الأحد، 1 ديسمبر 2013

الرقابة القضائية على النائب الشرعي في مدونة الأسرة المغربية






محمد بوالهدير
طالب باحث بمستر أحكام الأسرة في الفقه والقانون
كلية الشريعة أيت ملول
تعتبر الأعمال ذات الطبيعة القضائية هي الأصل والأساس للقضاة، إلا أنه يمارس كذلك الأعمال ذات الطبيعة الولائية ويباشر القاضي هذه الأعمال لما له من حق الولاية، ويكون مصدر سلطته في هده الأعمال ولايته العامة.

والمقصود بهده الأعمال الولائية تلك التي لا تتعلق بنزاع معين وهذه الأعمال تضاف للقضاة لتعلقها بالمحافظة على الحقوق العامة والخاصة للمسلمين.
وقد أشار إلى هذه الأعمال الفقيه ابن خلدون فقال" استقر منصب القضاء أخر الأمر على أن يجمع مع الفصل بين الخصوم استيفاء بعض الحقوق العامة للمسلمين بالنظر في أحوال المحجور عليهم من المجانين واليتامى والمفلسين وأهل السفه وفي وصايا المسلمين...".[1]

   يتبين إذن أن القاضي بطبيعته الولائية ولي من لا ولي له، وهذا نلمسه في التشريع المغربي حيث نصت المادة 230 من مدونة الأسرة
" يقصد بالنائب الشرعي في هذا الكتاب: الولي هو الأب والأم و القاضي."[2]  

وهو بهذا جعل القاضي وليا شرعيا كالأبوين.

لكن بالنظر في جميع الذين خول لهم المشرع صلاحيات النائب الشرعي نجد القاضي ليس كغيره من الأولياء لأنه يكون ولي من لا ولي له من المسلمين، وهذا يقتضي ألا يباشر التصرفات الرامية إلى المحافظة على المحجور في ماله وشخصه، وإنما تكون له رقابة على الأولياء الآخرين.

   ومن البديهي أن ليس كل قاضي وليا شرعيا، وإنما يتولى ذلك قاضي من المحكمة الابتدائية يعين لمدة ثلاث سنوات بقرار من وزير العدل، ويسمى بالقاضي المكلف بشؤون القاصرين.[3]

ومن خلال ولايته يمارس رقابته على المكلفون بالنيابة الشرعية الآخرين، ويتخذ إجراءات وتدابير المنصوص عليها في القانون، والرامية إلى الحفاظ على المحجور ومصالحه.

لذلك سنحاول معالجة هذا الموضوع من خلال ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين القبلية عن النائب الشرعي.                                        
المبحث الثاني: رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين البعدية عن النائب الشرعي.
المبحث الثالث: رقابة المحكمة لسير النيابة الشرعية.

المبحث الأول: رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين القبلية عن النائب الشرعي.   
                                       
 لا شك أن المشرع جعل القاضي المكلف بشؤون القاصرين وليا شرعيا، وتتجلى هده الولاية أساسا في رقابة على النائب الشرعي، ويكون ذلك إما ابتداء كما في حالة الوصي والمقدم، ولا تكون على الأبوين إلا بعد فتح ملف النيابة الشرعية.
فما هي مظاهر رقابة القاضي على الأبوين؟  وما هي مظاهر الرقابة القضائية على الوصي والمقدم؟

المطلب الأول: عدم رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين القبلية على الأبوين في التشريع المغربي

 ذهب الفقه المالكي إلى أن للأب الرشيد أن يبيع مال ولده سواء كان ذلك المال عقارا  أو منقولا، وسواء بين سبب بيعه أو لم يبين، لحمل ذلك على السداد والنظر.
و أكثر من ذلك أن فقهاء المذهب نصوا على أنه يجوز للأب أن يهب مال ولده المحجور هبة الثواب لأنها في أخر المطاف بيع.
كما نصوا على أنه يجوز للأب أن يتنازل عن بعض حقوق الولد المحجور، كحق الشفعة حيث قرر فقهاء المذهب على أن للأب أن يأخذ بالشفعة لفائدة ولده المحجور وله أن يتركها إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك، دون الاحتياج في ذلك إلى الرفع القبلي أو البعدي للقضاء، غير أنهم ذهبوا إلى أن الأب إذا تصرف بما يلحق الضرر بمال الولد كالصدقة والهبة أو من في معناها من التبرعات المحضة فإن ذلك لا يجوز.
وعند التمعن في نصوص مدونة الأسرة نجد أنها لم تنص على منع الأب أو الأم عند عدمه من التصرف في مال محجوره بالبيع ولا بغيره كالكراء أو الرهن، أو التنازل عن بعض الحقوق، وهذا يعني أنه لا تقرر  أية رقابة قبلية على تصرف الولي في مال محجوره. إلا أن المشرع لم يجعل الأمر كذلك بل نص على أنه في حالة تجاوز قيمة أموال المحجور مأتي ألف درهم وجب على القاضي إصدار أمر بفتح ملف النيابة الشرعية.[4]
كما يمكن للقاضي كذلك إصدار الأمر بفتح ملف النيابة الشرعية ولو لم تعد قيمة أموال المحجور مأتي ألف درهم إذا تبثث مصلحته في ذلك وهذا القرار قابل للطعن.[5]
يتبين إذن أن المشرع لم يفرض رقابة قبلية على الأبوين وأن ملف النيابة الشرعية هو الذي اشترط المشرع لفتحه تجاوز أموال المحجور مأتي ألف درهم بدليل أن المشرع منح الصلاحية للقاضي المكلف بشؤون القاصرين للنزول عن هذا المبلغ كلما اقتضت مصلحة المحجور ذلك.
   وجاء قضاء المجلس الأعلى"رهن الأب لعقار ابنه القاصر مشروط بضرورة الحصول على إذن القاضي المختص...لا"[6].

المطلب الثاني:  رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين القبلية على الوصي والمقدم.

تكون الرقابة القبلية دائما على الوصي والمقدم على عكس الأبوين، فهي تبتدئ من حين ابتداء ولايتهما إلى حين انتهائها.
    والرقابة القبلية على الوصي أو المقدم تكون أولا بالأمر بإقامة رسم الإراثة للهالك، و الأمر بتثبيت الوصي وإحصاء أموال المحجور(الفقرة الأولى). والإذن للوصي والمقدم بإنشاء بعض التصرفات(الفقرة الثانية).
 
الفقرة الأولى: الأمر بتثبيت الوصي وإحصاء أموال المحجور:
  • الأمر بإقامة رسم الإراثة للهالك وتثبيت الوصي:
ألزم المشرع المغربي على السلطات الإدارية المحلية والأقارب الذين كان يعيش معهم الهالك وكذلك النيابة العامة إبلاغ القاضي المكلف بشؤون القاصرين بواقعة الوفاة،[7]وكذلك وجود ورثة قاصرين للهالك وليس لهم وصي، وكذا في حالة وفاة الوصي أو المقدم أثناء ممارسته لمهامه النيابية لفائدة المحجور.[8]
     ويتعين أن يكون هذا الإبلاغ خلال المدة التي حددها المشرع في ثمانية أيام من تاريخ العلم بالوفاة بالنسبة لأية جهة من الجهات المذكورة.[9]
  أما في حالة فقدان القريب أو الوصي أو المقدم للأهلية التي كان يتمتع بها للنيابة عن المحجور، ففي هده الفترة ترفع الفترة المنصوص عليها في الفقرة السابقة من مدة ثمانية أيام إلى شهر كامل، وذلك لكي تتمكن الجهات المأمورة بإبلاغ الواقعة إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين.
ويأمر القاضي المكلف بشؤون القاصرين بإقامة رسم عدة الورثة[10] وبكل إجراء يراه مناسبا للمحافظة على حقوق ومصالح القاصرين.
 هذا هو أول إجراء سيسمح بتحديد عدة الورثة وصفتهم من جهة، وكذا هوية الورثة القاصرين من جهة ثانية،[11]وذلك بواسطة عدلين منتصبين للشهادة بصفة قانونية وفق خطة العدالة.
    وكما تم الإشارة إليه فإنه بمقتضى القانون يجوز للأبوين تعيين وصي على أولادهما القاصرين. وبعد الوفاة تعرض الوصية على القاضي المكلف بشؤون القاصرين للتحقق منها، والتأكد من توفر الوصي على الشروط المطلوبة.
 وقد جرى العمل على قبول الوصايا التي تثبت في أوراق رسمية وكذا التي تحرر في أوراق عرفية مصادق على توقيع الأب الموصي فيها. وكذلك الأوراق المكتوبة بخط يد الأب وموقعة بإمضائه، معترف بها من طرف السلطة المختصة.[12]
ونفس الأمر ينطبق على وفاة الأم، لأن في حالة وجود وصي الأب مع الأم فإن مهمته تقتصر على تتبع تسيير الأم لشؤون الموصى عليه.[13]
  • الأمر بإحصاء أموال المحجور:
يعد الأمر بإحصاء أموال المحجور هي الخطوة الواجبة الإتباع بعد ورود التبليغ عن الوفاة، وتبدوا أهمية إحصاء الأموال واتخاذ الإجراءات المناسبة للحفاظ على حقوق القاصرين في أن بعض الورثة أو غيرهم قد يحاول عقب الوفاة إخفاء بعض أموال التركة.[14]
  لذلك نجد الفصل 221 من المسطرة المدنية ينص على " تنظم مسطرة وضع الأختام بالمقتضيات الآنية إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك".
الفقرة الثانية: الإذن للوصي والمقدم بإنشاء بعض التصرفات:
من مظاهر رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين القبلية كذلك على الوصي والمقدم ما يقضي به القانون من ضرورة الحصول على إذن من القاضي المكلف بشؤون القاصرين من أجل إنشاء بعض التصرفات  لمصلحة القاصر، ومن هذه التصرفات كما نصت عليه المادة 271 من مدونة الأسرة هي:
  • بيع عقار أو منقول للمحجور إذا تجاوزت قيمته عشرة ألاف درهم، أو ترتيب حق عيني عليه. وعلى هذا فلا يسوغ للوصي أو المقدم بيع ممتلكات محجوره إذا تجاوزت قيمتها عشرة ألاف درهم إلا بعد إعطاء القاضي للإذن.
وبالرجوع إلى مدونة الأحوال الشخصية الملغاة التي نصت على ما يلي: "يأذن القاضي في بيع العقار بعد أن يثبت لديه بحجة شرعية أن الضرورة تدعوا لذلك. 
  • أن هذا العقار هو الأولى بالبيع، وبيعه بالمزاد العلني.
  • عدم وجود زائد على الثمن الذي أعطي فيه.
  • كون الثمن نقدا وحالا"[15]
   وعند مقارنة الفصل 159 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة مع مدونة الأسرة نجد المشرع أعطى في هذا الفصل الصلاحية للقاضي في الإذن لبيع عقار القاصر بعد أن يثبت لديه بحجة شرعية توفر الشروط السالفة الذكر على عكس مدونة الأسرة التي علقت الإذن على معيار القيمة وهو بذلك أعطى الحرية وقصر من رقابة القاضي على الوصي والمقدم سيئ النية، لأن هذا الأخير يمكنه استغلال ذلك والإضرار بالمصالح المالية للقاصر.
     لذا كان من المكن جعل كل تصرفات الوصي أو المقدم في أموال القاصر مرهونة بموافقة القاضي المكلف بشؤون القاصرين، كما هو الشأن بالنسبة للقانون السوري والمصري.[16]
  • المساهمة بجزء من مال المحجور في شركة مدنية أو تجارية أو استثماره:
حيث نصت مدونة التجارة "لا يجوز للوصي أو المقدم أن يستثمر أموال القاصر في التجارة إلا بعد الحصول على إذن خاص من القاضي وفقا لمقتضيات قانون الأحوال الشخصية"[17].
  • تنازل عن حق أو دعوى أو إجراء الصلح أو قبول التحكيم بشأنها.
  • عقود الكراء التي يمكن أن يمتد مفعولها إلى ما بعد انتهاء الحجر.وبالرجوع إلى التشريع السوري والمصري، نجدهم  فرقا بين إيجار العقارات الزراعية وتكون لمدة ثلاث سنوات، أما المباني فإيجارها لا أكثر من سنة ، وكذلك في حالة إيجار عقار القاصر لمدة تمتد إلى سنة بعد بلوغه سن الرشد.[18]
  • قبول أو رفض التبرعات المثقلة بحقوق أو شروط.
  • أداء ديون لم يصدر بها حكم قابل للتنفيذ.
  • الإنفاق على من تجب نفقته على المحجور، ما لم تكن النفقة مقررة بحكم قابل للتنفيذ، وهذا التصرف نفسه ما جاءت به مدونة الأحوال الشخصية في الفصل 158 "الإنفاق على مال القاصر على من تجب نفقتهم إلا إذا كانت النفقة محكوما بها حكما مبرما"[19].
وألزم المشرع القاضي في حالة الترخيص للوصي أو المقدم بإحدى هده التصرفات بأن يكون ذلك معللا من قبله.[20]
      وخول المشرع للوصي والمقدم التصرف بالبيع في منقولات تتجاوز خمسة ألاف درهم إذا كانت معرضة للتلف[21]كما في العقار والمنقول الذي لا تتجاوز قيمته خمسة ألاف درهم.
 

المبحث الثاني: رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين البعدية عن النائب الشرعي.

  كما تناولنا الرقابة القضائية القبلية على النائب الشرعي المباشر سابقا فسنتناول في هذا المبحث الرقابة البعدية للقاضي المكلف بشؤون القاصرين.
وعلى غرار ما رأينا من أن الأبوين لا يخضعون لرقابة القاضي القبلية، فإنهم يخضعون لرقابة القاضي البعدية، أما الوصي والمقدم كما عليهم رقابة سابقة عليهم كذلك رقابة بعدية. فما هي مظاهر هذه الرقابة على النائب الشرعي المباشر؟
ولكي نجيب على هذا السؤال سنقسم هذا المبحث إلى
المطلب الأول:رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين البعدية عن الأبوين.
المطلب الثاني: رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين البعدية عن الوصي والمقدم.

المطلب الأول: رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين البعدية على الأبوين.

رغم أن الولي لا يخضع من حيث المبدأ إلى رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين القبلية، إلا أنه في حالة فتح ملف النيابة الشرعية يخضع للرقابة القضائية البعدية
من مظاهر الرقابة أساسا توابع فتح ملف النيابة الشرعية التي يتمثل أساسا في المصادقة على التقرير السنوي(الفقرة الأولى)، والمصادقة على التقرير المفصل عند انتهاء ولايته(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى :المصادقة على التقرير السنوي:

 من مظاهر الرقابة القضائية البعدية على الأبوين في حالة فتح ملف النيابة الشرعية إلزامه بتقديم التقارير السنوية، حيث نصت مدونة الأسرة على أنه  في جميع الأحوال التي يفتح فيها ملف النيابة الشرعية يقدم الولي تقريرا سنويا عن كيفية إدارته لأموال المحجور وتنميتها وعن العناية بتوجيهه وتكوينه.[22]
فتقديم التقرير السنوي عن الكيفية التي يدير بها الولي أموال المحجور يدخل في مفهوم الرقابة البعدية للأعمال والتصرفات التي يقوم بها الولي نيابة عن محجوره، لأنه من خلال هذا التقرير السنوي تتمكن المحكمة من معرفة مصير أموال المحجور ووضعيته المالية، وتقييم ما إذا كانت مصلحة المحجور قد تحققت أم لا، وعلى ضوء ذلك تتخذ كافة الإجراءات  الكفيلة بحفظ أموال القاصر ومصالحه المختلفة.
 
الفقرة الثانية: المصادقة على التقرير النهائي:

تشمل  رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين البعدية على الولي كذلك إجباره على تقديم التقرير المفصل الذي يجب عليه عند انتهاء مهمته في حالة وجود ملف النيابة الشرعية[23]، حيث نصت المادة 242 من مدونة الأسرة" يجب على الولي عند انتهاء مهمته في حالة وجود ملف النيابة الشرعية إشعار القاضي المكلف بشؤون القاصرين بوضعية ومصير أموال المحجور في تقرير مفصل للمصادقة عليه".
و الملاحظ أنه لم يورد ما يفيد تحقيق ذلك التقرير من طرف المحكمة ومراقبته قبل المصادقة عليه مما يخشى معه أن تضل رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين للتقارير السنوية و النهائية إذا لم يتم التحقق منها وتدقيقها والتأكد من وضعية أموال المحجور.
ويثار في هذا المجال بيان ما إذا كان تقديم هذا التقرير يكون تلقائيا أم بناء على طلب من القاضي المكلف بشؤون القاصرين، وعن جزاء الإخلال بهذا الالتزام والامتناع عن تقديم التقرير النهائي أو عجزه عن القيام بتقديمه وإن كان المشرع لم ينص على ذلك.[24]

المطلب الثاني: رقابة القاضي المكلف بشؤون القاصرين البعدية عن الوصي والمقدم

ترتبط الرقابة البعدية عن الوصي والمقدم بمرحلة ما بعد تنفيذ الوصي أو المقدم لمهامه النيابية، وتتجلى هده الرقابة في المصادقة على  الحساب(الفقرة الأولى ). وإتخاد إجراءات للمحافظة على أموال القاصر(الفقرة الثانية).
 
الفقرة الأولى:المصادقة على الحساب:

من مظاهر الرقابة القضائية البعدية على الوصي والمقدم هو ما نصت عليه المادة 255 من مدونة الأسرة" يجب على الوصي أو المقدم أن يقدم إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين حسابا سنويا مؤيدا بجميع المستندات على يد محاسبين يعينهما القاضي.
    لا يصادق على هذه الحسابات إلا بعد فحصها ومراقبتها والتأكد من سلامتها ".
إلا أن ثمة بعض المصروفات لا يتصور تقديم مستندات بقيمتها مثل ما يقوم الوصي أو المقدم بصرفه لتوفير المأكل والملبس للقاصر. وترى الأستاذة مليكه الغنام أن تقدير ذلك يعود للمحكمة التي يتعين عليها مراعاة سن القاصر ووسطه الاجتماعي ومستوى الأسعار ...[25] .
 بالإضافة إلى المصادقة على الحساب السنوي، من مظاهر الرقابة اللاحقة أيضا الإطلاع على الحساب الذي يتعين على الوصي أو المقدم أن يقدمه في حالة انتهاء مهمته بغير وفاة أو فقدانه للأهلية.[26] حيث يطلع عليه القاضي ويبدي فيه نظره ليحيله بعد ذلك إلى المحكمة في أقرب الآجال للبث فيه[27].
ويحدد القاضي المكلف بشؤون القاصرين المدة التي يجب على الوصي أو المقدم أن يقدم فيها الحساب. ونص المشرع على أن لا تتجاوز ثلاثين يوما إلا لعذر قاهر.

الفقرة الثانية:إتخاد الإجراءات والمطالبة بإيضاحات عند الاقتضاء:

نصت المادة 256 من مدونة الأسرة على أنه:" يتعين على الوصي أو المقدم الاستجابة لطلب القاضي المكلف بشؤون القاصرين في أي وقت للإدلاء بإيضاحات عن إدارة أموال المحجور أو تقديم حساب حولها ".
     للقاضي إذن بمقتضى هده المادة مطالبة الوصي أو المقدم في أي وقت بتقديم إيضاحات أو بيانات مفصلة عن إدارة أموال المحجور أو تقديم حساب حولها إذا تبين له أن مصلحة المحجور تقتضي ذلك في إطار المراقبة المستمرة.
   ويتعين على الوصي أو المقدم الاستجابة لهذا الطلب، إذا أمتنع عن ذلك يمكن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين إصدار أمر بالحجز التحفظي على أموال الوصي أو المقدم من رئيس المحكمة الابتدائية المختصة.[28] كما يمكن للقاضي – في إطار الرقابة دائما- صلاحية استصدار قرار استعجالي بوضع أموال كل منهما تحت الحراسة القضائية أو فرض غرامة تهديديه بعد توجيه إنذار.

المبحث الثالث: رقابة المحكمة لسير النيابة الشرعية.

 يتدخل القاضي المكلف بشؤون القاصرين من أجل حماية أموال القاصر وذلك بصفته الولائية. إلا أننا نجد المحكمة تتدخل كذلك في بعض الأحيان التي نص المشرع على ذلك ليس بصفتها الولائية، ولكن بصفتها القضائية.
نصت المادة 265 من مدونة الأسرة تتولى المحكمة رقابة النيابة القانونية طبقا للمقتضيات المنصوص عليها في هذا الكتاب.
 ويمكن أن نجمل  ذلك في  تدخل المحكمة لحفظ أموال القاصر(المطلب الأول).وتدخلات  المحكمة المتعلقة بالنائب الشرعي (المطلب الثاني)

المطلب الأول: تدخل المحكمة لحفظ أموال القاصر.

خول المشرع للمحكمة التدخل من أجل حماية أموال القاصر، حيث نجد المشرع نص على أنه في حالة تعارض مصالح النائب الشرعي مع مصالح القاصر لابد من رفع الأمر للمحكمة من أجل تعيين ممثل للمحجور (الفقرة الأولى)والمصادقة على قسمة مال القاصر مع الغير  (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى:الحكم بتعيين ممثل للمحجور.

احتاط المشرع لتصرفات النائب الشرعي سواء الأبوين أو وصيهما أو مقدم القاضي فجعل تصرفاتهم ليست كلها مطلقة، لأنه قيد بعضها بضرورة إخضاعها لإذن القضاء. ويتجلى ذلك في الحالات التي تتعارض فيه مصالح النائب الشرعي مع مصالح القاصر، أو مصالح احد أصوله أو أحد فروعه وأولاده مع مصالح المحجور.
   فيتعين رفع الأمر إلى المحكمة التي يمكن أن تأذن له في ذلك، ولها أن تعين لهذا الغرض ممثلا للمحجور، لينوب عنه في إبرام التصرف، حيث نصت المادة 269 من مدونة الأسرة "إذا أراد النائب الشرعي القيام بتصرف تتعارض فيها مصالحه أو مصالح زوجه، أو أحذ أصوله أو فروعه مع مصالح المحجور، رفع الأمر إلى المحكمة التي يمكنها أن تأذن به، وتعين ممثلا للمحجور في إبرام التصرف".

الفقرة الثانية:الحكم بالمصادقة على قسمة مال القاصر مع الغير:

نصت مدونة الأسرة على أنه في حالة قسمة[29] مال المحجور المشترك مع الغير يتم بتقديم مشروعها إلى المحكمة التي تصادق عليها بعد أن تتأكد عن طريق الخبرة من عدم وجود حيف فيها على المحجور.[30]
إذن بمقتضى هده المادة لابد من حكم المحكمة بقسمة مال القاصر مع الغير. فلا يمكن للنائب الشرعي قسمة المال بدون حكم المحكمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل ذلك يلتزم به النائب الشرعي كيفما كان؟ أو إن ذلك يكون ملزما على الوصي والمقدم فقط؟ 
لكن المشرع نص على أن القاعدة العامة في تصرفات الأب أو الأم عند عدمه هو نفادها وعدم الخضوع للرقابة سواء كانت هده التصرفات بيعا أو رهنا أو قسمة، والى ذلك ذهب الدكتور العلمي الحراق حيث قال "فلا يحتاج الولي في إجراء تصرف من هذه التصرفات إلى الإذن من القاضي المكلف بشؤون القاصرين، ولا إلى إذن من المحكمة ولا مصادقتها"[31].
يعني ذلك إذن أن المراد بالنائب الشرعي هو الوصي والمقدم، فلا يمكن لهما قسمة مال المحجور المشترك مع الغير إلا بعد مصادقة المحكمة على مشروع القسمة، وتكون قسمة مال المحجور أمام حالتين:

أولها: اتفاق الشركاء مع النائب الشرعي. ففي هده الحالة يرفع هذا المشروع إلى المحكمة المختصة التي تصادق عليه بعد التأكد من عدم وجود حيف.
ثانيها: عدم الاتفاق على مشروع القسمة، فعلى الراغب فيها أن يقيم دعوى أمام المحكمة المختصة ضد جميع الشركاء.[32]
والجدير بالذكر أن المحكمة لا يمكن أن تبث في الطلب إلا بعد إنجاز مشروع القسمة مصحوبا بتصميم هندسي عند الاقتضاء، فإذا رأت المحكمة صلاح القسمة وسدادها وافقت عليها وإذا فهمت أنها مضرة بالمحجور عليها رفض الموافقة عليها.

المطلب الثاني:مظاهر رقابة المحكمة على النائب الشرعي.

من مظاهر رقابة المحكمة على النائب الشرعي الحكم بتعيين المقدم وتعين مشرف على الوصي والمقدم (الفقرة الأولى)وكذلك الحكم بإجراء حجز تحفظي وعزل الوصي والمقدم(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الحكم بتعيين المقدم وتعين مشرف على الوصي والمقدم:

تقوم المحكمة بتعين المقدم للقاصر أو للحمل لتدبير شؤونهما المالية لعدم وجود ولي أو وصي لهما ، فليس كل إنسان يتوفى ويترك ورثة يحتاج إلى نصب مقدم عليهم، وإنما عندما يتوفى الأبوين أو يفقدان أهليتهما ولم يقوما بتعيين وصى لأبنائهم، آنذاك تقوم المحكمة بتعين المقدم للقاصر أو للحمل لتدبير شؤونهما المالية. 
وأوجبت المدونة على المحكمة بأن تختار الشخص الأصلح من عصبة المحجور- أي من أقاربه الذين لا تفصل بينه وبينهم أنثى- وإذا لم يوجد من العصبة من يصلح للتقديم فيعين المقدم من الأقارب الآخرين، وإذا لم يوجد فيعين من غير الأقارب.[33]
وخول المشرع لأسرة القاصر وكل من له مصلحة ترشيح من يرونه مؤهلا لكي يتولى مهمة التقديم، كما خولت تعيين مقدم مؤقت كلما اقتضت مصلحة المحجور كتعيين مقدم ما للقيام بعمل ما أو لمدة محددة[34].
كما نصت المادة 248 من مدونة الأسرة" للمحكمة أن تجعل على الوصي أو المقدم مشرفا مهمته مراقبة تصرفاته وإرشاده لما فيه مصلحة المحجور، وتبليغ المحكمة ما قد تراه من تقصير أو تخشاه من إتلاف في مال المحجور. ومعنى هذا أن المشرف ليس له من تصرف الوصي والمقدم شيء وإنما تقتصر مهمته على متابعة تصرفات الوصي أو المقدم الذي يعتبر المسئول المباشر على مصالح الصغير.

الفقرة الثانية:  الحكم بإجراء حجز تحفظي وعزل الوصي والمقدم:

 يمكن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين أن يستصدر أمرا بالحجز التحفظي على أموال الوصي أو المقدم من رئيس المحكمة الابتدائية المختص في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية، كما يمكن له استصدار قرار استعجالي بوضع أموال كل منهما تحت الحراسة القضائية أو فرض غرامة تهديديه بعد توجيه إنذار وذلك في الحالات التالية
إذا لم يستجيب الوصي أو المقدم لطلب القاضي بالإدلاء بإيضاحات عن إدارة أموال المحجور وامتنع عن تقديم الحساب.  
 
- إذا أمتنع عن تقديم الحساب السنوي أو غيره  .                                            
 - إذا أمتنع عن إيداع ما بقي لديه من أموال لدى حساب القاصر بمؤسسة عمومية.
  كما تقوم المحكمة بعزل الوصي أو المقدم عند الاقتضاء، حيث جاء في المادة 270 "يمكن للمحكمة بعد الاستماع إلى إيضاحاته إعفاؤه أو عزله تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو ممن يعنيه الآمر.
وختما فإن مسألة النيابة الشرعية والقانونية على المحجور ذات أهمية بالغة لانها تتعلق بتسير شؤون المحجور الشخصية والمالية, والمحجور يعتبر من الحلقات الضعيفة في المجتمع لذلك قرر المشرع المغربي أن تكون النيابة تحث أشراف ومراقبة القضاء, فهل تحقق المغزى وتم حماية حقوق المحجورين؟
 
 
الهوامش

[1] "تحديد نطاق الولاية و الاختصاص القضائي: دراسة في القانون المصري والفرنسي والشريعة الإسلامية"، احمد مليحي، مكتبة دار النهضة العربية 1993.
[2] ينظر المواد التالية : 230. 231 من مدونة الأسرة.
[3] ينظر الفصل 182 من قانون المسطرة المدنية.
[4] المادة 240 من مدونة الأسرة.
[5] الفقرة الأخيرة من المادة 240 من مدونة الأسرة.
[6] قرار صادر بتاريخ 10 شتنبر 2008" مدونة الأسرة في الاجتهاد القضائي"محمد الشافعي . المطبعة والوراقة الوطنية مراكش  .
[7] انظر المادة 266 من مدونة الأسرة.
[8] المادة 262ر من مدونة الأسرة. والفصل 183 من قانون المسطرة المدنية.
[9] على عكس المسطرة المدنية التي حددت المدة في خمسة أيام  .
[11] "قانون المسطرة المدنية في شروح "، ص: 169.
[12] "إدارة أموال القاصر في ضوء التشريع المغربي والعمل القضائي"، مليكة الغنام، ص: 180.
[13]الفقرة الأخيرة من  المادة 238 مدونة الأسرة.
[14] "إدارة أموال القاصر على ضوء التشريع المغربي والعمل القضائي"، م س، ص: 182.
[15] الفصل 159 من مدونة الأحوال الشخصية "قاموس الأحوال الشخصية والميراث" خالد بنيس.
[16] "انظر الفقه الإسلامي وأدلته"، وهبة الزحيلي، 10/ 7340 ، طبعة دار الفكر المعاصر.
[17] المادة 14 من مدونة التجارة.
[18] "أنظر الفقه الإسلامي وأدلته"، مرجع سابق، ص: 7340.
[19] "قاموس الأحوال الشخصية والميراث" خالد بنيس، ص: 82.
[20] المادة 271 مدونة الأسرة.
[21] المادة 272 مدونة الأسرة.
[22] المادة 243 مدونة الأسرة.
[23] أنظر"الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة-مستجدات مدونة الأسرة فيما يتعلق بالأهلية والنيابة الشرعية"" عمر لمين ، ص: 134.
[24] "إدارة أموال القاصر على ضوء التشريع المغربي والعمل القضائي"، م س، ص: 178.
[25] "إدارة أموال القاصر ضوء التشريع المغربي والعمل القضائي"، م س، ص: 179.
[26] المادة 259 مدونة الأسرة.
[27] "دليل عملي لمدونة الأسرة".
[28] أنظر" دليل عملي لمدونة الأسرة" م س. ص: 161.
[29] القسمة أو القسم مصدر قسم الشيء يقسمه قسما أو قسمة فأنقسم، وقسماه جزأه والقسم بالكسر النصيب. أنظر لسان العرب لابن منظور مادة قسم ، 12/ 478.
وفي الاصطلاح عرفها الفقيه ابن عرفة بقوله القسمة تصيير مشاع من مملوك مالكين معينا ولو باختصاص تصرف فيه بقرعة.
انظر مدونة الأسرة والتوثيق العدلي
[30] المادة 275 مدونة الأسرة.
[31]"التوثيق العدلي ومدونة الأسرة"، العلمي الحراق.
[32]" دليل عملي لمدونة الأسرة" م س. ص: 164.
[33] "الأيام الدراسية حول مدونة الأسرة-مستجدات مدونة الأسرة فيما يتعلق بالأهلية والنيابة الشرعية" عمر لمين م س . ص: 126.
[34] نفس المرجع.
عن موقع marocdroit

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


لأي طلب أنا في الخدمة، متى كان باستطاعتي مساعدتك

وذلك من باب قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى).

صدق الله مولانا الكريم