الاثنين، 16 ديسمبر 2013

آثــار إثبــات البنـوة والنسـب على ضــوء مقتضيات قانون مدونة الأسرة الجديد 70.03



                           الجزء الأول

  مقدمة عامة:

      « الولادة ونتائجها» عنوان الكتاب الثالث من قانون مدونة الأسرة الجديد 70.03 ¬ المتضمن لثلاثة أقسام متفرعة بدورها إلي عدة أبواب (المواد 142 إلى 205).

     ويحتوي هذا الجزء من القانون على أحكام، وقواعد أساسية، وبحمولات فقهية، حاولت اجتهاديا المزاوجة بين الثوابت الشرعية الإسلامية، ومقتضيات المواثيق الدولية الحقوقية الأساسية المكرسة لحقوق الطفل وحمايتها، إلى جانب حقوق كل من المرأة والرجل في إطار نظام أسري وعائلي متماسك، حيث أكد هذا القانون في ديباجته الأساسية اعتمادها، إضافة إلى ما أكدت عليه بخصوص منطق وطريقة تفسير وتطبيق مقتضياته (الاجتهاد المنفتح، الحداثي، العلمي...)،  وهو منطق وفلسفة يستوجب حسن تطبيقها ميدانيا على مستوى العمل القضائي المغربي آنيا ومستقبلا، إعادة القراءة المتأنية، المتأملة، للعبارات، والمصطلحات، والكلمات، المعتمدة من طرف المشرع، لاستقصاء مدلولاتها وحقيقة المقصود منها، مع اعتماد الأسلوب الأساسي في محاولة تقصي إرادة المشرع بشكل متكامل بين مواد نفس القانون ومراعاة لمقتضيات النصوص التشريعية الأخرى الجاري بها العمل تفسيريا أو تكميليا....من قبيل قانون الحالة المدنية ¯ وكذا قانون المسطرة الجنائية في مقتضياته الخاصة بالأحداث في وضعية صعبة.

     ومن أجل حسن التطبيق لفائدة المصلحة العامة، وإنفاذا للعدل والإنصاف في حالات المصلحة الخاصة... في إطار المشار إليه أعلاه، وفي حدود حصر الموضوع في " بعض آثار النسب وآثار البنوة في إطار قانون مدونة الأسرة..." أجد أن الأمر يستوجب الوقوف عند عدة مصطلحات، وألفاظ، و تعابير قد يساهم الوقوف عليها في المساهمة الإيجابية في توضيح المراد أو المبتغى... وهو ما سيكون موضوع الفصل الأول من هذا العرض، وبعده الآثار المترتبة عن كل منهما.
******
الفصل الأول:آثار البنوة غير الشرعية/ الطبيعية
 
الباب الأول: تعريفات أساسية

     قانون مدونة الأسرة الجديد 70.03  أقر وأكد على التمييز بين كل من البنوة والنسب وأقر في الترتيب لمواده أن يخص موضوع البنوة بمقتضيات الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الثالث من المدونة (المواد: 142 إلى 149)، وبعده خصص الباب الثاني من القسم الأول من الكتاب الثالث (المواد: 150 إلى 162) لموضوعي –النسب ووسائل إثباته-بإضافة وتنظيم موضوع وسائل إثبات النسب...

تعريف البنوة وأنواعها:

      من خلال المواد، 142 إلى 149 من قانون مدونة الأسرة المنظمة أساسا لموضوع البنوة يلاحظ أن المشرع حددها في الفصل 142 كما يلي:
      «تتحقق البنوة بتنسل الولد من أبويه وهي شرعية وغير شرعية».
     وبغض النظر  و تجاوز الصياغة القانونية لهذه المادة من خلال استعمال حرف «و» بدلا من «أو» للتمييز بين البنوة الشرعية والبنوة غير الشرعية ورغم أن الصياغة غير دقيقة قانونا وشرعيا وبمنطق قانون مدونة الأسرة لكون عبارة «البنوة الشرعية»  بالنسبة للأب لا داعي للتنصيص عليها لكونها منظمة ومقررة أحكامها في قواعد النسب، فالبنوة إذا كانت شرعية بالنسبة للأب تصبح خاضعة لقواعد النسب، المحدد تعريفه القانوني في المادة: 150 التي تنص صراحة وتأكيدا على تعريف النسب بأنه:
     «النسب لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف».
    وبخصوص تعريف مفهوم ومصطلح البنوة، فإنه لئن كان مشروع قانون مدونة الأسرة لم يعرفها صراحة كما فعل بخصوص موضوع النسب الذي عرفه في المادة: 150 فإن الأمر يستوجب البحث عن تعريف فقهي شرعي حقوقي لمفهوم ومعنى «البنوة» وبشكل يميزها عن «النسب» المحدد تعريفه التشريعي ووسائل إثباته أو إنكاره، وآثار ذلك ... (في قانون مدونة الأسرة 70.03) .
ومن بين التعريفات التي اخترت تقديمها في هذا العرض لتعريف موضوع البنوة.
    موقف وزارة العدل بشأن تقديم مشروع قانون مدونة الأحوال الشخصية الملغى، وبصدد مناقشة الكتاب الثالث منه  تحت عنوان: «الولادة ونتائجها» ­ .
    حيث جاء في تقرير المقرر العام للجنة/آنذاك، وبخصوص موضوع –البنوة- ما يلي حرفيا:
   «البنوة في الأصل اللغوي هي نسبة مولود لمن ولد عنه، فإن اعتبرت من جانب الأب كانت أبوة، وإن اعتبرت من جانب الإبن كانت بنوة: ثم هي نوعان؛ شرعية، وطبيعية».
   * البنوة الشرعية: هي التي يتبع فيها الولد أباه في النسب ويبني عليها التوارث فيما بينهما، وينتج عنها موانع الزواج وتترتب عليها حقوق وواجبات أبوية و بنوية في قبيل:
       1- الإنفاق على الطفل الذكر إلى بلوغه سن الرشد القانوني، المحدد في 18 سنة تمدد إلى25  سنة إذا كان يتابع الدراسة.
       2- الإنفاق على الأنثى إلى أن تتزوج أو يكون لها كسب خاص.
       3- الإنفاق على كل من الذكر و الأنثى –إذا كان من ذوي الحاجات الخاصة العاجزين عن الكسب إلى حين زوال أو علاج الإعاقة.
  * البنوة  غير الشرعية: وهي المعروفة بالبنوة الطبيعية –وبشأنها يميز القانون 70.03 بشأن مدونة الأسرة بين النظرة إليها (البنوة) في اتجاه الأب –الطبيعي- والنظرة إليها في اتجاه الأم، حيث أقر ما يلي:
    - بالنسبة للأب: تنص المادة 148 على أنه:
    «لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية»
    - بالنسبـة للأم: تنص المادة: 146 على ما يلي:
    «تستوي البنوة للأم في الآثار التي تترتب عليها سواء كانت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية»
    وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 148 على أنه: « تعتبر بنوة الأمومة شرعية في حالة الزوجية، والشبهة، والاغتصاب».
الباب الثاني: الآثار المترتبة عن البنوة "غير الشرعية"/ الطبيعية
    إن الأدق الدقيق الواجب تمحيصه في موضوع البنوة غير الطبيعية هو الآثار المترتبة عن البنوة غير الشرعية (البنوة الطبيعية)، التي يتعين أن تنحصر آثارها وعواقبها بصفة أساسية على المسؤولين المباشرين عنها.
     فأية آثار وأية مسؤوليات بشأن البنوة الطبيعية؟
     أية حقوق للابن الطبيعي له تجاه والده المعروف؟
     تنص مقتضيات المادة 148 من قانون مدونة الأسرة 70.03، الذي صادق عليه مجلس النواب بالإجماع في جلسته العمومية ليوم الجمعة 16 يناير 2004 على ما يلي:
     « لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية ».
     يبدو أن وضع هذه المادة في مقابل بعض المواد المنظمة لحقوق الطفل وكذا المتعلقة بقواعد المسؤولية الشخصية، لمن تسبب بفعله الشخصي في ميلاد الطفل عن طريقة علاقة فساد أو جريمة اغتصاب نتج عنها ازدياد  طفل أقر لفائدته التشريع المغربي وكذا المواثيق الدولية الإنسانية -خصوصا المتعلقة بحقوق الأطفال- حقوقا إنسانية منها، حقوقه الخاصة من إنفاق أو تكفل أو رعاية أو مساهمة في ذلك... إضافة إلى حقوقه المعنوية من تسمية، وجنسية، وتقييد في سجلات الحالة المدنية تحت هوية كاملة تحمل اسم الأب واسم الأم الحقيقيين إن كانا معروفين ومختارين، أو إن كانا مجهولين أو أحدهما .
     لذلك فإن الحسم والقطع في عدم ترتيب أي أثر بالنسبة للبنوة غير الشرعية لا يجب أن يفهم أو يفسر على أنه نفي أو إعفاء كلي من أية مسؤولية مرتبة للجزاء من قبيل الإنفاق أو الرعاية أو المساهمة فيهما.
     ولعل ما يساعد على هذا التوجه هو أن المشرع لم يقف عند عبارة « أي آثار» وإنما حصر الآثار التي لا تترتب في الآثار الشرعية، من قبيل استمرار النسب الشرعي،وما يرتبه من حقوق في التوالد وحصر كثلة الورثة الشرعيين.
     لعل السليم بشأن هذا الموضوع، هو إقرار قواعد المسؤولية المدنية عن السلوك الشخصي الخارج عن القانون، وبشكل يركز بصفة أساسية على حقوق الطفل الناتج عن العلاقة...، من قبيل إقرار الإلزام بالإنفاق عليه ورعايته إلى حين بلوغه سن الرشد كجزاء مدني، تعويضي إما بشكل مباشر، أو بالأداء لفائدة الدولة الملزمة بذلك قانونا أو للمؤسسة المكلفة برعايته...
الباب الثالث: البنوة غير الشرعية للأم وقواعد الوصية الواجبة
    من الموضوعات الجديدة التي تستوجب المناقشة فقها بخصوص ما أقره قانون مدونة الأسرة بشأن اعتبار البنوة غير الشرعية بالنسبة للأم كالشرعية أو شرعية، بمقتضى المادتين 146 و 148 /الفقرة الأخيرة، وعلى اعتبار كون هذه العلاقة من بين ما يترتب عليه حق التوارث بين الابن غير الشرعي وأمه، وهو الموضوع –أي الإرث- الذي جاءت المدونــة بشأنه بمقتضى جديد في موضوع الوصية الواجبة حيث نصت المادة 369 على أنه:
     « من توفي وله أولاد ابن، أو أولاد بنت، ومات الابن أو البنت قبله أو معه، وجب لأحفاده هؤلاء في ثلث تركته وصية بالمقدار والشروط الآتية» .وهذه الشروط أوردتها المواد: 370، 371، 372......
     إن مقابلة هذه المادة مع بعض قواعد المساواة المقررة في المشروع سيخلق نوعا من اللبس أو الغموض عند التطبيق الميداني خصوصا وأن المادة 146 من مشروع القانون في صيغته الأصلية وقبل تعديلها بإعادة الصياغة من طـــرف مجلس النواب تؤكـد ما يلي: »تستوي البنوة الشرعية وغير الشرعية بالنسبة للأم في الآثار المترتبة عليهما» وهي صياغة دقيقة تؤدي إلى حصر آثار العلاقة الغير شرعية الناتجة عنها الولادة في حدود الأم وابنها، أي  في حدود الأمومة، دون أن تمتد إلى الغير من قبيل والد الأم الذي لا يعتبر الابن الطبيعي حفيدا له ولا إلى الإخوة للأم الذين لا يعتبرون أعماما له لانتفاء الرابطة الشرعية ونفس الشيء بالنسبة للأب الطبيعي المقرر له الحكم في المادة 148.
 
     و هذه الصياغة عمد مجلس النواب إلى تعديلها وبشكل -أظنه منتقدا وغير دقيق- حين أعاد صياغتها كما يلي:
    »تستوي البنوة للأم في الآثار التي تترتب عليها سواء كانت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية »
    فالصياغة الأصلية الواردة في المشروع أكثر دقة على حالها من الصياغة المقررة من طرف البرلمان وذلك من خلال عبارة »بالنسبة للأم » التي لو أضيفت لها لفظة »فقط » لكان المضمون أسلم بجعل البنوة غير الشرعية مرتبة للآثار والالتزامات بشكل نسبي ومحصور بين الأم ووليدها دون أن تمتد هذه الآثار إلى حقوق الأغيار ومراكزهم القانونية الشرعية (كما في حالة الوصية الواجبة لأبناء البنت) المقررة تحديدا في المدونة بمقتضى المواد: 369، 370، 371 حيث يؤدي هذا الحصر إلى عدم دخول الابن غير الشرعي للبنت في الإرث مع الأبناء الشرعيين (كتلة الورثة الشرعيين).
    وبقدر ما يحتاج الموضوع إلى تدقيق ودراسة المبدأ من عدة جوانب، فإن الصياغة المصادق عليها من طرف البرلمان قد تكون غيرت المعنى المقصود، وقد يؤدي الأمر إلى فتح الباب للتسوية بين البنوة الشرعية وآثارها والبنوة غير الشرعية -التي كانت مقيدة في المشروع في صيغته الأصلية بعبـــارة »بالنسبة للأم» مما يفهم منه أن هذه الآثار لا يمكن أن تتعدى هذه النسبية.
    ولعل أهم ما قد يشكل ضابطا متحكما في عدم الانزلاق في التطبيق إلى تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحله الرجوع إلى ما تم إقراره في ديباجة هذا القانون من أن المقصود في موضوع الوصية الواجبة المقررة لفائدة أبناء البنت لا يتعلق بالأبناء الطبيعيين، الناتجين عن علاقة غير شرعية، وإنما يتعلق بأحفاد الأب أي أبناء أبنائه، وأبناء بناته الشرعيين الوارثين لنسبه، لتأكيد المادة 150 من هذا القانون على ما يلي: »النسب لحمة شرعية تنتقل من السلف إلى الخلف» وهي صياغة لا تسمح من باب الزيادة أو التوسع غير المقبول بأنه »أي النسب» يمكن أن ينقل من الخلف إلى السلف».

¬ القانون 70.03 بشأن مدونة الأسرة نفذ بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.04.22 صادر في 2 من ذي الحجة 1424 (3 فبراير2004) ونشر بالجريدة الرسمية عدد: 5184 بتاريخ: 14 ذو الحجة 1424 (05 فبراير 2004) ص 418 إلى 452.
¬ ظهير شريف رقم 1.02.239 صادر في 25 من رجب 1423 (3أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 37.99 المتعلق بالحالة المدنية.
­ انظر مجلة القضاء والقانون، العدد 6، فبراير 1958 شهرية تصدرها وزارة العدل ص 558 

                           الجزء الثاني


لتحميل الجزء الثاني من هنا


المرجع:  

الجزء الأول: مقال منشور بجريدة العلم عدد 19852 بتاريخ 2004-09-29  - ذ/ الملكي الحسين .

الجزء الثاني: مقال منشور بجريدة العلم عدد 19853 بتاريخ 2004-09-30- ذ/ الملكي الحسين .

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم