الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

حول تجريم عدم توثيق عقد الزواج



إن القضاء تساهل في قبول طلبات ثبوت الزوجية حتى ولو لم يكن هناك سبب قاهر
 يرى يونس العياشي، أستاذ جامعي وقاض ملحق بوزارة العدل والحريات، أن السبب القاهر  هو كل عقبة مادية حالت دون توثيق عقد الزواج أمام العدلين ومن ذلك كل الحالات التي سبق للقضاء المغربي أن اعتبرها تحقق حالة الاستثناء، ومن ثم يؤكد القاضي أنه يحجب التعامل بحذر مع مقتضيات المادة 16 التي أضحت تستعمل في حالات معينة خلافا لما هو منصوص عليها.
أثارت المادة 16 من مدونة الأسرة وما زالت تثير العديد من الإشكالات، في نظركم بصفتكم متخصصا إلى ماذا يرجع ذلك؟
إلى جانب القاعدة العامة التي قررها المشرع من خلال الفقرة الأولى من المادة 16 من مدونة الأسرة، والتي تقضي بأن إثبات العلاقة الزوجية يتم بالوثيقة العدلية المنجزة في إطار المواد 65 إلى 69 من  المدونة نفسها، عاد المشرع في الفقرة الثانية من المادة نفسها أعلاه ليضع استثناء من القاعدة أعلاه مفادها انه بالإمكان إثبات عقد الزواج بسائر وسائل الإثبات والخبرة، إذ يعالج هذا المقتضى الحالة التي لا يوثق فيها عقد الزواج في وقته لأسباب قاهرة، إذ يصح إثبات الزوجية أمام القضاء في إطار ما يعرف بدعوى ثبوت الزوجية، وذلك بالاعتماد على كافة وسائل الإثبات بما في ذلك الخبرة الجينية، ولا يخلو الأمر من فرضيتين: الأولى يتقدم خلالها الزوجان بطلب لإثبات الزوجية بينهما، وهما متفقان لا خلاف بينهما، والثانية أن تتقدم الزوجة بطلب ثبوت الزوجية التي يتنكر لها الزوج في الغالب.
وسواء تعلق الأمر بالفرضية الأولى أو الثانية ، فإن الزوجين معا أو الزوج مدعي الزوجية يكون ملزما ببيان السبب القاهر الذي حال دون توثيق عقد الزواج.
وإثبات الزواج في حالة عدم وجود عقد مكتوب يتم بواسطة حكم قضائي من خلال دعوى ثبوت الزوجية التي تختص بها غرفة الأحوال الشخصية بقسم قضاء الأسرة، إذ يتقدم الزوجان معا في حالة اتفاقهما بطلب في الموضوع يودع بكتابة ضبط المحكمة وتؤدى عنه رسوم قضائية بسيطة (160 درهما )، وحضور المحامي ليس إلزاميا  وهو أمر يدخل في إطار التيسير لا غير، رغم أن ذلك يتعارض مع المادة 32 من القانون الجديد للمحاماة.

تتحدث المادة 16 عن السبب القاهر، إلا أنه يلاحظ أن مفهومه جاء شاملا؟
بالفعل لم يبين المشرع في مدونة الأسرة مفهوم السبب القاهر، علما أن المشرع المغربي في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة كان يتحدث عن حالة الاستثناء، ومؤدى هذا أنه يمكن اعتماد المفهوم الذي تبناه القضاء بشأن حالة الاستثناء في إطار المدونة القديمة، وبالتالي فالسبب القاهر هو كل عقبة مادية حالت دون توثيق عقد الزواج أمام العدلين، ومن ذلك كل الحالات التي سبق للقضاء المغربي أن اعتبرها تحقق حالة الاستثناء، وللتقليص من بعض حالات استثناء التي كان يتمسك بهـا بعض المغاربــة المقيميـن بالخـارج أدرج المشرع المغربي مقتضيات جديدة هما المادتان 14 و15 من المدونـة ، وذلـك عمـلا بحديث الرسول ص "يسروا ولا تعسروا". 
  وهكذا أصبح بإمكان المغاربة المقيمين بالخـارج أن يبرمـوا عقـود زواجهم وفقـا للإجـراءات الإدارية المحلية لبلد الإقامة، متى توفر الإيجاب والقبول والأهلية والولي عند الاقتضاء وانتفت موانـع الزواج ولم ينص على إسقاط الصداق وحضر شاهدان مسلمان مع مراعاة أحكام المادة 21  من مدونة الأسرة.
   ويستفاد من القراءة المتأنية للنص التشريعي أعلاه أن إثبات السبب القاهــر مقدمــة أولية لقبول دعـوى إثبات الزوجية، ذلك أن عدم إثبات هذا السبب يؤدي مبدئيا إلى التصريح بـرفض الطلب مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من آثار قانونية، سيما حول تكييف العلاقة التي كانت تجمع الطرفين.
ونعتقد أنه ينبغي التعامل  مع الإثبات بحذر شديد جدا لأن المسألة تتعلق بالأعراض والأنساب اللذين هما من الكليات الخمس التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية  وهي حفظ الدين والنسل والمال والعقل والنفس، ومن ثم لا يحق للمحكمة أن تثير انعدام السبب القاهر أو تقول بوجوده، لأن ذلك من الأمور الموضوعية والواقعية التي يستقل بتقديرها قضاة الموضوع، ولا رقابة عليهم من قبل محكمة النقض إلا من حيث التعليل.

توشك المدة الثانية الخاصة بالمادة 16 على الانتهاء، ألا ترون ضرورة لمدة إضافية أخرى؟
إن مدونة الأسرة دخلت حيز التنفيذ يوم 5 فبراير 2004 ، فإن المقتضى أعلاه سيتوقف في بداية فبراير 2014، علما أن أقسام الأسرة  ما زالت تستقبل يوميا المزيد مـن طـلبات ثـبـوت الزوجية.     وإذا كان المشرع المغربي من خلال سماحه بإثبات عقد الزواج بمختلف وسائل الإثبات كاستثنـاء من الأصل، فإن هذا الاستثناء من خلال دعوى ثبوت الزوجية، أصبح يعتمد كمطية من أجـــل التحايـل على القانون بالقانون، وذلك لمواجهة بعض القيود كقيد التعدد ورفض  طلبات الزواج بالقاصرات من قبل القضاء، ذلك أن الرجل قد يكون متزوجـا بامرأة ويريد الزواج بأخرى، ويكون الإذن بالتعدد قد تم رفـضه من قبل القضاء  لعـدم توفـر السبب الموضوعي والاستثنائي، فلا يجد الراغب في الزواج بدا من التحايل على القانون بالقانون، مستفيدا من الاستثناء المقرر في المادة 16 من مدونة الأسرة، ليتقدم الزوجان أمام القضاء معترفان بأنهما كـانا يتعاشران معـاشرة الأزواج وأن المولود هو ابنهما ولد على فراش الزوجية مدعمين اعترافهما بشهادة الشهود غالبـا من أفراد العائلة أو من الأصدقاء، فلا تملك المحكمة إلا أن تصدر حكما بقبول الدعوى شكلا لاحترامهـا الشروط الشكلية بما فيها الأجل، وفي الموضوع بثبوت الزوجية بأثر رجعي، وتبعــا لذلك ثبوت نسب المولود الذي قد يكون  في الأصل ثمرة زنا أو سفاح أو اغتصاب أو أي جريمة أخرى نكراء.
وقد  حاول القضاء الأسري في بداياته  التصدي لهذا التحايل ، ولهذا الحق الذي أصبح يراد به باطل ومثاله  إلحاق ابن الزنا والسفاح  عبر دعوى ثبوت الزوجية.
والملاحظ أن القضاء في العديد من النوازل تساهل في قبول طلبات ثبوت الزوجية حتى ولو لم يكن هناك سبب قاهر حال دون توثيقها، سيما في حالة وجود أطفال،  وهذا ما يؤدي فــي كثـير من الأحيان وكما سبق بيانه إلى إلحاق ابن السفاح وابن الزنا، وغض الطرف على بعض الجـرائم مـن قبيــل  الاختطاف والتغرير بالقاصرات وهتك عرضهن بعنف أو بدونه  والاغتصاب والافتضاض الناتج عنه حمل ، بحيث إن العقد على الضحية قد يؤدي إلى وضع حد للمتابعة أو على الأقل المتابعة في حالة سراح، فيصبح الزواج بالإكراه والغصب وليس بالرضى وهو زواج باطل من حيث الأصل، وهو ما جعل  منظمات المجتمع المدني تطالب بإلغاء الفقرة الثانية  من الفصل 475 من القانون الجنائي.
وما قيل  عن التعدد والتحايل عليه من خلال الإمكانية المقررة في المادة 16 يصدق على الزواج بالقاصرات والذي رغم تقييده مازال يعرف تفشيا انطلاقا من الثغرة التي افرزتها الممارسة العملية في إطار المادة 16 موضوع هذه الدراسة، والتي شرعت من أجل إثبات حق لشريحة مهمة من المغاربة، وليس لإشاعة الظلم بينهم والإفلات من العقاب.  لقد كان الفقه الإسلامي وما يزال مصدرا من مصادر القاعدة القانونية في التشريع المغربي عموما، ومدونة الأسرة على وجه الخصوص، والمشرع المغربي بإقراره الكتابة وسيلة  وحيدة ومقبولة في إثبات عقد الزواج لا يكون قد خالف قواعد الفقه الإسلامي ، وإنما حاول سد باب الذرائع وأراد تنظيم عقد أثقل كاهل القضاء على مستوى الإثبات وعمل بالقاعدة الفقهية أينما كانت المصلحة فتم شرع الله، وإذا كان بعض الفقه يرى في المرحلة الانتقالية  10 سنوات غير كافية لتعميم الكتابة واعتبار العقد المكتوب الوسيلة المقبولة في الإثبات داعيا إلى تمديدها ، فإن جانبا آخر من الفقه،   ونحن نشاطره الرأي، دعا إلى تجريم عدم توثيق العقد، خاصة أن حالة الاستثناء، كما عبر عنها مشرع مدونة الأحوال الشخصية، والقوة القاهرة، كما عبر عنها مشرع مدونة الأسرة، أصبحت تتقلص مع التطور الذي عرفته المدنية وانتشار العدول في مختلف أنحاء البلاد.

جريدة الصباح
 لثلاثاء, 21 مايو 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم