الاثنين، 9 ديسمبر 2013

مشروع الحركة النسوية اليسارية بالمغرب


 
د.عبد الرحمن محمود العمراني

 فهرس المحتويات


الموضوع                                                                                      الصفحة

1- المقدمة .                                                                                           1

2- الفصل الأول : مشروع الحركة النسوية : ( منطلقاته وأهدافه )                        2

3- مطالب الحركة النسوية .                                                                      4

4- مصير مطالب الحركة النسوية .                                                           10         

5- الضوابط الوهمية والخلفيات الخلقية في مشروع الحركة النسوية .                  12

6- وسائل تسويق مشروع الحركة النسوية .                                                 13

7- علاقة مشروع الحركة النسوية بالمرجعية الغربية .                                    14

8- خاتمة الكتاب.                                                                                17

9- الفهرس.                                                                                       19






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المقدمة:-

الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا , وبعد :

فإن الله كرم بني آدم, وفضلهم, معلنًا أن ميزان التفاضل بينهم هو التقوى، ولكن الناس بفعل تحديدهم ميزان الأفضلية في القوة البدنية استضعفوا المرأة وأهانوها .
في ظل هذا الوضع بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى, ليثبت تكريم المرأة. ولقد كان عمر بن الخطاب يكره أن تخرج زوجته لحضور الصلوات الليلية في المسجد , فلم يستطع أن يمنعها منه لتمتيع الشرع إياها بذلك .

ولقد مرت على الأمة الإسلامية حقب تاريخية غفلوا فيها عن هدي شريعتهم, فانعكس ذلك سلباً على المرأة؛ حيث خضع فيها التعامل معها للأعراف والتقاليد، وهكذا سلبت المرأة حقوقها الشرعية .

وأن هذه الوضعية البئيسة التي عاشتها المرأة المغربية هي التي قامت باستثمارها جهات انبهرت بالحضارة الغربية ؛ فحملت لواء الدفاع عن حقوق المرأة , وأصبحت للمرأة قضية اختلفت بشأنها الأفكار , وانقسم الناس حولها إلى فئتين , إحداهما : تستورد تصورها عنها بإطلاق من مرجعية غربية, وأخرى تنضبط لأحكام الشرع وقضاء الشارع القطعي .
وقد تولت الحركة النسوية في المغرب كِبر هذه الحملة على المرجعية الإسلامية في قضايا المرأة.
ومشروع الحركة النسوية في المغرب هو موضوع هذه الدراسة , نتناوله توصيفاً وتحليلاً , واستندت فيه إلى وثائق الحركة النسوية , من أجل تجنب أي اتهام بالشطط في الحكم عليها .
ولقد قسمت البحث إلى فصلين اثنين , أحدهما : خصصته لعرض تصور الحركة النسوية في المغرب تجاه قضية المرأة , وذلك في ثلاث مباحث , والفصل الثاني : خصص لآليات تنفيذ مشروع الحركة النسوية وخطواته ، وقد راعيت الالتزام بأسس المناهج العلمية في البحث .


الفصل الأول:


مشروع الحركة النسوية :
(( منطلقاته وأهدافه ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المبحث الأول :-

مشروع الحركة النسوية بأقلام رموزها

أولاً : أساسيات في مشروع الحركة النسوية بالمغرب :



1- مبدأ المساواة بين الجنسين :-

تستند الحركة النسوية في عملها على مبدأ المساواة بين الجنسين إلى ميثاق الأمم المتحدة , وكذلك إلى ما أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948أن " أن لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق .. دون أي تمييز ", وأيضاً إلى ما ورد في الاتفاقيتين الدوليتين حول الحقوق السياسية والمدنية بشأن تعهد الدولة.
بناءً على هذا يتكرر في خطاب الحركة النسوية القول بـ (( ضرورة الالتزام بتطبيق مبادئه – يعني : ميثاق الأمم المتحدة – وذلك بالعمل على احترام حقوق الإنسان والحريات العامة والشخصية , وإلغاء كل القوانين المبنية على أساس التمييز بين الجنسين , والقضاء على كل مظاهر اللا مساواة والاضطهاد التي تعاني منها المرأة المغربية )). (1)
وننتقد الحركة النسوية الدستور المغربي لأنه – حسب دعواها – " يكتفي بالإشارة إلى تساوي المرأة بالرجل في الحقوق السياسية ولا يتناول الحقوق الاقتصادية والثقافية .
والحركة النسوية بذلك تشير إلى حاجتها إلى دعم من السلطات التشريعية يقيم الاعتبار لمطامحها من أجل التحرر والمساواة .

2- مبدأ تحرير المرأة:

يرتبط وصف الإنسان بـ ( أنا حر) بلحظة رد فعل تجاه أي منع من كلام يتلفظ به أو فعل يمارسه, وحريته المطلقة تتجلى بفعل ما يشاء دون تدخل أحد في شخصيته، وليس هذا المعنى بعيداً عن المراد بتحرير المرأة في برنامج الحركة النسوية اليسارية في المغرب , فإنه يعني فك أي قيد عنها يجعلها تابعة لغيرها .
يمكن القول أن " تحرير المرأة " في تصور الحركة النسوية في المغرب تتحدد خطوته الأولى في أن تستقل المرأة بشخصيتها عن الرجل على اعتبار أن نمط العلاقة بينهما يحد من حريتها في الابتكار والعمل .

ثانياً : واقع المرأة المغربية من خلال مشروع الحركة النسوية :-

1- وضع المرأة داخل الأسرة :

حسب تصور الحركة النسوية فإن موقع المرأة المغربية داخل أسرتها هو الهامش ، رأيها مهمش, شخصيتها غائبة , حريتها في الحركة والاختبار منعدمة .

2- وضع المرأة في الواقع :

تصف الحركة النسوية المجتمع الذي تعيش فيه المرأة بأنه مجتمع طبقي أبوي , منغلق فكراً وممارسة , تتحكم في سير شؤونه عقلية متجمدة لا تعير المرأة اعتباراً وتعدها كائن ضعيف محكوماً عليها .

وتزعم الحركة النسوية أن هذا الوضع الذي تعيشه المرأة المغربية في المجتمع ترسخه مجموعة أعراف تشكلت عبر مراحل زمنية , ولا تفتأ الحركة النسوية أن تثير عاملاً آخر تراه يزكي الوضعية الدونية للمرأة هو مضمون الكتاب المدرسي ، فهو – حسب رأيها – يضع المرأة في الدرجة الدنيا من حيث الاهتمام , وترى أيضاً أن مما يعرقل هذا الوضع كون المرأة بدورها تساهم في تكريس دونيتها , حيث إن " العديد  من فتيات المدينة يجرمن أنفسهن من الكثير من متع الحياة حتى يساعدن أخاً لتحقيق مستقبل له وتنفيذ طموح يراوده ". (2)

3- وضعية المرأة المغربية في ظل القوانين الجاري العمل بها:

إن القوانين الجاري العمل بها في بلادنا – حسب الحركة النسوية – تمثل عقبة في وجه أي محاولة تحسين لوضعية المرأة المغربية , بما تنص عليه من أحكام تجعل الرجل صاحب السيادة في الأمر والنهي , والعقد والحل .
ويتجلى طابع الإجحاف في حق المرأة في هذا القانون – حسب الحركة النسوية – في إسنادها رئاسة الأسرة إلى الزوج مما يحكم على المرأة بالخضوع لسلطته , وأما سمة حرمان المرأة من حريتها في مدونة الأحوال الشخصية المغربية فتظهر في فرضها إشراف ولي المرأة على عقد زواجها وحرمانها من ممارسة ذلك بنفسها ولو كانت رشيدة .

هذه وضعية المرأة كما فبركتها الحركة النسوية من فضول مدونة الأحوال الشخصية المغربية .
وبالنسبة لوضعيتها في باقي القوانين الأخرى فإن التمييز بين المرأة والرجل وإن لم يكن بارزاً فيها فإنه حاضر في بعض فصولها، وكما تروج الحركة النسوية فإن المرأة المغربية تعاني في اشتراط إذن زوجها لتأجير خدمتها وهو ما يجعلها قاصرة عن التصرف في شؤونها .




المبحث الثاني :-

مطالب الحركة النسوية :-

أولاً : الحملة من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية المغربية :-

 لقد شملت الحركة النسوية لمدونة الأحوال الشخصية المغربية جوانب مختلفة من حيث مجموعة عناصر هي :

1-               من حيث المنهج الذي اعتمد في وضعها سنة 1957م , فقد تم نقد ه على أساس أنها دونت من طرف الفقهاء دون الأخذ بعين الاعتبار الوضعية الخاصة للمرأة , ودون أشراك جميع المهتمين بقضيتها .

2-               من حيث مرجعيتها , فإن نص المدونة يتمتع بالقوة والصمود بإعلان " اعتماده على مضمون المذهب المالكي الذي ينتمي للقرن الثامن الميلادي ؛ أي : النص تمت صياغته انطلاقاً من اجتهادات فقهية عكست تناقضات وصراعات قرون سابقة " وهو ما تعتبره الحركة النسوية غير مقبول اليوم .

3-               من حيث وضعية المرأة والرجل فيها ؛ فإن المدونة في رأي الحركة النسوية تجعل العلاقة بينهما علاقة بين حاكم ومحكوم نظراً لمنحها السيادة المطلقة للزوج , وتمتيعه بحق الطلاق من دون قيد , في مقابل سجنها المرأة بين جدران البيت الأربعة .
من أجل ذلك خضعت مدونة الأحوال الشخصية لمحاولات تعديل كلية أو جزئية, إحداها في سنة 1961 أي: بعد أربع سنوات من العمل بها، والثانية في سنة 1965, والثالثة في سنة 1979لكنها جميعها لم تكتب لها الصدور.

ثانياً : مطالب الحركة النسوية التفصيلية :-

المطلب الأول:-

اعتبار الأسرة مؤسسة مبنية على أساس التكافؤ والتكافل بين الزوج والزوجة على قدم المساواة:
هذا المطلب ورد في البند الأول من العريضة التي هيأتها جمعية اتحاد العمل النسائي , وهو يهدف إلى تغيير الفصل الأول من مدونة الأحوال الشخصية المغربية الذي يجعل الأسرة تقوم " تحت رعاية الزوج", "وهو يفيد من جانب المرأة الإنجاب كأول وظيفة , والعناية بالمنزل وتوفير الراحة لأهله ... إلى آخره"(3) ، وهو يتنافى مع مبدأ المساواة الذي تنادي به الحركة النسوية .

المطلب الثاني:-

 رفع سن الزواج إلى الثامنة عشرة

هذا المطلب ورد في نداء جمعية " الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة " يظهر من هذا أن الحركة النسوية تبتغي من وراء مطلبها برفع سن زواج الفتاة إلى الثامنة حماية مصلحة لها بحفظ صحتها بعدم إكراهها على الزواج وعلى الإنجاب في وقت مبكر من عمرها , ومعلوم أن السن المحددة في مدونة الأحوال الشخصية للزواج – بمقتضى الفصل الثامن منها – هي بلوغ الفتى الثامنة عشر والفتاة الخامسة عشر، وأن الأستاذ " علال الفاسي " بإقراره أن الفتاة تتزوج في الخامسة عشرة من عمرها ؛ دعا إلى عدم التشدد في ذلك , وإلى اعتماد المرونة بالسماح بالزواج دونها مراعاة لاختلاف سن البلوغ من منطقة إلى أخرى .
وهنا نلاحظ اختلاف التوجه والمرجعية بين الحركة النسوية التي تدعي أن رفع سن الزواج إلى الثامنة عشرة ومنع الزواج دونها مصلحة للمرأة صحياً وعلمياً واجتماعياً ؛ وبين ما ذهب إليه الأستاذ " علال الفاسي " .

ومع الإقرار بأن قضية تحديد أهلية الزواج بسن معينة مسألة فقية قابلة للاجتهاد ؛ فإننا نؤكد أنها لم تعد – واقعياً – مشكلة تعاني منها الفتاة المغربية , فمعدل سن الزواج ارتفع إلى الثلاثين في المدينة , وأصبحت تعاني من العنوسة المفروضة عليها .

المطلب الثالث: إلغاء ولاية التزويج:-

قد جاء مطلب إلغاء العمل بها في البند الثالث من العريضة التي هيأتها جمعية اتحاد العمل من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية بلفظ " إعطاء المرأة الحق في الزواج دون حاجة إلى ولي منذ بلوغها سن الرشد "، وأيضاً ورد هذا المطلب في نداء الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة بلفظ " يجب حذف ولاية التزويج " من أجل " تحقيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة " (4) وترى الحركة النسوية في استمرار العمل بولاية التزويج ترسيخ وصاية الرجل على المرأة في أخص شأن يهمها وهو الزواج، وهو ما تعتبره الحركة النسوية " إعداماً لشخصية المرأة وتأييداً للقصور والدونية ، من هنا كانت مسألة ولاية التزويج من المسائل التي فقدت فيها الحركة النسوية العقل والدين في معالجتها .

هكذا ترى الحركة النسوية في العمل بولاية التزويج وصاية وحجر على المرأة , وأنها تقيد حريتها في الزواج , والحق أن هذه الرؤية تنم عن الجهل بمعنى الولاية وبالغاية من العمل بها , فهي تعني مراعاة مصلحة المرأة وليس الحجر عليها , والأب باعتبار المسئول  عن الأسرة يثبت من مدى صلاحية الخاطب وفق معايير الشرع ويمكن أن نجد في المجتمع بعض الأولياء يتعسفون في استعمال سلطة ولايتهم فإما يكرهون المرأة على الزواج وإما يمنعونها منه ، ولكن هذا السلوك الشاذ من هؤلاء عالجه الشرع من قبل بالنهي عنه , وأيضاً تسوغ الحركة النسوية مطلب إلغاء العمل بولاية التزويج بكون المرأة ارتقت إلى مناصب عليا في سلم الوظيفة التعليمية العمومية والحرة على خلاف ما كانت عليه في السابق , ومن الناحية الواقعية فإن الفتاة المغربية لم تعد تعاني اليوم من مشكلة ولاية التزويج , وإن استمرار الإلحاح على إلغاء العمل بها يندرج ضمن مجموعة المطالب التي تسعى الحركة النسوية من خلالها إلى تحرير المرأة وإشعارها بالاستقلالية عن أي شخص كان ولو أباها.





المطلب الرابع: منع تعدد الزوجات:-

ورد هذا المطلب في البند السادس من العريضة التي هيأتها جمعية اتحاد العمل النسائي , وكذلك ورد في نداء الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة في شكل نصيحة موجهة إلى الأم تقول : " لا تقبلي أن تكون لابنتك ضرة ؛ فزواج الضرات يسبب مشاكل عائلية وعدم استقرار الأسرة وضياع حقوق الأبناء ... وإن الزواج بواحدة هو زواج المودة والرحمة " .
وتبنى الحركة النسوية هذا المطلب على الادعاء بأن العمل بتعدد الزوجات يعود إلى ما قبل انخراط المرأة في الحياة العاملة , أما وقد تحررت من وضعها العام السابق وأصبحت قادرة – بفضل ثقافتها – على مناهضة الحيف الممارس عليها .

وأيضاً تسوغ الحركة النسوية مطلبها بمنع التعدد بقولها : إن له آثاراً سلبية على المرأة وعلى الطفل بحرمانها من حياة مستقرة وأخوة متراحمة .
وليس جديداً الخوض في مسألة التعدد والمطالبة بالتشدد في حظره ؛ فقد طالب الشيخ " محمد عبده" بتقييده (5), ودعا " الطاهر الحداد " من تونس إلى منعه صراحة (6) وكذلك " علال الفاسي" (7) في المغرب بناء على كون الرجال لا يقدرون واجباته , ولا يرون فيه سوى الإشباع الجنسي.

ليست خاصة التعدد , بل قد تقع أيضاً في البيت الذي فيه زوجة واحدة , وإحدى إشكالات الحركة النسوية أنها تنطلق من فرضية أن المرأة كائن ضعيف مسير وليس مخيراً .
ولاشك أن أكثر ما يقع من مشاكل سببيه عدم الاسترشاد بمبادئ الشريعة الإسلامية في العمل بتعدد الزوجات , ولم يكن مطلب الحركة النسوية بمنع تعدد الزوجات ينبني على آثاره السلبية المذكورة، وإنما ينبني على أن في تشريعه إذلالاً للمرأة ، ولو كانت الحركة تتقيد بالمنهج الديمقراطي الذي تتشدق به وتجعله منطلقاً لها , لأعارت اهتماماً لرأي النساء اللاتي لم يكتب لهن الزواج في مسألة التعدد ؛ ولنفذت استبياناً تسألهن فيه : هل يقبلن الزواج برجل متزوج ؟ أم يفضلن البقاء " عانسات " ؟ لا شك أن أكثر من يتحرج من التعدد قي واقعنا من النساء هن المتزوجات , يخشين أن يشاركهن نساء أخريات أزواجهن , وأما غير المتزوجات العفيفات فلا يرين حرجاً في ذلك ، والذي يظهر أن إثارة مشكلة تعدد الزوجات اليوم ليس سببها ما تعانيه النساء أو الأطفال ، وإنما سبب إثارته أن في استمرار إقراره في مدونة الأحوال الشخصية – ولو مع التشدد في تقييد العمل به – إقراراً بالمرجعية الإسلامية للمدونة , وهو مالا ترضاه الحركة النسوية الحداثية , وأيضاً تثيره لمخالفته مقررات المؤتمرات الدولية حول المرأة , فاعتبرته " مؤسسة ( تشكل) تهديداً للاستقرار الأسري "(8) وسكتت عن نوع آخر من التعدد الممارس وهو تعدد الخليلات .

المطلب الخامس: وضع الطلاق بيد القضاء:-

هذا المطلب ورد في البند الخامس من عريضة جمعية اتحاد العمل النسائي , وورد في نداء الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة بلفظ " أختي إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق , وهو في يد الرجل يفعل به ما يشاء ومتى شاء , مع أن ( النساء شقائق الرجال في الأحكام )لهذا يجب جعل الحق متساوياً في الطلاق بينهما , ووضعه – من ثم – في يد القضاء " .

وليس المراد من هذا المطلب مجرد أن يقع الطلاق أمام القاضي , وإنما المراد منه أن لا يعتد به إلا إذا قضى به القاضي , وتسوغ الحركة النسوية إيراده بما تراه في الطلاق من تجسيد لهضم أبسط حقوق المرأة , وسحق لإنسانيتها وكرامتها بما ينتج عنه من استهتار كلي بحقها في الاختيار والتقرير في مصير العلاقة الزوجية , في مقابل تمتع الرجل بحق مطلق في إيقاعه , وهو ما يناقض في نظرها مبدأ المساواة بين الجنسين .

وأيضاً تسوغ الحركة النسوية هذا المطلب بما يترتب على الطلاق من معاناة الأطفال الذين يزج بهم في حياة البؤس والتشرد وعدم الاستقرار والاضطراب السيكولوجي .

وليس المقام يسمح بالرد على هذه المسوغات , ولكن دفعني إلى كون بعض الكتابات النسوية جعلت إسناد الطلاق إلى الزوج تجربة تاريخية وليس تشريعاً إلهياً , فاقتضى الأمر التوضيح التالي :

أ / إن حكم إسناد الطلاق إلى رجل في الشريعة الإسلامية حكم مطلق, غير مقيد بأجل و لا بحال و لا ظرف. من شأن تلك الأحكام الدوام والاستمرار والشمول كوجوب الصلاة وغيرها من الفرائض الشرعية, فإنها ثلاث لا تختلف. من هنا كان الأصل في الطلاق أن يوقعه الرجل , والقول بأنه لا يعتبر طلاقاً إلا ما يقضي به القاضي ؛ يجعل القاضي هو الأصل فيه والزوج تابعاً له , وفي هذا مخالفة للشرع ؛ لقولة صلى الله عليه وسلم " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق " ( سنن ابن ماجه , كتاب: الطلاق ,باب : طلاق العبد ) .

ب / إن الزوج إذا واجه امرأته بالطلاق على الوجه المأمور به في الشرع , وقع طلاقه ولو لم يأذن به القاضي ,وعليه ؛ فإن الزوج إذا لم يرجع زوجته في فترة عدتها بانت منه , فما جدوى ربط الطلاق بإذن القاضي إذاً ؟ .

ج /  إنما شرع الله الطلاق لتخليص الزوجين من حياة تنقلب الرحمة فيها إلى نقمة .
وفي هذه الحالة لم يترك الإسلام للزوج الحرية في إيقاعه منا يشاء ليضر به زوجته , بل فرض عليه قيوداً , منها : أن لا يوقعه في حالة حيضها , ولا في طهر وقع فيه مساس , ولا يطلقها ثلاثاً دفعة واحدة , ولا يطلقها في عدتها , فإن هذه الحالات إذا وقع فيها الطلاق لم يكن طلاقاً معتبراً لابتعادها عن التسريح بإحسان .

د /  لم يجعل الله تعالى الطلاق بائناً إذا وقع أول مرة , بل جعله رجعياً في المرة الأولى والثانية , وهو أضمن للعودة إلى الحياة الزوجية , بخلاف الطلاق بالحكم القضائي فإنه لا يبقى فرصة للتراجع .

هذه بعض الضوابط التي أحاط الشارع بها إيقاع الطلاق , وهي تكاليف وتبعات يتحملها الزوج في الدنيا وهي حدود الله تعالى التي يمنع على المؤمن أن يتعداها , قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (1) سورة الطلاق .
 وبهذه الضوابط تحفظ مقاصد الشريعة لا بغيرها .



المطلب السادس:-

اقتسام الممتلكات عند الطلاق :-

جاء هذا المطلب في نداء الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة بلفظ " من حق المرأة المطالبة بنصف الممتلكات التي تراكمت أثناء الزواج , بصفتها شريكة متساوية مع الزوج في العمل والكسب إذا كان لا مفر من الطلاق , وقد حكمت عدة محاكم لصالح المرأة بهذا الحق الذي يجب أن يكون مسطراً في مدونة الأحوال الشخصية " .

وقبل إبداء الرأي في هذا المطلب  يحن أن نوضح أن الشارع لم يغفل حقوق المطلقة , بل فرض لها مجموعة حقوق مادية , منها المتعة , بقولة تعالى :  {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (241) سورة البقرة , وقوله تعالى : {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } (236) سورة البقرة ، وضمن لها حقها في النفقة خلال فترة عدتها قال تعالى : {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} (6) سورة الطلاق.
وقوله : { وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } (6) سورة الطلاق.
ويتحمل القاضي مسؤولية تحديد مقدار المتعة بالنظر إلى أسباب الطلاق ودوافعه , وحال الزوج المادية, ويبدو أن لفظ المتعة في حال الطلاق هو أكرم للمرأة من لفظ التعويض الذي يرتبط بحال الطرد من العمل، وهي حق للمطلقة بعد الدخول تأخذه في جميع أحوالها بخلاف التعويض.

وأما مطلبها اقتسام الممتلكات التي تم الحصول عليها خلال فترة الزواج فإنه من العدل أن تأخذ الزوجة ممتلكاتها التي تم اقتنتها وكذلك الزوج ؛ فالأمر يحتاج فقط إلى إثبات ملكيتها ؛ فإذا ساهمت المرأة في إنماء ثروة الزوج كان لها أن تأخذ حقها في ذلك بما ساهمت به , أما إذا كان المال كله بكسب الزوج , وإنما تقتسم معه بمجرد كونها زوجته , ولاشك أن الشارع راعى السمة التي ينبغي أن تطبع العلاقة الزوجية , فشرعها عند الطلاق جبراً لخاطر المرأة لما يحصل من إيلام الفرقة .


المطلب السابع:-  المساواة في الإرث :-

يعد إيراد هذا المطلب ضمن مطالب الحركة النسوية منزلقاً خطيراً وقعت فيه الجمعية المذكورة والحزب الذي تنتمي إليه , يكشف عن حقيقة مرادها بشعار المساواة بين الجنسين , فالمراد به المساواة المطلقة في الحقوق كما هي مسطرة في المواثيق الدولية لا كما هي مبينة في النصوص الشرعية القطعية , وهو مطلب لم يكن لتفصح عنه لولا ارتفاع درجة شعورها بـ " الـ أنا " الذي حل بعضوات الجمعية في ملأ من هيئة الصحافة شاهد على فجور الجمعية المذكورة ,ثم سرعان ما أفاقت حين انفض الجمع , وهدأ الروع , وعاد العقل لتسرع إلى النفي والتكذيب أن تكون قد دعت إلى المساواة في الإرث بين الجنسين ؛ بعد ما قامت هيئة من العلماء وبعض الجمعيات الثقافية تستنكره , ولكن الشمس لا يغطيها الغربال , فقد نشر البلاغ تحت نشوة النصر الموهوم وفيه مطلب المساواة في الإرث .

ولفائدة الحركة النسوية فإن الحالات التي يشترك فيها الورثة الذكور والإناث في التركة متعددة وليست منها إلا حالة واحدة هي حالة الأخ مع أخته فإنها وحدها تتفاوت فيها أنصبتهما , وأما في حالة وجود الأبوين الوارثين ( الأب والأم ) فإنهما يرثان السدس بالتساوي ؛ لقوله تعالى : { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ } (11) سورة النساء. وكذلك يستوي نصيب الذكر والأنثى في حالة وجود الإخوة ذكوراً وإناثاً ؛ لقوله تعالى : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ } (12) سورة النساء. من غير تمايز بين الجنسين لقوله تعالى : {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (11) سورة النساء .

المطلب الثامن:- اعتبار العمل والتعليم حقاً ثابتاً للمرأة لا يحق للزوج سلبه منها:-

هذا هو المطلب الأخير الذي ورد في العريضة التي هيأتها جمعية " اتحاد العمل النسائي " من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية المغربية, وهو مطلب يعتبر الزوج يقف مانعاً بإطلاق دون تعلم أو عمل زوجته خارج البيت.

ويرتبط بحق المرأة في العمل طلب الحركة النسوية " تحديد نسبة مئوية ( كوتا) لتمثيل النساء في المؤسسات المختلفة لا تقل عن 20% " (9) , وهو المطلب الذي تكرر في مشروع الخطة . ولست أدري هل من الديمقراطية فرض نسبة من المقاعد بصورة إجبارية لمصلحة المرأة ؟
تلك – إذا – مجمل المطالب في مشروع الحركة النسوية المتعلقة بمدونة الأحوال الشخصية المغربية , وإن قراءة بسيطة لها تفيد أن ما يراد للأسرة في بلادنا ليس منفصلاً عن أصله في توصيات المؤتمرات الدولية حول المرأة , ومن ورائها المؤسسات المالية العالمية التي تطمح إلى عولمة البشرية بالقضاء على المناعة الخلقية والاجتماعية , وأيضاً يظهر منها تصوير العلاقة الزوجية على أنها تقوم على صراع ضحيته المرأة , مع أن الأمر ليس كذلك شرعاً ؛ فالرجل يكمل المرأة وهي تكمله , لقوله تعالى :  { بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } (195) سورة آل عمران. وأن الله تعالى – ما خلق المرأة من زوجها إلا ليسكن إليها, لا ليستعبدها, وأن الزوجين ما يجتمعان في عصمة زوجية إلا والمخالطة والتضامن, ومن معاني الاستمتاع والانتفاع, حتى إذا افتراقا لأسباب افترقا بإحسان من غير صراع.

ولكن التوجه الحداثي التغريبي – متستراً تحت شعار حقوق الإنسان – يسعى إلى أن يكون العلاقة الزوجية علاقة شراكة مادية ليس إلا .
والملاحظ أنه بقدر ما انصب اهتمام الحركة النسوية على تغيير القانون المنظم للأسرة ؛ بقدر ما تم إهمالها المشاكل الضخمة التي تعاني منها المرأة المغربية ؛ ومنها : معاناتها من أنواع الاستغلال الشهواني والتجاري لجسدها ,ولا يتحدث عن معاناتها من انتشار ظاهرة البغاء التي هي أكبر أنواع العنف الممارس ضدها , لقد نادت الحركة النسوية بوضع حد للعنف الممارس على المرأة المغربية , وبعض عناصرها من المناضلات يمارسنه على الخادمات في بيوتهن ؛ يستعبدنهن ويمارسن عليهن شتى أنواع العذاب النفسي والبدني .

المبحث الثالث:-

مصير مطالب الحركة النسوية

أولاً: تعديل مدونة الأحوال الشخصية المغربية:-

لقد مثل تعديل مدونة الأحوال الشخصية محطة بارزة في تاريخ التشريع المغربي , حيث توقف عندها النقاش الذي حمي في بداية التسعينات من القرن الماضي حولها إثر الحملة التي قادتها جمعية " اتحاد العمل النسائي " بمحاولتها إشراك الشعب المغربي مشروعيتها , عن طريق توزيع عريضة تتضمن مطالبها عليه ليوقع عليها . وأمام ظهور بوادر انقسام الشارع المغربي إلى مناهض لبعض مضامين العريضة وخاصة تلك التي تعارض النصوص الصريحة في القرآن, وإلى مؤيد لها؛ تم التدخل الرسمي لحسم الخلاف سنة 1992 وتم تشكيل لجنة تعديل مدونة الأحوال الشخصية تحت إشراف المستشار الملكي .

وقد كان الشيء الإيجابي بالنسبة للحركة النسوية والخطير للهوية الإسلامية في ذلك التعديل هو أن صارت مدونة الأحوال الشخصية كغيرها من القوانين الجاري العمل بها في البلاد نهباً للمراجعة .

1- تعديل المدونة في سنة 1993م :

لقد كان مطلب الحركة النسوية فيما يخص مسألة ولاية التزويج هو حذف العمل بها كلياً ، وهو مطلب وصفه رئيس لجنة تعديل المدونة الأستاذ " عبد الهادي بو طالب " بأنه " أطروحة تتسم بنوع من المغالاة إن لم تكن نابغة من سوء فهم للمرمى الحقيقي للإصلاح " (10)، والذي جد في المسألة هو أنه تم جعل ولاية التزويج مسألة يحدد عند الإذن بالطلاق مبلغاً يودعه الزوج بصندوق المحكمة قبل الإشهاد ؛ ضماناً لتنفيذ الالتزامات في المقطع التالي :
يصدر القاضي بعد الخطاب على رسم الطلاق أمراً يحدد فيه نفقة المرأة أثناء العدة ، ومحل سكنها ، والمتعة المُراع  في تقديرها .

من هذا الجانب يمكن القول إن ما جاء به التعديل في هذه المسألة يحمل بعض الإيجابيات كونه أمراً إجرائياً , بحيث أزال عن المرأة مشقة الوقوف أمام أبواب المحاكم . من أجل حقها , ودفع عنها تلاعب الزوج .

هذه بعض التعديلات التي أطرت على مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993 م , لم تستجب كلياً لراغبات الحركة النسوية الرافضة لكل قيد لذلك وصفتها بأنها " لم تكن في مستوى طموحات المرأة المغربية والمجتمع المغربي برمته ..(2)  .

2- تعديل المدونة في سنة 2003م :-

لم تكد تمر بضع سنوات على صدور تعديلات 1993م حتى فوجئ المغاربة – إلا قليل منهم – بخروج مشروع خطة عمل من داخل الحكومة , يلبس لباس الوطنية ، ويرفع شعار إدماج المرأة في التنمية .

وأمام تصاعد موجة الرفض الشعبي لذلك المشروع , وتجنب البلاد من معركة بين تيار " الحداثة " الغربية وتيار المدافعين عن المرجعية الإسلامية للمدونة ؛ فقد صدر قرار ملكي يوم 27 أبريل 2001 بتكليف لجنة استشارية خاصة بإعادة النظر في مدونة الأحوال الشخصية ، وتتشكل عضويتها من الرجال والنساء (1) ، وكان يشرف عليها الأستاذ " إدريس الضحاك "

ولتقويم هذا المشروع بصورة إجمالية , يكفي الإشارة إلى مستوى الترحيب الذي حظي به من قبل منظمات الحركة النسوية عند الإعلان عنه ، حيث وصفته رئيسة جمعية " اتحاد العمل النسائي " بأنه يشكل " منعطفاً فاصلاً في التاريخ السياسي للمغرب المعاصر " (1) .

ومع ذلك فإن النهم العلماني التغريبي لا يشبع أبداً، فقد تشكلت مجموعة جمعيات (2) في تكتل سمي " مجموعة ربيع المساواة النسائية " للضغط من أجل الاستجابة لمقترحاتها.






الفصل الثاني :-

مشروع الحركة النسوية
ضوابط ومنافذ إنجازه ومرجعيته

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المبحث الأول:-

الضوابط الوهمية والخلفيات الخلقية في مشروع الحركة النسوية


توطئة:-

يظهر من خطاب الحركة النسوية في المغرب أنها تتوسل لتحقيق مشروعيتها ببعض الضوابط الحقيقية من حيث أصلها الوهمية في واقعا , وهي كما يلي :-

1- تبني شعار حقوق الإنسان :

لقد أقامت الحركة النسوية – انطلاقاً من تبنيها شعار حقوق الإنسان مشروعها على مبدأين اثنين:

أحداهما :
 مبدأ المساواة بين الجنسين ، بعدم اعتبار الجنس معياراً للاختلاف بينهما والثاني : مبدأ حرية المرأة .
ولا يخفى أن الدعاية الإعلامية لشعار حقوق الإنسان بما يستبطنه من الاعتراف بحرية المرء من غير تمييز بين الأجناس ؛ أريد للمرأة من خلالها إيهامها بأن مشكلتها مع وليها ، وفي لباسها بنزع حجابها على أنه ظاهرة " ترتبط بجذور عميقة في مخيلتنا وذاكرتنا التاريخية " (12)
هذا بعض ما يراد من رفع شعار حقوق الإنسان ، وهذه بعض حقوق الإنسان التي يراد تحقيقها .

2- ادعاء احترام الهوية الإسلامية:

يوحى إعلان الحركة النسوية ذات التوجه اليساري العلماني بالمغرب لغير ذوي المعرفة أنها تحترم الهوية الإسلامية في مشروعها ؛ فقد جاء في مشروع الخطة الادعاء بأنه " قد احترمت – فيه- .. المرجعية الثقافية والاجتماعية والهوية الإسلامية للبلاد " (13) .
إن ذلك الإعلان الزائف يكذبه إعلان الحركة النسوية المتعدي على الإسلام ، و" أن صورة الطلاق التي ثبتت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية ليست إلا تجربة تاريخية (14) ".
وأن قوله تعالى:  { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ} (228) سورة البقرة ، "هو الأصل الذي يؤسس كل أحكام السيادة – للرجل – في (مسألة ) الإنفاق " (15) .

3- الدعوة إلى الاجتهاد والأخذ بمقاصد الشريعة .

4-    ادعاء اعتماد المنهجية العلمية في العرض والتحليل :

          أ‌-          التدليس والكذب من أجل الإيهام .

       ب‌-       إصدار أحكام جاهزة مسبقاً.

5-    الخروج عن الضوابط الأخلاقية .
من أجل أن يظهر مشروع الخطة في شكل إطار متكامل يغطي بمقترحاته جميع حاجيات واهتمامات المرأة ، وقد تكون بعض هذه المطالب طبيعية ، ومن المهم التوعية بها على اعتبار أن كثيراً من المخاطر التي تودي بحياتها أحياناً يكون سببها الجهل بهذا الموضوع .


المبحث الثاني:-

وسائل تسويق مشروع الحركة النسوية :-

أولاً : بعض المؤسسات الحكومية :

جاءت الإشارة إلى بعض تلك المؤسسات في مشروع الخطة عند الحديث عن الشروط الواجب توفرها لتغيير علاقات اللا مساواة بين الجنسين .
ويمكن القول عن دور هذه المؤسسات فيما يلي :

1- المؤسسة التعليمية:

يأتي دور المؤسسة في الدرجة الثانية من حيث الأهمية في مشروع الحركة ، ويركز خطاب الحركة النسوية على إعادة النظر في المنظومة التربوية ككل وفق تصور حداثي علماني يقطع الصلة مع المنظومة التربوية المرتكزة في برامجها على تصورات دينية لا تنسجم .

2- وزارة الصحة :

أراد معدو الخطة من وزارة الصحة أن تنخرط في مشروع " إدماج المرأة في التنمية " من خلال أبواب نذكر منها بواب واحد وهو النسل. لقد تحدثوا عن دور الوزارة في العمل على " تحديده " بدل الحديث عن تنظيمه ، مما يفيد أن مشروع الخطة ذاك يروج لمقررات ( مؤتمر السكان ) بالقاهرة ، هادفاً في ذلك إلى الحد من النمو السكاني في بلادنا ، وذلك باستعمال تمويهات يخدع بها المواطنون – نساء ورجالاً – من أجل إكراههم على الاقتناع بأن  " الرخاء الاجتماعي للأفراد وارتياحهم فوق كل الاعتبارات والشروط السكانية " .

3- وزارة الإعلام والاتصال:-

تحضر هذه الوزارة باعتبار تشرف على القناتين التلفزيونيتين الأولى والثانية  ، وكذا على الإذاعة الوطنية و الجهوية ، ولا يخفى المشروع المذكور حديثه عن خطورة وسائل الإعلام في ترسيخ نموذج معين للمرأة بما تؤثر به الصورة المرئية في نفوس المشاهدين .

ثانيا ً: الصحف والمجلات النسائية.

ثالثاً : الجمعيات الأهلية .

رابعاً: الأنشطة السينمائية والمسرحية.

خامساً: الكتاب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المبحث الثالث.

علاقة مشروع الحركة النسوية بالمرجعية الغربية .

أولاً: جانب المرجعية :

نلحظ فيما تقدمه الحركة النسوية من مقترحات لحل مشاكل معينه تعاني منها المرأة المغربية ، أنها تحيل في مقترحات علاجها على ما ورد في الاتفاقيات الدولية , حتى من غير أشارة منها إلى أن المغرب سجل تحفظه على بعض البنود فيها لتنافيها مع مقومات الشخصية المغربية . هذا ما يفيد أن الحركة النسوية في المغرب لا تعترف بما يسمى خصوصية الشعوب والأمم في مشروعها ، لاعتبارها توصيات المؤتمرات النسوية .
وينبغي التنبيه هنا على أن ارتباط مشروع الحركة النسوية المغربية بالمرجعية الأجنبية لا يقف عند حد الاستقاء منها ، بل يتعدى ذلك إلى خضوعه لمراقبة ومتابعة خارجية ، ولم يخف أصحاب الخطة ذلك ، فصرحوا بأنه " يمكن أن تشكل إطاراً منهجياً ومرجعياً لكل المتدخلين الوطنيين والدوليين " .(16)

إذا ثبت هذا فلا نستغرب إذاً من أن يكون موقف الحركة النسوية من مدونة الأحوال الشخصية المغربية سلبياً لمخالفتها في المرجعية ، فعبرت عن رفضها حتى تتوحد معها فيها كغيرها من القوانين الوضعية الأخرى .

ثانياً : جانب التمويل :

يأتي موضوع الدعم المالي لمشروع الخطة من طرف جهات خارجية ليضع مجموعة أسئلة حول صفة الوطنية التي أضفاها على نفسه؛ فقد جاء في ديباجته أن إعداده تم بدعم من البنك الدولي. وجاء فيه أيضاً أن ورشة العمل المنظمة في فبراير 1998 من طرف كتابة الدولية في التعاون الوطني تمت بدعم من هذه المؤسسة المالية ". (17)

وليس المقام يصلح لمناقشة مصداقية هذا التعليل، ولكن من حق أي مواطن مهتم بالموضوع أن يضع السؤال عن سر سخاء الجهات الممولة لمشاريع تنمية المرأة خاصة , وهي التي فرضت على الدول الفقيرة مديونية تظل على مدى بقائها مرتهنة بها بعدما حرمتها من أي مساعدة لتنميتها الشاملة .
لاشك أن التمويل الأجنبي لمشاريع التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بالبلدان المتخلفة يكون مشروطاً بتنفيذ إملاءات وتوجيهات تحقق التبعية للجهات الممولة ، فالسياسة التي تنهجها الحكومات الغربية اليوم تقضي بتمويل المشاريع التنموية التي تتوافق ورؤيتها ، والمشاريع التي تهتم بالمرأة خاصة ، فيحظى عندها مثلاً مشروع محو الأمية بالنسبة للمرأة بالدعم في إطار رؤية شاملة حولها .

وفي هذا الإطار يجيء ضمن البرامج التي تحظى بالدعم المالي تلك التي تنفذ بالتنسيق مع صندوق الأمم المتحدة للسكان التي تشهده بلدان العالم الثالث، ونذكر من بين البرامج التي مولتها هذه الهيئة ببلادنا :

1-    برنامج " الدفاع عن المساواة بين الجنسين".
2-    برنامج " دعم حضور إشكالية المرأة والإعلام ".
3-    برنامج " المرأة والتنمية ".
4-    برنامج " دعم مقدورات الاتحاد الوطني للنساء بالمغرب " .

تلك إذاً نماذج من البرامج التي تنفذ مع صندوق الأمم المتحدة للسكان؛ تمويلها أجنبي وتنفيذها بيد مغربية تحت شعار المرأة المغربية في التنمية، وهناك برامج أخرى محددة الزمان والأغلفة المالية ، ونذكر منها الجمعيات التالية :
-         الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب :
 لتنفيذ مشروع مركز الإعلام القانوني للنساء .

-         الجمعية المغربية لحقوق الإنسان :
لإنجاز مشروع " تكوين من أجل تقوية المنظور الحضاري والسلطة السياسية للنساء ".

-         الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب :
لتنفيذ مشروع " تكوين من أجل تقوية المنظور الحضاري والسلطة السياسية للنساء".

-         جمعية آفاق:
لتنفيذ مشروع " برنامج إعلامي للتربية حول التنمية والمواطنة " .
-         جمعية " جسور " :
 لإنشاء " مركز محو الأمية القانونية ".

ثالثاً : جانب التصور لقضية المرأة :
تسيطر على مشروع الحركة النسوية نزعة مفرطة تصل إلى درجة الإيهام بأن وضع الرجل هو أحسن من وضعها في كل جوانب الحياة ، وبأنها في صراع مع الرجل هي ضحيته وتحتاج إلى دعم من أجل خروجها منتصرة عليه ، وهكذا أشار مشروع الخطة إلى أن " المجهودات الوطنية المبذولة – في مجال التربية والتعليم والصحة والشغل – كانت لصالح الرجال أكثر من النساء " .

ويبدو أن الطموح إلى المال جعل مشروع الحركة النسوية يصور وضعاً اجتماعياً سيئاً للمواطن المغربي ( الرجل والمرأة) ، وبنى عليه حاجة المرأة وحدها لإدماجها في التنمية وأقصى من ذلك الرجل ، وهكذا صرنا نسمع عن المرأة( القضية ) ، وبدأنا نتداول هذا المصطلح إلى جانب مصطلحات أخرى ألصقت بها ، تحمل في طياتها الشعور أو اللا شعور الثقافي ، لتشكل موضوعاً للنقاش نحو " مشكلة المرأة " و " معضلة المرأة " مع أن الأمر لا يعدو أن يكون إفراراً مرضياً نقل إلينا عبر قناة الغزو الفكري والحضاري لبلادنا ، دون أن ننسى التوجه الشيوعي الذي بنى منظومته الفكرية على صراع الأضداد وضمنتها الصراع بين المرأة والرجل على الرغم من نفي الحركة النسوية وجود ذلك الصراع .

أما مبدأ المساواة بين الجنسين في مشروعها فإنه لا يختلف في مدلوله عن المدلول الذي يصدر إلينا عبر قناة المؤتمرات الدولية حول المرأة وكذا الاتفاقيات الدولية.

ولقد تجاوز مشروع الخطة الدعوة إلى المساواة بين الجنسين ورفع كل أشكال التميز بينهما كما نصت على ذلك الاتفاقيات الدولية ؛ إلى الترويج لفكرة أخرى تتحد معها في المرجعية وفي الهدف ؛ وهي فكرة المقاربة حسب ( النوع / الجندر ) المنصوص عليها في وثيقة " مؤتمر بكين".
ولم يرد في مشروع الخطة بيان لمعنى " المقاربة حسب ( النوع / الجندر ) على الرغم من تكرارها فيه أكثر من ثلاثين مرة ، وكانت افتتاحية الحديث عنها بمهاجمة السياسة المتجاهلة لها . واختتامه ببيان الإجراءات التمهيدية لتجاوز تلك السياسات وطرائق تنفيذها، ومن تلك الإجراءات إدماج المقاربة (النوعية / الجندرية ) كأداة للتخطيط السياسي والتقني ، وتنفيذه يتم عبر ما يلي :
-         إدماج هذه المقاربة وتكوين أطر كل القطاعات الوزارية مع إشعارهم بأهميتها وضرورتها .
-         إدماج المقاربة ( النوعية / الجندرية ) في كل النصوص والوثائق المرجعية .
-         تقييم كل البرامج الوطنية على ضوء هذه المقاربة.

رابعاً: جانب صياغة مشروع الخطة:

إذا ثبت أن خطاب مشروع الخطة كان خطاباً مخالفاً في بعض جوانبه لأحكام الشريعة الإسلامية، ولا يكترث لضوابط مقومات الشخصية المغربية ؛ فإنه على عكس صفة الوطنية التي ألصقت به كتب أولاً باللغة الفرنسية ولم يوضع باللغة العربية التي هي اللغة الرسمية للدولة ، فأثبت بذلك غربته جسداً عن التربة المغربية وابتعاده عنها ، وأن واضعيه عندما أرادوا رفع الحرج عنهم قاموا بترجمته إلى العربية ترجمة ضعيفة غير متناسقة التراكيب ؛ لتكشف غربتها عن السياق العام للمعرفة في البلد .
وإذا كانت الكتابات في موضوع المرأة أكثرها يوضع باللغة الفرنسية ، وأن الكاتب / الكاتبة بتلك اللغة يحمل ثقافة بلده / بلدها ؛ فلحكمة تكشف عنها إحدى الناشطات النسوية ، وهي أن " الخطابات باللغة الفرنسية – تتسم – إلى حد ما ببعض الجرأة ، وليست هذه الجرأة امتيازاً ؛ لأن هذا الأمر له ما يبرره موضوعياً ، ذلك أن الخطاب حول الجنس وحول القضايا الخاصة غالباً ما يعاني من الحجز والمصادرة إذا هو أنجز بالعربية نتيجة الرقابة والتضييق المسلطين على حرية الرأي والتعبير إجمالاً " (18)، وهذا ما يبين أن مشروع الحركة النسوية لا ينفصل عن مشروع مثيلاتها في الخارج من حيث الجرأة على القيم والضوابط الاجتماعية و الأخلاقية السائدة في المجتمع مهما كان مصدرها .

تلك إذاً هي الجوانب التي تكشف ارتباط مشروع الحركة النسوية في المغرب بمنابعها الأصلية في الغرب ، وردت موثقة تجنباً لأي شطط في الحكم .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


خاتمة الكتاب


وبعد ؛ فقد تبين لنا من خلال هذا العمل ما يقوم عليه مشروع الحركة النسوية بالمغرب ، وعرفنا نوعية المطالب التي سعت إلى تحقيقها ، ووقفنا عند الخلفيات الخلقية التي كانت وراءها عن طريق استقراء الوسائل التي يتم استثمارها لتصريفه ، وبحث المرجعية التي تستند إليها فيه .
وتعد المرأة المحور الأساس في مشروع الحركة النسوية ، حيث أريد لها أن يتغير وضعها ( مثلما هو واقع في الغرب ) ، فتم النداء بتحريرها مطلقاً .
ولقد كانت فرصة للوقوف على عدة ثغرات في مشروع الحركة النسوية ، باعتمادها المطلق على توصيات مؤتمرات المرأة العالمية ، وخضوعها لتوجيهات المؤسسات العالمية ، مما أدى بها إلى نبذ المرجعية الشرعية ، والتطاول على مجموعة أحكام قائمة على نصوص قطعية في الكتاب .



(1) مقال " أين نحن من حقوق الإنسان " جريدة "8مارس " عدد 13ديسمبر 1984

(2) هذا ما قالته الدكتورة سلوى الخماش في كتابها " المرأة العربية والمجتمع التقليدي المتخلف "د

(3) مقال " الطلاق عنف اجتماعي لعدنان الجزولي.

(4) كلمة طه الشعيبية حول تعديلات 1993 لمدونة الأحوال الشخصية .

(5) الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده : ج2/95.

(6) ينظر: كتابه " امرأتنا في الشريعة والمجتمع " 23.

(7) للأستاذ علال الفاسي رأى بناه على فرضية محل بسلبية التجارب التاريخية في هذا المجال

(8) ينظر مشروع الخطة : 129.

(9) جريدة عدد 57 , مارس 1992 ص 5

(10) مقال " الولاية في الزواج وشروط العقد " للأستاذ عبد الهادي بو طالب .

(11) يمكن اعتبار حضور النساء في لجنة تعديل مدونة الأحوال الشخصية تحقيقاً لما كانت تطالب به الحركة النسوية من ضرورة إشراك النساء فيها .

(12) نساء ورجال التغيير الصعب: 9.

(13) مشروع الخطة:23.

(14) المرجع نفسه .

(15) الأسرة المغربية ، ثوابت ومتغيرات : 55 .

(16) مشروع الخطة: 11 فقرة 33.

(17) ديباجة مشروع الخطة .

(18) خديجة المنبهي لمقال ترجمة لعبد الصمد الديالمي حول النسائية في المغرب .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم