الأحد، 1 ديسمبر 2013

مسألة تدبير الأموال المكتسبة أثناء الزوجية بين الواقع المجتمعي و قانون الأسرة الجديد

ذ. محمد أمغار
http://amrhar.voila.net
 
بدخول قانون الأسرة الجديد حيز التنفيذ ومرور سنة على تطبيقه بعد المصادقة عليه من طرف غرفتي البرلمان، يكون الجدال الذي كان سائدا مابين أنصار مدونة الأحوال الشخصية والمطالبين بتعديلها أو تغييرها قد وضع أوزاره، ليطرح التساؤل المجتمعي الحقيقي حول مدى قدرة مدونة الا سرة الجديدة وآلياتها القانونية على وضع حد لمتاعب الأسرة المغربية.
ان الممارسة اليومية وإحتكاك الآليات القانونية مع مطالب المجتمع وإشكالياته هو الذي سوف يحكم على عمل اللجنة التي شكلت  لوضع مدونة الأسرة وهل إستطاعت هذه اللجنة الملكية الإجابة على الأسئلة الحقيقية المطروحة من طرف مكونات المجتمع في ظل المتغيرات الثقافية والا جتماعية والاقتصادية التي عايشتها الاسرة المغربية.
ومن أجل مقاربة مدى نجاعة القواعد التي أتت بها مدونة الأسرة وقدرتها على معالجة أمراض الأسر المغربية، إرتأينا ملامسة أحد المواضيع التي كانت محل نقاش كبير بين أنصار مدونة الأحوال الشخصية والمطالبين بتعديلها ويتعلق الأمر بالوضعية المالية للزوجين أو موقع المرأة من ممتلكات زوجها أثناء الزواج أو بعد إنحلال ميثاقه سواء تعلق الامر بالطلاق او الوفاة.
لكن قبل ذلك ينبغي الإشارة إلى ان السؤال المرتبط بالوضعية المالية للزوجين ليس وليد اللحظة المرتبطة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية بل هو تساؤل مستمد من النظام المعياري للمغرب العميق، ذلك أن حق المرأة في أموال زوجها التي تمت تنميتها أثناء فترة الزواج بمجهود الطرفين كان العمل به سريا مع ما جرى به العمل في منطقة سوس وما إستقر عليه الإجتهاد في فقه النوازل التي إحتوت قواعد قانونية معيارية مستمدة من العرف" إزرف" الأمازيغي وهو ما عرف في تاريخ الفكر القانوني المغربي بقاعدة الكد والسعاية أو تمازالت.
وتعتبر هذه القاعدة العرفية التي كانت تعطي للمرأة الحق في الحصول على نصيب من ثروة زوجها والتي ساهمت معه في تنميتها بمجهودها العضلي أو الفكري أثناء قيام العلاقة الزوجية،تمرة الاحتكاك والتفاعل ما بين العرف الامازيغي والفقه المالكي. وقد ارتبطت هذه القاعدة العرفية  بطبيعة نمط الإنتاج الذي كان سائدا في العالم القروي والمتمثل في الإقتصاد الريعي القائم على فلاحة الأرض وتربية الماشية والذي كان معه إثبات مساهمة المرأة في تنمية ثروة الزوج يتم بواسطة  شهادة الشهود بإعتبارها من أهم وسائل الإثبات وأكثرها إنتشارا في الوسط القروي وفي  ظل نظام معياري عرفي قائم على الثقافة الشفوية.
لكن مع تغير بنية المجتمع المغربي بدخول سلطة الحماية وظهور الدولة المركزية وما صاحبها من مركزية القاعدة القانونية الوضعية، وإنتشار التمدن نتيجةهجرة السكان  سواء إلى الحواضر والمدن الكبرى أوفي إتجاه الخارج و بصفة خاصةالى أروبا الشيء الدى ادى الى تراجع القواعد القانونية العرفية لفائدة القانون المدني الوضعي المستمد من  الإتجاه القانوني الفرنسي القائم على الإثبات بالكتابة والمرتبط بنمط الإنتاج الرأسمالي والذي أدى إلى إنتشار مفاهيم التدوين والتسجيل والتحفيظ للحقوق والممتلكات وما ترتب عنه من نتائج تتمثل في إلزام الأفراد والجماعات بإثبات حقوقهم بالكتابة، مع سيطرة القاعدة القانونية الوضعية المؤسسة على الاثبات المقيد بالكتابة وماصاحبه من  انتشار قواعدالتدوين والتسجيل وفق قواعد قانونية موضوعة سلفا من طرف المشرع.
في ظل هذه المعطيات التاريخية والواقعية كان التساؤل حول مدونةالاسرة باعتبارها الإطار القانوني الجديد المنظم للعلاقات المالية للزوجين .
لذلك فإن التعديلات التي أتت بها مدونة الأسرة حاولت أن تحتوي مطالب الفرقاء الاساسيين أنصار مدونة الأحوال الشخصية في صيغتها القديمة ومعارضيها من خلال إحتواء النسق القانوني المغربي في تعدديته المذهبية كنسق يعود في خطوطه الكبرى إلى القانون الوضعي الفرنسي والفقه الإسلامي وخاصة المرتبط بالمذهب المالكي والعرف الأمازيغي ولو بشكل محتشم.
لذلك ووفق هذه المعطيات شكلت القواعد التي أتت بها مدونة الأسرة في مادتها49  المنظمة للوضعية المالية للزوجين إمتدادا لهذا التداخل في النسق القانوني المغربي.
وهكذا فإذا كانت مدونة الأحوال الشخصية قبل التعديل تنص على أن للمرأة حريتها الكاملة في التصرف في مالها دون رقابة الزوج إذ لاولاية للزوج على مال زوجته كما جاء في مقتضيات المادة 35 من مدونة الاحوال الشخصية في صيغتهاالقديمة.
وإذا كان الفصل 39 من نفس القانون القديم ينص على أنه إذا إختلف الزوجان في متاع البيت ولابينة لهما فالقول للزوج بيمينه في المعتاد للرجال وللزوجة بيمينها في المعتاد للنساء، وإن كان من البضائع التجارية فهو لمن يتعاطى التجارة منهما ببينة، أما المعتاد للرجال والنساء معا فيحلف كل منهما ويقتسمانه، وهي نفس القواعد التي أتت بها المدونة الجديدة بخصوص الأمتعة المتواجدة داخل بيت الزوجية ذلك أن المادة 34 من مدونة الأسرة نصت على أن كل ما أتت به الزوجة من جهاز وشوار يعتبر ملكا لها.
وفي حالة وقوع النزاع في باقي الأمتعة فإن الفصل فيها يخضع للقواعد العامة للإثبات مع تفعيل اليمين القانونية في حالة غياب البينة لدى الطرفين، شأنها في ذلك شأن المادة  35من القانون القديم مالم يرفض أحد الزوجين اليمين ويحلف الآخر فيحكم له بالمعتاد للرجال والنساءالذي لاتتوفر فيه البينة.
امابخصوص الأموال الأخرى غير متاع البيت فإن المقتضيات القانونية التي اتت بها مدونة الأسرة  شكلت إمتدادا للفقه المالكي في هذا المجال بحيث رسخت القاعدة الفقهية المالكية القائمة على مبدأ إستقلال الذمة المالية للزوجين مع إضافة مجموعة من القواعد المرتبطة بالقانون المدني وحرية التعاقد أكثر من إرتباطها بنظام الكد والسعاية المطالب به من طرف المكونات الحقوقية إبان النقاش حول تعديل المدونة، وهذا ما يتضح من مناقشة المبادئ والقواعد التي أتت بها مدونة الاسرة في مقتضيات المادة 49 والتي نصت في فقرتها الأولى على أن لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، أي أن لكل طرفي العلاقة الزوجية الحرية الكاملة في التصرف في ماله بدون تدخل من الطرف الآخر.
وهكذا فمدونة الأسرة سوت في تطرقها للمسألة المالية ما بين الطرفين أي الزوجين في الوقت الذي كانت تتحدت فيه المدونة القديمة عن المرأة فقط في إشارة منها للحرية الكاملة في التصرف في مالها مع إغفال التطرق للحرية والذمة المالية للزوج، وهذه الذمة المالية المستقلة التي كانت تستشف من القراءة بمفهوم المخالفة للمادة35 من مدونة الأحوال الشخصية القديمة.  
غير أن الفقرة الثانية  من المادة 49 من مدونة الاسرة أجازت إمكانية الإتفاق على إستثمار وتوزيع الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، أي أنه أصبح بإمكان الزوجين وفي إطار تدبير أموالهما التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية إبرام عقد أو برتكول مستقل عن عقد الزواج يحدد القواعد المطبقة على ثروتهما المكتسبة بعد الزواج.
وأكثر من هذا فإن الفقرة الرابعةمن نفس الفصل ذهبت إلى حد إلزام العدلان المنتصبان للإشهاد وتوثيق عقد الزواج بضرورة إشعار الزوجين بالأحكام السابقة والمتمثلة في امكانية الإتفاق على تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء الزواج، مما يشكل رغبة من المشرع في توعية طرفي العلاقة العقدية بالآثار المالية المرتبطة بقيام الزوجية وإمكانية تدبيرها بشكل متفق عليه مسبقا في عقد مدني مستقل عن عقد الزواج.
اما في حالة عدم ابرام الاتفاق  أو البرتكول المشار إليه في مدونة الاسرة فقد نص المشرع على  ضرورة إعمال القواعد العامة للإثبات في حالة قيام النزاع ما بين الزوجين حول أموالهما المكتسبة أثناء قيا م العلاقة الزوجية مع الأخذ بعين الإعتبار عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة.
إن القراءة المتأنية في القواعد والإجراءات القانونية التي نص عليها القانون الجديد  على ضوء الممارسة العملية لأكثر من سنة من دخول هذه القواعد حيز التنفيذ تدفعنا إلى القول بأن هذه القواعد ما هي إلا إجتهاد يسير في إتجاه ترسيخ قواعد القانون المدني الوضعي داخل مدونة الأسرة المنظمة للأحوال الشخصية والتي كانت القلعة الصامدة للفقه المالكي مع إفراغ قواعد الكد والسعاية من محتواها والقائم على الحفاظ على حقوق المرأة العاملة داخل بيت الزوجية والمشرفة على تربية الأبناء من حقوقها ومن مجهودها العضلي والمعنوي في تنمية الثروة الزوجية وتربية الأبناء.
ذلك أنه وبعد مرور أكثر من سنة ونتيجة الطابع المحافظ للأسر المغربية فإن الإتفاق أو البرتكول المشار إليه في المادة 49 من مدونة الاسرة  بقي حبرا على ورق، وهذا مايؤكد أن التشريع يواجه صعوبات كثيرة في تغيير العادات والأعراف الراسخة إذا لم يكن متفقا معها، كما أن إعتماد القواعد العامة للإثبات ترتب عنه إستبعاد  الممتلكات العقارية والمنقولات  سواءالمعنويةمنها او ذات القيمة المادية الكبيرة كالأصول التجارية والسيارات من الثروة المشتركة والتي غالبا ما يتم الإثبات فيها بالكتابة أي بالإعتماد على سند الملكية الذي يحدد المالك الحقيقي لها وليس بإمكان الطرف الغير الحامل لسند الملكية أن يثبت مساهمته في تنمية مثل هذه الأموال، خاصة إذا علمنا الشكلية القانونية السائدة في القانون المدني الوضعي القائم على تدرج وتسلسل وسائل الإثبات، فشهادة الشهود كوسيلة من وسائل إثبات مساهمة المرأة في تنمية الثروة أثناء قيام الزوجية لايمكنها أن تصمد أمام الحجة الكتابية المرتبطة بتسجيل الملكية بالمحافظة العقارية أو السجل التجاري، أو سجل ترقيم السيارات وغيرها.
وهذا ما يوضح أن المادة 49 من مدونة الأسرة لم تضف جديدا بقدر ما رسخت القاعدة الفقهية المتمثلة في الذمة المالية المستقلة لطرفي العلاقة الزوجية مع الإنفتاح على تقنين قواعد القانون المدني داخل مدونة  الأسرة من خلال فتح المجال للحديث عن أحكام الشركة ما بين الزوجين بخصوص أموالهما أثناء قيام العلاقة الزوجية.
إن القراءة المتأنية للرخصة التي أتت بها الفقرة الثانية من  نفس المادة والمتمثلة في فتح المجال لإمكانية إبرام إتفاق مستقل عن عقد الزواج يتعلق بإنشاء شركة مدنية موضوعها إستثمار وتدبير الممتلكات المشتركة للزوجين بعد الزواج، يؤدي إلى طرح الكثير من الأسئلة بخصوص طبيعة هذه الشركة الجديدة، وهكذا فإذا كانت المادة 982 من قانون الإلتزامات والعقود تعرف الشركة بأنها عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو عملهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهم بقصد تقسيم الربح الذي قد ينشأ عنها، أي ان الشركة تستوجب أن يضع كل طرف من أطرافها مال أو عمل، فإن مقاربة عبارة الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية الواردة في قانون الاسرة تطرح أكثر من علامة إستفهام.
فهل المقصود بالعبارة الأموال التي إكتسبها الزوجين بصفة مشتركة أم الأموال المكتسبة من كل زوج على حدى، ولو لم يكن للطرف الأخر فيها مجهود مثل الراتب الشهري للأجير من الزوجين، أو دخل محله التجاري، أوحقه في إرث معين.وهل يمكن تصور أموال مكتسبة بإستقلال عن الرأسمال الموجود قبل إبرام عقد الزواج. وكيف يمكن الفصل مابين الأموال الخاصة والتي تم إستثمارها بشكل مشترك وتحديد حصة كل واحد على حدى.
إنها أسئلة كثيرة طرحت مع دخول المادة49 من مدونة الأسرة حيز التنفيذ غير أن الممارسة العملية أتبثت خلال سنة من دخول هذه القواعد حيز التنفيذ أن هده القواعد تشكل اجراءات جديدة يصعب استبطانها بسهولة من طرف مكونات مجتمع تسود فيه الثقافة التقليدية الشيء الذي يدفع الى القول بان الاهم هو الحفاظ على العلاقة الاسرية بعيدا عن المشاكل التي سوف تؤدي الى انحلال العلاقة الزوجية وما سوف يترتب عنها من مشاكل اجتماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم