الأحد، 1 ديسمبر 2013

الحماية الجنائية للأسرة - بحث إجازة


بحث إجازة :


تقديم
الفصل الأول: مظاهر الحماية الجنائية الموضوعية للأسرة
المبحث الأول: الحماية الجنائية للعلاقة الزوجية
المطلب الأول: الخيانة الزوجية
المطلب الثاني: إهمال الأسرة
المطلب الثالث: الضرب والجرح المرتكب ضد أحد الزوجين

المبحث الثاني: الحماية الجنائية للطفل
المطلب الأول: حق الطفل في الحياة
المطلب الثاني: تجريم المساس بالسلامة الجسدية للطفل
المطلب الثالث: تجريم ترك الأطفال وتعريضهم للخطر
المبحث الثالث: الحماية الجنائية للمرأة
المطلب الأول: الحماية الجنائية للمرأة الأنثى
المطلب الثاني: الحماية الجنائية للمرأة المتزوجة
المطلب الثالث: الحماية الجنائية للمرأة الأم
 

الفصل الثاني: الإجراءات المسطرية ودور النيابة العامة في حماية الأسرة
المبحث الأول:الخصوصيات المسطرية للجرائم الماسة بنظام الأسرة
المطلب الأول: الخصوصيات المسطرية لجريمة إهمال الأسرة
المطلب الثاني:الخصوصيات المسطرية لجريمة الخيانة الزوجية
المبحث الثاني: الإجراءات المسطرية الخاصة بالأحداث
المطلب الأول: المستجدات المسطرية الخاصة بالأحداث الجانحين
المطلب الثاني: الإجراءات المسطرية الخاصة بالأحداث ضحايا الجرائم، والموجودين في وضعية صعبة
المبحث الثالث: دور النيابة العامة في حماية الأسرة
المطلب الأول: تدخل النيابة العامة بخصوص حماية الزوجين
المطلب الثاني: تدخل النيابة العامة بخصوص حماية الأطفال

_________________________________________________________________________________

 تقديــــــم:

لعله من نافلة القول، أن الأسرة تعد اللبنة الأسَاسْ التي يبنى المجتمع الإنساني برمته عليها، والنواة الجوهرية التي يتبلور من حولها، ولحمة السداد التي يستقر باستقرارها ويتقلقل باضطراب مقوماتها، الأمر الذي يجعل تنظيم مقتضياتها وتقنين أحكامها وتقوية مؤسساتها وتعزيز مكوناتها، من الأولويات التي قامت بها سائر المجتمعات. لذلك عنيت بها الشرائع السماوية الثلاث، ورسمت قواعد لحكم أحوالها في أدق الجزئيات والتفصيلات، مما نسجت على منواله سائر التشريعات، والتي من بينها التشريع المغربي، الذي قنَّن فيما عُرِفَ بالأحوال الشخصية ما يتعلق بها من مقتضيات، والتي كُلّلت بما أُدخِل عليها في " مدونة الأسرة " من تعديلات.
ولما كان التنظيم القانوني للأسرة في المدونة الخاصة بها غير ذي كفاية لإحاطتها بسياج منيع من الحماية، فقد عمد المشرع المغربي على تدعيم عنايته بالأسرة بالمقتضيات الزجرية، سواء في شكل الجرائم التي نظمها في نصوص القانون الجنائي، كتلك المضمنة في الباب المتعلق بالجنايات والجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة؛ أو في شكل إحالات تضمنتها مدونة الأسرة() والقوانين اللاحقة بها()، على المقتضيات الزجرية في القانون الجنائي، وذلك على غرار ما قام به في قوانين أخرى كقانون الشغل وقانون الشركات وغيرهما، لما للقانون الجنائي من طابع حمائي زجري وردعي، وبما يتوفر عليه من مؤسسات قَمِينة بأن تقوي من أَوْد مسائل الأسرة، مثلما فعل في تنصيصه على اعتبار النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام مدونة الأسرة().
فلهذه الاعتبارات جميعها، تم اختيارنا لمعالجة هذا الموضوع تحت مسمى: "القانون الجنائي() للأسرة"()، بما لا تعني معه هذه التسمية، وجود قانون جنائي خاص بالأسرة تَجمع مواده باستقلالٍ، مدونةٌ من المدونات، وإنما نعني بها جُمَّع المقتضيات الزجرية التي كرسها المشرع لحماية مؤسسة الأسرة على اختلاف موارد فصولها وموادها على النحو الذي أشرنا إليه سالفا.
وتجدر الإشارة هنا، أننا ونحن نعالج هذا الموضوع، كنا أمام مقاربتين: إما أن ننظر إلى الموضوع من جهة الجزء الأول من التسمية: " القانون الجنائي"، مما كان سيلزمنا بالاقتصار على الإخلالات الماسة بالأسرة والمنصوص عليها في القانون الجنائي؛ وإما أن ننظر إلى الموضوع من زاوية الجزء الثاني من التسمية: "للأسرة"، مما يتركز معه النظر إلى الإحالات التي تضمنتها مدونة الأسرة على القانون الجنائي.
وبين هاته وتلك، فقد أمسكنا عصا الموضوع من منتصفها، بما اعتمدنا معه من منهج بنيوي، على النحو الذي يجعلنا نستعرض مواطن الحماية الجنائية للأسرة من خلال تناول جرائمَ مما قد يمس هذه الأسرة في أفرادها، وكذلك المساطر الجنائية الموائمة لها بما يتناسب وخصوصية مسائلها، وذلك بالحَسْب الذي يسمح به الإمكان؛ لأن الإحاطة بمجموع هذا الموضوع لاتستطيعه الأطروحات بَلْهَ موضوع عرض.
ترتيبا عليه، فستكون مناولتنا لهذا الموضوع بشكل أفقي() من خلال محورين: نخصص أولهما لمظاهر الحماية الجنائية للأسرة ( الفصل الأول)، نتحدث فيه عن مظاهرها بخصوص الرابطة الزوجية، والطفل، والمرأة، لما لذلك من أهمية وأولوية، وبما حفلت به من مستجدات()؛ ونخصص ثانيهما للإجراءات المسطرية ودور النيابة العامة (الفصل الثاني)، لما لهذه الإجراءات من خصوصية، ولمؤسسة النيابة العامة من أهمية وفاعلية.











الفصل الأول: مظاهرالحماية الجنائية الموضوعية للأسرة

لما كانت الأسرة مأوى الإنسان لإشباع حاجته الطبيعية، إلى الأمن والاستقرار، ويعتبر تكوينها عن طريق الزواج وإنجاب الأطفال وسيلة أساسية، لا بديل عنها لتحقيق السكينة النفسية()، فقد أحاطتها التشريعات المختلفة بمقتضيات قانونية عدة، لإضفاء حماية قانونية كفيلة بأن تضمن لها الاستقرار، إذا تضافرت مع عوامل اقتصادية واجتماعية ملائمة. والمشرع الجنائي المغربي بدوره أحاط نظام الأسرة بحماية خاصة من خلال نصه على مقتضيات زجرية، منها ما هو خاص بالزواج، حماية للعلاقة الزوجية، ومنها ما هو خاص بحماية الطفل الذي هو ثمرة هذه العلاقة، ومنها ما هو خاص بالمرأة.

المبحث الأول: الحماية الجنائية للعلاقة الزوجية
و تكتسي العلاقة الزوجية أهميتها من أهمية الأسرة ، هذه الأخيرة التي تباشر أثرها القوي في توجيه تصرفاتهم وسلوكاتهم. فإذا كانت الأسرة متماسكة يسودها الحب والتفاهم والاحترام والأخلاق الحميدة، يكون هناك توازن في العلاقة الزوجية بين الطرفين، أما إذا كانت الأسرة متفككة يسودها التنافر وعدم التفاهم وسوء العلاقة بين الزوجين، فيترتب عن ذلك علاقة زوجية قَلِقة، مما قد يؤدي في غالب الأحيان إلى التّجَني على الأسرة و أفرادها، مما حدا بالمشرع للتدخل لتجريم هذه الأفعال – كالخيانة الزوجية، إهمال الأسرة، والضرب والجرح المرتكبة ضد أحد الزوجين-، حماية للعلاقة الزوجية.

المطلب الأول: الخيانة الزوجية:
إن نظام الزواج هو النظام الطبيعي الذي يؤدي إلى حفظ النوع البشري، لذلك جرمت التشريعات المختلفة كل ما من شأنه أن يمس بحُرمة هذا النظام، ورأس ذلك الخيانة الزوجية، التي ما جرمت لكونها تمس الآداب والأخلاق العامة فحسب، وإنما تجريمها يرجع بالأساس إلى رغبة التشريعات الجنائية في حماية العلاقة الزوجية، ويؤكد ذلك أن جل التشريعات المعاقبة على الخيانة الزوجية جرت على إيراد النصوص الخاصة بذلك في باب "الجرائم الخاصة بالزواج أو العائلة"().
والخيانة الزوجية هي كل علاقة جنسية يقوم بها أحد الزوجين خارج إطار العلاقة الزوجية المشروعة().
والمشرع المغربي- كغيره من التشريعات الإسلامية التي تجرم كل ما يتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية- لا يعترف إلا بمؤسسة الزواج كرابط شرعي بين رجل وامرأة بناء على عقد زواج صحيح. فقد نص الفصل 491 من ق.ج في فقرته الأولى على أنه: "يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية، ولا تجوز المتابعة في الحالة، إلا بناء على شكوى من الزوج أو الزوجة المجني عليها..." . وقد سار على نهج المشرع المغربي في تجريم الخيانة الزوجية كل من نظيره المصري والليبي والجزائري...
وبخلاف هذه التشريعات نجد المشرع التونسي لا يعاقب على جريمة الخيانة الزوجية بالمعنى الواسع، إلا إذا كان ذلك بمقابل، وخارج دور البغاء، حيث يعتبر في هذه الحالة بغاء سريا يعاقب عليه بأحكام الفصل 231 من المجلة الجنائية، أو إذا كانت الفتاة المتصل بها قاصرا.()
أما التشريع الفرنسي فقد ميز في العقوبة بين أطراف الجريمة، بحيث أن الزوجة الزانية تعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين (م 337) كما يخضع شريكها إلى نفس العقاب مع الغرامة؛ أما الزوج الزاني فإن عقوبته مقصورة على الغرامة، شرط أن يكون قد زنى في بيت الزوجية، أو اتخذ له خليلة في منزل الزوجية (م 339)، ولم يتطرق المشرع الفرنسي إلى عقوبة شريكة الزوج.()
وِزنى الزوج في بيت الزوجية شرط لقيام جريمة الخيانة الزوجية في حقه في القانون المصري كذلك، إذ نصت المادة 4 من قانون العقوبات المصري على أنه:"كل زوج زنا في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة، يجازى بالحبس مدة لا تزيد عن ستة شهور".
والحماية الجنائية للعلاقة الزوجية لا تقتصر فقط على اعتبار العلاقة الزوجية عنصرا تكوينيا في جريمة الخيانة الزوجية، وإنما تمتد هذه الحماية إلى تمتيع أي من الزوجين بظرف مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكبه أحد الزوجين ضد الزوج الآخر أو شريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية.()
ويعتبر تمتيع الزوجين معا بهذا العذر المخفف من أهم ما جاء به القانون رقم 03-24() وذلك تكريسا لمبدأ المساواة الذي يجب أن يسود القانون الجنائي، على اعتبار أن الزواج يربط الزوجين معا ويرتب حقوقا وواجبات متبادلة بين الزوجين، وليس هناك أي اعتبار يبرر حرمان الزوجة من هذا العذر المخفض للعقوبة.()
وبتجريم المشرع للانحلال الخلقي وكل الوسائل المساعدة له أو الداعية إليه يعمل جاهدا لحماية الأخلاق بصفة عامة ومنع تأثيرها السيئ على الأسرة، وحرصا على تحصين هذه الأخيرة من كل ما من شأنه أن يزعزع دعائمها وتماشيا مع هذا الهدف فقد جعل المشرع المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية مرتبطة بضرورة تقديم شكوى من الزوج أو الزوجة المجني عليها.()

المطلب الثاني: إهمال الأسرة:
خصص المشرع المغربي لجريمة إهمال الأسرة الفصول من 479 إلى 482 من القانون الجنائي. وهذه الفصول تعتبر السند القانون للتجريم و العقاب على هذه الجريمة، إذ تحدد نوع الأفعال المجرمة قانونا والمعتمدة كأساس للمتابعة عند اقترافها ممن تتوافر فيهم الصفة المتطلبة قانونا، كما تعدد هذه الفصول العقوبات المقررة لها، والتي تكون إما عقوبات سالبة للحرية والحقوق أو عقوبات مالية.()
وفي هذا الإطار ينص الفصل 479 من ق.ج على أنه:"يعاقب كل من الأب أو الأم إذا ترك أحدهما بيت الأسرة دون موجب قاهر مدة تزيد عن شهرين وتملص من كل أو بعض واجباته المعنوية أو المادية الناشئة عن الولاية الأبوية أو الوصاية أو الحضانة ولا ينقطع أجل الشهرين إلا بالرجوع إلى بيت الأسرة رجوعا ينم عن إرادة استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية".
ويعني ذلك خروج الأب أو الأم من البيت الذي يقيمان فيه مع أطفالهما إلى مكان آخر، وسواء كان ذلك المكان بعيدا أم قريبا يجب أن يوافق ذلك الخروج، إخلال أحد الأبوين بواجبات الولاية أو الوصاية أو الحضانة(). أما إذا استمر أحد الزوجين في رعاية الأبناء رغم بعده عن بيت الأسرة، وكان ينفق على أسرته من بعيد ويرعى أبناءه من خلال توجيهاته لهم من مكان خارج بيت الأسرة، فلا تثبت في حقه جريمة إهمال الأسرة. غير أن هذا الامتياز لا يتوفر للأم التي تتملص من واجب الحضانة، لكون أبنائها يجب أن يظلوا معها حتى تتمكن من رعايتهم.
أما فيما يخص فترة الغياب عن بيت الأسرة فقد حددتها المادة 479 من ق.ج، في غياب أحد الأبوين عن بيت الأسرة لأكثر من شهرين، وهذا التحديد يفهم منه أن هذه الفترة قد تكون شهرين أو أكثر.
والمشرع أراد أن يقطع الطريق على الزوج المخادع الذي يتحايل، وذلك بالحضور إلى بيت الزوجية بين الحين والآخر، الأمر الذي دفع به إلى التنصيص في الفصل 479 من ق.ج على أنه:"لا ينقطع أجل الشهرين إلا بالرجوع إلى بيت الزوجية رجوعا ينم عن إرادة استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية". غير أن الإرادة الحقيقية لاستئناف الحياة الزوجية بصورة نهائية مسألة من الصعب إثباتها، نظرا لارتباطها بالنية التي تعتبر من الأمور الخفية التي لا يمكن للقضاء أن يطلع عليها.
وقد أقر المشرع نفس عقوبة إهمال الأسرة لمن يترك زوجته وهي حامل، شريطة علمه بوجود هذا الحمل عند قيامه بمغادرة بيت الزوجية.
وما قيل عن الإرادة النهائية لاستئناف الحياة العائلية يمكن قوله عن مسألة العلم بالحمل، إذ من الصعب إثبات هذا العلم خصوصا إذا كانت الزوجة في الشهور الأولى للحمل.
ويستخلص من المادة 479 بمفهوم المخالفة، أن الزوجة إذا لم تكن حاملا وأهملها زوجها لأكثر من شهرين دون عذر مقبول، لا يحق لها متابعته بهذه الجريمة. كما أن الزوجة الحامل إذا هي أقدمت على مغادرة بيت الزوجية، وكان زوجها عالما بحالة الحمل، لا يجوز له متابعتها بإهمال الأسرة، إلا إذا وجد أطفالا صغارا قي البيت الذي غادرته وتخلت عنهم دون عذر قاهر.
وإذا كان هذا القول قد يفسر بأن المشرع المغربي قد جرم إهمال الأسرة حماية لمصلحة الأطفال بالدرجة الأولى، فإن تأثير هذه الجريمة على العلاقة الزوجية لا يمكن أن يخفى على اللبيب، كما أن ضرر غياب أحد الزوجين عن بيت الزوجية يطال الزوج الآخر بلا شك، مما يدفعنا إلى القول بأنه ما كان على المشرع أن يعلق قيام الجريمة على وجود أطفال أو حمل، وهذا الاعتبار هو الذي دفعنا إلى دراسة هذه الجريمة تحت عنوان"الحماية الجنائية للعلاقة الزوجية"، بالإضافة إلى اعتبار آخر، وهو أن هذه الجريمة تجمعها مع الجرائم الوارد ذكرها في هذا الباب خاصية جوهرية، وهي كونها ترتكب من قبل أحد الزوجين.
كما نص المشرع في الفصل 480 من ق.ج على أنه:"يعاقب بعقوبة إهمال الأسرة من صدر عليه حكم نهائي أو قابل للتنفيذ المؤقت بدفعه نفقة إلى زوجه أو أحد أصوله أو فروعه وأمسك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد".
فانطلاقا من هذا النص يتبين أن الجريمة المذكورة، تقوم متى أمسك الجاني عمدا عن أداء النفقة لمستحقيها، زوجة كانت، أو أحد الأصول، أو الفروع، وذلك بعد صدور حكم نهائي أو قابل للتنفيذ المعجل يقضي بأدائها، وأن يمسك المدين عن دفعها عمدا. فالأصل هو ملاءة الذمة، ومن ثم على المدين بالنفقة أن يثبت حسن نيته، أما القصد الجنائي أو النية الجرمية فتفترض، وعلى الملزم بالنفقة أن يأتي بالحجة على أنه معسر.()

المطلب الثالث: الضرب والجرح المرتكب ضد أحد الزوجين:
ينص الفصل 404 من ق.ج المغربي كما تم تعديله وتتميمه بمقتضى القانون 03-24 على أنه:
" يعاقب كل من ارتكب عمدا ضربا أو جرحا، أو أي نوع آخر من العنف، أو الإيذاء، ضد أحد أصوله، أو ضد كافله، أو ضد زوجه..."
والغاية من تعديل هذا النص وغيره مما يتعلق بحماية الطفل والمرأة على الخصوص، هي مسايرة مجموعة من المستجدات التي عرفتها قوانين أخرى في بلدنا، كقانون المسطرة الجنائية، قانون الحالة المدنية، مدونة الشغل، قانون مكافحة الإرهاب، قانون الصحافة، مدونة التجارة ثم مدونة الأسرة، وهو ما يفرض ملاءمة القانون الجنائي مع هذه القوانين، حتى يتمكن المشرع من تحقيق التكافل وإزالة التناقض، حمايةً للأسرة()، وتحقيقا لمبدأي الحرية والمساواة.
ويقابل الفصل 404 من ق.ج المغربي المادة 232/13 من القانون الجنائي الفرنسي، التي تنص على أن:"العنف الذي يترتب عنه عجز عن العمل لمدة أقل أو تساوي 8 أيام...
يعاقب بـ 3 سنوات حبسا وغرامة 300.000 فرنك عندما يرتكب ضد:
1-....
2-....
6- من طرف زوج أو صديق الضحية"
وينص المشرع المغربي في التعديل الأخير صراحة على تجريم العنف بين الأزواج فأصبح هناك توافق بين التشريع المغربي وغيره من التشريعات المقارنة، على اعتبار أنه قبل هذا التعديل لم يكن هناك أي تنصيص على الضرب والجرح ضد أحد الزوجين، الأمر الذي دفع بالمشرع أمام تكاثر هذه الظاهرة – والفراغ التشريعي- إلى تجريم هذه الأفعال حرصا منه على ضرورة تحسين وضمان تماسك كل مكونات المجتمع، وعلى رأسها الأسرة، والمرأة والطفل بالخصوص. ولقد كان للمجتمع المدني الدور الفعال في هذا الميدان وذلك من خلال العمل النشيط الذي تقوم به الجمعيات.()
وتكريسا للحماية الجنائية للزوجين كلٌّ في مواجهة الآخر، قرر المشرع المغربي إخضاع الجنح الزوجية للمماثلة في تقرير حالة العود().إذ أضاف إلى لائحة الجنح المتماثلة والتي ينص عليها الفصل 158- كل الجنح التي ارتكبها زوج في حق الزوج الآخر، "وهذه الجنح تعتبر متماثلة لتقرير حالة العود، وإن تباعدت عن بعضها البعض من حيث التكييف والوصف القانوني، فالزوج الذي يرتكب ضد زوجته عنفا ثم يصدر في حقه حكم حائز لقوة الشيء المقضي به، ثم يرتكب ضدها قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ عقوبة الحبس أو تقادمها، جنحة تهديد أو قذف أو إهمال، يعتبر في حالة عود، ونفس الأمر بالنسبة للزوجة التي تجرم في حق زوجها."()
كما شدد المشرع العقوبة في حالات العنف بين الزوجين إذ لم يعد العنف الذي يرتكبه الزوج ضد زوجته أو الزوجة ضد زوجها يدخل في نطاق الحالات العادية، وإنما تدخل المشرع ليتصدى لجرائم العنف بين الأزواج –والمتزايدة- وذلك بإضافته عبارة "أو ضد زوجه" في الفصل 404 من ق.ج، والذي كان يشدد العقوبة في حالة ارتكاب ضرب أو جرح أو عنف أو إيذاء ضد الأصول. وبذلك أصبح تشديد العقوبة يشمل جرائم العنف التي يرتكبها الزوج ضد زوجته، أو التي ترتكبها الزوجة ضد زوجها، سواء نتج عنها مرض أو عجز تتجاوز مدته عشرين يوما أو تقل عن ذلك، أو لم ينتج عنها مرض أو عجز أصلا، وسواء أدت إلى إحداث عاهة دائمة أو أدت إلى الموت دون نية إحداثه. ولكن إعمال هذا المقتضى تعترضه صعوبة جدية تتمثل في تعذر إثبات هذا العنف مادام يرتكب غالبا خلف أسوار بيت الزوجية.()
وإمعانا من المشرع في توفير الحماية اللازمة للطفل والمرأة وكذلك للزوج، أعفى الأطباء ومساعديهم من ضرورة الاحتفاظ بالسر المهني، عند علمهم أثناء مزاولتهم مهامهم، بتعريض طفل دون الثامنة عشرة أو امرأة أو أحد الزوجين للعنف، وتمكينهم بالتالي من التبليغ عن ذلك.()


المبحث الثاني: الحماية الجنائية للطفل
يتزايد اهتمام الأمم بالطفل أو الصبي أو الحدث، فهو ذخيرة الوطن بسواعده تتحقق استمرارية خطط التنمية، وبدمائه وروحه يصان الاستقلال والكرامة الوطنية، فهو إنسان في طور النمو، وهو بالنسبة لأسرته، ولمجتمعه ولأمته رجل المستقبل.
ولذلك تحرص مختلف التشريعات على هذه اللبنة المستقبلية للمجتمع، بالحماية في مختلف التشريعات – ومنها التشريع الجنائي- وذلك لكي تمنعه من عواقب الانحراف، ولكي تسلك به الطريق السوي إلى الغاية التي ينشدها كل مواطن في حياته.
وقد عّرفت المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1989 الطفل بأنه:"كل شخص لم يتجاوز سن الثامنة عشرة سنة".
وحسب المادة 458 من ق.م.م.ج() المغربية فإن الحدث أو الطفل هو الذي لم يبلغ سن الرشد الجنائي، وهو 18 سنة ميلادية كاملة، وتقسم مرحلة الطفولة إلى مرحلتين: الأولى لا يكون فيها الحدث مسؤولا جنائيا، وذلك لانعدام تمييزه حين يكون سنه أقل من 12 سنة، والمرحلة الثانية وهي ما بين 12 و 18 سنة، ويكون فيها الحدث مسؤولا مسؤولية ناقصة، كما هو منصوص عليه في الفصول من 138 إلى 140 من ق.ج.المغربي.
وفي مقابل هذا التحديد لمفهوم "الطفل" في التشريع المغربي، نجد الفصل 3 من مجلة حماية الطفل التونسية تنص على أن المقصود بالطفل: كل إنسان عمره أقل من 18 عاما ما لم يبلغ سن الرشد بمقتضى أحكام خاصة. في حين نجد المشرع اللبناني يقصد بالطفل: كل من أتم السابعة من عمره ولم يتم التاسعة عشرة.
فالملاحظ إذا أن هناك توافق بين المشرع المغربي وأغلب التشريعات المقارنة فيما يخص تحديد سن الرشد الجنائي في 18 سنة. وذلك راجع بالأساس إلى وحدة المرجعية بالنسبة لهذه التشريعات في المسألة، والمتمثلة في اتفاقية حقوق الطفل.
وهكذا يعتبر الصغير الذي لم يتم 12 سنة من عمره غير مسؤول جنائيا، أما إذا أتم الثانية عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة فتكون مسؤوليته ناقصة، في حين إذا بلغ الثامنة عشرة، فإنه يصبح كامل المسؤولية الجنائية.
ومن هنا تظهر عناية المشرع بالصغير، بأن منحه حماية خاصة، تعود عليه بالفائدة الذاتية فيما قد يقع منه من أفعال قد تضر بالغير. وفي مقابل ذلك خصص له المشرع حماية مما قد يقع من اعتداء على حقه في الحياة (المطلب الأول)، أو على سلامته الجسدية (المطلب الثاني)، أو تركه أو تعريضه للخطر (المطلب الثالث).

المطلب الأول: حق الطفل في الحياة:
إن الحق في الحياة حق مقدس اعترفت به جميع الشرائع السماوية، ثم جاءت القوانين الوضعية فنصت هي الأخرى على معاقبة كل من يقتل أو يتسبب في قتل نفس بغير حق، وهكذا نجد المشرع المغربي قد نص في القانون الجنائي على الجنايات والجنح المرتكبة ضد الإنسان عموما، وبخاصة الطفل، وذلك تماشيا مع الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل، والتي نصت في مادتها السادسة على حق الطفل في الحياة والبقاء...
وهكذا أورد المشرع نصوصا جنائية موضوعية قصد بها حماية حق الطفل في الحياة سواء في المرحلة السابقة على الولادة أي أثناء الحمل أو المرحلة اللاحقة للولادة.()
فبالنسبة للمرحلة الأولى تبدأ حماية المشرع لحق الطفل في الحياة بتجريم الإجهاض، وكذلك بالمعاملة العقابية الخاصة بالمرأة الحامل، رعايةً للجنين.
فقد جرم المشرع المغربي الإجهاض في الفصل 449 من ق.ج، حيث نص على أن:"من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حُبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه، سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، وإذا نتج عن ذلك موتها، فعقوبته من عشر إلى عشرين سنة".
وقد جرم المشرع المصري بدوره الإجهاض، ونص على عقوبته في المواد 260، 261، 262 و213 من قانون العقوبات المصري.
ويلاحظ من خلال الفصل 449 من ق.ج أن المشرع المغربي قد عاقب على محاولة الإجهاض، وهو ما يتوافق وما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية التي اعتبرت:"أن الإجهاض هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان، ومتى تم ذلك، فإن أركان الجريمة تتوافق ولو ظل الحمل في رحم الحامل"().
وإذا كان الإجهاض محظورا عامة كما تقدم، فإن الظروف الاقتصادية والاجتماعية على وجه الخصوص، والتضخم السكاني مع ضعف الموارد، قد يؤدي إلى وضع برامج للتنظيم العائلي بهدف التحكم في عدد الأطفال، سعيا نحو توفير حياة أفضل لهم. وهو ما ذهب إليه القانون الفرنسي الذي أجاز الإجهاض بشروط معينة بمقتضى القانون الصادر سنة 1961- والمعدل بالمرسوم الصادر سنة 1973- الذي أباح إجهاض الحمل خلال الثلاثة أشهر الأولى بمعرفة طبيب مباشر لمهنته بصفة قانونية في مؤسسة استشفائية أو صحية أو مصحة مرخص لها.()
ولم يقف المشرع المغربي عند حد تجريم الإجهاض حماية لحق الجنين في الحياة وإنما عاقب من يرشد الناس إلى وسائل تحدث الإجهاض، أو ينصح باستعمالها في الفصل 451 من ق.ج، كما أن الفصل 455 يعاقب على التحريض على الإجهاض ولو لم يؤدي الإجهاض إلى نتيجة.
ولم يفت المشرع أن يعاقب كل امرأة أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك، أو تحملت أن يجهضها غيرها أو رضيت باستعمال ما أرشدت إليه أو ما أعطي لها لهذا الغرض(). إلا أن المشرع المغربي أباح الإجهاض استثناءً إذا دعت إليه ضرورة المحافظة على صحة الأم.()
ومن تجليات الحماية الجنائية لحق الطفل في الحياة، ماكان منصوص عليه في الفصل 21 ق.ج.( الذي ألغي بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد )، والذي كان يؤخر تنفيذ حكم الإعدام فغي حق المرأة الحامل المحكوم عليها به، إلى حين وضع حملها بأربعين يوما. و المقتضى نفسه تقريبا ورد في المادة 476 من قانون الإجراءات الجنائية المصري مع اختلاف في المدة التي ينفذ فيها الإعدام بعد الولادة وهي شهران في القانون المصري.
والحكمة من إرجاء تنفيذ حكم الإعدام على المرأة الحامل ترجع بالأساس إلى إنقاذ الجنين الذي يعتبر مخلوقا بريئا لا ذنب له، في حرمانه من حقه في أن يحمى ويعيش ().
ولم تقف حماية المشرع الجنائي للطفل عند هذا الحد، بل رافقته هذه الحماية حتى المرحلة الثانية وهي التي يستقل فيها عن أمه، وتبتدئ بتنفسه لأول مرة عندما يخرج رأسه من رحم أمه ويقطع الحبل السري ويصبح الجنين وليدا(). إذ نجد الفصل 397 من ق.ج ينص على أن:"من قتل عمدا طفلا وليدا يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصلين 392 و393 وهذه العقوبات من السجن المؤبد في الأحوال العادية إلى الإعدام في حالة سبق الإصرار والترصد".

المطلب الثاني: تجريم المساس بالسلامة الجسدية للطفل،
لقد عمد المشرع إلى اتخاذ عدة تدابير، تهدف إلى حماية الطفل من كل ما يمكن أن يناله في سلامته الجسدية، من ضرب أو جرح أو عنف. وشدد العقوبة على مرتكب هذه الأفعال في حق الطفل مقارنة مع ما قد يقع على الراشد، حيث نص الفصل 408 على أنه:"يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل من جرح أو ضرب عمدا طفلا دون الخامسة عشرة من عمره، أو تعمد حرمانه من التغذية أو العناية، حرمانا يضر بصحته، أو ارتكب عمدا ضد هذا الطفل أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء فيما عدا الإيذاء الخفيف."
وفي مقابل هذا النص نجد المادة 222 ق.ج الفرنسي والتي تنص على أن العنف الموجه ضد حدث لم يتجاوز 15 سنة، أو ضد شخص مسن أو مريض أو له عاهة جسدية أو نفسية أو ضد امرأة حامل يعاقب..."
وهذه المواد تتلاءم مع المادة 19 من اتفاقية حقوق الطفل، والتي تنص على أن:"الدول الأطراف تتخذ جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية".
يلاحظ إذن أن المشرع المغربي، ساير اتفاقية حقوق الطفل، فيما يخص حماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرب أو الإهمال، حيث امتدت هذه الحماية لتشمل الطفل دون الخامسة عشرة من العمر، سيرا على نهج نظيره الفرنسي.
وتشجيعا من المشرع على التدخل لحماية الطفل، قرر عذرا مخففا للعقوبة في جرائم الضرب والجرح إذا ارتكبها شخص ضد آخر بالغ، عند مفاجأته بهتك أو محاولة هتك عرض بعنف أو دون عنف على طفل دون الثانية عشرة من العمر ().

المطلب الثالث: تجريم ترك الأطفال وتعريضهم للخطر:
الطفل بحكم تكوينه العضوي والنفسي لا يملك في السنوات الأولى من عمره القدرة على حماية نفسه من الخطر، أو دفعه، ولا يملك القدرة على إدراك ما يحيق به من المخاطر، التي يتعرض لها غيره من الأفراد الكبار.
ولأن الطفل لا يعيش وحده وإنما يعيش عالة على غيره وفي كنفه، حتى ولو كان له مال يتعيش منه، فهو دائما في حاجة إلى من يوليه الرعاية التي تتطلب من الولي، أو الراعي، أن يكون الطفل في حيازته.()
وللاعتبارات السابقة، وتماشيا مع العدالة وضمانا لكرامة الطفل وصيانة لحقوقه، فإن المشرع قد اهتم بالطفل في شتى المجالات ليس فقط في الجانب الذي يتعرض فيه للاعتداء المادي فقط، أو ما قد يقوم به من أفعال تعتبر خرقا للقانون من جراء انحرافه، بل إن حماية المشرع للطفل واهتمامه به يمتد حتى للمسائل التي قد تعرضه للخطر.
حيث نص الفصل 459 ق.ج على أنه:"من عرض أو ترك طفلا دون الخامسة عشرة أو عاجزا لا يستطيع أن يحمي نفسه بسبب حالته الجسمية أو العقلية في مكان خال من الناس أو حمل غيره على ذلك يعاقب لمجرد هذا الفعل، بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات..."
ويقابل هذا الفصل المادة 227/1 ق.ج الفرنسي التي تنص على أنه:"من ترك طفلا دون 15 سنة في مكان ما يعاقب بالحبس لمدة سبع سنوات وبغرامة 200 ألف فرنك إلا إذا سمحت ظروف الترك بحماية صحة وسلامة هذا الأخير..."
وتنص المادة 285 من قانون العقوبات المصرية على أنه:"من عرض للخطر طفلا لم يبلغ سنه سبع سنين كاملة وتركه في محل خال من الآدميين، أو حمل غيره على ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين".
ولم يقتصر عقاب المشرع المغربي على ترك الطفل في مكان خال من الناس، بل حتى تركه في مكان غير خال معاقب عليه في التشريع الجنائي المغربي ().
وقد ذهبت محكمة النقض المصرية في تفسيرها لعبارة "خال من الناس" إلى أنه:"ليس المقصود من عبارة "خال من الآدميين"، أن يكون المحل خاليا من الآدميين في جميع الأوقات كمنطقة نائية مهجورة مثلا، وإنما المراد أن يكون المحل المذكور خاليا من الناس وقت تعرض الطفل للخطر، ولو كان من شأنه في غير هذا الوقت أن يكون آهلا بهم كالطريق العام"().
وبإلقاء نظرة على المواد المذكورة أعلاه يمكن القول أن التعديل الذي أدخل على الفصلين 459 و 461 من ق.ج المغربي بمقتضى القانون 03-24، حدد سن الطفل الذي يتمتع بالحماية المقررة في الفصلين فيما دون الخامسة عشرة على غرار المشرع الفرنسي، وذلك خلافا للقانون المصري الذي حدده في أقل من سبع سنوات، وهذا يوفر حماية أوفر للطفل في التشريع المغربي والفرنسي مقارنة بنظيرهما المصري.
وتعتبر جريمة تعريض الطفل للخطر من الجرائم الإيجابية التي تتحقق بعمل إيجابي، ويتضح ذلك من نص الفصل 459 ق.ج من خلال عبارتي:"من عرض أو ترك طفلا" و"أو حمل على ذلك". على أن تفسير هذا النص لا يمنع من تصور وقوع الجريمة بدون عمل إيجابي، أي "بالترك أو الامتناع"، فإذا وجد شخص طفلا في محل خال من الآدميين، وتركه مع علمه بما يمكن أن يتعرض له من خطر وهو في هذه الحالة، ولم يتخذ أي إجراء لإنقاذه، أو التبليغ عنه، وتوافر لديه القصد الجنائي، يعتبر مرتكبا لجريمة "تعريض الطفل للخطر" بطريق الترك أو الامتناع ().
ويستوي أن تقع هذه الجريمة من الشخص الذي يقوم على تربية الطفل ورعايته وتولي أمره – سواء من أصوله أو ممن لهم سلطة عليه أو ممن يتولون رعايته بحكم الوظيفة كالخدم والمعلمين وغيرهم- أو من الغير، غير أنه إذا كان مرتكب الجريمة من الفئة الأولى، فإن العقوبة تشدد عليه حسب التفصيل الوارد في الفصل 462 ق.ج.
كمالا يشترط لوقوع هذه الجريمة أن يؤدي تعريض الطفل للخطر إلى حدوث نتائج فعلية، لذلك فالجريمة تقوم ولو لم يقع للطفل ضرر ما، على أنه إذا ترتبت نتائج عن تعريض الطفل للخطر، اقتصرت آثارها على العقوبة فقط، وذلك على التفصيل الوارد به النص في الفصل 459 من ق.ج المغربي.
وزيادة في توفير الحماية للطفل عاقب المشرع الجنائي المغربي كل من يترك طفلا أو يتخلى عنه لفائدة مؤسسة خيرية، وكان الطفل قد عهد به إليه للعناية به متى كان سن الطفل لا يتجاوز سبع سنوات(). كما جرم المشرع كل من يقوم ببيع أو شراء طفل تقل سنه عن ثماني عشر سنة()، وفي نفس الاتجاه عاقب كل من حرض أو قام بالوساطة من أجل ذلك.
وتدخل المشرع لتجريم الاتجار بالأطفال قد يبدو مستغربا، ولكن مرده يرجع بالأساس إلى كون هذه الجريمة أصبحت تندرج في إطار الجريمة المنظمة التي تقوم بها شبكات دولية متخصصة في ذلك، على صعيد القارة الإفريقية بالخصوص، مما أيقظ هاجس المشرع المغربي نحو المسألة، إضافة إلى ضرورة ملاءمة القانون الجنائي المغربي، مع التزامات المغرب الدولية في كل ما يتعلق بحماية حقوق الطفل.

المبحث الثالث: الحماية الجنائية للمرأة:
وحديثنا عن الحماية الجنائية للمرأة في التشريع المغربي، لا نقصد به بتاتا أي انتصار لها، على النحو الذي تعمل به المنظمات النسوية، وإنما الذي دعانا لذلك مجرد تقسيم منهجي، يحصر هذا البحث في الحديث عن فرد من أفراد الأسرة، وهو هنا المرأة باعتبارها المعادل الثاني في معادلة الأسرة. وهو اعتبار يتركز على مجموعة مقتضيات منها:
مصادقة المغرب على العديد من الاتفاقيات والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة()، التي تؤكد على ضرورة حماية المرأة، والقيام بجميع الصلاحيات التشريعية التي تساعد المرأة على إبراز مكانتها الحقيقية في المجتمع.
ثم حلقة النقاش الدائر اليوم حول الوضعية القانونية والاقتصادية والاجتماعية للمرأة المغربية، والذي تشير فيه جل أصابع الاتهام من طرف المشاركين فيه إلى كون العيب يكمن في النصوص القانونية.
فمن هذه الاعتبارات وغيرها، بات البحث ملحا في هذا الجانب للتحقق من مدى كفاية الحماية القانونية للمرأة.
هذا والإشارة تجدر هنا، إلى أن موضوع الحماية الجنائية للمرأة من الشساعة بحيث قد يستغرق أطروحات لبحثه، فالمناولة الموضوعية هنا ستكون مبتسرة، بحيث تتفادى المقتضيات المشتركة التي قد تم مناولتها في المباحث أعلاه، أو تلك التي تمت مناولتها في تشريعات أخرى ضمن مقتضيات زجرية.
لذلك فإننا سنركز على حماية المرأة كأنثى، كأم، وكزوجة.

المطلب الأول: الحماية الجنائية للمرأة كأنثى:
والتركيز هنا على الحماية الزجرية للمرأة كأنثى، يجعل الذهن ينصرف مباشرة إلى جرائم الاعتداء على العرض، التي تعد الأكثر مساسا بأنوثة المرأة وحرمة جسدها، كما أنها تعد من أشد الجرائم إلى حد أن يشكل اقترافها مسا بأحد الكليات الخمس المُتَـَقصّد حمايتها في الشريعة الإسلامية، فضلا عما يشكله الاعتداء على الشرف والعفاف في المجتمع، وما قد ينجم عنه من تهديد لاستقرار حياتها الزوجية إن كانت متزوجة، وما قد تسفر عنه من أمومة غير شرعية إلى غير ذلك.
ومنه، وفي سبيل إسباغ المشرع على المرأة من الحصانة في أنوثتها وعرضها ضد كل اعتداء، كما هو مضمن في الباب الثامن الذي خصصه للجنايات والجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة، فإننا سنتناول منها هنا ما يتعلق بهذا المطلب، من تجريم للاغتصاب (فقرة أولى) وهتك العرض (فقرة ثانية).



الفقرة الأولى: اغتصاب المرأة:
وهو أبرز جرائم الاعتداء على العرض، وقد عرض له الفصل 486 ق.ج() بأنه:"مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها، ويعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات.
غير أنه إذا كانت سن المجني عليها تقل عن ثمان عشرة سنة أو كانت عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها العقلية أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة".
فانطلاقا من هذا النص، تبدو لنا حماية المرأة كأنثى()، في انتفاء رضا المرأة المجني عليها، وعموم الصفة في المرأة، وكذا تشديد العقوبة في حالات معينة.
ففيما يخص انعدام رضا المرأة، فهو العنصر الأبرز لتحقق المساس بالحق المكفول لكل أنثى في صيانة شرفها الجنسي، وهو أساس تمييز المشرع لجرائم الزنا، بحيث إذا ما كانت المواقعة برضا المرأة تنتفي حينها الغاية من تجريم الاغتصاب.()
وأي وسيلة من شأنها التأثير على إرادة المرأة، فتوقعها ضحية لجريمة الاغتصاب، تعد كافية، سواء كانت إكراها ماديا أو معنويا، وإن كان يبقى لقاضي الموضوع، تقدير مدى تأثير وسائل الضغط المستعملة، على إرادة المرأة بمراعاة ظروف وملابسات كل قضية.()
وبخصوص صيغة التعميم في صفة المرأة المجني عليها، فتتجلى مظاهر الحماية الجنائية من خلالها في كون المشرع لم يشترط في المرأة أن تكون بكرا، وذلك لفك الربط بين الاغتصاب وفض البكارة، هذا الأخير الذي لا يعدو أن يكون ظرف تشديد في التشريع المغربي؛ وبذلك تتحقق جريمة الاغتصاب سواء كانت الضحية بكرا أو ثيبا، عازبة أو ذات زوج، بتحقق الجريمة ولو كانت بغيا معلوم فسادها، وذلك على الأساس الذي اعتمد عليه المشرع في تجريمه لمواقعة المرأة بدون رضاها، والذي هو وجوب حماية الشرف الجنسي- بكيفية صارمة- لدى الأنثى عموما ().
وتجدر الملاحظة في هذا الصدد، أنه رغم عدم إشارة المشرع إلى طبيعة العلاقة التي تجمع الجاني بالضحية، مما قد يُدرِج ظاهر النص تحت نطاقه الزوج الذي يواقع زوجته كرها، كما هو جار به العمل في بعض التشريعات الأجنبية()، فإنه في التشريع المغربي لا يمكن القول بذلك، اعتبارا لمقتضيات مدونة الأسرة المنظمة لعلاقة الزوجين، والتي تستمد مصدريتها من الشريعة الإسلامية، التي تعتبر استمتاع الزوج بزوجته من مشمولات الواجب الزواجي، والتي تخرج هذه الحالة من نطاق الاغتصاب، وإن كان ما يترتب على استعمال القوة من آثار، تطبق عليها فصول أخرى من القانون.()
أما ما يتعلق بالظروف المشددة في جريمة الاغتصاب، فهي كذلك تعد من مظاهر تعزيز الحماية الجنائية للمرأة، سواء الوارد التنصيص بها في الفقرة الثانية من الفصل 486 المشار إليه سابقا، والتي تعود إلى صفات في المجني عليها، أو تلك الواردة في الفصول بعده إلى الفصل 488 ق.ج، والتي ترتبط بصفة في الفاعل، والتي تتحدد في مجموعها في صفات: القصور، الحمل، الإعاقة والافتضاض، وعلاقة القرابة أو الولاية أو الخدمة، والتي يوحي تعدادها في تلك الفصول، بأنه على سبيل الحصر، مما لا يسوغ معه للقاضي المزيد ولا القياس عليها.()

الفقرة الثانية: هتك عرض المرأة:
لما كان الاغتصاب يتطلب بالضرورة أن يكون الفاعل ذكرا و المفعول فيه أنثى، فإنه باتحاد الجنس يختلف نوع الجريمة وذلك بحسب ما إذا كان الذي يقع عليه الفعل مريدا له، آنذاك نكون أمام جريمة الشذوذ الجنسي (ف 489 ق.ج)، أو غير مريد للفعل، لنكون بصدد جريمة هتك العرض (ف 485 ق.ج)()."يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، من هتك، أو حاول هتك عرض أي شخص، ذكرا كان أو أنثى، مع استعمال العنف..."
وبخلاف الاغتصاب، فإن هتك العرض لا يفترض اتصالا جنسيا بين الجاني والمجني عليه، ليطرح معه التساؤل بشأن طبيعة الحق المعتدى عليه في هذه الجريمة؟
الأمر الذي يمكن استشفافه من العنوان الذي صدّر به المشرع الفرع الذي ورد فيه الفصل 485 ق.ج، المنظم لهذه الجريمة: "انتهاك الآداب"، لنقول أن الحق المعتدى عليه هنا هو "المناعة الأدبية للأفراد"، والمساس بها يعد انتهاكا للآداب وإخلالا بالحياء ومساسا بالشرف وحصانة الجسم عموما.()
وانطلاقا من النص الخاص بهذه الجريمة، نجد المشرع اكتفى بذكر عبارة "هتك عرض" دونما توضيح لمدلولها، بما يطرح معه مشكل الإثبات، كذلك استعمال المشرع لعبارة استعمال العنف الذي يطرح معه التساؤل: هل يشتمل إلى جانب العنف المادي كذلك العنف المعنوي؟ الأمر الذي يجعلنا نقول بشموله على اعتبار النتيجة المتولدة من كليهما، وهي انتفاء رضا المجني عليه.
ودون الخوض في باقي التفصيلات الدقيقة لهاتين الجريمتين، نكتفي بهذه الإشارات الخاطفة مادام الغرض هو الإلماح لمظاهر الحماية الجنائية للمرأة كأنثى، لننتقل بعد ذلك إلى الحديث عن مظاهر هذه الحماية بخصوص المرأة كزوجة.

المطلب الثاني: حماية المرأة المتزوجة:
لما كان الزواج من أهم المؤسسات الاجتماعية، والتي يقوم بناؤها على أساس من الترابط والتآلف والتعاون والمودة والرحمة، فإنه للحفاظ على ديمومته وترتيب آثاره المتوخاة منه، كان التشريع الجنائي حاضرا للحفاظ على هذه المقاصد الكبرى، لنجد من بين مساعيه لتحقيق ذلك، أن أسبغ على المرأة المتزوجة من حمايته، إذ عالج بنصوص خاصة بعض الوضعيات التي قد تشكل مساسا باستقرار حياتها الزوجية، سواء كانت المرأة هي الضحية أو الجانية.
ومن بين مظاهر الحماية الجنائية للمرأة المتزوجة، بالإضافة إلى مسعى المشرع في الحفاظ على واجب الوفاء الزواجي بتجريمه للخيانة الزوجية-التي سبق التعرض لها في مبحث آخر-مما يجعلنا نتفادى تكرارها هنا، نجد حماية المرأة المتزوجة من الاختطاف والتغرير بها.
ينص الفصل 494 ق.ج أنه:"يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة من 200 إلى 1000 درهم، من استعمل التدليس أو العنف أو التهديد لاختطاف امرأة متزوجة أو التغرير بها أو نقلها من المكان الذي وضعها فيه من لهم ولاية أو إشراف عليها أو من عهد إليهم بها، وكذلك من حمل غيره على فعل ذلك.
ويعاقب على محاولة هذه الجريمة بعقوبة الجريمة التامة."
انطلاقا من نظرة أولية إلى هذا النص نجد المشرع هنا يضع إطارا حمائيا للمرأة المتزوجة من اختطافها (الفقرة الأولى) أو التغرير بها أو نقلها من المكان الذي وضعها فيه من له سلطة عليها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: اختطاف المرأة المتزوجة:
لما كان الاختطاف من أشد أنواع الجرائم التي تتعرض لها المرأة، بما هو استيلاء عليها دون رضاها، فإن المشرع تعامل معه بنوع من الشدة في تجريمه والمعاقبة عليه، كما هو مبين في الفصل 436 ق.ج()، حيث "يعاقب بالحبس من 5 إلى 10 سنوات كل من يختطف شخصا أو يقبض عليه أو يحبسه أو يحجزه دون أمر من السلطات المختصة، وفي غير الحالات التي يجيز فيها القانون أو يوجب ضبط الأشخاص..."
كما شدد المشرع من الاختطاف، إذا صاحبه تعذيب المخطوف أو المقبوض عليه أو المحبوس أو المحجوز، بحيث تصل عقوبة ذلك إلى الإعدام.()
ترتيبا عليه، يكون المشرع بتخصيصه فصلا خاصا باختطاف المرأة المتزوجة قد توخى حمايتها حفاظا على علاقتها الزوجية، رغم ما يلاحظ، من أنه لم يضع هذه الجريمة في مصاف جريمة الاختطاف المعززة بظروف التشديد، وكذا إرفاقها بجرائم أقل خطورة منها كالتغرير بها أو نقلها من مكان وجودها، رغم أن الاعتداء هنا هو ممتد الأثر إلى غير المختطفة، كالزوج والأولاد والأقارب، مما كان معه على المشرع أن يرفع من العقوبة بدل التخفيف منها.




الفقرة الثانية: التغرير بالمرأة المتزوجة أو نقلها من المكان الذي وضعها فيه من
يملك سلطة عليها:
فالتغرير هو الإيقاع بشخص في الوهم بتصور الواقع على خلاف حقيقته، ودفعه إلى القيام بفعل أو امتناع بمقتضاه، كأن يوهم شخص امرأة بأن ابنها قد تعرض لحادثة سير وأنه سيصطحبها إلى حيث مكان الحادثة. فإذا به ينصرف بها إلى طريق تنفيذ فعله الإجرامي.
وبالتالي فالتغرير يتطلب فقط، استعمال وسائل احتيالية للتدليس والخداع، ولا يتطلب عنفا ولا تهديدا لإغراء المرأة المتزوجة، مما لم يكن معه لزاما على المشرع أن يقرنه بالاختطاف الذي يتطلب بطبيعته استعمال العنف.
أما نقل المرأة المتزوجة من مكانها، فهو بذاته قد يكون تمهيدا لارتكاب جرم من الجرائم، بحيث قد يكون وسيلة، إلا أن المشرع هنا ومراعاة منه لخطورة ذلك. فقد جرم مجرد نقلها من مكانها، مع ملاحظة أنها حماية خاصة بالمرأة المتزوجة دون سواها.

المطلب الثالث: الحماية الجنائية للمرأة الأم:
لعلنا لا نعدم شاهدا موضوعيا على المكانة المولاة للمرأة كأم()، وعلى المقام الكريم الذي خولها إياه الإسلام، وذلك مراعاة لمحورية دور الأمومة في تحقيق مناط الاستخلاف في الأرض، ولا أدل على ذلك من أنه قد خصها بثلاثة أرباع البرور أو البر في حديث الرجل الذي جاء يسأل الرسول الكريم عن الأحق بحسن صُحبته، فقال له صلى الله عليه وسلم:"أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك".
لذلك كان من الطبيعي أن تحذو القوانين الوضعية خصوصا الجنائية هذا الحذو، في تخصيصها ببعض المقتضيات الاستثنائية حماية لأمومتها، وهو ما عمل على تحقيقه المشرع المغربي، الذي أقر مجموعة مقتضيات حمائية زجرية خاصة بالأم أو بوليدها أو جنينها، وذلك كما يلي:

الفقرة الأولى: قتل الأم لوليدها عذر تخفيف، وقتل الأم ظرف تشديد:()
رغم أن القتل يحدَّد بأنه إزهاق روح الإنسان بفعل إنسان آخر بغير وجه حق، أو كما قال آخرون، هو كل فعل أو امتناع مجرم صادر عن إنسان لإزالة حياة إنسان آخر، خلافا للقانون.()
ورغم خطورة جريمته، فإن المشرع مراعاة منه لبعض الحالات والأوصاف فقد خفف من العقاب عليه، كما هو الأمر في حالة قتل الأم لوليدها، لعدم توفر النية لاقتراف الجريمة، وذلك أن قتل الأم لوليدها من الحالات النادرة الوقوع، لغلبة عاطفة الأمومة على النساء، ولا تتجرأ عليه إلا من قام لديها سبب للإقدام عليه، لذا نظر إليها القانون بعين الرأفة والشفقة، فقرر تخفيف عقوبتها، كما هو وارد به التنصيص في الفصل 397 ق.ج في فقرته الثانية، حيث استثنى الأم، سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة في قتل وليدها، وعاقبها بالسجن من خمس سنوات إلى عشر، بدل العقوبات المقررة في الفصلين 392، حسب الأحوال المفصلة فيه، والتي تصل إلى السجن المؤبد والإعدام بحسب ما إذا توافر سبق الإصرار والترصد.
وهنا يثور التساؤل: هل عذر الأم هنا، خاص بقتلها لوليدها غير الشرعي كما هو جار به الوقوع، أم قد يمتد إلى وليدها الشرعي كما هو نادر الحدوث؟
فبالرجوع إلى نص الفصل 397 ق.ج، نجد خلوه من أي تفصيل في ذلك، مما يجعل التركيز ينصرف إلى الصفة المذكورة وهي "الوليدية" أو "الوالدية"() الأمر الذي يجعلنا نأخذ بالنص على إطلاقه ونجعل التخفيف للأم سواء كان لوليدها المقتول شرعيا أم غير شرعي.
فضلا عن ذلك، فقد صرف القانون الجنائي النظر إلى مبررات القتل كما فعلت بعض التشريعات()، ليستوي بذلك القتل بدافع العار أو الشفقة أو أي سبب آخر.

الفقرة الثانية: قتل الأم كظرف تشديد:
وعلى العكس من الجريمة المشار إليها في الفقرة السابقة، وبمراعاة نفس الرابطة بين الطرفين الجاني والمجني عليه، فإن جريمة قتل الفرع لأصله تزداد فظاعة عن جريمة القتل التي تعد من أفظع الجرائم، لاعتدائها على إحدى الكليات الخمس التي تقصدت الشريعة حمايتها وهي النفس.
وقد ورد التنصيص على هذه الجريمة في الفصل 396 ق.ج، والذي عاقب من قتل عمدا أحد أصوله( ).
وإذا كان المشرع يشترط في رابطة القرابة من جهة الأب أن تكون شرعية، فإنه لم يشترطها من جهة الأم، التي تكفي فيها مجرد القرابة ولو كانت طبيعية، وذلك مراعاة للتوجه الذي سار عليه مشرع مدونة الأسرة، ثم لكون القرابة ثابتة دوما من جهة الأم خلافا بالنسبة للأب الطبيعي.()
كما يخرج من مشمول المادة 396 ق.ج الأم بالتبني، وذلك لتحريم هذا النظام بأحكام الشريعة الإسلامية، ويدخل في مشمولها الابن المكفول، الذي تطبق عليه مقتضيات القانون الجنائي، التي تعاقب على الجرائم التي يرتكبها الأولاد في حق الوالدين()، إذا ما أقدم على قتل كافله.
وطبعا فالإشارة نافلة هنا بأن ظرف التشديد، هو شخصي، يستثنى معه المساهمون والمشاركون مع الجاني في قتل أحد أصوله، وغير المرتبطين معه بنفس القرابة (ف 130 ق.ج).

الفقرة الثالثة: الحماية الجنائية للمرأة الحامل:
فإذا كانت الحماية الجنائية للمرأة الأم في الحالات السابقة تسبغ عليها وهي أم فعلا، فإن الحماية هنا تمتد إلى ما قبل هذه المرحلة وهي تستعد للأمومة.
وهنا سنقصر الحديث عن حالة المرأة الحامل المحكوم عليها بعقوبة سالبة للحرية، على اعتبار أن النص المنظم للمحكوم عليها بالإعدام قد ألغي بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد.()
ومنه فقد جاء في الفصل 32 ق.ج:"أن المرأة المحكوم عليها بعقوبة سالبة للحرية، إذا ثبت أنها حامل لأكثر من ستة أشهر، فإنها لا تنفذ العقوبة إلا بعد وضعها بأربعين يوما، فإن كانت معتقلة وقت صدور الحكم، فإنها تنتفع بنظام الاعتقال الاحتياطي طوال الفترة اللازمة.
ويؤخر تنفيذ العقوبات السالبة للحرية أيضا في حق النساء اللائي وضعن قبل الحكم عليهن بأقل من أربعين يوما."
ولما كانت القاعدة أن الجاني المحكوم عليه ينفذ العقوبة بمجرد الحكم عليه بها، فإن المشرع وحماية منه للمرأة الحامل، ومراعاة منه لوضعيتها النفسية والجسمية، قد وضع لها إطارا استثنائيا، بتأجيل عقوبتها إلى حين وضع حملها بأربعين يوما، وإن كان يبدو في ظاهره استثناء لمصلحة المولود().
وطبعا فإن هذا الاستثناء موقوف على توافر عدة شروط يمكن استنتاجها من نص الفصل 32 ق.ج، من كون الجاني امرأة، والعقوبة سالبة للحرية، وأن يثبت حملها لأزيد من ستة أشهر، وأن تقدم للمحاكمة وهي في حالة سراح، أما إذا كانت معتقلة فتطبق عليها الفقرة الثانية من نفس الفصل، لتنتفع بنظام الاعتقال الاحتياطي طوال الفترة اللازمة.
هذا باختصار شديد، ما يمكن قوله بشأن الحماية الجنائية للمرأة، حيث اقتصرنا فيه فقط على كون المرأة كأنثى وكزوجة وكأم، وذلك لأن الموضوع أكبر من أن يشمله مجرد بحت للعرض، وقد أنجزت بشأنه أطروحات، لذا اكتفينا بهذه الإشارة الهدائية على أن يبقى الباب مفتوحا لمناقشته والتوسع فيه.















الفصل الثاني: الخصوصيات المسطرية ودور النيابة العامة في حماية الأســرة

لما كانت الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، فقد عمل المشرع على حمايتها من كل ما من شأنه أن يعرضها للتفكك والانحلال، ولذلك اهتدى المشرع المغربي إلى إحاطة الأسرة بتنظيم قانوني، سواء من خلال التنصيص على مقتضيات زجرية لحمايتها من كل الجرائم التي تنال منها أو تهدد تواجدها وتماسكها واستمرارها، أو باعتماده لإجراءات خاصة سواء بالنسبة للجرائم التي تنال من الأسرة، أو بالنسبة للأحداث، أو من خلال تفعيله لدور النيابة العامة في قضايا الأسرة.

المبحث الأول: الإجراءات المسطرية الخاصة بالجرائم الماسة بالأسرة:
سبقت الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد وضع إجراءات خاصة واستثنائية بالنسبة للجرائم الماسة بالأسرة، وذلك من أجل استقرارها والحث على المحافظة على كيانها واستمرارها، لذلك سنعرض للإجراءات المسطرية لجريمة الخيانة الزوجية(المطلب الأول)، ثم الإجراءات المتبعة في جريمة إهمال الأسرة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الخصوصيات المسطرية لجريمة الخيانة الزوجية:
إذا كانت القاعدة أن النيابة العامة تختص بإثارة الدعوى العمومية في كل الجرائم المعاقب عليها قانونا، فإنها تفقد في بعض الحالات حريتها في ممارسة الدعوى العمومية لوجود قيود تَغُل يدها عن ذلك بسبب شروط يتطلبها القانون، ويُعلق أمر تحريك الدعوى العمومية على توافرها()، ومن الجرائم التي تفقد فيها النيابة العامة حقها في ملاءمة المتابعة الخيانة الزوجية، التي يتوقف تحريك الدعوى العمومية بخصوصها على وجود شكوى مقدمة من الزوج المجني عليه حسب الفصل 491 ق.ج. ولا تحرر النيابة العامة من هذا القيد إلا في حال غياب أحد الزوجين خارج تراب المملكة، حيث يحق للنيابة العامة عندئذ متابعة الزوج الآخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة ().
واشتراط الشكاية لتحريك الدعوى العمومية، قيد أورده المشرع على حرية النيابة العامة في إقامة المتابعة على جريمة الخيانة الزوجية بهدف المحافظة على كيان الأسرة ودوام استمرارها. لذلك جعل القانون الشكوى حقا خاصا بالمتضرر؛ ولا يمكن تقديمها من غيره كالابن أو الأب أو غيرهما، رغم أن عار الجريمة سيلحقهما ().
ومراعاة لخصوصية العلاقة الزوجية، أعطى المشرع للزوج المجني عليه الحق في وضع حد للمتابعة، وذلك عن طريق تنازله عن الشكوى؛ إضافة إلى أن التنازل الواقع بعد صدور حكم غير قابل للطعن يضع حدا لإثارة الحكم بالمؤاخذة الصادر ضد الزوج المحكوم عليه ().
ويرجع تعليق تحريك الدعوى العمومية على شكوى الزوج المجني عليه بالأساس إلى كون الجريمة تصيب الأسرة في الصميم، وبما أن نظام الأسرة يشرف عليه الزوجان()، فقد ترك المجتمع الأمر للزوج المجني عليه إن شاء صفح وعفا. وحفاظا منه على كيان الأسرة وبخاصة إن كان هناك أطفال، فإن المشرع أوجب على النيابة العامة أن تغض الطرف على الجريمة لعدم وجود مصلحة ظاهرة للمجتمع في معاقبة الزوجة إذا كان الزوج قد سامحها()، ومعاقبة الزوج إذا سامحته زوجته.
وحفاظا على وحدة الأسرة واستقرارها جعل المشرع هذه الجريمة تمتاز بصفة خاصة عن باقي الجرائم؛ إذ بالإضافة إلى اشتراط تقديم الشكوى من المتضرر- وحده دون غيره - لتحريك الدعوى العمومية، وإعطاء هذا الطرف المتضرر حق إيقاف المتابعة بسحب الشكوى، حصر المشرع أدلة إثبات الخيانة الزوجية في ثلاثة وسائل محددة بنص الفصل 493 ق.ج، والذي نص على أنه:"الجرائم المنصوص عليها في الفصلين 490 و491 ق.ج لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس، أو بناءً على اعتراف تضمنه كتابات أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي".
والغاية من هذا الحصر كما سبقت الإشارة إلى ذلك، هي محاولة التقليل ما أمكن من حالات إثارة المتابعة ضد المشبوه فيهم؛ رعاية لمصلحة الأسرة من جهة وحماية لأعراض المجتمع من جهة ثانية. لذلك وضع المشرع قيدا على حرية القاضي لمصلحة المتهم، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قرار له عدد 790 المؤرخ في 29 يوليوز 1979 قضية 31486 ومما جاء فيه:"حيث أن المشرع حرصا منه على كيان المجتمع وحفاظا على كيان الأسرة قرر بأن الخيانة الزوجية لا يمكن إثباتها إلا بإحدى الوسائل التي أقر لها في القانون فصلا خاصا وهو الفصل 493"().



المطلب الثاني: الخصوصيات المسطرية لجريمة إهمال الأسرة:
بعد تناولنا للخصوصيات المسطرية لجريمة الخيانة الزوجية، والتي خصها بها المشرع مراعاة منه لطبيعة هذه الجريمة وخصوصياتها، ورغبة منه في الحفاظ ما أمكن على كيان الأسرة. سوف نحاول في هذا المطلب التطرق للإجراءات الخاصة لجريمة إهمال الأسرة، مركزين بالأساس على بعض الإجراءات الواجب إتباعها لتحريك الدعوى العمومية، والمحاكم التي يرجع لها الاختصاص للنظر في هذه الجريمة.
فإذا كانت الإجراءات واحدة بالنسبة لمعظم الجرائم، فإن إجراءات جريمة إهمال الأسرة لها صبغة خاصة، بالنظر إلى مقتضيات المادة 481 من ق.ج والتي تنص على أنه:"إلى جانب المحاكم المختصة طبقا لقواعد الاختصاص العادية، فإن المحكمة التي يقيم بدائرتها الشخص المهمل، أو المستحق للنفقة، تختص هي أيضا في الدعوى المرفوعة إليها تنفيذا لمقتضيات الفصلين 480 و479.
ولا يجوز رفع هذه الدعوى إلا بناء على شكوى من الشخص المهمل أو المستحق للنفقة أو نائبه الشرعي مع الإدلاء بالسند الذي يعتمده..."
فمن خلال هذا الفصل يمكن إجراء بعض الملاحظات بعضها يتعلق بالاختصاص، والبعض الآخر يتعلق بشروط تحريك الدعوى العمومية.
فبخصوص الاختصاص يلاحظ أن المشرع أعطى الاختصاص إلى جانب المحاكم المختصة، طبقا للقواعد العامة للاختصاص القضائي؛ إلى المحكمة التي يقيم بدائرتها الشخص المهمل أو المستحق للنفقة. وهذا الخيار الممنوح لرافع الدعوى يوفر له حماية أكثر، بالإضافة إلى أنه يجنبه عند رفع الدعوى أما محكمة محل إقامته نفقات الانتقال إلى المحكمة التي يوجد بدائرتها موطن المدعى عليه خصوصا إذا كانت بعيدة.
أما بخصوص شروط تحريك الدعوى العمومية فتتمثل أولا في: أن المسطرة لا يمكن تحريكها إلا بناء على شكوى من الشخص المتضرر، وإذا لم تتلق النيابة العامة الشكاية فلا يمكن لها متابعة مقترف جريمة إهمال الأسرة؛ وإذا حركت النيابة العامة الدعوى دون التقيد بهذا القيد، فإن الإجراءات التي تقوم بها تكون باطلة(). غير أن النيابة العامة تكون في حل من هذا القيد وبالتالي تستعيد صلاحياتها في تحريك الدعوى العمومية مباشرة، ودون تقديم شكوى من المتضرر في حالة واحدة وهي التي يكون فيها النائب الشرعي للطرف المتضرر هو مقترف الجريمة ().
وإذا كان تطلب الشكوى قيد اقتضته الطبيعة الخاصة للعلاقة الأسرية، فإن رفع هذا القيد يصب بلا شك في اتجاه حماية الطفل المهمل.
وإذا كان هناك تشابه بين جريمة إهمال الأسرة وجريمة الخيانة الزوجية، في خاصية تقييد حرية النيابة العامة في تحريكها للدعوى العمومية، بإلزامية ورود شكوى من المجني عليه. فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هو هل سحب الشكوى في جريمة إهمال الأسرة يضع حدا للمتابعة كما هو الحال بالنسبة للخيانة الزوجية؟
لا يوجد نص خاص يجيب عن هذا التساؤل في مسطرة إهمال الأسرة لكون المشرع اكتفى بتنظيم تحريك الدعوى العمومية، ولم يتطرق إلى إيقافها عندما يتنازل الطرف المتضرر. إلا أنه يمكن القول بأن سحب الشكوى يضع حدا للمتابعة قياسا على الخيانة الزوجية، واعتمادا على القاعدة العامة الواردة في المادة 4 من ق.م.م.ج والذي ينص على أنه:"تسقط أيضا (الدعوى العمومية) بتنازل المشتكي عن شكايته، إذا كانت الشكاية شرطا ضروريا للمتابعة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".
وإضافة إلى قيد الشكوى اشترط المشرع لتحريك الدعوى العمومية في جريمة إهمال الأسرة، إدلاء المستحق للنفقة أو الشخص المهمل بالسند الذي يعتمده (ف 481 فق:2) كأن يرفق الشكاية بما يثبت واقعة الهجر، أو الشهادة الطبية التي تثبت حمل المرأة، أو ما يثبت وجود أطفال قاصرين تم إهمالهم، بالإضافة إلى ما يثبت رابطة الزوجية. إلا أن السند الذي يقصده المشرع في جريمة الإمساك عن أداء النفقة هو الحكم النهائي أو القاضي بتخصيص نفقة مؤقتة، إذ نص الفصل 480 ق.ج على أنه:"يعاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي أو قابل للتنفيذ المؤقت وأمسك عمدا عن دفع نفقة إلى زوجه أو أصوله أو فروعه وأمسك عمدا عن دفعها غي موعدها المحدد".
ومن ثم فإن عدم الإدلاء بالحكم لا يمكن معه للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية.
وبالإضافة إلى الشرطين السابقين نص الفصل 481 ق.ج على إجراءات مسطرية ضرورية يجب على النيابة العامة أن تأمر بالقيام بها قبل تحريك الدعوى العمومية. وتتمثل هذه الإجراءات في ضرورة إعذار المخل بالواجب أو المدين بالنفقة. بأن يفي بالتزاماته خلال خمسة عشر يوما من الإعذار. وهذا يتم في شكل استجواب يقوم به ضابط الشرطة القضائية وعدم القيام بالاستجواب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إنجاز المحضر يوجب البطلان كما ذهب إلى ذلك المجلس الأعلى في أحد قراراته ().
وأخيرا لابد من إبداء ملاحظة، وهي أن الإجراءات المسطرية الخاصة بجريمة إهمال الأسرة، تتطلب جهدا ماديا متواصلا وتستغرق وقتا غير يسير، ولا تبدو متناسبة مع طبيعة النفقة على الخصوص نفقة الزوجة والأولاد القاصرين، والتي تتميز بطابعها المعيشي. غير أن هذه الإجراءات وإن كانت تستغرق وقتا طويلا إلا أن المشرع راعى في إقراره لها خصوصية الروابط التي تجمع أفراد الأسرة، إضافة إلى رغبته في محاربة الآثار السلبية التي ترتبها هذه الجريمة على الأسرة.



المبحث الثاني: الإجراءات المسطرية الخاصة بالأحداث:
الحــدث هو كل شخص ذكر كان أو أنثى لم يبلغ من العمر السن المقررة لبلوغ الرشد الجنائي بحسب القانون الجاري به العمل. في حين يعرف الحدث الجانح بأنه كل شخص لم يبلغ السن المنصوص عليها قانونا لبلوغ الرشد الجنائي ويرتكب أحد الأفعال المخالفة للقانون().
وقد ظهر أول نص تشريعي بالمغرب يهتم بالأحداث الجانحين سنة 1925 بمنطقة طنجة الدولية – في حين ظهر في منطقة الحماية الفرنسية نص تشريعي آخر في 19 يناير 1939. وفي 24 أكتوبر لسنة 1953 صدر القانون الجنائي المغربي الذي اشتمل على مقتضيات خاصة بالأحداث المغاربة.()
وحينما أصدر المشرع القانون رقم 01-22 المتعلق بالمسطرة الجنائية، سلك في معالجته لقضايا الأحداث، سبيل تكريس مبادئ التكريم والعناية التي أقرتها الشريعة الإسلامية للطفل، وكذلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية.
وبنظرة متفحصة لمواد هذا القانون، يلاحظ أن المشرع قد أدخل عدة تعديلات على المقتضيات التي كانت منظمة لـ "مؤسسة" قضاء الأحداث في قانون المسطرة الجنائية الملغى. الأمر الذي سنعرض له من خلال الحديث عن أهم() المستجدات التي جاء بها، في (مطلب أول)، ثم نتطرق إلى الإجراءات الخاصة بالأطفال ضحايا جنايات أو جنح و الموجودين في وضعية صعبة في (مطلب ثان).


المطلب الأول: المستجدات المسطرية الخاصة بالأحداث الجانحين:
واعتبارا لكون ظاهرة جنوح الأحداث ظاهرة سلوكية اجتماعية، تستوجب إتباع شكل معين من الإجراءات تتفق مع السياسة الجنائية المتبعة في القواعد الخاصة بالأحداث. فقد اختص أولئك الأحداث بإجراءات تختلف عن تلك التي تتخذ في شأن الرشداء؛ مما عمد معه المشرع في قانون المسطرة الجنائية إلى إضفاء عدة تغييرات على القواعد التي كانت تنظم مسطرة الأحداث، والتي سنتعرض لأهمها فيما يلي:
من حيث المسؤولية الجنائية: رفع المشرع المغربي في المادة 458 ق.م.ج سن الرشد الجنائي إلى 18 سنة ميلادية كاملة(). واعتبر الحدث الذي يبلغ سن 12 سنة وأقل عديم المسؤولية الجنائية لانعدام تمييزه. وذو مسؤولية ناقصة إذا تجاوز هذه السن إلى غاية بلوغه ثمان عشرة سنة لعدم اكتمال تمييزه().
من حيث الحراسة النظرية: نص القانون() على إلزامية الاحتفاظ بالحدث الجانح في مكان معد لذلك، ولمدة لا تتجاوز الفترة المحددة قانونا، والامتناع عن كل ما من شأنه إلحاق أي ضرر به. ويتعين في جميع الأحوال، أن يشعر ضابط الشرطة القضائية نائبه الشرعي أو الشخص أو المؤسسة المعهود إليها برعايته. بالإجراء المتخذ في حقه().



من حيث هيئات التحقيق وهيئة الحكم الخاصة بالأحداث:
يمكن القول أن المادة 458 وما يليها من ق.م.ج قد أخذت بنظام متطور لقضاء الأحداث على ما كان سابقا سواء على مستوى المحاكم الابتدائية أو المحاكم الاستئنافية.
أ-على مستوى المحاكم الابتدائية:
1. قاضي الأحداث لدى المحاكم الابتدائية:
والذي يعين من بين قضاة المحكمة الابتدائية لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد بموجب قرار لوزير العدل بناء على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية().
إن مهمة قاضي الأحداث، أصبحت لا تقتصر على التحقيق وإحالة القضية على غرفة الأحداث للمحاكمة؛ وإنما خوله المشرع إمكانية البت في بعض المسائل البديلة للمتابعة، وبالتالي إنهاء الخصومة الجنائية قبل نشرها أمام محكمة الحكم.()
ويضع قاضي الأحداث يده على القضية، بإحالة من النيابة العامة ليباشر أعمال البحث والتحقيق وفق مايلي:
- فيما يخص المخالفات: أسند اختصاص البت في قضايا المخالفات، إلى قاضي الأحداث بمقتضى المادة 486 من ق.م.م.ج؛ إلا أن ما يميز المسطرة بالنسبة لقاضي الأحداث، هو أنه إذا ثبتت له المخالفة، فإنه يصدر حكمه في القضية بناءً على التمييز بين حالتين:
- الحدث الذي يتجاوز عمره 12 سنة: في هذه الحالة يمكن الحكم عليه إما بالتوبيخ أو بالغرامة المنصوص عليها قانونا.
- الحدث دون 12 سنة: ليس لقاضي الأحداث هنا سوى الحكم بتسليم الحدث لأبويه...(). انسجاما مع ما قرره من انعدام المسؤولية الجنائية للحدث في هذه السن، حسب مقتضيات المادة 468.
- فيما يخص الجنح: أعطيت لقاضي الأحداث، عدة أدوار في القضايا الجنحية، حيث تبنى المشرع نظام التحقيق في بعض الجنح بصفة اختيارية، ومن جهة أخرى أعطى لقاضي الأحداث البت في القضايا الجنحية التي تكون عقوبتها تعادل أو تقل عن سنتين حبسا().
أ. البت في الجنح بصفة منفردة: إذا كانت العقوبة المقررة لجنحة تعادل أو تقل عن سنتين؛ فإن قاضي الأحداث يبت في القضية وفقا للمسطرة المقررة في المواد 475 و476 ومن 478 إلى 481 من هذا القانون. وفي هذه الحالة تشكل الهيئة تحث طائلة البطلان من قاضي الأحداث بحضور ممثل النيابة العامة، وبمساعدة كاتب الضبط (). وإذا تبتت الأفعال في حق الحدث، فإنه يجب التمييز بين وضعين:
- الحدث دون 12 سنة: يتخذ في شأنه التدابير المنصوص عليها في المادة 480 من ق.م.م.ج.
- الحدث الذي يتجاوز عمره 12 سنة: يتخذ في حقه التدابير المنصوص عليها في المادة 481 من ق.م.م.ج. كما يمكن أن يحكم عليه بالعقوبات المالية، أو الحبسية المخففة في المادة 482 من ق.م.م.ج. وله المزج بين التدابير المنصوص عليها في المادة 481 و العقوبات المذكورة.
ب. التحقيق في الحنح المنسوبة للأحداث: من المستجدات المهمة التي أتى بها المشرع في قانون المسطرة الجنائية الجديد، تبني نظام التحقيق في الجنح المرتكبة من طرف الأحداث وجعله اختياريا (المادة83 من ق.م.م.ج)، حيث خول المشرع لقاضي الأحداث جميع الصلاحيات التي يتمتع بها قاضي التحقيق في مباشرته لعمليات التحقيق الإعدادي، الذي يطبق المقتضيات المنصوص عليها في القسم الثاني من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي، وذلك إذا ماإرتأت النيابة العامة ذلك؛ أما إذا لم ترتئ عكس ذلك تحيل الحدث إلى قاضي الأحداث، ليباشر بشأنه إما السند التنفيذي في المخالفات ()، وإما الاكتفاء بتوبيخه في حالة تبوت الجريمة، أو الحكم عليه بالغرامة المنصوص عليها قانونا، وإما إحالته على غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية لمحاكمته.() وبعد إنهاء التحقيق ، يصدر قاضي الأحداث حسب الأحوال أمرا قضائيا بالمتابعة و الإحالة على غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية، إذا توافرت له الدلائل و الحجج التي تبرر المتابعة. كما يكون له إصدار أمر بعدم الاختصاص إذا تبين له أن الوقائع المعروضة عليه لا تدخل ضمن اختصاصه. وفي هذه الحالة يبت في استمرار نظام الحراسة المؤقتة أو في استمرار الإيداع بالسجن.
- فيما يخص اتخاذ التدابير المؤقتة والإيداع في السجن و الإحالة على الغرفة الجنحية:
تم إسناد هذا الاختصاص إلى قاضي الأحداث بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 470، بحيث إذا كانت الجنحة معاقب عليها بأكثر من سنتين حبسا، ولم يقرر وكيل الملك فتح تحقيق فيها، وذلك قصد تطبيق المادتين 468 أو 471()
و هذه التدابير المذكورة في هذه المواد صالحة للأحداث سليمي البنية الصحية و النفسانية. أما بالنسبة للأحداث الذين يظهر بأن حالتهم الصحية أو النفسانية أو سلوكهم العام يستوجب فحصا عميقا، فلقاضي الأحداث أن يودعهم بصفة مؤقتة لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر بمركز مقبول مؤهل لاستقبال مثل هؤلاء.()

2. غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية:
حسب المادة 477، تتكون غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية تحت طائلة البطلان مع مراعاة مقتضيات الفقرة الرابعة من المادة 470، من قاضي الأحداث بصفته رئيسا، ومن قاضيين اثنين، وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط. وإذا تبين لها أن الأفعال تكتسي صبغة مخالفة أو جنحة من اختصاص القاضي المنفرد فإنها تحيلها إلى قاضي الأحداث. أما إذا تبين لغرفة الأحداث أن الأفعال تكتسي صبغة جنائية، فإنها تصدر حكما بعدم الاختصاص حسب المادة 493 من ق.م.م.ج. وبذلك فهي تختص بالنظر في قضايا الجنح التأديبية المنسوبة للأحداث.
ب-على مستوى محاكم الاستئناف:
1. المستشار المكلف بالأحداث:
يعين حسب المادة 485 من ق.م.ج، بقرار لوزير العدل في كل محكمة استئناف مستشارا أو أكثر للقيام بمهام مستشار مكلف بالأحداث() لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد. ويعفى من مهامه بنفس الطريقة. وعندما تكتسي الأفعال المرتكبة من طرف الحدث طابعا جنائيا، فإن هذا المستشار بعد قيامه ببحث اجتماعي، لتحديد التدابير الواجب اتخاذها لحماية الحدث، حسب المادة 471 من ق.م.م.ج، ويقوم بإجراء تحقيق في القضية طبقا للمسطرة الواردة في القسم الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالتحقيق الإعدادي. فالمادة 83 نصت على أن التحقيق يكون إلزاميا في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث؛ وذلك بناءً على ملتمس بإجراء تحقيق من الوكيل العام للملك. وله أن يتخذ أثناء البحث في حق الحدث ما يراه مناسبا من التدابير الجنائية المنصوص عليها في المادتين 468 و 478 من ق.م.م.ج، كما له أن يصدر أمرا باعتقاله مؤقتا إذا ما تجاوز عمره 12 سنة.
وبعد إنهاء التحقيق في القضية يقوم المستشار المكلف بالأحداث، حسب المادة 487 من ق.م.م.ج، بإحالة الملف على الوكيل العام للملك؛ الذي يجب أن يوجه إليه بدوره ملتمساته خلال ثمانية أيام على الأكثر. ليصدر قراره النهائي.()
2. الغرفة الجنحية للأحداث لدى محكمة الاستئناف:
وهي من المستجدات التي جاء بها التعديل الأخير لقانون المسطرة الجنائية، بحيث لم يكن لها وجود ضمن الهيآت المكلفة بالنظر في قضايا الأحداث في النظام القانوني السابق.
و تتكون هذه الغرفة حسب المادة 488 من ق.م.م.ج تحت طائلة البطلان، من مستشار للأحداث بصفته رئيسا، ومن مستشارين اثنين، وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة، وبمساعدة كاتب الضبط؛ ويدخل في اختصاصها:
1- استئناف القرارات الصادرة عن المستشار المكلف بالأحداث، (المادة 487 من ق.م.م.ج.)؛ وأوامر القاضي المكلف بالأحداث( المادة 472 من ق.م.م.ج.) بصفتهما قاضيان للتحقيق في الجرائم المقترفة من قبل الأحداث()؛
2- النظر في طلبات بطلان إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المواد 210 إلى 213 من ق.م.م.ج؛
3- البت كدرجة استئنافية في الأوامر بشأن تغيير التدابير ( المادة 504)؛
4- البت كدرجة استئنافية في الأوامر والقرارات الباتة في النزاعات العارضة (المادة 504 )؛
5- البت كدرجة استئنافية في الأوامر والقرارات التي يصدرها مستشار المكلف بالأحداث، أو القاضي المكلف بالأحداث، باتخاد تدابير الحماية في حق الأطفال ضحايا الجنايات و الجنح ( المادة 511 )؛
6- البت كدرجة استئنافية في الأوامر والقرارات، التي يصدرها القاضي المكلف بالأحداث برفض طلب إلغاء البطاقة رقم واحد المتضمنة للتدابير المحكوم بها على الحدث ( المادة 507 ) ().
3. غرفة الجنح الاستئنافية للأحداث:
وتشبه في تشكيلتها تشكيلة الغرفة الجنحية للأحداث لدى محكمة الإستئناف، وتختص بالنظر في استئناف الأحكام الصادرة عن غرفة الأحداث لدى المحكمة الابتدائية، أو عن قاضي الأحداث()؛ وذلك استنادا إلى المادة 489 من ق.م.ج.
4. غرفة الجنايات للأحداث:
وتعد هده الغرفة من مستجدات قانون المسطرة الجنائية، وتتألف تحت طائلة البطلان، من رئيس و أربعة مستشارين؛ وتعقد جلساتها بحضور النيابة العامة وكاتب الضبط. وتختص بالنظر في الجنايات والجنح المرتبطة بها المنسوبة للأحداث. وإذا تبين للغرفة أن الأفعال منسوبة إلى الحدث، فإنها تبت طبقا للمقتضيات المقررة في المواد 473() و 476() ومن 481 إلى 483() من هذا القانون. وعلاوة على ذلك يمكنها أن تصدر في حقه تدبيرا أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب المنصوص عليها في المادة 486، ويمكنها أن تكمل هذه التدابير أوتعوضها بالنسبة للأحداث الذين يتجاوز سنهم 12 عاما، بعقوبة من العقوبات المنصوص عليها في المادة 482، غير أنه إذا كانت العقوبة الأصلية المقررة للجريمة هي الإعدام أو السجن المؤبد أو المحدد بثلاثين سنة، فإن الغرفة تستبدلها بعقوبة تتراوح بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة سجنا. و قرارات غرفة الجنايات الصادرة في حق الأحداث تستأنف أمام غرفة الجنايات الاستئنافية للأحداث. والتي تتكون من مستشار للأحداث رئيسا ومن أربعة مستشارين. وتعقد جلساتها بحضور ممثل النيابة العامة وبمساعدة كاتب الضبط. كما نصت المادة 495 عن الطعن بالنقض وفق الكيفيات العادية في المقررات النهائية الصادرة في حق الأحداث عن غرفة الجنح الاستئنافية للأحداث، والغرفة الجنحية للأحداث لدى محكمة الاستئناف، وغرفة الجنايات للأحداث، من طرف الحدث أو نائبه القانوني أو النيابة العامة أو الطرف المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية.
ومما تجب الإشارة إليه أن المسطرة المتبعة أمام قضاء الأحداث، هي نفس المسطرة المتبعة من طرف الهيئات الخاصة بالرشداء، إلا أنه مراعاة لخصوصية الحدث، يتعين مراعاة الحقوق و الضمانات الموكولة إليه ، والمتمثلة أساسا في السرية، سواء في البحث أو المناقشة أو صدور الحكم ، فضلا عن ضرورة المؤزارة بمحامي .()

من حيث الحرية المحروسة:
نصت المواد من 496 إلى 500 من ق.م.م.ج، عن المقتضيات المتعلقة بالحرية المحروسة. ويهدف هذا الإجراء إلى وضع الحدث تحت الإشراف والتتبع التربوي لمندوب أو أكثر() تكون مهمتهم تجنيب الحدث كل عود إلى جريمة واقتراح كل تدبير مفيد لإعادة تربيته إلى حين بلوغ الحدث 18 سنة. وتناط بالمندوبين كذلك مراقبة الظروف المادية والمعنوية التي يعيش فيها الحدث وحالته الصحية، وظروف تربيته وعمله وعلاقاته وحسن استعماله لهواياته.
ويتخذ هذا الإجراء من طرف جميع هيئات الحكم و التحقيق الخاصة بالأحداث (). وينتهي هذا الإجراء؛ بانتهاء المدة المحددة له من طرف الجهة التي أمرت به، أو ببلوغ الحدث سن الثامنة عشرة.

من حيث تنفيذ الأحكام:
إن الملاحظة البارزة بخصوص تنفيذ الاحكام الصادرة في حق الأحداث هو الطابع المرن الذي تمييز به مؤسسة تنفيذ العقوبة؛ سواء منها السالبة للحرية أو المرتبطة بالتدابير الوقائية و التهذيبية، وذلك بإحاطتها بضمانات خاصة تتجلى في:
- أن الأحكام الصادرة عن الهيئات المختصة بالأحداث تسجل بسجل خاص يمسكه كاتب الضبط ، ولا يكون في متناول الجميع؛
- تضمين المقررات المحتوية على تدابير الحماية أو التهذيب في البطاقة رقم2()؛
- إلغاء البطاقة رقم1 من طرف قاضي الأحداث()، إما بصفة تلقائية أو بطلب من النيابة العامة أو من الحدث المعني أو ممثله أو الوصي أو المقدم أو كافله أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته، وذلك بعد مرور أجل ثلاث سنوات، ابتداء من يوم انتهاء مدة تدبير الحماية أو التهذيب و ذلك حينما يتأكد من تحسن سيرة الحدث. وفي حالة صدور الأمر بالإلغاء، يتم إتلاف البطاقة رقم 1 المتعلقة بالتدبير ().
- إعفاء أسرة الحدث المعوزة من أداء مصاريف الرعاية و الإيداع حسب المادة 508 من ق.م.م.ج.

المطلب الثاني: الإجراءات المسطرية الخاصة بالأحداث ضحايا الجرائم،
والموجودين في وضعية صعبة:
عمد المشرع المغربي من خلال قانون المسطرة الجنائية، إلى تخصيص القسم السادس والسابع من الكتاب الثالث لفئة خاصة من الطفولة تتمثل في الطفل ضحية جناية أو جنحة، ثم الأطفال الموجودين في وضعية صعبة.
1. الأحداث ضحايا الجنايات والجنح:
تكريسا من المشرع المغربي للحماية التي أولى بها الحدث، في القانون الجنائي، فإنه عمل في قانون المسطرة الجنائية من خلال المادتين 510 و 511 على إعطاء الحدث، ضحية جنايات أو جنح ضمانات إجرائية لحمايته أكثر.
حيث نصت المادة 510 من ق.م.م.ج.أنه إذا ارتكبت جناية أو جنحة() في حق الحدث دون سن 18، فلقاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث إما تنفيذا لملتمسات النيابة العامة، وإما تلقائيا، بعد أخذ رأي النيابة العامة، أن يصدر أمرا قضائيا بإيداع الحدث المجني عليه لدى شخص جدير بالثقة، أو مؤسسة خصوصية أو جمعية ذات منفعة عامة، مؤهلة لذلك أو بتسليمه لمصلحة أو مؤسسة عمومية مكلفة برعاية الطفولة إلى أن يصدر حكم نهائي في موضوع الجناية أو الجنحة.()
كما يمكن للنيابة العامة أو للقاضي أو المستشار المكلف بالأحداث أن يأمر بعرض الحدث على خبرة طبية أو نفسية أو عقلية، لتحديد نوع وأهمية الأضرار اللاحقة به، وبيان ما إذا كان يحتاج إلى علاج ملائم لحالته حالا أومستقبلا.
وإذا ما صدر حكم من أجل جناية أو جنحة ارتكبت ضد حدث، فالمادة 511 خولت للنيابة العامة أن تحيل القضية على قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالأحداث المختص، إن ارتأت أن مصلحة الحدث تبرر ذلك، ويمكن لقاضي المذكور أن يتخذ ما يراه مناسبا من تدابير الحماية، كما يمكنه أن يأمر بالتنفيذ المعجل لقراره، مع حفظ حق استئناف هذا القرار من طرف كل من النيابة العامة أو الحدث أو أبويه أو الوصي عليه، أو المقدم عليه أو حاضنه أو كافله أو المكلف برعايته، خلال عشرة أيام من صدوره أمام الغرفة الجنحية للأحداث بمحكمة الاستئناف.

2. حماية الأطفال الموجودين في وضعية صعبة:
يعتبر موضوع حماية الأطفال الموجودين في وضعية صعبة من مستجدات قانون المسطرة الجنائية، تناغما مع ما تنادي به المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية ذات الاهتمام بشؤون الطفولة.
وقد تناولت المواد من 512 إلى 517 من ق.م.م.ج المقتضيات المتعلقة بالحماية المقررة للأطفال الموجودين في وضعية صعبة. حيث يمكن لقاضي الأحداث لدى المحكمة الابتدائية بناء على ملتمس النيابة العامة أن يتخذ لفائدة الحدث الموجود في وضعية صعبة أي تدبير يراه كفيلا بحمايته، من بين التدابير المنصوص عليها في البنود 1-2-3-4 -5 و6 من المادة 471 من قانون م.م.ج. وذلك لفائدة الحدث الذي يقل عمره عن 16 سنة عندما تكون سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو تربيته معرضه للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم. أو من ذوي السوابق الإجرامية. أو إذا كان الحدث فارّا من سلطة أوليائه، أو اعتاد الفرار من مدرسته، أو هجر إقامة وليه أو لم يعد يتوفر على مكان صالح يستقر فيه.()
وأخيرا فإن مفعول التدابير المأمور بها، ينتهي بانتهاء المدة التي حددها أمر قاضي الأحداث، و في جميع الأحوال ينتهي ببلوغ الحدث سن 16 سنة ميلادية كاملة، مع إمكانية تمديد هذا المفعول بقرار معلل في بعض الأحوال الاستثنائية تبعا لمصلحة الحدث إلى حين بلوغه سن الرشد الجنائي().

المبحث الثالث: دور النيابة العامة في حماية الأسرة():
تعتبر النيابة العامة كجهاز قضائي وإداري يمثل المجتمع، الهيئة القضائية الثانية في التنظيم القضائي بالمغرب، ونظرا لأهمية الرسالة التي يكلفون بها، فإن قضاة النيابة العامة يمثلون عنصرا عضويا يدخل في تكوين جميع مؤسسات التنظيم القضائي سواء كانت محاكم القانون العادي، أو محاكم استثنائية.()
ومن تم فقد حرص المشرع المغربي على إشراك مؤسسة النيابة العامة في الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك انطلاقا من مقتضيات المادة 3 مدونة الأسرة.()
وبتتبع مجالات تدخل النيابة العامة في المدونة، نلاحظ أن تدخلها الرامي إلى حماية الأسرة؛ يتوزع بين ضمان حقوق للزوجة، وأخرى للزوج، وثالثة للأطفال، بنوع من التوازن والعدل والمساواة بدون إفراط ولا تفريط. حيث أنه لكل مكون من مكونات الأسرة دوره الأساسي والمهم الذي يلزم حمايته حماية قانونية وفق مبادئ عامة تفرضها دولة الحق والقانون.
ومن أجل تكريس هذه الحماية، عمل المشرع المغربي على جعل تدخل النيابة العامة في مدونة الأسرة متميزا عن تدخلها في باقي فروع القانون المدني، إذ أنها أصبحت تتدخل بصفتها طرفا أصليا حسب ما جاءت به المادة 3 من مدونة الأسرة من أنه: "تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة"().
وهكذا قوى المشرع من دور النيابة العامة في القضاء المدني بوجه عام وفي قضاء الأسرة بوجه خاص(). فالأصل في عمل النيابة العامة أمام القضاء المدني أن تكون طرفا منضما، وهي بهذه الصفة لا تكون خصما لأحد، وإنما تتدخل في الدعوى لتبدي رأيها لمصلحة القانون والعدالة. ويعتبر رأيها محايدا ومستقلا بما تراه عدلا وحقا. ويترتب عن ذلك أنه لا يكون للنيابة العامة حق الطعن في الأحكام في حالة الانضمام، لفقدانها صفة الخصم وذلك ما لم ينص القانون على منحها هذا الحق حينما يكون أساس الطعن مبينا على سبب يتعلق بالنظام العام()، كما لاتلتزم بترتيب الخصوم، ولا تملك تجريح القضاة.
أما وقد أحلها المشرع محل الطرف الأصلي، فذلك يعني تخويلها كل امتيازات هذا الطرف، من اعتبارها أحد الخصوم، لها أن تبسط حججها وللخصوم التعقيب على آرائها، ولها نفس الحق،كما لا يجوز تجريحها من قبل الأطراف، إذ الخصم لا يجرحه خصمه، بل هي – بتلك الصفة- تملك تقديم طلب تجريح القضاة، ولها الحق كذلك في الطعن في الأحكام والقرارات المدنية ماعدا الطعن بالتعرض لإفتراض حضورها الدائم بالجلسة.
لننتقل بعد هذا التحديد للوقوف على الحماية التي تحققها بتدخلها ذاك لمؤسسة الأسرة في جانب كل من الزوجين والأطفال.

المطلب الأول: تدخل النيابة العامة بخصوص حماية الزوجين:
وبالرجوع إلى مدونة الأسرة، نجد أن النيابة العامة قد اضطلعت بدورها هذا في المواد التالية:
- ففي المادة 15 نجد أنه " إذا لم يكن للزوجين أو أحدهما محل ولادة بالمغرب فإن نسخة من عقد الزواج توجه إلى قضاء الأسرة بالرباط وإلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالرباط".
فتدخل النيابة العامة هذا ينطلق من أن المشرع استوجب تضمين بيانات ملخص عقد الزواج برسم ولادة الزوجين. فإذا لم يكن للزوجين أو أحدهما محل ولادة بالمغرب، فإن هذا الملخص يوجه إلى السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط، قصد السهر على تنفيذ الإجراء اعتبارا لما للنيابة العامة من اختصاص في قضايا الحالة المدنية()إذ أن تدخلها –النيابة العامة- في هذا المجال سيعمل على التخفيف من مجموعة من الأعباء على الزوجين، خصوصا المغاربة المقيمين بالخارج وذلك من أجل توطيد العلاقة بين الرعايا ووطنهم.
- وفي المادة 53: "إذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر تدخلت النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حالا، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته". إذ خولت النيابة العامة بموجب هذه المادة من المدونة، حق التدخل لإرجاع المطرود من الزوجين إلى بيت الزوجية. إلا أنه هنا تجب الإشارة إلى ضرورة تفعيل هذا المقتضى بشكل يجعل عملها أكثر إيجابية، وذلك بإرجاع الزوج أو الزوجة المطرودة إلى بيت الزوجية، بمؤازرة القوة العمومية في حالة الاستعصاء، مع ضرورة تقليب الأمور قبل الإقدام على هذا التدخل، حفاظا على الأمن العام إذ لربما يكون الزوج الأخر خطرا على أمن الزوج المطرود.()
كما تثير هاته المادة أمرا مهما والمتمثل في منح الحماية لكل من الزوج والزوجة تباعا وعلى قدم المساواة دون أي تمييز بينهما.
- المادة 81: "عند الطلاق تستدعي المحكمة الزوجين لمحاولة الإصلاح، فإذا توصلت الزوجة شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر، ولم تقدم ملاحظات مكتوبة، أخطرتها المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر سيتم البت في الملف. إذا تبين أن عنوان الزوجة مجهول، استعانت المحكمة بالنيابة العامة للوصول إلى الحقيقة".
وبهذا فقد أصبحت النيابة العامة مكلفة بإخطار الزوجة في حالة الطلاق عند غيابها، وبالبحث عن عنوانها في حالة جهله. وطريقة الإخطار بواسطة النيابة العامة تكون بجميع الوسائل المتاحة للنيابة العامة إما بطريقة مباشرة أو بالاستعانة بالضابطة القضائية(). وعليه تم التقليل من المشاكل التي كانت تطرح عند حالة تطليق الزوجة في غيابها؛ إضافة إلى أنه عند البت في طلب الإذن بالطلاق يتضمن قرار المحكمة من بين ما يتضمن مستنتجات النيابة العامة وهذا ما تم تأكيده في المادة 88 من مدونة الأسرة.
- المادة 141: "...إذا لم يكن للزوجين أو أحدهما محل ولادة بالمغرب توجه المحكمة ملخص وثيقة الطلاق والرجعة أو الحكم بالتطليق أو بفسخ عقد الزواج أو ببطلانه إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط".
وبذلك فقد أوكل النيابة للعامة دور مهم وأساسي في مجال الإشهاد على الطلاق، بما في ذلك من حماية لحقوق الزوجين المنفصلين.
- المادة 43: حددت المادة 43 من مدونة الأسرة المسطرة المتبعة في طلب الإذن بالتعدد، وشددت على ضرورة حضور الزوجة الأولى للجلسة؛ إلا أنه في حالة غيبة الزوجة المراد التزوج عليها، فإنه لا يمكن منح الإذن للزوج إلا إذا أفادت النيابة العامة تعذر الحصول على موطن أو محل إقامة يمكن استدعاؤها فيه بعد أن تكون قد قامت ببحث بواسطة الشرطة أو السلطة المحلية. غير أن الأمر يختلف في الحالة التي يكون فيها عدم توصل الزوجة بالاستدعاء نتيجة تدليس الزوج؛ وذلك بتقديمه لبيانات وتصريحات كاذبة بخصوص عنوانها -أي الزوجة- أو بتحريف لاسمها، ليتابع حينها الزوج جنائيا(). إلا أن الملاحظ بهذا الخصوص، أنه لا تتم متابعة الزوج إلا بناء على شكوى من طرف الزوجة مع أن المتطلب هو أن يترك الأمر للنيابة العامة وبدون قيود.
هذا من أهم ماجاء في المدونة، بخصوص حماية الزوجين من خلال تدخلات النيابة العامة؛ لننتقل بعده إلى عملها في مجال حماية الأطفال.

المطلب الثاني: تدخل النيابة العامة بخصوص حماية الأطفال:
ومن أجل حماية المركز القانوني للطفل داخل مؤسسة الأسرة، باعتباره الطرف الأكثر ضعفا فيها. و التي سنقف عندها من خلال مجموعة من المواد الوارد بها التنصيص في مدونة الأسرة. وبذلك سنعمل على الوقوف عند بعضها، حتى تتجلى لنا الصفة الحمائية التي يضفيها تدخل النيابة العامة في شؤون الأطفال.
- المادة 121: "في حالة عرض النزاع بين الزوجين أمام القضاء وتعذر المساكنة بينهما، للمحكمة أن تتخذ التدابير المؤقتة التي تراها مناسبة للزوجة والأطفال تلقائيا أو بناء على طلب. وذلك في انتظار صدور الحكم في الموضوع، بما فيها اختيار السكن مع أحد أقاربها، أو أقارب الزوج. وتنفذ تلك التدابير فورا على الأصل عن طريق النيابة العامة."
وبذلك فقد أوكلت النيابة العامة صلاحية اتخاذ كافة التدابير المتعلقة بحماية مصالح الأطفال، إلى حين صدور حكم في موضوع الطلاق، خصوصا ما يتعلق بالسكن. كما أن صلاحيات النيابة العامة بهذا الخصوص لم تتوقف عند مجرد السهر على مراقبة تنفيذ الأحكام المتعلقة بحقوق الطفل، بل تعدتها إلى السهر على تنفيذ التدابير المؤقتة لحماية مصالحه، في انتظار صدور حكم المحكمة في موضوع الطلاق أو التطليق.
- المادة 165: "إذا لم يوجد بين مستحقي الحضانة من يقبلها، أو وجد ولم تتوفر فيه الشروط، رفع من يعنيه الأمر أو النيابة العامة الأمر إلى المحكمة لتقرير اختيار من تراه صالحا من أقارب المحضون أو غيرهم، و إلا اختارت إحدى المؤسسات المؤهلة لذلك".
وهكذا فقد منحت النيابة العامة صلاحية مراقبة وضعية الأطفال، خصوصا بعد انتهاء العلاقة الزوجية، إما بالطلاق أو التطليق، حيث أنها تملك كل الصلاحيات من أجل ضمان مصالح المحضون، بما في ذلك مراقبة أحقية الحاضن في حضانة الطفل من عدمها، ورفع الأمر إلى المحكمة عندما تتأكد من ضرر المحضون من الحضانة التي يكون خاضعا لها. ولا يتوقف عمل النيابة العامة عند هذا الحد بل إن المادة 177 من المدونة، ألزمت يإخطار النيابة العامة من طرف الحاضن، بكل الأضرار التي يمكن أن يتعرض لها المحضون، لكي تتدخل وتقوم بواجبها للحفاظ على حقوقه، إذ أن تدخلها هذا يصل إلى حد مطالبتها بإسقاط الحضانة. وتعزيزا لدورها في حماية الطفولة وخاصة المحضون، فإن المادة 179 من مدونة الأسرة أعطتها الحق في أن تتقدم بطلب إلى المحكمة، لتضمين قرار إسناد الحضانة، أو في قرار آخر لاحق منع السفر بالمحضون إلى خارج المغرب، دون موافقة نائبه الشرعي، وفي حالة الاستجابة لطلبها تتولى تبليغ الجهات المختصة مقرر المنع.
- المادة 225: "يمكن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين إلغاء قرار الإذن بتسليم الصغير المميز جزء من أمواله لإدارتها بقصد الاختبار، بطلب من الوصي أو المقدم أو النيابة العامة أو تلقائيا إذا ثبت سوء التدبير في الإدارة المأذون لها".
إن تدخل النيابة العامة من أجل حماية مصالح الطفل يشمل حتى الحقوق المالية له، إذ أنه في الحالة التي يمنح فيها الطفل الصغير المميز الحق أو الإذن بتسيير بعض أمواله، ويثبت بعد ذلك سوء تدبيره، فإنه يمكن للنيابة تقديم طلب للقاضي المكلف بشؤون القاصرين يهدف إلى إلغاء الإذن.
إلى جانب جميع هاته المواد التي تم ذكرها على سبيل المثال لا الحصر، فإن هناك مادة أساسية تضمنتها مدونة الأسرة، تحدد لنا أكبر تدخل للنيابة العامة في السهر على مراقبة الأحكام الخاصة بحقوق الطفل، وهي المادة 54 حيث حددت عدة حقوق للأطفال على أبويهم منها:
1- حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد؛
2- العمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها: الاسم، الجنسية والتسجيل في الحالة المدنية؛
3- النسب والحضانة والنفقة؛
4- إرضاع الأم لأولادها عند الاستطاعة؛
5- اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا؛
6- التوجيه الديني والتربوي على السلوك القويم واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل؛
7- التعليم والتكوين الذي يؤهله للحياة العملية، ويتمتع الطفل المصاب بإعاقة، إضافة إلى الحقوق المذكورة أعلاه، بالحق في الرعاية؛
8- تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتهم طبقا للقانون؛
9- تسهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ الأحكام السالفة الذكر.
تعتبر هذه الأحكام حقوقا للطفل على أبويه، منها ما هو مندرج في إطار الدور الطبيعي للنيابة العامة. كتدخل النيابة العامة في القضايا التي تهم الطفل: التسجيل في الحالة المدنية، تثبيت الهوية، النسب، النفقة والسهر على سلامة الأطفال جسديا ونفسيا والوقاية من كل استغلال. فدور النيابة العامة هنا أصيلا ورئيسيا؛ إذ لها رفع الدعوى في هذه القضايا وتتبعها في جميع مراحلها.()
تجدر الإشارة هنا، إلى عدم كفاية الوسائل المتاحة للنيابة العامة، للسهر على تنفيذ الأحكام المتعلقة ببعض هذه المقتضيات، فمثلا كيف لها أن تراقب إرضاع الأم لأولادها؟
ومع ذلك فلا ضير أن تتوفر الحماية المطلوبة ولو على صعيد الميكانيزمات التشريعية، والتي من شأن الممارسة العملية أن تبعث فيها روح الفعالية.










وختــــاما، بعد هذه المناولة الموضوعية القانونية للمقتضيات الجنائية في حماية الأسرة، نصل إلى القول بأن هاته الحماية غير كافية لتأمين الأسرة من الإختلالات التي تحيق بها على النحو الذي رأيناه في صلب الموضوع، بما يتوجب أن تمتد هذه المقتضيات إلى مسائل أخرى كتجريم التحرش الجنسي في أماكن العمل مثلا، في محاولة للملائمة مع الإتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
كذلك أن الحماية الجنائية هي في عمقها تمثل جانبا من التنظيم الإجتماعي، مما يستدعي أن تمتد هذه المقتضيات الزجرية إلى سائر الهياكل التي يتكون منها المجتمع. دون أن يعني ذلك أنه بالإقتصار على الجانب التشريعي يمكن أن نصل إلى النموذج المجتمعي المنشود حيت يسود السلم الإجتماعي، وإنما يجب أن يعزز ذلك بالتأهيل الشامل لمختلف مؤسسات المجتمع.
ومن جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أنه في العلاقات الأسرية لايعول على المقتضيات الزجرية لحمايتها، وذلك لأنها من العلاقات التي تبنى بالأَولى على المودة والرحمة والمكارمة، مما تكون المراهنة معه على العامل القِيَمي أكثر من العامل القانوني القضائي، وذلك على غرار ما أرسته الشريعة الإسلامية، من أنه في أوج شقاق ومشاحنة الزوجين – مثلا- ، يتوجه إليهم الخطاب الشرعي، بأن "لا تنسوا الفضل بينكم"، مما يمكن القول معه أن العامِلَين يكمل بعضهما البعض، بما يتوجب أخذه بعين الاعتبار عند التشريع للمجتمع.

_________________________________________________________________________________
لائحة المراجع:

مراجع متخصصة:

- د. عبد الواحد العلمي، "شرح القانون الجنائي المغربي– القسم العام" ط.2002، مطبعة النجاح الجديدة -الدار البضاء
- د. عبد الواحد العلمي:"القانون الجنائي المغربي (القسم الخاص)"، مطبعة النجاح الجديدة، ط. 2000. مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء.
- د. عبد الواحد العلمي:"القانون الجنائي المغربي-القسم الخاص-"، الطبعة الثالثة، 2003، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء.
- د.أحمد الخمليشي:"القانون الجنائي الخاص"، ج 2، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 1986.
- د. أحمد الخمليشي:"القانون الجنائي الخاص"، الطبعة الثانية، مكتبة المعارف، الرباط.
- عبد الوهاب حومد:"القانون الجنائي المغربي-القسم الخاص-"، مكتبة التومي، غ.ث.ن.
- أدولف رييولط:"القانون الجنائي في شروح"، جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية.
- د. محمد الإدريسي العلمي المشيشي، "مجلة الأمن الوطني"، العدد 180، السنة 34، 1415-1995.
- د.عبد السلام بنحدو:"الوجيز في شرح المسطرة الجنائية المغربية"، الطبعة الرابعة، 2001.
- حامد الحرفة وسعيد الفكهاني:" التعليق على ق.ج المغربي في ضوء الفقه والقضاء"، ج3، ط1، 1993، الدار العربية للموسوعات.
- عبد اللطيف بلقاضي:"القانون الجنائي، القسم الخاص"، مطبعة الكرامة، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط.
- ذ. حميد ميمون" المتابعة الزجرية وإشكالاتها العملية"، ط الأولى2005 مطبعة أزناسن- سلا-.
- د. محمد عبد اللطيف صالح الفرفور:"الفقه الجنائي المقارن بالقانون"، الناشر: الحكمة، ب.ط.و.ب.ت.
- د.محمد فاضل:"جريمة الفساد في القانون المغربي"، الطبعة الأولى.
- محمد محمد مصباح القاصي"الحماية الجنائية للطفولة"، دار النهضة العربية، 1998.
- د.أحمد المجدوب :"اغتصاب الإناث في المجتمعات القديم والمعاصرة"، ط 1، 1993، الدار المصرية اللبنانية.
- د. عبد الرحمان مصلح الشرادي:" انحراف الحدث في التشريع المغربي والقانون المقارن"، الطبعة الأولى، 2002، مطبعة الأمينة- الرباط.
- ذ.خديجة أبو مهدي:"الحماية الجنائية للمرأة في المنظومة القانونية المغربية"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، السنة الجامعية، 2002/2003.
- وزارة العدل، " شرح قانون المسطرة الجنائية" الجزء الثاني – إجراءات المحاكمة وطرق الطعن- ط. الثانية، يوليوز 2005، سلسلة الشروح والدلائل –منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، العدد 7.

مراجع عامة:

- د. طه عبد الرحمن، "روح الحداثة – المدخل إلى الحداثة الإسلامية –"، ط. الأولى 2006، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- المغرب-.
- د. إدريس العلوي العبدلاوي " أصول القانون " الجزء 1 - نظرية القانون - ، ط. الأولى 1971 ، مطابع دار القلم – بيروت-.
- د. صلاح الدين زكي " أحكام الأسرة بين الفقه الإسلامي و التشريع المغربي" ط. الأولى 1985 ، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء.
- د. محمد الشافعي:"قانون الأسرة المغربي بين الثبات والتطور"، المطبعة الوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى، 2004.
- خالد بنيس:"النفقة بين الواقع والتشريع"، دار النشر والمعرفة، الطبعة 1992.

مقــالات:
- ذ. يوسف وهابي:"جرائم بيت الزوجية والحماية الجنائية للزوجين على ضوء تعديلات القانون الجنائي الأخيرة"، مقال منشور بمجلة الملف، عدد 5- يناير 2005.
- ذ. حسن بيوض:"صلاحيات النيابة العامة في تفعيل مدونة الأسرة"، مجلة القصر، العدد 11 عشر.
- ذ. محمد الصخري:"تدخل النيابة العامة في قضاء الأسرة"، مقال منشور بمجلة المعهد العالي للقضاء، وزارة العدل، المملكة المغربية، الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة، شتنبر 2004.
- د. عبد الخالق النواري:"التشريع الجنائي في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي"، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، صيدا.
- ذة. أمينة شكراوي، "الطلاق وأثره على ظاهرة جنوح الأحداث"، مقال منشور بمجلة الملف العدد4 ، شتنبر 2004.
- ذ. سفيان أدريوش، مجلة " القصر"، عدد 9.
_________________________________________________________________________________

الفهـــرس
تقديم...................................................................................................... 01
الفصل الأول: مظاهر الحماية الجنائية الموضوعية للأسرة.................................... 04
المبحث الأول: الحماية الجنائية للعلاقة الزوجية................................................. 04
المطلب الأول: الخيانة الزوجية...................................................................... 05
المطلب الثاني: إهمال الأسرة........................................................................ 07
المطلب الثالث: الضرب والجرح المرتكب ضد أحد الزوجين................................... 09
المبحث الثاني: الحماية الجنائية للطفل............................................................ 12
المطلب الأول: حق الطفل في الحياة................................................................ 13
المطلب الثاني: تجريم المساس بالسلامة الجسدية للطفل...................................... 16
المطلب الثالث: تجريم ترك الأطفال وتعريضهم للخطر......................................... 17
المبحث الثالث: الحماية الجنائية للمرأة........................................................... 20
المطلب الأول: الحماية الجنائية للمرأة الأنثى..................................................... 21
المطلب الثاني: الحماية الجنائية للمرأة المتزوجة................................................ 25
المطلب الثالث: الحماية الجنائية للمرأة الأم....................................................... 27
الفصل الثاني: الإجراءات المسطرية ودور النيابة العامة في حماية الأسرة................ 32
المبحث الأول:الخصوصيات المسطرية للجرائم الماسة بنظام الأسرة........................ 32
المطلب الأول: الخصوصيات المسطرية لجريمة إهمال الأسرة................................ 32
المطلب الثاني:الخصوصيات المسطرية لجريمة الخيانة الزوجية............................. 35
المبحث الثاني: الإجراءات المسطرية الخاصة بالأحداث........................................ 38
المطلب الأول: المستجدات المسطرية الخاصة بالأحداث الجانحين........................... 39
المطلب الثاني: الإجراءات المسطرية الخاصة بالأحداث ضحايا الجرائم، والموجودين في وضعية صعبة..................................................................................................... 48
المبحث الثالث: دور النيابة العامة في حماية الأسرة............................................ 50
المطلب الأول: تدخل النيابة العامة بخصوص حماية الزوجين................................. 52
المطلب الثاني: تدخل النيابة العامة بخصوص حماية الأطفال.................................. 54
خاتمة..................................................................................................... 58
لائحة المراجع
.......................................................................................... 59


عن مدونة: http://justicetfamille.skyrock.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم