الأحد، 1 ديسمبر 2013

التكييف / دراسة تطبيقية مقارنة في الروابط الدولية المغاربية


من كتاب القانون الدولي الخاص
للدكتور خالد برجاوي
دكتور الدولة في الحقوق و استاد بجامعة محمد الخامس / السويسي
كلية الحقوق/ الرباط

التكييف عملية ذهنية يقوم بها القاضي تتمثل في تحليل العلاقة أو الحالة القانونية موضوع النزاع لتحديد طبيعتها و إدخالها ضمن التقسيمات أو الطوائف القانونية المعروفة ثم إلحاقها في آخر المطاف بالقانون الذي يطبق على هده العلاقة وفقا لقاعدة الإسناد الخاصة بدلك الصنف القانوني

و التكييف عملية معروفة في كل فروع القانون غير أن أهميته جد و واضحة على صعيد القانون الدولي الخاص و ذات سمة خاصة على اعتبار أنه يتحكم في آلية تطبيق قاعدة التنازع و بالتالي في تعيين القانون الواجب التطبيق على النزاع .و يزيد من أهمية التكييف في القانون الدولي الخاص الاختلاف في المفاهيم المستعملة في شتى النظم القانونية, بحيث أن تكييف واقعة أو علاقة قانونية في القانون الأجنبي,.قد يختلف عما هو عليه الأمر في دولة أخرى ففكرة الأحوال الشخصية فكرة مرنة غير محددة و حدودها تختلف من تشريع لآخر.
من هنا ثار جدال فقهي حول القانون الذي يتم بمقتضاه التكييف أهو قانون القاضي أم قانون آخر؟
في هدا المجال اختلفت الآراء و تنوعت الاتجاهات فدهب فريق من الفقهاء الى ضرورة التكييف و فق قانون القاضي .و دعى فريق آخر إلى إخضاع التكييف للقانون الأجنبي الذي يحكم النزاع .غير أن الرأي السائد اليوم فقها و قضاء هو الداعي إلى إخضاع التكييف لقانون القاضي على اعتبار أن التكييف في واقع الأمر هو تفسير لقاعدة إسناد القاضي .لدا كان من الطبيعي أن يعتمد القاضي في دلك المفاهيم المعمول بها في قانونه الداخلي دون القانون الأجنبي .ثم أنه لا يعقل أن يتم التكييف وفق قانون أجنبي لم يتم بعد معرفة ما ادا كان المختص لحكم العلاقة أم لا .
من كتاب القانون الدولي الخاص
للدكتور خالد برجاوي
دكتور الدولة في الحقوق و استاد بجامعة محمد الخامس / السويسي
كلية الحقوق/ الرباط
لكن التكييف وفقا لقانون القاضي لا يعني الاستغناء التام عن القانون الأجنبي في هدا الصدد. بل يمكن للقاضي في بعض الأحوال الرجوع إليه أو للقانون المقارن لمعرفة الطبيعة الحقيقية لمؤسسة قانونية ادا كانت هده المؤسسة مجهولة في قانون دولة القاضي كالانفصال الجسماني بالنسبة للقاضي ألمغاربي , ليتمكن من فحصها و تحليلها ثم إدخالها في إطار أحد التصنيفات القانونية القريبة منها في قانونه الداخلي.و نفس الأمر بالنسبة للتكييفات اللاحقة التي يجب القيام بها بعد تعيين القانون المختص و حده دون قانون القاضي الذي انتهت مهمته في هده المرحلة.
و يلاحظ أن تأثير الفقه الإسلامي جد واضح في قواعد تنازع القوانين بشأن مادة الأحوال الشخصية في الدول الإسلامية عامة و هو ما يطبع هده الأخيرة بنوع من الخصوصية. فمجال الأحوال الشخصية جد و اسع بحيث يتضمن الحالة و الأهلية و كل العلاقات الشخصية منها و المالية و كدا المواريث و الوصايا و الهبات.
لا يوجد نص صريح في المغرب بشأن الاختيار المعتمد في مجال التكييف في القانون الدولي الخاص.كما أن ظهير 12غشت 1913 و الخاص بالوضعية المدنية للأجانب و المتضمن لقواعد تنازع القوانين لم يتطرق لهاته المسألة.
و في عهد الحماية جرى العمل القضائي على إخضاع التكييف للقانون الشخصي الأجنبي الذي يحكم النزاع و لقد لقي هدا المنحى القضائي تأييد كبير لدى أغلب فقهاء القانون الدولي الخاص في عهد الحماية ,فرأوا في دلك احتراما و تكريسا لروح شخصية القوانين التي كانت تهيمن على القانون الدولي الخاص المغربي في تلك الفترة و التي تقتضي تطبيق القانون الأجنبي للأحوال الشخصية بصورة مطلقة في المغرب . كما أعطيت تبريرات أخرى لدلك تتجلى في عدم وجود قانون للأحوال الشخصية بالمغرب يمكن اعتماده في التكييف,ثم الطابع الديني للقوانين الداخلية في مادة الأحوال الشخصية.
ان هدا الاتجاه السائد في عهد الحماية كان منافيا للمبادئ العامة للقانون الدولي الخاص المقارن,و التي تقضي بضرورة إخضاع التكييف لقانون القاضي
لدى لم يعد من المقبول العمل به بعد حصول المغرب على الاستقلال. وقد نص مشروع ظهير الوضعية المدنية للأجانب لسنة 1966 في فصله 12 صراحة على إخضاع التكييف الازم لحل تنازع القوانين للقانون المغربي غير أن هدا المشروع لم يرى النور أبدا و تم إقباره حيا.
أما في القانون الجزائري فقد تناول المشرع صراحة التكييف في القانون الدولي الخاص ضمن المادة 9 من القانون المدني ,فاعتمد الحا الدي تأخذ به القواعد العامة للقانون الدولي الخاص في معظم الدول و القاضي بإخضاع التكييف لقانون المحكمة.
و هكذا نصت المادة 9 على أنه "يكون القانون الجزائري هو المرجع في تكييف العلاقات المطلوب تحديد نوعها عند تنازع القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه"يكون القانون الجزائري في تكييف العلاقات المطلوب تحديد نوعها عند تنازع القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه"
و يبين النص ادن بوضوح اختصاص قانون قاضي الدعوى أي القانون الجزائري بالنسبة لعملية التكييف
و تجب الإشارة هنا إلى أن بعض الفقهاء الأجانب استشفوا من خلال عبارة المادة 9 أن المشرع ترك مسألة التكييفات الثانوية أو اللاحقة للقانون الأجنبي المختص بمقتضى قاعدة الإسناد الجزائرية لا لقانون القاضي.و يظهر دلك من عبارة"...عند تنازع القوانين"أي أنه عندما يعرف القانون المختص فانه لا يبقى هناك تنازع و هدا القانون هو وحده المختص أنداك لحل الصعوبات اللاحقة بخصوص التكييف"
و في ليبيا يتم التكييف وفقا لقانون القاضي و قد نصت على دلك صراحة المادة 10 من القانون المدني الليبي/ "القانون الليبي هو المرجع في تكييف العلاقات عندما يطلب نوع هده العلاقة في قضية تنازع القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها"
وقد حاول المشرع تسهيل مأمورية القاضي الليبي فيما يتعلق بالتكييف, بحيث حدد المقصود بالأحوال الشخصية في المادة 160 من نظام القضاء رقم 51 لسنة 1976
"يعتبر من مسائل الأحوال الشخصية ما يلي
-المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص و أهليتهم
-المسائل المتعلقة بنظام الأسرة كالخطبة و الزواج و المهر و حقوق الزوجين وواجباتهما المتبادلة و الطلاق و التطليق و التفريق
-المسائل المتعلقة بالبنوة و الإقرار و بالأبوة و إنكارها و العلاقة بين الأصول و الفروع و الحضانة و تصحيح النسب
-أللالتزام بالنفقة للأقارب
-الولاية و الوصاية و القوامة و الحجر و الادن و الغيبة و اعتبار المفقود ميتا
- المسائل المتعلقة بالمواريث و الوصايا و غيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت"
و لم يبق أمام القاضي الليبي ادن سوى البحث عما ادا كانت الرابطة القانونية مثار النزاع تنتمي أو لا تنتمي إلى إحدى هده المواد. و تطبيق القانون الليبي في مسائل التكييف لا يتناول إلا تحديد طبيعة العلاقات في النزاع المطروح لإدخالها في نطاق طائفة من طوائف النظم القانونية التي تعين لها قواعد الإسناد اختصاصا تشريعيا معينا كطائفة النظم الخاصة بشكل التصرفات أو بحالة الأشخاص أو بالمواريث أو الوصايا
و متى تم التحديد انتهت مهمة قانون القاضي الليبي اد تم تعيين القانون الأجنبي الواجب تطبيقه لا يكون للقاضي إلا أن يعمل بأحكام هدا القانون الذي يختص أنداك بحل المشاكل التي تثيرها التكييفات اللاحقة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم