نزول الرسالة، الأمر الذي يدل على استمرار الأساس الثقافي الموروث.
[19] - سورة النساء، الآية 11.
[20] - سورة النساء الآية 12.
[21] - والقوانين الغربية السائدة تلزمها بحمل الاسم العائلي لزوجها.
[22] - منها الفتاوى التي أجازت وقف الشخص أمواله على الذكور من أولاده دون الإناث، أو هبتها لهم دونهن. انظر المعيار للونشريسي: 8/45 و9/153.
[23] - سورة البقرة، الآية 180.
[24] - إضافة إلى عشرات الآيات المتعلقة بالسلوك العام في الحياة والتعايش الاجتماعيين عموما، مثل:
§         (إن الله يامركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء 85.
§         (إن الله يامر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي). النحل 90.
§         (فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم). الزخرف 65.
§         (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق، أولئك لهم عذاب أليم). الشورى 42.
[25] - سورة البقرة، الآية 228.
[26] - سورة البقرة، الآية 229.
[27] - سورة البقرة، الآية 231.
[28] - سورة النساء، الآية 19.
[29] - سورة الطلاق، الآية 2.
[30] - سورة الطلاق، الآية 6.
[31] - سورة النساء، الآية 34.
[32] - سورة النساء، الآية 128.
[33] - فالآية الأولى صريحة في قصر عقوبة الحبس في البيوت على النساء دون الرجال، والآية الثانية قيل في تفسيرها إنها خاصة بالرجال وقصد بها المحصن والعازب، أو الممارسان للواط، وعقوبتهما الإيذاء والتوبيخ باللسان أو بالضرب الخفيف باليد.
وقيل إن القصد بهذه الآية الثانية الزانية والزاني، فيوذيان معا، ثم توقع على المرأة وحدها عقوبة الحبس في البيت ومنعها من الخروج منه.
[34] - سورة النساء، الآية 7.
[35] - (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول …)، البقرة 240.
[36] - (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشرا). البقرة 234.
[37] - وكلمة "درجة" الواردة نكرة في آخر الآية، مهما كان التوسع في تفسيرها، لا يمكن أن يصل إلى حد إفراغ المبدأ الأصلي -التماثل في الحقوق والواجبات- من مضمونه وفحواه. وهو ما يتحقق بالتطبيق الذي قال به الفقه لآيتي النشوز.
[38] - يقول ابن فارس في "مقاييس اللغة": "نشز: النون، والشين، والزاء، أصل صحيح يدل على ارتفاع وعلو… ثم استعير فقيل: نشزت المرأة استعصت على بعلها، وكذلك نشز بعلها: جفاها وضربها". 5/430.
[39] - فالفقه يقول بتطبيق مقولة "لا يسأل الرجل فيم ضرب أهله" . وفي تفسير القرطبي: "فاعلم أن الله U لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صراحا إلا هنا وفي الحدود العظام، فساوى معصيتهن بأزواجهن بمعصية الكبائر، وولى الأزواج ذلك دون الأيمة وجعله لهم دون القضاة، بغير شهود ولا بينات، ائتمانا من الله تعالى للأزواج على النساء". الجامع لأحكام القرآن: 5/173.
وحتى إذا تجاوز حدود "التأديب" وألحق بها عاهة فإنه يلزم بالتعويض (الدية) وحده ولا تطبق عليه العقوبة (القصاص).
 وأورد ابن رشد الجد أن الزوج إذا فقأ عين زوجته، وادعى التأديب وادعت هي أنه فعل بها ذلك عمدا: فقيل تصدق الزوجة وقيل يصدق الزوج، ثم عقب "وأما الزوج في امرأته فالذي أراه في ذلك ألا يحمل أمره على الخطأ فيلزم ذلك العاقلة، ولا على العمد فيقتص منه لها، ويجعل ذلك كشبه العمد الذي يسقط فيه القصاص، وتكون فيه الدية على الجاني في ماله". البيان والتحصيل: 16/180.
 وهناك من يعفي الزوج من العقوبة (القصاص) على قتل زوجته متى تم ذلك بوسيلة لا تقتل غالبا. يقول ابن قدامة في المغني: "شبه العمد أحد أقسام القتل، وهو أن يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا، اما لقصد العدوان عليه أو لقصد التأديب له، فيسرف فيه كالضرب بالسوط والعصا والحجر الصغير، والوكز، واليد، وسائر ما لا يقتل غالبا، إذا قتل فهو شبه عمد، لأنه قصد الضرب دون القتل.. فهذا لا قود فيه، والدية على العاقلة في قول أكثر أهل العلم". 7/650.
[40] - يقول الطبري في تفسير آية نشوز الزوج: ""يعني بذلك جل ثناؤه (وإن امرأة خافت من بعلها) يقول علمت من زوجها (نشوزا) يعني استعلاء بنفسه عنها إلى غيرها أثرة عليها، وارتفاعا بها عنها، أما لبغضة أو لكراهة منه بعض أشياء بها، إما دمامتها وإما سنها وكبرها، أو غير ذلك من أمورها (أو إعراضا) يعني انصرافا عنها بوجهه، أو ببعض منافعه التي كانت لها منه. (فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا) يقول فلا حرج عليهما يعني عن المرأة الخائفة نشوز بعلها أو إعراضه عنها، أن يصلحا بينهما صلحا، وهو أن تترك له يومها، أو تضع عنه بعض الواجب لها من حق عليه، تستعطفه بذلك، وتستديم المقام في حباله، والتمسك بالعقد الذي بينها وبينه من النكاح. يقول (والصلح خير) يعني والصلح بترك بعض الحق استدامة للحرمة، وتماسكا بعقد النكاح خير من طلب الفرقة والطلاق؛ وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل" 4/305.
[41] - سورة النساء، الآية 35.
[42] - يقول ابن العربي المعافري: "إذا علم الإمام من حال الزوجين الشقاق لزمه أن يبعث إليهما حكمين، ولا ينتظر ارتفاعهما، لأن ما يضيع من حقوق الله أثناء ما ينتظر رفعهما إليه لا جبر له". أحكام القرآن: 1/427.
        وفي شرح الحطاب على مختصر خليل نقلا عن اللخمي: "إذا اختلف الزوجان وخرجا إلى ما لا يحل من المشاتمة والوثوب، كان على السلطان أن يبعث حكمين ينظران في أمرهما وإن لم يترافعا ويطلبا ذلك منه، ولا يحل له أن يتركهما على ما هما عليه من الإثم وفساد الدين" مواهب الجليل 4/16.
ويبدو تطبيق ما أشار إليه ابن العربي والحطاب بالخصوص في حالة تأثير خلاف الزوجين على تربية الأطفال وتنشئتهم.
[43] - لكن توقيع الطلاق لا ينبغي أن يكون من الحكمين كما يقول الفقه، وبالأخص المذهب المالكي، وإنما من القاضي بعد تلقي تقرير الحكمين واقتراحاتهما.
[44] - يقول ابن العربي: "تكون الفرقة كما قال علماؤنا لوقوع الخلل في مقصود النكاح من الألفة وحسن العشرة.
        فإن قيل إذا ظهر الظلم من الزوج أو الزوجة، فظهور الظلم لا ينافي النكاح، بل يؤخذ من الظالم حق المظلوم ويبقى العقد.
        قلنا هذا نظر قاصر، يتصور في عقود الأموال، فأما عقود الأبدان فلا تتم إلا بالاتفاق والتآلف وحسن التعاشر، فإذا فقد ذلك لم يكن لبقاء العقد وجه وكانت المصلحة في الفرقة وبأي وجه رأياها [ الحكمان ] من المتاركة، أو أخذ شيء من الزوجة، أو الزوج". أحكام القرآن: 1/425.
        وفي مختصر خليل: "ونفذ طلاقهما وإن لم يرض الزوجان" -فصل إنما يجب القسم للزوجات من كتاب النكاح.
[45] - 13 مرة في سورة البقرة، و5 مرات في سورة النساء، و3 مرات في سورة الطلاق، ومرتين في سورة الأحزاب، ومرة واحدة في سورة لقمان.
[46] - فمضمون المعروف في ظل نظام اجتماعي يعترف بوجود "السيد" و"العبد" يختلف عنه في نظام يلغي هذه الثنائية. ومثل ذلك التصور الذي يعرف الزواج بأنه "عقد معاوضة البضع بالمال" والذي يرى في الزواج ميثاقا غليظا بين رجل وامرأة يهدف إلى إنشاء أسرة وتحمل أعبائها بمسئولية مشتركة ومتكاملة.
[47] - سورة النحل، الآية 125.
[48] - أشار بعض الفقهاء إلى هذا التمييز، ومنهم ابن حزم الذي يقول: "إن الله تعالى أمرنا عند التبايع بالإشهاد (وأشهدوا إذا تبايعتم) وأمرنا إذا تداينا بدين مؤجل أن نكتبه وأن نشهد شهيدين من رجالنا أو رجلا وامرأتين مرضيتين، وامرنا عند الطلاق والمراجعة بإشهاد ذوي عدل منا. وليس في شيء من هذه النصوص ذكر ما نحكم به عند التنازع في ذلك والخصام من عدد الشهود، إذ قد يموت الشاهدان أو أحدهما، أو ينسيان أو أحدهما، أو يتغيران أو أحدهما". المحلى: 9/401.
[49] - سورة البقرة، من الآية 282.
[50] - سورة النساء، من الآية 6.
[51] - سورة المائدة، من الآية 106.
[52] - سورة الطلاق، من الآية 2.
[53] - يبقى مع ذلك التساؤل عن مقابلة شهادة رجل بشهادة امرأتين في هذه الآية. والجواب فيما يبدو: أن الشهود يختارون برضى المتعاقدين، وقد أشارت الآية إلى ذلك بصراحة (ممن ترضون من الشهداء) ومن المؤكد أن الثقافة الاجتماعية التي كانت سائدة لا تسوي بين الرجال والنساء في الضبط وقوة الذاكرة سيما في معاملات الأسواق القاصرة مبدئيا على الرجال. لذلك، فإن أقصى ما يمكن أن يرضى به المتداينون من توثيق حقوقهم بشهادة النساء هو امرأتان مع رجل.
[54] - الآية 15 من سورة النساء.
[55] - الآية 4 من سورة النور.
[56] - الآية 6 من سورة الحجرات، وتعتبر داخلة في تحديد القوة الإثباتية للشهادة أمام القضاء، أي القضاء بمفهومه العام فيشمل كل السلطات العمومية المالكة لسلطة توقيع الجزاء.
[57] - استعملنا هنا مصطلح رجال القانون الذين يقصدون بالوقائع القانونية كل ما عدا الالتزامات الإدارية من الوقائع التي يرتب عليه القانون آثارا ومسئولية على الأفراد.
[58] - بأن يعتبر عدد الأربعة قليلا أو أن جريمة الزنى لا تثبت بشهادة الشهود أيا كان عددهم مثل ما تقرر ذلك القوانين الجنائية الحديثة.
أما رفض شهادتهم لخلل في الأداء والتحمل، فيبقى قطعا من سلطة القاضي وصلاحياته.
[59] - فلم تتحدث كتب الفقه بصفة عامة على الإثبات بالكتابة مثلا، أو بالقرائن وأهملت الاستئناس بالآيات 24-28 من سورة يوسف التي أسس الحكم القضائي فيها على قرينة:
 (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم، قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين، فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم).
وعبارة (وشهد شاهد من أهلها) يجمع المفسرون على أن معناها: حكم حاكم من أهلها.
[60] - يقول التسولي في شرح البهجة: "غير العدل كالعدم، فرد شهادته حق لله، ولذا قال ابن عرفة: الحكم برد شهادة الفاسق حق لله ولو شهد بحق" 1/54.
وأساس هذا الحكم كما يقول الشافعي أن مبنى قبول الشهادات على الصدق، ولا يظهر الصدق إلا بالعدالة، لأن خبر من ليس بمعصوم يحتمل الصدق والكذب، ولا يقع الترجيح إلا بالعدالة" الكاساني في البدائع: 6/270.
لكن الكاساني ينتقد رأي الشافعي –خاصة في عقد الزواج- فيقول: "وأما قوله الركن في الشهادة هو صدق الشاهد فنعم، لكن الصدق لا يقف على العدالة لا محالة. فمن الفسقة من لا يبالي بارتكابه أنواعا من الفسق، ويستنكف عن الكذب. والكلام في فاسق تحرى القاضي الصدق في شهادته فغلب على ظنه صدقه، ولو لم يكن كذلك لا يجوز القضاء بشهادته عندنا" نفس المرجع ص: 271.
 أما عدم قبول شهادة الكافر فيبدو من التعليل الذي يورده بعض الفقهاء أنه ليس راجعا إلى مجرد وصف الكفر وإنما لما يترتب عن القبول من ولاية الكافر على المسلم.
 جاء في البدائع للكاساني أنه تجوز شهادة الكافر للمسلم، فيصح نكاح المسلم الذمية بشهادة غير مسلمين "لأن الشهادة في اللغة عبارة عن الإعلام والبيان، والكافر من أهل الإعلام والبيان، لأن ذلك يقف على العقل واللسان والعلم بالمشهود به وقد وجد" وأن الممنوع هو شهادة الكافر على المسلم لأن شهادته "إنما لا تصلح حجة على المسلم لأنها من باب الولاية، وفي جعلها حجة على المسلم إثبات الولاية للكافر على المسلم وهذا لا يجوز" 2/254.
[61] -في منظومة تحفة ابن عاصم :
 وعدل إن أدى على ما عنده       خلافه منع أن يــــــــــــــرده
 وعلمه بصدق غير العــــدل      لا يبيح أن يقبل ما تحملا
ولا ندري كيف يرغم القاضي على الحكم بشهادة يعلم أنها زور وبهتان، وعلى رد أخرى وهو موقن بصدقها؟!
نقل التسولي عن ابن المواز قوله: "إذا شهد العدول عند القاضي بشيء يعلم أنه باطل، فلا يجوز له أن ينظر [أي يرد] شهادتهم، وينفذها بعد الانتظار اليسير" شرح البهجة 1/44.
[62] - وهذا ما قرره القرآن لمرتكب جريمة القذف، فإضافة إلى العقوبة الأصلية (الجلد) يخضع المحكوم عليه لعقوبة إضافية وهي منعه من أداء الشهادة: (والذين يرمون المـحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) النور 4-5.
[63] - نقصد بالنص: المتفق على ثبوته ومعناه، وهذا بالتأكيد غير متوفر لما يلي:
أولا : وجود رأي فقهي يعتد به يقول بحق المرأة في إبرام عقد زواجها، وممن يقول به أبو حنيفة.
ثانيا : من القائلين بالولاية من يعترف بأن مصدرها ليس النص وإنما هو اجتهاد طائفة من الفقهاء.
        فمالك ابن أنس رحمه الله وهو من اشد المتمسكين بالولاية على المرأة في عقد زواجها، يؤكد هذه الحقيقة عندما أفتى بأن المرأة التي زوجت نفسها بدون ولي يفسخ زواجها بطلاق، وأنه يعتد بطلاق زوجها لها قبل الفسخ، "لأن فسخ هذا النكاح [ يقول ابن القاسم ] عند مالك ليس على وجه تحريم النكاح، ولم يكن عنده بالأمر البين. قال [ ابن القاسم ] ولقد سمعت مالكا يقول: "ما فسخه بالبين ولكن أحب إلي".. قال [ ابن القاسم ] وأصل هذا وهو الذي سمعته من قول من أرضى من أهل العلم، أن كل نكاح اختلف الناس فيه ليس بحرام من الله ولا من رسوله، أجازه قوم وكرهه قوم أن ما طلق فيه يلزمه: مثل المرأة تتزوج بغير ولي، أو المرأة تزوج نفسها.. وكل نكاح كان حراما من الله ورسوله، فإن ما طلق فيه ليس بطلاق، وفسخه ليس فيه طلاق" مدونة الإمام مالك: 4/32.
ويستبعد جدا وجود أحاديث ثابتة تقرر الولاية شرطا لصحة الزواج ولا تصل إلى مالك الذي قضى عمره بالمدينة متعلما ومعلما ومفتيا، لا تصله من أحد شيوخه المعدودين بالعشرات، ولا ممن كان حوله من الجيلين الثاني والثالث بعد الصحابة رضوان الله على الجميع.
ولو ثبت لديه حديث واحد ما صدرت عنه عبارة "وما فسخه عندي بالبين"، وزاد الأمر وضوحا عندما قال: "ولكنه أحب إلي" أي لأن تدخل الولي في زواج المرأة عرف اجتماعي سائد، ويستهجن الناس الخروج عنه واستقلال المرأة بعقد زواجها.
ثالثا : ما يحتج به الناس من أحاديث وردت عن طريق آحاد، ومنهم من أنكر ما نسب إليه منها مثل الزهري الذي أنكر معرفة الحديث الذي نسب إليه وهو "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل…"
والأصوليون يقولون: "إن ما تتوافر فيه الدواعي على نقله، فنقل من وجه شاذ فإنه لا يسمع" (المواق في التاج والإكليل:6/194)، وأن "كل أمر خطير ذي بال يقتضي العرف نقله إذا وقع تواترا، إذا نقله آحاد فهم يكذبون فيه منسوبون إلى تعمد الكذب أو الزلل" (الجويني في البرهان: 1/426).
ولا جدال في أن فرض الولاية شرطا لصحة الزواج تتوفر فيه الدواعي إلى نقله تواترا، فبطلان الزواج واعتبار المرأة التي تزوج نفسها زانية، أمر خطير وذو بال، يمس كل مسلم ومسلمة في عرضهما ونسب أطفالهما فكيف لا يعلم به حتى بضعة أفراد يتحقق بهم التواتر أو يقترب منه عددهم على الأقل
رابعا- يقول الأصوليون كذلك بوجوب بيان المجمل على الفور، أو عند تنفيذ العمل به، وإنه لا يجوز التكليف بالمجمل دون هذا البيان.
 وفرض الولاية في الزواج يأتيها الإجمال من جانبين: بيان الأولياء وترتيبهم، وصلاحيات الولي في قبول أو رفض عقد الزواج، وكلا البيانين لم يرد به نص من الشارع.
قد يدعى وجود هذا النص أو يقال إن البيان أوكل إلى العرف الذي كان سائدا في المجتمع المخاطب بأوامر الشارع، ومن المعلوم أن المجمل يمكن بيانه بدلالته العرفية المنتشرة بين الناس، فلا يحتاج إلى بيان بنص خاص من الشارع.
لكن الواقع يؤكد أنه لا وجود لهذا البيان ولا لذلك، والدليل القاطع على ذلك اختلاف الفقه حول:
                       ·            تحديد الأولياء (الابن، وابنه، الوصي مثلا).
                       ·            ترتيب الأولياء (الإخوة مع الجد، الوصي مع العصبة).
                       ·            صلاحيات الولي (الإجبار وعدمه، من يخضع للولاية من النساء).
          ·     "الكفاءة" التي حاول أن يحدد الفقه بها صلاحيات الولي، لم يتفق ولو على عنصر واحد من عناصرها مثل الدين، والمال، والحسب، والنسب، والحرفة.. فكل مذهب فسرها بأوصاف انفرد بها أو شاركه في جزء منها بعض الأيمة دون البعض الآخر.
[64] - مع العلم بأن القائلين بحق المرأة في عقد زواجها لا يقتصرون في تأييد رأيهم على انعدام النص الذي يفرض الولاية، وإنما يضيفون نصوصا تشهد لهم بما ذهبوا إليه، مثل آية: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) البقرة 232.
يقول ابن رشد: "وسبب اختلافهم أنه لم تأت آية ولا سنة هي ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح، فضلا عن أن يكون في ذلك نص، بل الآيات والسنن التي يحتج بها من يشترط إسقاطها هي أيضا محتملة في ذلك. والأحاديث مع كونها محتملة في ألفاظها مختلف في صحتها إلا حديث ابن عباس، وإن كان المسقط لها ليس عليه دليل، لأن الأصل براءة الذمة" بداية المجتهد: 2/9.
وحديث ابن عباس الذي يشير إليه ابن رشد هو: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها، وإذنها صماتها".
[65] - سورة القصص، الآية 27.
[66] - مثل قانون حمورابي الذي تعرض في الولاية للتمييز بين البكر والثيب وتدخل الأب أو الأبوين معا. انظر م12 و16 و25 و37 و148 و172.
[67] - القائلون بجواز تزويج الصغار يتفقون على وجوب الولاية فيه، ولكننا لم نأخذ هذا الرأي في الاعتبار لسببين:
 الأول: نص الآية 6 من سورة النساء (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم). فالآية صريحة في أن "أهلية الزواج" (بلغوا النكاح) لا يكتسبها الصغار إلا في مرحلة الرشد والتوفر على الأهلية المدنية.
والثاني: أن عددا من الفقهاء الأوائل منعوا تزويج الصغار قبل البلوغ والرشد، بناء على تعليل منطقي وهو أن الولاية فرضت لرعاية مصالح القاصر الضرورية وقت الحجر، والصغير لا حاجة له إلى الزواج قبل البلوغ، فتزويجه ليس من المصالح الضرورية التي يخشى فواتها حتى يدخل في صلاحيات الولي وإنما على العكس من ذلك لا تتحقق مصلحة الصغير في الزواج إلا بعد البلوغ. فإذا سمح للولي بتزويجه قبل ذلك، كانت النتيجة قيام الولي بتصرف لا مصلحة آنية فيه للصغير، إضافة إلى أن الصغير عندما يصبح في حاجة إلى الزواج يجد نفسه مطوقا بتصرف الولي الذي أجراه دون ضرورة والحال أن من المبادئ المسلم بها في الحجر أن الحاجر معزول عن كل تصرف لا تتطلبه المصالح الآنية للمحجور، ولا يخشى من تأخير ذلك التصرف الإضرار به.
وممن قال بهذا الرأي: القاضي ابن شبرمة، وعثمان البتي، وأبو بكر الأصم. انظر الكاساني في البدائع 2/240، والأحوال الشخصية للشيخ أبو زهرة ص: 123.
[68] - المغني: 6/480.
[69] - 2/317.
[70] - البدائع للكاساني: 2/242، وانظر أيضا المبسوط للسرخسي: 5/10.
[71] - نستبعد هنا القائلين بولاية الإجبار بالنسبة للصغيرة والبكر البالغة الذين يخولون الولي سلطة رفض الزواج لأي سبب أو بدون سبب، وإجبار الفتاة على الزواج رغم إرادتها.
فتزويج "الأطفال" لا ينبغي إقحامه قسرا في شريعة الإسلام مع الآية السادسة من سورة النساء المشار إليها آنفا.
أما القول بإجبار البالغة الرشيدة على الزواج رغم إرادتها، فيتعارض مع أبسط شرائع الإنسان، فبالأحرى شريعة الله التي لا يعرف فيها نفاذ تصرف "مكلف" في حقوق "مكلف" آخر وإجباره على قبولها. والقرآن من بين ما ورد فيه (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) (فصلت 46)، (ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى)،،(الأنعام 164).
[72] - يقول الفخر الرازي في تفسيره: "اعلم أن فضل الرجل على المرأة أمر معلوم.. إن الرجل أزيد في الفضيلة من النساء في أمور: أحدها العقل، والثاني في الدية، والثالث في المواريث، والرابع في صلاحية الإمامة والقضاء والشهادة.." ثم تابع العد إلى الأمر الثامن. 6/102.                                                     
    وفي الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: "ولا يخفى على لبيب فضل الرجال على النساء، ولو لم يكن إلا أن المرأة خلقت من الرجل، فهو أصلها"3/153.
    فهل يصح مع هذا القول بأن الولاية فرضت لتفادي زواج المرأة برجل أقل منها درجة؟
     وكيف تلزم المرأة بإثبات توفر الكفاءة إذا أنكرها الولي؟ إن معنى ذلك أن الأصل والغالب نزول درجة الرجل عن مركز المرأة، والنادر هو تساويهما في الدرجة والمركز الاجتماعي.
[73] - الحجرات 13.
[74] - المدونة 4/13.
[75] - نسب إليه الكاساني قوله: "لا تعتبر الكفاءة في الدين لأن هذا من أمور الآخرة والكفاءة من أحكام الدنيا، فلا يقدح فيها الفسق إلا إذا كان شيئا فاحشا" البدائع 2/320.
[76] - يقول في المحلى: "أهل الإسلام كلهم إخوة، لا يحرم على ابن من زنجية لغية نكاح ابنة الخليفة الهاشمي، والفاسق الذي بلغ الغاية من الفسق، المسلم، ما لم يكن زانيا، كفء للمسلمة الفاضلة، وكذلك الفاضل المسلم كفء للمسلمة الفاسقة ما لم تكن زانية" 10/24.
[77] - فنظام وحدة عسكرية غير نظام جمعية أو نقابة مهنية، أو خلية بحث، بل إن نظام خلية بحث في جامعة مثلا غير نظام خلية بحث أرسلت لإنجاز مهمتها في الأجواء العليا أو في أحد الكواكب… وإذا وصلنا إلى الدولة نجد نظام الدولة الديمقراطية يختلف عن نظام الدولة الديكتاتورية المستبدة.
[78] - تكفي هنا مقارنة الأنظمة التي كانت سائدة بين "السيد والعبد" و"الحاكم والمحكوم" وبين رئيس الأسرة أو العشيرة وأفرادها بأنظمة الحقوق الأساسية للأفراد، والحريات العامة، والمؤسسات الدستورية..
[79] - لا ندعي أن كل هذه الحقوق محل إجماع من الفقه، وإنما منها المتفق عليه، ومنها المختلف فيه، وهذا النوع الثاني يدخله في القوامة اتجاه فقهي موجود في جميع المذاهب، ومنه تكونت الثقافة السائدة حول مفهوم قوامة الزوج في بيت الزوجية.
[80] - في فتح القدير بعد ذكر بعض الحالات التي يجوز فيها الخروج أضاف: "وفيما عدا ذلك من زيارة الأجانب وعيادتهم والوليمة، لا يأذن لها ولا تخرج، ولو أذن وخرجت كانا عاصيين، وتمنع من الحمام، فإن أرادت أن تخرج إلى مجلس العلم بغير رضا الزوج ليس لها ذلك، فإن وقعت لها نازلة، إن سأل الزوج من العالم وأخبرها بذلك لا يسعها الخروج، وإن امتنع من السؤال يسعها أن تخرج من غير رضاه، وإن لم يكن لها نازلة ولكن أرادت أن تخرج لتتعلم مسألة من مسائل الوضوء والصلاة، إن كان الزوج يحفظ المسائل ويذكر معها له أن يمنعها، وإن كان لا يحفظ الأولى أن يأذن لها أحيانا، وإن لم يأذن فلا شيء عليه ولا يسعها الخروج ما لم تقع لها نازلة" 3/335 و336. وانظر أيضا حاشية ابن عابدين 2/665.
[81] - في المقنع لابن قدامة مع حاشيته: "وله منعها من الخروج عن منزله، فإن مرض بعض محارمها أو مات استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه، أي له منعها من الخروج إلى ما لها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما.. لأن حق الزوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجب، فلو خرجت بلا إذنه حرم… دل كلام المصنف بطريق التنبيه على أنها لا تزور أبويها وهو المذهب، وقيل لها زيارتهما ككلامهما" 3/106 و107.
وفي الهداية بشرح فتح القدير: "وله أن يمنع والديها من غيره وأهلها من الدخول عليها، لأن المنزل ملكه، فله حق المنع من دخول ملكه، ولا يمنعهم من النظر إليها وكلامها.. وقيل لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين ولا يمنعها من الدخول عليهما في كل جمعة، وفي غيرهما من المحارم التقدير بسنة وهو الصحيح" 3/355 وانظر أيضا حاشية ابن عابدين: 2/644.
[82] -يقول الحطاب في مواهب الجليل: "لو أحرمت (بالحج) بالتطوع من غير إذنه، لكان له منعها وتحليلها فتتحلل كالمحصر، فإن لم تفعل فللزوج مباشرتها والإثم عليها دونه"؟! 3/205.
وفي المقنع لابن قدامة: "إذا سافرت بغير إذنه أو تطوعت بصوم أو حج أو أحرمت بحج منذور في الذمة فلا نفقة لها" وعلق عليه محشيه بأنه "هذا هو المذهب لما فيه من تفويت حقه" 3/314.
ويقول النووي في منهج الطالبين بشرح الشربيني: "وإحرامها بحج أو عمرة بلا إذن نشوز إن لم يملك تحليلها، فإن ملك فلا حتى تخرج.. ويمنعها صوم نفل فإن أبت فناشزة في الأظهر؟ وأضاف أن له منعها من تعجيل قضاء صوم أو صلاة ما دام لديها متسع لهذا القضاء، فإن عجلت القضاء كان "له منعها منه ومن إتمامه لأنه على التراخي، وحقه على الفور"؟ 3/438-439
[83] - يقول الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: لا يجوز لمنكوحة استئجار نفسها لرضاع أو غيره بغير إذن الزوج "لأن أوقاتها مستغرقة بحقه" 2/337.
وفي المغني لابن قدامة: "للزوج منع امرأته من رضاع ولدها من غيره، ومن رضاع ولد غيرها، إلا أن يضطر إليها، لأن عقد النكاح يقتضي تمليك الزوج الاستمتاع في كل الزمان من كل الجهات سوى أوقات الصلوات، والرضاع يفوت عليه الاستمتاع في بعض الأوقات، فكان له المنع كالخروج من منزله… فإن أرادت إرضاع ولدها منه، فكلام الخرقي يحتمل وجهين: أحدهما أن له منعها من رضاعه لعموم لفظه وهو قول الشافعي، لأنه يخل باستمتاعه منها، فاشبه ما لو كان الوالد من غيره. والثاني ليس له منعها…"7/635. وفي شرح رد المحتار: "له منعها من الغزل وكل عمل ولو تبرعا لأجنبي ولو قابلة أو مغسلة، لتقدم حقه على فرض الكفاية، ومن مجلس العلم إلا لنازلة امتنع زوجها من سؤالها…"2/655.
[84] -مع الخلاف المعروف في الفقه حول عقاب أو عدم عقاب الزوج الذي يلحق عاهة بزوجته، ويدعي انه كان يقصد تأديبها لا غير. انظر مثلا: البيان والتحصيل لابن رشد الجد: 16/180، وحاشية ابن عابدين: 5/362.
[85] - يقول القرطبي تفسيرا لآية (وعاشروهن بالمعروف) فأمر الله سبحانه بحسن معاشرة النساء إذا عقدوا عليهن، لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال، فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش. وهذا واجب على الزوج ولا يلزمه في القضاء"5/97.
 ومثل قول السيوطي في الأشباه والنظائر: "ولو امسك زوجته مسيئا عشرتها لأجل إرثها ورثها في الأصح، أو لأجل الخلع نفذ في الأصح" ص153.
[86] -والقصد بالمعروف بالمقاييس السليمة في الواقع الاجتماعي الذي نعيشه، إذ لكل وضع من الأوضاع الاجتماعية المتغيرة عبر التاريخ تصوراته حول "المعروف" و"المنكر".
[87] - سورة البقرة، الآية 230.
[88] - سورة البقرة، الآية 228.
[89] - سورة البقرة، الآية 229.
[90] - سورة الطلاق، الآيتان 1و2.
[91] - والمعروف بمفهومه القرآني هو ما ضاد "المنكر" واستحسنه ضمير المجتمع، وقبلته قيمه الإنسانية النبيلة.
وبسبب ذلك فإن المعروف قد ينفصل عن "التقاليد والعادات"كما أنه يتغير بحكم تطور قيم ومفاهيم التعايش الاجتماعي، ومركز الفرد في هذا التعايش وتنظيمه. فمضمون المعروف في ظل نظام اجتماعي يعترف بوجود "السيد"و"العبد" يختلف عنه في نظام يلغي هذه الثنائية. ومثل ذلك النظام الذي يعتبر الزواج "تمليك الزوج منفعة البضع" والنظام الذي يرى الزواج ميثاقا بين رجل وامرأة لإنشاء أسرة وتحمل أعبائها بمسئولية مشتركة ومتكاملة.
[92] - يحتج لنفاذ طلاق الهازل بحديث: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة" الذي يقول عنه الشوكاني: "في إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك، وهو مختلف فيه. قال النسائي منكر الحديث، ووثقه غيره". نيل الأوطار: 7/20. ويضاف إلى ذلك النقد الموجه إلى المتن.
[93] - الرأي الفقهي الذي يلزمها بإثبات عدم ارتكابها لذنب، زيادة على إثبات الضرر يستند إلى المقولة المعروفة: "لا يسأل الرجل فيم ضرب أهله".
[94] -ونجد هذا واضحا في التعريف الفقهي للزواج والطلاق. فالزواج "عقد يفيد ملك المتعة أي حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي" (رد المحتار على الدر المختار: 2/258). أو هو بتعريف ابن عرفة "عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله.." (مواهب الجليل للحطاب: 3/403). وعند الكاساني في البدائع: "النكاح معاوضة البضع بالمال" (2/234).
        أما الطلاق فهو "صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته" كما يعرفه ابن عرفة (مواهب الجليل للحطاب: 4/18). وعند السرخسي في المبسوط "موجب الطلاق في الشريعة رفع الحل الذي به صارت المرأة محلا للنكاح"وأضاف بأن الطلاق "يوجب زوال الملك باعتبار سقوط اليد عند انقضاء العدة في المدخول بها ولانعدام العدة عند عدم الدخول، والاعتياض عند الخلع" (6/2).
         من هذه التعاريف نستخلص أن الزوج يملك بعقد الزواج منفعة البضع أو حق المتعة به، وأن إعلانه للطلاق لا يعني أكثر من إعلانه عن إنهاء حقه في المتعة، وزوال ملكه لمنفعة البضع.
وهذا التكييف لا يقبل وضع أي قيد أو شرط في طريق تعبير الزوج عن الطلاق.
[95] - من ذلك مثلا قول القرطبي في تفسير آية (وعاشروهن بالمعروف): فأمر الله سبحانه بحسن معاشرة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال، فإنه أهدأ للنفس واهنأ للعيش. وهذا واجب على الزوج، ولا يلزمه في القضاء" 5/97.
        ويقول المرحوم أبو زهرة إن الفقه متفق على أن التعدد حرام إذا لم يتوفر شرطاه أي العدل والقدرة على الانفاق، "ولكن هل إذا تم الزواج مع عدم تحقيق هذين الشرطين يكون الزواج غير صحيح؟ لقد اتفق الفقهاء على أن هذين الشرطين ليسا من شروط الصحة ولذلك يصح الزواج مع عدم توفر الشرطين، ويكون الشخص آثما يحاسبه الله سبحانه تعالى على الجور". الأحوال الشخصية ص: 103.
        وطلاق الزوج نافذ ولو كان بدعيا أو صرح علانية أنه يقصد به الإضرار بالزوجة، وما يلحقها من ضرر بالطلاق التعسفي لا تستحق عنه حتى التعويض. إذ "لا تعويض في الطلاق، وذلك حكم صحيح يتفق مع المبادئ الإسلامية… وقد أخطأ من حكم بالتعويض لأجل الطلاق ولو كان ثمة شرط يوجب التعويض، إذ يكون الشرط فاسدا فيلغى.. وطبيعة عقد الزواج على ما هو مقرر ثابت لا توجب تعويض الزوجة إذا طلقت إلا أن يكون لها مؤخر صداق، أو تجب المتعة، ولا تعويض يجب للمطلقة والأمر في الزواج على الأخلاق والدين ولا يغني عنهما شيء" أبو زهرة في المرجع السابق ص: 333.
وستاتي نقول أخرى عن الرجعة التي يراد بها الإضرار بالزوجة حيث قيل بحرمتها دينا، ونفاذها قضائيا.
[96] - سورة البقرة، الآية 233.
[97] - سورة النساء، الآية 6.
[98] - جامع البيان: 2/452.
[99] - الجامع لأحكام القرآن: 3/123.
[100] - تفسير القرطبي: 2/315.
[101] - سورة البقرة، الآية 234
[102] - انظر بعض المنكرين للإحداد عند الطبري في تفسيره 2/514.
[103] - القرطبي: 3/179.
[104] - نفس المرجع ص: 180.
[105] - نفس المرجع: 2/514.
[106] - تفسير الطبري: 2/513
[107] - نفس المرجع: 2/514.
[108] - فالرق الذي يستهجن اليوم عاش آلاف السنين كنظام اجتماعي عادي، ومقبول.
وعن العقاب عن فعل الغير نقرأ مثلا في قانون حمورابي أن تهدم البناء بسبب غش المهندس إذا قتل صاحب البناء أعدم المهندس، وإذا قتل ابنته أعدمت ابنة المهندس.
[109] - انظر مثلا المحلى لابن حزم 10/332.


مجلة الواضحة المغربية العدد2

http://www.edhh.org/alwadiha/index.php

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم