الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

اثبات النسب وفق المادة 156 من مدونة الاسرة والاشكالات المطروحة




انسجاما مع أهداف جمعية"الحكمة للطفل والمرأة" ارتأيت أ ن نعالج الاشكاليات المتعلقة باثبات النسب في ظل مدونة الاسرة على اعتبار انه في ظل تغير المعطيات الاقتصادية وتعقد اساليب الحياة الاجتماعية والانفتاح على ثقافات الشعوب الغربية, اصبح الرجل يتقدم لخطبة المرأة وهو لم ينه بعد تكوينه الدراسي او المهني اولم ينته بعد من اعداد بيت الزوجية فيتردد كل منهما على الاخر وتكثر الخلوات ويظهر حمل بالمخطوبة , فتطرح اشكالية تحديد هويته المولود ونسبه.



ومن خلال ذلك سنحاول تأطير الموضوع من الناحية القانونية في اطارالمادة 156 من م.أ على عتبار انها من بين المستجدات التي جاءت بها المدونة وحاولت خلق اطار قانوني لمجموعة من الحالات المتعلقة باثبات النسب بعد استعراضنا لأهم الشروط الواجبة توفرها لاثبات النسب وابراز اهم مظاهر التعارض  والتداخل بين هده المادة و مجموعة من المواد التي تهتم بحقوق الطفل والمرأة.
الشروط الواجبة توفرها لاثبات النسب وفق مقتضيات المادة 156 من مدونة الاسرة:

1- اذا اشتهرت الخطبة بين اسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء. 
2- اذا تبين ان المخطوبة حملت اثناء الخطبة .

 -3اذا اقر الخطيبان ان الحمل منهما.



 - وبتوفر هاته الشروط السالفة الذكر مجتمعة أمكن للخاطبان او المخطوبان اللجوء الى قضاء الاسرة ورفع دعوى في الموضوع لتصحيح وضعية الطفل والحاق الحمل للخاطب للشبهة من اجل اثبات نسبه وصيانة هويته التي تعتبر حق من الحقوق المنصوص عليها دستوريا وفي جميع العهودوالمواثيق الدولية ومنها اتفاقية حقوق الطفل الصادرة بتاريخ 1990 والتي نصت في مادتها 8 الفقرة 1 على ان كل الدول الاطراف تتعهد باحترام حق الطفل والحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته واسمه وصلاته العائلية على النحو الذي يقره القانون وذلك دون تدخل غير شرعي وفي الفقرة الثانية من هذه المادة نصت على انه في حالة حرمان الطفل بطريقة غير شرعية من بعض عناصر او كل عناصر هويته تقدم الدول الاطراف المساعدة والحماية المناسبتين من اجل الاسراع بإعادة اثبات هويته . وتمشيا مع ذلك حاول المشرع المغربي الالتزام بمضمون المادة الثانية من الاتفاقية من خلال المادة 156 من مدونة الاسرة (التي تشكل الاطار القانوني لموضوع

نقاشنا) لمساعدة الطفل على اثبات هويته اذ حرم منها , مع اتخاذ كل التدابير المناسبة لضمان تنفيذ مضمون هذه المادة . الا انه في الواقع الحالي فإن مدونة الاسرة فاجأت جميع المشتغلين بالحقل القانوني بمضمون المادة 156 اذ ان عبارات هذه الاخيرة تثير بعض الملاحظات:

الملاحظة الاولى :فقدت نصت اولا على وجوب توفر ظروف قاهرة تحول دون توثيق عقد الزواج بمعنى انه لابد من وجود ظروف استثنائية كما هوعليه الامر ايضا في المادة 16 (ثبوت الزوجية)ويجب ان تثبت هذه الظروف القاهرة ويبقى لمحاكم الموضوع سلطة تقدير كل حالة وما صاحبها من امور قد تشكل ظروفا قاهرة او العكس فاذا لم تثبت هذه الظروف فان الحمل يكون غير شرعي .

الملاحظة الثانية : ان المادة 156 نصت على انه اذا تمت الخطبة وحصل الايجاب والقبول الذي هو ركن من اركان الزواج حسب مقتضيات المادة 10 فان الاطار القانوني لعلاقتهما اصبح هو الزواج غير الموثق الذي حالت ظروف قاهرة دون توثيقه والذي تسمع دعواه في اطار مقتضيات المادة 16 مما نستشف معه ان الخطبة وحدها غير كافية لاثبات النسب بل لابد من توفر الشروط السالفة الذكر مجتمعة بالاضافة الى عنصري الايجاب والقبول ثم وجود ظروف قاهرة حالت دون توثيق عقد الزواج . واذا كان لا احد يجادل في ان المادة 156 من مدونة الاسرة جاءت بحلول انسانية لمشاكل اجتماعية لا حد لها , فانه لا احد يستطيع ان يجادل كذلك في ان مقتضيات هذه المادة تثير العديد من الاشكالات القانونية والعملية وذلك بسبب تداخلها مع مقتضيات قانونية اخرى حينا وتعارضها مع مقتضيات قانونية اخرى .



مظاهر التداخل بين المادة 156 مع المواد 10 و 11 من مدونة الاسرة :

فبعدما تطرقنا للاطار القانوني للمادة 156 من مدونة الأسرة وما تقره من ضرورة

توفر مجموعة من الشروط الواجبة اجتماعيا حتى

يتسنى للمخطوبان امكانية رفع دعوى لتصحيح وضعية الطفل المولود

اثناء فترة الخطبة التي هي تعبير الرجل عن

رغبته في الزواج من امرأة معينة خالية من الموانع الشرعية بالنسبة اليه ، وذلك باظهار هذه الرغبة

للمرأة نفسها أو لآهلها بكيفية صريحة وهو ما

أكدته المادة 5 من مدونة الأسرة التي اعتبرتها مجرد تواعد

متبادل بين رجل وامرأة على الزواج ،وما دامت

الخطبة مجرد تواعد على الزواج وليست بزواج فهي لا تخول لأ ي واحد من المتواعدين حقوقا على

الآخركما أنها لا ترتب أي أثر من آثار عقد الزواج خاصة نسب الأطفال المحصن بقاعدة شرعية

" الولد للفراش" اذا ما ولد بين اقل مدة الحمل وأقصاها " المادة 154 من مدونة

الأسرة .  ولذلك فبالرغم من اشاعة الحديث عن اثبات النسب أثناء الخطبة وتعدد الطلبات الرامية الى اثبات النسب التي عرفت طريقها الى القضاء بعد صدور مدونة الأسرة وتعدد الأحكام القضائية الصادرة في اطار المادة 156 من م.أ فان المشرع لم يرتب عن الخطبة اثبات النسب الذي هو اثر خالص من آثار عقد الزواج اذ لم يكتف بالنص في المادة 156 من م.أ على أنه : " اذا تمت الخطبة وظهر حمل بالمخطوبة ينسب للخاطب للشبهة اذا توفرت الشروط السالفة الذكر .." بل نص على أنه " اذا تمت الخطبة وحصل الايجاب والقبول ..." وهذا يعني أن الخطبة وحدها غير كافية لاثبات النسب بل لابد من تبادل الايجاب والقبول بين الطرفين وهو ركن من أركان عقد الزواج وذلك وفق المادتين 10 و 11 من مدونة الأسرة .

هذا التداخل بين النصوص يترجم مدى الارتباك والحرج الذي استشعره المشرع وهو يقر بشرعية الحمل والأطفال المزدادين أثناء فترة الخطبة وفق المادة 156 من م.أ، وهو ما انعكس بشكل واضح على الأحكام القضائية الصادرة في موضوع بحثنا اذ نلاحظ اختلافا واضحا في كيفية تعامل القضاء مع الشروط التشريعية المنصوص عليها في المادة 156 من م.أ والذي يكتفي حينا باثبات الخطبة للالحاق الحمل للخاطب في حالة الاتفاق بين الطرفين أو الأمر باجراء خبرة حينية عند انكار الخاطب ، بينما يتشدد أحيانا أخرى في ضرورة اثبات الخطبة وحصول الايجاب والقبول وقيام اسباب قاهرة حالت دون توثيق عقد الزواج

مظاهر تعارض مقتضيات المادة 156 من م.أ مع بعض المقتضيات القانونية الأخرى:  

_ المادتان 19 و 20 من م.أ :

 التي تنصان على أهلية الزواج التي تكتمل باتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواهما العقلية ثمانية عشرة سنة واستثناء من القاعدة يمكن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن لزواج الفتى والقتاة دون الأهلية .فاذا كان المشرع قد اشترط سن معينة في الزواج فانه بخلاف ذلك لم يشترط سنا معينة للخطبة واكتفى باشتراط موافقة ولي الزواج. وبالتالي فتح الباب أمام القاصر ذكرا أو انثى تحايلا على القانون في حالة رفض قاضي الأسرة الاذن له بالزواج أن يلجأ الى مراسيم الخطبة وينجب ما يشاء من الأطفال الشرعيين ضدا على مقرر رفض الاذن متدرعا بمقتضيات المادة 156 من م.أ.

_المادة 154 من مدونة الأسرة :

. فقد يحدث أن تتم خطبة بين الطرفين وتتوافر جميع الشروط المنصوص عليها في المادة 156 ويظهر حمل بالمخطوبة فيسارع الطرفان الى ابرام عقد زواجهما ويولد المولود قبل أقل من مدة الحمل التي هي 6 أشهر فيكون نسبه غير لاحق طبقا للمادة 154 فهل يحق للزوجة الاستفادة من مقتضيات المادة 156 لاثبات نسب مولودها وهل سيرجح القضاء تطبيق مقتضيات المادة 154 في حالة تقدم الزوجة بدعوى فسخ الزواج ونفي النسب ؟



_ ومن مظاهر التنازع بين مقتضيات المادة 154 و 156 ان اقصى مدة الحمل هي سنة من تاريخ الفراق فقد يتقدم رجل لخطبة امرأة فور انتهاء عدتها من مطلقها فيظهر حمل بالمخطوبة فيتقدم الخاطبان بطلب اثبات النسب في اطار المادة 156 ويتدخل ايضا المطلق ويتقدم بدعوى اثبات النسب في اطار المادة 154 فهل ستقضي المحكمة بنسبة الحمل للخاطب ام للمطلق ؟ "الخبرة الجينية ". المادة 490 من القانون الجنائي : تنص المادة 490 من ق.ج على "ان كل علاقة جنسية بين رجل وامراة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد المعاقب عليها بالحبس من شهر واحد الى سنة ". فقد يحدث ان تتابع النيابة العامة الطرفين من اجل جنحة الفساد فيدليان امام القضاء الجنحي بحكم شرعي سبق ان قضى بنسبة الحمل للخاطب في اطار المادة 156 فهل هذا الحكم سيشفع لهما في البراءة وقد يحدث ان تتقدم المخطوبة بطلب اثبات النسب الذي ينفيه الخاطب فيدلي هذا الاخير بحكم قضى بإدانتهما من اجل جنحة الفساد وأشير فيه الى وجود حمل فهل سيبث القضاء في دعوى ثبوت النسب طبق المادة 156 ام سيقضي برفض الطلب ؟"



ومما يتضح نخلص الى ان حماية الطفل وفق مدونة الاسرة تجد مرجعيتها الاساسية لاقرار حقوق الطفل في الشريعة الاسلامية وكذا العهود والمواثيق الدولية ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العمومية للامم المتحدة وان المغرب بتوقيعه على الاتفاقية الدولية هاته قد قطع خطوات تشريعية واجرائية عن طريق تقرير الحقوق والحريات مما انعكس ايجابا على اوضاع الطفولة المغربية لان النهوض بها يعتبر مدخلا حيويا وضمانة اساسية لدعم حقوق الانسان والتي منها الحق في النسب الذي كان المشرع شغوفا بالحاقه عوض نفيه فمدونة الاسرة نصت على ان لا ينفي النسب الا بواسطة حكم يضدر عن المحكمة المختصة , الا انه رغم ذلك فقد طرح موضوع اثبات النسب وفق المادة 156 من ق. نقاشا وتجادبا فقهيا وقضائيا وصل الامر الى اصدار المجلس الاعلى لقراراعتبر من خلاله اللجوء الى الخبرة الجينية لا تعتبر وسيلة من وسائل اثبات النسب عوض القاعدة الشرعية " الولد للفراش وللعاهر .
http://www.enfant-femme.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم